[H

مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

مباحث الالفاظ القسم الثالث

 

المبحث الحادي عشر

 

في إطلاق اللفظ واردة أكثر من معنى

 

وهنا جهات من البحث:

الجهة الاولى: ان ما ذكره جماعة من جعل عنوان البحث استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى غير موجه بل الصحيح تعميمه وذلك لان ما ذكر من وجوه الاستحالة لا تختص بالمشترك وهذا الاستدراك يحقق لنا شمول البحث في موضعين آخرين.

(أحدهما) استعمال اللفظ وارادة المعنى الحقيقي والمجازي ودخوله في البحث واضح على القول بان اللفظ يستعمل واقعاً في المعنى المجازي في سائر الموارد واما على ما ذكرناه تبعاً لجماعة من ان اللفظ دائماً يستعمل في المعنى الحقيقي وان الاختلاف انما هو في المراد التفهيمي فشمول البحث له من جهة ان المراد التفهيمي قد يكون خصوص المعنى الحقيقي وقد يكون المعنيان الحقيقي و المجازي.

(الثاني) إطلاق اللفظ وارادة نفسه و معناه.

بيان ذلك: ان هناك مبحثاً من مباحث الالفاظ أعرضنا عنه لعدم ترتب أثر عملي عليه. وهو البحث عن استعمال اللفظ وارادة شخصه او نوعه او جنسه.  وذلك كقولنا زيد في (ضرب زيد) فاعل وقولنا ضرب فعل ماض ونحو ذلك. وفي مثل هذا الاطلاق نظريتان:

احداهما انه من قبيل استعمال اللفظ في المعنى الا ان التغاير بين الدال والمدلول تغاير اعتباري او بنحو آخر.

النظرية الثانية انه ليس استعمالاً في معنىً بل هو إطلاق ايجادي وهو الارجح.

وعلى كلا التقديرين فهذا القسم من الاستعمال داخل في البحث اما على الاول فواضح واما على الثاني فلان وجوه الاستحالة المزعومة كلزوم الجمع بين اللحاظين وبين خصوص اللحاظ الآلي والاستقلالي تأتي في هذه الموارد فيما إذا استعمل اللفظ واريد به نفسه على أحد الوجوه الثلاثة ومعناه معاً.

فتحصل ان محل البحث هو إطلاق اللفظ وارادة تفهيم ما يزيد على معنى واحد.

الجهة الثانية: ونحاول في هذا الامر تضييق دائرة البحث خلافاً للأمر الاول وذلك باعتبار ان موضع البحث والنقاش هو استعمال اللفظ في كل من المعنيين او الاكثر استعمالاً مستقلاً بمعنى ان يكون كل واحد من المعنيين ملحوظاً بحياله و اللفظ مستعملاً فيه بحدّه بحيث يكون كل منهما مراداً بالاستقلال وكأن اللفظ استعمل فيه وحده.

وعليه فلو استعمل اللفظ في معنىً مجموعي بحيث تكون نسبة كل من المعنيين اليه نسبة الجزء الى الكل كان ذلك خارجاً عن محور النزاع غاية الامران يكون المعنى المذكور مجازياً وان تكون دلالة اللفظ على كل من المعنيين تضمنية.

وهكذا الكلام فيما إذا استعمل اللفظ في معنىً كلي تكون نسبة كل منهما اليه نسبة الفرد الى الجامع كما لو انتزع من المعنيين عنوان كلي انتزاعي واستعمل اللفظ فيه كعنوان أحد المعنيين او المسمى باسم كذا ونحو ذلك. فهذا المورد ايضاً خارج عن محل البحث.

الجهة الثالثة: هل الاولى البحث عن الامكان والاستحالة او الوقوع واللاوقوع الظاهر انه من بدو حدوثه الى زماننا هذا قد طرح على النحو الاول ففي شرح ابن ميثم البحراني ما هذا لفظه:

(المبحث الرابع في أنّه هل يجوز استعمال اللفظ المشترك في معانيه على الجميع أم لا جوّز ذلك الشافعي وأبو بكر الباقلاني وأبو علي الجبائي والقاضي عبد الجبار، ومنع منه أبو هاشم وأبو الحسين البصري والكرخي...)[1]

ولكن الاولى عندنا طرحه على النحو الثاني و الوجه فيه انه إذا ثبت بتتبع الموارد والتدقيق فيها وقوعه كان البحث على النحو الاول لغواً فان الوقوع أخص من الإمكان وأدل دليل على الامكان هو الوقوع وإذا ثبت خلافه وان كان من ناحية عدم ثبوت وقوعه فالبحث عن الامكان والاستحالة مستغنى عنه اذ لا أثر له وبذل الجهد الفكري فيما لا فائدة فيه من قبيل العلم الذي لا ينفع مضافاً الى ما في منهج البحث عن الامكان والاستحالة من الضعف ويتضح ذلك بملاحظة مستندات الطرفين.

الجهة الرابعة: في البحث والتنقيب عما يمكن ان نستشهد به على الوقوع[2] وهي على قسمين :

القسم الاول: ما يشتمل على إطلاق اللفظ وارادة نفسه ومعناه وكذا ارادة المعنيين وله أمثلة:

1- ما ورد في مقدمة بعض الادباء على صحاح الجوهري (ص11) من ان بعضهم انشد شعرا في وصف القاموس وفيه:

نبذ الصحاح بلفظه والبحر من        عاداته يلقي صحاح الجوهر

فقال بعضهم (الصَّحاح لا تكسر) فتعجب كل من كان في المجلس من سهولة اللفظ والتورية.

فاستعمل كلمة الصحاح في لفظها وأن الصاد فيها لا تكسر وفي معناها اي الكتاب المخصوص واستعمل كلمة (تكسر) في معنيين مستقلين كسر الحرف وكسر الرواج.

2 - (قلب بهرام ما رهب) لهذه الجملة معنيان. أحدهما:

ان قلب بهرام (وهو اسم شخص) لا يرهب بسبب شجاعته. والآخر ان كلمة بهرام إذا قلب رأساً على عقب تحول الى كلمة (ما رهب) فاستعمل كلاً من بهرام و ما رهب في لفظيهما ومعنييهما واستعمل كلمة قلب في معنيين. قلب الكلمة والقلب (العضو المخصوص).

والمناقشات التي ربما توجه الى بعض الامثلة الاتية في القسم الثاني لا مجال لها في هذا القسم.

3- (كل ساق قلبه قاس) وهذا نظير المثال السابق.

4- ما قيل في مدح الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم:

المرتمي في دجىً والمبتلى بعمى
 

       والمشتكي ظمأً والمبتغي ديناً
 

يـاتـون سدته  مـن كـل  نـاحـيـة  
 

        و يستفيدون من نعمائه عيناً
 

فالعين استعمل في اربعة معان. الشمس لينير الدرب لمن وقع في الظلماء و الباصرة لمن عميت عينه والنابعة لمن يشكو الظمأ والنقد الذهبي لمن يطلب المال.

5- قول الشاعر: (ايّ المكان تروم ثم من الذي تمضي اليه اجبته المعشوقا)

فالمعشوق استعمل في معنيين أحدهما قصر للمتوكل وبذلك اجاب عن السؤال الاول. والآخر معناه الاشتقاقي وبذلك اجاب عن السؤال الثاني.

6- قول الشاعر وبه دماميل:

( .........               وما لليلي وما لها فجر)

فأراد بالفجر معنيين: طلوع الصبح عن ليلته التي طالت عليه لمرضه و انفجار الدماميل ليستريح من وجعها.   

ففي هذه الامثلة ونظائرها لا تفيد دعوى انها استعمالات خاطئة اذ الكلام في الامكان والاستحالة لا الخطأ والصواب مع ان الادب العربي يجوز ذلك بل يعتبره من المحسنات البديعية ويعبر عن هذا الاستعمال في كتب الادب بالتورية البديعية.

كما لا تفيد دعوى ان الاستعمال في أحد المعنيين ويستفاد الآخر بالقرينة اذ تخصيص اللفظ بأحدهما ترجيح بلا مرجح.

وهناك وجوه يمكن ان تحمل عليها بعض هذه الامثلة او يتوهم امكان ذلك فلا بد من استعراضها وملاحظتها بالقياس الى الامثلة.

الوجه الاول: ان يكون المراد الجهة الجامعة بين المعنيين فلا يكون اللفظ مستعملاً في كل منهما بحدّه.

وهذا الوجه يمكن ان يدعى في مثل قول الشاعر: (وما لليلي وما لها فجر) وذلك لان الفجر وان كان في كتب اللغة بأحد معنيين بياض الصبح وسيلان الماء الا انه يمكن دعوى وجود جامع حقيقي يستعمل فيه اللفظ ويطبق على كل من المعنيين في الجملة السابقة بنحو تطبيق المفهوم على المصداق.

قال الراغب في المفردات: (الفجر شق الشيء شقاً واسعاً (الى ان قال) ومنه قيل للصبح فجر لكونه فجر الليل).

ويمكن تطبيق هذا المعنى على شق الدماميل وانفجارها. الا ان هذه الدعوى تتوقف على ان يكون الشاعر منتبهاً لهذه الجهة الجامعة التي ذكرها الراغب في المفردات وهو على الظاهر مما استخلصه من ملاحظة الشواهد والاستعمالات استنباطاً لغوياً كما هو الشأن في كثير من موارد تصريحات اللغويين. ولم يرد ذكر ذلك في معاجم اللغة.

ومهما كان فهذا يختص بمثل هذا المثال ولا يصح في سائر الامثلة المتقدمة اذ ليست هناك جهة جامعة في معاني العين الاربعة المقصودة في الشعر السابق وان ادعي ان بعض معانيها السبعين أصل لبعض آخر الا ان ذلك لا يحقق جهة جامعة بين الشمس والعين الباصرة والنابعة والنقد. وكذا في كلمة المعشوق والقلب فضلاً عما كان مستعملاً في نفس اللفظ والمعنى.

الوجه الثاني: ان يكون للمعنيين او الاكثر وحدة اعتبارية في ضمن عنوان كعنوان مجموع المعنيين فيعتبر المجموع معنىً آخر لذلك اللفظ مجازاً.

وهذا الوجه يمكن تطبيقه ــ بتكلف ــ في المعشوق في الشعر السابق فيقال ان المراد به مجموع القصر ومن فيه ويراد بمن فيه خصوص من يهواه فيكون ذلك من قبيل علاقة الحال والمحل كما في اسأل القرية ونظائره.

ولكن ذلك لا يتأتى في مثل العين اذ ليس هناك مصحح عقلائي لافتراض تركيب اعتباري من المعاني الاربعة المقصودة منها.

مضافاً الى ان كلاً من المحتاجين الاربعة يطلب أحد هذه الامور والمركب منها اي مجموعها غير مقصود لاحد منهم. مع ان هذا الاعتبار وتحميله على الاستعمالات الادبية يشمئز منه الذوق السليم.

وهكذا الكلام في الكسر ومعنييه والقلب ومعنييه اذ لا تناسب بينهما اصلاً. فضلاً عن موارد استعمال اللفظ في نفسه ومعناه.

الوجه الثالث: ان يراد في هذه الموارد عنوان المسمى بكذا وهذا يمكن تكلفه في مثل كلمة المعشوق او العين مع انه مخالف للمرتكز في فهم هذه المعاني من الالفاظ وفي مراد المستعملين فان المتكلم يقصد نفس المعنى بذاته لا بعنوان المسمى. مع ان العين له سبعون مسمى كما قيل والمقصود ليس كل ما هو مسمى بالعين بل خصوص الاربعة.

الجهة الخامسة: في بيان ما هو الوجه في صحة هذه الاستعمالات بعد تسليم انها امر ممكن بل واقع. وقبل بيان ذلك لا بأس بان نتعرض اجمالاً لحقيقة استعمال اللفظ وارادة نفسه.

قد مرّ ان هذا النوع من الاستعمال وقع مورد البحث والنقاش فذهب بعضهم الى انه من قبيل استعمال اللفظ في المعنى الا ان التعدد المعتبر بين الدال والمدلول اعتباري لا حقيقي.

وذهب بعض آخر الى انه ليس من قبيل استعمال اللفظ في المعنى بل هو إطلاق ايجادي وهذا هو الصحيح.

توضيح ذلك: ان الاستعمال – حسب رأينا – هو ايجاد اللفظ بداعي الاستمداد من الماهية الاعتبارية التي اكتسبها اللفظ فأصبح بذلك وجوداً لفظياً للمعنى فبهذا اللحاظ يصح لنا ان نحكم عليه او به في القضية التي نريد افهامها للمخاطب.

واما الاطلاق الايجادي فهو ايجاد لأمر واقعي خارجي وجعله موضوعاً للحكم وهذا الامر هو حقيقة لفظية الا ان الذي نوجده قد يكون بنفسه موضوعاً للحكم وقد يكون جنسه او نوعه موضوعاً له وفي كل ذلك يتحقق تصوير الموضوع في ذهن المخاطب بإيجاد نفس الحقيقة التكوينية دون ابراز لفظ يحكي عنه او يتحد معه اعتباراً.

هذا ولكن الصورة الذهنية التي تتحقق لدى المخاطب بإيجاد هذا اللفظ صورة كلية بالطبع لان كل صورة ارتساميه كليّ وان كان مأخذها فرداً خارجياً اذ الصورة لا تحكي عمّا اخذت منه وانما تحكي عما تطابقه سواء في ذلك الصور الخارجية او الذهنية.

وعليه فحكاية هذه الصورة الكلية التي تحققت لدى المخاطب عن شخص اللفظ تتوقف على الاشارة الوهمية اليه كما هو الحال في جميع العلوم الجزئية كما مرت الاشارة اليه سابقاً.

ومن هنا يظهر الجواب عما ربما يتوهم من ان الموضوع الذي تحققه لكي يكون موضوعاً في القضية فرد خارجي فلا يمكن ان يكون حاكياً عن جنسه ونوعه الا بالتجريد وهو غير مفروض.  

وذلك لما بيناه من ان المفرد الذي حققناه يصور في ذهن المخاطب صورة كلية لذلك اللفظ فحكايتها عن الفرد بحاجة الى الاشارة الوهمية لا ان حكايتها عن الكلي بحاجة الى التجريد.

واما وجه الصحة فيما نحن فيه فالبحث يقع في مقامين:

المقام الاول: في امكان تعدد الدلالة الاخطارية للألفاظ.

وفي هذا المجال نجد ان المقتضي لهذه الدلالة موجود في اللفظ في كلا الموردين المذكورين اي استعمال اللفظ وارادة نفسه ومعناه واستعمال اللفظ في معنيين.

اما في المورد الاول فلان اللفظ ماهية مزدوجة بمعنى انه من جهة لفظ يعبر عن صوت لغوي خاص له حدوده و واقعيته التكوينية الخاصة ومن جهة اخرى يعبّر عن المعنى بلحاظ العلقة الوضعية التي اوجدت الترابط الاخطاري الطبيعي بينهما سواء في ذلك مسلك التلازم والاستتباع او مسلك الهوهوية الاعتبارية – كما ذكرناه – وكما ان ايجاد اللفظ يوجب تصور معناه بأحد الوجهين كنتيجة طبيعية لتحقق العلقة الوضعية والترابط الاخطاري بينهما كذلك – وبالأحرى – يوجب تصور نفسه كما مر في المقدمة السابقة. اذن فالدلالة الاخطارية في اللفظ لنفسه ومعناه امر طبيعي لا وجه لإنكاره. غاية الامر انه قد يتعين أحد الامرين في مرحلة الدلالة التفهيمية بقرينة خارجية وهي نوعية المسند كما سيأتي ان شاء الله تعالى.

