[H

مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

كتاب الصلاة - لباس المصلي

 

 بسم الله الرحمن الرحيم


      ما أوردته هنا من تقارير عن بحوث سيدنا الاستاد المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني دام ظله انما هو ما فهمته من ابحاثه وقد بذلت غاية جهدي في معرفة ما يلقيه علينا من تحقيقات عميقة ولكنه حفظه الله تعالى كان غواصا قديرا فيدخل في أعماق البحوث والمعارف ولست واثقا من بلوغ كنه ما أراد فان كان فيه خطأ فهو من فهمي القاصر وأجلّ سيدنا الاستاد دام علاه عن قول ما لا يليق بعلوّ مكانته العلمية وأعتذر منه ومن القرّاء الأعزّاء عن كلّ ما فيه من أخطاء والله تعالى المسدّد والموفّق للصواب. 

                                                                          مرتضى المهري
                                                                   10جمادى الاولى 1433
                                                                            2/4/2012


 كتاب الصلاة

1 - المقدمة

2 - الصلاة في اللباس المشكوك كونه من اجزاء غير الماكول

3 - امكان جعل الشرطية والمانعية

4 - موثقة ابن بكير

5 - روايات ابن ابي عمير

6 - الفرق بين الاوامر والنواهي الارشادية والمولوية

7 - سائر روايات الباب

8 - اجراء اصل البراءة

9 - تمييز موارد الشك في التكليف عن الشك في الامتثال في الشبهة المصداقية

10 - الانحلال في النواهي

11 - بيان اقسام الوحدة

12 - اجراء اصالة الحل في المقام

13 - اجراء اصالة عدم المانع

14 - استصحاب العدم الازلي

15 - كلام حول الوجود الرابط

16 - الصلاة في غير الماكول عن جهل او نسيان

17 - شمول الحكم للمحرم بالعارض

18 - لبس الذهب في الصلاة وغيرها

19 - وثاقة ابي الجارود

20 - وثاقة موسى بن اكيل

21 - الذهب المختلط بغيره

22 - الفرق بين ما تتم فيه الصلاة وما لا تتم

23 - صلاة الصبي في الذهب

24 - حكم الجاهل والناسي

25 - في لبس الحرير

26 - الحكم في ما لا تتم فيه الصلاة

27 - احمد بن هلال العبرتائي

28 - تعليق الاسانيد بالاجازات

29 - لبس الحرير في الحرب والضرورة

30 - جواز الحرير للنساء

31 - في حجية عكس النقيض وارتباطه بدوران الامر بين التخصيص والتخصص

32 - مرسلات اصحاب الاجماع

33 - كتب بني فضال

34 - ما يرسله احمد بن محمد بن عيسى

35 - لبس الخنثى للحرير

36 - مزج الحرير بغيره

37 - الكف بالحرير

38 - من يروي عنه صفوان والبزنطي وابن ابي عمير

39 - عمار الساباطي وعدم دقته في النقل

40 - الاضطرار الى لبس الحرير

41 - قاعدة ما اضطر اليه فقد احله الله وحدودها

42 - اذا اضطر الى لبس الحرير في الصلاة

43 - اذا انحصر الساتر في احد الممنوعات

44 - اذا اضطر الى لبس احد الممنوعات

45 - لبس الصبي للحرير

46 - تحصيل الساتر بازيد من ثمن المثل

47 - لباس الشهرة

48 - علي بن الحسن بن فضال لا يروي عن ابيه

49 - التشبه بالنساء

50 - محمد بن اسماعيل في مشايخ الكليني

51 - صلاة العراة

52 - ابن مسكان لا يروي عن الصادق عليه السلام

53 - الاشكال في روايات محاسن البرقي

54 - صلاة العراة جماعة

55 - جواز البدار في الصلاة عاريا

56 - موارد العلم الاجمالي بممنوعية احد الثوبين

57 - التلحف باحد الممنوعات

58 - الصلاة في ثوب طويل طرفه من الممنوعات

 

المقدمة



 بسم اللّه الرحمن الرحيم


الحمد للّه رب العالمين وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله الطاهرين ولعنة اللّه على اعدائهم اجمعين.
هذا تقرير لابحاث سيدنا الاستاد الفقيه الالمعي مرجع الامّة وملاذها آية اللّه العظمى السيد علي السيستاني دام ظله. ومبدأ البحث في هذه المجموعة البحث عن مسألة اللباس المشكوك في الصلاة وهي المسألة18 من مسائل لباس المصلي في العروة الوثقى للفقيه المحقق السيد محمد كاظم اليزدي قدس سره.



 الكلام في اللباس المشكوك
 

المسألة 18: الأقوى جواز الصلاة في المشكوك كونه من المأكول او من غيره...

وقع الكلام في صحة الصلاة في اللباس المشكوك كونه من اجزاء ما لا يؤكل لحمه. وتعتبر هذه المسألة من مهمات المسائل الفقهية. وقد كتب المحققون الاعلام فيها رسالات خاصة وادرج بعضهم معظم تحقيقاته الاصولية في رسالته هذه. ويرجع تاريخ البحث عن هذه المسألة الى القرن السابع الهجري حيث ذكرها المحقق الحلّي قدس سره لاول مرة في الشرايع وحكم بعدم جواز الصلاة فيه ولم تكن هذه المسألة مدونة في الكتب القديمة وفي ما سبق على المحقق الحلّي قدس سره.
ومن هنا يعلم ان دعوى اجماع الفقهاء فيه بحيث يكشف عن قول المعصوم غير صحيحة. فان ذلك لو افاد لكان في ما نص عليه القدماء او كان في الكتب الاصلية التي وضعت لتدوين فقه الائمة عليهم السلام كما ذكره السيد البروجردي قدس سره لا الكتب التفريعية التي وضعت لمناقشة المسائل الاجتهادية غير المتلقاة من الائمة عليهم السلام يداً بيد.
واما بناءاً على مسلكنا من عدم كشف الاجماع عن قول المعصوم حتى في ما كان عن القدماء والكتب الاصلية فالامر واضح.
وقد اشتهر بين العلماء من زمان المحقق الى زمان الميرزا الشيرازي قدس سره القول بعدم الجواز وكان المخالف شاذا كالمحقق الاردبيلي والشيخ البهائي وصاحب المدارك والسبزواري والخوانساري وانقلب الامر بعد ذهاب الميرزا الى الجواز فكان هو المشهور والمخالف نادر.
والاقوال في هذه المسألة خمسة:الاولان الجواز والمنع مطلقا.
الثالث: التفصيل بين استصحاب المشكوك من اول الصلاة فلا تصح وبين وقوعه عليه او لبسه في الاثناء فتصح.
الرابع: التفصيل بين اللباس فلا تصح وسائر انحاء الاستصحاب فتصح.
الخامس: التفصيل بين ما علم كونه من حيوان فلا تصح وما شك في ذلك ايضا فتصح.

والوجه في التفصيل الاول هو القول بان مانعية استصحاب اجزاء ما لا يؤكل لحمه او شرطية كون اللباس من اجزاء ما يؤكل لحمه من شؤون الصلاة لا المصلي فحيث وقعت الصلاة صحيحة من اول الامر ثم شك في الصحة فتستصحب بخلاف ما اذا كانت الصحة مشكوكة من اول الامر. واما على القول بانها من شؤون المصلي فلا فرق بين الحالتين لان المفروض وجوب خلو المصلي بعنوانه عن هذا المانع.

والوجه في التفصيل الثاني ــ وهو ما ذهب اليه صاحب الجواهر ــ هو ان المستفاد من صدر موثقة ابن بكير مانعية استصحاب اجزاء ما لا يؤكل لحمه حيث قال عليه السلام: (ان الصلاة في وبر كل شيء حرام اكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد)(1) والمستفاد من جملة اخرى منها شرطية كون اللباس مما يحل اكله وهي قوله عليه السلام: (ولا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما احل اللّه اكله). ولكن الاول عام لجميع انحاء الاستصحاب بقرينة ذكر البول والروث اذ لا تحتمل فيهما الظرفية المجازية. والثاني خاص باللباس لظهور كلمة (في) في الظرفية ولو مجازا. وحيث ان مبنى الخلاف في المسألة هو الترديد بين المانعية والشرطية فعلى القول بالمانعية تكفي اصالة عدم المانع، وعلى القول بالشرطية لا بد من إحراز الشرط فالنتيجة هو وجوب احراز عدم كونه من غير المأكول في اللباس وعدم وجوب ذلك في غيره.
والوجه في التفصيل الثالث ان المستفاد من موثقة ابن بكير هو الشرطية والمانعية معا الا ان الشرطية في خصوص صورة العلم بكونه من الحيوان والمانعية في غيرها فتجري اصالة عدم المانع في ما شك كونه من حيوان دون ما اذا علم كونه منه.
والحاصل ان الخلاف في المسألة يبتني على استفادة الشرطية من الروايات او المانعية او كلتيهما معاً.
والكلام يقع في مقامين: مقام الثبوت ومقام الاثبات.
اما المقام الاول فالبحث فيه يقع اولا في امكان جعل المانعية ثم في امكان جعل الشرطية. ثم في امكان جعلهما معاً.
اما في البحث الاول فنقول: جعل المانعية يتصور على ثلاث وجوه:
الوجه الاول: ما هو المشهور بين الاصحاب قدس اللّه أسرارهم من ان التقييد يتحقق في مقام الجعل والاعتبار فيلاحظ المولى تقيّـد الشيء بعدم شيء آخر معه ويأمر به مقيداً.
والملاحظ هو ان ما ذكره المشهور يوجب اشكالا في صورة عدم العلم بالمانع فان اجراء اصالة عدم المانع لا يثبت الا عدمه في ظرف وجود المأمور به واما التقيد الذي هو دخيل في حقيقة المأمور به لا يثبته الاصل الا بلسان الاثبات.
وقد استراح عن الاشكال السيد الخوئي ايده اللّه حيث ذكر ان المقام ليس فيه تقييد وتقيد بل المانع هو المعاصرة في الزمان خارجا وهو ينتفي بالاصل.
وهذا لا يمكن الالتزام به الا اذا قلنا بان المعاني الحرفية لا تحتاج الى احراز والا فلا ريب في ان المعنى الحرفي المعتبر في المقام وهو الظرفية لا يمكن اثباته بالاصل.
الوجه الثاني: ما ذكره السيد البروجردي قدس سره من الجعل في مرحلة التطبيق.
وتوضيحه: ان المركبات الشرعية من الماهيات الاعتبارية التي لا يتقيد المسمى فيها بحدود خاصة كالدينار مثلا فانه عنوان اعتباري تابع لاعتبار الدولة ويختلف حدود قيمتها وشكلها باختلاف الاعتبارات بحسب اختلاف الدول ومع ذلك فان كلها يسمى ديناراً، وكذلك الصلاة فان اختلاف انواعها واحكامها في الشرايع واختلاف اصنافها في الشريعة الاسلامية بالخصوص لا يضر بتسمية جميعها صلاة اذ هي في اصل اللغة بمعنى اللين واستعمل في اللين في مقام العبودية وهو الخضوع، وجميع هذه الاعمال مبرزات للخضوع بنحو خاص يعبر عنه في اصطلاح الشرايع بالصلاة. ولكن التقييد بالمانع يأتي في مقام التطبيق وان هذا فرد لذلك العنوان المعتبر في الشريعة لا في اصل مقام الاعتبار.
وبذلك يرتفع الاشكال اذ ليس التقييد في مرحلة الجعل وانما الواجب في مرحلة التطبيق هو ملاحظة عدم المانع ويكفي فيه الاصل.
الا ان اصل هذا المبنى لا يمكن قبوله، فان المركبات الشرعية وان صحّ كونها من المفاهيم الاعتبارية التي تتمدد وتنكمش بحسب الاعتبارات من دون ان يتغير عنوان المسمى الا ان هذا العنوان ليس هو نفس المأمور به بل هو مرآة له والمأمور به مقيد بعدم المانع والا لكان مورد الشك داخلا في الشك في المحصل ولم يكن مورداً للبراءة.
الوجه الثالث: ما ذكرناه في الاصول في مسألة الاقل والاكثر الارتباطيين وملخصه: ان الشارع يمكن أن يأمر بالشيء من دون تقييد بالعلم او الذكر ولكنه يأمر بامور وهي الشروط وينهى عن اشياء وهي الموانع ويقيدها بالذكر او العلم الا ان الارتباط لا يتحقق بذلك بينها وبين المأمور به فينشىء الارتباط بجعل ثالث حيث يجعل ترك المجموع وترك اي جزء منه موضوعاً للحكم الجزائي من عقوبة اخروية او وجوب الاعادة او القضاء او الكفارة وهنا يمكن تقييده بالعلم ولولا هذا الجعل الثالث لكان ما امر به او نهى عنه في الجعل الثاني واجباً او حراماً في واجب وهكذا يتحقق انشاء المانعية والشرطية.
وذكرنا هناك ان هذا واقع في الشريعة وذلك لدلالة صحيحة لا تعاد على كون بعض الامور من الصلاة فريضة لاتصح الصلاة مع الاخلال بها بوجه وبعضها من السنة التي لا تنقض الفريضة وذكرنا ان هذه قاعدة عامة في كل مركب يشتمل على فريضة وسنة من المركبات الشرعية وان هناك شواهد كثيرة في موارد متفرقة وان وظيفة الفقيه تشخيص الفريضة من السنة في كل مركب شرعي.

وقد يستشكل على ما ذكرناه ان هذا التقريب انما يصح اذا امكن ملاحظة طبيعي الصلاة مثلا مرآة للفرد فيلاحظه الشارع بهذا العنوان ويجعل الارتباط بين الفرد منه والشرط او عدم المانع مع أن الطبيعي لا يكون مرآة للفرد فانه هو بعينه والشيء يحكي عما يطابقه لا عما ينطبق عليه.

والجواب ان ذلك في الحقائق الخارجية والمفاهيم المتأصلة واما الماهيات الاعتبارية فيمكن فيها ملاحظة الطبيعي عنوانا للفرد.

فالحاصل ان جعل المانع على ما ذكره المشهور ممكن ولا يرد اشكال كما فصلناه في الاصول ويكفي في نفيه اصالة العدم لانه بجعل جديد.

البحث الثاني: في امكان جعل الشرطية في خصوص المقام ونظائره بملاحظة ان الشرط لا يمكن ان يكون شرطاً مطلقاً اذ لا ريب في صحة الصلاة في اللباس المصنوع من غير اجزاء الحيوان وكذلك صحتها ان كان عاريا في حال الاضطرار ولا يجب استصحاب جزء من الحيوان جزما فلابد من ان يكون الشرط في خصوص ما اذا كان اللباس من اجزاء الحيوان ان يكون مما يؤكل لحمه او يكون الشرط كونه من الاضداد الوجودية لما لا يؤكل لحمه وهو ايضا في خصوص ما اذا كان اللباس من اجزاء الحيوان.
والاشكال في جعل هذه الشرطية من جهتين:
الاولى: ان كون اللباس من الاجزاء الحيوانية يجب ان يكون في مقام الموضوع لجعل هذه الشرطية أي كونه من اجزاء ما يؤكل لحمه لما مرّ فيجب ان يكون مفروض الوجود واذا كان كذلك فاما ان يكون في الخارج من اجزاء ما يؤكل لحمه او يكون مما لا يؤكل لحمه وفي الصورة الاولى يكون الاشتراط طلبا للحاصل وفي الثانية يكون طلبا للمحال.
وقد اجاب عنه السيد الحكيم (ره) في المستمسك بان الموضوع هو كون اللباس من اجزاء طبيعي الحيوان الشامل للقسمين فيصح الاشتراط.
ويلاحظ في ذلك انه ينافي كون الموضوع مفروض الوجود اذ الوجود يساوق التشخص فلابدّ من ان يكون حائزا على احدى الخصوصيتين.
الثانية: ان كل اشتراط اما ان يرجع الى المادة فقط فيجب تحصيله او الى الهيئة فقط فلا يجب تحصيله بمعنى انه اما ان يكون تحت دائرة الطلب فيجب او يكون فوقها ومفروض الوجود فلا يجب فان كان اشتراط كونه مما يؤكل لحمه في حال كون اللباس من الاجزاء الحيوانية تحت الطلب فهو طلب لما ليس تحت اختياره وان كان فوقه فتتقيد الهيئة به ولا تصل النوبة الى تقييد المادة للاستغناء عن تقييدها حينئذ فلا يبقى اشتراط اصلا.
البحث الثالث: في امكان جعلهما معا بعد فرض صحة جعل الشرطية. والاشكال فيه من ثلاث جهات:
الجهة الاولى: جهة ملاك المانع والشرط وامتناع اجتماعهما معا.
بيان ذلك: انهم قد ذكروا ان العلة التامة مركبة من المقتضي للشيء و وجود الشرط ــ وهو الذي يؤثر اما في قابلية القابل واما في فاعلية الفاعل ــ وعدم المانع وهو الذي يحول دون تحقق المقتضي فهو مقتض معاكس.
ولا يصح عند العقلاء اسناد عدم تحقق المقتضي الى وجود المانع الا عند تحقق المقتضي والشرائط فلا يصح من فقير محتاج لقوت يومه ان يعتذر عن عدم شرائه لعمارة ضخمة في منطقة خاصة باحتمال الخطر في تلك المنطقة مع انه لا يملك المقتضي لذلك وهو المال.
وبناءا عليه فلا يصح جعل المانعية لشيء والشرطية لضده لاختلاف الرتبة فاذا جعلت الشرطية لشيء اغنى ذلك عن جعل المانعية لضده فيكون لغواً.
وتمكن المناقشة فيه بعدم ثبوت تركب العلة التامة مما ذكر بل يمكن دعوى كون عدم المانع ايضا من شرائط تأثير المقتضي لا انه مقتض معاكس فلا ترتب بينهما وله تفصيل ليس هذا محله.
الجهة الثانية: عدم امكان التقييد بهما معا بدعوى ان التقييد بالملزوم يمنع من التقييد باللازم. وذلك لان التقييد انما يكون في الماهية المقيسة الى شيء تنقسم به وجودا وعدما الى قسمين. والماهية المتقيدة بالملزوم كالرقبة المؤمنة لا تنقسم بالقياس الى اللازم كالمسلمة مثلا الى قسمين فلا يمكن تقييدها به وكذا كل ضد بالنسبة الى عدم الضد الآخر فلا يكون المقيد باحدهما بالنسبة الى عدم الآخر مطلقا ولا مقيداً سواء قلنا بانهما من الضدين او من العدم و الملكة فانهما لا محالة لا يكونان الا في المحل القابل لهما.
ولكن تمكن المناقشة فيه بامكان التقييد من اول الامر بالمتلازمين فالمقيد ليس هو الماهية المقيدة باحدهما حتى يكون محالا بل هو الماهية المطلقة. وانما يلزم اللغوية وهي ــ لو سلمت ــ امر آخر غير الاستحالة العقلية.
الجهة الثالثة: عدم الملاك في جعل كليهما معا بمعنى ان المانعية اذا جعلت لشيء فجعل الشرطية لضده غير عقلائي وغير واجد للملاك وكذلك العكس وهذا غير الجهة الاولى فان المراد بالملاك هناك ملاك نفس المانعية والشرطية والمراد بالملاك هنا ملاك الجعل وحكمته وهو غير ملاك اصل العمل وحكمته والغرض المترتب عليه فقد يكون اصل العمل واجدا للملاك ولكن الجعل غير واجد له بسبب عدم القدرة العقلية او عدم الابتلاء مثلا.
وقد يقال في المقام بلزوم اللغوية من الجعل الثاني بعد الفراغ عن وجدان كل منهما للملاك خارجا وامكان التقييد بهما عقلاً وذلك للاستغناء عنه بالجعل الاول اذ الثاني يتحقق بامتثال الاول لا محالة.
ولكن يمكن المناقشة فيه بامكان جعل كليهما معا فلا يلزم اللغوية وقد يتعين ذلك للزوم الترجيح بلا مرجح اذا اختار احدهما واستغنى عنمنة لا تنقسم بالقياس الى اللازم كالمسلمة مثلا الى قسمين فلا يمكن تقييدها به وكذا كل ضد بالنسبة الى عدم الضد الآخر فلا يكون المقيد باحدهما بالنسبة الى عدم الآخر مطلقا ولا مقيداً سواء قلنا بانهما من الضدين او من العدم و الملكة فانهما لا محالة لا يكونان الا في المحل القابل لهما.
ولكن تمكن المناقشة فيه بامكان التقييد من اول الامر بالمتلازمين فالمقيد ليس هو الماهية المقيدة باحدهما حتى يكون محالا بل هو الماهية المطلقة. وانما يلزم اللغوية وهي ــ لو سلمت ــ امر آخر غير الاستحالة العقلية.
الجهة الثالثة: عدم الملاك في جعل كليهما معا بمعنى ان المانعية اذا جعلت لشيء فجعل الشرطية لضده غير عقلائي وغير واجد للملاك وكذلك العكس وهذا غير الجهة الاولى فان المراد بالملاك هناك ملاك نفس المانعية والشرطية والمراد بالملاك هنا ملاك الجعل وحكمته وهو غير ملاك اصل العمل وحكمته والغرض المترتب عليه فقد يكون اصل العمل واجدا للملاك ولكن الجعل غير واجد له بسبب عدم القدرة العقلية او عدم الابتلاء مثلا.
وقد يقال في المقام بلزوم اللغوية من الجعل الثاني بعد الفراغ عن وجدان كل منهما للملاك خارجا وامكان التقييد بهما عقلاً وذلك للاستغناء عنه بالجعل الاول اذ الثاني يتحقق بامتثال الاول لا محالة.
ولكن يمكن المناقشة فيه بامكان جعل كليهما معا فلا يلزم اللغوية وقد يتعين ذلك للزوم الترجيح بلا مرجح اذا اختار احدهما واستغنى عن الآخر.
وكيف كان فهذا الاشكال ليس واضحا الى حدّ يوجب القول بالتعارض والتكاذب اذا ورد دليلان ظاهرهما جعل المانعية لشيء والشرطية لضده.
فتحصل ان جعل المانعية ممكن وجعل الشرطية مشكل في نفسه وجعلهما معا مع قطع النظر عن اشكال جعل الشرطية مشكل من جهة عدم اجتماع ملاك المانعية والشرطية في الضد وعدم الضد الآخر. وهو المذكور في الجهة الاولى.
المقام الثاني: في اثبات كل من المانعية والشرطية واستظهارهما من الادلة. ونحن نتعرض لموثقة ابن بكير التي هي الخبر المعتبر في المقام.
محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن بكير قال: سأل زرارة أبا عبداللّه (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر؟ فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم): أنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره ممّا أحلّ اللّه أكله، ثمّ قال: يا زرارة هذا عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فاحفظ ذلك يا زرارة فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز إذا علمت أنّه ذكيّ قد ذكّاه الذبح وإن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شيء منه فاسد ذكّاه الذبح أو لم يذكّه(2).
وقد استدل على المانعية بصدر الرواية الناقل لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم (ان الصلاة في وبر كل شيء حرام اكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد).
وقد يستشكل فيه بان الفساد اعم من ان يكون بفقدان الشرط ووجدان المانع فلا تدل على المانعية.
ولكن يمكن استظهار المانعية من جهتين:
الاولى: ان الظاهر من تعليق الحكم على شيء في ظاهر اللفظ تعليقه عليه في الواقع لاصالة تطابق القضية اللفظية والقضية اللبية فلا وجه لتأويل الكلام بعدما كان الفساد مترتباً على لبس ما هو حرام اكله. وارجاعه الى اشتراط حلية الاكل مخالف لهذا الاصل العقلائي.
الثانية: انّ الفساد اما ان يكون عبارة عن عدم ترتب الاثر او عدم التمامية وعلى كلا الوجهين فهو امر عدمي فلابد ان يكون مستندا الى وجود المانع الذي قد عرفت انه الشيء الذي اذا وجد منع من تحقق المقتضى فاثره امر عدمي.
واما احتمال كون الفساد امرا وجوديا فيمكن ان يستند الى كل من الامرين فلا وجه له.
والحاصل انه لا يبعد استفادة المانعية من هذه الجملة وكذلك الجملة التي ذكرها الامام عليه السلام في تطبيق الكبرى على المورد لاتحاد التعبير.
واما ما ظاهره الشرطية في هذه الموثقة فهو قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما احل اللّه اكله).
ويقع الكلام اولا في الوثوق بصدور هذه العبارة ثم في معناها. ويلاحظ ان الاشكال وارد اولا في صدر هذا الحديث وهو قوله صلى اللّه عليه وآله وسلّم (ان الصلاة في وبر كل شيء الخ) فان الاضطراب في العبارة واضح كما اعترف به صاحب الوافي والسيد البروجردي (قدس سرهما) فاسناد هذه العبارة الى الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم مع انه افصح العرب مشكل جداً وانا نجزم بوقوع تصحيف في العبارة ولعل منشأه ان الراوي له هو ابن ابي عمير وقد ذكروا في احواله ان كتبه تلفت او أوشكت على التلف في زمان حبسه رحمه اللّه وبعد ان ارادوا تصحيحها تعرض اسماء بعض الرواة للحذف لعدم امكان قراءتها فابدلوها بكلمة (رجل) أو (بعض اصحابنا) وما شاكل ذلك واما المتون التي لم تكن مقروّة فقد اثبتوها بالتصحيح القياسي.

ولكننا نجد بقرينة تطبيق الامام عليه السلام الكبرى المأخوذة من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم على مورد السؤال وكون السؤال عن خصوص الوبر من الحيوان الوبر (بكسر الباء أي ذات الوبر) ان الصحيح بموجب التصحيح القياسي هو هكذا (ان الصلاة في كل شيء وبر حرام اكله فالصلاة الخ) وتكرار المسند اليه وهو الصلاة هيّن. ومع ذلك فلا يحصل الوثوق بصدور هذه العبارة من الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم او الامام عليه السلام.
وكذلك في ما نحن فيه فان قوله صلى اللّه عليه وآله وسلّم (لا تقبل تلك الصلاة حتى يصليها في غيره مما احل اللّه اكله) مشكل من جهتين:
الاولى: ان الصلاة الماضية لا يمكن انقلابها عن الفساد الى الصحة ولازم هذه العبارة هو ذلك لمكان اسم الاشارة.
الثانية: ظهوره في شرطية كون اللباس من اجزاء ما يحل اكله وهو مقطوع الفساد اذ تجوز الصلاة في غير الاجزاء الحيوانية قطعاً.
فلابد من التصحيح القياسي كما فعلناه في العبارة السابقة، فيمكن تبديل كلمة حتى بالواو فتكون الجملة استينافية دالة على جواز الصلاة في اجزاء ما احل اللّه اكله كما يشهد له ذيل الموثقة الذي هو من كلام الامام عليه السلام وبذلك يندفع الاشكالان ولا يبقى مجال لاستفادة الشرطية.
فان قيل: فتح باب التصحيحات سدّ لباب الوثوق بصدور الاحاديث على ما هي منقولة في كتبها ولا يخفى ما يترتب عليه.
نقول: انا لا نلتزم بجواز التصحيح القياسي الا في روايات ابن ابي عمير وذلك في خصوص ما شهد الاعلام فيه باضطراب المتن.
ومع ذلك فان بالامكان تفسير الحديث على ما نقل بنحو يندفع الاشكال، وذلك بان يقال: ان المراد بالاشارة ليس هو نفس المشار اليه الذي هو الصلاة الواقعة خارجا بل المراد بها بنحو الاستخدام هو طبيعي الصلاة فيندفع الاشكال الاول ثم يكون المراد بقوله: حتى يصلي.. الخ خصوص صورة الصلاة في الاجزاء الحيوانية باعتبار الاشارة الى تلك الصلاة السابقة التي كانت كذلك فيكون المعنى ان هذه الصلاة لو كانت في ما يحل اكله لصحت وقبلت فلا تستفاد منه الشرطية ايضا اذ بعد الفراغ عن دلالة الصدر على مانعية محرم الاكل لا يعارضه توقف صحة الصلاة على كونها في ما يحل اكله اذ لعله من جهة فقدان المانع.
واما غير هذه الموثقة من الروايات فما كان منها بلسان النهي عن الصلاة في وبر او جلد ما لا يؤكل لحمه تستفاد منه المانعية بالتقريب الآتي:
وهو ان الاوامر لا تنقسم بالذات الى ارشادية ومولوية وكذلك النواهي ولكن الشارع المقدس الحكيم لا يريد من النهي الا الردع عما يرى فيه مفسدة فقد يكون الشيء مما يفعله الناس بطبعهم لدواعي واغراض تتعلق به فالشارع ينهى عنه ويضمّن نهيه عقابا اخروياً او دنيوياً او كليهما بغية ايجاد الرادع النفسي حتى لا يبقى الفعل مع دافع نفسي محض دون رادع ويقال لهذا النهي (النهي المولوي).
وقد يكون الفعل مما يفعله الناس بداعي تحقق ما امر به الشارع والا فليس لهم دافع نفسي اليه فاذا نهى الشارع عن حصة خاصة من هذا الفعل يعلم منه بالطبع ان ما طلبه الشارع لا يتحقق بهذه الحصة وهنا لا يضمّن الشارع نهيه عقوبة اذ لا حاجة اليه في ايجاد الرادع بعد ما كان الداعي الى الفعل اساسا هو طلب مرضاة الشارع والشارع الحكيم لا يشرّع الا بمقدار ما يوصله الى اغراضه ويقتصر عليه لان افعاله تابعة للمصالح والاغراض وهذا (نهي ارشادي).
وقد يكون الفعل مما يفعله الناس بداعي تحقق امضاء الشارع ــ الذي بيده السلطة التنفيذية ــ لما يريدون ايجاده من الامور الاعتبارية كالملكية والزوجية، وكذلك امضاء المجتمع ايضا باعتبار ان لهم نظارة الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، فان اعتبار المتعاقدين في نفسه لا يكفي اذا لم يتعقبه امضاء السلطة والشعب واعترافهم به، فنهي الشارع في مثل هذه الموارد عن حصة خاصة من الفعل يدل على عدم الامضاء ويسمى ارشادياً ايضاً.
واما رواية علي بن ابي حمزة قال: سألت ابا عبد اللّه وابا الحسن عليهما السلام عن لباس الفراء والصلاة فيها فقال: لا تصل فيها الا ما كان منه ذكيا قلت: او ليس الذكي مما ذكي بالحديد؟ قال: بلى اذا كان مما يؤكل لحمه قلت: وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم قال: لا بأس بالسنجاب فانه دابة لا تأكل اللحم وليس هو مما نهى عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم اذ نهى عن كل ذي ناب ومخلب (3).
فلو فرض دلالة صدرها على الشرطية لمكان قوله الا ما كان منه ذكيا المفسر بما ذكي بالحديد وكان مما يؤكل لحمه فان ذيله يدل على المانعية لاشتماله على النهي. واختصاص الرواية بالسباع لا يضر كما ذكرناه في محله فانه هو الحق لروايات اخرى تدلّ على ذلك. وموثقة ابن بكير لا اعتماد على متنه.
وكذا رواية مقاتل: (قال:سألت ابا الحسن عليه السلام عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعلب فقال:لا خير في ذا كله ما خلا السنجاب فانه دابة لا تأكل اللحم)(4) فان النفي ايضا كالنهي فيما ذكرناه من الدلالة على المانعية بالتقريب المذكور آنفاً.
وقد استدل الميرزا الشيرازي (قدس سره) على صحة الصلاة في المقام بالبراءة. وحاول تقريبه كل من الاعلام بما يناسب ذوقه ورأيه.

وتقريبه على مسلكنا يتوقف على اربع مقدمات:

الاولى: في جريان البراءة في الاقل والاكثر الارتباطيين.

الثانية: في جريان البراءة العقلية في الشبهات المصداقية اذا كانت شكاً في التكليف دون الامتثال.

الثالثة: في بيان الضابط في تشخيص موارد الشك في التكليف عن الشك في الامتثال فيما اذا كانت الشبهة مصداقية.

