مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ... اللام لام القسم المقدر اي والله لقد صدق.. و(صدق) يتعدى الى مفعولين كما قال تعالى (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ..)[1] او تقدر (في) اي صدق رسوله في الرؤيا وفي وعده. وقوله (بالحق) متعلق بمحذوف اي متلبسا بالحق وهو حال للرؤيا اي انها رؤيا حقة وليست من اضغاث الاحلام ويمكن ان يكون متعلقا بقوله (صدق) وعلى الفرضين يعتبر تأكيدا للصدق. والمعنى ان الله تعالى أراه صلى اللّه عليه وآله وسلّم رؤيا صادقة وذلك حيث رأى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في منامه أنه دخل المسجد الحرام مع أصحابه وطافوا بالبيت فأخبرهم بذلك ففرحوا واستبشروا ولما خرجوا الى مكة ووصلوا الحديبية ومنعهم المشركون من دخول الحرم شك بعضهم فقيل ان المنافقين منهم بثّوا الدعايات وسخروا من وعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكذّبوه في الرؤيا التي أخبرهم بها قال الآلوسي في روح المعاني (قال على طريق الاعتراض عبد اللّه بن أبي وعبد اللّه بن نفيل ورفاعة بن الحرث: واللّه ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا المسجد الحرام فنزلت. وقد روي عن عمر رضي اللّه تعالى عنه أنه قال نحوه على طريق الاستكشاف ليزداد يقينه..)!!! فلما سألوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك قال لهم ما معناه: ما أخبرتكم انه يقع هذا العام.  

لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ... جواب لقسم مقدر ايضا اي والله لتدخلن المسجد الحرام تصديقا للرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا قسم بعد قسم. وهذا من الاخبار الغيبية التي اخبر بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن الله تعالى ووقع فعلا في العام التالي وهناك سر في هذا التأخير وفي الاعلام عنه قبل عام وفي خروج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في عام الحديبية وهو ان يتبين المنافقون والذين في قلوبهم مرض والشاكون في دينهم ولكن عامة الناس لم ينتبهوا الى الحكمة في ذلك.

والتعليق على المشيئة قيل انه لتعليم الناس ان يعلقوا كل ما يخبرون بوقوعه بذلك فان الامور كلها معلقة على المشيئة. والصحيح انه ليس للتعليم بل حتى ما وعده الله تعالى معلق عليها مع انه واقع لا محالة فليس معنى التعليق على المشيئة التردد في تحقق الشيء كما يتوهم بل المعنى هو تعليق كل الوقائع عليها واقعا فان الله تعالى ليس ملزما بشيء وليس هناك اي قانون يلزم الله تعالى بان يفعل شيئا او لا يفعله فهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولذلك علق الله تعالى الخلود في الجنة والنار ايضا بذلك قال تعالى في سورة هود (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)[2] ويلاحظ أن استثناء المشيئة اتبع بما يدل على أن الخلود ثابت لا محالة فقوله تعالى (ان ربك فعال لما يريد) في اهل النار يراد به ــ على الظاهر ــ رفع الاستبعاد عن الخلود في النار وقوله تعالى (عطاء غير مجذوذ) في اهل الجنة واضح في الدلالة على انه غير منقطع بمشيئة الله تعالى وعطائه.

آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ... وعد بانهم يدخلونها آمنين لا يخافون اغتيال المشركين وقوله (لا تخافون) مؤكد للامن. وكان كما وعد الله تعالى حيث انه القى في قلوبهم ان يخرجوا من مكة لئلا يروا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكان ذلك موجبا لامان اكثر للمسلمين وما اظنهم تفطنوا لذلك وانما خرجوا حقدا وحنقا ولكن الله تعالى بالغ امره. والآية تدل على الخيار في الحلق والتقصير في العمرة المفردة ولعل ذكرهما من بين الاعمال للتأكيد على اكمال اعمالهم وخروجهم عن الاحرام وهم باقون في مكة فليسوا مستعجلين للخروج منها وورد في الحديث ان المشركين ارسلوا رسولا الى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قبل انتهاء المدة يذكرونه بما وعد ويطالبون عدم التأخير.

فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا... اي ان الرؤيا كانت صادقة ولعله كان من المناسب ان يقع ما وعده الله تعالى في نفس السنة خصوصا مع خروج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للاعتمار ولكنه تعالى علم ان المصلحة تقتضي تأخير العمرة لوجوه كثيرة منها تبين المنافق عن المؤمن وتبين درجات المؤمنين ولكنه ابدلكم من ذلك بفتح قريب هو فتح الحديبية وهو اعظم بكثير من الاعتمار كما تبينت نتائجه. فقوله (من دون ذلك) اي بدلا عنه.