واما في المورد الثاني فلما كانت دلالة اللفظ على معناه – بنحو الاخطار – نتيجة طبيعية للارتباط الذهني الحاصل من العلقة الوضعية ولما كان الارتباط متحققاً في المشترك اللفظي – كما هو مفروض البحث – بين اللفظ وأكثر من معنى كان اخطار أكثر من معنى امراً ضرورياً يحصل عند ايجاد اللفظ لا محالة لمن كان ملتفتاً وعالماً بالوضع للمعنيين او أكثر كما هو شرط مسبق لكل اخطار حاصل بين اللفظ والمعنى.

المقام الثاني: في امكان تعدد الدلالة التفهيمية في الموردين.

والمراد من الدلالة التفهيمية حصول العلم للمخاطب بما اراده المتكلم من اللفظ. وقد ذكرنا في المباحث السابقة ان هذه الدلالة – في نظرنا – انما تحصل بمقدمات عقلية. وذلك لان التلفظ ــ ككل فعل اختياري ــ لا بد من ان يكون نتيجة لدافع نفسي يعبر عنه بالعلة الغائية وبعد احراز ان اللافظ لم يكن ساهياً ولا خاطئاً ولا هازلاً نحكم بانه اراد تفهيم المعنى الظاهر الذي يتحقق اخطاره بإيجاد اللفظ بصورة طبيعية نتيجة للعلقة الوضعية. اذ العادة تقضي بان الانسان العاقل الملتفت انما يقصد بكل عمل الاثر المترتب عليه طبعاً.

وعلى هذا الاساس نحكم فيما نحن فيه بان المتكلم اراد اخطار كلا الامرين او الاكثر حسبما يستلزمه اللفظ من اخطار ففي مورد استعمال اللفظ وارادة نفسه ومعناه يخطر بالبال كلا الامرين كما مر فلا مانع من ارادة اخطارهما معاً الا ان نوعية المسند ربما تعين أحدهما. فاذا قال: زيد كلمة ثلاثية علمنا من نوعية المسند حيث انه من خصائص اللفظ ان المراد هو اللفظ بنفسه. وإذا قال زيد قائم علمنا ان المراد معناه لان الوصف خاص به و إذا قال (قلب بهرام ما رهب) احتمل المعنيان والتناسب الادبي ربما يقضي بالحكم بانه ارادهما معاً كما هو واضح في المثال.

وهكذا الكلام في استعمال اللفظ وارادة المعنيين او أكثر لان اخطاره لهما قهري وطبيعي بعد تحقق العلقة الوضعية بالنسبة اليهما معاً فأرادتهما في مرحلة التفهيم ممكن وربما يتعين ذلك بموجب القرائن كالأمثلة السابقة كما انه قد يتعين أحد المعنيين او المعاني بموجب القرينة.

الجهة السادسة: في ان هذه الاستعمالات هل هي من قبيل الاستعمالات الحقيقية او المجازية؟

ذكرنا سابقاً ان في المجاز نظريتين:

النظرية الاولى: وهي الصحيحة – ان الاستعمال دائماً في المعنى الحقيقي وان التجوز انما هو في تطبيق المعنى وعبرنا عنه بإعطاء حد شيء لشيء آخر.

وعلى اساس هذه النظرية فالاستعمالات المذكورة لا تحتوي على شيء من التجوز والعناية اما في استعمال اللفظ وارادة نفسه ومعناه فلان الاستعمال كما مر انما هو في المعنى واما اخطار نفس اللفظ فليس من قبيل الاستعمال بل هو من الاطلاق الايجادي.

واما في موارد الاستعمال في معنيين فلان المفروض ارادة كل منهما على الاستقلال وكل منهما بحدّه موضوع له اللفظ. وقد تمّ تفنيد كل المحاولات الرامية الى تصوير استعمال اللفظ في مجموع المعنيين فلا يصح دعوى التجوز باعتبار كون كل منهما جزءاً من المعنى المستعمل فيه اللفظ الذي لم يوضع له المعنى.

النظرية الثانية: – وهي المشهورة – ان التجوز استعمال اللفظ في غير ما وضع له. وعلى هذه النظرية يختلف الحكم بين القول بان حقيقة العلقة هي الترابط الاخطاري على أحد الوجهين من الهوهوية والتلازم بين اللفظ و المعنى والقول بانها هي التعهد حيث ان كل متكلم يتعهد بانه يريد المعنى إذا ذكر اللفظ.

اما على اساس الاخطار فوعاء تحقق العلقة الوضعية هو وعاء تحقق الدلالة الاخطارية وفي هذا الوعاء لم يتخلف الاستعمال عن الوضع فيدعى فيه التجوز الا ان يدعى ان الموضوع له هو المعنى بقيد الوحدة وقد زالت في هذه الاستعمالات.

والجواب عنه: ان الوحدة المزعومة ان ادعي اعتبارها في مرحلة الدلالة الاخطارية فهو غير معقول اذ الاخطار كما قلنا نتيجة طبيعية لتحقق الارتباط الذهني وهو متحقق بالنسبة الى المعنيين معاً فاخطارهما معاً امر طبيعي لا يمكن اعتبار الوحدة فيه. وان ادعي اعتبارها في مرحلة الدلالة التفهيمية فزوالها لا يوجب التجوز لما ذكرنا من ان وعاء العلقة الوضعية التي يجب ان يطابقها الاستعمال ليكون حقيقياً هو وعاء الدلالة الاخطارية لا التفهيمية ولا يمكن ان تتقيد العلقة الوضعية بداعي الاستعمال فيكون اللفظ موضوعاً للمعنى بشرط ان يكون داعي الاستعمال هو تفهيمه مع عدم تفهيم معنىً آخر. فهذا امر غير محتمل فان العلقة الوضعية ثابتة سواء استعمل اللفظ ام لم يستعمل وباي داع تحقق الاستعمال.

هذا مضافاً الى ان التعدد متحقق في وعاءالعلقة الوضعية واخطار المعنى المتعدد امر طبيعي كما عرفت فاذا أردنا تفهيم أحدهما في مرحلة الارادة التفهيمية فقد حصل تفكيك بين المعنيين المتقارنين في الاخطار قهراً. وإذا أردنا تفهيمهما معاً فقد ابقينا على تقارنهما الطبيعي ومنعناه من التفكك لا ان وحدة معتبرة قد ازلناها.

واما على مسلك التعهد فيمكن ان يقال ان صيغة التعهد في المشترك تختلف عن صيغته في سائر الموارد فالمتكلم هنا متعهد بان يريد أحد المعنيين او المعاني عند التلفظ. ومع ارادة أكثر من معنى يكون قد خالف تعهده فهو تجوز.

والجواب عنه: انه لا داعي الى افتراض هذه الصيغة للتعهد في المشترك اذ يمكن ان يتعهد المتكلم ان يريد باللفظ ما يكون بينه وبينه ترابط اخطاري. بل لا بد ان يكون التعهد على تقديره بهذه الصيغة اذ لا معنى لان يتعهد الا بمقتضى ما يقتضيه اللفظ مسبقاً بموجب الترابط الاخطاري والا فالتعهد لغو اذ لا يترتب على اللفظ ما اراده من تفهيم المعنى الا في حدود الترابط الاخطاري والمفروض ان الاخطار هنا متحقق في أكثر من معنى كما مر.

الجهة السابعة: في ان استعمال اللفظ المشترك لو لم يكن مصحوباً بقرينة معينة لاحد المعنيين او المعاني ولا لأكثر من معنى بعد الاعتراف بصحة الاستعمال في أكثر من معنى وانه على وجه الحقيقة لا المجاز وانه ليس منافياً لمقتضيات الوضع اللغوي فهل مقتضى القاعدة ان يحمل على ارادة تفهيم جميع المعاني او يحكم بإجماله؟ احتمالان بل قولان:

القول الاول: ما نسب الى السيد البروجردي قدس سره – كما في التقريرات – و هو الحمل على ارادة جميع المعاني المحتملة نظراً الى ان المفروض تحقق العلقة الوضعية بين اللفظ وجميع المعاني وحيث لا معين لها فلا بد من الحمل على الجميع. وشبّه ذلك بالعمومات التي يأتي فيها احتمال ارادة البعض والكل حيث تحمل على العموم لاقتضاء اللفظ وعدم قرينة على الخلاف.

القول الثاني: هو الحكم بالإجمال وله تقريب اجمالي وتقريب تفصيلي:

اما التقريب الاجمالي فهو ان المفروض فيما إذا كان للكلمة معنيان – مثلاً – صحة ثلاثة انحاء من الاستعمال: الاستعمال في هذا المعنى بالذات وفي ذلك المعنى بالذات، وفي كلا المعنيين معاً. وحيث ان الوجوه الثلاثة متكافئة من حيث الاحتمال لعدم القرينة على الاختصاص بأحد المعنيين ولا على ارادتهما معاً فيجب التوقف لكيلا يلزم الترجيح بلا مرجح. واما وجود العلقة الوضعية بين اللفظ وكلا المعنيين فهي لا تحقق الا الدلالة الاخطارية بالنسبة لهما معاً والكلام في مرحلة الدلالة التفهيمية.

واما التقريب التفصيلي فهو ان سرّ الاجمال يتبين بملاحظة كيفية استكشاف المراد التفهيمي في سائر الموارد حسب ما ذكرناه وهو ان التكلم ــ كغيره من الاعمال الاختيارية ــ لا بد من ان تكون له علة غائية تؤثر في فاعلية الفاعل. وحينئذ نتمسك بالأصول العقلائية لدفع احتمال السهو والخطأ والنسيان والهزل فنحكم بانه اراد تفهيم المعنى لانه الامر المناسب لان يعتبر علة غائية للتكلم.

وهذا الامر لا يقتضي أكثر من الحكم بان المتكلم يقصد التفهيم خروجاً عن اللغوية في عمل الانسان العاقل الملتفت. فلو كان اللفظ منحصراً في معنى بحسب الوضع او القرينة تعين مقصود المتكلم واما لو لم يكن منحصراً بوجه وترددت العلة الغائية بين تفهيم هذا المعنى او ذاك او كليهما فليس هناك شاهد او اصل عقلائي يحكم بلزوم تعدد العلة الغائية كلما امكن التعدد كما انه ليس كذلك بالوجدان في سائر الاعمال الاختيارية فاذا شهدنا عملاً اختيارياً من انسان عاقل ملتفت حكمنا بموجب قانون العلة الغائية بان وراء هذا العمل دافع نفسي اثر في فاعلية هذا الفاعل ودفعه الى تحقيق العمل في الخارج ولكن ذلك لا يوجب الحكم بتعدد العلة الغائية والدافع النفسي اذا احتمل التعدد ولذلك نجد الفقهاء يحكمون بالإجمال فيما اذا قال : بعت عبدي غانماً وكان له عبدان بهذا الاسم ويتوسلون بالقرعة ونحوها لتعيين المبيع ولم يذهب احدٌ الى الحمل على بيع العبدين معاً .

وكما لا يقتضي أصل او قانون تعدد العلة الغائية عند احتماله لا يقتضي ايضاً وحدتها. ومجرد تناسب العمل و وحدة اللفظ لوحدة المراد التفهيمي لا يكفي في الحكم بذلك. اذن فاحتمال التعدد والوحدة متكافئان فيحكم باجمال اللفظ من هذه الجهة.

واما اصالة الحقيقة فلا تقتضي الحمل على جميع المعاني باعتبار كون كل منها معنىً حقيقياً للكلمة لأنها ليست اصلاً تعبدياً بل هي منتزعة من طريقة العقلاء في التفاهم وقد بينا انه لا أصل لديهم يحكم في المقام بتعيين الوحدة او التعدد.

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني عشر

 

في المشتق

 

وقع الكلام في ان اللفظ المشتق هل هو ظاهر وضعاً في خصوص المتلبس بالمبدأ او في الاعم منه وممن انقضى عنه.

وهذا البحث من المباحث القديمة التي وقع النزاع فيها بين الاشاعرة الذين ذهبوا الى وضعها للأعم والمعتزلة الذين اختاروا وضعها لخصوص المتلبس. ولكن علماءنا اختلفوا فذهب القدماء الى القول بالأعم والمتأخرون الى القول بالخصوص.

وبعد تحقيقات المتأخرين استقر القول اخيراً في مجال البحث الاصولي على القول بالخصوص. ولكن يبقى في المقام نقطتان لا بد من التعرض لهما. احداهما في تحرير محل البحث و الاخرى في بيان موجبات توهم القول بالأعم والجواب عن المغالطات فيه.

فالبحث في مقامين:

 

المقام الاول: في تحرير محل البحث والكلام في جهات:

 

الجهة الاولى: في بيان معنى المشتق:

المشتق يستعمل في معنيين (حسب الاصطلاح):

المعنى الاول: مصطلح الادباء والمشتق عندهم هو اللفظ المأخوذ من لفظ آخر مع التطابق في الحروف الاصلية وترتيبها. وبهذا المعنى يطلق على اسم الفاعل واسم المفعول واسمي الزمان والمكان والمصادر المزيدة ونحوها على الاختلاف بين المدارس الادبية في أصل المشتقات وانه هل هو المصدر او اسم المصدر او الفعل.

المعنى الثاني: العنوان المنتزع من الذات بلحاظ انضمام امر خارج عنها ويحمل هذا العنوان على الذات بـ (هو هو). وبهذا المعنى ليس المشتق حادثاً من اشتقاق لفظي كما هو الحال في المصطلح الاول بل هو حادث بملاحظة ان الذات كما قد تلاحظ بعنوانها الذاتي كذلك قد تلاحظ بعنوان آخر متحد معه وجوداً منتزع منه بضميمة امر خارج.

وهذا الامر الخارج المصحح لانتزاع العنوان الاشتقاقي على اقسام:

1 - الاعراض المتأصلة كالبياض والسواد العارضان على الجسم فهما مبدءان لانتزاع عنواني الابيض والاسود وحملهما على الجسم بـ (هو هو).

2 - الامور الاعتبارية كالزوجية والملكية والرقية والوجوب والحرمة والنجاسة والطهارة وهكذا... فهذه الامور ليست من الاعراض بل هي خاضعة للجعل الاعتباري القانوني الا انها تصحح انتزاع عنوان الزوج و الزوجة والمالك والمملوك والواجب والحرام وهكذا... وكل من هذه العناوين الإنتزاعية تحمل على الذات بـ (هو هو).

3 - الامور الإنتزاعية وهي امور لها واقعية فليست كالاعتباريات تابعة للمصالح والمفاسد وخاضعة لاعتبار المعتبر ولكنها لا توجد بوجود ما بحذائها كالأمور المتأصلة من الاعراض والجواهر بل توجد بوجود مناشئ انتزاعها كالأبوة والاخوة ونحو ذلك. ولكنها تصحح انتزاع عنوان الاب والاخ ونحو ذلك وحملها على الذات بـ (هو هو).

4 - الجواهر كاللبن والتمر والرمح حيث ينتزع من الذات بمناسبتها عناوين اللابن و التآمر والرامح لمن يبيع اللبن والتمر ومن يحمل الرمح. وهذا القسم الرابع يبتني على تقدير كون مبدأ الاشتقاق هو نفس الجواهر. وهناك افتراض آخر سيأتي ذكره، وعليه لا يصح جعل هذا القسم قسماً مستقلاً.

5 - ما ليس من قبيل الماهيات كالوجود والعدم حيث يصححان اشتقاق عنواني الموجود والمعدوم.

وبين هذين المصطلحين عموم من وجه فالمصادر المزيدة مشتقات بالمعنى الاول ولكنها لا تحمل على الذوات بـ (هو هو) حقيقة ومثل (زيد عدل) حمل مجازي. وهناك عناوين تعتبر في اصطلاح الادباء من الجوامد كالزوج والزوجة والعبد والرق ونحوهما ولكنها تحمل على الذوات بلحاظ امر خارج فينطبق عليها تعريف المشتق بالمعنى الثاني.

ومحل البحث هو المعنى الثاني اذ لا يناسب البحث عن كون المشتق حقيقة في المتلبس او الاعم مع ما لا يحمل على الذات بـ (هو هو). ولا وجه للالتزام بان المراد هو المعنى الاول والقول بخروج قسم منها لا يقبل الحمل وإلحاق قسم من الجوامد حكماً. وذلك لان هذا متابعة في الاصطلاح بلا مبرر مع ما في ذلك الاصطلاح من الوهن بلحاظ افتراض المصدر ونحوه اصلاً للمشتقات.