الرابعة: في تطبيق الضابط في موارد النهي الضمني والاستقلالي.
اما المقدمة الاولى فقد ذكرناها بالتفصيل في موضعها من مباحث الاصول.
واما المقدمة الثانية فان الحق فيها وفاقا للشيخ (قدس سره) جريان البراءة العقلية في الشبهات المصداقية اذا كانت موردا للشك في التكليف لا ما كان شكا في الامتثال. فالاول كما اذا قال: اكرم العلماء فشككنا في ان زيداً عالم أم لا فالاصل البراءة والثاني كما اذا قال: اكرم عالما فان اكرام زيد المشكوك لا يوجب الفراغ اليقيني بل لابد من احراز كونه عالماً.
وقد خالف في ذلك السيد البروجردي والمحقق الايرواني والوجه في ما ذهبا اليه هو ان وظيفة المولى هو بيان الكبرى وقد بين واما تطبيقها على الصغرى فليس من شأن المولى فالحجة التي يجب على المولى اقامتها ثابتة بنفس بيان الحكم الكلي. ولذلك لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص فان المخصص يكون حجة في الشبهة المصداقية فيقدم على العام ولولا ذلك لكانت حجية العام وشموله للمورد بلا معارض.
والجواب ان الحجة على نوعين: حجة في مقام الاخبار والاسناد الى المولى، وحجة في مقام الامتثال واستحقاق الثواب والعقاب وتحقق الطاعة والمعصية.
اما الاول فلا يتوقف على اكثر من بيان الكبرى والحكم الكلي فيصح اسناد وجوب اكرام العالم الى المولى سواء كان له مصداق في الخارج أم لا. وأما الثاني فيتوقف على انطباق الكبرى على الموضوع الخارجي اذ الطاعة لا تتحقق الا باتيان الفرد في الخارج فهو مقام الامتثال ولا يصح العقاب على تركه ما لم تقم حجة على وجوبه بعينه وتحقق الحكم الجزئي. نعم قد قوينا في محله وجوب الفحص اذا كان الاحتمال قابلا للتكامل عند العقلاء. ولكن الكلام في جريان البراءة بعد الفحص.
واما عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص فليس وجهه ما ذكر بل عدم انعقاد الظهور او عدم حجيته في العام بالنسبة الى هذا الفرد كما ذكر في محله. ثم انا عبرنا بالشبهة المصداقية خلافا لبعضهم حيث عبروا بالشبهة الموضوعية ليشمل الشك في الموضوع وفي المتعلق ومتعلق المتعلق كما سيأتي.
وأما المقدمة الثالثة فقد ذكر المحقق النائيني (قدس سره) ضابطا في المقام وهوانه كلما كان الشك في موضوع الحكم كان شكاً في التكليف. والوجه في ذلك ان القضية الحقيقية مآلها الى قضية شرطية المقدم فيها عقد الوضع والتالي عقد الحمل، فاذا قال: المستطيع يجب عليه الحج فمعناه كل مكلف ان استطاع وجب عليه الحج فيكون الموضوع سبباً لكون الحكم فعليا والشك فيه يوجب الشك في فعلية الحكم وهو مجرى البراءة. هذا مفاد كلامه ولا بأس به في نفسه وانما الكلام في تطبيقه وسيأتي ان شاء اللّه تعالى.
ونحن نضيف اليه ضابطين آخرين فالضابط الثاني هو ان المتعلق او متعلق المتعلق اذا كان تطبيقهما على المورد بيد المكلف وشك في الانطباق كان شكاً في الامتثال واذا لم يكن كذلك بل كان مفروض الوجود كان شكاً في التكليف، فمثلا في التكاليف الايجابية اذا كان المتعلق او متعلق المتعلق بنحو صرف الوجود كما اذا قال اكرم عالماً اذ لا يعقل ارادة مطلق الوجود لعدم امكان اكرام الجميع فيكون التطبيق بيد المكلف وتحت دائرة الطلب ويكون الشك شكا في الامتثال.
وقد يكون المتعلق بنحو صرف الوجود ومتعلق المتعلق بنحو مطلق الوجود كما اذا قال: اكرم العلماء فان صرف وجود الاكرام هو المطلوب لعدم امكان الجميع الا ان العلماء منحل فيكون بنحو مطلق الوجود فاذا شك في صحة الاكرام بنحو الشبهة المصداقية كان شكا في الامتثال واما اذا شك في صدق العالم كان شكا في التكليف، واما في النواهي فالمتعلق ومتعلق المتعلق مأخوذان دائماً بنحو مطلق الوجود اذ لا ينفك المكلف عن ترك صرف الوجود لعدم امكان الجميع فهو منحل ويكون فوق دائرة الطلب والشك شك في التكليف.
والضابط الثالث هو ان الحكم كلما كان بنحو العام المجموعي ثم شك في مقدار الافراد فان الشك يكون في تحقق موضوع الحكم الفعلي ويكون مورداً للبراءة كما اذا قال اكرم علماء البلدة وشك في انهم مائة أو أكثر مثلا.
المقدمة الرابعة: في تطبيق هذه الضوابط في مثل لا تشرب الخمر ومثل لا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه.
اما في الاول فقد طبق المحقق النائيني ضابطه هكذا فقال: ان الخمر وان كان في ظاهر القضية مأخوذا قيداً للمادة الا انه بحسب اللب قيد للّهيئة فمآل القضية الى انه كلما وجد الخمر فهو حرام فيكون الشك فيه شكاً في تحقق موضوع الحكم الفعلي فتجري البراءة.
وقد يستشكل بانه ما الموجب لارجاع هذه القضية الى ما هو قيد للهيئة؟
وقد يذكر لذلك ثلاثة وجوه على سبيل منع الخلو.
الوجه الاول: في ما اذا كان المكلف غير قادر على ايجاد الخمر او الوصول اليه فلا يكون الحكم بالنسبة اليه فعلياً اذ لا يمكن ان يتعلق الامر او النهي الا عن الحصة المقدورة فاذا شك في القدرة كان شكا في الحكم الفعلي، فهذا احد موارد ارجاع هذه القضية الى تقييد الهيئة.
وفيه اولاً: أنه يبتني على كون القدرة شرطاً لفعلية الحكم لا لتنجزه.
وثانياً: انه يتوقف على عدم صحة الشرط المتأخر والا فيمكن ان يكون الحكم فعليا بشرط تجدد القدرة في ما بعد.
وثالثاً: انه لاحاجة الى ارجاع القضية الى تقييد الهيئة لاخراج صورة عدم القدرة اذ يكفي في ذلك تقييد الاحكام بالدليل العقلي بالقدرة بصورة عامة.
فان قلت: لا فرق في ذلك بين التقييد بالدليل العقلي وارجاع القضية الى تقييد الهيئة.
قلت: ان عدم الفرق انما هو في موارد العلم بعدم القدرة واما في موارد الشك في القدرة مع كون الحكم فعليا فلا يكون مورداً للبراءة لاطباقهم على ان الشك في القدرة مورد للاشتغال واستثنوا ذلك عن موارد الشك في التكليف وان اختلفوا في وجهه.
هذا ولكن الاشكال الاول غير وارد لان الحق وفاقاً للمشهور هو كون القدرة شرطاً للفعلية.
الوجه الثاني: في ما اذا كان متعلق المتعلق دخيلاً في اتصاف المتعلق بالملاك لا محققاً للملاك فلا يكون بنفسه حائزاً على الملاك فلا يصح الامر والنهي بالنسبة للحصة المتقيدة به فانه يرجع الى تعلق الامر والنهي به وهو فاقد لملاكهما وهو ممتنع فلابد من ان يكون في هذه الموارد مفروض الوجود وقيداً للهيئة.
وفيه اولاً: ان هذا ان صحّ في الاوامر فلا يصح في النواهي فان الامر بالمركب او المقيد امر بالاجزاء والقيود واما النهي عن المركب او المقيد ليس نهيا عن الاجزاء او القيود وذلك لان المركب والمقيد ينتفيان بانتفاء الجزء والقيد. والمطلوب في النهي الانتفاء فيكفي انتفاء القيد او المقيد ولا يوجب ايجاد القيد بنفسه او المقيد بنفسه عصياناً للنهي بخلاف الامر كما لا يخفى.
وثانياً انه لا فرق بين الدخالة في اتصاف المتعلق بالملاك وبين تحقيق الملاك وسيأتي توضيح ذلك ان شاء اللّه تعالى.
الوجه الثالث: في ما اذا كان متعلق المتعلق مولداً للملاك الا انه غير موجود حين الحكم ولكنه يكون حائزاً للملاك حين وجوده ففعلية الحكم قبل وجود متعلق المتعلق يكون بلا ملاك فيقبح فلابد ان يؤخذ بنحو الشرط المقارن ليكون الحكم عن ملاك.
وفيه: أولاً ان هذا خلط بين ملاك الحكم وملاك المتعلق أو متعلق المتعلق فان الثاني هو عبارة عن المصلحة او المفسدة المترتبتين على وجود المتعلق خارجا والاول هو كون الحكم داعياً الى الخير وسبباً للانزجار عن الشر وهذا الملاك موجود في الحكم وان كان ظرف تحقق الملاك في المتعلق متأخراً فيصح الحكم بنحو الاطلاق كما يقوله المحققون الاعلام في ان القدرة على الفعل في ظرف وجوده كافية في صحة الحكم فعلاً وان لم تكن القدرة متحققة حين الحكم.
وثانياً: انه لا فرق بين كون الشيء دخيلاً في اتصاف المتعلق بالملاك وكونه محققاً للملاك فقد مثلوا للاول بالمرض الذي يوجب اتصاف شرب الدواء بالملاك وهو المصلحة وللثاني بشروط الفعل كالطهارة في الصلاة فانه محقق للملاك ولذلك لا يمكن ان تتقيد به الهيئة.
ولكن التحقيق ان كل ماله دخل في اتصاف المتعلق بالملاك فهو محقق للملاك ايضاً بمعنى انه لولاه لم يتحقق المصلحة في شرب الدواء مثلاً وكل ما هو محقق للملاك له دخل في اتصاف المتعلق بالملاك ايضاً ولذلك لا تتصف الصلاة بدون الطهارة بكونها ذات مصلحة.
نعم هناك كثير من الاحكام قد فرض فيه الموضوع مفروض الوجود ولكن ليس ذلك من جهة ان له دخلا في اتصاف المتعلق بالملاك بل من جهات اخرى كما اذا كان تحصيله عسراً فلا يوجبه المولى وانما يحكم على تقدير حصوله او كان في وجود الموضوع مفسدة كموارد وجوب الكفارات وسائر الاحكام العقابية كوجوب الاعادة والقضاء فان في وجود الموضوع في هذه الموارد مفسدة.
فالحاصل ان المشكلة لا تنحل بالميزان الاول.
واما الميزان الثاني فتقرير تطبيقه في المقام هو ان حرمة شرب الخمر حيث انه من الاحكام الانحلالية فلابد ان يكون الموضوع مفروض الوجود حتى يكون الحكم فعلياً وبذلك يكون فوق دائرة الطلب وتجري البراءة في موارد الشك. وهذا الميزان خاص بالنواهي الاستقلالية كما ان الثالث خاص بالنواهي الضمنية.
وقد استشكل فيه السيد البروجردي (قدس سره) بان الانحلال لا يصح في النواهي فالحكم فيها واحد. والوجه في ذلك ان الانحلال هو الكثرة الاعتبارية وهي التي يكسبها الحكم من كثرة المتعلق كما ان المتعلق يكتسب الوحدة الاعتبارية من الحكم، والمتعلق هنا غير قابل للكثرة من جهتين:
الاولى:حكم العقل النظري وذلك لان النهي اما ان يكون طلباً لترك الطبيعة او زجراً عن الطبيعة على الخلاف اما الطلب فهو عبارة عن الحكم واما الترك فهو امر عدمي ولا ميز في الاعدام واما الطبيعة فهي لا بشرط وليس فيها كثرة وليست هي الماهية الموجودة اذ لا يمكن ان يتعلق به الترك للزوم اجتماع النقيضين، والماهية لا بشرط لا تحكي عن الافراد بل عن الجامع بينها اذ الشيء لا يحكي عما ينطبق عليه بل عما يطابقه.
واما الزجر عن الطبيعة فهو ايضاً لا يمكن ان يتعلق بالماهية الموجودة في الخارج بل يتعلق بالماهية الاعتبارية وهي التي يعبر عنها بالماهية الزجرية كما يعبر في الماهية المأمور بها بالماهية البعثية فالآمر يعتبر هذه الماهية موجودة ولكن في وعاء الاعتبار فيدعو اليها او يزجر عنها فهي ايضاً ليست متكثرة. واما الماهية الموجودة خارجاً فلا يمكن ان يتعلق به زجر او بعث اذ هو مسقط للتكليف لا متعلق له في الاوامر كما انه في النواهي لا يبقى معه مورد للنهي لتحققه خارجاً.
الثانية: من جهة حكم العقل العملي وهو وجوب الموافقة وحرمة المخالفة فان النواهي لو كانت قابلة للانحلال لكان هناك احكام غير متناهية بعدد امكان صدور الافعال عن المكلف فيكون لكل منها موافقة ويكون للنهي الواحد موافقات غير متناهية ويكون المخالف مخالفاً في حكم واحد وموافقاً في احكام متناهية وهو واضح الفساد.
فان قلت: ان الوجدان يشهد بتكثر الاطاعة والعصيان في نهي واحد فاذا تمكن احد من شرب الخمر وكانت له الرغبة والميل الشديد ومع ذلك كف نفسه عنها فانه يعد مطيعاً ثم اذا شرب مرة عد عاصياً فاذا ارتدع مرة اخرى عد مطيعاً وهكذا. فهذا دليل على تكثر الحكم.
قلت: ليس هذا دليلاً على تكثر الحكم اما تكثر المعصية فلانه انما يدل اذا قلنا بسقوط الحكم بالعصيان وهو باطل جزماً فان الحكم لا يسقط بعصيانه وانما يسقط باطاعته او فوات وقته او شرطه فالحكم واحد وان تعدد العصيان.
واما تكثر الاطاعة فانما هو في مورد التصور ثم التصديق بالفائدة ثم الرغبة الى غير ذلك من مقدمات الارادة ثم كف النفس لتتحقق الاطاعة والقائل بتكثر الاطاعة لا يقول بتكثرها بحسب تحقق هذه الامور جزماً ولا يعقل ذلك اذ هو في مرتبة متأخرة عن الحكم.
ويمكن الجواب عن هذا الاشكال. اما عن الوجه الاول فبان الزجر وان كان عن الماهية الاعتبارية لا عن الماهية الموجودة الا انه مع ذلك يكتسب الكثرة من جهتين:
الاولى: انه ليس بنفسه متعلقاً للامر والنهي بل بما هو مرآة للمصاديق الخارجية وذلك لان ملاك الحكم الذي دعا الى جعله متقوم بالماهية الموجودة خارجاً ومن هنا يتصف الموجود في الخارج بانه مأمور به او منهي عنه و تتصف تلك الماهية الاعتبارية بملاك جعل الحكم فالماهية الاعتبارية واسطة في عروض الامر والنهي على الموجود في الخارج كالعكس في اتصاف الماهية بملاك الحكم وحيث ان الملاك الموجود في الخارج متكثر بحسب تكثر الافراد فتتصف منه الماهية الاعتبارية والحكم المتعلق بها بالتكثر.
الثانية: ان كل حكم مولوي انما يكون مولوياً من جهة اشتماله على حكم جزائي بنحو اللف، والحكم الجزائي لا شك انه متكثر بحسب تكثر المصاديق الخارجية فيكتسب الحكم المولوي من الحكم الجزائي الكثرة الاعتبارية.
واما عن الوجه الثاني فيقع الكلام تارة في الافراد الطولية واخرى في الافراد العرضية.
اما الاول كما اذا نهى عن التكلم في يوم بعينه والمفروض انه لم يتكلم فوحدة الموافقة في المقام مسلم الا ان الكلام في ان هذه الوحدة حقيقية ام اتصالية؟
بيان ذلك: ان الوحدة قد تكون حقيقية وهي التي تكون في الشيء الواحد الشخصي حقيقة. وقد تكون اتصالية وهي في ما اذا كانت هناك امور متكثرة الا ان اتصال وجوداتها قد تكون بحيث يرى امراً واحداً فالوحدة هنا نشأت من اتصال الامور المتعددة من دون تخلل العدم بينها كالخط الطويل ونور المصباح الكهربائي. وقد تكون اعتبارية وهي في ما اذا كانت الامور المتكثرة يتخلل بينها العدم. ولكن بنظر العرف يعتبر امراً واحداً نظراً الى وحدة الداعي كوحدة السفر مع تخلل الاستراحة او وحدة القصيدة والخطابة مع تخلل السكوت.
فان كان المقام من الوحدة الحقيقية يصح ان يقال: انها تكشف عن وحدة الحكم حقيقة. واما ان كانت وحدة اتصالية فلا تكشف عنها. ولنا في المقام ما يشهد على انها من القبيل الثاني وهو انه اذا تكلم في اليوم الممنوع فيه الكلام عدّ مخالفاً ثم اذا عاد فلم يتكلم بداعي الامتثال عد موافقا ثم اذا تكلم عد مخالفاً وهكذا وهو رحمه اللّه يقبل تعدد المخالفات فلا بد من تعدد الموافقة ايضاً والا لزم تخلل العدم في الوجود الواحد فهذا يكشف عن ان الوحدة في ما اذا ترك المنهي عنه تمام الوقت وحدة اتصالية.
واما في الافراد العرضية فان كان جميع الافراد ممكنة للمكلف كما اذا تمكن من قتل جماعة كثيرة وقد تركها جميعاً او بعضها دون بعض فلا نسلم انه موافقة واحدة بل موافقات ولكل منها ثواب مستقل اذا كان بقصد القربة. واما اذا لم تكن باجمعها ممكنة بل الممكن احدها مثلاً فالموافقة في ترك البقية وان كانت بحسب الواقع موافقة الا انها لا تعتبر موافقة من جهة عدم الاثر لها لا شرعاً ولا عقلاً ولا عرفاً.
وقد ناقش السيد الحكيم (قدس سره) في اجراء هذا الميزان بعدم الانحلال ايضاً من جهة اخرى وهي ان النهي قد يتعلق بالطبيعة السارية فينحل الى نواه متعددة بتعدد الافراد وقد يتعلق بصرف وجود الطبيعة من دون لحاظ الافراد فيكون نهياً واحداً متعلقاً بالطبيعة. فان كان على النحو الاول فالفرد المشكوك يشك في النهي عنه للشك في سريان الطبيعة فيه فتجري البراءة، وان كان على النحو الثاني فلا تجري البراءة لان الشك في انطباق المنهي عنه عليه اذ ينطبق على القليل والكثير فالقاعدة تقتضي الاشتغال اذ الشك في الامتثال لا في التكليف. ثم ذكر ان الظاهر في النواهي هو الثاني اذ التقييد بالسريان امر زائد فالاطلاق يقتضي حمل النهي على صرف الطبيعة.
ثم اجاب بوجهين: الاول ان صرف الوجود وان كان هو متعلق التكليف الا أنه عين ما ينطبق عليه وحيث انه صالح للانطباق على القليل والكثير فيشك في مورد الفرد المشكوك في سعة دائرة الانطباق الذي هو عين الموضوع وضيقها فيتمسك بالبراءة.
الثاني: ان الاطلاق وان اقتضى التعلق بصرف الوجود الا ان القرينة العامة تدل على تعلق النواهي بالطبيعة السارية وهي تحقق المفسدة في كل فرد فرد من الطبيعة.
والجواب اما عن اصل الاشكال فبأن تعلق النهي بصرف الوجود لا يمنع عن الانحلال وذلك لانه ايضاً بنحو السريان في جميع الافراد الا انه مختص باول الوجودات.
وعن الجواب الاول بان لازم ذلك ان يكون النهي عن الافراد لا عن الطبيعة والا فكثرة الافراد المنطبقة عليها لا يوجب تكثر الطبيعي الذي هو متعلق النهي.
وعن الجواب الثاني بان النهي لا يتعلق بالافراد بل بالطبيعة، وتحقق المفسدة في الافراد لا يوجب تعلق النهي بها بل يتعلق بالطبيعي الموجود بوجود كل فرد.
وقد يقرر عدم الانحلال في خصوص ما نحن فيه أي في ما اذا جعلت المانعية لشيء بان يقال: انه ليس زجراً عن الماهية بل هو طلب للترك فالمصلحة في الترك لا ان في الايجاد مفسدة. وحينئذ فان كان النهي طلباً لأعدام الطبيعة صح الانحلال اذ ان الطبيعة توجد بوجود افرادها ونسبتها اليها نسبة الآباء للأبناء فلا محالة يكون لها أعدام بعدد أعدام الافراد. ولكن قد يفرض النهي بنحو لا يصح معه الانحلال. وله ثلاث فروض:
الفرض الاول ما ذكره المحقق النائيني من انه قد تكون القضية بنحو الموجبة المعدولة المحمول كقوله: كن لا شارب الخمر. فتحقيق عنوان لا شارب الخمر هو المطلوب وهو لا يتحقق الا بترك جميع ما يحتمل خمريته اذ الشك في المحصل وهو مجرى الاشتغال.
والجواب اولاً انه ليس للطبيعي عدم يتحصل من اعدام الافراد ففي المثال ليس المطلوب الا اعدام افراد الطبيعة ولا فرق بين الموجبة المعدولة المحمول والسالبة المحصلة الا ربط السلب وسلب الربط.
وثانياً: ان هذا مجرد فرض ليس لاثباته من الادلة طريق اذ يتوقف ذلك على ان يستفاد من الادلة ان المانعية جعلت لامر انتزاعي يوجد في جميع افراد المانع وليس على هذا دليل.
الفرض الثاني:ان يكون الطلب متعلقاً لمجموع الاعدام بنحو الكثرة في الوحدة وهذا لا شك في عدم انحلاله الا ان الضابط الثالث من الضوابط المتقدمة يأتي فيه فلا اشكال.
الفرض الثالث:ان يطلب عدم الطبيعة الذي هو عين اعدام الافراد بنحو الوحدة في الكثرة لا بنحو المحصِّل والمحصّل، وقد ذكر المحققان العراقي والاصفهاني قدس سرهما في هذا الفرض انه يأتي فيه الضابط الثالث للشك في السعة والضيق.
ويرد عليهما ما اوردناه على المستمسك من ان لازمه ان يؤثر تكثر المنطبق عليه في تكثر الطبيعة التي هي متعلق الامر والنهي وهو لا يصح.
مضافا الى ان هذا لا يوجب انحلالا في الاحكام اذ المفروض ان امرا واحدا تعلق بترك الطبيعة. وعدم الطبيعة هو عين عدم الافراد.
والذي يسهل الخطب ان المستفاد من الادلة ليس الا تقييد الصلاة بعدم كل واحد واحد من الموانع فهذه فرضيات لا يساعدها مقام الاثبات.
ثم ان ما ذكرناه من بحث البراءة انما هو بناءا على جعل المانعية بالمعنى المشهور اي تقييد المأمور به بقيد عدمي. اما بناءاً على كونه قيدا في مرحلة التطبيق فلا تجري جزماً كما انها تجري جزماً بناءاً على مسلكنا لانه حكم استقلالي في مرحلة الجعل والارتباط انشئ بجعل جديد.
المقام الثالث: في اجراء اصالة الحل. وهذا قد يقرر في الحل التكليفي وقد يقرر في الحل بالمعنى الاعم. وللاول تقريران:
التقرير الاول: ان هذا اللباس من اجزاء حيوان نشك في حلية لحمه فنجري اصالة الحلية في اللحم ونحكم بعدم المانعية.
وهو يتوقف على ان لا تكون حرمة الاكل في الدليل مأخوذة على نحو المعرفية بل على نحو الموضوعية فانه على الاول لا تُثبت اصالة الحلية عدم كون الحيوان من الانواع الممنوعة المحصورة الا بلسان الاثبات.
والظاهر من الأدلة هو انه على نحو الموضوعية لاصالة تطابق القضية اللفظية مع القضية اللبية. الا ان بعض الروايات صرّح فيها بعناوين الحيوانات بانواعها فيشك في انها هل هي الموضوع واقعاً، أم أتي بها باعتبار انطباق الموضوع الواقعي عليها والظاهر منها هو الاول للاصل المذكور فلابد من ملاحظة اقوى الظهورين.
ويتوقف ايضاً على ان يكون المستفاد من الادلة الحرمة الفعلية اذ هي التي ترتفع باصالة الحل واما الحرمة الشأنية فلا ربط لها باصالة الحل.
وقد ناقش المحقق الايرواني في المقدمة الاولى بان الحكومة لا تختص بما اخذ بنحو الموضوعية بل يشمل ما اخذ بنحو المعرفية ايضاً.
واجاب عنه السيد الخوئي ايده اللّه بوجهين:
الوجه الاول: ان ما اخذ معرفاً ليس هو المراد الجدي والحكومة لا ربط لها بما اخذ في القضية اللفظية. وما هو في القضية اللبية لا حكومة عليها اذ هو عنوان كل من الحيوانات بانواعها الخاصة.
الوجه الثاني:ان اصالة الحل لو فرضنا حكومتها على العنوان المعرِّف ايضاً فلا تؤثر في العنوان المعرَّف ولا تنفي الاسدية والثعلبية.
ويردّ الوجه الاول ان الحكومة تتصور في المعرف ايضاً كما اذا جعل ابيض الثوب موضوعاً لحكم مثلا وجعله امارة على العالمية ثم بين في دليل آخران المراد بالبياض ما يشمل الصفرة.
ويردّ الوجه الثاني ان العنوان المعرَّف مساوٍ للمعرِّف فيرتفع بارتفاعه قطعاً.
ويلاحظ على ما ذكره المحقق الايرواني (قدس سره) ان الحكومة تنزيل للموجود منزلة المعدوم وللحرمة اثران في المقام: وجوب الاجتناب والمعرفية للعناوين الخارجية على الفرض وليس لاصالة الحلّ اطلاق يشمل الحكومة بالاعتبارين.
هذا كله في المقدمة الاولى من التقرير المزبور.
واما المقدمة الثانية فتمكن المناقشة فيها بان اصالة الحل ودليل الرفع تنزيل للموجود منزلة المعدوم سواء كانت الحرمة فعلية او شأنية ولا دليل على تقسيم الاحكام الى ظاهرية وواقعية فكلما شككنا في حرمة شيء باي من النحوين تجري فيه اصالة الحل.
التقرير الثاني هو ما ذكره المحقق النائيني ونحن نذكره بتقريب منا ويتوقف على ذكر مقدمات:
المقدمة الاولى: ان الحرمة المولوية سواء فسّرت بالزجر عن الفعل او بطلب الترك او بغير ذلك فهي على وجه العموم عبارة عن اعتبار المحرومية عن الشيء بنحو يشتمل على الوعيد على الفعل بنحو اللف والاندماج كما ان الوجوب المولوي عبارة عن كل اعتبار للشيء يشتمل على الوعيد على الترك والحاصل ان الحرمة بهذا البيان تشمل ما لو امر بالترك ايضاً.


المقدمة الثانية: انه لا فرق فيما ذكرنا بين الحرام الاستقلالي والحرام الضمني وهذا واضح على ما ذكرناه من معنى الحرمة كما انه لا فرق بين الوجوب الاستقلالي والضمني في حقيقة الوجوب الا انه في الوجوب يتحقق الوجوب الغيري بالامر بالمركب ولكن النهي عن المركب لا يوجب الحرمة الغيرية للاجزاء ولكنه يتحقق فيما اذا امر بمركب يشتمل على قيود عدمية فانها محرمة بالحرمة الضمنية لما ذكرناه في المقدمة الاولى من ان الحرمة تتحقق بالامر بالترك ايضاً.


المقدمة الثالثة: انه لا فرق في انحلال الامر بالمركب بين الاجزاء والقيود فان الامر بالنسبة الى القيود وان كان متعلقاً بالتقييد الا ان التقييد معنىً حرفي لا يلاحظ الا آلة للمعنى الاسمي وهو نفس القيد.
وربما يتساءل: ما هو الفرق بين الاجزاء والقيود حينئذ؟
والجواب: أن الفرق هو ان الوجوب يشمل الاجزاء بلا واسطة والقيود بواسطة عنوان التقيّد فمعنى اعتبار القيد العدمي في الصلاة مثلاً هو حرمة ايقاع الصلاة في هذا القيد.
المقدمة الرابعة: ان النهي عن المانع في المركب ينحل الى نواه بحسب افراد المانع.
اذا تبيّنت هذه المقدمات فجريان اصالة الحل في المقام واضح اذ في مورد الشك في كون اللباس من اجزاء ما لا يؤكل لحمه يرجع الشك الى الشك في حرمة ايقاع الصلاة فيه اذ الامر بالصلاة ينحل الى اوامر منها الامر بعدم استصحاب هذا اللباس ان كان كذلك.والامر بالترك معناه التحريم فالشك في جعل الحرمة والاصل يدفعه.
فان قيل: ان ظاهر ما دل على اصالة الحل هو تعلقها بالاعيان.
قلنا: لا ضير فانه يصح في المقام ايضاً ان يقال: هذا اللباس حرام اي يحرم ايقاع الصلاة فيه.-----
ولكن يمكن منع المقدمة الثالثة فان ارجاع تعلق الامر او النهي الضمني بالتقيد الى تعلقهما بالقيد يبتني على كون المعاني الحرفية معان آلية لا تلاحظ الا آلة للغير وهو ممنوع وقد ذكرنا في محله ان الفرق بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي ليس الا بالتفصيل والاجمال.
والذي يلاحظ في كلامه (قدس سره) انه لم يرجع النهي الى نفس القيد اذ لا يعقل ذلك لانه امر تكويني بل الى فعل اختياري للمكلف يتعلق بالقيد وهو ايقاع الصلاة فيه، ولا مصحح لهذا الارجاع، والنهي انما يتعلق بالتقيد بموجب الانحلال، ومفاد النهي هو بطلان الصلاة ان اوقعت فيه لما ذكرناه مراراً من ان النواهي على اقسام اربعة والمراد بجميعها هو انشاء المحرومية والمنع ولكن حيثما كان الشيء يرغب اليه بدافع نفسي فالنهي عنه مولوي أي يتضمن العقاب وحيثما كان مرغوباً اليه بداعي تسبيبه للامر الاعتباري الممضى لدى الناس والسلطة كان ارشاداً الى بطلان السبب وحيثما كان مرغوباً اليه بداعي تحقق المأمور به شرعاً كان ارشاداً الى عدم تحققه معه وحيثما كان بداعي طلب المولى كان اخباراً بعدم المطلوبية.

وعليه فلا تثبت بالنهي الضمني في المقام الا المانعية الوضعية دون الحرمة التكليفية فلا تجدي اصالة الحل.


واما تقرير اصالة الحل بالمعنى الأعم من التكليفي والوضعي فله وجهان ايضاً:
الوجه الاول ما ذكره صاحب الحدائق من ان ترتب الاثر على الصلاة في اللباس المشكوك مشكوك فيه وباجراء اصالة الحل يثبت الاثر. والمراد بالحلية هو المعنى الاعم ولذلك يتمسك بقوله تعالى احل اللّه البيع في نفوذه.
وقد ردّه السيّد الخوئي أيده اللّه بأنه يستلزم تأسيس فقه جديد اذ لا يمكن الالتزام بصحة العمل في كل مورد شك في تحقق قيده او جزئه بل اكثر الموارد شك في المحصل ومورد للاشتغال فالصحيح هو ان المراد بالحلية هو خصوص التكليفية.
ويدفعه ان تأسيس فقه جديد لا محذور فيه حيث يساعده الدليل. واما الاستنتاج بان المراد بالحلية هو خصوص التكليفية ففيه انه يمكن الالتزام بالمعنى الاعم دون لزوم تأسيس فقه جديد كما سيأتي.
الوجه الثاني وهو الذي نختاره ونعتقد ان كلام المحقق القمي (قدس سره) ناظر اليه لا الى ما ذكره المحقق النائيني كما يظهر منه ويبتني ذلك على بيان مقدمتين.


المقدمة الاولى: ان المراد بالحرمة والحلية اعم من الوضع والتكليف، والحرمة ليست الا اعتبار الحرمان من الشيء كما ذكرنا وهي تختلف حسب الامور التي تتعلق بها. فاذا قال: حرمت عليكم امهاتكم فالظاهر ان المراد ليس هو تحريم الاستمتاع بل تحريم العقد بمعنى عدم نفوذه ولذلك قال تعالى عقيب ذلك واحل لكم ما وراء ذلكم وليس المراد حلية الاستمتاع قطعاً بل حلية العقد اي نفوذه.