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا... اي لا غرابة في انه تعالى يظهر رسوله على المشركين فيدخل مكة رغما على انوفهم ويعتمر هو واصحابه آمنين مطمئنين فان الغاية المتوخاة اكبر من ذلك فانه تعالى لم يرسل رسوله ليغلب قوما ضعيفا كمشركي مكة بل ارسله ليغلب دينه كل ما على الكرة الارضية من دين فما تجدونه من تقدم وغلبة ليس الا مقدمة للفتح الاعظم وهو الغلبة العامة. يلاحظ ان هذا الكلام يلقى على الناس في عهد لم تتجاوز سيطرة الاسلام اطراف المدينة وهو بعد لم يتمكن من فتح مكة ولكن الله تعالى يشهد لهم بان هذا سيكون وكفى بالله شهيدا.

والباء في الآية للمصاحبة اي ارسله الله تعالى مصاحبا للهدى ودين الحق والمراد بالهدى يمكن ان يكون القرآن الكريم او هداية الله تعالى له صلى اللّه عليه وآله وسلّم في جميع اموره بان يوفقه لما هو الاصلح له ولدينه ولامته او ما تضمنه الكتاب وسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم من الآيات والمعاجز التي توجب هداية الناس ومعرفتهم بربّهم والمراد بالدين الشريعة والقوانين والاحكام الالهية في العبادات والمعاملات. وقوله (دين الحق) من باب الاضافة الى الصفة اي الدين الذي هو الحق.

واللام في قوله (ليظهره) لام العاقبة لتبين ما سيؤول اليه امر الرسالة وليس بيانا لسبب الارسال فان السبب ليس الا هداية الانسان الى ما يوجب سعادته الابدية بتحصيل رضا الله تعالى. والظهور: الغلبة. والضمير يعود الى دين الحق اي ليظهر دينه على الدين كله. وقيل يعود الى الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم وهو بعيد. والباء في قوله (وكفى بالله) زائدة اي كفاه الله سبحانه شهيدا فلا حاجة الى استدلال بشيء ولا حاجة الى ذكر شواهد ولا الى شهادة شهود فالله تعالى شاهد يخبر به وخبره الحق.

والمذكور في التفاسير ان المراد بالظهور الغلبة من حيث الدليل والبرهان ولكن الظاهر من اللفظ هو الغلبة الخارجية وهي تتحقق اما بان يكون هذا الدين هو دين اغلب الناس او بان تكون السلطة السياسية لأتباع هذا الدين ولا يقتضي بالطبع زوال سائر الاديان بل ظاهر العبارة بقاء الاديان على مغلوبيتها وهذه الغلبة لم تحصل حتى الآن الا اذا اريد به الغلبة في الجزيرة العربية وهو بعيد عن السياق فالظاهر انه اشارة الى ما وعده الله سبحانه على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من قيام الامام المهدي عليه افضل الصلاة والسلام وعجل الله تعالى فرجه حيث يملأ الارض قسطا وعدلا كما ورد في الحديث النبوي المتواتر فتكون له السلطة التامة على كل البلاد وبذلك يتحقق الوعد الالهي لا خصوص ما ورد في هذه الآية فحسب بل ما ورد في كل الرسالات فان الله تعالى قال (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي..)[3] وقال تعالى (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ).[4]

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ... الظاهر ان قوله (محمد) مبتدأ خبره رسول الله. وقيل انه خبر لمبتدأ محذوف وهو ضمير يعود الى قوله (ارسل رسوله) اي هو محمد رسول الله. قالوا لان المراد ليس اخبار انه رسول الله بل اخبار ان الرسول المذكور سابقا الذي صدقه الله الرؤيا وارسله ليظهر دينه هو محمد صلى اللّه عليه وآله وسلّم. ولكن هذا يستلزم تكرار التوصيف بالرسالة مع انه معلوم لا حاجة الى ذكره فالرسول في هذا السياق لا يحتمل غيره صلى اللّه عليه وآله وسلّم. وقيل ان رسول الله صفة والذين معه معطوف عليه وقوله اشداء... خبر. وكأن هذا المتكلف استبعد ان لا يشمل التوصيف بهذه الاوصاف الكريمة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم وغفل عن ان توصيفه بالرسالة يغني عن كل وصف فيكفيه كمالا وجمالا وجلالا ان يرسله الله تعالى مبعوثا الى الناس ووسيطا بينه وبين خلقه.

وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ... لا شك ان المراد بالذين معه ليس كل المعاصرين وفيهم ألدّ اعدائه صلى الله عليه وآله وسلم ولا كل من كانوا تحت سلطته او الذين بايعوا معه واظهروا الاسلام وفيهم المنافقون الذين هم اشد عداءا له من المشركين بل المراد الذين كانوا معه صلى الله عليه وآله وسلم في هدفه وفي عقيدته وفي مواقفه. ومن الملاحظ ايضا أن هذه الصفات ما كانت متوفرة في كلهم بالفعل وانما كانت في بعضهم وهم ايضا كانوا مختلفين في ذلك شدة وضعفا. نعم كانت الصبغة العامة للمجتمع الصحابي هي ما تذكره الآيات فكانوا على وجه العموم أشداء على الكفار لا يظهرون لينا تجاههم ولذلك صعب عليهم تحمل ما اقترحه المشركون في الصلح كما انهم كانوا رحماء بينهم فلم تكن شدتهم مع الكفار لخشونة في طباعهم بل لتشددهم في ذات الله. ولكن لم يكن كلهم كذلك بل كان فيهم من كان يهادن المشركين ويتعاطف معهم بل يراسلهم وفيهم من لم يصدر منه ضربة موجهة الى احدهم لا في الحرب ولا بعد الاسر.

تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا... قيل ان المراد بذلك الصلاة لاشتمالها على الركوع والسجود ولانهما ركنان من اركانها ولكن ظاهر قوله (تراهم) استمرارهم على ذلك كأنهم دائما في حال ركوع وسجود فلا يبعد ان يكون المراد بهما خشوعهم لله تعالى حيث انه باد على وجوه الصالحين بصورة مستمرة وفي كل الاحوال والسجود ليس اسما للحالة الخاصة بل هو عبارة عن الخشوع التام وبهذا المعنى ورد في قوله تعالى (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا)[5] اذ لا يمكن دخول الباب في حالة السجود بالمعنى الاخص. ويمكن ان يكون المراد كثرة الصلاة منهم.

يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا... اذا كانت الجملة تعليلا للذي قبلها فالمعنى انهم يصلون يبتغون بذلك فضله ورضوانه واذا كانت توصيفا مستقلا فظاهر الجملة انهم لا يقصدون باعمالهم الا الفضل من الله ورضوانه وهذا غاية المدح ونهاية الكمال فهم لا يبتغون في كل اعمالهم ونشاطاتهم الا فضل الله ورضوانه فاذا بذلوا الجهد لكسب مال او صحة وعافية او اي امر آخر مما يعود الى المصالح الدنيوية فانهم لا ينتظرون الا فضلا من الله تعالى في ان يرزقهم ويعافيهم و... وهذا يعود الى اعتقادهم بان كل ما يكسبونه من مال او يحصلون عليه من جاه او يضفى عليهم من صحة وعافية كل ذلك فضل من الله تعالى وليس نتاج عملهم وجهدهم وهكذا ينبغي ان يكون المؤمن فلا يجد نعمة الا ويحمد الله تعالى عليها ولا يعتبر لجهده تاثيرا في ذلك بخلاف الكافر فانه يقول كما قال قارون (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)[6] وكذلك من كان مثله وان ادّعى الاسلام فانه وان لم يقلها باللفظ الا انه هو ما انطوت عليه سريرته ويبرز من كل اعماله وسيرته فلو كان يعتقد انه من الله لدفع ما اوجبه عليه من حق ومن جهة اخرى فانهم لا يطلبون بعملهم الا رضوانه تعالى بمعنى انهم لا يطلبون من الدنيا الا ما هو مقدمة للآخرة. واذا عملوا للآخرة فلا يجدون انفسهم مستحقين لاجر وجزاء من الله تعالى بل يعلمون ان كل ما يثابون عليه فانما هو فضل من الله تعالى ثم انهم لا يهتمون بدخول الجنة بقدر ما يهتمون بتحصيل رضوان الله تعالى فالغرض الاسمى لهم وغاية الغايات هو تحصيل رضوان الله تعالى وهذا غاية في المعرفة والكمال.

سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ... السيما: العلامة وهو مقلوب من الوسم والمعنى ان اثر السجود بيّن عليهم إمّا بمعنى ان اثر الخشوع لله تعالى واضح من وجوههم ومن اعمالهم وسيرتهم وتواضعهم فيكون التعبير بكونه في وجوههم بمعنى انه بيّن عليهم وهذا أمر مشهود من المؤمن الصالح فان الخشوع لله يمنع من الكبر والخيلاء فاذا رأيت الانسان مختالا فخورا يتبختر في مشيه وفي ثيابه وفي مركبه وغير ذلك فاعلم انه لا يخشع لله تعالى، وإمّا بمعنى تأثير السجدة على جباههم فانهم ــ رضوان الله عليهم ــ ما كانوا يسجدون على الثياب او الفرش وانما يسجدون على التراب او الحصر والبواري فتؤثر السجدات الطويلة على جباههم ومن الناس من انكر ان يكون هذا امرا مطلوبا بدعوى انه رياء وهو خطأ فاحش فالرياء امر قلبي وليس كل ما يتظاهر به الانسان من اطاعة او خشوع رياءً بل المطلوب شرعا من المؤمن ان يحسن ظاهره وان يشترك في صفوف الجماعة في الصلاة وفي سائر الاجتماعات ليتبين للمجتمع صلاحه ويقتدي به غيره.

ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ... الظاهر ان (ذلك) اشارة الى ما مر ذكره من الصفات. والمثل كلام او غيره يمثل حقيقة بصورة اخرى فهذه الصفات المذكورة في التوراة تمثّل شخصية اصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ... تشبيه لهم بحقيقة عينية واردة في الانجيل على ما هو الظاهر من كونه جملة مستانفة. وقال جمع من المفسرين انه عطف على مثلهم في التوراة وقوله (كزرع..) مستأنف. وهو بعيد اذ لا وجه لتكرار (مثلهم).

والشطأ فرخ النبات يخرج من جذوره ثم يقطع ويزرع والمراد هنا ان هذا الفرخ يستعين بالشجرة الام والام تؤازره اي تعاونه في النمو الى ان يستغلظ ويقوى ويستوي على سوقه وهو جمع الساق ويدل التعبير على وجود مجموعة من الفروخ كل منها يستوي على ساقه وهذا النمو والاستغلاظ يحدث في هذه الفروخ بسرعة غير معتادة بحيث يعجب الزراع. والمراد بالتشبيه ان المؤمنين الذين هم حول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ينمو عددهم نموا هائلا فكل واحد منهم يهدي أحدا او جمعا من الناس ويربيه حتى يستكمل دينه فيستقل عن اصله وربما يزيد عليه وان هذا التنامي يعجب المجتمع البشري وهم المراد بالزراع. وقيل ان الشجرة الام هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والشطأ هم الصحابة وهو بعيد عن السياق. ولعل في التنبيه على هذه الجملة بعد صلح الحديبية اثرا عميقا في خروج جمع من الصحابة لنشر الدعوة في القبائل العربية.

لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ... الظاهر انه تعليل لهذا الجعل التكويني اي ان الله تعالى جعلهم كذلك كما وصفهم في الانجيل ليغيظ بتكاثرهم وتناميهم الكفار. وقيل انه تعليل لهذا التشبيه وهو بعيد اذ لا يعلم به اكثرهم بل كلهم ان اريد بهم مشركو مكة والجزيرة العربية. ولعل ما بأيدينا اليوم من الكتابين لا يوجد فيهما هذان المثلان اذ لم يحصل الباحثون على تصريح بهما وما ذكره بعضهم ليس كما ورد في القرآن.

ونسب الى بعض فقهاء العامة الاستدلال بالآية الكريمة على كفر الشيعة لانهم يغتاظون من الصحابة ومن كثرتهم ولئن صحت النسبة فهو دليل على عدم فقهه. وليس من الشيعة من يبغض احدا من الصحابة الذين آزروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتبعوه في ساعة العسرة وبايعوه حتى الموت وتفانوا في حبه والدفاع عنه. وفي ما نزور به سيدنا حمزة عليه السلام وشهداء احد رضوان الله عليهم دليل واضح على عدم فقه الرجل لو صحت النسبة وهي بعيدة. وليس من الصحابة من نبغضه الا عددا يسيرا جدا اظهروا بغضهم وعداءهم لاهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن واثقون من انهم كانوا يبغضون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم يتمكنوا من اظهاره في حياته بل ان بعضهم اظهره في مواقف لا تخفى على من راجع التاريخ بانصاف ومنهم الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته وبعد مماته. وهل تشمل هذه الآية المنافقين الذين هم في الدرك الاسفل من النار؟! وهل المنافقون اسم لجماعة باعيانهم او المقياس هو صفة النفاق؟! واخطر المنافقين من لا يعرفهم الناس وقد قال تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ)[7] وقال ايضا (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ..).[8]

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا... المعنى واضح ومن العجيب ما حاوله اغلب المفسرين من العامة من اعتبار (من) بيانية فيكون الوعد شاملا لجميع من كان مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم. ولو صح ذلك لم تكن حاجة الى ذكر هذه الجملة مع هذا البيان فان كونهم مؤمنين ويعملون الصالحات مفروغ عنه بل هذه الاوصاف صعد بهم الى اعلى مراتب الكمال فلا وجه لبيان هذا العنوان العام الذي يشمل كثيرا ممن هو دونهم فالصحيح الذي لا مناص منه هو ان (من) تبعيضية فتكون في الآية اشارة الى ان هذه الصفات هي الصبغة العامة ومنهم من ليس كذلك وهذا مما لا ريب فيه ولا شك يعتريه.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الامين واله الطاهرين.      

 

 


[1] آل عمران: 152

[2] هود: 106- 108

[3] المجادلة: 21

[4] الصافات: 171- 173

[5] البقرة: 58 والاعراف: 161 وفي سورة النساء: 154 (وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا)

[6] القصص: 78

[7] محمد ص 29- 30

[8] التوبة: 101