فالاولى الالتزام بمصطلح جديد للأصول هو المعنى الثاني.

هذا ولكن لا بد من ان نضيف لتحرير محل البحث ان العنوان المشتق يجب ان يكون بحيث يعتبر التمايز بين الفاقد لمبدئه والواجد له بنظر العرف تمايزاً في العوارض والمنفكات دون الذاتيات ففي الذاتيات لا يصدق العنوان على الفاقد للمبدأ وان كان واجداً له سابقاً كالإنسان والحجر ونحو ذلك من العناوين الذاتية.

توضيح ذلك: انه لا اشكال في ان شيئية الشيء في نظر العرف والفلسفة بصورته لا بمادته بمعنى ان بعض الخصوصيات يعتبر بنظر العرف او الفلسفة من مقومات الشيء بحيث يعد الفاقد له والواجد له حقيقتين متباينتين ويعتبر تبدل تلك الخصوصية في الشيء من قبيل انعدام شيء ووجود شيء آخر ولو بملاحظة بعض النظريات لا فقداناً لعارض.

وهذه الخصوصيات يعبر عنها بصورة الشيء. فللصورة معنيان:

1 - الصورة بالمعنى الفلسفي. وهي ما يعبر عنها في الفلسفة بالصور النوعية والفصول فيقال: ان الاختلاف والتمايز بين الانواع ببعض الذات لا بالعوارض والمنفكات. وان شيئية الشيء بصورته لا بمادته فاذا كانت الصورة النوعية باقية لم تؤثر تبدل سائر الخصوصيات في تبدل الحقيقة حتى لو كان ذلك من قبيل الجنس للشيء فالإنسان تتقوم حقيقته بفصله ولو تبدل جسمه الطبيعي الى جسم مثالي لم تتبدل حقيقته واما لو تبدلت صورته النوعية الى صورة اخرى تبدلت حقيقته.

2 - الصورة بمعناها العرفي. وهي انطباع خاص عن الشيء ينقسم بموجبه الاشياء الى انواع متعددة بنظر العرف. وغالباً يلاحظ ذلك من جهة الشكل الخارجي والآثار الملموسة في الجملة.

وبين المعنيين تغاير من وجه. فقد تنتفي الصورة بمعناها الفلسفي وتبقى بمعناها العرفي كالحياة والموت حيث يعتبر الجسم الميت في نظر الفلسفة جماداً قد زالت عنه حقيقته ولكنه في نظر العرف هو الشخص السابق ولذلك تبقى في أنفسهم كرامته وحبه او هوانه وبغضه. فالعرف يرى الحياة من المنفقات والعوارض. وقد يكون بالعكس فالعرف يرى التباين والتغاير الحقيقي بين الجبن والحليب مثلاً ولكن الفلسفة تراهما حقيقة واحدة تبدلت عوارضه. وهنا يتضح ان العرف يلاحظ الشكل الخارجي والآثار الملموسة.

فما هو الملاك من بين المعنيين لإخراج بعض العناوين عن محل البحث نظراً الى ان التبدل بلحاظ مصحح الاشتقاق يوجب تبدل العنوان قطعاً؟

الملاك هو النظر العرفي وذلك لأسباب ثلاثة:  

اولاً: ان ما تقره الفلسفة من الفرق بين الصور النوعية والاعراض غير واضح. بل يمكن ان يكون الاختلاف بالأعراض موجباً لتبدل الحقيقة كما في بعض الاخبار من ان الله خلق خلقاً مختلفاً بأعراض وحدود. واما دعواهم بان الفصل من الجواهر فلا يدعمها دليل وبما ان المنطق والفلسفة القديمين يحكيان عن الانطباعات العرفية للمجتمع اليوناني بصورة متكاملة ودقيقة فلا يبعد ان تكون هذه الفكرة من وحي ذلك المجتمع قد فرض على المجتمعات الادنى منها ثقافة كأصول موضوعية. فالمجتمعات والشعوب تختلف انظارها في التمييز النوعي بين الاشياء وربما يعد في بعض المجتمعات انواع مختلفة ــ جوهراً وتاثيرا ــ من الفواكه نوعاً واحداً مع اعتبار الاختلاف بحسب الالوان فقط كما يشهد لذلك الاسماء الموضوعة لها فاللغة كما ذكرنا مراراً مرآة الفكر الاجتماعي.

ولو أردنا سرد الشواهد على اختلاف المجتمعات في تصورها المرتبط بتمايز الانواع ووحدتها من نافذة وضع الاسماء المعبّرة عن كيفية التصنيف والتنويع وغير ذلك من الملاحظات لطال بنا الكلام ولخرجنا عن موضوع البحث.

والحاصل ان هذه الفكرة الفلسفية لا تعتمد على تعمق طبيعي او إدراك للواقع على اسس علمية.

ثانياً: ان الفلاسفة صرحوا بان الصور النوعية في واقعها غير قابل للإدراك وأنها مجهولة تماماً وان هذه الفصول فصول اشتقاقية مشهورية. اذن فما هو المصحح للاعتماد على امر مجهول؟!

ثالثاً: ان هذا البحث – كما سنوضحه – بحث لغوي ولا شك ان المعتبر في التحقيق اللغوي هو الانطباعات العرفية. فان كان الاختلاف بين النظر الفلسفي والنظر العرفي اختلافاً في الدقة العقلية والانطباع العرفي فلا شك ان الملاك في تشخيص حدود المفاهيم اللغوية هو العرف.

 اذن فالملاك هو النظر العرفي فاذا كان تبدل الصورة موجباً لتبدل الحقيقة عرفاً لم يمكن دعوى وضع اللفظ للفاقد والواجد لها وبالتالي فلا وجه للبحث عن كون العنوان موضوعاً للواجد وللأعم منه ومن الفاقد فلا يحتمل ان يكون لفظ الانسان مثلاً موضوعاً للإنسان الحقيقي ولرماده إذا احترق تماماً اذ لا يعتبر تبدل هذا الجسم الطبيعي الى رماد من قبيل تبدل الحالات والعوارض بنظر العرف.

وكما يخرج هذا القسم من المشتقات يدخل قسم من الجوامد في مجال البحث وذلك فيما إذا انطبق عليها تعريف المشتق بالمعنى الثاني وبذلك يندفع ما ربما يتوهم من ان البحث عن الالفاظ التي لها هيئة ومادة وان مدار البحث هو مفاد الهيئة في تلك الالفاظ فيخرج الجوامد اذ لا تنقسم الى هيئة ومادة.

الجهة الثانية: ان عنوان البحث في كلمات الاصوليين يحتوي على كلمة (الحال) حيث يقولون: ان المشتق حقيقة في المتلبس في المبدأ في الحال او في الاعم منه وممن انقضى عنه المبدأ.

والكلام هنا في تفسير هذه الكلمة وفيها ثلاثة احتمالات:

الاحتمال الاول: ان يكون المراد بها حال الاستعمال والنطق.

الاحتمال الثاني: ان يكون المراد بها حال النسبة والجري.

والفرق بينهما ان قولنا (زيد كان قائماً) تجوز لو توهم اختصاص المشتق بالمتلبس بالمبدأ في الحال بالمعنى الاول وليس كذلك على المعنى الثاني وذلك لان مقتضى الاحتمال الاول ان يكون كلمة (قائم) حقيقة في من هو قائم حال النطق والمفروض دلالة القضية على انصرام حالة القيام عنه. واما على الاحتمال الثاني فالقائم حقيقة هو المتلبس بالقيام في الحال الذي نسند اليه القيام فيه والمفروض ان القضية تسند القيام الى زيد في الماضي وهو كان متلبساً به حقيقة آنذاك.

الاحتمال الثالث: ان يكون المراد بها مجرد فعلية التلبس والارتباط بين الذات والمبدأ.

والفرق بينه وبين الاحتمال السابق ان الملحوظ هناك هو النسبة والجري وهما لا يتحققان الا بالحمل فمفاد عنوان البحث ان المشتق هل يحمل حقيقة على المتلبس به في حال الحمل ام يحمل حقيقة على الاعم.

وعلى الاحتمال الثالث لا يرتبط عنوان البحث بالحمل وتشكيل القضية بل موضوع البحث ان المشتق بمفهومه الاخطاري ومدلوله التصوري هل يحكي عن المتلبس بالمبدأ بالفعلية ام يحكي عن مطلق التلبس وان لم يكن فعلياً ويتضح الفرق أكثر من هذا في ضمن انتخاب أحد الاحتمالين.

اما الاحتمال الاول ففي غاية الضعف بل ينبغي ان يحذف من قائمة الاحتمالات اذ لا مجال لتوهم كون إطلاق القائم على من ليس قائماً حال النطق مجازاً. فالأمر دائر بين الاحتمالين الاخيرين.

واساس الاختلاف هو الاختلاف في نقطة اخرى وهي ان البحث حول المشتق هل هو بحث لغوي يدور حول نوع من المفردات اللغوية و تحديد مفاهيمها ام انه بحث فلسفي يدور حول كيفية الحمل في المشتقات؟

وبعبارة اخرى موضع البحث هل هو انطباعنا عن هذا النوع من الصيغ اللغوية وما يحتويه من مفهوم اخطاري ومدلول تصوري بلحاظ العلقة الوضعية فيكون المراد بالحال في عنوان البحث فعلية التلبس بين المبدأ والذات ام ان موضع البحث هو مقياس صحة الحمل في العناوين الاشتقاقية فيكون المراد بالحال ــ طبعا ــ حال النسبة؟

ولا باس بنقل كلام بعض من اختار الوجه الثاني لنجعله محور البحث:

قال المحقق الطهراني على ما حكاه المحقق الاصفهاني (ان وجه الخلاف مع عدم الاختلاف في المفهوم والمعنى هو الاختلاف في الحمل فإنّ القائل بعدم صحة الإطلاق على ما انقضى عنه المبدأ، يرى وحدة سنخ الحمل في المشتقات و الجوامد، فكما لا يصح إطلاق الماء على الهواء- بعد ما كان ماء و زالت عنه صورة المائية، فانقلب هواء- كذلك لا يصحّ إطلاق المشتق على ما زال عنه المبدأ بعد تلبّسه به، فإن المعنى الانتزاعي تابع لمنشأ انتزاعه[3] حدوثا و بقاءا، و المنشأ مفقود بعد الانقضاء، و الانتزاع بدونه على حد المعلول بلا علة، و القائل بصحة الاطلاق يدّعي تفاوت الحملين فإنّ الحمل في الجوامد حمل هو هو، فلا يصح أن يقال للهواء إنه ماء، و الحمل في المشتقات حمل ذي هو و حمل انتساب، و يكفي في النسبة مجرّد الخروج من العدم إلى الوجود، فيصحّ الحمل على المتلبّس و على ما انقضى عنه، دون ما لم يتلبّس).[4]

اذن فهناك خلاف آخر في تحرير محل البحث.

والقائلون بانه بحث فلسفي يستشهدون بما وقع في عبارات بعض الباحثين من تحرير محل النزاع بان المشتق هل يصدق على المتلبس بالخصوص او الاعم. والصدق هو الحمل.

كما استشهد آخرون بما وقع في عبارات بعضهم من تحريره بان المشتق حقيقة في المتلبس او الاعم مما يدل على ان الكلام في المدلول اللغوي وعلى تقدير كون البحث لغوياً ودائراً حول سعة المدلول التصوري للمشتق وضيقه فهو المعبرّ عنه بالشبهة المفهومية المرددة بين الاقل والاكثر ونظيره الاختلاف بين الوضع للصحيح والوضع للأعم على المشهور ومثله ايضاً ما لو شك في ان عنوان الفاسق هل يختص بمرتكب الكبيرة ام يشمل مرتكب الصغيرة ايضاً.

هذا ومن المحتمل كون البحث عند القدماء دائراً على حسب الاحتمال الثالث نظراً الى وضوح مفهوم المشتق وان الضارب بمعنى من صدر عنه الضرب مثلاً والمضروب من وقع عليه الضرب فليس المفهوم الافرادي موضعاً للبحث وانما البحث في ملاك صحة الحمل الاشتقاقي الذي يفيد انتساب المبدأ الى الذات فهل يكفي فيه مجرد خروج الانتساب من العدم الى الوجود ام لا بد من فعلية انتساب بين المبدأ والذات؟

وقد قوبلت هذه الدعوى في تحرير البحث بوجوه من النقد:

الوجه الاول: ما نقل عن المحقق النائيني قدس سره وملخصه (ان فكرة تحرير البحث على انه بحث فلسفي يرتبط بالحمل ناشئ من فكرة السكاكي في المجاز حيث ادعى ان التجوز دائماً في الاسناد لا في الكلمة وهي مستعملة في معناها الحقيقي والعناية انما هي في التطبيق بتفصيل معروف. وفكرة السكاكي هناك مرفوضة وبذلك تنهار دعامة هذا الافتراض فلا حاجة الى تشريحه. ووجه الرفض لمقالة السكاكي هو ان القضايا حقيقية وخارجية اما القضايا الحقيقية فلا يأتي فيها ما ذكره السكاكي لعدم اشتمالها على التطبيق وانما تتكفل لبيان حكم الموضوع نحو (المستطيع يجب عليه الحج) فمثل ذلك لا يتطرق الى بيان المصداق والتطبيق على الفرد والموضوع فيها نفس الطبيعة فلا يتوهم فيها ان التجوز في التطبيق. واما القضايا الخارجية نحو زيد اسد فهي وان اشتملت على التطبيق الا ان التجوز لو لم يكن في الموضوع ولا في المحمول كان الاسناد نوعاً من المجازفة اذ لا معنى لحمل ماهية على فرد من ماهية مباينة).[5]

والكلام هنا يقع في جهتين: اولاً ابتناء هذه الفكرة على نظرية السكاكي في المجاز او بوجه اعم كما مر في مبحث الحقيقة والمجاز. وثانياً تقييم نظرية السكاكي من زاوية العناية في التطبيق كما ذكره قدس سره.

اما في الجهة الاولى فالصحيح ان هذه الفكرة لا تبتني على تلك النظرية فمن الممكن ان نجعل صيغة البحث هنا وفقاً للمشهور ومع ذلك نتبنى فكرة السكاكي في المجاز – كما نحن عليه – ومن الممكن العكس بان نلتزم في المجاز بالنظرية المشهورة ونجعل عنوان البحث هنا عنواناً فلسفياً كما عليه بعضهم.

اما الاول فلانا نبحث في هذا المقام عن مفاد مدلول المشتق وانه يشمل من انقضى عنه المبدأ ام يختص بالمتلبس به بالفعل وحينئذ فان قلنا بانه لا يشمل من انقضى عنه نلتزم في مورد استعمال اللفظ وارادة من انقضى عنه بانه ليس من قبيل الاستعمال في غير الموضوع له بل العناية والتجوز انما هما في التطبيق.

واما الثاني فلان القائل بان المجاز استعمال للكلمة في غير ما وضعت له يمكنه ان يدعي ان مفهوم المشتق واضح وان الكلام انما هو في حمله على الذات وانه هل يعتبر فيه فعلية التلبس فيكون في غيره اسناداً مجازياً ام لا؟

والحاصل ان دعوى كون المجاز استعمالاً للكلمة في غير ما وضع له مرتبطة بالمجاز في الكلمة والنظرية الاخرى تنكر ذلك عموماً او في الجملة وتدعي ان التجوز في تلك الموارد دائماً في التطبيق والبحث هنا – على تقدير كونه فلسفياً – انما هو في الحمل والاسناد والقول بان الاسناد هنا مجازي لا يمنع من القول بتحقق التجوز في الكلمة في سائر الموارد ومن هنا ذهب بعض اصحاب هذه الفكرة الى القول المشهور في المجاز وذكروا ان الاعلام قد خلطوا بين الحقيقة والمجاز وهما من شؤون اللفظ وبين الصدق وعدم الصدق وهما من شؤون الاسناد .