المقدمة الثانية ان الحرمة والحلية اذا تعلقتا بالاعيان فالمراد بهما هو حلية الفعل المتعلق بها او حرمته فيختلف حسب اختلاف الموارد فقد يكون وضعياً وقد يكون تكليفياً فكما يصح ان يقال: ان اللحم فيه حلال وحرام وهو حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فكذلك الوبر يصح ان يقال: فيه حرام وحلال فالحرام ما حُرمنا من الصلاة فيه أي مُنعنا والحلال غيره فهو حلال ايضاً حتى تعرف الحرام منه بعينه.
ولكن قد يناقش فيه بانه انما يصح في ما اذا كان العين مفعولا به بالنسبة الى الفعل لا فيما كان مفعولاً فيه كما نحن فيه.
والجواب منع ذلك.وقد عبّر القرآن بالشهر الحرام والبيت الحرام نظراً لحرمة القتال فيهما.
وقد يناقش ايضاً بان ذلك انما يصح في الفعل المترقب من العين لا كل فعل يتعلق به والمترقب من اللباس هو اللبس لا خصوص اللبس حال الصلاة.
والجواب ان اللبس حال الصلاة ايضاً بعض حالات اللبس بمعنى ان اللابس قد يلبسه لخصوص الصلاة. والصلاة عند المتشرعين امر مهم يهتمون باللباس الذي يشترون لاجلها ولذلك يتأكدون من خلوه عن ما منع من استصحابه في الصلاة وهي حالة تعتريهم خمس مرات في اليوم فلا مانع من توصيف اللباس بالحرمة من جهة حرمة الصلاة فيه وان حل مطلق لبسه وهذا هو المهم في اثبات جريان اصالة الحل فان امكن اثبات صحة هذا التعبير عرفا بهذا اللحاظ الذي ذكرناه فاصالة الحل جارية في المقام والا فسائر الوجوه لا وجه لها.
الدليل الرابع اصالة عدم المانع وله تقريرات اربعة:
التقرير الاول: ان يقال به من جهة قاعدة المقتضي والمانع.
وقد استقصينا البحث عنها في الاصول في الفرق بينها وبين الاستصحاب وبينّا انه لا دليل عليها.
التقرير الثاني: ان يقال بان الاصل في كل شيء هو العدم تمسكاً بالقاعدة الفلسفية القائلة بان كل ممكن من جهته ليس ومن علته أيس.
واستشكل فيه المحقق النائيني على ما في تقريرات العلامة الخوانساري بانه يستلزم اقربية الممكن الى العدم منه الى الوجود وهو خلاف ما ثبت في المعقول من ان الممكن متساوي الطرفين.
ولكن الظاهر ان المراد من العدم في هذه القاعدة ليس هو العدم المستند الى العلة بل هو عدم الاقتضاء.
وكيف كان فاثبات قاعدة عقلائية يفيد في المقام استناداً الى هذه القواعد الفلسفية العليلة حتى لو فرض صحتها غير ممكن. وللعقلاء احكام وقواعد لا يبتني على هذه الأسس اصلاً.
التقرير الثالث:الاستصحاب، بدعوى ان المانع ليس من اجزاء العلة وانما هو امر وجودي يمنع من تحقق المقتضي وهو مشكوك الحدوث فنستصحب عدمه. وهو الذي ذكره المحقق الهمداني (ره).
وقد ذكرنا في بيان قاعدة المقتضي والمانع في الاستصحاب ما يتعلق بمثل هذا التقرير وقلنا انه لا اساس له في التكوينيات فضلاً عن قياس الاعتباريات عليها الذي هو بمكان من الفساد.مضافاً الى ان استصحاب عدم مفهوم المانع لا اثر له واستصحاب عدم المصداق لا يكون الا بملاحظة احد الانواع الثلاثة الآتية.
التقرير الرابع: الاستصحاب ايضاً و يبتني على مقدمتين:
المقدمة الاولى في استظهار ان مركز التقييد في الروايات هل هو الصلاة ام المصلي أم اللباس.
فعلى الاول يختلف الحال بين ما اذا كان لابساً للمشكوك من اول الصلاة فلم يمض على الصلاة زمان لم تكن فيه مع اجزاء ما لا يؤكل لحمه جزماً فتستصحب هذه الحالة بعد الشك وعليه فيتوقف هذا الاستصحاب على القول بجريانه في الاعدام الازلية، وبين ما اذا كان لبس المشكوك في اثناء الصلاة فلا يتوقف الاستصحاب على هذا القول. ولكنه يشكل من جهة اخرى وهو عدم احراز خلو الصلاة بجميع اجزائها عن هذا المانع فان ما مضى منها ليس الا بعضاً منها ولا تتم الصلاة الا بتمامية اجزائها.
وعلى الثاني يصح التمسك بالاستصحاب على كل تقدير اذ لا يخلو المصلي في الازمنة السابقة على الصلاة من حال لا يكون فيه لابساً لاجزاء ما لا يؤكل لحمه فلا مانع من اجراء استصحاب ذلك الحال.
وعلى الثالث يتوقف الامر على كل تقدير على القول بالاستصحاب في الاعدام الازلية اذ لم يمض زمان على هذا اللباس يعلم فيه بانه ليس من اجزاء ما لا يؤكل لحمه.
المقدمة الثانية: في اجراء الاستصحاب بعد احراز الموضوع الذي هو مركز التقييد.
اما في المقدمة الاولى فالظاهر من الادلة هو الاول لقوله عليه السلام في موثقة ابن بكير وغيرها (فالصلاة في وبرها و.... فاسدة) سواء كانت (في) للظرفية او المصاحبة.
وقد اختار السيد الخوئي ايده اللّه الوجه الثاني لامرين:
الاول:قوله عليه السلام في موثقة سماعة (ولا تلبسون منها شيئاً تصلون فيه) حيث ان النهي ارشادي لبيان المانعية فذكر ان المانع هو لبس المصلي ذلك.
الثاني: ان ظرفية اللباس للصلاة غير معقول فلابد ان يكون ذلك باعتبار أن المصلي مظروف اللباس فيكون ذلك مصححاً لهذا التجوز فالموضوع الواقعي هو المصلي.
والجواب اما عن الوجه الاول فبأن النهي هنا ليس ارشادياً بل هو نهي غيري من باب المقدمة فالنهي متعلق بمطلق لبس هذه الاجزاء مخافة ان تقع الصلاة فيها فلا يدل على كون المانع لبس المصلي حتى يكون المقيد هو المصلي.
واما عن الثاني فبانه لم يظهر لنا الوجه في اختصاص الظرفية ــ فيما اذا كان المظروف فعلاً ــ بكون الظرف عينا من الاعيان اذ كما يصح ان تقول: صليت في الدار او يوم الجمعة وتقصد الظرفية لك كذلك يصح القول بانه وقعت الصلاة في الدار او يوم الجمعة. والظاهر انه لا يريد هذا المعنى بل يريد من هذا الاستغراب ان اللباس ليس له احتواء على الصلاة كالدار فلا تصح الظرفية. ولكن الظاهر انه يكفي وقوع الافعال والحركات التي هي قوام الصلاة في اللباس في صدق الاحتواء الذي هو ملاك الظرفية سواء كانت حقيقية ام توسعية.
واما الاحتمال الثالث فلا دليل في المقام يعيّنه.
واما المقدمة الثانية فنقول: استصحاب العدم على قسمين فقد تكون القضية سالبة بانتفاء المحمول وقد تكون بانتفاء الموضوع وهو الذي يعبر عنه بالعدم الازلي.
اما الاول فيجري في ما نحن فيه على احد احتمالين:
الأول البناء على كون المقيد هو ذات المصلي. ويجري فيه الاستصحاب بلا اشكال.
الثاني البناء على كون الصلاة هي مركز التقييد مع فرض عدم لبس اللباس المشكوك من اول الصلاة وعليه يرد الاشكال المذكور. وهو ان الصلاة مركبة من اجزاء متدرجة الوجود والكل لا يتحقق الا بتحقق جميع اجزائه فلم يحرز كون الصلاة خالية من اجزاء ما لا يؤكل لحمه فيستصحب.
والجواب عن هذا الاشكال ذكرناه مفصلاً في باب جريان الاستصحاب في الامور المتدرجة وملخّصه انه لا بد من وحدة الموضوع في القضيتين المتيقنة والمشكوكة الا ان الوحدة قد تكون حقيقية وقد تكون اتصالية كما في الامور المتعددة التي لا يتخللّها العدم وقد تكون عرفيّة كما في الامور المتعددة التي يتخللّها العدم ولكنها تعتبر عند العرف امراً واحداً بلحاظ وحدة الداعي.
والامور المتدرجة في الوجود كالزمان مثلاً تلاحظ باعتبارين فتارة تلاحظ باعتبارها معنىً كلياً له أفراد وتارة تلاحظ باعتبارها معنىً مركباً له اجزاء كما يقال ذلك في الحركة القطعية والحركة التوسطية. فقد يقال النهار مثلاً لجزء من النهار باعتباره معنىً كلياً يصدق على كل آن من آنات النهار بالمعنى الآخر وقد يقال ويراد به المجموع المركب من الآنات. والكلام انما هو في الاعتبار الثاني. فاما ان يقال بان هذه الامور بهذا الاعتبار وهمية لا وجود لها خارجاً كما نقل عن بعض الفلاسفة ان الحركة القطعية امر وهمي. واما ان يقال بانها موجودة حقيقة وحينئذ فيشكل بان هذه المجموعة من الامور القارة متى توجد في الخارج فهي في اول وجودها ليست موجودة بتمامها بل الموجود جزء منها وفي آخر وجودها قد انصرم بعضها وانعدم.
والحق انها موجودة بوجود امتدادي أي توجد هذه المجموعة بوجود اول جزء منها بشرط تعقبها بسائر الاجزاء و لا مانع من الالتزام بصحة الشرط المتأخر في ما نحن فيه واشباهه.
واما القسم الثاني أي استصحاب العدم الازلي فهو ايضاً على أحد احتمالين: احدهما كون اللباس هو مركز التقييد والثاني كون الصلاة هي المقيدة ولكن بشرط كون اللبس من اول الصلاة؟
وقد وقع الخلاف في جريان الاستصحاب في الاعدام الازلية وتفصيل الكلام فيه موكول الى محله. واما مجمله فهو ان مرجع القول بعدم جريانه هو انكار السالبة بانتفاء الموضوع ودعوى ان السالبة ايضاً كالموجبة تحتاج الى وجود الموضوع. ولهذا القول انحاء من التقرير.
فمنها ما ذكره المحقق النائيني قدس سره. وبيّن لذلك وجهين:
الوجه الاول: ان العرف لا يساعد على ذلك فيستنكر اذا قيل مثلا بان اخا زيد ليس بذي بصر مع ان زيدا ليس له اخ اصلاً.
الوجه الثاني: انه ممنوع عقلا ايضاً.
وتوضيحه: ان الاقوال في تركيب القضية المحصلة سالبة أو موجبة ثلاثة:
القول الأول ما ذكره المحقق النائيني من ان القضية مركبة من جزءين الموضوع والمحمول فاذا قلت زيد قائم فالموجود بازاء هذه القضية ذات زيد ووصف القيام الا ان هذا الوصف له اعتباران احدهما اعتباره بنفسه وبهذا الاعتبار يحمل عليه الوجود فيقال قيام زيد موجود ويسمّى بالوجود المحمولي والآخر اعتباره وصفاً لزيد وبهذا الاعتبار يحمل على زيد فيقال زيد قائم ويسمى بالوجود النعتي. وكذلك زيد ليس بقائم فعدم القيام قد يلاحظ عدماً محمولياً وقد يلاحظ نعتياً وحينئذ فلا فرق في الحاجة الى وجود المنعوت وهو الموضوع بين السالبة والموجبة. فالموجود في القضية ليس الالحاظ المحمول مرتبطاً في قبال لحاظه موجوداً بنفسه لا ان هناك آلة تربط المحمول بالموضوع مع كونه بدونها امراً مستقلا لا يرتبط بشيء فان ذلك مناف لكونه عرضاً لا يقبل الوجود الا في الغير.
القول الثاني ما ذكره اكثر الفلاسفة من ان القضية مركبة من وجود الموضوع والمحمول والرابط وهو المعنى الحرفي أي النسبة الحكمية ويعبر عنها بالفارسية بـ(است) وفي اليونانية ــ على ما قالوا ــ بـ (استين) ولما لم يجدوا في كلام العرب له حرفاً باعتبار ان الذوق العربي لا يساعد علي تثليث القضية وانما يرى الهوهوية بين الموضوع والمحمول فاستعاروا لهذا المعنى كلمة هو وفي السالبة يسلب هذا الربط فليس هناك ربط وحيث ان الحاجة الى الموضوع انما كان لربط المحمول بشيء لم يبق في السالبة حاجة الى الموضوع لعدم الربط.
فتبين ان منشأ انكار المحقق النائيني للسالبة بانتفاء الموضوع هو انكار وجود الرابط في القضية الموجبة حتى يكون في السالبة سلب الربط وان وجود الرابط لا اثر له خارجاً ولابد من تطابق القضية الذهنية مع القضية الخارجية لتطابق الحاكي والمحكي عنه وان حاجة العرض الى معروضه مغن عن دعوى حاجة القضية الى موضوعه وفي ذلك لا فرق بين السالبة والموجبة فان العرض لابد له من موضوع خارجاً حتى يوجد بلا فرق بين السلب والايجاب فكون العرض ــ كما يقولون ــ موجوداً لغيره مغن عن وجود الرابط لمكان اللام المعبّر عن لحاظه مرتبطاً.
وقد ايّد السيّد الخوئي هذا المطلب فانكر وجود الرابط وقال انا لا نرى للرابط امراً خارجياً بازائه. ولانه اما ممكن او واجب والممكن لابد ان يكون زوجاً تركيبياً من وجود وماهية فان كان له ماهية كان امراً متأصلاً يحتاج في ارتباطه بالموضوع والمحمول بناءاً على هذا المسلك الى رابط آخر، ولأنّ سلب الرابط مع القول بان الرابط أمر موجود خارجاً جمع بين النقيضين اذ الوجود يطرد العدم ولا يتصف به. ولأنه يستلزم انقلاب المعنى الحرفي اسمياً حتى يصح سلبه ووقوعه طرفاً للنسبة الى غير ذلك من الاشكالات.
ولكن الحق ان شيئاً مما ذكره الفريقان لا يطابق الواقع. ونبحث اولاً في ما ذكره المحقق النائيني وتبعه السيد الخوئي.
اما استنكار العرف والعقلاء فليس ذلك من جهة انه امر وهمي لا واقعية له وانما الاستنكار من جهة التصريح به. وليس كل ما يعلم يقال. وكم من الامور الواقعية لا يخلو بيانها من استهجان كالامور البديهية الواضحة ولكن الاستصحاب لا يتبع حسن التصريح بالشيء في القضية وانما يتبع وجوده الواقعي ولو كان ملاك الاستصحاب ذلك لم يصح في ما كانت القضية المتيقنة من الامور البديهية.
واما كون عرضية المحمول مغنياً عن اعتبار الرابط فالجواب عنه ان هذا خلط بين حاجة العرض الى الموضوع وحاجة القضية الى الموضوع فان حاجة العرض الى الموضوع من جهة كونه احد اجزاء العلة. فان العلل في الجواهر اربعة (الفاعلية والغائية والمادية والصورية) وفي الاعراض ثلاثة (الفاعلية والغائية والموضوع) وهو عبارة عن المحل المستغني عن المحلّ وهذا غير ما هو معتبر في القضية من وجود الموضوع اذ قد يكون المحمول في القضية من غير الاعراض فقد يكون من الامور الانتزاعية كالممكن وقد يكون من صفات اللّه تعالى كقولك اللّه عالم فان الرابط هنا موجود ايضاً ولابد فيه من وجود الموضوع وليس ذلك من قبيل الموضوع المعتبر في العرض. وقد يكون من الامور العدمية كالعمى وقد يكون الموضوع امرا ممتنعاً كقولنا شريك الباري ممتنع، او اجتماع المثلين مغاير لاجتماع النقيضين.
ولو سلم ذلك فانما يصح في وجود العرض واما عدم العرض فلا يحتاج الى موضوع فالمحمول في السالبة بناءاً على هذا غير محتاج الى الموضوع ايضاً.
واما ما استشكله السيد الخوئي وغيره في المقام فكله راجع الى توهم كون الوجود في الوجود الرابط كالوجود المحمولي فيكون مشتركاً معنوياً بينهما ولكنه غير صحيح كما صرّح به صدر المتألهين في الاسفار فانه ذكر ان الوجود مشترك لفظي بين الرابط والوجود المحمولي وليس وجوده من سنخ هذه الوجودات فيرتفع جميع ما ذكروه من الاشكال فهو ليس بممكن و لا واجب. ولا وجود له بمعنى الوجود المحمولي ولا ماهية.
وحقيقة الربط عبارة عن امر نفسي هو الحكم بالوقوع وهو ما يعبر عنه في الفارسية بـ(است) ويلاحظ الفرق بينه وبين كلمة (هست) فالمراد بها الوجود المحمولي وبـ(است) الوجود الرابط ولا يصح استعمال احدهما مكان الآخر وليس لهما نظير في العربية الا في الافعال الناقصة فكلمة كان الناقصة يعبر عن وجود الرابط والتامة عن الوجود المحمولي.
واما ما ذكر في سلب الرابط من استلزامه اجتماع النقيضين فانه انما يلزم لو قلنا بانه سلب لوجود الرابط لا على القول بانه سلب للربط.
واما حديث انقلاب المعنى الحرفي اسمياً فليس بمحذور اذ الفرق بينهما ليس الا بالاجمال والتفصيل بل قد يقال: ان المعاني الحرفية تطور للمعاني الاسمية. وكيف لا ينقلب المعنى الحرفي الى الاسمي حين تقع كلمة على او الى طرفاً للحمل؟!
واما وجوب تطابق القضية الذهنية والخارجية فانما نشأ من حسن الظن بالذهن كما هو مسلك الفلاسفة القدماء ولو صح ذلك لم تتكثر الادراكات النفسية من إدراك امر واحد. والحاصل ان تطابق الذهن مع الخارج من دون زيادة او نقيصة امر واضح البطلان.
هذا هو احد التقريرات لانكار السالبة بانتفاء الموضوع.
وقد ذكر السيد البروجردي تقريراً آخر لذلك وتبعه عليه بعض اعاظم العصر وبالغ في تقريبه. وهو ان القضية السالبة بانتفاء الموضوع قضية وهمية والسالبة بانتفاء المحمول قضية واقعية ولا يمكن ان يتحد الامر الوهمي والامر الواقعي فلا اتحاد بين القضيتين ويتوقف الاستصحاب عليه.
اما انها وهمية فلان الاشارة الى الخارج والقول بانه حين لم يكن لم يكن كذلك ليس بصحيح اذ الاشارة حين عدم الموضوع اشارة الى المعدوم ولا يمكن الاشارة اليه.
والجواب اولاً: ان الماهية الشخصية قبل الوجود الخارجي يشار اليها ويقال بانها لم تكن كذلك فالآن ايضاً كذلك فليست الاشارة الى المعدوم.
وثانياً انه لا دليل على وجوب اعتبار الاتحاد بين القضيتين حتى من هذه الجهة والمعتبر الاتحاد العرفي وهو موجود في المقام.
وفي المقام وجه آخر لانكار استصحاب العدم الازلي لا يبتني على انكار السالبة بانتفاء الموضوع بل على انه غيرمفيد في الاستصحاب فان القضية الشرعية في جميع موارد استصحاب العدم الازلي سالبة بانتفاء المحمول واجراء الاصل في السالبة بانتفاء الموضوع لاثبات السالبة بانتفاء المحمول مثبت فالموضوع في مثل قوله: (المرأة ترى الدم الى خمسين الا ان تكون امرأة من قريش) هو المرأة الموجودة. واجراء استصحاب عدم قرشية المرأة حين لم تكن موجودة لا يثبت عدم قرشيتها وهي موجودة.
وقد ذكر المحقق الاصفهاني قدس سره تفصيل هذا الاشكال بنحو خاص يأتي في مثل المرأة القرشية ونظائرها مما يكون الموضوع فيه طرفاً لنستبين سلبية وايجابية وبيانه يتوقف على مقدمتين:
المقدمة الاولى ان الموضوع في المثال المذكور مثلاً طرف لنستبين سلبية ناقصة وهي عدم كونها قرشية وايجابية تامة وهي ترى الدم... الخ والاولى لا يقتضي وجود الموضوع لان السالبة تصدق مع عدمه والثانية تقتضيه لانها ايجابية فان قلنا بان الموضوع فيها مقيد بالوجود ثبت ما ذكرناه من ان موضوع القضية السالبة مفروض الوجود.وان قلنا بانه مطلق من حيث الوجود اشكل الامر في جانب النسبة الايجابية. وان قلنا بانه مطلق ومقيد باللحاظين أي كونه موضوعاً للسالبة وموضوعاً للموجبة لزم الجمع في اللحاظ بين المتقابلين: الاطلاق والتقييد.
المقدمة الثانية: ان العناوين المأخوذة في الحكم ان كانت طولية كما اذا قال: ان كان العالم عادلاً يجوز تقليده فلا يكفي في اثبات موضوع الحكم استصحاب العدالة قبل كونه عالماً منضماً الى احراز العلم فعلاً بالوجدان اذ لا يثبت ذلك الموضوع المتقيد وهو العالم المتقيد بكونه عادلاً. فان استصحاب ذات الشيء لا يثبت موصوفيته بالوصف المحرز بالوجدان الا على القول بالاصل المثبت ونظيره المرأة الموجودة اذا كانت قرشية فان استصحاب عدم قرشيتها قبل الوجود لا يثبت اتصاف عنوان الموجودة بالقرشية.
وما ذكره قدس سره لا يأتي في ما نحن فيه فان القضية المستصحبة هنا (هذه الصلاة لم تكن مع ما لا يؤكل لحمه) فليس للموضوع نسبة ايجابية.
اما المقدمتان فممنوعتان اما الاولى فلانا نلتزم بالاطلاق والتقييد ولكن بتعدد اللحاظ وذلك لان الضمير في جملة (لم تكن قرشية) ترجع الى ذات المرأة وفي جملة (ترى الدم) يلاحظ بلحاظ آخر فيرجع الى المرأة بقيد الوجود فيكون الموضوع في القضية الشرعية هكذا: (المرأة اذا كانت موجودة ولم تكن قرشية...) فلا مانع من اثبات احد الجزءين بالاصل والآخر بالوجدان كما هو الحال في جميع الموضوعات المركبة ولا يجب ان يكون مجرى الاستصحاب تمام الموضوع للاثر الشرعي.
واما الثانية فلانه لو فرضنا ان المولى قال: المرأة الموجودة اذا لم تكن قرشية فالموضوع وان كان بحسب مقام الاثبات مركباً من جزءين طوليين الا ان الارتكاز العرفي يقضي بكونهما في مقام الثبوت عرضيين. والسر في ذلك ان العرض لا يعرض على العرض بل موضوعهما واحد. والعدالة ليست صفة للعلم بل هما صفتان لذات واحدة فلا مانع من استصحاب احدهما وضم الآخر بالوجدان.
والحاصل ان استصحاب العدم الازلي جار في المقام وفي كل مقام.
وقد يقال إن الاستصحاب اذا استند الى بناء العقلاء فاستصحاب العدم الازلي مخالف لبنائهم وان كان المستند الروايات فهي منصرفة عنه.
والجواب ما ذكرنا سابقاً من ان العقلاء يستهجنون التلفظ بالسالبة بانتفاء الموضوع لا انهم يرونها امراً وهمياً واما انصراف الاخبار فلا نرى له وجهاً.

الصلاة في غير المأكول

المسألة 19: اذا صلى في غير المأكول جاهلاً او ناسياً فالأقوى صحة صلاته.

كان كلامنا السابق في صحة الصلاة وعدمها اذا وقعت في المشكوك وهذا البحث انما هو في ما اذا تبين بعد الصلاة كونه من غير المأكول ويقع الكلام في موارد ثلاثة:
المورد الاول ان يكون حين الصلاة شاكاً فيه فالمشهور صحة صلاته وقد ذكروا لها وجوهاً لا تخلو عن اشكال.
والصحيح ان يتمسك في ذلك بصحيحة لا تعاد فانها - كما ذكرنا تفصيله في الاصول في باب الشك في الركنية وعدمها في مسألة الاقل والأكثر - تدل على نفي الارتباطية المطلقة بين الفرائض والسنن بمعنى اختصاص الارتباط بما اذا لم يكن عن عذر وحيث ان كون الصلاة في غير المأكول من السنن فتصح الصلاة اذا كان الاخلال عن عذر ومنه الشك.
وبهذا البيان يمكن القول بصحة الصلاة في المسألة السابقة وهي الصلاة في اللباس المشكوك وعدم المجال لاصالة البراءة والحل اذ لسان هذا الحديث هو ارتفاع الحكم الواقعي بالنسبة الى الشاك.
ويمكن ان يقال ان بعض ما ذكروه من الوجوه ناظرة الى ما ذكرنا حيث عبروا بتحديد المأمور به ولكن في المستمسك: (انه من باب التحديد في مقام الامتثال واجتزاء الناقص بدلاً عن التام لوجدانه الملاك او عدم امكان تدارك الفائت من المصلحة).
وتمكن المناقشة فيه ثبوتاً واثباتاً اما ثبوتا فلان الامر تابع للملاك ولا معنى لكون الملاك اوسع من المأمور به بل بكشف الملاك يكشف عن تحديد المأمور به.
واما اثباتا فلان ظاهر قوله عليه السلام (ولا تنقض سنة فريضة) انما هو بيان مقام الجعل وتحديد المأمور به.
المورد الثاني: ما اذا كان جاهلاً بكونه غير مأكول اللحم. وصلاته صحيحة لحديث لا تعاد بناءاً على شموله للجاهل كما هو الصحيح ولصحيحتي عبدالرحمن بن ابي عبداللّه وعبداللّه بن سنان قال: سألت ابا عبداللّه ع عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من انسان او سنّور او كلب أيعيد صلاته؟ قال: ان كان لم يعلم فلا يعيد(5).
ووجه الاستدلال مع أن مورد السؤال من النجاسات ان عذرة الكلب وهو من السّباع من أجزائه التي لا تصح الصلاة فيه لموثقة ابن بكير: فالصلاة في وبره و... وروثه. وقد قوينا في محله اختصاص الحكم بالسباع واما السنور فالصلاة في اجزائه فاسدة على القول المشهور.
المورد الثالث: الناسي. وصلاته صحيحة ايضاً لحديث لا تعاد.
ونسب الى المشهور البطلان هنا وذكر له وجهان:
الوجه الاول: مفهوم صحيحة عبد الرحمن فان قوله لم يعلم.. لنفي الماضي فمفهومه انه ان كان قد علم بذلك فصلاته فاسدة واطلاقه يشمل الناسي.
وفيه ان وجه الفساد في خصوص مورد الرواية يمكن ان يكون لاجل النجاسة والمشهور عدم صحة صلاة الناسي فيها وان قوينا هناك اختصاص ذلك بصورة عدم الاهتمام.
الوجه الثاني: موثقة ابن بكير فان الظاهر من قوله صلى اللّه عليه وآله وسلّم (لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما احل اللّه اكله) انه لتأسيس حكم جديد لا لتأكيد الجملة السابقة الدالة على فساد الصلاة وهو انه لبيان حكم الصلاة الواقعة ووجوب الاعادة فيشمل باطلاقه الناسي والجاهل.

ولا يعارضه حديث لا تعاد اما لان الموثقة اخص منه باعتبار شمول الحديث للجاهل والناسي وعموم موارد الخلل واختصاص الموثقة بالخلل من حيث كونه مما لا يؤكل، واما لان النسبة بينهما عموم من وجه لاختصاص الحديث بالناسي بناءا على عدم شموله للجاهل ولكن النسبة منقلبة باعتبار خروج الجاهل عن الموثقة بموجب صحيحة عبد الرحمن.
وفيه اولاً ان هذه الجملة من موارد اضطراب الموثقة كما مر البحث عنه مفصلا.
وثانياً: ان كونه للتأسيس لا دليل عليه بل ظاهره التأكيد واصالة التأسيس انما يجدي في ما اذا لم تكن امارة على التأكيد.

المسألة20 : الظاهر عدم الفرق بين ما يحرم اكله بالاصالة او بالعرض كالموطوء والجلال وان كان لا يخلو من اشكال(6).

قد مرّ الكلام في ان المحرم استصحابه في الصلاة هو اجزاء السباع وقلنا بان ما يوهم الاطلاق هو موثقة ابن بكير وليس فيها اطلاق فان المراد بالحرام ليس كل منهي عنه وان للحرام اصطلاحاً في الروايات غير مصطلحنا وقد دلت بعض الروايات ان الحرام انما هو ما حرم اللّه ورسوله. وما حرمه اللّه من الحيوان هو الخنزير وما حرم الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم كل ذي ناب ومخلب كما في الروايات وهو لا يشمل الا السباع. وعلى هذا فالفرق بين المحرم بالاصالة والمحرم بالعرض واضح.
واما بناءاً على كون المانع هو لبس اجزاء مطلق ما لا يؤكل لحمه فالظاهر ان المراد بالحرمة هو الحرمة الشأنية دون الفعلية فلا يرتفع المنع اذا ارتفعت الحرمة الفعلية كما اذا اضطر الى اكله ولكن الحرمة الشأنية اعم من المحرم بالذات والمحرم بالعرض كالموطوء والجلال ولكنه لا يشمل مثل المغصوب مما حرم بالعنوان الثانوي وذلك لان العناوين الثانوية لا ترفع الحكم المجعول على العناوين الاولية فالاضطرار مثلا لا يرفع حرمة الخمر وانما يرفع التنجز بالنسبة الى المضطر فهو يشربه بوصف كونه حراماً وكذا الغصب لا يرفع الحلية بالعنوان الاولي فلا يصدق انه حيوان محرم الأكل.

في لبس الذهب للرجال


قال المصنف: (الخامس)ان لا يكون من الذهب للرجال.

يقع الكلام تارة في الحكم التكليفي وتارة في الحكم الوضعي.
اما في المقام الاول فالظاهر عدم الخلاف فيه وان ورد في تقريرات السيد البروجردي قدس سره ان المنع منه غير موجود في كتب القدماء الموضوعة لجمع آراء اهل البيت عليهم السلام وانما هو في بعض الكتب التفريعية الفقهية كالمبسوط ولعله لكونه واضحاً مسلّماً.
اما كونه مسلّما فلا يمنع من ذكره في الكتب القديمة واما عدم التصريح به فيها ففيه انه موجود في كتاب فقه الرضا الذي هو عين كتاب التكليف للشلمغاني(7).
ويستفاد ايضاً من بعض الروايات كموثقة عمار عن ابي عبد اللّه عليه السلام (في حديث) قال: لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلي فيه لانه من لباس اهل الجنة(8).
ومعتبرة روح بن عبد الرحيم عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم لاميرالمؤمنين عليه السلام: لا تختّم بالذهب فانه زينتك في الآخرة(9). وغيرهما.
واما في المقام الثاني فتدل عليه ايضاً موثقة عمار المتقدمة لقوله عليه السلام (ولا يصلي فيه) ورواية موسى بن اكيل عن أبي عبدالله عليه السلام (في الحديد إنه حلية أهل النار والذهب إنّه حلية أهل الجنّة وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء فحرّم على الرجال لبسه والصلاة فيه). (10)
هذا كله في لبس الذهب. واما التزين به وان لم يصدق اللبس فقد صرّح جماعة بعدم حرمته تكليفاً. وقيل انه حرام للاجماع المدعى في الجواهر في كتاب الشهادات وللروايات.
اما الاجماع فالمحصل منه غير حاصل والمنقول ليس بحجة مع ان كثيراً من القدماء لم يتعرضوا للمسألة.
واما الروايات فقد قيل بانها ضعيفة السند.
اما معتبرة روح بن عبد الرحيم المتقدمة فالمناقشة في سندها في غير محلها فما ورد في المستمسك من التعبير عنها بالخبر تعريضاً بضعفها لم يعلم له وجه لتوثيق النجاشي اياه وكذا غالب بن عثمان الذي يروي عنه.
وأما دلالتها فلانها وان وردت في النهي عن خصوص التختم إلا ان التعليل بان الذهب زينتك في الآخرة يفيد العموم فيستفاد منها ان حرمة التختم من جهة كونه مصداقا للتزين. ومثلها في الدلالة رواية ابي الجارود (11) وقد استثنى ابن الغضائري عن كتبه ما رواه محمد بن سنان وهذا ظاهر في توثيقه وقد ذكرنا سابقاً عدم الوجه في الاشكال في استناد الكتاب الى ابن الغضائري. ومثلهما في الدلالة حديث حنان بن سدير(12). وفي رواية موسى بن اكيل المتقدمة فرّع التحريم على اختصاص الزينة بالنساء وهذا يدل على عموم التحريم لكل تزيّن(13).
ثم انه بناءاً على حرمة التزين فهل يوجب بطلان الصلاة ايضاً أم لا؟
لا دليل على الفساد بمطلق التزين الا رواية موسى بن اكيل النميري المتقدمة ولا يمكن الاعتماد عليها لانها مرسلة، مضافا الى ان خصوص ما يروى في نوادر الحكمة عن رجل مستثنى من رواياتها، والشيخ يرويها عن محمد بن احمد بن يحيى ــ وهو صاحب نوادر الحكمة ــ عن رجل، ومضافا الى ما في متنها فان تفريع التحريم بالنسبة للرجال على اختصاص التزين به بالنساء يدل على كون العلة في ذلك تضييق الامر عليهنّ. وهذا التعليل لبعده يوجب عدم الوثوق بالصدور.