واما في الجهة الثانية فلا بد من ان نذكر اولاً ان التطبيق قد يكون صريحاً مع العناية وبدونها كقولنا (زيد ضارب) او (زيد اسد) وقد يكون ضمنياً بمعنى ان لا يكون أحد الطرفين مذكوراً في القضية او يكون ذكره لا على وجه التطبيق كقولنا جاءني الضارب ونقصد به زيداً فهذه الجملة تشتمل على تطبيق عنوان الضارب على زيد. وكذلك جاءني زيد الضارب فان الضارب وان كان هنا وصفاً الا ان الاوصاف قبل الحمل اخبار كما ان الاخبار بعد الحمل اوصاف فالتطبيق هنا حاصل ايضاً الا انه بنسبة تقييدية لا تامة يصح السكوت عليها.

وحينئذ فان كان المقصود من عدم اشتمال القضايا الحقيقية على جهة التطبيق عدم اشتمالها على التطبيق الصريح كان حقاً ولكنه لا يفيد في منع نظرية السكاكي وان كان المراد عدم اشتمالها حتى على التطبيق الضمني فهو ممنوع. فقول الشارع – مثلاً – (كل مستطيع يجب عليه الحج) مرجعه الى ان كل من وجد في الخارج وانطبق عليه عنوان المستطيع يجب عليه الحج. وقد اعترف المحقق النائيني قدس سره بان القضايا الحملية مرجعها الى القضايا الشرطية فمرجع القضية السابقة الى هذه القضية (من كان مستطيعاً يجب عليه الحج) والقضية الشرطية قضيتان حمليتان طرأ عليهما النقصان بأداة الشرط.

وقد ورد في المنطق خلاف الشيخ والفارابي في ان الجهة في عقد الوضع في القضايا الممكنة هل هي الامكان او الفعلية ومعنى ذلك ان عقد الوضع يحتوي على جهة الحمل والتطبيق فقولنا كل ج ب بالإمكان مرجعه الى ان كل ج بالإمكان ب بالإمكان كما هو رأي الفارابي او كل ج بالفعل ب بالإمكان كما هو رأي الشيخ.

والحاصل انه لا شك في ان عقد الوضع في القضايا الحقيقية تشتمل على جهة الحمل والتطبيق وان لم يشتمل على تشخيص الموضوع.

هذا مع ان الواقع ان نظرية السكاكي بوجه خاص او بوجه اشمل لا تتوقف على تحقق جهة التطبيق في القضية لا صريحاً ولا ضمناً بل المراد بالتطبيق التطبيق النفسي فان كان المراد الاستعمالي مطابقاً للمراد الجدي كان الاستعمال حقيقياً وان كان غير مطابق له فالاستعمال يتضمن اعطاء حد شيء لشيء آخر فاذا قال (كل اسد يجب اكرامه) مثلاً فالمراد الجدي هو الرجل الشجاع ومعنى ذلك حسب نظرية السكاكي انه قد طبق في نفسه عنوان الاسد على الرجل الشجاع.

واما القضايا الخارجية فقد تبين مما ذكرناه هنا و – بتفصيل أكثر – في مبحث الحقيقة والمجاز ان التطبيق فيها من إعطاء حد شيء لشيء آخر لداع من الدواعي.

الوجه الثاني: ما ذكره المحقق الاصفهاني قدس سره في حاشيته على الكفاية بعد ايراد العبارة المتقدمة. وملخص ما ذكره ان الترديد الوارد في هذه الفكرة في حمل المشتقات غير صحيح حيث قال: لو قلنا ان حملها بنحو هو هو وجب القول بكون المراد بها خصوص المتلبس ولو قلنا انه بنحو ذو هو كفى في صحته مجرد الانتساب. هذا الترديد غير صحيح.

وذلك لانه مبني على توهم ان حمل المشتق على الذات حمل ذو هو مع ان حمله عليها حمل هو هو وحمل ذو هو يختص بمبادئ المشتقات فالمبدأ كالقيام – مثلاً – لا يمكن ان يحمل على الذات الا مع كلمة ذو او مع الاشتقاق واما نفس المشتق فهو متحد مع الذات وجوداً ومحمول عليها بحمل المواطاة واستشهد بكلام المحقق الطوسي (قدس سره).

وهذه المناقشة غير واضحة بعد ملاحظة امرين:

ان من الواضح انه لا يمكن الالتزام بتعدد المحمول في القضية التي يكون محمولها بصورة المشتق فيقال (ان في زيد اسود محمولان في الحقيقة: العنوان الاشتقاقي والمبدأ وان الحمل بالنسبة الى الاول حمل مواطاة وبالنسبة الى الثاني حمل اشتقاق) بل لا بد من تميز المحمول حقيقة ومن دون تجوز في الاسناد في مثل هذه القضايا وانه اما ان يكون المحمول العنوان الاشتقاقي ويكون المبدأ خارجا عنه او ان المحمول في الواقع هو المبدأ والاشتقاق مصحح للحمل فحسب.

وهذا اساس الترديد في الكلام المنقول عن المحقق الطهراني ولذلك جعل محور البحث ــ في عبارته المنقولة ــ الحمل في المشتقات لا حمل المشتقات حتى يورد عليه بأن فرض كون المحمول هو المشتق لا يتصور فيه الا الحمل المواطاة.

الثاني انه قد اختلفت الانظار في الفرق بين المشتق ومبدئه ويمكن ان نفرق بينهما باحد وجهين:

احدهما الالتزام بان الفرق بينهما هو الفرق بين الامر الانتزاعي ومصحح انتزاعه ومن المعلوم ان الامر الانتزاعي يتبع منشأ انتزاعه في الوجود بمعنى انه يوجد بوجوده وليس له وجود مستقل عنه والا لما صح حمله عليه مواطاة بعد وضوح ان مرجع هذا الحمل الى الهوهوية وأن اتحاد المتحصلين غير معقول كما ان الامر الانتزاعي يتبع مصححه في الماهية اي تتعدد ماهيته بتعدده.

وعلى هذه النظرية يكون المبدأ الذي هو مصحح الانتزاع غير محمول في الحقيقة بل المحمول هو نفس العنوان الانتزاعي أعنى المشتق ولكن حيث ان المشتق يتبع منشأ انتزاعه ماهية فمع زوال المبدأ لا معنى للحمل لتقوم ماهية المحمول به المنتفية بانتفائه وهذا ما اشار اليه هذا القائل في الشق الاول في كلامه.

وثانيهما ان الفرق بينهما باللحاظ وان الحدث ان لوحظ بشرط لا يعبر عنه بالمبدأ وان لوحظ لا بشرط يعبر عنه بالمشتق. وعلى هذا الاحتمال الذي قواه جماعة من الفلاسفة والاصوليين يكون المحمول في الحقيقة هو نفس الحدث.

وحينئذ فان فسرنا الفرق المشار اليه بان الحدث إذا لوحظ بدون النسبة الناقصة يعبر عنه بالمبدأ وان لوحظ معها يعبر عنه بالمشتق وان المشتق يدل على هذا النوع من النسبة فيصح ما ذكره هذا القائل من ان الحمل في المشتقات حمل ذي هو وحمل انتساب ويتفرع عليه ما ذكره بقوله ويكفي في النسبة مجرد الخروج من العدم الى الوجود.

إذا ظهر هذان الامران فيصح الترديد في نوع الحمل في المشتقات وليس فيه خلط بين القسمين من الحمل ولا يتوهم ان مع فرض كون المحمول المشتق يحتمل ان يكون حمله حمل اشتقاق كما يظهر من المعترض.

واما اختيار المحقق الطوسي ان المحمول هو المشتق وان الحمل حمل مواطاة فلا يعبر الا عن وجهة نظره الخاص في مرحلة تشخيص الحمل في المشتقات ولا يمكن ان نعتبر ما ذكره بيانا للاصطلاح المرسوم على سبيل الكبرى الكلية هذا مضافاً الى ان في عبارته نوع من الابهام.

الوجه الثالث: ان من الواضح ان كلامه المتقدم ولو بالتقريب الذي تقدم آنفا لا يتكفل لما ادعاه من انه لا يتعين ان يجعل ما هو محل الكلام التفتيش عن المعنى الافرادي للمشتق وانه هل يساوق مع فعلية التلبس بالمبدأ ام لا وانه لا بد من ان نبحث عن نوع الحمل فيه على المصاديق بعد وضوح مفاده.

وذلك لان الترديد المذكور في كلامه يبتني على البحث عن حقيقة مفهوم المشتق ويتفرع عليه انكشاف ضيقه و توسعته كما يتفرع عليه تشخيص نوع الحمل فيه فيتعين ان نبحث وفق المنهج المشهور ونميز المعنى الافرادي وعلى هذا الاساس تتضح حسبما ادعاه سعة مفهوم المشتق وضيقه كما ان في المرتبة المتأخرة ينكشف نوع الحمل ولا يصح طرح البحث معكوساً. وهو واضح.

والحاصل ان طرحه للبحث متفرع على البحث عن المفهوم الافرادي للمشتق لا انه مبحث يعارضه او يغني عنه.

الوجه الرابع: انه مع الاغماض عما ذكرناه آنفاً يمكن الالتزام بان الحمل حمل مواطاة وان المشتق عنوان انتزاعي ومع ذلك نلتزم بالاعم فانه يتصور دخالة مصحح الانتزاع على نحوين:

الأول ان يكون على نحو يدور الامر الانتزاعي مداره حدوثاً وبقاءا والثاني ان يكون حدوثه موجبا لتحقق عنوان انتزاعي الى الابد.

كما يتصور كل من النحوين في مرحلة موضوع الحكم كما سيأتي توضيحه في الشبهة الثانية الموجبة لتوهم وضع المشتق للأعم.

وكذلك يمكن الالتزام بان الحمل حمل اشتقاق وانه ليس المحمول واقعاً في موارد حمل المشتقات الا الحدث الملحوظ على نحو خاص ومع ذلك لا نختار القول بالخصوص بان ننكر ان الفرق بين المبدأ والمشتق من جهة لحاظ الانتساب في الثاني دون الاول بل الفرق بينهما باللاشرطية وبشرط لائية. ولذا قال جمع من المحققين مع اختيار هذا القول بان الغفلة عن ذلك اوجب القول بالاعم كما سياتي البحث عنه في الشبهة الرابعة الموجبة للقول بالأعم على ما ادعوه.

فتحصل ان الصحيح هو اجراء البحث على النحو المشهور في المفهوم الافرادي للمشتق. ولكي نتخلص من المناقشات في كلمة الحال حيث انها مشتركة بين معان وموجبة لتعقد عنوان البحث نبدلها بكلمة (الفعلية) ولا نريد بها ما يقابل القوة بل في قبال من زال عنه المبدأ وهو المراد لمن عبرّ بالحال ايضاً.

 

 

الجهة الثالثة من تحرير محل البحث:

إنّ مورد النقاش والبحث هو أنّ المشتق هل هو موضوع لخصوص المتلبس او الاعم منه وممن انقضى عنه المبدأ؟ وهذا يقتضي ان نفرض الذات قابلة للبقاء بعد زوال المبدأ حتى يقع الكلام في أنّ مفهوم المشتق هل ينطبق على الذات بعد فقدانها الفعلية المبدأ ام لا؟

وعلى هذا الاساس ناقش بعضهم في اسماء الزمان وادعى خروجها عن محل البحث لأنها تدل على ظرف الزمان الذي تحقق فيه الفعل والزمان ليس امراً قارّ الذات بل هو وجود منصرم لا يتحقق شيء منه الا بزوال جزء آخر فليس له بقاء.

وقد اجيب عن هذه المناقشة بوجوه اهمها وجهان:

الوجه الاول: ان هذه المناقشة تبتني على اساس غير صحيح وهو ان اسم الزمان والمكان موضوع بوضعين اي بنحو الاشتراك اللفظي وعليه فتكون الصيغة الخاصة بلحاظ وضعها للدلالة على ظرف الزمان مورداً للمناقشة المذكورة. والصحيح ان هذه الهيئة موضوعة بنحو الاشتراك المعنوي للدلالة على وعاء تحقق العمل سواء كان زماناً ام مكاناً. فكما أن ظرف الزمان له افراد متعددة كذلك الظرف بالمعنى الجامع له فردان: الزمان والمكان. وهذا المعنى ولو بلحاظ بعض افراده مورد للبحث فيما نحن فيه وهو الظرف المكاني.

ويمكن ان يعترض على هذا الوجه بأمرين:

الامر الاول: ان تقسيم الظرف الى زمان ومكان في الادب والفلسفة لا يخلو من مسامحة فالمكان هو الظرف والوعاء الحقيقي للفعل واما الزمان فليس الا امراً مقارناً للفعل وإطلاق الظرف عليه مسامحة اذ ليس امراً يشتمل على الفعل. اذن فكون الظرف امراً جامعاً بين الزمان والمكان غير صحيح.

ويمكن التخلص عن هذا الاعتراض بما ذكرنا تفصيله في مبحث الاستصحاب من ان الزمان حسب التصور العرفي لا يلاحظ الا من زاوية التغير الطارئ على المكان فاذا أظلم المكان قيل ان الزمان ليل وإذا اضاء قيل انه نهار ولذلك يصح القول بان هذا الزمان ليل مع انه ليل حسب افق المتكلم ومنطقته ونهار في آفاق أخر. وحيث ان الالفاظ موضوعة حسب الانطباع العام والعرف فلا بد من الاذعان بان الزمان ايضاً موضوع لما يعدّ وعاءاً لديهم فعنوان الظرفية متحقق فيه كالمكان. اذن فلا وجه لمنع الاشتراك المعنوي من جهة عدم وجود الجامع اذ الجامع بلحاظ الانطباع العمومي موجود وهو اساس الوضع اللغوي والجامع الحقيقي لا حاجة اليه في وضع الالفاظ.

الامر الثاني: ان وعاء الزمان والمكان يتغايران تغايراً جوهرياً فقد عدّ كل منهما مقولة مستقلة في الفلسفة والمقولات امور بسيطة ليس فيما بينهما جامع الا بنحو الانتزاع. واللفظ الموضوع لهيئة الظرف لا يستعمل في الجامع الانتزاعي فاذا قيل (مقتل الحسين عليه السلام) وقصد به يوم عاشوراء كان اللفظ مستعملاً في معنىً مغاير للمعنى المقصود عند ارادة مكان القتل اي كربلاء. ولا يستعمل ابداً في الجامع بينهما. وهذا نظير ما يقال من عدم استعمال الامر في الجامع بين الوجوب والندب رداً على من ادعى وضعه للجامع بينهما.

وهذا الاعتراض بهذا التقريب غير صحيح اذ لا مانع من استعمال الهيئة في الجامع بين الامرين وما قيل من عدم استعمال الامر في الجامع بين الوجوب والندب ممنوع لصحة قولنا (اغتسل للجمعة والجنابة) اذن فلا مانع من استعمال كلمة (مقتل) مثلاً في وعاء القتل بمعنىً عام. واما تفهيم كل من المعنيين بنحو خاص فيتم في إطار تعدد الدال والمدلول وذلك لضم القرينة الخاصة. وهذا امر لا مناص منه حتى على القول بالاشتراك اللفظي اذ لابد حينئذ من القرينة المعينة.

وهذا لا يقتضي كون الدلالة ناشئة من حاق اللفظ كما يتوهم اذ القرينة المعينة لا تقتضي كون اللفظ المشترك مستعملاً في أحد المعنيين بل الكلمة تدل على أصل الوعاء وتعين الخصوصية الزمانية والمكانية يتم بضم القرينة فيتعدد الدال ويتعدد المدلول.

الوجه الثاني: ان الزمان وان كان أمراً غير قار الذات الا انه يمكن فرض بقائه.