قال المصنف: ولا فرق بين ان يكون خالصاً وممزوجاً.

الممزوج قد يكون بنحو الخلط بمعنى ان يذاب في الذهب معدن آخر كالنحاس فالحكم فيه يدور مدار الاسم فان صدق عليه اسم الذهب فهو حرام ومع عدم صدقه سواء صدق النحاس أم لم يصدق فالحكم هو الحلية وجواز الصلاة.
وقد يكون اللباس المصنوع ملحّما بالذهب. والمراد بالملحم ما يكون لحمته وهي خيوطه العرضية من ذهب وحينئذ فيصدق عليه اسم لباس الذهب. واما ان كان لحمته من غير ذهب وسداه وهي خيوطه الطولية من ذهب وان كان خلاف المتعارف فلا يصدق عليه اسم لباس الذهب. واما ان كان بعض اللحمة من الذهب فان كان يصدق على ذلك المقدار الاحتواء فيصدق لبس الذهب ايضاً والا فيكون من قبيل التزيين وقد مر الكلام فيه.
وقد يكون اللباس ممّوها أي ملوّنا بالذهب. واللون من الاعراض والذهب من الجواهر فلا تشمله أدلة النهي عن لبس الذهب والصلاة فيه. بل أدلة حرمة التزيين ايضاً قاصرة عن شموله اذ التزين هنا ليس بالذهب بل بلونه فلا اشكال فيه ظاهراً.

قال المصنف: ولا فرق بين ما تتم الصلاة فيه وما لا تتم كالخاتم والزر ونحوهما.

اما الخاتم فلا اشكال في حرمته تكليفاً على الرجال كما صرّح به في الروايات. والظاهر ان الحرمة لصدق لبس الذهب فان صدق التزيّن ايضا كانت الحرمة من جهتين.
اما الحرمة الوضعية فقد تردد فيها المحقق في المعتبر.
ويمكن الاستدلال له بموثقة عمار المتقدمة لصدق اللبس على التختم. الا ان يدعى ان ذيله يعلل النهي بانه لباس اهل الجنة واللباس لا يصدق على الخاتم. ولكن يدفعه ان اللباس كل ما يلبسه الانسان واللبس يصدق على كل ما يحتوي على الانسان حتى انه يستعمل في السيف. مضافاً الى ان صدر الرواية ينهى عن التختم بالحديد معللاً بانه من لباس اهل النار فيدل على ان اللباس يصدق على الخاتم. (14)
واما الزر فالحرمة التكليفية فيه دائرة مدار صدق التزين به لعدم صدق اللباس عليه اذ لا يشتمل على اي نحو من الاحتواء. واما من جهة الحرمة الوضعية فقد بيّـنّـا
ان التزين لا يوجب بطلان الصلاة.

قال المصنف: لا بأس بالصلاة في ما جاز فعله فيه من السلاح كالسيف والخنجر ونحوهما وان اطلق عليهما اسم اللبس ولكن الاحوط اجتنابه.

لا اشكال في تحلية السيف والخنجر بالذهب لما دلت عليه عدة من الروايات وبالدلالة الالتزامية تدل على جواز تقلدهما حينئذ فلا مانع من الصلاة فيهما ولا يعتبر هذا تزينا بالذهب وانما هو تزيين لهما بالذهب كما أنه ليس لبساً للذهب ايضا.
انما الكلام في جواز الصلاة فيهما مع صدق لبس الذهب كما ذهب اليه المصنف وذلك في ما اذا كان السيف أو غمده من الذهب. الظاهر هو الحرمة تكليفاً ووضعاً لما دلت عليه عدة من الروايات من صدق الاحتواء الذي هو مناط صدق اللبس في السيف فمنها رواية علي بن جعفر(سألته عن السيف هل يجري مجرى الرداء يؤم القوم في السيف قال: لا يصلح ان يؤم في السيف الا في الحرب) ومثله خبر وهب بن وهب (15) ومثله رواية علي بن ابي حمزة في الصلاة في السيف فيه الكيمخت والميتة (16) ومثله صحيحة عبد اللّه بن سنان: وان كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف ويصلي قائماً (17).
فالذي يستفاد من هذه الروايات صحة اطلاق (صلى في السيف) فان كان السيف او غمده من ذهب انطبقت عليه موثقة عمار المتقدمة وفيها (ولا يصلي فيه) (18).

قال المصنف: واما النساء فلا اشكال في جواز لبسهنّ وصلاتهنّ فيه.

نقل عن الصدوق (ره) المنع عن صلاتهنّ فيه. ولا وجه له لاختصاص روايات المنع بالرجال مع أنه صرّح في رواية موسى بن أكيل المتقدمة بجواز التزين لهن وفرّع عليه حرمة الصلاة على الرجال مما يدلّ على جواز لبسهنّ له في الصلاة.

قال المصنف: واما الصبي المميز فلا يحرم عليه لبسه ولكن الاحوط له عدم الصلاة فيه.

اما عدم الحرمة تكليفاً عليهم فواضح واما عدم حرمته على من يلبسهم فهو ايضاً كذلك اذ التسبيب الى الحرام حرام والمفروض انه لا معنى لحرمته عليهم نعم في ما اذا كان الشيء مبغوضاً للمولى بالمعنى الاسم المصدري بمعنى ان المولى لا يرضى بوقوعه خارجاً مطلقاً يجب تجنيب غير البالغين منه. هذا مضافاً الى الروايات الخاصة الواردة في المقام(19).
واما رواية ابن إدريس في السرائر عن جعفر بن محمد بن قولويه عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يحلي أهله بالذهب؟ قال: نعم، النساء والجواري فأما الغلمان فلا) (20) فهي ضعيفة اذ ليس لابن ادريس سند له، وعدم عمله بخبر الواحد لا يدل على تصحيحه للرواية كما ادّعاه الحرّ العاملي رحمه الله اذ لعله ذكرها تيمنا وتبركا ويشهد له تسميتها بالمستطرفات. هذا مع امكان تخصيصه بالبالغين لصدق الغلمان بعد البلوغ ايضاً.
وأما صلاته فان كان دليل المانعية هو النهي التكليفي كما عن جماعة منهم المحقق قدس سره فلا اشكال في عدم المانعية حينئذ لارتفاع الحرمة وان كان دليلها موثقة عمار المتقدمة (لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلي فيه) فالموضوع فيها الرجل وهو لا يشمل الصبي. الا ان يقال ان المراد به ما يقابل المرأة. وحينئذ فان قلنا بان النهي عن الصلاة ارشاد الى المانعية ابتداءً فهي من الاحكام الوضعية المشتركة بين البالغين وغيرهم فلا تصح صلاته فيه وان قلنا ــ كما هو الحق ــ انه نهي تكليفي والمانعية تتحقق بالربط في مرحلة الحكم الجزائي فالصلاة صحيحة ايضاً اذ النهي التكليفي لا يشمله.



المسألة 22: اذا صلى في الذهب جاهلاً او ناسياً فالظاهر صحتها.

اما الناسي فلانه القدر المتيقن من مورد صحيحة لا تعاد. واما الجاهل بالحكم او الموضوع قاصراً أو مقصراً فالتحقيق شمول الصحيحة له وما يمكن ان يقال في وجه اختصاصه بالناسي امران:
الاول ان شموله للجاهل يخالف قاعدة اشتراك العالم والجاهل والاجماع واطلاق أدلة الأحكام.
وفيه ان الاجماع ليس من الفقهاء بل من المتكلمين والاشتراك ثابت في الجملة لا مطلقاً واطلاق أدلة الاحكام محكومة بالصحيحة لانها ناظرة اليها.
الثاني: ان الظاهر ان صحيحة (لا تعاد..) خاصة
بما اذا كان الامر بالاعادة تأسيسياً لا تأكيدياً كما في الناسي اذ التكليف بالنسبة اليه لا يتوجه فيما نسي ولا بمجموع ما نسي وما لم ينس فوجوب الاعادة تأسيس بخلاف الجاهل فان خطاب الاعادة بالنسبة اليه تأكيدي اذ المفروض ان التكليف متوجه اليه من الاول.

...................................................................................................................................................

..............................................................................................................................


وقد يقال بانصراف الصحيحة عن مثل المقام أي الموانع نظراً الى ان ما ذكر فيها ليس الا من قبيل الاجزاء والشرائط.
وفيه ان دعوى الانصراف لا وجه له وذكر الشواهد ليس شاهداً ولعل عدم ذكر الموانع لانها مطلقا ليست من الفرائض.

المسألة 23: لا بأس بكون قاب الساعة من ذهب الخ .

لا ريب في عدم صدق الاناء على قاب الساعة بل الاناء اخص من الظرف ايضاً. واما المحمول من الذهب فالظاهر انه لا اشكال فيه ايضاً كما تدل عليه ما ورد من امر الحاج بشد نفقته وهي من الدنانير على بطنه بل السيرة كافية في المقام.


 

في لبس الحرير


قال المصنف: السادس: ان لا يكون حريراً محضاً للرجال.
يقع الكلام تارة في حرمة لبسه تكليفاً واخرى في بطلان الصلاة فيه.
اما الأول فالظاهر انه مما لا خلاف فيه بين المسلمين قاطبة. وقد ذكر المحقق الهمداني ان الحكم لولا تسالم المسلمين عليه وظهور بعض الروايات في كونه مرتكزاً في اذهان الرواة يشكل الاستدلال عليه بالروايات فانها بين ضعيف سنداً وقاصر دلالة.
ولكن يكفي في ذلك ما رواه عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السلام (ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم نهاهم عن سبع: منها لباس الاستبرق والحرير والقزّ والارجوان)(21).
ويؤيد ذلك سائر الروايات واتفاق المسلمين.
واما الكلام في الجهة الثانية فهو مجمع عليه بين اصحابنا وتدل عليه عدة روايات:
منها معتبرة اسماعيل بن سعد الاحوص قال : (سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام هل يصلي الرجل في ثوب أبريسم؟ فقال: لا) (22)، وليس في سندها من ينظر فيه الا محمد بن خالد وهو ثقة الا انه ضعيف الحديث كما قاله النجاشي وليس معناه انه ضعيف في نقل الحديث بل هو كقولك فلان ضعيف في النحو فالمراد عدم اطلاعه على شؤون الحديث.
ومنها مكاتبة محمد بن عبد الجبار قال: كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام أسأله (هل يصلّى في قلنسوة حريرمحض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه السلام: لا تحلّ الصلاة في حرير محض) (23)
ومنها رواية ابي الحارث سألت الرضا عليه السلام (هل يصلّي الرجل في ثوب أبريسم؟ قال : لا) (24) وغير ذلك.
وتعارضها صحيحة محمد بن اسماعيل بن يزيع قال: (سألت ابا الحسن عليه السلام عن الصلاة في الثوب الديباج قال: ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس) (25) .
وهذا الحديث معرض عنه عند الاصحاب وقد حمل على محامل اقربها التقية لا بالنحو المعروف بل لخصوصية في الراوي وهو انه كان في عداد الوزراء فيمكن ان يكون هذا الأمر له خاصة بلحاظ مكانته في الحكومة التي تقتضي ان يكون صاحبها مراقباً في افعاله فلا يخالف مسلك السلطة مضافاً الى ان اعراض الاصحاب يوجب عدم الوثوق بصدورها.
ثم ان الاستدلال باحاديث المنع ليس من أجل دلالة النهي عن العبادة على الفساد بل لان الظاهر من السؤال هو خصوصية صحة الصلاة لمفروغية الحرمة باتفاق المسلمين. ولان عدم الحل كما في المكاتبة اذا تعلق بما يتوقع منه امتثال الامر الشرعي كالصلاة دل على الارشاد بالبطلان.

قال المصنف: وسواء كان مما تتم فيه الصلاة او لا على الاقوى كالتكة والقلنسوة ونحوهما...

اختلفوا في مانعية الحرير في ما لا تتم الصلاة فيه كالقلنسوة والتكة فذهب الشيخ وجماعة كثيرة الى الجواز وذهب جماعة من القدماء والمتأخرين الى عدم الجواز ومنهم المفيد والصدوق بل هو المشهور بين القدماء فما في تقريرات السيد البروجردي من نسبة القول الاول الى المفيد ومن دعوى الشهرة الفتوائية بين القدماء عليه غير صحيح.
وتدل على عدم الجواز مكاتبتا محمد بن عبد الجبار:

روى الكليني عن احمد بن ادريس عن محمد بن عبد الجبار قال: (كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام أسأله هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه السلام: لا تحلّ الصلاة في حرير محض).
وروى الشيخ باسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن محمد بن عبد الجبار قال: (كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب: لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض وإن كان الوبر ذكيّاً حلّت الصلاة فيه إن شاء الله) (26)
ومورد السؤال فيهما هو التكة والقلنسوة. واذا تعلق عدم الحل بما يتوقع منه امتثال الامر الشرعي دل ذلك على الحكم الوضعي اي الفساد كما مر مراراً.
ويدل على الجواز خبر الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: (كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الابريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون في السراويل ويصلى فيه)(27) وفيه احمد بن هلال وهو العبرتائي وفيه كلام والبحث هنا يقع في مقامين:
المقام الاول في اعتبار روايتي عدم الجواز ورواية الجواز.
أما روايتا عدم الجواز وهما المكاتبتان فالظاهر انهما رواية واحدة اذ تبعد المكاتبة من شخص واحد الى ابي محمد وهو الامام العسكري عليه السلام مرتين والسؤال عن مسألة واحدة والظاهر ان في نسخة الكافي وهي الرواية الاولى سقطا وان نقله الشيخ ايضا كذلك، فانه ينقله بذلك اللفظ عن الكافي والنسخة الكاملة ما رواه الشيخ عن كتاب نوادر الحكمة وهي الرواية الثانية.
وكيف كان فالسند فيهما تام ومحمد بن عبد الجبار ثقة.
وأما رواية الجواز فالكلام انما هو في احمد بن هلال:
واحمد هذا كان من أكابر الشيعة وقد حج اربعاً وخمسين مرة وكان يروي اصول اصحابنا وقد حدث عنه كثير من الرواة خصوصاً العراقيون وكان في اوائل امره عابداً زاهداً ونسبة النصب اليه عن سعد بن عبد اللّه لعله باعتبار مخالفته لعموم الشيعة في أمر النائب الثاني محمد بن عثمان والا فمن المعلوم انه كان يقول بامامة الائمة عليهم السلام جميعاً ويقول ايضاً بنيابة عثمان بن سعيد مع ان هذه النسبة تعارض نسبة الغلو اليه كما عن الشيخ.
والظاهر ان غاية ما صدر منه هو انكار نيابة محمد بن عثمان ولعله استنكف قبول زعامة شاب عليه وهو من شيوخ الاصحاب بل يظهر من كتاب الغيبة للشيخ انه كان يدعي النيابة لنفسه حيث عدّه من المدعين للسفارة. وحيث كان هذا الانكار مخلاّ بنظام الشيعة وهم في حال تحير وضعف من جهة غيبة امامهم عجل اللّه فرجه بل كان موجباً لتجرء جماعة لادعاء  النيابة كما هو واضح كثرت عليه الهجمات من أكابر الشيعة ورموه بأمور تسقطه عن الاعتبار عند الناس لكي لا يتمكن الاعداء من التترس به. ويشهد لذلك ان التوقيعات الصادرة بحقه كلها في زمان حسين بن روح رضي اللّه عنه أي بعد وفاته بثلاثين سنة تقريباً.
اما وثاقته فقد ذكر في حقه النجاشي بانه صالح الرواية يعرف منها وينكر وهذه شهادة بوثاقته ووجود المنكرات في رواياته لا يضرّ باعتبارها. وقال الشيخ لا نعمل بما ينفرد به. وقال ابن الغضائري لا نعمل برواياته الا ما كان من مشيخة الحسن بن محبوب او نوادر ابن ابي عمير. واستثني من روايات نوادر الحكمة ما رواه عن احمد بن هلال والظاهر ان من لم يوثقه انما كان استمراراً للهجمات عليه من جهة اضراره بنظام الشيعة فلا ينافي توثيق النجاشي بل لا حاجة الى توثيقه بعد العلم بكونه من أكابر الاصحاب في أول الأمر وكثرة رواياتهم عنه.
ولكن يمكن الخدشة في توثيقه برواية رواها في حق العباس بن عبد المطلب مشتملة على نسبة الزنا الى عبد المطلب (نعوذ باللّه) بام العباس وان عباساً ولد الزنا.(28)
ويظهر منها انه لمساعدة الجبهة السياسية الفارسية في ذلك الوقت حيث كانت دعاية العباسيين لاحقية الخلافة لهم من جهة ان العباس عم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم والعم الابي اولى بالارث من ابن العم على ما زعموا فوضع رواية كهذه ينفي العمومة للعباس وحيث ان رواة السند كلهم من الاجلاء فالظاهر ان الواضع له هو احمد بن هلال الواقع في السند. وفي الرواية منكرات كثيرة.
ويمكن دفع هذا الوجه أيضاً بان الرواية يرويها الكليني (ره) وحيث انا قد علمنا بالبحث والتحقيق عنه انه كثيراً ما يروي بسند غير السند الواقعي بنحو الاسناد بالاجازة فمثلاً يروي هذا الحديث عن كتاب زرعة او سماعة بسند طويل ولكنه مجاز عن نقل الكتاب بطريق آخر فلا يذكر في الكافي السند الطويل ويذكر السند القصير اختصاراً ويكون الخبر قريب الاسناد ولكن هذا السند انما هو بالاجازة فيحتمل ان يكون في ذلك الطريق احد من وضاع الاحاديث.
والحاصل انه لا يبعد جواز العمل باحاديثه وان سلمنا فساد عقيدته.
هذا ويمكن تصحيح الرواية بطريق آخر وهو ان الشيخ (ره) عمل بهذه الرواية في قبال المكاتبة مع انه ذكر في التهذيب انه لا يعمل بما ينفرد به، فلا بد ان يكون للرواية طريق آخر معتبر أو يكون من نوادر ابن ابي عمير الذي استثناه ابن الغضائري فانه يرويها عنه الا انا لا نعلم انها من نوادره ام من غيرها.
المقام الثاني: في وجه الجمع بين الروايتين.
وقد حمل بعضهم المكاتبة على الثوب الحرير والثوب لا يشمل ما لا تتم فيه الصلاة. وفيه ان ذلك يقتضي عدم شمول المورد فان موردها التكة والقلنسوة.
وذكر وجوه جمع اخرى وهي ضعيفة مع انها تبرعية لا شاهد عليها.
وحمل بعضهم رواية الحلبي على التقية اذ مذهب العامة هو عدم البطلان.
وفيه ان ذلك ينافي التفصيل بين ما لا تتم الصلاة فيه وما تتم فانهم لا يرون هذا التفصيل لا في باب النجاسات ولا في ما نحن فيه ولا في الغصب.
ولذلك حمل بعض آخر المكاتبة على التقية وهو الصحيح . والوجه في ذلك أن ذيل المكاتبة بناءاً على النسخة الكاملة الذي ذكرها الشيخ يدل بالمفهوم على بطلان الصلاة ان كان في وبر نجس مع كونه مما لا تتم فيه الصلاة فان المراد بالذكي هو الطاهر اذ لا اثر للتذكية في الوبر فلابد من ان يراد به الطهارة في مقابل النجاسة العرضية اذ هو طاهر بنفسه وان كان من الميتة ومفهومه يدل على بطلان الصلاة في النجس منه.
وقد ورد مثل هذا الحكم في غير هذا الحديث ايضاً ولكن ذكرنا في محله انه لا بد من حمله على الكراهة لعدّة روايات دلت على عدم البطلان في النجس اذا كان مما لا تتم الصلاة فيه. وحينئذ فقرينة السياق تقتضي حمل عدم الحلية في الحرير ايضاً على الكراهة.
ويبقى استبعاد التعبير عن الكراهة بذلك، والجواب ان هذا هو مورد التقية لا اصل صدور الحديث فالتعبير بما يوهم خلاف المقصود انما هو لاجل التقية.

قال المصنف: بل يحرم لبسه في غير حال الصلاة ايضاً الا مع الضرورة لبرد أو مرض وفي حال الحرب وحينئذ تجوز الصلاة فيه أيضاً.

اما حرمة لبسه فقد مر بيانها ولابد من تقييدها ايضاً بما تتم الصلاة فيه اذ الأدلة لا تشمل غير الثوب.
واما جوازه في حال الاضطرار فلا اشكال فيه ايضاً لحديث الرفع وغيره.
واما جوازه في حال الحرب فقد دلت عليه بعض الروايات ومنها ما هو معتبر(29) .
وأما صحة الصلاة فيه فهي وان اشكل على مسلك القوم لكنه على مسلكنا صحيح لما ذكرناه في قاعدة لا تنقض سنة فريضة من ان المانعية مجعولة بجعل مستقل بعد النهي التكليفي المتعلق بالمانع فاذا انتفت الحرمة لم يبق مورد لجعل الارتباط بين الصلاة وهذا المانع.



قال المصنف: ولا بأس به للنساء بل تجوز صلاتهن فيه ايضاً على الأقوى.

أما جواز اللبس فهو مما اتفق عليه المسلمون ولا اشكال فيه وتدل عليه عدة روايات(30) الا ان هناك رواية معارضة عن زرارة قال: سمعت ابا جعفر عليه السلام ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء الا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته او سداه من خز او كتان او قطن وانما يكره الحرير المحض للرجال والنساء(31) .
وليس في سنده من ينظر فيه الا موسى بن بكر وهو لم يوثق الا انه ثقة لكونه من مشايخ ابن ابي عمير. وحيث انها مخالفة لاتفاق الاصحاب حملوها على الكراهة وأن النهي بالمعنى الأعم فيكون في مورد الرجال يراد بها الحرمة وفي النساء الكراهة. ولكن فيه نظر من جهة عدم كراهته ايضاً للنساء. الا ان الشأن في الوثوق بصدور هذه الرواية وهو مناط القبول عندنا واتفاق الاصحاب بل عامة المسلمين على خلافها يمنع من الوثوق بصدورها.
واما صحة الصلاة فيه فقد اختلف فيه فذكر الصدوق في الفقيه: قد وردت الاخبار بجواز لبس النساء الحرير ولم ترد بجواز صلاتهن فيه فالنهي عن الصلاة في الابريسم المحض على العموم للرجال والنساء حتى يخصهن خبر بالاطلاق لهن في الصلاة فيه كما خصهن بلبسه.
ولكن المشهور على خلاف ذلك فذهبوا الى صحة صلاتهن فيه. وتبع الصدوق في ذلك جماعة. واستدل للقول بالمنع بما ذكره الصدوق وحاصله ان الاخبار الدالة على مانعية الحرير في الصلاة مطلقة من حيث الرجال والنساء. ولم يأت في خبر التصريح بعدم المانعية لهن كي يقيد به الاطلاق.
والجواب عنه أولاً انه ليس هنالك مطلقات في أدلة المانعية. أما صحيحة الاحوص فخاصة بالرجل: (هل يصلّي الرجل في ثوب ابريسم) بل يستفاد منها ارتكازية الاختصاص بالرجال حيث ان الرجل الذي ليس معرضاً للصلاة فيه لوضوح حرمة اللبس عليه وقع مورداً للسؤال دون المرأة التي هي معرض لذلك لجواز لبسها له وكذلك رواية ابي الحارث.
واما مكاتبة محمد بن عبد الجبار فقد عرفت انها محمولة على الكراهة .
واما رواية الاحتجاج: (لا تجوز الصلاة الا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان)(32) فمرسلة اذ لم يعلم طريق الطبرسي الى الحميري الراوي. مضافاً الى انه استفتاء من صاحب العصر عجل اللّه فرجه ولنا نظر في هذه الاستفتاءات حيث ان الظاهر انها لم تكن تصل اليه عليه السلام بل كان يجيب عليها الفقهاء وانما كان مراجعة النواب اليه في عظائم الامور.
وثانيا بان هذا الاطلاق ــ لو سلم ــ معارض باطلاق جواز اللبس لهن حتى في حال الصلاة وهذا الإطلاق مقدم لعمل المشهور به ولو فرض التساقط بالعموم من وجه فالمرجع هو اصالة عدم المانعية هكذا ذكره المحقق النائيني قدس سره. وناقش فيه السيد الحكيم قدس سره بانه لا معارضة بينهما اذ لا مانع من جواز اللبس تكليفاً وحرمته وضعاً فتبطل الصلاة وان لم تأت بمحرّم.
والجواب عنه ان هذا الجواب صحيح على مسلك القوم ولذلك يرد على صاحب الحدائق ولكنه على مسلكنا ومسلك المحقق النائيني لا يرد وذلك لما بيناه مراراً من ان المانعية انما تجعل بجعل جديد بعد النهي التكليفي فاذا ارتفع النهي التكليفي لم يكن مجال لجعل المانعية وتفصيله في البحث عن صحيحة لا تعاد.
ويستدل للمنع ثانياً بما رواه الصدوق في الخصال عن احمد بن الحسن القطان عن الحسن بن علي العسكري عن محمد بن زكريا البصري عن جعفر بن محمد بن عمارة عن ابيه عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ليس على النساء اذان (الى أن قال) ويجوز للمرأة لبس الديباج والحرير في غير صلاة ولا احرام(33).
وفيه ان جميع رواته الى جابر مجاهيل.
ويستدل للمنع ثالثاً بعدم جواز احرام المرأة في الحرير بضميمة ما دل على أن ما تجوز الصلاة فيه يجوز الاحرام فيه. فبعكس النقيض يصح القول بان ما لا يجوز الاحرام فيه لا تجوز الصلاة فيه ومنه الحرير وعكس النقيض لازم القضية بحيث يلزم من صدقها صدقه ولذا عدّه بعض الاعاظم من الابحاث المنطقية التي يتوقف عليها الاستنباط نعم هو ليس بحجة في الاصول العملية لانه من اللوازم والاصل العملي لا يثبت أكثر من مجراه. ولكن المقام من الاصول اللفظية فعكس النقيض حجة فيها.
والجواب عنه ان المقدمة الاولى وهي عدم جواز احرامهن فيه غير معلوم والروايات فيه متعارضة وتفصيل الكلام فيه موكول الى محله.
ومع تسليمها فالمقدمة الاخيرة وهي حجية عكس النقيض في ذلك محل منع.
والوجه في ذلك انهم ذكروا في مسألة دوران الامر بين التخصيص والتخصص أن اصالة العموم لا يمكن اجراؤها لاثبات التخصص وهذه المسألة عين ما نحن فيه أي حجية عكس النقيض.
بيان ذلك انه لو فرض العلم بعدم جواز اكرام زيد وتردد بين كونه خارجاً عن عنوان العالم الواجب اكرامه تخصصاً وكونه خارجاً عن حكمه تخصيصاً فعكس النقيض للعموم يدل على الاول اذ العام هو كل عالم يجب اكرامه وعكسه كل من لا يجب اكرامه ليس بعالم وبذلك يخرج زيد عن عنوان العالم بمعونة اصالة العموم وعكسه فلا يثبت له حكم آخر من أحكام العالم أيضاً ولكنهم لم يرتضوا بذلك كما انه لا يمكن الالتزام به.
والسر في ذلك ان العموم لو كان معلوماً بالوجدان كان عكسه حجة قطعاً ولكنه ثابت لبناء العقلاء عليه وبناؤهم ليس على ثبوت جميع لوازمه بل على خصوص شمول الحكم لكل من يشمله العنوان فقصور بنائهم عن اثبات لوازم العموم هو الوجه في عدم حجية عكس النقيض هناك وكذلك في ما نحن فيه.
وأما الاستدلال للجواز فتكفي فيه اصالة البراءة بعد عدم الدليل على الحرمة الوضعية. ومع ذلك فقد يستدل له بوجهين:
الاول: ما رواه ابن بكير عن بعض أصحابنا عن ابي عبداللّه عليه السلام قال: النساء يلبسن الحرير والديباج الا في الاحرام (34).
والكلام فيه تارة في السند واخرى في الدلالة.
أما في السند فقد يقال لتصحيحه بعد كونه مرسلاً انه لا يضر بعد كون المرسل ابن بكير وهو من اصحاب الاجماع.
وفيه ان ذلك لا يكفي فان مستنده ما ذكره الكشي من اجماع الاصحاب على تصحيح ما صح عن ستة و ستة وستة والاقرار بفقههم.
وهذه العبارة بعد تسليم كونها حجة لا تدل على وثاقة كل من يروون عنه. وذلك لاحتمال ارادة تصحيح الاصحاب رواياتهم بمعنى الوثوق بصدورها ومن الواضح ان وثوقهم بالصدور لا يوجب وثوقنا بالصدور.
ويحتمل ايضاً الاجماع على وثاقتهم بانفسهم.
ويحتمل أيضاً قبول ما قبلوه من الروايات ويؤيده التعبير بالاقرار بفقههم وذلك لان بعض الاصحاب كانوا من الائمة عليهم السلام بمكان يطمأن الى فقههم وتضلعهم في الاحاديث فكان الرواة يراجعونهم لتصحيح رواياتهم كما يراجعون الائمة عليهم السلام.
وقد يقال في تصحيحه بكفاية وقوع ابن فضال في السند وقد قال الحسين بن روح رضي اللّه عنه في كتب الشلمغاني لا أقول فيها الا ما قاله ابو محمد الحسن بن علي عليه السلام في كتب بني فضال: خذوا ما رووا وذروا ما رأوا.
وفيه أولاً: ان هذه الرواية ضعيفة.
وثانياً: ان المراد بهم اولاد الحسن بن علي بن فضال القائلون بامامة جعفر مع الامام الحجة عجل اللّه فرجه.
وثالثاً: ان قبول رواياتهم كناية عن وثاقتهم لا قبول كل ما رووه.
وقد يقال في ذلك أيضاً بوقوع احمد بن محمد بن عيسى في السند وهو الذي اخرج جماعة من قم لروايتهم المراسيل وعن الضعفاء فروايته هذه المرسلة تدل على وثوقه بها.
وفيه أولاً ان اخراج الجماعة لم يظهر لنا وجهه ولا تصح رواية المراسيل وجهاً في هذا العقاب ولعلّه لامور خاصة. واحمد هذا عربي كان له القدرة والعشيرة في قم وكان متعصباً في عروبته. ويظهرذلك من انكاره رواية في امامة أحد الائمة واعتذاره بعد ذلك بانه اراد ان لا يكون اول من يرويه اعجمياً.
وثانياً ان الوثوق عنده غير كاف لنا.
وقد يقال في ذلك بصحة كل ما في الكافي حتى نقل عن المحقق النائيني ان الخدشة في اسانيد الكافي من دأب العجزة.
وضعف هذا الوجه غني عن البيان.
واما من جهة الدلالة فقد ذكر السيد الحكيم ان استثناء الاحرام قرينة على ارادة الاعم من التكليف والوضع في المستثنى منه.
ومراده قدس سره ان حرمة اللبس في الاحرام وضعي قطعاً فلابد ان يشمله المستثنى منه.
وفيه ان الظاهر أن حرمة اللبس في الاحرام تكليفي كسائر محرمات الاحرام لا ان الاحرام يبطل بلبس الحرير.
الوجه الثاني: الاطلاق المقامي لادلة جواز اللبس لهن.
والمراد بالاطلاق المقامي هو ان يكون المتكلم في مقام بيان حكم ويكون المقام مقام بيان حكم آخر ايضا لذكره ما يناسب ذكره فاذا لم يذكره حكم بعدم ثبوته. كما اذا قال اكرم زيداً وابنه واكرم عمراً وابنه واكرم بكراً. فبالاطلاق المقامي يعلم عدم وجوب اكرام ابن بكر. وحيث ان المكلف في معرض أن يصلي في ثيابه المتعارفة من دون تبديل فما ورد من جواز اللبس يدل بهذا الاطلاق على جواز الصلاة فيه ايضا.

قال المصنف:بل وكذا الخنثى المشكل.

الخنثى على قسمين:
القسم الاول: ما يمكن معرفة كونها من أحد الصنفين بطريق علمي او باحدى الامارات الشرعية مع فرض ثبوتها كالقدرة على الجماع أو البول من مجرى الرجال. وهذه لا اشكال في انها تتبع حكم ذلك الصنف.
القسم الثاني: ما لا يمكن معرفة جنسها لتضارب الامارات فقد يقال بان الخنثى المشكل صنف ثالث. وقد يقال بعدم امكان الصنف الثالث. فلو قلنا بالاول فيجوز لها لبس الحرير وتصح صلاتها فيه وذلك لان الدليل في المقامين خاص بالرجال والمفروض انها ليست رجلاً.
وعن المستند جواز اللبس لاختصاص المنع بالرجال وبطلان الصلاة فيه لاطلاقات المنع. والظاهر ان مورد كلامه هو القول بامكان الصنف الثالث ولكن قد عرفت عدم الاطلاق في ادلة المانعية.
ولو قلنا بالثاني اي بعدم امكان الصنف الثالث فيكون أمرها دائراً في الحقيقة بين كونها رجلاً فلا يجوز لها الحرير تكليفاً ووضعاً وكونها امرأة فيجوز. وقد ذكر المحقق الهمداني ان العلم الاجمالي في المقام غير منجز لكونه دائراً بين التكليف وعدمه فاصالة البراءة محكم. ولعله لذلك ذهب المصنف الى الجواز. ولكن العلم الاجمالي بالتكليف موجود في المقام كما ذكره السيد الحكيم وغيره وهو العلم اما بوجوب التستر عليها وإما بحرمة لبس الحرير.
هذا ويمكن أن يقال بصحة صلاتها اذا لم يحصل لها هذا العلم الاجمالي على أساس أن اصالة البراءة جارية حينئذ والمفروض ان هذا العلم الاجمالي انما يحصل للمجتهدين بل قد لا يحصل لبعضهم أيضاً كما مر فان الغافل عن هذين التكليفين المترددين لا يحصل له العلم الاجمالي للمكلف فيجوز له اجراء الاصل في الشبهة الموضوعية نعم العلم الاجمالي الحاصل للمجتهد يمنع من اجراء الاصل في الشبهة الحكمية فانه وظيفة المجتهد. وكثيرا ما يحصل هذا الخلط فيجعل العلم الاجمالي الحاصل للمجتهد مانعا من اجراء الاصل لدى المكلف.





قال المصنف: وكذا لا بأس بالممتزج بغيره من قطن أو غيره مما يخرجه عن صدق الخلوص والمحوضة.

هذا الحكم مما لا اشكال فيه ولا خلاف والروايات فيه متعددة (35)، وقد اعتبر بعض الاصحاب في ذلك ان يكون الخليط أكثر من العشر. ولكن لا دليل عليه بل المناط الخروج عن صدق الحرير المحض. وكذلك لا اعتبار بخصوص القطن والكتان وغيرهما مما تضمنته الروايات اذ من الواضح ان ذلك من باب التمثيل.

قال المصنف: وكذا لا بأس بالكف به.

المراد بالكف به هو خياطة مقدار منه على حواشي الثوب، والمشهور هو جواز لبسه تكليفاً وصحة الصلاة فيه. وحكي المنع عن القاضي والسيد وتوقف في ذلك بعض الاصحاب ومال الى المنع الاردبيلي وصاحب كشف اللثام والسيد البروجرودي اخيراً.
ويمكن ان يستدل على الجواز بما ورد من جواز لبس ما سداه أو لحمته من حرير وأنّ ما دل على عدم جواز لبس الحرير خاص بالثوب ولا يصدق الثوب الاّ على ما يلبس مستقلاً فلا يصدق على المقدار المكفوف به انه ثوب قال المحقق الهمداني: بعض الثوب ليس بثوب.
وناقش في ذلك السيد البروجردي بان الثوب لغة عبارة عن القماش المنسوج وان لم يكن مخيطاً فيصدق على هذا المقدار واستشهد باطلاق الثوب في الروايات على اثواب الكفن الثلاث مع انه غير مخيط.
والجواب عنه ان الثوب وان لم يختص بالمخيط الا انه لا يطلق الا على ما كان معداً للّبس وان لم يكن مخيطاً كلبس بعض الطوائف لإزار ورداء من صوف أو قطن، فلا يصدق على ما لا يستعمل في اللبس انه ثوب. واما في الصلاة فليس لنا اطلاق للمنع عن الحرير اذ ما ورد اما ان يكون خاصاً بعنوان الثوب أو بالحرير المحض وكما لا يصدق المحض مع كون سداه أو لحمته حريراً كذلك لا يصدق على المكفوف فأصالة البراءة في المقامين كاف.
ويستدل على الجواز بخبر يوسف بن ابراهيم عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: (لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزره وعلمه حريراً وانما كره الحرير المبهم للرجال) (36) رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد. ورواه الصدوق باسناده عن يوسف بن ابراهيم. وفي سند الصدوق اليه محمد بن سنان وهو ضعيف. ولكن سند الشيخ اليه صحيح.
ورواه في الكافي بسند صحيح ايضاً عنه بنحو آخر، قال ــ في حديث ــ : (لا يكره ان يكون سدا الثوب ابريسم ولازره ولا علمه انما يكره المصمت من الابريسم للرجال ولا يكره للنساء). (37) وسنده صحيح أيضاً.
ومورد الاستدلال هو التصريح بجواز كون علمه من الحرير والعلم هو ما ينسج على الثوب للزينة. ويظهر من الرواية ان الحرير المبهم أي المحض هو ما يقابل ما كان علمه اوزره من حرير ومن هنا يعلم ان الحرير المحض الذي صرح بالنهي عنه في بعض الروايات لا يشمل ما نحن فيه .
وليس في سنده من يتوقف فيه الاّ يوسف بن ابراهيم وقد ذكره الصدوق هكذا: يوسف بن محمد بن ابراهيم. والظاهر انه سهو فانه في المشيخة ذكره بدون محمد. وكيف كان فهو لم يوثق صريحا.

ولكن يمكن توثيقه برواية صفوان عنه لا لانه من أصحاب الاجماع كما قيل لما ذكرنا من عدم اعتبار هذا التوثيق بل لما ذكره الشيخ قدس سره من أن صفوان وابن ابي عمير والبزنطي لا يروون ولا يرسلون الا عن ثقة.
وقد ناقش في ذلك السيد الخوئي دام ظله بان هذا إخبار عن حدس فليس بحجة. ولكن ذكرنا في محله ان الظاهر انه إخبار عن حسّ من جهة الاستقراء فرأوا أن هؤلاء ملتزمون بعدم النقل عمن لم يكن ثقة والمفروض ان يوسف هذا لم يضعف حتى يعارضه فهو ثقة بهذا التوثيق باعتبار رواية صفوان عنه في سند الشيخ.
واما ما ذكره السيد الحكيم قدس سره من نقله عنه أيضاً في سند الكافي بواسطة العيص بن القاسم فلا يثبت الوثاقة فان ما يدل عليه هذه العبارة ليس الا توثيق مشايخهم لا كل من هو واقع في سندهم.

كما أن ما ذكره المحدث النوري من كفاية نقل العيص عنه غير صحيح أيضاً فان هذا الحكم خاص بالثلاثة المذكورين ولا دليل على عدم نقل الثقة الا من الثقة.
وقد يتوهم ان نقل الكافي للسند بتوسيط العيص يضرّ بهذا التوثيق من جهة احتمال سقوط اسم العيص من سند الشيخ لبعد احتمال رواية صفوان عنه مرتين تارة بتوسط العيص واخرى مباشرة.
والجواب عنه ان اسناد الكافي كما ذكرنا مراراً ربما يكون من قبيل تعليق الاسانيد بالاجازات فيمكن ان يكون مدركه في هذه الرواية كتاب العيص وسنده فيها سند آخر الا انه مجاز في رواية كتاب العيص بهذا السند ايضاً باعتبار أن الاجازة كانت تشمل الكتب التي يرويها كما تشمل كتب نفس المجيز. وهذا هو معنى قولهم: اخبرنا بكتبه ورواياته أي بكتبه التي ألّفها والكتب التي يرويها. وليس كما زعم بعض أهل العلم من ان المراد بالروايات ما يرويه عن ظهر من دون كتاب.
ويؤيد هذا الحكم بما رواه العامة عن الخليفة الثاني وتمسك به الاصحاب: (أنّ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم نهى عن الحرير الا في موضع اصبعين أو ثلاث أو أربع).
وتؤيده أيضاً رواية قرب الاسناد قال: سألته عن الرجل هل يصلح له لبس الطيلسان فيه الديباج والبرنكان(38) عليه حرير قال لا بأس)(39) وقوله (عليه حرير) يشمل العلم والكف ولولا عدم توثيق عبد اللّه بن الحسن لكان دليلاً بنفسه (40) وتشهد له أيضاً روايتان لابن ابي جمهور الاحسائي في عوالي اللئالي ودرر اللئالي ولكنهما مرسلتان.
وقد يستدل على عدم الجواز بخبر جراح المدايني عن ابي عبد اللّه عليه السلام: انه كان يكره ان يلبس القميص المكفوف بالديباج... الحديث(41) بدعوى ان الكراهة فيه بمعنى الحرمة بقرينة العطف عليه بكراهة لباس الحرير. وقد عكس بعضهم فاستدل بها على الجواز كما هو مقتضى الكراهة.
ولكن الظاهر ان شيئاً منهما لا يصح والكراهة اعم وهذه القرينة لا تعيّن المعنى مضافاً الى ان الخبر ضعيف لعدم توثيق المدايني وقاسم بن سليمان.
وقد يستدل ايضاً برواية اسماعيل بن الفضل عن ابي عبد اللّه عليه السلام (في الثوب يكون فيه الحرير فقال: ان كان فيه خلط فلا بأس) (42) وورد في السند (عن غير واحد) وهو غير مضرّ به فان السبب في ذلك هو شهرة كتب أبان بن عثمان الراوي عن اسماعيل وكثرة رواته وقد عينت الرواة في بعض الموارد وفيهم الثقات.
تقريب الاستدلال أن المراد بالحرير في السؤال هو الحرير المنسوج لا مجرد خيوط الحرير اذ هو معنى الحرير في اللغة ولولا ذلك لم يكن وجه لتفصيل الامام عليه السلام اذ معنى أن الثوب فيه حرير المفروض في السؤال هو الخلط فلا معنى للتفصيل بين المخلوط وغيره بالنسبة الى اصل الثوب فيظهر من ذلك ان المراد بالحرير هو القطعة المنسوجة منه وأن مورد تفصيل الامام عليه السلام هو مثل الكف والعلم، ومقتضاه أنه ان كانت القطعة مخلوطة بغير الحرير فلا بأس بوجودها في الثوب وبمفهومه يدل على انه لا يجوز غير المخلوط منه.
ولكن القدر المتيقن من هذه الرواية هو مورد المسألة (27) الآتية وهو أن يكون الثوب بعض قطعه الاصلية حريرا كالبطانة او ظهر الثوب مثلا فليس فيه اطلاق يشمل ما نحن فيه فان الظاهر من كون الحرير في الثوب أن يكون دخيلا في صدق الثوب لا مثل العلم والكف وكل ما هو بالنسبة الى الثوب لا بشرط في الصدق كبعض المرافق بالنسبة الى البيت.
وفي قبال ما دل على الجواز موثقة عمّار عن ابي عبد اللّه عليه السلام (في حديث) قال: (وعن الثوب يكون علمه ديباجاً قال: لا يصلّى فيه)(43) .
وقد اجيب بانها معرض عنها. وفيه ان اعراض المشهور غير كاف مع عمل بعض الاصحاب بها. وحملها على الكراهة بقرينة خبر يوسف لا وجه له بعد عدم المنافاة بينهما اذ ذاك عام وهذه تختص بالصلاة فيمكن حمل الاول على نفي الحرمة التكليفية ولكن قد يشكل ذلك بأن التفكيك لم يذهب اليه أحد فمن قال بالبطلان قال بالحرمة ومن قال بالجواز قال بالصحة. ولكن عدم القول بالفصل هل يكون مانعاً من حمل الرواية على ذلك مع انه مقتضى الصناعة؟!
ومن هنا يظهر الوجه في توقف جماعة كأصحاب المدارك والكفاية والمفاتيح.

ويمكن أن يقال: إن عمّارا الساباطي وان كان ثقة إلاّ أنّه وصف بعدم الضبط من جهة كونه أعجمياً وقد ورد في صحيحة محمد بن مسلم (قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: إنّ عمّار الساباطي روى عنك رواية، قال: وما هي؟ قلت: روى أنّ السنّة فريضة، فقال: أين يذهب، أين يذهب؟! ليس هكذا حدّثته، إنّما قلت له: من صلّى فأقبل على صلاته لم يحدّث نفسه فيها أو لم يسه فيها أقبل اللّه عليه ما أقبل عليها، فربّما رفع نصفها أو ربعها أو ثلثها أو خمسها، وإنّما أمرنا بالسنّة ليكمل بها ما ذهب من المكتوبة)(44). فيبدو أن عمارا لم يفهم المقصود وتوهم أنّ المكمّل لابد من أن يكون من جنس ما يكمل فروى الحديث كذلك.
وعليه فرفع اليد عن رواية يوسف المعتبرة المؤيدة بسائر الروايات بهذه الرواية مع هذا الوصف مشكل.
هذا مضافاً الى ان التفكيك المذكور مشكل من جهة أخرى وهي ما ذكرناه مراراً من ان المانعية تجعل في مرتبة متأخرة من النهي التكليفي فاذا التزمنا بعدم الحرمة التكليفية فلا يمكن الالتزام بالمانعية.
ومضافاً الى ما ذكره الاصحاب من أنّ ظاهر أدلة المانعية في المقام هو مانعية خصوص ما يحرم تكليفاً. ولعلّ الوجه في ذلك هو أنّ الاحكام الشرعية من حيث الأهمية ذات مراتب فبعضها يهتم بتبليغها بحيث تصبح حرمتها متواترة وبعضها لا ينال هذا القدر من الاهمية وبعضها يجعل للتأكد من عدم وقوع المخالفة في الاحكام ذات الاهمية ومن هذا القبيل جعل المانعية للصلاة في مثل الحرير والذهب فانّ المهمّ عند الشارع هو الحكم التكليفي أي حرمة اللبس الا ان المتشرع المتقيّد بالصلاة خمس مرات في اليوم يهتمّ بعدم اللبس اهتماما أبلغ مخافة وقوعها فيه سهواً أو لصعوبة نزعهما في بعض مواقع الصلاة.
فتحصّل ان القول بالجواز هو الاقوى لرواية يوسف.
هذا في الحكم التكليفي وأما صحة الصلاة فيه فبالاطلاق اللفظي الشامل لجميع الحالات بضميمة ما ذكرنا في جعل المانعية او بالاطلاق المقامي لاقتضاء المقام التصريح بكونه مانعاً عن الصلاة لو كان كذلك وحيث لم يصرّح نستكشف الجواز.
وتبين ممّا ذكرنا حال ما يرقع به الثوب. واشتراط مقدار الكف كما ذكره المصنف في مسألة (28) لا وجه له.
ثم ان الاحتياط في عدم جعل مقدار الكف ازيد من اربع اصابع وجهه الرواية العامية السابقة، وهي لا تصلح وجهاً لذلك فالظاهر عدم التقيد بمقدار خاص.

المسألة 27 : لا يجوز جعل البطانة من الحرير.
قيل: ان مدركه الاجماع فقط. ولكن بيّــنّـا دلالة رواية اسماعيل بن الفضل على ذلك.

المسألة 31 : يجوز لبس الحرير لمن كان قملاً.

الظاهر اختصاص ذلك بمورد الاضطرار وما روي من تجويز النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ذلك لعبد الرحمن بن عوف والزبير لكونهما قملين لا يثبت غير حال الاضطرار مع ان الرواية عامية لا اعتماد عليها وجبر السند عندنا مرفوض.

المسألة 38 : اذا انحصر ثوبه في الحرير فان كان مضطراً الى لبسه لبرد أو غيره فلا بأس بالصلاة فيه.

لهذه المسألة صور:
الصورة الأولى: ما اذا اضطر الى لبسه في آخر الوقت ولم يكن عنده غيره، ولا اشكال في ارتفاع الحرمة التكليفية في هذه الصورة.
روى الكليني عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن ابي عمير عن ابن أذينة عن الفضلاء اسماعيل الجعفي ومعمر بن يحيى بن سالم ومحمد بن مسلم وزرارة قالوا: سمعنا ابا جعفر عليه السلام يقول: (التقية في كل شيء يضطر اليه ابن آدم فقد احله اللّه)(45) وفي العبارة حزازة والظاهر انه من خطأ النسخة والصحيح ما رواه في البحار ورواه البرقي في المحاسن عن حماد بن عيسى عن عمر بن اذينة عن محمد بن مسلم واسماعيل الجعفي وعدة من اصحابنا. وهو: (التقية في كل شيء وكل شيء يضطر اليه ابن آدم فقد احلّه اللّه). وقد اشتبه صاحب الوسائل فنقل الحديث عن الكليني كما نقلناه ثم ذكر ان البرقي رواه ايضاً مثله.
وأما صحة الصلاة حينئذ فهو مسلّم أيضاً الا انه قد يقال انه لا ينطبق على القواعد فلا وجه له إلا الاجماع.
ولكن يمكن الاستدلال له بوجوه:
الوجه الأول: الرواية السابقة فانه مضطر الى ايجاد المانع فقد أحله اللّه. وتقريب الاستدلال بذلك يتوقف على مقدمتين:
المقدمة الأولى: ان الحلّية ليست مساوقة للاباحة كما توهم بل هي عبارة عن حلّ عقدة الحظر فيختص بما اذا كان الشيء محرّماً في الشرايع السابقة أو كان محرّماً بحسب العادات الجاهلية أو بدع الناس أو كان محرماً تقديرياً بمعنى كونه مورداً لتوهم الحرمة. فمعنى الحلية هو رفع الحرمة.

وهذا هو المعنى الصحيح الذي ينحل به الاشكال في روايات الشروط التي تقيد صحة الشرط بما اذا لم يحلل حراماً ولم يحرم حلالاً فقد أشكل الأمر على الاصحاب حتى ظن بعضهم انه مما لا يفهم معناه فلا بد من رد علمه اليهم وبعضهم ذكر وجوهاً بعيدة عن معنى الرواية.
والصحيح على ضوء ما قلناه ان الشارع المقدس له أحكام بنائية وأحكام هدمية ومن الهدميات تحليل ما حرّمه الناس في الجاهلية مثلا والشرط الممضى عند الشارع هو الذي لا يعارض القانون العام فيحرم ما أحله اللّه لا انه يحرم المباحات اذ لا يخلو شرط من ذلك.
المقدمة الثانية: ان للحرمة معنيين الحرمة بالمعنى الاخص، وهو الحكم التكليفي الذي يتضمن وعيداً على الفعل. والحرمة بالمعنى الاعم، وهو كل ممنوع شرعي سواء كان فعلاً أو تركاً. وبهذا المعنى يصح اطلاق لفظ الحرمة على ترك الواجب سواء كان استقلالياً أو ضمنياً. والذي يقتضيه اطلاق اللفظ هو الحمل على المعنى الاول ولا يحمل على الثاني الا بقرينة كما في مورد رواية الشروط السابقة فان الشرط لو كان تحليل ترك الصلاة باطل أيضاً بموجب هذه الرواية.
انما الكلام في ان هذه الرواية هل تشمل ايجاد الموانع فانه ليس حراماً بالمعنى الاول وانما هو حرام ضمني بمعنى ان الأمر بالصلاة ينحل الى امر بالافعال وامر بالتروك فكل من الموانع حرام ضمني فلا بد من قرينة لحمل الرواية على المعنى الاعم. 

والقرينة في المقام الروايات التي طبقت فيها قاعدة الحل بالاضطرار في موارد الاضطرار الى ترك الاجزاء والشرائط فيدلّ هذا التطبيق على ان المراد بالحرمة هو المعنى الأعم.
منها: ما رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن حسين (وهو ابن عثمان الرواسي ظاهراً وهو ثقة) عن سماعة عن ابي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المريض هل تمسك له المرأة شيئاً فيسجد عليه فقال: لا الا ان يكون مضطراً ليس عنده غيرها. وليس شيء مما حرم اللّه الا وقد احله اللّه لمن اضطر اليه(46).
والذي اضطر اليه من الحرام هنا هو ترك الاعتماد على ما يسجد عليه فانه لا يحصل بامساك احد ما يسجد عليه فينطبق على ما نحن فيه ولو كان له أي شيء يجعله امامه فيسجد عليه كان الاعتماد حاصلاً وان فقد الانحناء بمقدار السجود.
ومنها: ما رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن الحسن عن زرعة عن سماعة قال: (سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس قال: فليصلّ وهو مضطجع وليضع على جبهته شيئاً اذا سجد فانه يجزي عنه ولم يكلّف اللّه ما لا طاقة له به)(47).
وهذه الرواية تطبيق لقوله تعالى لا يكلف اللّه نفساً إلا وسعها فهي مؤيدة للمراد.
ومنها: ما رواه الشيخ بالاسناد عن سماعة قال: (سألته عن الرجل (الى ان قال) فيمتنع عن الصلاة الايام إلا ايماء وهو على حاله. قال: لا بأس بذلك وليس شيء مما حرم اللّه الا وقد احلّه لمن اضطر اليه)(48)، وقد رواه الصدوق أيضاً الا انه لم ينقل الجملة الاخيرة التي هي مناط الاستدلال فالمستند نقل الشيخ ولا اشكال في ان المضطر اليه هنا هو ترك الجزء كالركوع والسجود فطبق الامام عليه السلام تلك القاعدة على المورد فيدل على ان المراد بالحرمة فيها هو ما يشمل ترك المأمور به بالامر الضمني.
ومنها: ما رواه الكليني بسند صحيح عن محمد بن مسلم قال: (سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل والمرأة يذهب بصره فيأتيه الاطباء فيقولون نداويك شهراً أو اربعين ليلة مستلقياً. كذلك يصلي؟ فرخّص في ذلك وقال: فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه)(49) وهذه مؤيدة للمراد أيضاً.
فالمستفاد من هذه الروايات هو ان الاجزاء والشرائط التي يضطر الانسان الى تركها والموانع التي يضطر الى ايجادها ترتفع الحرمة بالمعنى الاعم عنها فيكون المأمور به بالنسبة اليها لا بشرط إلا أن لا يصدق اسم الصلاة.
الوجه الثاني: صحيحة لا تعاد بالتقريب الذي ذكرناه في محله من أن الكبرى في الصحيحة هي ذيلها القائل بان السنة لا تنقض الفريضة والارتباط بين الفرائض والسنن ليس ارتباطاً مطلقاً بل يختص بما اذا لم يكن هناك عذر. وحيث ان الصحيحة عدّ الفرائض خمساً وليس منها عدم لبس الحرير فهي سنة مضافاً الى ما في ذيل رواية الوافي من أن ما سوى ذلك سنة في فريضة.
الوجه الثالث: حديث الرفع. بالتقريب الذي ذكرناه في الاصول ايضاً من ان قوله (رفع ما اضطروا اليه) يرفع الانتساب الى الفاعل بنحو الحكومة التطبيقية فمفاده أنّ الفعل الصادر عن الاضطرار كأنّه لم يصدر من الفاعل لا كأنّه لم يقع فهو ينفع في رفع الآثار عما كان مانعاً بالمعنى المصدري دون ما كان مانعاً بالمعنى الاسم المصدري أي الذي لم يلاحظ فيه الانتساب الى الفاعل والظاهر ان مانعية الحرير من القسم الاول فيرفع بحديث الرفع فكأنه لم يصدر منه وبذلك تصح صلاته.
الصورة الثانية: ما اذا اضطر الى لبسه أول الوقت فان كان يعلم بعدم ارتفاع العذر أثناء الوقت أو يستصحب العذر للشك في ارتفاعه بعدئذ فلا اشكال في جواز الصلاة وانما الكلام في ما اذا انكشف الخلاف فقد يقال بان صحة صلاته متوقفة على القول بالإجزاء في الامر الظاهري. ولكن الظاهر صحة صلاته مع قطع النظر عن الاضطرار وذلك لانه كان جاهلاً بارتفاع العذر فكان دخوله في الصلاة عن عذر فتشمله قاعدة لا تنقض سنة فريضة.
الصورة الثالثة: ما اذا اضطر الى لبسه اثناء الصلاة. والظاهر شمول قاعدة لا تنقض لهذا المورد أيضاً لصدق العذر في الاخلال بايجاد المانع.
الصورة الرابعة: ما اذا اضطر الى لبسه في أول الوقت وكان يعلم بارتفاع العذر اثناء الوقت فلا اشكال في الجواز تكليفاً وانما الكلام في انه هل يستتبع الجواز الوضعي فتصح الصلاة أم لا؟
والذي يمكن الاستدلال به لصحة الصلاة حينئذ وجوه:
الوجه الاول: الاجماع. وفيه ــ مضافاً الى ما ذكرناه مراراً من ان الاجماع بنفسه ليس حجة شرعية وانما هو منبّه ومرشد الى ان في المقام دليلاً فلابد من البحث عنه ــ أنّ القدماء لم يتعرضوا لهذه المسألة أصلاً، ولعلّ الذين تعرضوا له كان قولهم بالصحة تمسكاً باحد الوجوه الآتية. او باعتبار ان الحرمة الوضعية كانت من جهة الحرمة التكليفية كما ذهب اليه العامة وتمسك به العلامة ايضاً. وان كان هذا الوجه مرفوضاً من جهة عدم الاتحاد بين اجزاء الصلاة ولبس الحرير فلا يلازم النهي التكليفي للبطلان.
وربما يقال: ان المستورية التي هي من الشرائط متحد مع لبس الحرير.
ويردّه أولاً أن الدليل حينئذ يكون اخص من المدّعى اذ المفروض بطلان الصلاة مع الحرير مطلقاً وان لم يكن ساتراً وثانياً ان المستورية بالمعنى الاسم المصدري شرط فلا ينافي كون اللبس محرّماً.
الوجه الثاني: ان الاسئلة الواردة في الروايات الدالة على المانعية وان كانت عن مطلق صلاة الرجل في الحرير الا ان القرينة المحتفة بها تدل على انه في خصوص مورد الحرمة التكليفية وذلك لان اختلاط الفقه العامي بالفقه الشيعي آنذاك كان يقتضي ان يكون السؤال عن مورد الخلاف والبحث فان العامة اختلفوا في بطلان الصلاة في الحرير الا ان مورد البحث عندهم هو خصوص مورد الحرمة التكليفية فان دليل المانعية عندهم ينحصر في ذلك كما أشرنا اليه.
وأما كثرة اختلاط الفقهين آنذاك فهو واضح لمن راجع تاريخ الفقه وان كثيراً من اصحابنا كانوا يتعلمون الفقه السني ولذا وردت الرواية في تعليم شباب الشيعة فقههم أولاً ثم تعليمهم فقه العامة. وكان كثير من أصحابنا يروون من علمائهم ويستجيزون منهم في الرواية وكان ابن ابي عمير يروي عنهم كثيراً ثم ترك ذلك واختصت روايته بأصحابنا معتذراً بان ذلك يوجب الخلط والاشتباه. وهو يروي كتاب موطأ مالك.
الوجه الثالث: ما ذكره المحقق الهمداني من ان الحرمة التي اوجبت المانعية ان كانت مختصة بالمركب فهي مستقلة وان كانت عامة شاملة لجميع الحالات فهي تمنع من ان يراد بالنهي عن المركب معه حرمة اخرى. وبعبارة اخرى ان كان النهي عن المانع مختصاً بحال الصلاة مثلاً كلبس وبر ما لا يؤكل لحمه فهو يدل على حرمة مستقلة وان كان النهي غير مختص بحالها كلبس الحرير فلا يمكن ان يراد بالنهي عن الصلاة في الحرير حرمة مستقلة لامتناع اجتماع الحرمتين.
وهذا الكلام بظاهره لا يمكن قبوله اذ لا مانع من اجتماع الحرمة التكليفية والحرمة الوضعية والنهي عن مطلق لبس الحرير يدل على الاول والنهي عن الصلاة فيه يدل على الثاني.
ويمكن توجيهه بما يرجع الى ما ذكرنا سابقاً وهو ان المانعية انما تكون بالنهي عن الشيء أولاً تكليفاً فيكون حراماً في واجب ثم يجعل الارتباط بينه وبين المأمور به في مرتبة الحكم الجزائي وحينئذ فان كان الشيء حراماً بنهي سابق مطلق فهو كاف لجعل الارتباط فاذا ورد النهي عن الصلاة فيه لم يحمل على النهي الاستقلالي بل كان بيانا لنفس الحرمة السابقة وان لم يكن للشيء نهي مطلق بل كان النهي عنه خاصا بحال الصلاة فيحمل هذا النهي على الحرمة المستقلة ليكون موضوعاً للارتباط.
وعلى الاول فان ارتفعت الحرمة المطلقة للشيء لاضطرار وغيره وان لم تكن مختصة بحال الصلاة ارتفع موضوع الارتباط وعلى الثاني فالنهي ليس عن مطلق ذلك الشيء بل في خصوص حال الصلاة فان اضطر اليه في حالها ارتفع موضوع الارتباط وأما ان كان اضطراره في غير حال الصلاة فلا يرتفع اذ ليس حراماً حينئذٍ حتى يرفعه الاضطرار. (50) 
الوجه الرابع: اطلاق قوله عليه السلام: وليس شيء مما حرّم اللّه والا وقد احله لمن اضطر اليه، فان لبس الحرير محرّم بالامر بالصلاة حرمة ضمنية وقد عرفت ان المراد بالحرمة في الحديث أعم من الاستقلالي والتبعي فالاضطرار يرفع جميع الحرمة المتعلقة بما اضطر اليه.
الوجه الخامس: حديث الرفع بناءاً على ما ذكرناه في الصورة الاولى من الحكومة التطبيقية أي رفع الانتساب.
فان قيل: رفع الانتساب يستلزم رفع المستورية ايضاً اذ المفروض انحصار الساتر فيه.
فالجواب أنه قد تبين مما ذكرنا ان المستورية شرط بالمعنى الاسم المصدري فلا يرفعه حديث الرفع مع انه مسوق للامتنان فلا يرفع الا ما يوجب رفعه الامتنان.

قال المصنف: والا لزم نزعه وان لم يكن له ساتر غيره فيصلي حينئذ عارياً (38).