وتوضيح ذلك ان الزمان وكل قطعة منه كاليوم والشهر والسنة يمكن ان تلاحظ بنحوين:

أ - ما يعبر عنه بالحركة التوسطية وهو ان يلاحظ الزمان بنحو الكلي ويطلق عليه الآن السيّال ونسبته الى الآنات المتتالية من الزمان نسبة الكلي الى الفرد فهو موجود في ضمن الآنات المتصلة اتصالاً وجودياً ويبقى ببقائها نظير بقاء الكلي في القسم الثاني من القسم الثالث في اقسام استصحاب الكلي. ويدل على كون الآن كلياً عدم قبوله للتقسيم فهو ليس من الكميات ويشبه النقطة التي لا تقبل التقسيم من الجهات الثلاث.

ب - ما يعبر عنه بالحركة القطعية وهو ان يلاحظ قطعة من الزمان بنحو الكل كاليوم والشهر والسنة ونحوها فاليوم مثلاً اسم للساعات الاربع والعشرين المتصلة وهو قابل للتقسيم اليها ونسبته الى كل منها نسبة الكل الى الجزء.  

هذا وقد وقع الكلام في النحو الثاني فقيل انه امر خيالي لا واقعية له نظير ما يتراءى من قطرات المطر انها خطوط مستقيمة ونظير الدائرة التي تتخيل عند مشاهدة النقطة الجوّالة. فالزمان واقعاً ليس الا الآن السيَّال الا ان استمرار الآنات المتتالية يوجب تصور وجود امتدادي نعبر عنه بالكل.

ويدل على عدم وجوده ان الكل لا يوجد بوجود جزئه بخلاف الكلي الذي يتحقق بتحقق فرده. والسرّ في ذلك ان الفرد المتحقق خارجاً كزيد له حدود كالحيوان والجسم والانسان وغيرها ويتحقق بتمام حدوده فيستوجب تحقق هذه الكليات. واما الجزء فلا يمثل حدّ الكلّ وبتحققه لا يتحقق الا جزء من الكل ولذا قيل ان الجزئية تنافي الحمل.

ولكن الصحيح ان الجزء انما لا يوجب تحقق الكل إذا لوحظ بحدّه واما إذا لوحظ لا بشرط الجزئية بل بلحاظ الوحدة التي تحقق جزئيته للكل فهو بهذا اللحاظ عين الكل.

فتحصل ان قطع الزمان قد يلاحظ بنحو الكلية وقد يلاحظ بنحو الكل فالأول كقولنا يوم كذا وشهر كذا فالشهر بهذا اللحاظ ليس مركباً من ايام وليس له مفهوم امتدادي. نعم له وجود امتدادي بمعنى انه يتحقق في ضمن الافراد المستمرة المتتالية من الآنات. والثاني كقولنا هذا يوم من شهر فلان وهذا الكل ماهية امتدادية تتحقق بتحقق اول جزء وتستمر في الوجود الى الجزء الاخير كغيره من الامور المتدرجة الوجود كالصلاة والخطبة ونحوهما. فالكل في هذه الامور يوجد باجتماع الاجزاء اجتماعاً امتدادياً.

ومن هذا البيان تبين ان فرض البقاء ممكن في كلا اللحاظين الا انه في أحدهما بقاء للكلي باستمرار وجود الافراد فالامتداد في الوجود فقط وفي الآخر بقاء للكل باستمرار الاجزاء فالامتداد في نفس الماهية.

يبقى الكلام في ان افتراض بقاء الذات بعد فقدان المبدأ يبتني على أي من اللحاظين؟

احتمل كلا منهما بعضهم ويمكن تقريب الاول كالآتي:

يمكن افتراض بقاء الذات بعد فقدان فعلية التلبس بالمبدأ مع لحاظ الزمان بالنحو الكلي وذلك لان كلي اليوم مثلاً يتحقق بتحقق الفرد منه ويبقى ببقاء الآنات المتصلة اتصالاً وجودياً وان كانت متغايرة في الماهية فاذا فرض وقوع الفعل في آن من آنات اليوم كان ذلك الآن آن تلبس كلي اليوم بوقوع الفعل فيه وفي الآنات التالية يصدق بقاء الكلي مع زوال التلبس.

وربما يناقش في ذلك بانه يقتضي بقاء الاتصاف بالفعل الى آخر الدهر لانّ الآنات المتتالية لا تنقطع بانتهاء اليوم.

والجواب عنه انه انما يتمّ إذا لم يتصور الآن السيّال في قطع الزمان التي تحصل بملاحظة تقطيع العرف للزمان الى قطع متغايرة بنظره حسب المصالح والحاجات وحيث ان هذا التقطيع صحيح عرفاً وفي كل قطعة منها يتصور الآن السيال فلا مانع من إطلاق اسم الزمان بهذا اللحاظ على القطعة الخاصة كاليوم.

الا ان هذا التقريب يمكن منعه من جهة أنّ الزمان الذي يوصف باسم الزمان هو وعاء الفعل لا مجرد ما يقارن الفعل والآن لا يمكن ان يكون وعاءاً للفعل لانه غير قابل للتقسيم ولا يمكن ان يكون الوعاء أصغر من المظروف.

واما الاحتمال الثاني اي افتراض بقاء الذات بعد فقدان فعلية التلبس مع فرض الزمان كلاً فتقريبه ان الكل هنا كاليوم مثلاً له وجود امتدادي فيوجد بوجود الاجزاء المجتمعة بالتدريج فاذا اتصف احدى ساعاته بالفعل كانت تلك الساعة ساعة التلبس فاطلاق المشتق (اسم الزمان) على الساعات المتأخرة إطلاق على ما انقضى عنه المبدأ بلحاظ بقاء الكل.

وهذا الاحتمال لا يمكن قبوله لان الاتصاف لكل مجموعة من الزمان المحتوي على زمان الفعل اتصاف حقيقي بلحاظ صحة اعتباره وعاءاً له اذ لا مانع من كون الوعاء اوسع من المظروف فكما يصح ان يقال ان ساعة كذا مقتل الحسين عليه السلام كذلك يصح اطلاقه على يوم عاشوراء وعلى شهر محرم وعلى سنة كذا وعلى القرن الاول للهجرة. وكذلك المكان فيصح ان يقال ان الحائر الشريف مقتل الحسين (ع) كما يصح اطلاقه على كربلاء وعلى العراق.

والحاصل ان زمان الفعل الذي هو الموصوف باسم الزمان هو ما يقال في جواب متى وهو ممكن في الصور المذكورة واما الساعة المحددة فهي المقولة في جواب (كم) حيث يتحدد به كمية الوقت وتعيينه.

فكل قطعة من الزمان يمكن ان يلاحظ كما ويمكن ان يلاحظ ظرفاً فالأول كقولك زر الحسين عليه السلام ساعة يوم الجمعة فالساعة هنا ملحوظة كمّا ويجب حينئذٍ تساوي وقت العمل للوقت المحدد. والثاني كقولك زر الحسين عليه السلام يوم الجمعة فاليوم لوحظ ظرفاً ولا يجب حينئذٍ التساوي بل يكفي وقوع الفعل في وقت من اوقات يوم الجمعة. وعليه فلا يمكن تصور الانقضاء في الزمان.

فالصحيح في مقام الجواب عن أصل المناقشة هو الوجه الاول.

 

 

المقام الثاني:

 

في بيان الامور التي استوجبت الغفلة عنها توهم الوضع للأعم او ادّعي انها كذلك وهي عدة امور:

الامر الاول: سعة دائرة التلبس وذلك في موضعين.

الموضع الاول: سعة دائرة التلبس من جهة مفاد الهيئة وذلك حيث يتوهم ان النسبة المدلولة لهيئة الكلمة تتكفل نحواً ضيقاً من التلبس بينما الواقع خلاف ذلك ونذكر لهذا القسم موردين:

المورد الاول: اسم الآلة كالمفتاح –  مثلاً –  فربما يتوهم ان النسبة فيه فعليه كاسم الفاعل وحيث يلاحظ صحة اطلاقه بنحو الحقيقة على آلة الفتح في غير حالة الفتح يتوهم ان الوضع في المشتق اعم من حالة التلبس. والواقع ان النسبة فيه اعدادية فالهيئة تدل على الشيء الذي اُعدّ وهُيّء للفتح وهذه الصفة لا تنقضي عن الآلة في غير حالة الفتح. ولذا لا يشك في صدق المفتاح حقيقة حتى لو لم يفتح به قفل اصلاً مع ان الفعلية غير متحققة حتى يصدق الانقضاء.

المورد الثاني: اسم الزمان. وقد مر الكلام فيه. فتوهم انه يدل على الزمان المقترن بالفعل يوجب توهم انقضاء المبدأ عن الجزء الزمني التالي لظرف الاقتران مع صدق المشتق حقيقة فيقال لمجموع يوم عاشوراء مثلاً مقتل الحسين عليه السلام. والصحيح هو ما ذكرناه ان المدلول هو وعاء الحدث وهو يمكن ان يلاحظ بوجه اوسع من الفعل كالمكان.

الموضع الثاني: سعة دائرة التلبس من جهة المبدأ. فمبدأ المشتق قد يكون بالنظر الدقيق والنظر السطحي امراً واحداً كالقيام وقد يكون مختلفاً فمبدأ جلي ومبدأ خفي والخلط بينهما يوجب توهم ضيق دائرة التلبس وهذا ما نلتزم به في موارد:

المورد الاول: المبدأ الذي لوحظ فيه جهة الملكة كالاجتهاد بناءاً على كون المراد به ملكته لا فعليته. فان لوحظ المبدأ الجلي وهو فعلية الاجتهاد والاستنباط كان التلبس به منقضياً حال النوم ونحوه واما لو لوحظ المبدأ الواقعي الخفي كان التلبس به باقياً لانه عبارة عن الملكة وهي قائمة بالشخص وان كان مشغولاً بأمر آخر او نائماً.

المورد الثاني: المبدأ الذي لوحظ فيه حيثية الحرفة والمهنة كعنوان الطبيب والنجار والبزاز ونحو ذلك او لوحظ فيه المنصب والمقام الرسمي كالقاضي فملاحظة المبدأ الجلي اي ما يتراءى من هيئة المشتق بحسب النظر البدوي تقتضي الحكم بانقضاء التلبس به عند عدم مباشرة الطبابة والقضاوة ونحوهما واما مع ملاحظة المبدأ الخفي والواقعي فالتلبس باق ببقاء المهنة او المنصب.

المورد الثالث: المبدأ الذي لوحظ فيه حيثية الشأنية كالقاطع الذي يجعل وصفاً للسيف مثلاً فلا يلاحظ فيه فعلية القطع والا حكم بانقضاء المبدأ مع عدم فعليته.

وبما ذكرناه تنحل شبهة في اسم المفعول حيث ادعى صاحب الفصول وتبعه المحقق النائيني قدس سرهما انه خارج عن محل البحث نظراً الى عدم امكان انقضاء المبدأ لان المفعول ما وقع عليه الفعل والشيء لا ينقلب عما هو عليه.

والجواب الذي تبين من البيان السابق هو ان اسم المفعول كاسم الفاعل يختلف باختلاف المبدأ فقد يكون المبدأ الواقعي قد لوحظ فيه الاستمرارية والبقاء كالمملوء والمعلوم فاذا فرغ الاناء وزال العلم كان المبدأ منقضياً والتلبس مفقوداً وقد لا يكون المبدأ كذلك بمعنى انه امر يتحقق في زمان قصير ويزول فلا يلاحظ فيه الاستمرارية ويكون التلبس باقيا بهذا اللحاظ كالمضروب والمقتول. هذا مع ان البرهان المذكور منقوض بان اسم الفاعل ايضاً يدل على من صدر عنه الفعل او قام به وهو ايضاً لا ينقلب عما هو عليه.

فتحصل ان الغفلة عن المبدأ الحقيقي قد يوجب توهم الانقضاء مع بقاء التلبس واقعاً وقد يوجب توهم الخروج عن محل البحث.

ملاحظة:

هناك بعض المبادئ الاعتبارية لوحظ فيها الاستمرار وبهذا اللحاظ يحكم ببقاء التلبس كالمبيع والمطلقة فليس المراد حال انشاء البيع والطلاق بل المراد ما انتقل ملكيته ومن تحققت بينونتها وهذان العنوانان باقيان ببقاء مبدأهما.

الامر الثاني: كون الموضوع بحيث يكفي مجرد حدوثه في بقاء الحكم. فقد تؤدي الغفلة عن ذلك الى دعوى ان المشتق حقيقة في الاعم بتوهم ان الموضوع دائماً يدور مداره الحكم حدوثاً وبقاءاً وحيث ان الحكم في بعض الموارد ثابت قطعاً بعد زوال المبدأ فلا بد من صدق المشتق (وهو الموضوع) حقيقة بعد انقضاء التلبس.

ومثال ذلك أكثر موارد الحدود كالسارق والزاني اذ لا شك ان زمان اجراء الحد هو زمان انقضاء المبدأ اي السرقة والزنا وحيث ان موضوع الحكم بإجراء الحد لا بد ان يكون هو السارق والزاني حقيقة فلا بد من القول بصدق المشتق حقيقة بعد الانقضاء.

ويندفع هذا التوهم بملاحظة ان الموضوع هنا مما يكفي مجرد حدوثه في حدوث الحكم وبقائه. ومنشأ التوهم ان مقتضى القاعدة هو اعتبار الموضوع حدوثاً وبقاءاً في ترتب الحكم ولذا لا يجوز تقليد من انقضى عنه الاجتهاد او العدالة كما لا يجوز الإئتمام بمن انقضت عنه العدالة وهكذا سائر الموارد.

الا ان بعض المناسبات تقضي في بعض الموارد بالتزام كفاية تحقق الموضوع في بقاء الحكم وما نحن فيه من هذا القبيل والمناسبة التي تدعو الى الالتزام بذلك هنا هو ان الموضوع غير قابل للبقاء – غالباً – الى مدة يمكن فيها اجراء الحكم كما هو واضح وعليه فلا بد من الالتزام بكفاية حدوثه في بقاء الحكم. ويلاحظ ان ذلك امر لا تختلف فيه القوانين الجزائية الشرعية والعرفية.

ومما يشهد لذلك وانه ليس من جهة صدق المشتق على من انقضى عنه التلبس هو ان هذا الامر مما لا بد من الالتزام به حتى لو لم يكن الموضوع من قبيل المشتق كما لو كان نص الحكم هكذا: (السرقة حكمها قطع اليد).

هذا وقد اجاب المحقق النائيني قده عن الشبهة بان السر في بقاء الحكم هو انه مجعول بنحو القضية الحقيقية ومفادها ان الموضوع إذا تحقق يجب الحدّ والحكم لا ينتفي الا بالعصيان او الامتثال والمفروض في المقام محاولة امتثال الحكم دون عصيانه والامتثال غير ممكن هنا الا بعد انقضاء التلبس.

ومن المعلوم ان كون القضية حقيقية لا تقتضي ذلك فلو قال: كل ضيف يجب اكرامه. ولم يكرم الضيف حال كونه ضيفاً فمن الواضح عدم وجوب اكرامه بعد انقضاء صفة الضيافة وليس هذا من امتثال الحكم.

وقال بعضهم ان استعمال المشتق في الاعم غير معقول في القضايا الحقيقية. وهذا يبتني على الجمع بين ما نقلناه عن المحقق النائيني سابقاً من ان القضايا الحقيقية لا تشتمل على التطبيق وبين مسلك السكاكي بوجه عام. وقد مرت الاشارة الى ذلك في ضمن البحث عن مسلكه في الحقيقة والمجاز.

ملاحظة:

ورد في عدة من الروايات وكلمات الاصحاب الاستدلال بقوله تعالى (ولا ينال عهدي الظالمين) على اعتبار العصمة في الامامة فتنتفي عمن ظلم وعصى في مدة حياته ولو مرة واحدة وقد توهم ان ذلك يبتني على القول بكون المشتق حقيقة في الاعم. ولا بد من توضيح طريقة الاستدلال فنقول:

قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) البقرة: 124.

والظاهر ان المراد بالكلمات الاوامر والنواهي وان المراد بالإتمام نجاحه عليه السلام في الامتحان والظاهر ايضاً ان حصوله على مرتبة الامامة بعد بعثه عليه السلام بالنبوة بدليل سبق الابتلاء وهو متوقف على الاتصال الخاص. وبدليل قوله ومن ذريتي وقد رزق الذرية في اخريات عمره الشريف. والظاهر ان المراد بالعهد هو الامامة كما يدل عليه السياق. وكيفية الاستدلال بالآية على اعتبار العصمة –  حسبما يستفاد من الروايات –  بوجهين:

الوجه الاول: ان مناسبة الحكم والموضوع تقضي بان يكون موضوع عدم نيل العهد هو من حدث عنه الظلم فحدوثه موضوع لعدم النيل حدوثاً وبقاءاً. وتستفاد هذه المناسبة اما من عظمة مقام الامامة وخطر مسؤوليته كما يدل عليه تأخره عن النبوة وطلب ابراهيم عليه السلام اياه لبعض ذريته دون الجميع ولا شك انه لا يطلبه للظالم حدوثاً وبقاءاً فالاستثناء المستفاد من الجواب لا بد وان يختص بالظالم حدوثاً. واما من ان المراد من الظلم هو المعصية مطلقاً وهي غالباً ليست امراً مستمراً وقد مر ان مثل ذلك يكشف عن ان الموضوع مما يكفي حدوثه في بقاء الحكم. وعلى هذا الوجه لا يتوقف الاستدلال على كون المشتق حقيقة في الاعم كما توهمه الفخر الرازي. بل يبتني على كون الموضوع مما يكفي حدوثه في بقاء الحكم. ويناسب ذلك ان المعتبر في القوانين العرفية الحديثة – ايضاً – هو ملاحظة سوابق الاعمال في الوظائف الرسمية خصوصاً في المناصب العليا فلا يوكل ذلك – رسمياً – الى من تكون له سوابق سيئة.

الوجه الثاني: ان المستفاد من الآية هو عدم صلاحية العاصي للإمامة. والمعصية قد تكون خفية لا يعلمها الاعلام الغيوب وعليه فلا يعلم صلاحية الامامة الا الله تعالى فلا بد من ان تكون منصباً متوقفاً على النص.

وقد اذعن بهذا الوجه الفخر الرازي كما ذكره المحقق النائيني قدس سره قال الفخر: (فان قيل: ظاهر الآية يقتضي انتفاء كونهم ظالمين ظاهراً وباطناً ولا يصح ذلك في الائمة والقضاة. قلنا : اما الشيعة فيستدلون بهذه الآية على صحة قولهم في وجوب العصمة ظاهراً وباطناً واما نحن فنقول : مقتضى الآية ذلك الا انا تركنا اعتبار الباطن فتبقى العدالة الظاهرة معتبرة)([6]).

وعلى هذا الوجه فالاستدلال لا يرتبط بما نحن فيه كما هو واضح.

الامر الثالث: كون المشتق الموضوع في قضية الحكم مأخوذاً على وجه المعرفية لا الموضوعية.

بيان ذلك: ان الموضوع في القضية قد يكون مأخوذاً على وجه الموضوعية كقولنا صل خلف العادل. وقد يكون مأخوذاً على وجه المعرفية كقولنا صل خلف هذا القائم مشيراً به الى رجل عادل فالقيام هنا ليس دخيلاً في صلاحيته للإمامة الا انه جعل معرفاً و مميزاً للرجل الخاص. وكما يمكن ذلك في القضية الخارجية كالمثال السابق يمكن ايضاً في القضية الحقيقي.  

فلا وجه لما ذكره بعضهم من الاختصاص بالقضايا الخارجية مثال ذلك قولنا: كل حيوان محرم الاكل لا تجوز الصلاة في اجزائه فقد ذكر المحقق النائيني ان المحرم هنا معرف للأنواع الخاصة من الحيوان ولا دخل له في الحكم ومن هنا لا يسري الحكم عند حلية اللحم لعنوان خارج كالضرورة.

والغفلة عن ذلك ربما توهم كون المشتق حقيقة في الاعم وان عنوان المحرم يصدق على الحيوان المضطر اليه بلحاظ تلبسه سابقاً. ومن الواضح ان السرّ في بقاء الحكم بعدم جواز الصلاة في اجزاء هذا الحيوان هو كون الموضوع معرفاً للنوع الخاص كالسبع لا استعمال المشتق في الاعم.

الامر الرابع: – وهذا مما ادعي كونه من هذا القبيل – كون المشتق بسيطاً. فقد ادعى المحقق النائيني أن القول بالوضع للأعم يبتني على توهم كون المشتق مركباً من ذات وثبوت المبدأ له.

توضيح ذلك: ان الحق – عند المحقق النائيني – ان المشتق بسيط بمعنى انه لا فرق بين المبدأ والمشتق سوى ان الاول ملحوظ بشرط لا فلا يصح حمله على الذات والثاني ملحوظ لا بشرط فيصح حمله. فالحدث إذا لوحظ لا بشرط يعبر عنه بالمشتق وإذا لوحظ بشرط لا يعبر عنه بالمصدر واسم المصدر والا فهو حقيقة واحدة. وعلى هذا الاساس لا يبقى مجال لتوهم الوضع للأعم.

بل الاختصاص بالمتلبس هنا اوضح من اختصاصه به في الجوامد اذ لا يصدق الحجر والشجر على المادة بعد فقدان الصورة النوعية الا انه بسبب ارتفاع الصورة النوعية واما المادة فهي باقية واما المشتق فليس في حقيقته الا نفس المبدأ ومع زواله لا يبقى أي شيء موجب لتوهم صدقه.

وهذه الفكرة تثير في المقام سؤالاً هاماً: هل المشتق بسيط ام مركب؟ وللجواب عنه نقدم توضيحاً حول المراد بالمركب:

المركب قد يطلق في قبال المفرد والمراد به المركب اللفظي وهو – حسب اصطلاح المنطق – عبارة عن اللفظ الذي يدل جزء منه على جزء من المعنى بنحو تعدد الدال و المدلول. فهل يمكن ان يقصد بالتركيب في المشتق هذا المعنى ام لا؟

الالتزام بذلك يتوقف على القول بان وضع المواد شخصي و وضع الهيئات نوعي حتى يتعدد الدال في المشتق فيدعى تعدد المدلول واما بناءاً على انكار ذلك وانه من قبيل التحليلات بعد الوقوع وان مجتمع الوضع اللغوي لم يفصل بين الهيئة والمادة فلا مجال لذلك. اذن فعلى المبنى المشهور من تعدد الوضع في المشتق يمكن القول بتعدد المدلول وان كان المشتق قد لا يكون له حروف زائدة كما في الصفة المشبهة نحو حسن الا انه يكفي في التعدد الهيئة الخاصة ودعوى ان الهيئة ليست لفظاً مدفوعة بان المراد بجزء اللفظ يشمل الجزء الصوري والمادي.

وقد يطلق المركب ويراد به المركب المعنوي وهو على نحوين:

1. المركب اللحاظي بان يكون اللفظ في مرحلة الاخطار موجباً لتصور مفهومين متغايرين لحاظاً وقد نسب المحقق الخراساني هذا المعنى من التركيب الى كل من ادعاه في المشتق.

2. المركب التحليلي بان يكون اللفظ موجباً لإخطار معنىً واحد الا انه في مرحلة التحليل ينحل الى معنيين. وهذا هو الذي ينبغي ان يراد في المقام بان يدعى ان مفهوم العالم ينحل الى ذات وثبوت العلم له. فهنا ثلاثة مفاهيم. العلم. العالم. من قام به العلم. ولا شك ان العالم ومن قام به العلم شيء واحد واقعاً وان الكثرة انما حصلت في مرحلة الادراك والتصور على ما فصلناه سابقاً من ان التكثر الادراكي قد يكون ناشئاً من كثرة المدرَك وقد يكون ناشئاً من اختلاف الادراك والتصور حيث ان الذهن له قابلية تنويع المدرك. والكلام في ان العلم والعالم هل هما ايضاً من هذا القبيل فحقيقتهما شيء واحد والتكثر اتى من الادراك وهذا هو اساس دعوى البساطة ام انهما حقيقتان مختلفتان وهذا هو اساس دعوى التركيب؟

وحيث ان النظر البدوي لا يساعد دعوى البساطة على هذا الاساس فلا بد من توضيح نظرية المحقق النائيني ضمن نقاط:

النقطة الاولى: لكل من (لا بشرط) و (بشرط لا) معنيان:

المعنيان الاولان: الاطلاق والتقييد وذلك حيث يستعملان في مجال اعتبارات الماهية فمع لحاظ مفهوم بالقياس الى مفهوم آخر قد يعتبر دخيلاً فيه وجوداً او عدماً وقد لا يعتبر دخيلاً لا وجوداً ولا عدماً فاذا اعتبر وجوده دخيلاً كان بشرط شيء وإذا اعتبر عدمه دخيلاً كان بشرط لا وإذا لم يعتبر دخيلاً بوجه كان لا بشرط. وهذا عمل ابداعي نفسي والاطلاق وان كان في نفسه تركاً لعمل الا انه في مجال العناية بالعمل يعتبر الترك عملاً سلبياً.

المعنيان الثانيان: كيفيتان من التصور والادراك للشيء الواحد يقضي احداهما بصحة الحمل والاخرى بعدمها. ومورد ذلك ان الشيء الذي يكون من شؤون الشيء الآخر واطواره قد يلاحظ بوجه مستقل عنه بان ينظر اليه بذاته وحدوده الخاصة فيكون بشرط لا وقد يلاحظ بما انه من شؤونه واطواره كالجزء حيث انه إذا لوحظ بحدوده الخاصة يغاير الكل ولا يجوز حمله عليه وإذا لوحظ بما انه جزء من الكل كان هو الكل بنفسه اذ ليس الكل الا الاجزاء مجتمعة. وهذا النوع من اللابشرطية يسمى اللابشرطية في الحمل وقد ورد البحث عنه في مبحث اعتبارات الماهية في منظومة السبزواري استطراداً ولعل ذلك اوجب التوهم لدى البعض انه ايضاً من اعتبارات الماهية مع انه ليس امراً اعتبارياً بل هو انطباع خاص للشيء.

النقطة الثانية: الحمل هل هو إدراك للهوهوية بين المفهومين ذاتا او وجوداً وانعكاس لهذا الامر الواقع ام انه عمل ابداعي نفسي؟ 

الصحيح هو الثاني فاذا تصورنا المفهومين ولاحظنا اتحادهما ذاتاً او وجوداً وقلنا انه هو فقد تحقق الحمل ونفس هذه الواقعية إذا ابرزناها بلفظ آخر لم يتحقق الحمل كما لو قلنا ان الانسان متحد وجوداً مع الحيوان فهذا ليس حملاً.

ومن هنا يتبين دور اللحاظ في تحقيق الحمل فاذا لوحظ المفهوم بشرط لا لم يتحقق الحمل بل لا بد من لحاظه لا بشرط. وقد ذكرنا في حقيقة المعنى الحرفي انه لا فرق بينه وبين المعنى الاسمي الا باللحاظ حيث انه يلاحظ بنحو اللف ولذا لا يصح حمله على الاسم او العكس. وكذلك حمل الحيوان مثلاً على الانسان فاذا لوحظ الحيوان بحدوده الوسيعة الشاملة لم يمكن حمله على الانسان بل ليس حينئذ الا نفسه فالماهية بما هي ليست الا هي واما إذا لوحظ لا بشرط اي مع قطع النظر عن حدوده الخاصة حمل على الانسان باعتبار الاتحاد الوجودي ومن هنا ذكروا في الحمل الاولي الذاتي ان التغاير قد يكون باللحاظ. فمفهوم الانسان ومفهوم الحيوان الناطق شيء واحد وانما صحّ الحمل لتغاير اللحاظ اجمالاً وتفصيلاً.

النقطة الثالثة: لا شك ان الحمل في المشتقات من قبيل الشايع الصناعي والمصحح هو الاتحاد الوجودي والمحمول قد يكون عرضاً وقد يكون امراً اعتبارياً وقد يكون امراً انتزاعياً والاعتباريات كالأحكام التكليفية والوضعية والإنتزاعيات كالوجوب والامكان والامتناع. وربما يناقش في امكان الاتحاد بين الجوهر والعرض مع انهما متباينان فكيف يصح الحمل؟ وهل يصححه مجرد لحاظه لا بشرط؟

هناك نظريتان في وجود العرض. احداهما تقول ان العرض موجود بنفس وجود الجوهر ولا تغاير بينهما اصلاً والاخرى – وهي المشهورة – تقول ان لكل منهما وجوداً مستقلاً الا ان العرض متقوم بالجوهر لاحتياجه الى موضوع ففي الرمح المنحني مثلاً ثلاثة وجودات على الاقل: الجسم وهو جوهر. والخط وهو عرض كمّي. والانحناء العارض على الخط وهو عرض كيفي ولكن الموجود حسب النظرية الاولى امر واحد ذو حدود كالصور النوعية التي لا تتبدل باختلاف الجنس. وهذه النظرية أقرب. وما ذكره المشهور لا يدعمه البرهان ولا العرف وعليه فالعرض والجوهر متحدان وجوداً.

وعلى هذه النظرية فلا مانع من كون المشتق كالأبيض نفس المبدأ وهو البياض ويحمل مع ذلك بالحمل الشايع على الذات وهي جوهر. هذا بحسب النظر الدقيق. واما بحسب النظر العرفي او الدقيق المشهوري فالحمل صحيح ايضاً الا انه حمل شايع مجازي بمعنى ان هناك واسطة في العروض فالأبيض الحقيقي هو البياض والموجود الحقيقي هو الوجود وحمل الابيض على الثلج – مثلاً – او حمل الموجود على الماهية انما هو بواسطة في العروض لترابط البياض والثلج والوجود والماهية. وهذا المقدار من الاتحاد الوجودي اي بحسب النظر العرفي يكفي في صحة الحمل الشايع كما ورد ذلك في اقسام الواسطة في العروض في الكتب الفلسفية والمنطقية كشرح المنظومة.

وقد قوبل هذا المسلك من المحقق النائيني قدس سره باعتراضات:

الاعتراض الاول: ان الحمل امر واقعي يعتمد على الاتحاد بين شيئين ولا أثر للاعتبار فيه فالاعتبار ليس الا تلاعباً بالمفاهيم من اجل التأثير في المشاعر ولا مجال في العلوم الحقيقية التي تبحث عن حقايق الاشياء وما ورد من التعبير بالاعتبار في اعتبارات الماهية وفي الفرق بين الجنس والفصل والمادة والصورة لا بد من حمله على غير ظاهره.

والجواب عنه ان الاعتبار له ثلاث معان أحدها ما ذكر والآخر اعتبارات الماهية وقد بينا ان الاعتبار هنا عمل ابداعي نفسي يعبر عنه بالإطلاق والتقييد والثالث اللحاظ والتصور ومن الخطأ ان نظن ان الذهن يتصور الاشياء كما هي بل الواقع انه يتصرف فيها بشتى انحاء اللحاظ ومن هنا نشأت الكثرات الادراكية.

مضافاً الى ان الحمل كما ذكرنا ليس امراً واقعياً منعكساً في الذهن بل هو الحكم بالهوهوية.

هذا مع ان التجوز في الاسناد لا يضر بالحمل الشايع في الصناعات والعلوم الحقيقية إذا كانت الواسطة خفية لا يعترف بها الاديب كما مر.

الاعتراض الثاني: انه لا ريب في تباين العرض والجوهر فكيف يمكن الحكم بالهوهوية بينهما مع ان الحمل الشايع يتوقف على الاتحاد الوجودي ولا يكفي في ذلك الاتحاد الاعتباري.