الكلام في ما اذا اضطر الى لبسه لخصوص الصلاة لعدم وجود ساتر عنده مع عدم اضطراره الى لبسه من جهة برد أو غيره والمشهور في هذه المسألة هو ما ذكره المصنف من وجوب الصلاة عارياً واستشكل في ذلك صاحب مفتاح الكرامة والذي يمكن الاستدلال به للمشهور وجوه:
الوجه الاول: الاجماع. وقد مر الكلام فيه مراراً وانه مرشد فقط.
الوجه الثاني: ان حرمة لبس الحرير وضعاً وتكليفاً غير مقيدة بالقدرة الشرعية واما وجوب الستر والركوع والسجود التي يلزم فواتها بعدم لبس الحرير فهو مشروط بالقدرة الشرعية وذلك لان الوارد في الرواية المبينة (51) لصلاة العاري هو عنوان من لا يجد ساتراً والظاهر منه الوجدان الشرعي للقطع بعدم صدق الوجدان شرعا إن غصبه من احد فيلزم منه تحديد وجوب الستر بالوجدان الشرعي. وكذا الركوع والسجود اذ المذكور في تلك الرواية متفرعاً على عدم الوجدان انه يصلي ايماءً والايماء بدل الفريضة. بخلاف حرمة الحرير فانها غير مقيدة بشيء. والمقيد بالقدرة الشرعية متأخر عن غير المقيد بها. وذلك لان دليل غير المقيد وارد بنحو التضييق على دليل المقيد. والورود هو رفع موضوع الدليل تكويناً بمعونة التعبد كما يقال في أدلة الامارات بالنسبة الى قبح العقاب بلا بيان فالامارة بيان فيرتفع الموضوع تكويناً الا ان كونه بياناً يتحقق بمعونة التعبد.
وفي المقام حرمة لبس الحرير يرفع عنوان الواجد للساتر تكويناً فيعتبر غير واجد الا انه بمعونة التعبد بدليل تحريم الحرير.
هذا وقد جعله بعضهم من صغريات باب التزاحم وان من المرجحات ان لا يكون أحد متعلقي التكليف مقيدا بالقدرة الشرعية ويكون الآخر مقيداً بها.
وفيه ان التزاحم انما هو في حكمين لم يتنجزا لعدم القدرة على الجمع بينهما الذي هو شرط في التنجز. والمقام ليس كذلك فان التكليف بغير المقدور شرعاً غير فعلي لا غير منجز فان القدرة على المتعلق دخيلة في الفعلية لا التنجز وذلك لقبح خطاب العاجز.
الوجه الثالث: ما ذكره المحقق الهمداني من ان وجوب الستر لا اطلاق له بحيث يشمل مورد انحصار الساتر في المحرّم ولو فرض اطلاق فهو منصرف عن هذا المورد. فلا تنافي بين الدليلين. مضافاً الى عدم تمامية مقدمات الحكمة لوجود ما يصلح للقرينية وهو النهي عن لبس الحرير.
وفيه أولاً: انه لا وجه لانكار الاطلاق ولا لدعوى انصرافه كما هو واضح لمن راجع أدلة وجوب الستر.
وثانياً: انه لو سلمنا عدم اطلاق في أدلة وجوب الستر يكفي اطلاق دليل وجوب الركوع والسجود اذ يلزم من الصلاة عارياً فواتهما اما دائماً بموجب بعض الأدلة او في خصوص عدم الأمن من المطّلع بموجب بعضها الآخر فهنا يحصل التنافي بين الدليلين.
واما كون النهي مما يصلح للقرينية فهو متوقف على ما ذكروه من ان الامر بالطبيعة يقتضي جواز الانطباق وهذا ينافي حرمة الحصة فيستكشف من حرمتها عدم جواز الانطباق.
وهذا غير صحيح وذلك لان جواز الانطباق حكم عقلي وليس مقتضى الامر بالطبيعة لا بشرط حتى ينافي حرمة الحصة فلا مانع من اجتماع انطباق الساتر وحرمة الحرير فلا قرينية.
الوجه الرابع: انه ان لوحظ التنافي بالنسبة الى الحكم التكليفي للبس الحرير مع وجوب التستر أو الركوع والسجود فلا اشكال في دخول المسألة في باب التزاحم وان لوحظ بالنسبة الى الحكم الوضعي كان من المسائل الدورانية اذ يدور الامر في الصلاة بين الاخلال بالمانع والاخلال بالشرط والجزء أو الشرط وحده. والحق فيها وفاقاً لأكثر المحققين بل المتسالم عليه بينهم هو دخولها في باب التزاحم وان استشكل فيه السيد الخوئي أيده اللّه فقال بدخولها في باب التعارض وتندفع مناقشاته بما ذكرناه من كون دليل الجزئية والشرطية في غير الفرائض بنحو متمم الجعل. وتفصيله في محله.
وحينئذ أي بعد دخوله في باب التزاحم تجب ملاحظة الاهمية. وجهة المانع اهم لتعاضد الحكم الوضعي فيه بالحكم التكليفي ولا أقل من كونها محتمل الاهمية.
وفيه: انا لو اغمضنا عما ذكرناه في الوجه الثاني من تحديد الركوع والسجود بدليل حرمة لبس الحرير لم ينفع هذا الوجه في ترجيح جهة المانع وذلك لاهمية الركوع والسجود لكونهما من الفرائض. والفريضة أهم من السنة. وقد صرّح في ما ورد في دوران الامر بين الوضوء وغسل الميّت بوجوب تقديم الوضوء لأنه فريضة من اللّه تعالى وغسل الميت مما سنّه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم.

هذا مضافاً الى أن لسان تحريم الحرير من قبيل لا يصلح وهو تعبير غير مشدّد في التحريم. والحرمة الوضعية من شؤون الحرمة التكليفية.
وقد يقال في وجه الترجيح برجحان ما ليس له بدل على ما له بدل والركوع والسجود لهما بدل، ولا بدل في الجانب الآخر.
وفيه انه لم يثبت وجه صحيح لترجيح ما له بدل.
والحاصل أن القول المشهور هو الصحيح للوجه الثاني.

قال المصنف: وكذا اذا انحصر في الميتة أو المغصوب أو الذهب وكذا اذا انحصر في غير المأكول واما اذا انحصر في النجس فالاقوى جواز الصلاة فيه وان لم يكن مضطراً الى لبسه والاحوط تكرار الصلاة وكذا في صورة الانحصار في غير المأكول (38).

اما الكلام في الذهب فهو كالكلام في الحرير طابق النعل بالنعل فان الحرمة فيه أيضاً تكليفية ووضعية فيأتي فيه كل ما ذكرناه في صور الاضطرار الى الحرير.
وأما المغصوب فمقتضى القاعدة كما ذكرناه في محله صحة الصلاة فيه اختياراً فيختص الحكم بالحرمة التكليفية وهي ترتفع اذا كان الاضطرار الى لبسه لبرد وغيره وأما اذا كان الاضطرار الى الصلاة فيه لعدم وجود ساتر فالصحيح وجوب الصلاة عارياً وان صحّت فيه أيضاً وذلك لأن صورة وجدان المغصوب من أوضح مصاديق عدم الوجدان شرعاً. واما لو ادخلناه في باب التزاحم فالترجيح مع أدلة حرمة المغصوب لا لانه من حق الناس بل لان الروايات الواردة فيها قد شددت في تحريمه وتعبير الأدلة في تشديد الحكم أحد المرجحات في باب التزاحم (52).
وأما الميتة فقد ذكرنا في محله انها ليست لها مانعية بنفسها وانما المانع هو النجس. والميتة المحكوم عليها بالنجاسة مانعة من هذه الجهة فقط وليس لها حرمة تكليفية. وحينئذ فالظاهر عدم جواز البدار لان المعتبر في صحة الصلاة حينئذ هو الاضطرار حال الصلاة لعدم الحرمة التكليفية. وكذا يتوقف الاستدلال بالرواية السابقة (وكل شيء حرمه اللّه...) على صدق الاضطرار حال الصلاة لعدم الحرمة الا حالها.
وأما في صورة الاضطرار اليها لاجل الصلاة فقط فجريان الوجه الثاني في الحرير هنا يتوقف على القول بان التكاليف الضمنية كالاستقلالية ترفع القدرة الشرعية اذ ليس في المقام حرمة تكليفية حتى يأتي التقريب المتقدم في الحرير وانما هي حرمة ضمنية، والظاهر انها لا ترفع القدرة الشرعية فيدخل في باب التزاحم.
وأما الوجه الثالث فيأتي هنا والجواب الجواب.
وأما بناءاً على التزاحم فلا يأتي هنا ما مر في لبس الحرير من مرجح الصلاة عارياً وهو تأكد الحكم التكليفي بالحكم الوضعي.
وعليه فتجب الصلاة في الميتة. والحاق الميتة بالحرير محل تأمل بل منع.

وهكذا الكلام في غير المأكول اذ حكمه حكم الميتة (53).
وأما النجس فان كان مضطراً الى لبسه فلا اشكال في صحة الصلاة فيه للروايات، بل لو لم يضطر الى لبسه وانما اضطر الى الصلاة فيه صلى فيه ولم يصلّ عارياً، وان اختلفت الاقوال فقيل بوجوب الصلاة فيه وقيل بوجوب الصلاة عارياً وقيل بالتخيير وقيل بالجمع بينهما ومنشؤه اختلاف الروايات. والصحيح كما ذكرنا في محله وجوبها فيه.
وأما جواز البدار فربما تدل عليه صحيحة على بن جعفر عن اخيه عليه السلام (قال: سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله دم يصلي فيه أو يصلي عريانا؟ قال: إن وجد ماءاً غسله وإن لم يجد ماءاً صلى فيه ولم يصل عريانا) (54)3ولكن الظاهر عدم الجواز وللصحيحة توجيه ذكرناه في محله في باب النجاسات.

المسألة39: اذا اضطر الى لبس أحد الممنوعات من النجس وغير المأكول والحرير والذهب والميتة والمغصوب قدم النجس على الجميع ثم غير المأكول ثم الذهب والحرير ويتخير بينهما ثم الميتة فيتأخر المغصوب عن الجميع.

اذا كان الاضطرار أو الاكراه الى أحد أمور فانطباق عنوانهما يتوقف على متمم الجعل التطبيقي وهو نظر العرف فان كانت الامور متساوية من حيث المحذور المترتب عليها فكل ما اختاره منها ينطبق عليه عنوان الاضطرار وان كانت مختلفة فلا ينطبق الا على ما هو اقل محذوراً وذلك لان المحذور الاقل هو الجامع الموجود فيهما فهو مضطر اليه على كل حال واما المقدار الزائد في الجانب الآخر فلا يتحقق اليه اضطرار اواكراه.
وحينئذ فلا بد من تقديم النجس وغير المأكول على غيرهما من جهة ان الحرمة فيهما وضعية فقط وفي غيرهما وضعية وتكليفية.
واما تقديم النجس على غير المأكول فلان ما دل على وجوب الصلاة في النجس لو انحصر الساتر فيه دون ما اذا انحصر في غير المأكول ــ فيصلي عارياً على مسلكنا ومسلك المصنف ــ يدل على كون المانعية في النجس اهون منها في غير المأكول(55).
واما الذهب والحرير فتأخرهما لاجل الحرمة التكليفية.
وأما الميتة فان قلنا بان لبسها محرم تكليفاً فهو كلبس الذهب والحرير فلا وجه لتأخرها عنهما. نعم قد يجتمع فيه عنوان الميتة وعنوان النجاسة بناءاً على عموم الحكم للميتة الطاهرة أيضاً فيتأخر عنهما. واما على مسلكنا فليس له حكم مستقل بل هو داخل في عنوان النجس.
وأما المغصوب فتأخره لتأكيد النهي عن التصرف فيه وتشديده.

المسألة 40: لا بأس بلبس الصبي الحرير فلا يحرم على الولي الباسه ايّاه وتصح صلاته فيه بناء على المختار من كون عباداته شرعية.

أما عدم الحرمة التكليفية على الصبي فلا اشكال فيه اما لقصور أدلة الحرمة عن شمولها اياه واما لتقييد ما يشمله بأدلة رفع القلم.
وأما جواز الالباس للولي فهو أيضاً بلا اشكال لعدم الدليل على حرمته الا رواية جابر: (كنا ننزعه عن الصبيان ونتركه على الجواري) وهي قاصرة سنداً ودلالة.
نعم التسبيب الى وقوع بعض الاعمال من الصبيان محرم من جهة ان تلك الاعمال مبغوضة عند الشارع بالمعنى الاسم المصدري فيجب تجنيب الاطفال عنها وليس لبس الحرير من هذا القبيل.
انما الكلام في المانعية بالنسبة الى صلاته. وقد انكرها بعض الاصحاب. ويمكن الاستدلال على عدم المانعية بوجوه:
الوجه الاول: قصور أدلتها عن شموله فان العمدة فيها صحيحة الاحوص المشتملة على عنوان الرجل. ولا دليل على كون المراد به ما يقابل المرأة. وأما مكاتبة محمد بن عبد الجبار فقد بيّـنّـا انها معارضة بخبر الحلبي وان المراد بعدم الحل فيها هو الكراهة.
الوجه الثاني: ما ذكرناه من الوجه الثاني لصحة الصلاة في الصورة الرابعة من صور الاضطرار الى لبس الحرير من ان الاسئلة الواردة محمولة على مورد ثبوت الحكم التكليفي للقرينة الخارجية وهي كون المسألة مورد الخلاف والبحث عند العامة فكان السؤال عن استلزام الحرمة التكليفية للحرمة الوضعية كما كانت العامة تتوهمه.
الوجه الثالث: ما ذكرناه هناك أيضاً من الوجه الثالث نقلاً عن المحقق الهمداني بتقريب منا. ولكن يمكن الخدشة فيه بامكان جعل الارتباط في السنن بنحو آخر وهو ان لا يعتمد جعل الارتباط على نهي سابق عن المانع بل يجعل بنحو التوسعة في موضوع الحكم الجزائي فيقول مثلاً: من اتى بالصلاة في غير مأكول اللحم يعاقب. فكما ان العقاب يترتب على ترك ما فرضه اللّه تعالى يترتب على اتيانه في هذا المانع بجعل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم.
والوجه في التزامنا بهذا النحو من الجعل هو ان المانع قد يكون بمعناه المصدري مانعاً فيصح فيه جعل المانعية بالنحو الذي ذكرناه سابقاً من النهي عنه أولا ثم جعل الارتباط في مرحلة الحكم الجزائي ولكنه قد يكون بمعناه الاسم المصدري مانعاً أي نفس كون الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل لحمه وهذا لا يمكن ان يتعلق به نهي اذ لم تلاحظ فيه جهة صدوره من المكلف فلابد من الالتزام بهذا النحو من جعل المانعية، بان ينفي الصلاة عما وقع في ما لا يؤكل لحمه مثلاً بنحو الحكومة ومعناه ان العقاب المترتب على ترك الصلاة مترتب على اتيانها في ذلك وهنا تنتزع المانعية.
وسيأتي في مباحث التعارض ان من الحقوق الثابتة للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم والائمة عليهم السلام هو جعل العقوبات ابتداءاً أو بنحو الحكومة على نحو التوسعة كما ذكرنا. وقد ورد في موثقة سماعة ان من صلى في النجس نسياناً يعيدها عقوبة(56). وهذا حكم جزائي من الامام عليه السلام للتحفظ على السنن. وفي صحيحة زرارة ان من جامع في الحج عليه الحج من قابل فيساله زرارة: فأي الحجتين لهما قال عليه السلام: الاولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، والاخرى عليهما عقوبة. (57)

المسألة 41: يجب تحصيل الساتر للصلاة ولو باجارة أو شراء ولو كان بازيد من عوض المثل ما لم يجحف بماله ولم يضر بحاله.

أما وجوب تحصيل الساتر عقلاً فلا اشكال فيه لوجوب تحصيل مقدمات الواجب المطلق، وكذلك لا اشكال في عدم وجوب ذلك اذا كان حرجياً. انما الكلام في ما اذا باعه بازيد من ثمن المثل من دون حصول الحرج فله صورتان:
الصورة الأولى: ان تكون الزيادة من جهة ارتفاع قيمة السلعة في السوق نظرا الى شرائط الزمان والمكان. وفي هذه الصورة لا يصدق عنوان الزيادة عن ثمن المثل.
الصورة الثانية: ان تكون الزيادة من جهة اجحاف البايع فهل تأتي هنا قاعدة نفي الضرر أم لا؟
ويمكن الاستدلال لعدم شمول القاعدة بوجوه:
الوجه الاول: ما ذكره السيد الحكيم في المستمسك وان تنظر فيه وهو ان هذه القاعدة تختص بما لا يكون للحكم المجعول ضرر بالذات كالوضوء مثلاً واما ما يكون الحكم ضررياً من اصله فلا ترفعه القاعدة ولا يتقدم عليه دليل نفي الضرر. ومن ذلك ما نحن فيه فان تحصيل الساتر يحتاج إلى صرف مال فيه فهو ضرري بذاته.
وفيه: ان تحصيل الساتر مما يضطر اليه الانسان في حياته الاجتماعية من دون النظر الى وجوب الصلاة فهو امر يندفع اليه الانسان بذاته لا بدافع من الحكم الشرعي. مضافاً الى ان شراءه بثمن المثل لا يعتبر ضرراً مهما كان الدافع الى شرائه اذ لا يعتبر مجرد المبادلة بين المالين ضرراً.
الوجه الثاني: ان مفاد القاعدة على مسلك المحقق الخراساني نفي للموضوع الذي له حكم شرعي فهي لا ترفع الا الاحكام الشرعية بلسان نفي موضوعاتها ووجوب تحصيل الساتر حكم عقلي اذ المستورية شرط بالمعنى الاسم المصدري ولذا ذكر في باب الانسداد ان حديث (لا ضرر) لا يرفع وجوب الاحتياط لانه عقلي.
وفيه: ان الحق هو مسلك الشيخ من انه نفي للحكم الذي ينشأ منه الضرر فالمراد ان الشارع لا يتسبب للضرر ولا يحكم بحكم يتوقف امتثاله على الضرر.
الوجه الثالث: ان الضرر عبارة عن نقص المال والنفس لا نقص المالية ولذا لو اشترى مالاً ثم نقصت قيمته في السوق لا يعتبر هذا ضرراً نعم لو باعه بعد الشراء بانقص مما اشتراه به كان ضرراً. فاشتراء المال بازيد من ثمن المثل لا يصدق عليه الضرر الا بنحو المجاز بعلاقة المشارفة اذا اراد ان يبيعه وهو خارج عما نحن فيه.
 

 في لباس الشهرة


المسألة 42: يحرم لبس لباس الشهرة بان يلبس خلاف زيّه من حيث جنس اللباس أو من حيث لونه أو من حيث وضعه وتفصيله وخياطته كأن يلبس العالم لباس الجندي وبالعكس مثلا.

مقتضى ما ذكره وذكر غيره أيضاً هو حرمة لبس الانسان غير زيّه مطلقاً فيشمل ما لو لبس الجندي لباس المدني أو الشرطي أو العكس أو لبس الضابط لباس الجندي أو العكس وهكذا. ولا اشكال في ان كل صنف من طبقات المجتمع من حيث الاشغال والمهن يتخذون لانفسهم زيّاً خاصاً من حيث اللون والتفصيل والجنس وغير ذلك. ولو اقتصروا على مثال العالم والجندي لكان مناسباً للذوق الا ان اطلاق هذا القول بحيث يشمل جميع الاصناف والطبقات امر مستغرب جداً.
وقد استدلوا على ذلك بما رواه الكليني عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن ابي عمير عن ابي ايوب الخزاز عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: ان اللّه يبغض شهرة اللباس(58).
والسند صحيح لو لم يكن من قبيل تعليق الاسانيد بالاجازات كما ذكرناه بالنسبة الى اسانيد الكافي. وهذا هو العمدة في الدليل على حرمة كل لباس يوجب الامتياز الشخصي واما الامتياز النوعي فلا اشكال فيه فيدل على مبغوضية الامتياز والشهرة الفردية.
والكلام في مقامين: الاول في معنى الشهرة والثاني في دلالة البغض على الحرمة.
أما في المقام الاول فنقول: ذكر في تاج العروس: (الشهرة بالضم ظهور الشيء في شنعة والشنعة بالضم القباحة والفظاعة شنعت فلاناً استقبحته وسئمته حتى يشهره الناس. هكذا في المحكم والاساس فقول شيخنا التقييد بالشنعة غير معروف ولا يعرف لغير المصنف محل تأمل. نعم ذكره الجوهري من غير تقييد فقال: الشهرة وضوح الامر). (59) وفي مجمع البحرين: (الشهرة ظهور الشيء في شنعة حتى يشهره الناس. ومنه الحديث من لبس ثوباً يشهره البسه اللّه ثوب مذلة أي يشمله بالذل كما يشمل البدن أي يصغره في العيون ويحقره في القلوب).
فالمستفاد من كلمات اللغويين ان لباس الشهرة هو اللباس الذي يحقّر الانسان ويظهره عندهم بمظهر شناعة وفظاعة وهتك وذلة واما ما ذكره الجوهري في الصحاح فغير معتمد لامكان تفسير اللفظ بالاعم ولانه اول كتاب صنف في اللغة بترتيب الهجاء فلم يكن بعد متطوراً مع انه لم يوفق لتنظيم كتابه بل باشره احد تلامذته فلا يقاوم ما نقلناه من القاموس والمحكم والاساس وهما من الكتب القديمة المعتبرة. ولو شككنا في معنى الكلمة فالبراءة جارية في الشبهة المفهومية في الأقل والأكثر.
وأما في المقام الثاني فالظاهر ان البغض لا يساوق الحرمة ولا يستلزمه بل هو في مرحلة الحكم الاقتضائي وقد ورد ان ابغض الحلال الى اللّه الطلاق فيدل على ان الحلال منه ما هو مبغوض عند اللّه تعالى وان ابغضها هو الطلاق ومع ذلك فالطلاق ليس بمحرم وانما يدل البغض على ترتب نوع من المفسدة في الشيء بحيث لو لم يكن هناك دواع اخر ومصالح ومفاسد لاقتضى التحريم.
وقد يستدل ايضاً بما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن محمد بن اسماعيل عن ابي اسماعيل السراج عن ابن مسكان عن رجل عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: (كفى بالمرء خزياً ان يلبس ثوبا يشهّره أو يركب دابة تشهّره)(60) .
وهي مع انها مرسلة سنداً تؤيد ان المراد بالشهرة هو ما يوجب الخزي.
وروى الكليني أيضاً عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى عمن ذكره عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: الشهرة خيرها وشرها في النار(61) .
والمراد بالخير هنا ما هو في نفسه يدلّ على امر مستحسن من الزهد والعفاف ولكنه موجب للمذلة بحسب خصوصيات الزمان والمكان وسيأتي بعض الروايات الدالة على ذلك. وكيف كان فالرواية مع كونها مرسلة ايضاً لا تدل على اكثر مما ذكرنا.
وروى الكليني أيضاً عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن محمد بن سنان عن ابي الجارود عن ابي سعيد عن الحسين عليه السلام قال: من لبس ثوباً يشهره كساه اللّه يوم القيامة ثوباً من النار(62) .
وهي ايضاً ضعيفة ودلالتها كما سبق. فالحاصل ان المؤمن لا يجوز ان يلبس ما يحقره ويصغره في اعين الناس. وقد دلت بعض الروايات ان المؤمن لا يجوز له ان يذلل نفسه امام الناس. قال تعالى (وَللّه الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) المنافقون: 8.
وروى الكليني أيضاً عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشا عن عبد اللّه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: بينا انا في الطواف واذا رجل يجذب ثوبي واذا عباد بن كثير البصري فقال: يا جعفر تلبس مثل هذه الثياب وانت في هذا الموضع مع المكان الذي انت فيه من علي عليه السلام. فقلت: فرقبي(63) اشتريته بدينار وكان علي عليه السلام في زمان يستقيم له ما لبس فيه ولو لبست مثل ذلك اللباس في زماننا لقال الناس: هذا مراء مثل عباد. (64)
معلى بن محمد مضطرب الحديث. مع أنه شاهد لما ذكرناه.
وروى الكليني أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن يحيى(الخزاز) عن حماد بن عثمان قال: كنت حاضراً عند أبي عبد اللّه عليه السلام اذ قال له رجل اصلحك اللّه ذكرت ان علي بن ابي طالب عليه السلام كان يلبس الخشن يلبس القميص باربعة دراهم وما اشبه ذلك ونرى عليك اللباس الجيد قال: فقال له: ان علي بن ابي طالب صلوات اللّه عليه كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر ولو لبس مثل ذلك اليوم لشهّر به فخير لباس كل زمان لباس اهله غير أن قائمنا اذا قام لبس لباس علي وسار بسيرته(65).
والرواية صحيحة وفيها شاهد لما ذكرناه خصوصاً ان التعبير بالشهرة وارد في ما نقلناه من اللغويين فالمراد بالتشهير هوالاستقباح وايجاب المذلة والاهانة.
وفي رواية فيها (معلى بن خنيس) عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: ان عليا عليه السلام كان عندكم فاتى بني ديوان فاشترى ثلاثة أثواب بدينار القميص الى فوق الكعب والازار الى نصف الساق والرداء من يديه الى ثدييه ومن خلفه الى الييه ثم رفع يديه الى السماء فلم يزل يحمد اللّه على ما كساه حتى دخل منزله ثم قال هذا اللباس الذي ينبغي للمسلمين ان يلبسوه قال ابو عبد اللّه عليه السلام: ولكن لا تقدرون ان تلبسوها هذا اليوم ولو فعلنا لقالوا مجنون ولقالوا مراء واللّه عز وجل يقول: وثيابك فطهر قال: وثيابك ارفعها لا تجرها فاذا قام قائمنا كان هذا اللباس(66).
وروى الشيخ عن علي بن محمد العلوي عن محمد بن احمد المكتب عن احمد بن محمد الكوفي عن علي بن الحسن بن علي بن فضال عن ابيه عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال: من شهر نفسه بالعبادة فاتهموه على دينه فان اللّه عز وجل يكره شهرة العبادة وشهرة اللباس(67).
والشهرة في العبادة هنا بمعنى مطلق التظاهر.
وهناك رواية مشابهة لها عن أمير المؤمنين عليه السلام ان رجلاً وفد اليه من اشراف العرب فقال له عليه السلام : هل في بلادك قوم قد شهروا انفسهم بالخير لا يعرفون الا به. قال: نعم. قال: فهل في بلادك قوم قد شهروا انفسهم بالشر لا يعرفون الا به قال: نعم. قال: فهل في بلادك قوم يجترحون السيئات ويكتبون الحسنات قال: نعم. قال: تلك خيارامة محمد صلى اللّه عليه وآله وسلّم النمرقة الوسطى يرجع اليهم الغالي وينتهي اليهم المقصر (68) .
وكلاهما من حيث السند غير معتبر الا أن المضمون صحيح والمراد بالتشهير هو التظاهر بالزهد والتقوى على خلاف المتعارف.
وفي الرواية الاولى اشكال سندي من غير جهة الرواة غير الموثقين وهو ان علي بن الحسن لا يروي عن ابيه كما ذكره النجاشي فكان يقول كنت اقابل ابي وسني ثمانية عشر سنة وكنت لا افهم الحديث. ولذلك لا ينقل عن ابيه الا بواسطة اخويه محمد واحمد. قال النجاشي ولكن القميين نقلوا سنداً اليه ينقله عن ابيه والكوفيون لا يعرفونه. وهذا تعريض بعدم صحة هذا السند من جهة ان عليّا من الكوفيين فكيف لا يعرف اسناده تلامذته ويعرفه القميون.
وقد عدّ السيد الخوئي أيده اللّه في المعجم الموارد التي نقل فيها الصدوق عنه عن ابيه وذكر ان مشايخه في هذه الاسناد ليسوا ثقات الا ان مثل هذه الاسناد واقع في كامل الزيارات ايضاً. فجمع السيد الخوئي بين هذين الامرين بانه كان لا ينقل روايات الاحكام لاهميتها مخافة الاشتباه وينقل روايات الزيارة وبذلك يرتفع القدح في اسانيد كامل الزيارات بذلك.
ولا يخفى ضعف هذا الجمع ومنافاته لما ذكره النجاشي.
 

في التشبه بالنساء


قال المصنف: وكذا يحرم على الاحوط لبس الرجال ما يختص بالنساء وبالعكس والاحوط ترك الصلاة فيهما وان كان الاقوى عدم البطلان (42).

وقد ذكر السيد الحكيم في المستمسك نقلاً عن الرياض انه الاشهر الاظهر المحتمل فيه الاجماع ثم تمسك بما ورد من النهي عن تشبه الرجال بالنساء وبالعكس.
والكلام يقع في مقامين:
المقام الاول في الحرمة التكليفية والوضعية للبس الرجل ثوب المرأة والعكس.
اطلاق قول الاصحاب يشمل ما لو لبس الرجل في صلاته ثوب امرأته أو تعمم بخمارها. والعجيب انهم لم يتعرضوا لرواية صحيحة تدل على الجواز في ذلك بالصراحة.
روى الكليني والشيخ عنه عن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى عن العيص بن القاسم. وروى الصدوق بسنده عن العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصلي في ازار المرأة وفي ثوبها ويعتمّ بخمارها. قال: نعم اذا كانت مأمونة (69) والمراد بالامن الاطمئنان بطهارته. وروى مثله الصدوق مرسلاً أيضاً.
اما سند الرواية فبنقل الصدوق صحيح بلا اشكال اذ سنده الى العيص محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن صفوان بن يحيى. واما سند الكليني فمحمد بن اسماعيل المبدوّ به هنا وفي بعض اسناد الكليني مشتبه والظاهر انه النيشابوري الذي اعتمد عليه الكشي وهو من مشايخ الكليني الا انه لم يرد فيه توثيق وقد اعتمد بعضهم عليه لتوافق رواياته مع روايات الثقات. وهذا الوجه عندنا ضعيف.
وكيف كان فالرواية صحيحة. واما دلالتها فصريحة في تجويز لبس الرجل الثوب المختص بالمرأة تكليفا وصحة الصلاة فيه سواء كان لبسه على غرار لبس المرأة كما هو الحال في الازار والثوب أو على وجه آخر كالتعمم بالخمار.
وبذلك يظهر ضعف القول بالحرمة أو الاحتياط فيه اذ لو فرض هناك اطلاقات يقتضي حرمة التشبه ففي خصوص لبس الثوب المختص وردت هذه الصحيحة فلا تصل النوبة الى الاطلاقات، ويظهر منها أيضاً حكم لبس المرأة مختصات الرجل لعدم القول بالفصل وعدم الخصوصية.
المقام الثاني: في حرمة التشبه.
وقد وردت فيها روايات كثيرة. وقبل ذكرها ننقل رواية عن سماعة بن مهران حول التشبه بالنساء.
روى الكليني عن عدة من اصحابنا عن احمد عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران عن ابي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يجرّ ثوبه قال: اني لاكره ان يتشبه بالنساء(70) .
وقد ذكرت هذه الكراهة في بعض الروايات بتعليل آخر وهو التكبر وفي روايات اخرى بنحو الامر بالتشمير والتقصير للاجتناب عن النجاسات والاوساخ فالظاهر منها هو الكراهة.
واما سندها فصحيح. وما في تقريرات السيد الخوئي ايده اللّه من رميها بالضعف انما هو بالنظر الى نقل الطبرسي (ره) له في مكارم الاخلاق (71) لكونها مرسلا فيه والا فهذا السند الذي ذكرناه صحيح لا اشكال فيه. الا ان الرواية ظاهرة في الكراهة. وهذا التعليل لا يدل على حرمة كل تشبه بالنساء.
واما الروايات المطلقة الناهية عن تشبه الرجال بالنساء وبالعكس فهي كثيرة:
منها ما رواه عمرو بن شمر عن جابر عن ابي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم (في حديث) لعن اللّه المحلل والمحلل له (الى ان قال) والمتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال)(72).
والسند ضعيف. وقد عدّ ذلك من علائم آخر الزمان في عدّة من الروايات المذكورة في كتاب النكاح وفي جهاد النفس.
الا ان الكلام في المراد بهذا التشبه بعد فرض صحة هذه الروايات. والتشبه يكون على وجوه فقد يعالج الرجل بحيث يتغير جسمه ويشبه المرأة في بعض خصوصياتها كالثديين أو بالعكس.

وقد يكون التشبه في الجهة الجنسية بمعنى أنّ الرجل يعامل معه معاملة المرأة والمرأة تعامل المرأة معاملة الرجل في الاستمتاع الجنسي. فيراد بالروايات حرمة الشذوذ الجنسي في الرجل والمرأة.

وقد يتشبه الرجل بالمرأة في الزّيّ واللباس، وقد عدّه السيد الخوئي على ما في تقريراته من أكبر الكبائر.
قال: (وليس المراد بالتشبه في الروايات مجرد لبس كل واحد من الرجل والمرأة لباس الآخر بل الظاهر من التشبه باللباس المذكور هو ان يتزيّى كل من الرجل والمرأة بزيّ الآخر كالمطربات اللاتي اخذن زيّ الرجال والمطربين الذين اخذوا زيّ النساء. ومن البديهي انه من المحرمات في الشريعة بل من اخبث الخبائث واشد الجرائم واكبر الكبائر (الى ان قال) وقد تجلّى مما ذكرنا انه لا شك في جواز لبس الرجل لباس المرأة لاظهار الحزن وتجسيم قضية الطف وتوهم حرمته لاخبار النهي عن التشبه ناش من الوساوس الشيطانية).
اما كون هذا العمل من اكبر الكبائر الى آخر ما ذكر فامر لا يمكن الاستدلال عليه واما الفرق بين الابكاء والاضحاك والطرب وتجسيم قضية الطف بعد فرض حرمة العمل فلم نعرف له وجهاً.