والجواب عنه اولاً بان العرض والجوهر متحدان كما مر.

وثانياً ان الحمل الشايع المجازي لا يتوقف على الاتحاد الوجودي واقعاً بل يكفي مع الواسطة في العروض.

الاعتراض الثالث: ان هذا الامر لو صح فإنما يصح في الاعراض دون الامور الإنتزاعية والعدمية كالممكن والاعمى. فالعرض بما ان وجوده لموضوعه فمن الممكن ان يلاحظ تارة بما هو هو وتارة بما انه شأن من شؤون موضوعه وطور من اطواره وهذا معنى اللابشرطية واما في الإنتزاعيات فلا يمكن ذلك اذ ليس لها وجود مستقل.

والجواب عنه : ان ما ذكر مما يدفع الاشكال عن الامور الإنتزاعية لا انه يزيده تعقيداً وذلك لان اساس الفرق على هذا المسلك بلحاظ اللابشرطية والبشرط لائية وهما نوعان من التصور وحيث ان المشهور في الاعراض التغاير الوجودي لزمنا بيان وجه الاتحاد لتصحيح الحمل واما في الإنتزاعيات والعدميات فلا اشكال اذ الحمل متيسر حقيقة وقد ذكر في الفلسفة ان الحمل لا بد ان يكون بين متحصل وغير متحصل ولو كان بين متحصلين لزم اجتماع الفعليتين اذن فعدم التحصل في احد طرفي الحمل مما يساعد عملية الحمل ومرجعه الى ان الشيء الواحد الوجودي له حدود مختلفة . اذن فحيثيتا اللابشرطية و البشرط لائية في الامور الإنتزاعية والعدمية اوضح منهما في الاعراض.

الاعتراض الرابع: ان ما ذكر في وجه الفرق بين المشتق والمبدأ خلط بينه وبين الفرق بين المصدر واسم المصدر حيث ان الفرق بينهما في الفارسية بيّن بلحاظ الصيغة فيعبر عن مصدر الضرب مثلا بـ (زدن) وعن اسمه بـ (كتک) وهكذا واما في العربية فالصيغة واحدة والفرق باللحاظ فاذا لوحظ الحدث على وجه الناعتية وبما انه شأن من شؤون الموضوع كان مصدراً وإذا لوحظ في نفسه كان اسم المصدر وبعبارة اخرى المصدر يدل على الماهية الموجودة بالوجود الناعتي واسمه يدل على الماهية الموجودة بالوجود المحمولي.

والجواب عنه اولاً: ان الفرق بين المصدر واسمه ليس بالوجود الناعتي و المحمولي بل الفرق ان المصدر لوحظت فيه النسبة الناقصة الصدورية واسم المصدر لم تلاحظ فيه تلك النسبة وان لوحظت النسبة الناقصة الحلولية والامثلة التي سردها في الفرق الواضح في اللغة الفارسية كلها من قبيل الصدور.

وثانياً: ان الفرق لا يمكن ان يكون بالوجود الناعتي والمحمولي فان اسماء الاجناس وضعت لنفس الماهيات القابلة للاتصاف بالوجود والعدم فلم يلاحظ فيها الوجود لا ناعتياً ولا محمولياً لئلا يلزم عند التوصيف بالعدم التجريد او اجتماع النقيضين.

وثالثاً: ان المصدر واسم المصدر لا يختلفان من حيث كونهما بشرط لا اذ الماهية ملحوظة في كليهما بحدودها واللابشرطية هي عدم ملاحظة الشيء بحدودها.

الاعتراض الخامس: ان هذا الفرق – لو تم – فإنما يتم في مثل اسم الفاعل والمفعول دون اسماء الزمان والمكان والآلة فان تقوّم الحدث بالذات في هذه الموارد ليس على وجه الحلول والناعتية فالمقتل في اسمي الزمان والمكان لا يحكي عن شأن من شؤون الزمان والمكان وكذا اسم الآلة فانه يحكي عن صدور الحدث عن الشيء لا حلوله فيه فلا يصح اعتبار الناعتية في هذه الموارد.

ويمكن الجواب عنه اولاً بالقول بالمبدأ الخفي كما التزمنا به في بعض الموارد فيقال ان المبدأ في اسمي الزمان والمكان هو الاحتواء على الحدث وهذا المعنى ناعتي ويتصف به الذات على وجه الحلول وفي اسم الآلة المبدأ هو الاعداد للشيء. ونحن وان ذكرنا فيما مضى ان وجه التعميم هنا من باب التصرف في الهيئة الا انه لم يقم برهان على عدم امكان التوسعة من جهة المادة بالالتزام بالمبدأ الخفي كالحرفة والصفة.

وثانياً ان الاشكال يبتني على التقيد بكون الاتحاد في الحمل حقيقياً وقد بينا ان الحمل في الاعراض – على المسلك المشهور فيها – حمل شايع مجازي فمن الممكن الالتزام بالحمل المجازي ايضاً في ما كان تقوم الذات به تقوماً صدورياً.

ولكن الجواب الاول غير صحيح لعدم موافقته للعرف وذلك لان العرف لا يوافق على كون مفاد الهيئة في اسم الزمان والمكان كمفاد اسم الفاعل حتى تكون المادة هو الاحتواء والهيئة دالة على حلوله في الزمان والمكان بل الهيئة هي التي تدل عرفاً على الاحتواء.

هذا مضافاً الى ان الاشكال يسري حتى في بعض موارد اسم الفاعل وذلك فيما يكون تقوم الذات بالمبدأ صدورياً كالضارب و المؤلم فالضرب والالم قائمان بالمفعول. والفاعل موجد لهما فالناعتية والاتحاد الوجودي انما يتحققان بين المبدأ والمفعول. و الفاعل مغاير له تماماً. نعم يصح القول بكون الاختلاف باعتبار اللابشرطية والبشرط لائية في مثل اسم الفاعل اللازم كالقائم والقاعد حيث ان جهة الحلول والصدور فيهما واحدة او في الإنتزاعيات كالعاجز. 

فان قلت: من الممكن ان نلتزم في الضارب و المؤلم مبدأً خفياً يتقوم بشخص الفاعل وهو الحركة الصادرة منه الموجبة لتحقق الضرب والالم فيكون كالقعود والقيام.

قلنا: يلزم من ذلك القول باختلاف المبدأ في الضارب و المضروب وهو مخالف للفهم العرفي و اللغوي.

واما الجواب الثاني فهو مخالف للفهم العرفي اذ لا يصدّق العرف ان يكون المقتل في الحقيقة هو نفس القتل وان نسبته الى المكان مع الواسطة في العروض و التجوز في الاسناد. وان المفتاح واقعاً هو نفس الفتح ونسبته الى الآلة مجاز و لو كان مجازاً لكان مجازاً ادبياً واضحاً لان المفروض ان العلقة هو الصدور او الحال و المحل وهذا ليس كالتجوز في الاسناد الخفي كما ذكرنا في الاعراض.

اذن فالاعتراض الخامس وارد على هذا القول.

الاعتراض السادس: ان الفرق بين المشتق و المبدأ لو كان اعتبارياً لزم صدق التثنية والجمع على الفرد الواحد إذا تحقق منه المبدأ مرتين او أكثر فيقال لمن ضرب مرتين ضاربان مثلاً وهو واضح الفساد وليس ذلك الا للفرق بين المبدأ و المشتق فرقاً جوهرياً اذ المبدأ قد تكرر هنا ومع ذلك لا يتكرر المشتق في الصدق على الذات. اذن فاسم الفاعل لا يدل على المبدأ مأخوذاً لا بشرط والا فالتثنية لا تزيد على مفهوم الفرد شيئاً وانما تكرر صدقه فلو كان مورد التكرير نفس المبدأ لزم صدق التثنية. ومن هنا أنكر في المكاسب صدق البيعين على الشخص الواحد لو كان قابلاً موجباً.

اذن فالقول بالبساطة مردود لهذين الوجهين الاخيرين.

القول بالتركيب:

المراد بالتركيب لدى القائل به هو التركيب التحليلي ومرجعه الى ان التكثر الادراكي انما هو بين العالم وذات ثبت لها العلم حيث ان الفرق بينهما بالإجمال و التفصيل دون العالم والعلم.

وقد اعترض على ذلك بوجوه:

الوجه الاول: ان ملاحظة موارد استعمال المشتق تكشف عن عدم اخذ الذات في جميع موارده ولو بالتحليل فان توهم التركب من الذات والمبدأ ولو تحليلاً انما يتم فيما يكون الموضوع و المحمول متغايرين مفهوماً و وجوداً – على الفرض – كزيد كاتب. واما لو كان التغاير مفهومياً مع الاتحاد الوجودي نحو الله عالم بناء على ما هو الحق من عدم زيادة الصفات الجمالية على الذات المتعالية وكذا لو كان المفهومان متحدين ايضاً نحو البياض ابيض و الوجود موجود فالتركب ولو تحليلاً غير معقول فلا بد من القول بان التكثر ادراكي و الفرق اعتباري كما مر.

والجواب عنه: ان الاعتراض انما يرد لو كان المراد من اخذ الذات انحلال الكاتب – مثلاً – الى زيد والكتابة. واما لو كان المراد ان المشتق يدل على واجدية الشيء للمبدأ فلا اشكال حتى في الاخيرين اذ الشيء واجد لنفسه ايضاً بالضرورة.

هذا مضافاً الى ان مثل قولنا البياض ابيض او الوجود موجود لا بد من توجيهه على كل حال ولا يكفي مجرد التفريق باللابشرطية و البشرط لائية في صحة الحمل اذ المفروض ان الحمل شايع لا اولي حتى يكتفى بالاتحاد المفهومي والتغاير الاعتباري.

والوجه فيه ان الوجود المأخوذ موضوعاً هو مفهوم الوجود والمحمول هو حقيقة الوجود والقضية فلسفية لا عرفية والمراد بها بيان ان الوجود متأصل في الواقع الخارجي دون الماهية. اذن فهناك تغاير مصحح للحمل وهذا التغاير هو المصحح للتحليل ايضاً فالوجود شيء واجد لنفسه ثابت له التحقق في الخارج. ولو اغمضنا النظر عما ذكرنا فمجرد الفرق باللاشرطية والبشرط لائية لا يصحح الحمل اذ لا محصل لحمل الوجود لا بشرط على الوجود بشرط لا و المفروض ان الحمل شايع لا اولي.

واما القول في الامثلة المشابهة بان البياض ابيض بالذات و الثلج ابيض بالغير وهكذا فليس مطابقاً للفهم العرفي وانما هي تدقيقات عقلية لا تؤثر في البحث اللغوي و التوجيه الصحيح هو ما ذكرنا.

الوجه الثاني: ما يستفاد من كلام المحقق النائيني من ان اخذ الذات في المشتق لا وجه له فان الوضع سواء كان من شخص واحد حكيم او كان حاصلاً بالتطور الاجتماعي يدور مدار الحكمة و الفائدة ولا يمكن ان يكون ما يحدث اوسع مما يحتاج اليه واخذ الذات في مفهوم المشتق لغو اذ يلزم من قولنا زيد كاتب اخطار معنى زيد مرتين الاولى باسمه الصريح و الثانية بمفهوم مبهم يتعين بما بعده وهو الذات المأخوذة في الكاتب مع ان المقصود اخطاره مرة واحدة.

والجواب اولاً: ان الحاجة في اخطار الذات موجودة و ذلك فيما لو كان المشتق وصفاً غير معتمد على موصوف كما لو قلت الكاتب موجود اذ لا تتكرر اراءة الذات في مثل ذلك و تكفي الحاجة في مورد لاعتبار الوضع بهذا الوجه اذ الهيئة لم توضع بأوضاع متعددة مختلفة بحسب اختلاف موارد الاستعمال و الملحوظ في الوضع هو الحاجة في عموم الموارد لا مورد خاص ولذا لا اشكال في دلالة (ضرب) مثلاً على المضي وتذكير الفاعل بنحو الابهام. فلو صرحنا بهما في قولنا ضرب زيد بالأمس هل يمكن القول بعدم دلالته عليهما عموماً لئلا يلزم تكرار الاخطار في مثل هذا المورد؟

وثانياً: ان الذات مأخوذة حتى على مسلك البساطة اذ ملاحظة المبدأ لا بشرط لا بد ان يكون بالنسبة الى شيء وهو الذات فهي مأخوذة في المشتق بنحو الالتزام والقائل بالتركيب يقول بأخذها فيه بنحو التضمن فالاشكال مشترك.

الوجه الثالث: ما نسب الى المحقق النائيني ايضاً وهو ان التركب يقتضي ان يكون المشتق متضمناً للنسبة بين المبدأ و الذات والنسبة معنى حرفي وما يتضمن الحرف لا بد ان يكون مبنياً وحيث ان المشتق معرب فنكشف على سبيل البرهان الاني عدم التركب. والاساس في ذلك ان الاصل في الاسماء ان تكون معربة و انما تبنى إذا كان فيها شبه للحرف كما هو مذكور في النحو فلو كان الشبه به يوجب البناء فالتضمن له يوجبه بطريق اولى.

والجواب عنه اولاً. ان المشتق فيه مسلكان: 1- القول بتعدد الدال و المدلول و الموضوع والموضوع له اما بكون الهيئة دالة على النسبة والذات و المادة على الحدث و اما بكون الحروف الزائدة دالة على النسبة و الذات. وعليه فالمعنى الاسمي له دال خاص و الحرفي له دال آخر فهو كضم الحرف الى الاسم لا تضمين المعنى الحرفي.  2- القول بوحدة الوضع و اساسه انكار الوضع النوعي في الهيئة و المادة و ان التقسيم اليهما انما هو من صنع فلسفة النحو و القائل بذلك لا يقبل التعليلات النحوية للإعراب و البناء و المتبع هو استعمال العرب و لا أثر لتضمين معنى الحرف.

وثانياً: ان النحاة عللوا بناء الحرف بعدم اعتوار المعاني المختلفة عليه فلا يحتاج الى الاعراب لبيان الفرق نحو زيد حيث يقع فاعلاً ومفعولاً و هكذا. وهذا السرّ اي اعتوار المعاني المختلفة موجود في المشتق فلا بد ان يعرب من هذه الجهة.

وثالثاً: ان الاولوية لا تؤثر في القواعد اللغوية و الا فالفعل المضارع لا بد ان يكون مبنياً ايضاً لاشتماله على النسبة قطعاً.

الوجه الرابع : ما نسب الى المحقق الشريف في حاشيته على شرح المطالع – على ما نقله في الكفاية – وهو ان المشتق لو كان مركباً من الذات و النسبة و المبدأ  فالمراد بالذات اما ان يكون الشيء او العنوان الخاص وعلى الاول يلزم دخالة العرض العام وهو الشيء في الفصل في مثل الناطق وهو محال لان الفصل جوهر فلا يمكن ان يتقوم بالعرض العام وعلى الثاني يلزم انقلاب القضية الممكنة ضرورية وذلك في مثل قولنا الانسان كاتب حيث ان المشتق حينئذ بمعنى ( انسان له الكتابة) وثبوت الانسان  ( المحمول ) للإنسان (الموضوع) ضروري مع ان القضية في اصلها ممكنة . وقد وقع البحث في كلا الشقين:

اما في الشق الاول فيمكن دفع الاشكال بوجوه:

1- ان غاية ما يقتضيه الاستدلال ان يقال بعدم اشتمال الناطق بحسب اصطلاح المنطقيين حيث اعتبروها فصلاً على الشيء وهو عرض عام ولكنه لا يقتضي عدم اشتمال المشتقات بحسب المفهوم اللغوي عليه.

2- ان هذا الفصل – كما ورد في المنطق – مشهوري لا حقيقي والمراد انه اخذ معرفاً ومشيراً الى الفصل الحقيقي وهو النفس الناطقة. وعليه فلا مانع من اخذ العرض العام في مفهومه.

3- ان النتيجة الحاصلة من الكلام المذكور هو ان المشتق امر انتزاعي بسيط وهذا لا يحل المشكلة فان الناطق لو كان فصلاً للإنسان وهو من الامور الحقيقية لا يمكن ان يكون امراً انتزاعياً اذ الامر الانتزاعي وجوده بوجود منشأ الانتزاع لا بوجود ما بحذائه. مضافاً الى ان الامر الانتزاعي قابل للتحليل العقلي فيكون مركباً تحليلياً ايضاً.

واما في الشق الثاني فلتوضيح احتمال انقلاب الممكنة الى الضرورية نقول: ان هذا الانقلاب محتمل في ثلاثة موارد:

المورد الاول: القضية الضرورية بشرط المحمول نحو (الانسان الكاتب كاتب) فان هذه القضية ضرورية وان كان أصل الكتابة ثابتاً بالإمكان.

المورد الثاني: ان تكون الجهة داخلة في المحمول نحو (الانسان كاتب بالإمكان بالضرورة) على ان يكون المحمول (كاتب بالإمكان) فان ثبوت هذه المجموعة ضروري للإنسان وعلى هذا الاساس يمكن ارجاع جميع القضايا الموجهة الى الضرورية وهذا ما صنعه شيخ الاشراق الا ان المنطق بصدد بيان جهة النسبة بين الموضوع والمحمول.

المورد الثالث: ان يكون الموضوع داخلاً في المحمول نحو (الانسان انسان كاتب) وهو موضع البحث هنا فهل يلزم الانقلاب الى الضرورية ام لا؟

هناك تقريبان للقول بالانقلاب:

التقريب الاول: ما يستفاد من كلام صاحب الكفاية ومحصله ان المحمول في المثال مقيد وفيه احتمالان: 1- ان يكون التقييد جزءاً والقيد خارجاً. 2- ان يكون القيد جزءاً. والانقلاب محقق على كلا الاحتمالين. اما على الاحتمال الاول فلان التقييد معنى حرفي ولا يلاحظ بالاستقلال فلا بد من ان يكون مرآة اما لذات المقيد و اما للقيد وهو هنا مرآة لذات المقيد كما هو المفروض وثبوت الذات لنفسها ضروري. واما على الاحتمال الثاني فالمحمول مركب من الذات و القيد وثبوت الذات لنفسها ضروري فلا يمكن ان يقال ان قضية الانسان كاتب قضية ممكنة.

والجواب عنه اولا ً: ان هذا ليس انقلاباً في الواقع بل هو تحليل للمحمول وبيان لجهة كل من الجزئين وعلى تقدير صحة التحليل فالجهتان ثابتتان ولا يمكن استخلاص فساد اخذ الذات في المشتق كما هو مقصود المحقق الشريف.

وثانياً: ان ما ذكر من ان التقييد لا يكون جزءاً بنفسه فهو مرآة اما للقيد واما لذات المقيد غير صحيح فان المعنى الحرفي لا مانع من كونه جزءاً للمحمول نعم هو جزء متقوم بالطرفين.

وثالثاً: ان المحمول مأخوذ على وجه العموم المجموعي لا الاستغراقي فلا يصح تحليله الى انسان وكتابة ثم ملاحظة جهة نسبة كل منهما الى الموضوع بل النسبة واحدة وأحد طرفيها هو المركب المجموعي من الانسان والكتابة وحيث ان ثبوت أحد المجموعة ليس ضرورياً ومن الممكن انتفاؤه وبانتفاء الجزء ينتفي المجموع فالمجموع ايضاً ليس ضرورياً.

التقريب الثاني: ما ذكره صاحب الفصول وعبارته على ما في الكفاية تحتمل وجهين قال: (ان الذات المأخوذة مقيدة بالوصف قوة او فعلا ان كانت مقيدة به واقعا صدق الايجاب بالضرورة مثلا لا يصدق زيد كاتب بالضرورة لكن يصدق زيد الكاتب بالقوة او بالفعل كاتب بالضرورة).[7]                                                                                            

فالجملة الاخيرة يمكن قراءتها بوجهين ويختلف المعنى:

الوجه الاول: ويبتني على توهم ان القضية الضرورية بشرط المحمول اساسها هو الوجوب اللاحق.

توضيحه: ان الوجوب قد يكون سابقاً على الوجود وهو الناشئ من تمامية العلة وقد يكون لاحقاً اي يبتني على وجود الشيء الممكن وهو ما يعبر عنه في الفلسفة بالجملة المشهورة (الشيء ما لم يجب لم يوجد. وما لم يوجد لم يجب) وفي المنظومة (فبالضرورتين حف الممكن..) فتوهم ان الضرورية بشرط المحمول ضرورية من هذا الباب ايضاً فالإنسان الكاتب انما تثبت له الكتابة بالضرورة من جهة ان الكتابة مفروضة له. فاذا قلنا زيد كاتب بالقوة او بالفعل فالواقع الخارجي لا يخلو من امرين ثبوت الكتابة وعدمه فعلى الاول الايجاب ضروري وعلى الثاني السلب ضروري وهكذا تنقلب القضية الممكنة ضرورية. هكذا فسر صاحب الكفاية عبارة الفصول وناقش فيه.

ولكن هذا الوجه غير صحيح في نفسه وغير مراد لصاحب الفصول وذلك – اولاً – لان محل الكلام ان يؤخذ الموضوع في المحمول واساس هذا الوجه عكس ذلك. ولو صح فلا يختص بالقول بالتركب فلو قلنا ان المشتق بسيط و الفرق بينه وبين المبدأ لحاظه لا بشرط فنقول ان قولنا زيد كاتب الذي يرجع الى انه هو الكتابة لا بشرط اما ان يوافق الواقع الخارجي فهي ضرورية الايجاب او يخالفه فهي ضرورية السلب.

وثانياً: ان القضايا العادية اساسها على ملاحظة الموضوع لا بشرط المحمول فقولنا الخمر حرام لا يرجع الى ان الخمر الحرام حرام و اساس القضية بشرط المحمول خلاف ذلك. واما الواقع الخارجي فلا دخالة له في تشكيل القضية سواء كان الموضوع بشرط المحمول أو بشرط عدمه.

وثالثاً: ان عبارة الفصول قد اسيء قراءتها وفهمها فقوله (لكن يصدق زيد الكاتب بالقوة أو بالفعل بالضرورة) قرء على تقدير اضافة كلمة (كاتب) بعد الكاتب المذكور وجعل (الكاتب) وصفاً لزيد فيكون هكذا: (زيد الكاتب كاتب..) و الواقع ان المراد من اللام هو تكرار الموضوع فمرجع العبارة الى هذه الجملة (زيد زيد الكاتب..).

الوجه الثاني: ويتم بيانه في ضمن ثلاثة امور:

الامر الاول: ان الفرق بين النسبة الناقصة و النسبة التامة ليس الا باللحاظ فالكتابة إذا كانت مفروضة الوجود لزيد كانت النسبة ناقصة و إذا كانت غير مفروضة الوجود كانت تامة. فالأوصاف قبل العلم بها اخبار و الاخبار بعد العلم بها اوصاف. وقولنا زيد كاتب و زيد الكاتب حكايتان عن حقيقة واحدة و التكثر ادراكي.

الامر الثاني: ان النسبة سواء كانت تامة او ناقصة لا بد ان تكون موجهة بإحدى الجهات المذكورة في المنطق.

الامر الثالث: ان المحمول لو كان مركباً ولو على وجه التقييد و النسبة الناقصة فالجهة التي هي مرآة حال النسبة جزء للمحمول ايضاً.

اذن فقولنا (زيد الكاتب) على تقدير كون الكاتب مركباً يرجع الى قولنا (زيد زيد الكاتب بالإمكان) ومجموع زيد والكاتب و النسبة و الجهة يشكل عقد الحمل ولا شك ان النسبة التامة في الجملة الأصلة تنقلب ضرورية.

وهذا على اساس مسلك شيخ الاشراق كما مر الا ان الاشكال الوارد هناك وهو ان الجهة لا بد ان تكون مرآة لحال النسبة غير وارد هنا اذ المفروض انها تقوم بنفس الوظيفة المنشودة الا انه بالنسبة الى النسبة الناقصة الدخيلة في عقد الحمل. وهذا الانقلاب لا يلزم على تقدير البساطة.

واضاف صاحب الفصول ان هذا الاشكال يرد على الشق الاول ايضاً اذ لا فرق في لزوم النسبة التقييدية وجهتها بين جعل الموضوع في عقد الحمل (الشيء) او العنوان الخاص.

والجواب عنه في ضمن امور ايضاً:

1- ان التوصيف على قسمين تقييدي وغير تقييدي. وهذا هو الفرق بين (زيد الكاتب) و (الانسان الكاتب) فالكاتب في الاول غير تقييدي وهو تقييدي في الثاني. وذلك لان التقييد هو التحصيص وهو غير معقول في الجزئيات وانما تتحصص الكليات. فالتوصيف في الكليات يرجع الى التقييد و اما زيد فلا يقبل التقييد الا بتأويله الى كلي كملاحظته بحسب حالاته الطارئة عليه. ولذا يقال في الفقه ان الكلي المبيع إذا قيد بشيء وكان ما سلم فاقداً له لم يصح التسليم لعدم الانطباق واما لو كان المبيع جزئياً موصوفاً كالعبد الكاتب مع الاشارة اليه فلو كان غير كاتب كان البيع صحيحاً و التسليم صحيحاً و للمشتري خيار تخلف الوصف فتوصيف العبد التزام مستقل.

2- ان التوصيف لو كان تقييدياً و الذات جزئياً اضافياً كما لو قلنا ان الكاتب مرجعه الى (الانسان الذي له الكتابة) فليس فيه اي اخبار ولو بالتأويل فان مرجع ذلك الى التقييد وتضييق دائرة الماهية وهو عمل ابداعي نفسي فالإنسان الكاتب لا يفيد الا مجرد اخطار للماهية المضيقة بلفظ مركب وليس فيه اخبار عن ثبوت وصف لذات اصلاً حتى يقال ان النسبة التقييدية كالنسبة التامة في ان لها مادة واقعية يعبر عنها بالجهة في القضية اللفظية وهي جزء لعقد الحمل كما مر. اذن فهذا الاشكال في هذا القسم غير وارد اصلاً ولا وجه لتعميم صاحب الفصول.

3- ان الشق الثاني من كلام الشريف وهو ان يؤخذ في المشتق مصداق الشيء لا بد ان يحمل على الجزئي الاضافي فالكاتب – مثلاً – اخذ فيه الانسان لا خصوص زيد وعمرو والا لزم تعدد الوضع بتعدد افراد الكاتب او كون الوضع عاماً والموضوع له خاصاً وهو غير صحيح قطعاً. وعليه فمرجع كلا الشقين الى اخذ الكلي في المشتق وقد عرفت انه لا يستلزم الانقلاب.

فتحصل ان الفرق بين المشتق ومبدئه واقعي وان المشتق مركب ينحل الى شيء له المبدأ فالتركيب تحليلي لا لحاظي بمعنى ان المشتق لا يخطر بالبال امرين بل امراً واحداً ينحل كانحلال الانسان الى شيء له الانسانية والحجر الى شيء له الحجرية وكانحلال الشيء الى جنس وفصل فالصورة الذهنية واحدة الا ان العقل يحللها الى امرين.

وهنا سؤالان:

السؤال الاول: ما هو الفرق بين تحليل الانسان الى حيوان وناطق وتحليل المشتق الى شيء له المبدأ.

الجواب: ان الانعكاس الذهني عن الواقع الخارجي قد يتعلق بأمر واحد بسيط ثم يحلله الذهن الى ما به الاشتراك وما به الامتياز وهذا هو التحليل الى جنس وفصل وقد يتعلق ابتداءاً بمفهوم مركب ثم ينتزع الذهن عنواناً انتزاعياً كما لو تصور عنوان (الشيء الذي صدر عنه المشي) فانه ينتزع منه عنوان الماشي. فالتحليل في القسم الاول طارئ على الذهن وفي القسم الثاني ارجاع للمفهوم الانتزاعي الى ما اخذ عن الواقع الخارجي مباشرة.

السؤال الثاني: لماذا لا يتأتى هذا التحليل في الجوامد بحيث يدل جزء من اللفظ على جزء من المعنى كما هو الحال في المشتق حيث تدل المادة على المبدأ وتدل الهيئة على الذات و النسبة او تناسب الهيئة الدلالة على ذلك.

ربما يجاب عنه بتعدد وضع الهيئة والمادة في المشتق. وقد مر الكلام في مناقشة هذا الكلام وقلنا ان تعدد الوضع يقتضي تعدد الدلالة الاخطارية مع انها غير متعددة في المقام.

وللمحاولة على الجواب الصحيح نقدم فرضيتين:

الفرضية الاولى: ان نلتزم بتعدد الدال و المدلول في المجتمعات البدوية وقد قيل في بعض الكلمات انها في الاصل مركبة من كلمتين نحو قطف الذي قيل ان أصلها قط ولف وبالتحول والتبدل يبقى في الكلمة الجديدة المستحدثة بعض الحروف من كل من الكلمتين وربما لا يبقى من احداهما سوى بعض الحركات. وهذا التحول في اللغات مما لا مجال لإنكاره ونحن نجد في اللغات العامية المستعملة ان جملة مركبة من كلمتين او أكثر ينحت منها حتى لا يبقى الا حرف واحد. فمن الممكن ان يكون (مضروب) مثلاً مركبة من ضرب وحروف زائدة دالة على المفعولية الا ان التحول جعلها كلمة واحدة كما ان التحول جعل المعنى المركب بسيطاً وهو الامر الانتزاعي. فأصبح اللفظ الواحد دالاً على معنى واحد. وهذه الرواسب الفكرية عن أصل اللغة في المجتمع البدوي يوجب احساس التناسب المذكور بين الهيئة والمادة ومدلوليهما.

الفرضية الثانية: ان كلمة بهذه الهيئة كالماشي مثلاً وضعت من اول الامر للمعنى الخاص بتناسب موهوم ثم لوحظت هذه الهيئة و الشكل في معنى مناسب من حيث الصدور و التقوم كالقاعد والقائم فأصبح الوضع الاول منشأ ذهنياً لوضع كلمة مشابهة لمعنى مشابه من بعض الحيثيات. ثم جمع الانسان هذه المتشابهات كعادته في مجموعة واحدة وتصور لها جامعاً واحداً وهو الهيئة الخاصة. ثم حصل التفكيك في ذهنه بين اجزاء الدال واجزاء المدلول.

فتحصل من مجموع ما ذكرنا ان ما قاله المحقق النائيني قدس سره من ان أحد موجبات توهم القول بالأعم هو توهم التركيب في المشتق مع انه بسيط والفرق بينه وبين المبدأ باللحاظ غير صحيح وان الحق هو تركب المشتق الا انه تركب تحليلي.

ونتيجة مجموع هذا المبحث ان المشتق موضوع لخصوص المتلبس دون الاعم منه وما انقضى عنه المبدأ.

 

 


شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني ج1 ص16 [1]

 اكثر الشواهد التي ذكرناها موجودة في رسالة جلية الحال للمحقق ابي المجد الاصفهاني وفيها شواهد اخرى فمن اراد التوسع يرجع اليها [2]  

المراد به مصحح الانتزاع حسب تعبيرنا كما هو واضح [3]

[4] نهاية الدراية ج1 ص 164

1 اجود التقريرات ج1 ص 59

 (1) التفسير الكبير جـ4  ص42 .

[7]  كفاية الاصول ج1 ص53 ويلاحظ ان العبارة في بعض نسخ الفصول المطبوعة هكذا (لأن الذات المأخوذة مقيدة بالوصف قوة أو فعلا إن كانت مقيدة به واقعا صدق الإيجاب بالضرورة وإلا صدق السلب بالضرورة ولكن يصدق زيد الكاتب بالفعل أو بالقوة بالضرورة) والظاهر ان فیها ایضا سقط والصحیح الجمع بین النسختین