وعليه فالروايات مع ضعف اسنادها جميعاً تحتمل كلاً من هذه الوجوه الثلاثة.
ويمكن ان يقال ان المراد بالتشبه فيها هو خصوص الوجه الاخير بقرينة بعض الروايات التي تفسر التشبه المذكور. وقد ذكر في المستمسك رواية واحدة هو رواية زيد بن علي(73) واستشكل فيها بالضعف وعدم الدلالة.
أما عدم الحجية من جهة السند فهو مشترك بين المفسِّر والمفسَّر ولا تختص الرواية بما ذكره بل هناك روايات أخرى.
منها ما رواه الكليني عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد بن خالد عن محمد بن علي عن علي بن عبد اللّه وعبد الرحمان بن محمد عن ابي خديجة عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال وهم المخنثون واللاتي ينكحن بعضهن بعضاً.
ورواه الصدوق في عقاب الاعمال بزيادة وبسند مماثل ورواه البرقي في المحاسن(74).اما من حيث السند فهي ضعيفة لعدة جهات ومنها ابو خديجة فانه وثقه بعضهم فقال ثقة ثقة وضعفه بعضهم وكان داخلاً في زمرة الغلاة وان تاب على ما يقال. وقد ذكر في حاشية تقريرات السيد الخوئي ايده اللّه في المكاسب المحرمة بعد الاشارة الى ضعف السند (وقال في الوسائل بعد نقل الرواية: (ورواه البرقي في المحاسن) وعليه فلا بأس بالعمل بها)
وهذا عجيب فان البرقي هو الراوي في سند الكليني والصدوق ایضا وانما الاشكال في من بعده. وكيف كان فالسند ضعيف الا ان المفسَّر أيضاً ضعيف. وأما الدلالة فواضحة صريحة.
ومنها ما رواه الكليني أيضاً بسند غير صحيح ومضامين منكرة حول مساحقة المرأة (وفيه): وفيهن قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: لعن اللّه المتشبهات من النساء بالرجال ولعن اللّه المتشبهين من الرجال بالنساء (75).
 وكيف كان فلو فرض الاعتماد على روايات النهي عن التشبه وكان فيها اجمال من حيث الدلالة على احد الوجوه الثلاثة المذكورة فان هذه الروايات تفسرها. فالقول بحرمة لبس احدهما ثوب الآخر لا دليل عليه بل دلت صحيحة العيص على جوازه في الجملة والمفروض ان اطلاق كلامهم يشمل ذلك ايضاً. نعم الاحوط هو عدم التزيي بزي النساء وكذا العكس.
 

الكلام في صلاة العراة


المسألة 43: اذا لم يجد المصلّي ساتراً حتى ورق الاشجار والحشيش فان وجد الطين أو الوحل او الماء الكدر أو حفرة يلج فيها ويتستر بها أو نحو ذلك مما يحصل به ستر العورة صلى صلاة المختار قائماً مع الركوع والسجود..

ذكرنا في موضعه عدم كفاية الحفيرة والظلمة ونحوهما بل الطين ونظائره اختياراً قطعاً بل ذكرنا الاشكال في تقدم الحشيش والاشجار على التستر بالاعضاء.

قال المصنف: وإن لم يجد ما يستر به العورة أصلا فإن أمن من الناظر بأن لم يكن هناك ناظر أصلا أو كان وكان أعمى أو في ظلمة أو علم بعدم نظره أصلا أو كان ممن لا يحرم نظره إليه كزوجته أو أمته فالأحوط تكرار الصلاة بأن يصلي صلاة المختار تارة، وموميا للركوع والسجود اخرى قائماً، وإن لم يأمن من الناظر المحترم صلى جالسا وينحني للركوع والسجود بمقدار لا يبدو عورته، وإن لم يمكن فيومي برأسه، وإلا فبعينيه، ويجعل الانحناء أو الايماء للسجود أزيد من الركوع، ويرفع ما يسجد عليه، ويضع جبهته عليه وفي صورة القيام يجعل يده على قبله على الأحوط. (43)

يقع البحث في موضعين:
الموضع الأول في انه يصلي قائماً أو قاعداً. والروايات في هذا الباب ثلاث طوائف فمنها ما تدل على وجوب الجلوس حينئذ.
احداها صحيحة زرارة رواها الكليني عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال: قلت لابي جعفر عليه السلام : رجل خرج من سفينة عرياناً أو سلب ثيابه ولم يجد شيئاً يصلي فيه فقال: يصلي ايماءً وان كانت امرأة جعلت يدها على فرجها وان كان رجلاً وضع يده على سوأته ثم يجلسان فيؤميان ايماء ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما تكون صلاتهما ايماء برؤوسهما(76).
والسند صحيح مضافاً الى ما ذكر في السند من جهة ان الظاهر ان الكليني يرويه عن كتاب حماد أو حريز وهما كتابان مشهوران وانما السند سند الى كتابهما.
الثانية ما رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة قال: يتقدمهم الامام بركبتيه ويصلي بهم جلوساً وهو جالس(77) والسند صحيح.
الثالثة ما رواه الشيخ أيضاً باسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن الحسين عن عبد اللّه بن جبلة عن اسحاق بن عمار قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: قوم قطع عليهم الطريق واخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال يتقدمهم امامهم فيجلس ويجلسون خلفه فيؤمي ايماء بالركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم(78).
الرابعة ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن ابي البختري عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السلام انه قال: من غرقت ثيابه فلا ينبغي له ان يصلي حتى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثياباً فان لم يجد صلى عرياناً جالساً يؤمي ايماء (الحديث)(79).
الخامسة: ما رواه في الجعفريات وهو بهذا المضمون أيضاً. وسند هذين الاخيرين ضعيف فهما مؤيدان.
السادسة والسابعة: ما رواه الكليني والشيخ عنه عن جماعة عن احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن اخيه الحسن عن زرعة عن سماعة قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الارض وليس عليه الا ثوب واحد واجنب فيه وليس عنده ماء كيف يصنع قال يتيمم ويصلي عرياناً قاعداً يؤمي ايماءاً (80) .
ورواه الشيخ عن الحسين بن عبيد اللّه عن احمد بن محمد عن ابيه عن محمد بن علي بن محبوب عن احمد عن الحسين عن الحسن عن زرعة عن سماعة باختلاف يسير لا يضر بوحدة الحديث وفيه بدل قاعداً (قائماً). (81)
والظاهر ان كلمة قاعداً وقائماً لتشابههما اوجب هذا الاشتباه اذ قد يكون الكلمة في الكتاب غير مقروءة فكل يقرأه بنحو. وحيث انّ الشيخ ينقل الحديثين صار هذا سبباً لرمي الشيخ بكثرة الاشتباه مع انه ينقل كلا منهما عن كتاب: احدهما عن كتاب الكليني والآخر عن كتاب محمد بن علي بن محبوب.
وكيف كان فهذا الحديث من هذه الطائفة بالنقل الاول ومن الطائفة الآتية الخاصة بما دل على وجوب القيام على النقل الثاني. الا ان الحلبي ينقل مضمون هذا الحديث ايضاً وفيه (يجلس مجتمعاً) فيؤيد النقل الاول(82).
هذا ولكنا طرحنا رواية سماعة والحلبي في البحث عن الصلاة في النجس لمعارضتهما مع الروايات الكثيرة الدالة على تقديم الصلاة في النجس عليها عرياناً.
ومن الروايات ما تدل على وجوب الصلاة قائماً:
منها: صحيحة علي بن جعفر عن اخيه موسى عليهما السلام قال: سألته عن الرجل قطع عليه او غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلي؟ قال: ان أصاب حشيشاً يستر به عورته اتم صلاته بالركوع والسجود وان لم يصب شيئاً يستر عورته أومأ وهو قائم(83).
ومنها صحيحة عبد اللّه بن سنان (في حديث): وان كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف ويصلي قائما (84).

ولكن هذه الصحيحة مضطربة المتن فان صدرها هكذا: سئل ابو عبد اللّه عليه السلام عن رجل ليس معه الا سراويل . قال: يحلّ التكة منه فيطرحها على عاتقه ويصلي قال... (الحديث) والظاهر منه ان الكلام ليس في العاري وانما الكلام في شيء يطرحه على عاتقه حال الصلاة فحكم عليه السلام بطرح التكة عليه في صدر الرواية فالثوب الذي ليس معه في الذيل يراد به ما يطرح على العاتق من رداء وشبهه وبهذا يخرج الحديث عما نحن فيه الا ان التقييد بالقيام حال الصلاة يوجب اضطرابا في الحديث واجمالاً اذ لا وجه لتوهم الجلوس الا كونه عارياً وكيف كان فالحديث اما خارج عما نحن فيه واما مطروح لاجماله.
ومن الروايات ما تدل على التفصيل بين ما اذا كان يراه أحد فليجلس واذا لم يره احد فليقم.
منها ما رواه الشيخ باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن يعقوب بن يزيد عن ابن ابي عمير عن ابن مسكان عن بعض اصحابه عن ابي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة قال: يصلي عرياناً قائماً ان لم يره احد فان رآه أحد صلى جالساً(85).
ولعل الوجه في الارسال عدم امكان قراءة اسم الراوي في كتاب ابن ابي عمير كما ذكرناه سابقاً. وقد يقال بان ابن مسكان من اصحاب الاجماع فلابد من العمل بمراسيله ولذا جمعوا بين الروايات بموجب هذه الرواية. وهذا الكلام ضعيف عندنا كما مرّ
ومنها: ما رواه البرقي في المحاسن عن ابيه عن ابن ابي عمير عن محمد بن ابي حمزة عن ابن مسكان عن ابي جعفر عليه السلام (في رجل عريان ليس معه ثوب قال: إذا كان حيث لا يراه أحد فليصل قائماً).
وفي السند اشكال من جهة ان ابن مسكان من اصحاب الكاظم عليه السلام وقيل روى عن الصادق عليه السلام ولم يثبت وقال يونس وهو تلميذه انه لم ينقل عن الصادق الا رواية من ادرك المشعر فقد أدرك الحج. فكيف يمكن روايته عن الباقر عليه السلام.
وقد روي في الجعفريات ونوادر الراوندي أيضاً ما يدل على التفصيل.
واما كلمات الفقهاء فقد اختلفت العامة والخاصة في ذلك. فقال مالك والشافعي: يصلي قائماً بركوع وسجود واطلقا. وقال الاوزاعي واحمد والمزني: يصلي قعوداً واطلقوا. وقال ابوحنيفة: يتخير بين القيام والقعود، والقعود أفضل. هكذا في التذكرة ونسب في المعتبر القول بالتخيير الى ابن جريح.
واما علماؤنا فقد نسب الى المشهور التفصيل بين الأمن من المطّلع فيصلي قائماً وعدمه فيصلي جالساً ونقله في مفتاح الكرامة عن المبسوط والنهاية والمراسم والوسيلة والخلاف. والظاهر ان اول من قال به هو الشيخ في النهاية. وذكر الصدوق في الفقيه والمفيد في المقنعة والسيد في الجمل والشيخ في التهذيب انه يصلي من جلوس مطلقاً. وهو المنقول عن المقنع. فالظاهر ان المشهور بين من تقدم على الشيخ هو القول بالجلوس. ونقل عن ابن ادريس القول بالقيام. واختار المحقق في المعتبر التخيير. وكيف كان فاشتهار التفصيل مختص بعهد الشيخ ومن تأخر عنه.
ولابد من ملاحظة الروايات للعلاج. وقد بيّـنّـا ان الرواية الاولى والثانية مما ذكرناها وهما رواية زرارة وعبد اللّه بن سنان لا اشكال في صحتهما. واما الرواية الثالثة وهي رواية اسحاق بن عمار فالظاهر صحة سندها الا انه يمكن الاشكال فيها من جهتين:
الجهة الاولى ما ذكره السيد البروجردي في مجلس درسه وذكر ملخصه في تقريراته وهو ان عبد اللّه بن جبلة وان كان من الطبقة السادسة وتوفي في سنة 219 ومحمد بن الحسين بن ابي الخطاب من الطبقة السابعة ووفاته في سنة 262 فيمكن نقله عنه الا ان الغالب في رواة بن جبلة هو رواة الطبقة السادسة المعاصرون له والطبقة السابعة يروون عنه بواسطة يحيى بن المبارك او عبد اللّه بن المبارك غالباً فلا يبعد سقوط احدهما عن السند وحيث ان توثيقهما لم يثبت فالرواية غير معتبرة.
ويدفعه ان حسن بن محمد بن سماعة ينقل عن ابن جبلة كثيراً ووفاته في سنة 263 والرواية عنه لا تختص بمعاصريه بل ينقل عنه كثير من الطبقة السابعة. فاحتمال سقوط الواسطة لا وجه له وانحصارها على تقديره في ابني مبارك لا دليل عليه.
الجهة الثانية: احتمال ان يكون ابن جبلة تصحيفاً عن ابي جميلة وهو مفضل بن صالح وهو ضعيف والذي يوجب هذا الاحتمال هو ان محمد بن الحسين قد يروي عن ابي جميلة عن اسحاق بن عمار وقد يروي عن ابن جبلة عن اسحاق بن عمار. وهاتان الكلمتان متشابهتان. وكثيراً ما يقع مثل هذا الاشتباه والشاهد على ذلك ما رواه الشيخ في التهذيب جـ4 حديث 607 وفيه عبد اللّه بن جبلة ورواه في الاستبصار ايضاً جـ2 حـ263 ورواه بعينه في جـ4 حـ1000 من التهذيب وفيه ابو جميلة(86) .
و السند في هذه الرواية مشابهة لهذا الشاهد (محمد بن الحسين عن عبد اللّه بن جبلة عن اسحاق بن عمار). ووقع نظيره في اسناد آخر. ذكر في جامع الرواة جـ2 ص339: السندي بن الربيع عنه (يحيى بن المبارك) عن عبد اللّه بن جبلة في باب الزيادات في القضايا والاحكام. وعنه عنه عن ابي جميلة في آخر باب الكفارة عن خطإ المحرم.
ولكن الظاهر كما صرّح به الاردبيلي في جامع الرواة ان ابا جميلة خطأ وان الصحيح هو عبد اللّه بن جبلة بقرينة الراوي والمروي عنه.
فالاشكال في سندها من هذين الوجهين لا يعتنى به. نعم يمكن التشكيك في ذيلها: (فيؤمي ايماءً الخ) من جهة احتمال كونه زيادة من بعض الرواة للتوضيح بقرينة رواية ابن سنان في نفس المسألة من دون ذكر ركوع المأمومين وسجودهم.
واما رواية سماعة فالظاهر كما مر وقوع اشتباه من النساخ بين كلمتي (قاعداً) و (قائماً) لتشابههما خصوصاً في الخط الكوفي. وما ذكر في المستمسك من أن الشيخ لعله اطّلع على خطأ نسخة الكليني في كلمة قاعداً فابدله في مكان آخر بكلمة قائماً غير صحيح فان الشيخ ناقل وهو في كل من النسختين ينقله عن كتاب كما مرّ.
وبهذا يمكن الخدشة في كل رواية ورد فيها لفظة (قائماً) لاحتمال الاشتباه وتحريفه عن كلمة (قاعداً).
وقد عرفت ان الشاهد لتقديم نسخة الكليني على نسخة ابن محبوب هو رواية الحلبي: (يجلس مجتمعاً) اذ لا يحتمل الاشتباه. مضافاً الى روايات زرارة وعبد اللّه بن سنان واسحاق بن عمار وان لم تكن في مورد نجاسة الثوب الا ان كلها في صلاة العاري وهذه الروايات تشتمل على الجلوس الذي لا يحتمل الاشتباه بالقيام.
فالحاصل ان هذا الاشتباه وهذا الترجيح يؤيدان روايات الجلوس أولاً ويوجبان الخدشة في روايات القيام من جهة احتمال وقوع الاشتباه ثانياً.
واما روايات القيام فالمهم فيها صحيحتا علي بن جعفر وعبد اللّه بن سنان وليس فيهما الا كلمة قائماً وقائم وكل منهما يحتمل الاشتباه بالقاعد. وقد ذكرنا في محله ان اصالة عدم الغفلة ليست من الاصول العقلائية في ما اذا كان الاشتباه محتملاً فلابد من ملاحظة القرائن والمؤيدات. ومن المؤيدات كما ذكرنا هو فتوى القدماء على وفق احد الاحتمالين. وحيث ان احتمال عدم الاشتباه في كلمة قائماً هنا غير مؤيد بفتوى القدماء بل فتواهم كما عرفت على خلافه فلا يحصل الوثوق بهذه الكلمة.
واما روايات التفصيل فمنها رواية البرقي السابقة وهي صحيحة سنداً ظاهراً، إلا ان محاسن البرقي لا يخلو من اشكال لما قيل فيه من انه زيد فيه ونقص. مضافاً الى ما ذكرناه من الاشكال في رواية ابن مسكان عن ابي جعفر عليه السلام واما ما يقال من كثرة روايات ابن مسكان عن ابي جعفر عليه السلام فلا يحلّ الاشكال لامكان سقوط الواسطة كما هو كثير في الرواة. وقد عدوا حميد بن زياد شيخ الكليني الذي كان حياً في سنة 310 ظاهراً من رواة بن جبلة المتوفي سنة 219. وكذلك يحتمل الرواية من الكتاب كما هو متعارف في زماننا. فروايته عن ابي جعفر عليه السلام في عدة موارد لا تقاوم تصريح الاصحاب بعدم روايته حتى عن ابي عبد اللّه عليه السلام.
واما الرواية الاولى فهي مرسلة وكون ابن مسكان من اصحاب الاجماع لا يكفي كما مرّ.
وأما رواية الجعفريات المؤيدة نسختها برواية الراوندي اذ هو ينقل منها ايضاً ونسخة الجعفريات كانت مفقودة زهاء 500 سنة فهي غير معتمد عليها.
فتحصل ان روايات التفصيل ضعيفة. واما اعتماد المشهور عليها فالظاهر انه لتسامحهم في الروايات المفصِّلة مطلقاً نظراً الى حلّ المشكلة العلمية بها اولاً والدفاع عن حملات المخالفين وتشكيكهم في المذهب باختلاف الروايات ثانياً كما يظهر ذلك من مراجعة التهذيب حيث حاول الشيخ قدس سره الجمع بين الروايات بكل وسيلة وعدّ ذلك من أفضل القربات وذكر ان الوجه في ذلك هو ما ذكرناه. حتى ان الصدوق كان يجمع بين الروايتين بموجب فتوى فقيه واحد على طبق احدهما فكيف برواية مفصِّلة.
والحاصل ان روايات الجلوس هو الاولى بالعمل فانها صحيحة سنداً وقوية دلالة ولا يحتمل فيها الاشتباه.
هذا ولكن يمكن الاستدلال للمشهور بان العمدة في روايات الجلوس التي تخص صلاة المنفرد هو صحيح زرارة وليس فيه اطلاق يشمل صورة الأمن من المطّلع، ومقتضى القاعدة هو الصلاة قائماً ما لم يدل دليل على الجلوس. اما عدم الاطلاق في الصحيحة فلأن الامر بالجلوس للصلاة عطف فيها على وضع اليد على السوأة بـ (ثم) فيدل على ان التستر متقدم على الصلاة فلابد ان يكون ذلك تحفظا من ناظر محترم فيختص بصورة عدم الأمن من المطلع.
وأما رواية الجعفريات فلا يعتمد عليها، مع ان فيها رواية التفصيل ايضاً.
واما صحيحة عبد اللّه بن سنان فواردة في خصوص الجماعة ومن الواضح عدم الأمن من المطلع حينئذ وكذلك موثقة اسحاق بن عمار. واما رواية ابي البختري فضعيفة لانه كذاب.
فالتفصيل هو الاقوى لا لروايات التفصيل لما عرفت من ضعفها. بل لقصور روايات الجلوس عن شمول مورد الأمن من المطّلع. فيكون الشارع قدم التستر حين عدم الأمن على الركوع والسجود والقيام لوجوب التستر بالوجوب الاستقلالي واما في صورة الأمن من المطّلع فوجوب التستر خاص بالصلاة فيدور الامر بين الجلوس والتستر مع سقوط الركوع والسجود، وبين القيام والاتيان بالركوع والسجود مع سقوط التستر. وقد ذكرنا مراراً ان الفرائض مقدمة عند الدوران على السنن، والتستر في الصلاة من السنن، فمقتضى القاعدة هو القيام عند الأمن من المطلع مضافاً الى قصور روايات الجلوس ومضافاً الى ان طرح روايات القيام على تعددها لا وجه له.
الموضع الثاني هل يجب الركوع والسجود حين القيام مع الامن أم يجب الايماء؟
لم يرد الايماء في صورة القيام الا في رواية علي بن جعفر عليه السلام فهل يعتمد عليها في المقام أم نحكم بوجوب الركوع والسجود؟ يمكن تقريب القول بوجوبهما بوجوه.
الاول: الاجماع المدعى في الغنية. ولكن اجماعات ابن زهرة والسيد المرتضى والشيخ الطوسي قدس اللّه اسرارهم لا اثر لها ولا يكون مدركاً كما ذكرناه مفصلاً في محله.
الثاني: ان هذه الروايات واردة في مورد خلاف العامة في المسألة وقد عرفت ان اقوالهم بين وجوب الجلوس والقيام والتخيير. وحينئذ فحكم الامام عليه السلام بوجوب القيام في قبال القول بالجلوس والتخيير. والقول بالقيام عندهم انما هو مع الركوع والسجود فيحمل كلام الامام عليه السلام عليه ايضا بقرينة صدور الرواية في الجو الفقهي الخاص (87) مع ان الحكم بالقيام مختص بحال الأمن من المطّلع كما عرفت وترك السجود والركوع حينئذ بلا وجه والتستر باليد غير ممكن لجميع السوأة بحسب العادة. (88).
الثالث: مرسلة ايوب بن نوح عن بعض اصحابه عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: العاري الذي ليس له ثوب اذا وجد حفيرة دخلها ويسجد فيها ويركع(89).
ومن الواضح ان الحفرة لا خصوصية لها بل باعتبار الامن من المطلع . وهذه مؤيدة.
وليس في قبال هذه الوجوه الا رواية علي بن جعفر. ولعلّ الوجه في فتوى من قال بوجوب الركوع والسجود هو ان هذه الرواية لا توافق الكتاب والسنة ولا يعمل بالرواية اذا لم يكن عليه شاهد او شاهدان من الكتاب والسنة. وقد عرفت ان مقتضى الروايات الثابتة هو ان فرائض اللّه مقدمة عند الدوران على السنن. والايماء حال القيام يستلزم سقوط الركوع والسجود وهما من فرائض اللّه واما وجوب التستر حال الصلاة مع الامن من المطلع من السنن نعم في حال عدم الامن يدور الامر بين الفريضتين وجوب الركوع والسجود ووجوب التستر من الناظر المحترم الذي دلت عليه بعض الآيات بضميمة التفسير الوارد في الروايات.
وعليه فلا يحصل لنا الوثوق برواية علي بن جعفر فاما ان نحكم بوجوب الركوع والسجود او نحتاط بالتكرار كما ذكره السيّد المصنف وان ذكر بعض المحشين انه لا وجه للاحتياط وان الايماء هو المتعين وقد بيّـنّـا وجه الاحتياط.
واما جعل السجود اخفض من الركوع فليس عليه دليل الا رواية ابي البختري ولا اعتماد عليها. فهو احتياط غير لازم وكذا تحديد الركوع والسجود بمقدار لا تبدو عورته فان وجهه قاعدة الميسور وهي ضعيفة فيكفي فيهما الايماء بالرأس كما في صحيحة زرارة وكذا الايماء بالعين اذا لم يمكن بالرأس اذ وجهه القياس على المريض الوارد فيه النص. وكذا رفع ما يسجد عليه اذ لا دليل عليه. وكذا وضع اليد على القبل حال القيام اذ ذاك مختص بالجلوس كما ورد في صحيحة زرارة. فكل ذلك احتياط غير لازم.
وقد تحصل مما ذكرنا ان العاري اذا امن من المطّلع يصلي قائماً بركوع وسجود او يحتاط فيصلي مرة كذلك ومرة بالإيماء وان لم يأمن من المطّلع صلّى جالساً مومياً.
ثم ان الامن من المطّلع قد يكون من جهتي الخلف والامام فحكمه ما ذكرنا واما اذا كان مأموناً من جهة غير مأمون من جهة اخرى فمقتضى القاعدة انه لو كان مأمونا من الامام فقط صلى قائماً مومياً اما القيام فللامن من المطّلع أماماً واما الايماء فلئلا يبدو خلفه لمن خلفه وان كان مأموناً من الخلف فقط صلى جالساً بركوع وسجود اما الجلوس فليستر امامه واما الركوع والسجود فللا من من المطلع خلفاً. فهل يمكن الالتزام بهذا التفصيل أم لا؟
قد ورد في الروايات المفصّلة بناءاً على انجبارها بعمل المشهور وفي خصوص رواية ابن مسكان عن ابي جعفر عليه السلام التي قالوا فيها انها صحيحة ورد فيها التعبير بعدم رؤية احد اياه ومن الواضح ان مطلق الرؤية غير مؤثر في وجوب الجلوس كما اذا كان بحيث يرى رأسه لو قام فالملاك رؤية العورة فاذا كان من الخلف مأموناً فلا يصدق انه ترى عورته لو قام وانما ترى لو ركع وسجد وهو مشترك بين القيام والجلوس فيقوم ويومي واذا كان من الامام فلا يصدق عليه لو ركع وسجد وهو جالس وانما ترى لو قام فيجلس ويركع ويسجد. فان امكنت استفادة ذلك من هذه الروايات فبها والا فهي مجملة من هذه الجهة ومقتضى القواعد ما ذكرنا.
وبذلك يمكن الجمع بين الروايات فصحيحة زرارة الآمرة بالجلوس ايماءً تحمل على صورة عدم الامن من المطلع مطلقا ورواية علي بن جعفر الآمرة بالقيام والايماء تحمل على صورة عدم الامن من الخلف فقط ويظهر الوجه في رواية اسحاق بن عمار الآمرة بالجلوس للامام والمأمومين وبالايماء للامام والركوع والسجود لهم وذلك لان الامام غير مأمون من الخلف فيومي وهم مأمونون فيركعون ويسجدون على وجوههم واما عدم القيام للمأمومين فواضح واما للامام فلانه لا يمكنه ستر عورته قائماً عن اعين من في جانبي الصف.
فيظهر من مجموع الروايات ان وجوب الستر عن الناظر المحترم مقدم على الركوع والسجود والقيام واما الستر الصلاتي فلا يوجب سقوط الركوع والسجود والقيام وحينئذ فالستر الصلاتي ساقط عن العاري مطلقا لمزاحمته دائماً مع احد هذه الامور ويبقى الستر عن الناظر فلابد من ملاحظته وملاحظة ما يزاحمه والنتيجة هو ما ذكرنا.
وبذلك يظهر انه لو كان مأموناً مطلقاً وجب القيام والركوع والسجود ولا يمكن الاخذ باطلاق رواية علي بن جعفر. وقد عرفت ان اطلاقها خلاف القاعدة المستفادة من الروايات واما اذا حملناه على صورة عدم الامن من الخلف خاصة كان على وفقها وهذا التفصيل ليس ببعيد عن الروايات للقرائن الموجودة فيها من الفرق بين الامام والمأموم في رواية اسحاق اذ لا يستقيم الا على ما ذكرنا ومن فرض الخروج من السفينة في صحيحة زرارة الظاهر في كونهم جماعة متفرقين مضافا الى القرينة التي ذكرنا فيها وهي عطف الصلاة بـ (ثم) على التستر باليد .
ويتفرع على ما ذكرنا انه لو تمكن من الصلاة في مكان يمكنه ستر عورته من الناظر من احدى الجهتين فقط وجب ذلك الا انه يدور الامر بين وقوفه بحيث يستر نفسه ممن خلفه فيجلس ويركع ويسجد وبين وقوفه بحيث يستر ممن امامه فيقوم ويومي فيقع التزاحم بين الركوع والسجود والقيام ولا ريب ان الركوع والسجود اولى من القيام واهم فيستر نفسه ممن خلفه.
ويتفرع ايضاً انه لو كان له ساتر لا يستر الا احدى الجهتين تعين ستر الخلف ايضاً اذا كان للستر عن الناظر المحترم واما اذا دار الامر بينهما من جهة الستر الصلاتي ففيه كلام سيأتي ذكره.
وما ذكرناه من التفريع غير ما ذكره المصنف في مسألة (44) فان مورد كلامنا هو الستر من الناظر من جهة الخلف أو الامام والذي ذكره المصنف هو ستر احدى العورتين وبينهما فرق فان المراد بالستر من الخلف على ما ذكرنا هو ان لا تبدو عورته للخلف سواء القبل أو الدبر وكذلك العكس.

المسألة 44: اذا وجد ساتراً لاحدى عورتيه ففي وجوب تقديم القبل أو الدبر أو التخيير بينهما وجوه أوجهها الوسط.

وافقه جماعة وعلق عليها السيد الخوئي ايده اللّه فقال: فيصلي حينئذ مع الركوع والسجود وقد دلت صحيحة زرارة على ان الموجب لسقوط الركوع والسجود هو بدوّ ما خلفه.
ومراده دام ظله بيان الوجه في تقديم ستر الدبر وهو انه يتمكن من الركوع والسجود نظراً الى ان سقوطهما انما هو في حال بدوّ الخلف وقد ستر بالفرض.
ولكن يمكن أن يقال إن الخلف الذي يبدو في الركوع والسجود ليس هو الدبر فقط بل يبدو القبل ايضاً عادة خصوصاً في المرأة. وليس معنى الخلف هو الدبر بل الوراء. وقد ورد ذلك في رواية معمر بن خلاد قال: قال لي ابو الحسن عليه السلام: أي شيء يقولون في اتيان النساء في اعجازهن قلت: انه بلغني ان اهل المدينة لا يرون بها بأساً فقال: ان اليهود كانت تقول اذا اتى الرجل المرأة من خلفها خرج ولده احول فانزل اللّه عز وجل: (نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم انّى شئتم) من خلف او قدام خلافاً لقول اليهود ولم يعن في ادبارهن(90).
فالمراد بالخلف في صحيحة زرارة هو الذي يبدو من الوراء في الركوع والسجود قبلاً أو دبراً.
فالنتيجة انه لو كان الكلام في الستر الصلاتي فلا وجه لترجيح ستر الدبر من اجل هذه الرواية اذ لا يمكنه الركوع والسجود حينئذ ايضاً. فالصحيح هو التخيير حينئذ لو كان مأموناً من المطلع وكان الساتر ساتراً للصلاة فقط لما ذكرنا من ان الستر الصلاتي لا يزاحم الركوع والسجود والقيام وانما ذكروا ذلك اخذاً باطلاق رواية علي بن جعفر وقد عرفت ان اطلاقه مشكل فاذا كان مأمونا من المطلع فقد ذكرنا ان وظيفته القيام والركوع والسجود وحينئذ فالستر خاص بالصلاة ولا ترجيح بين العورتين.
واما اذا كان الساتر ساتراً عن الناظر المحترم فلابد ان يلاحظ ما ذكرناه من التفصيل فاذا امكن ستر خلفه به تماماً بحيث لا يبدو القبل ايضاً وكان المطّلع من الجهتين صلى جالساً بركوع وسجود وان كان مأموناً من بدوّ امامه لناظر صلى قياماً بركوع وسجود وكذلك ان امكن ستر امامه به وكان مأمونا من الخلف. واما ان لم يكن مأمونا من الامام ولم يمكن ستر خلفه تماماً بل خصوص الدبر فهذا لا اثر له فيجلس ويومي.

المسألة 45: يجوز للعراة الصلاة متفرقين ويجوز بل يستحب لهم الجماعة وان استلزمت للصلاة جلوساً وامكنهم الصلاة مع الانفراد قياماً فيجلسون ويجلس الإمام وسط الصف ويتقدمهم بركبتيه ويؤمون للركوع والسجود إلا إذا كانوا في ظلمة آمنين من نظر بعضهم إلى بعض فيصلون قائمين صلاة المختار تارة ومع الايماء اخرى على الأحوط.

نقل عن الصدوق والشيخ وجوب الانفراد وتدل عليه رواية ابي البختري (فان كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثمّ صلّوا كذلك فرادى)(91) وربما يقال بانه مقتضى القاعدة وذلك لما ذكرناه من ان المزاحم للركوع والسجود والقيام هو الوجوب النفسي للستر عن الناظر المحترم ومن الواضح انه يجب تحصيل ما به ترتفع المزاحمة. والجماعة تستلزم الاجتماع وهو يزاحم الستر فيجب تركها. وفرض عدم ايجاب الجماعة للمزاحمة ككونهم جميعاً عمياً او في ظلمة فرض نادر. نعم لو كان اجتماعهم ضرورياً للخوف من سبع ونحوه كان لا بدّ منه.
واما في غير ذلك فلا يجوز. وشمول اطلاق روايات الجماعة بالنسبة لما نحن فيه مشكل اذ لا يجوز ترك الواجب لاداء مستحب خصوصاً لو قلنا بعدم جواز ايتمام من وظيفته اتم لمن وظيفته انقص والمفروض ان وظيفة المأمومين الركوع والسجود ووظيفة الامام الايماء.
ولكن رواية ابي البختري ضعيفة في نفسها ولا جابر لها فان الجابر اما عمل الاصحاب ولم يعمل بها الا الصدوق والشيخ واما الاخذ بالشواهد بناءاً على كونها جابرة كما دلت عليه بعض الروايات ولا يمكن الجبر بها هنا لمخالفة الرواية للقواعد، فان مقتضى القاعدة كما ذكرنا هو ترك الجماعة للتمكن من القيام والركوع والسجود وقد امر في هذه الرواية بالصلاة منفرداً مع الجلوس والايماء فمنعها عن الجماعة ليس لهذا الوجه. وقد عرفت ان وظيفة الآمن من المطلع هو صلاة المختار.
والقاعدة وان اقتضت عدم جواز الجماعة الا ان الوارد في روايتين معتبرتين هو جوازها بل استحبابها لاشتمالها على الامر. وهما صحيحة عبد اللّه بن سنان وموثقة اسحاق بن عمار وقد مرّ ذكرهما .
وربما يقال في صحيحة عبد اللّه بن سنان انها منقولة عن كتابين بسندين صحيحين فيكون هذا مؤكداً لاعتبارها وذلك لان الشيخ ينقله تارة عن سعد واخرى عن الحسين بن سعيد وقد ذكر في المشيخة انه يذكر في اول الاسناد اسم صاحب الكتاب المنقول عنه. ولكن هذا غير صحيح ظاهراً فان النقل عن كتاب تارة يكون بواسطة كتاب آخر واخرى بلا واسطة والظاهر انه ينقلها عن كتاب سعد الا ان سعد ينقلها من كتاب الحسين.
أما الكلام في دلالتهما فنقول:
الوارد في صحيحة ابن سنان امران:

الاول: تقدم الامام بركبتيه بمعنى ان لا يكون امامهم بل يكون في صفهم متقدماً عليهم بركبتيه فقط. وهذا خلاف المتعارف في الجماعة بل الاحوط في صورة تعدد المأمومين تقدم الامام بجميعه عليهم الا في جماعة النساء.
الثاني: صلاتهم جلوساً اماماً ومأموماً. ولكنها ساكتة عن الركوع والسجود والايماء. ومقتضى الجلوس هو الامن من المطلع حتى بالنسبة الى الإمام اذ المفروض كونه في صفهم فيمكن القول بعدم سقوط الركوع والسجود حينئذ اذا كانوا مأمونين من غيرهم ايضاً.

واما القول بوجوب الايماء عليهم لدلالة صحيحة زرارة على ذلك. ففيه انها محمولة على صورة عدم الامن كما مر. فالقول بوجوب الركوع والسجود في المقام بالنسبة للامام والمأموم قويّ، والرواية مطلقة من هذه الجهة، والاطلاق المقامي يقتضي عدم تبدل الوظيفة.
ولكن يمكن القول بان الاطلاق المقامي في هذه الرواية يقتضي الحمل على وجوب الايماء نظراً الى ان الرواية آمرة بالجلوس فيحمل على القول بالجلوس من الاقوال المختلفة في الجوّ الفقهي بين العامة آنذاك وقد عرفت ان القول بالقيام كان ملازماً للقول بالركوع والسجود، والقول بالجلوس كان ملازماً للايماء.
وكيف كان فالرواية بمدلولها اللفظي لا تدل على شيء منهما.
وأما رواية اسحاق بن عمّار فالظاهر منها من جهة الامر الاول هو التقدم بالجميع لقوله ويجلسون خلفه. واما من جهة الامر الثاني فهي صريحة في ايماء الامام وركوع المأمومين وسجودهم. فان اعتمدنا على الروايتين في الامر الاول كان الحكم هو التخيير بين التقدم بالركبتين والتقدم بالجميع. الا ان نطرح هذه الثانية أو نأولها بل يمكن دعوى ابهامها وان الجلوس خلفه يصدق بالامرين فيتعين الاخذ بالاولى.
واما من الجهة الثانية وهي الامر بالركوع والسجود للمأمومين فلم يعمل به جماعة من الأصحاب بل حكي عن ابن ادريس انه قال في قبال من عمل به انه مخالف للاجماع. وربما يقال انه مخالف لصحيحة زرارة الآمرة بالايماء. وقد عرفت اختصاصها بالامن مع انها في صلاة المنفرد. واما رواية ابن سنان فقد عرفت انها مبهمة من هذه الجهة.
والصحيح ان الامام اذا تقدم المأمومين فمقتضى القاعدة هو سقوط الركوع والسجود لمزاحمتهما مع الستر عن الناظر واما المأمومين فان كانوا صفاً واحداً فمقتضى القاعدة ايضاً وجوبهما للامن من النظر وان كانوا صفوفاً فالاخير خاصة يركعون ويسجدون. واذا تقدمهم الامام بركبتيه فالظاهر ايضاً عدم الستر اذا ركع وسجد، وعدم الستر اذا قام من جهة بدو القبل اذ هو معهم في الصف.
وعليه فالروايتان موافقتان لمقتضى القاعدة الا في اصل استحباب الجماعة كما عرفت بل يمكن القول بانهما من هذه الجهة ايضاً موافقتان لها اذ الغالب في مثل هذه الموارد عدم امكان التفرق بحيث يأمن بعضهم بعضاً من الاطلاع وذلك للخوف من السبع وغيره.
وأما اذا كانوا في ظلمة أو كلّهم عمي فالظاهر هو وجوب صلاة المختار عليهم وان كان الاحتياط الذي اوجبه المصنف هنا وفي صلاة المنفرد الآمن حسن وقد ذكرنا وجهه هناك.

المسألة 46: الاحوط بل الاقوى تأخير الصلاة عن اول الوقت اذا لم يكن عنده ساتر واحتمل وجوده في آخر الوقت.

هذا هو مقتضى رواية ابي البختري المتقدمة وفي الجعفريات أيضاً رواية تدل على ذلك ولكنهما لا اعتماد عليهما.
واما بحسب القواعد فحيث ان هذه الصلاة ناقصة ولا اقل من جهة فقدان الستر الصلاتي فيمكن ان يقال ان المستفاد من الروايات اختصاص الاجتزاء بها بمن لا يتمكن من الصلاة التامة في تمام الوقت. الا انه يمكن القول بجواز البدار تمسكاً باستصحاب العذر فان لم ينكشف الخلاف فالصلاة صحيحة وان انكشف الخلاف وكان الخلل في غير الركوع والسجود صحت صلاته ايضاً بمقتضى حديث لا تعاد وان كان الخلل فيهما فالصلاة باطلة كما دلت عليه صحيحة لا تعاد أيضاً.
ويمكن دعوى استفادة جواز البدار من رواية اسحاق بن عمار لظهور قوله (حضرت الصلاة) في ذلك. واما قوله (لم يجد) في رواية زرارة فالظاهر ان المراد به عدم الوجدان في تمام الوقت.



المسألة 47: اذا كان عنده ثوبان يعلم ان احدهما حرير او ذهب او مغصوب والآخر مما تصح فيه الصلاة لا تجوز الصلاة معه في واحد منها بل يصلي عاريا. وان علم ان احدهما من غير المأكول والآخر من المأكول او ان احدهما نجس والآخر طاهر صلى صلاتين واذا ضاق الوقت ولم يكن الا مقدار صلاة واحدة يصلي عارياً في الصورة الأولى ويتخير بينهما في الثانية.

يقع الكلام تارة في ما اذا كان المنع عن أحد الثوبين منعاً تكليفياً استقلالياً كالمغصوب والحرير والذهب واخرى فيما اذا كان منعاً وضعياً كغير المأكول والنجس.
 

الكلام في ما اذا كان احد الثوبين مغصوبا او حريرا او ذهبا



اما في الصورة الاولى اي ما اذا كان أحد الثوبين مما يحرم لبسه فالمعروف عدم جواز الصلاة في شيء منهما ووجوبها عارياً والوجه في ذلك انه لو فرض العلم التفصيلي بان الثوب حرير او ذهب او مغصوب كان لبسه محرماً وكان موجباً لصدق عدم الوجدان الموضوع للصلاة عارياً في قوله عليه السلام (وان لم يصب شيئاً يستر عورته) في صحيحة علي بن جعفر وقول زرارة (لم يجد شيئاً يصلي فيه) في صحيحة زرارة(92) وحيث ان العلم الاجمالي كالتفصيلي في تنجيز الحرمة وجب الاجتناب من كليهما وكان ممنوعاً منهما عقلاً فيصدق عدم الوجدان فلابد من الصلاة عارياً ولو صلّى بطلت صلاته في غير المغصوب واما فيه فيمكن القول بصحة صلاته لما ذكرناه سابقاً من عدم بطلان الصلاة فيه وان كان الاحوط الاعادة لقصور أدلة تحريم التصرف في المغصوب عن المانعية الا ان مقتضى أدلة وجوب الصلاة عارياً لمن فقد الساتر ولو من جهة المانع الشرعي هو بطلان الصلاة حينئذ لعدم اتيان المأمور به.
هذا ولكن الصحيح في هذه الصورة اي كون احدهما مغصوبا او حريرا او ذهبا وجوب الصلاة في احدهما.
والوجه في ذلك: ان في المقام علمين اجماليين وليس علما واحدا متعلقا بحرمة احدهما وذلك لانه كما يحرم لبس أحدهما تجب الصلاة في احدهما ايضا فالتزاحم بين العلمين الاجماليين نظير ما يقال في الاصول في امثلة العلم الاجمالي في من حلف على وطء احدى الزوجتين وترك وطء الاخرى واشتبه الامر بينهما.

والمفروض في المقام ان احد الثوبين لا مانع من الصلاة فيه فيجب للستر واحدهما حرير مثلا فيحرم ولا يمكن الموافقة القطعية لكلا العلمين بل يدور الامر بين الموافقة الاحتمالية لكليهما بأن يصلي في أحدهما وبين موافقة احدهما قطعاً المستلزم لمخالفة الآخر قطعاً، وذلك امّا بأن يصلي مرتين فيهما فيوافق وجوب الصلاة في الساتر مع المخالفة القطعية لحرمة اللبس او يصلي عاريا فيوافق حرمة اللبس ويخالف وجوب الستر في الصلاة. فان قلنا بان العقل يحكم بالثاني كان مخيّراً في الصلاة في كليهما والصلاة عرياناً. وان قلنا بانه يحكم بالاول وجب الصلاة في احدهما.
وهذا يختلف بالاختلاف في تنجيز العلم الاجمالي. فقد ذهب المحقق العراقي الى ان العلم الاجمالي كاشف عن الواقع ففي كلا طرفي الشبهة يحتمل التكليف المنجّز الذي كشف عنه العلم فتجب الموافقة القطعية وتحرم المخالفة القطعية فهذان الحكمان ينشئان من منشأ واحد هو تنجز التكليف المعلوم بالاجمال.
ولكن هذا المسلك غير تامّ وذلك لان المكشوف بالعلم هو الذي تعلق به وهو الجامع ولا يمكن ان يكون المنكشف هو الجامع والمنجّز هو الواقع. فان الجامع الانتزاعي لا يحكي عما ينطبق عليه بل يحكي عما يطابقه كما انا اذا علمنا بوجود رجل في الدار اما زيد واما عمرو فلا ينكشف لنا الا الجامع ولا يمكن لنا الحكم بوجود زيد فيها.
وكيف كان فعلى هذا المسلك يتنجز الوجوب والحرمة في كلا الثوبين فيتعارض العلمان ويتساقطان والمرجع هو التخيير مطلقا.
والمسلك الآخر هو ان العلم الاجمالي يكشف عن الجامع وهو عنوان احدهما فالمنجز هو حرمة لبس احد الثوبين ووجوبه ولذا قالوا ان العلم الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية

واما وجوب الموافقة القطعية فيختلف ايضاً حسب الآراء فذهب المحقق النائيني والسيد الخوئي الى ان منشأه تعارض الاصول مع اختلافهما في الخصوصيات. وذكرنا في محله ان التحقيق هو ان الاحتمال المقارن مع العلم الاجمالي يعتبر من الاحتمالات القوية وهو منجز اذا كان المحتمل متوسطاً في الاهمية.
وكيف كان فوجوب الموافقة القطعية له منشأ غير منشأ حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة الاحتمالية فالاول ينشأ من منجزية الاحتمال والثاني من منجزية نفس العلم الاجمالي لتعلقه بالجامع.

وعليه فلا تنافي بين العلمين الاجماليين من حيث وجوب الموافقة الاحتمالية ولا تزاحم بينهما لامكان الصلاة في احد الثوبين فتتحقق موافقة كلا العلمين احتمالاً فهذا لابدّ منه لتنجزه بالعلم وعدم تعارضهما فيه واما وجوب الموافقة القطعية فحيث كان منشؤه الاحتمال المنجز وهو موجود في كلا الطرفين فيتعارضان ولا يقوى احدهما من التنجيز. والنتيجة هو وجوب الموافقة الاحتمالية لكلا العلمين فقط ووجوب الصلاة في احدهما.
وما ذكرناه يتم على مسلك المحقق النائيني والسيد الخوئي ايضاً فان تنجيز الموافقة القطعية على مسلكهما ايضاً من جهة الاحتمال الا انه بوجه آخر.
 

 الكلام في ما اذا كان احد الثوبين نجسا او من غير الماكول


وأما في الصورة الثانية اي ما اذا كان أحد الثوبين نجسا او من غير مأكول اللحم فقد حكي عن ابن ادريس وابن سعيد القول بوجوب الصلاة عارياً حينئذ ايضاً وقد ذكراه في النجس وهو في غير المأكول اولى لما سيأتي. وقد دلت صحيحة صفوان على وجوب الصلاة فيهما.
روى الصدوق باسناده (وهو صحيح) عن صفوان بن يحيى انه كتب الى ابي الحسن عليه السلام يسأله عن الرجل معه ثوبان فاصاب احدهما بول ولم يدر ايهما هو وحضرت الصلاة وخاف فوتها وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: يصلي فيهما جميعاً(93) .
وانما ترك ابن ادريس العمل بها لانه لا يعمل بالخبر الواحد الا اذا كان موافقاً للقواعد وشواهد الكتاب والسنة ولعله رآها مخالفة للقواعد اذ مقتضى القاعدة الصلاة عارياً كما اشار اليه وذلك لاعتبار الجزم في النية عندهم وعدم جواز الاحتياط بالتكرار فاذا وجب ان تكون الصلاة واحدة دار الامر بين ايقاعها في محتمل النجاسة وايقاعها عارياً وحيث ان حكم محتمل النجاسة في مورد العلم الاجمالي هو حكم مقطوع النجاسة ولا تجوز الصلاة في مقطوع النجاسة بل تجب الصلاة عارياً فلابد من طرح الرواية لمخالفتها للقواعد.
ومن هنا يظهر ان القول بالصلاة عارياً في ما اذا كان احدهما نجسا مع وجود هذه الصحيحة يستلزم القول في غير المأكول بطريق أولى.
والجواب عنه أولاً: انا لا نلتزم بوجوب الجزم في النية اذ غاية ما دل عليه الدليل في اعتبار قصد القربة هو وجوب اتيان العمل بداعي الانقياد والتذلل وان كان محتمل المطلوبية.
وثانياً انا لا نلتزم بوجوب الصلاة عارياً في ما اذا انحصر الساتر في مقطوع النجاسة ولو سلمنا ذلك فاجراؤه في محتمل النجاسة مشكل.
فالصحيحة موافقة للقواعد لكفاية الامتثال الاجمالي وعدم اعتبار الجزم في النية. ولو سلمنا اعتباره فهو في خصوص صورة التمكن من الامتثال التفصيلي.
وبهذا ظهر الوجه في وجوب التكرار اذا كان احدهما من غير المأكول لانه مقتضى القاعدة.
وربما يتوهم امكان تأييد ابن ادريس بما ذكرناه مراراً من ان جعل المانعية يتوقف على النهي التكليفي اوّلاً فتكون الصورة الثانية كالصورة الاولى.
ويدفعه انا لم نقل بذلك في ما اذا كانت المانعية فيه بالمعنى الاسم المصدري كلبس النجس.
واما اذا ضاق الوقت ولم يبق الا مقدار صلاة واحدة فهل يحكم بالصلاة عارياً او في احدهما أو بالتخيير بين الصلاة عارياً وفي احدهما او عارياً في غير المأكول وفي احدهما في النجس؟
عبارة المصنف مجملة في المقام اذ يحتمل كون المراد من الصورة الأولى كون احدهما غير المأكول ومن الصورة الثانية كونه من النجس ويحتمل كون المراد من الاولى كون احدهما مغصوباً أو حريراً أو ذهباً ومن الثانية كونه غير مأكول أو نجساً. وكذلك يحتمل كون المراد من التخيير بينهما في الصورة الثانية التخيير بين الصلاة عارياً والصلاة في احدهما كما يحتمل التخيير بين الثوبين.
وظاهر عبارة المستمسك ان المراد من العبارة في الجهة الاولى من الاجمال هو الاحتمال الثاني. وهذا مخالف لسياق العبارة والصحيح هو الاحتمال الاول لعدم الاشكال في ان صورة الغصب واخويه لا يحتمل الا الصلاة عارياً ضاق الوقت أم اتسع لوجوب امتثال النهي عن الغصب مطلقاً.
وكيف كان فلا اشكال في وجوب الصلاة في احدهما في الصورة الثانية أي صورة ضيق الوقت وكون احدهما نجساً بناءاً على مسلكنا ومسلك المصنف من وجوب الصلاة في النجس اذا انحصر الساتر فيه مع العلم بانه نجس تفصيلاً فوجوب الصلاة في احدهما في صوره العلم الاجمالي بطريق اولى ولا تصل النوبة الى الصلاة عارياً. وبهذا يتعين قوله: (يتخير بينهما) في الاحتمال الثاني.
واما في الصورة الاولى أي صورة كون احدهما غير مأكول اللحم فقد حكم السيد بوجوب الصلاة عارياً ولكن الظاهر وجوب الصلاة في احدهما وكذلك الصورة الثانية بناءاً على القول بوجوب الصلاة عارياً في صورة العلم التفصيلي والانحصار في النجس.
والوجه في ذلك ان الامتثال العلمي الاجمالي والتفصيلي اذا تعذرا تصل النوبة الى الامتثال الاحتمالي واما هما ففي رتبة واحدة على المختار. واما عدم الوجدان الصادق على صورة وجود المانع الشرعي فغير صادق في ما نحن فيه لتمكنه من الساتر بدون الحرمة التكليفية والوضعية ولكنه مردد بين الثوبين وهذا لا يوجب صدق عدم الوجدان فلا يتوجه خطاب وجوب الصلاة عارياً ويتوجه خطاب صل في الثوب غير المأكول وحيث لا يتمكن من الامتثال التفصيلي ولا الاجمالي يجب الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي.
ويقع الكلام بعد ذلك في جهتين:
الجهة الاولى: انه لو صلى كذلك فهل يجب عليه القضاء ايضاً أم لا؟
الظاهر هو الثاني وذلك لان غاية الامر ان تقع الصلاة في غير المأكول أو النجس وحيث ان الاخلال كان لعذر عقلي وهو وجوب الامتثال الاحتمالي ومانعيتهما من السنة فيشمله حديث لاتعاد.
ومع غض النظر عن ذلك لا يجب القضاء ايضاً فان موضوعه الفوت ولا يمكن اثباته باستصحاب عدم الاتيان.
فان قلت ورد في بعض الروايات التعبير بعدم الاتيان فيحتمل كونه موضوعاً.
قلت الاحتمال لا يكفي في جريان الاستصحاب لعدم العلم بكونه ذا أثر شرعي اذ من المحتمل ايضاً كون الفوت موضوعاً بل هو الاظهر لكثرة رواياته. الا ان يقال بان الظاهر هو ان عدم الاتيان هو الموضوع الواقعي. ولا دليل لهذا الاستظهار.
نعم يتم ذلك بناءاً على جريان الاصل المثبت في مثل المقام وان العرف لا يرى فرقاً بين جعل عدم الاتيان موضوعاً والفوت موضوعاً. وقد ذكرنا تفصيل هذا الكلام وتفصيل الجواب عنه في الاصول.
هذا مع امكان ان يقال بان عدم الاتيان ايضاً لو كان موضوعاً فليس على اطلاقه بل هو عدم الاتيان في تمام الوقت وهذا ليست له حالة سابقة ولا يمكن استصحابه واستصحاب عدم الاتيان قبل الوقت لاثبات عدمه في تمام الوقت مثبت قطعا.
الجهة الثانية: في وجه ما ذكره المصنف وغيره من وجوب الصلاة عارياً في ما اذا علم بكون احدهما من غير المأكول بل ذكر ذلك غيره حتى في النجس بناءاً على وجوب الصلاة عارياً في صورة انحصار الساتر في النجس.
والذي يمكن التمسك به وجوه نذكر احدها وهو اهم ما ذكر في الباب وهو انه لا اطلاق في أدلة وجوب الستر حتى يشمل صورة احتمال النجاسة أو كونه من غير المأكول اذ يقتصر دليله على الاجماع وعلى بعض الروايات التي سيقت لبيان امر آخر فلا يشمل صورة عدم امكان التمييز لما تصح فيه الصلاة عما لا تصح فيه وحينئذ فاصالة البراءة عن التقييد بالستر تقتضي صحة الصلاة عرياناً فهو متيقن الإجزاء بخلاف الصلاة في احدهما لاحتمال كونه مانعاً واذا دار الامر بين الموافقة القطعية والموافقة الاحتمالية لا شك في تقدم الاول.
والجواب عنه انه لو سلمنا عدم اطلاق أدلة وجوب الستر يكفينا في المقام اطلاق أدلة وجوب الركوع والسجود اذ هما يسقطان في الصلاة عارياً على بعض الوجوه.
مع ان انكار اطلاقها لا وجه له اذ لا اشكال في اطلاقها بالنسبة الى مورد التمكن من الساتر ووجدانه وان لم يميزه بعينه. ففي صحيحة علي بن جعفر (وان لم يصب شيئاً يستر عورته أومأ وهو قائم) ومفهومه ان من اصاب شيئاً وجب التستر به.
مضافاً الى ان انكار اطلاقها في مورد عدم التمييز يستلزم صحة الصلاة عارياً حتى مع سعة الوقت مع انهم يحكمون بوجوب التكرار. الا ان يقال ان اطلاقها يشمل هذا المورد ولكنه لا يشمل صورة عدم التمييز مع عدم التمكن من الامتثال العلمي. وهذا لا دليل عليه ولا شاهد له.

المسألة 48 : المصلي مستلقياً أو مضطجعاً لا بأس بكون فراشه او لحافه نجساً أو حريراً أو غير المأكول اذا كان له ساتر غيرهما وان كان يتستر بهما او باللحاف فقط فالاحوط كونهما مما تصح فيه الصلاة.

المصلي كذلك ان كان ملتحفاً بحيث يصدق عليه انه يصلي في اللحاف لا اشكال في اعتبار كونه مما تصح فيه الصلاة وان لم يكن كذلك بل وضعه عليه فقط فيمكن ان يقال ان المعتبر ان لا يكون من غير المأكول واما سائر الجهات فلا تعتبر فيه.
والسرّ في ذلك يرجع الى ان كلمة (في) في موثقة ابن بكير هل للظرفية أم للمصاحبة؟ والظاهر أنها للمصاحبة لعدم صدق الظرفية في جميع ما ذكر فيها من البول والروث وغيرهما. وحينئذ فالمصاحبة تصدق في المقام ومن هنا منع الاصحاب من محمول ما لا يؤكل لحمه وهذا ليس باقل منه. وهذا بخلاف النجس والحرير مثلاً فان الموضوع في الاول هو الثوب (اصاب ثوبي دم رعاف) والنهي في الثاني متعلق بالصلاة فيه (لا تصل في حرير محض) و(في) هنا للظرفية.


هذا ولكن يمكن ان يقال ــ كما ذكرناه سابقاً ــ ان حمل غير المأكول في الصلاة لا مانع منه وان (في) في الموثقة بالمعنى الجامع بين الظرفية الحقيقية والظرفية المجازية فتشمل الوبر والشعر باعتبار كون الثوب منهما فتصدق الظرفية الحقيقية، وتشمل البول والروث ونحوهما باعتبار كونها من شؤون الظرف الحقيقي كما اذا تلوث الثوب بذلك فتصدق الظرفية المجازية، كما يمكن ان يكون المراد بها في كل مورد ما يناسبه.

وعلى كلا التقديرين لا تشمل الموثقة صورة الحمل اما على الاول فلان الظرفية بالمعنى الجامع تختص بصورة صدق الاشتمال واما على الثاني فلان المقدر في الوبر والشعر هو الظرفية الحقيقية.
وعليه فلا فرق بين اللحاف المتنجس والحرير وغير المأكول اذا لم يكن ملتحفا به بحيث يصدق اللبس والاشتمال.
واما التفصيل الذي ذكره المصنف واحتاط في صورة انحصار ستره باللحاف فوجه الاحتياط فيه هو ان أدلة اعتبار الستر لا اطلاق فيها حتى يشمل صورة كون الساتر حريراً او نجساً مثلاً وان كانت أدلة مانعية هذه الامور ايضاً قاصرة عن مورد عدم صدق الاشتمال سواء كان له ساتر غير اللحاف أم لا وحينئذ فتتوقف صحة الصلاة على كون الساتر متيقن الساترية.

نعم يمكن القول بعدم الاشكال في المتنجس لما دلّ على صحة الصلاة في النجس اذا انحصر الساتر فيه فيدل على عدم اشتراط الساتر بكونه غير متنجس وانما النجاسة مانعة فيصح الستر به في مثل اللحاف.
هذا ولكن لو سلمنا عدم الاطلاق في أدلة اعتبار الستر فلا مانع من اجراء البراءة في اعتبار الاشتراط بكونه من غير هذه الأمور.

المسألة 49: اذا لبس ثوباً طويلاً جداً وكان طرفه الواقع على الارض غير المتحرك بحركات الصلاة نجساً أو حريراً أو مغصوباً أو مما لا يؤكل فالظاهر عدم صحة الصلاة فيه ما دام يصدق انه لابس ثوباً كذائياً. نعم لو كان بحيث لا يصدق لبسه بل يقال لبس هذا الطرف منه كما اذا كان طوله عشرين ذراعاً ولبس بمقدار ذراعين منه أو ثلاثة وكان الطرف الآخر مما لا تجوز الصلاة فيه فلا بأس به.

الظاهر هو التفصيل في المقام فبالنسبة للنجاسة يتوقف بطلان الصلاة على صدق الثوب على ذلك واما في المغصوب فبناءاً على بطلان الصلاة فيه يتوقف ذلك على حركة الجزء المغصوب بحركة المصلي ليصدق التصرف اذ لا عبرة بصدق اللبس والصلاة فيه واما في الحرير وما لا يؤكل لحمه والذهب فالعبرة بصدق الصلاة فيه.
والحاصل هو بطلان الصلاة في مورد النجاسة لصدق الثوب على ذلك وعدم بطلانها في المغصوب حتى على القول ببطلانها فيه لعدم صدق التصرف وعدم البطلان في غير ذلك لعدم صدق الصلاة فيه.









(1) الوسائل ب2 من لباس المصلي ح 1                    عودة
(2) الوسائل ب2 من لباس المصلي.                         عودة
(3) الوسائل ب3 من لباس المصلي حـ3                    عودة
(4) الوسائل ب3 من لباس المصلي حـ2                    عودة
(5) الوسائل ب 40 من النجاسات حـ5 وذيل حـ6.         عودة  
(6) في تعليقة سماحته على المتن (اومنع)                  عودة
(7) جامع الاحاديث جـ4 ص327 ح 1021.              عودة  
(8) الوسائل ب 30 من لباس المصلي حـ 4.              عودة
(9) نفس المصدر حـ 1.                                     عودة
(10) نفس المصدر حـ5.                                     عودة
(11) نفس المصدر حـ6                                     عودة
(12) الوسائل ب 30 من لباس المصلي حـ11             عودة
(13) سماحة السيد احتاط في التزين في تصحيح التعليقة ولعله من جهة ضعف دلالة التعليل المذكور في المعتبرة على حرمة التزين في الدنيا                           عودة
(14) الوسائل ب32 من لباس المصلي حـ5.               عودة
(15) الوسائل ب 57 من لباس المصلي حـ.1 و2         عودة
(16) الوسائل ب55 من لباس المصلي حـ2.               عودة
(17) الوسائل ب50 من الباس المصلي حـ4.               عودة
(18) ولكن في التعليقة احتاط سماحته في ذلك على فرض صدق اللبس عرفا               عودة
(19) راجع الوسائل ب63 من احكام الملابس.             عودة
(20) الوسائل باب 63 من الملابس حـ5.                   عودة
(21) وسائل ب 11 من لباس المصلي ح 11.              عودة
(22) نفس المصدر حـ1.                                     عودة
(23) وسائل ب 11 من لباس المصلي حـ2.                عودة
(24) نفس المصدر حـ7.                                     عودة
(25) نفس المصدر حـ 10.                                  عودة
(26) الوسائل ب14 من لباس المصلي حـ1 وحـ4.         عودة
(27) الوسائل ب14 من لباس المصلي حـ2.                عودة
(28) الكافي ج8 ص 258 ح372                          عودة
(29) ب12 من لباس المصلي.                              عودة
(30) راجع ب 16 من لباس المصلي.                      عودة
(31) ب 13 من لباس المصلى حـ5.                       عودة
(32) الوسائل ب13 من لباس المصلي ح 8.              عودة
(33) الوسائل ب16 من لباس المصلي حـ6.              عودة
(34) الوسائل ب16 من لباس المصلي حـ3.              عودة
(35) راجع باب 13 من لباس المصلي.                   عودة
(36) ب13 من لباس المصلي حـ6.                       عودة
(37) ب 16 من لباس المصلي حـ6.                       عودة
(38)الجوهري: البَرْنَكان على وزن الزَّعْفَران ضرب من الأَكسية. قال الفراء: البَرْنَكانُ كساء من صوف له عَلَمان، و يقال برَّكان أيضاً(لسان العرب)                عودة
(39) الوسائل ب 11 من لباس المصلي ح12.           عودة
(40) ولكن في قرب الاسناد ومسائل علي بن جعفر (لا) وكذلك في الوسائل المطبوع وفي تعليقته: (ورد في المطبوع:لا بأس ولم ترد في المصدر والنسخ الحجرية وكذلك النسخة الخطية)                             عودة
(41) الوسائل ب11 من لباس المصلي ح9.             عودة
(42) الوسائل ب 13 من لباس المصلي ح4             عودة
(43) وسائل ب 11 من لباس المصلي حـ8 .            عودة
(44) وسائل ب17 من ابواب اعداد الفرائض ح2       عودة
(45) الوسائل ب25 من الامر بالمعروف حـ2 راجع التعليقة.              عودة
(46) الوسائل ب1 من القيام حـ7.                        عودة
(47) الوسائل ب1 من القيام حـ5.                        عودة
(48) نفس المصدر حـ6.                                  عودة
(49) الوسائل ب7 من القيام حـ1.                         عودة
(50) سيأتي الاشكال في هذا الوجه في المسالة 40 .     عودة
(51) ورد التعبير بعدم الوجدان في صحيحة زرارة وعدم الاصابة في صحيحة علي بن جعفر الوسائل ب50 من لباس المصلي حـ6 و حـ1.                عودة
(52) فصّل دام ظله في حكم المغصوب في التعليقة 143 حيث علق على قول المصنف (اذا اضطر الى لبس المغصوب... صحت صلاته فيه) بقوله: بلا إشكال فيما اذا لم يتمكن من الصلاة في غيره في الوقت بعد ارتفاع الاضطرار وكذا مع التمكن منه في المورد الاول ان لم يكن الاضطرار بسوء الاختيار ـ ويكفي في كونه كذلك كونه هو الغاصب ـ وفي المورد الثاني اذا كان التحفظ عليه للرد الى المالك في اول ازمنة الامكان واما في غير ذلك فلا يخلو عن اشكال.&nb