مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

سورة المرسلات من السور المكية وتتضمن التأكيد على يوم القيامة والتنديد والتهديد المتكرر عشر مرات بالنسبة لمن يكذّب بالرسالات وبالحساب والجزاء وفيها ايضا الاشارة الى بعض خصائص يوم القيامة.

وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا... أقسم بخمسة أشياء تناسب التأكيد على يوم القيامة وقد مرّ الكلام حول ما أقسم به الله تعالى في كتابه الكريم وقلنا إنه لا يشذّ عن القسم المتعارف وأنّ حقيقة القسم إنشاء ربط إعتباري بين كرامة المقسم به وما يتعهد به الحالف.

وكذلك ايضا الحلف على صحة ما يقوله وصدقه في بيان أمر مّا فان ذلك ايضا نوع من التعهّد، كأنّه يتعهّد للسامع صدق ما يخبر به، ويربطه ربطا اعتباريا باهتمامه بما يقسم به.

واللّه تعالى يقسم بكثير من مخلوقاته كالشمس والقمر والليل والنهار وغيرها. وربما تبدو كرامة بعض ما يحلف به غريبة لنا. ولعل الوجه في ذلك أنّ نسبة الخلائق اليه تعالى من حيث التكوين نسبة واحدة، وكرامتها ليست الا من جهة استنادها اليه تعالى، وانما يختار من بينها ما يناسب المقسم عليه.

والغرض من القسم في الأخبار غالبا هو التأكيد ودفع احتمال الهزل والكذب وأما في ما يقسم به الله تعالى فقد يكون الغرض التأكيد والتنبيه على أهمّية ما سيخبر به بعده فإنّ القسم يهيّء السامع لتلقّي خبر مهمّ فهذه الاقسام التي تأتي في مبدأ السور المكية غالبا وكذا غيرها ممّا يأتي ضمن الكلام وأثناء السور يقصد بها تقديم ما يهيّئ الارضية المناسبة لدى السامع لإلقاء الأنباء المهمة نظير ما يقدّمه الشعراء في مبدأ كلامهم حول توصيف الشخصيات المرموقة من الغزل وتوصيف الجمال البشري او الحديث عن عشق لاذع ومحبوب موهوم كل ذلك حسبما يناسب الغرض من سرد الشعر حول المقصود الاصلي.

والقرآن الكريم ليس شعرا ولا تخييلا ولا يتطرق للامور الخطابية والظنية وانما يشتمل على حقائق بعضها غريبة على الفكر البشري ولا يمكنه استيعابها فيخاطبه القرآن ببيان يناسب روحه ويستوعبه بقلبه فالحقائق العالية يمكن بيانها بطريق علمي بحت ومن البشر من يمكنه الفهم ولكنه لا يدخل قلبه ونحن نتأثر بمشاعرنا ولا نتأثر بعلومنا والعلم لا يلازم الإدراك والاحساس والله تعالى خالق البشر ويعلم من أيّ طريق يدخل قلبه وبأيّ بيان يؤثر في مشاعره ليدرك الحقائق العالية ولو إجمالا.

واختلف في المراد بما أقسم به الله تعالى في هذه الآيات على ثلاثة أقوال: فقيل المراد بها الملائكة وقيل الرياح وقيل بالتفصيل فالاول والثاني يراد بهما الرياح والثلاثة الاخيرة يقصد بها الملائكة.

ويعزّز هذا القول أنّ القَسَم الثاني عُطف على الاول بالفاء ممّا يعني أنهما يشكّلان مجموعة مستقلة، كما أن الرابع والخامس عُطفا على الثالث بالفاء مما يناسب أن تشكل الثلاثة مجموعة اخرى.

ولكن الانسب بالمقسم به هو أن يراد بها جميعا الملائكة بل هناك قرائن كما سيأتي ذكرها تدلّ على ذلك وتنفي احتمال إرادة الرياح. وعليه فلا بد من البحث عن سبب للعطف بالفاء.

ومهما كان فإن اُريد بالمرسلات الملائكة فوجه تأنيث الجمع أنّ المراد به مجموعات منهم نظير ما مرّ في سورة الصافات.

والعُرْف بمعنى تتابع أفراد الشيء تشبيها لهم بعرف الفرس وهو شعره المصفوف من رأسه الى ظهره ومنه قولهم (جاء القطا عُرْفا) فهو حال من المرسلات اي قسما بالمجموعات المتتابعة بانتظام من الملائكة المرسلة لتنزيل الوحي او لاي امر آخر. واما حملها على الرياح فغير مناسب للتشبيه بعرف الفرس كما هو واضح.

فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا... قيل: العصف بمعنى السرعة. والريح العاصفة اي سريعة الهبوب. وقيل بمعنى الخفة وتوصيف الريح بها من جهة أنّه يستخف بالاشياء فيقلعها. وقيل بمعنى الكسر وتوصيف الريح به من جهة أنّه يكسر ويهشّم الاشياء.

فإن اُريد بها هنا الملائكة فالظاهر أن المراد سرعة استجابتها فتهبّ كالريح العاصفة ويتبين بوضوح الوجه في الاتيان بالفاء فان سرعة الاستجابة متفرعة على الارسال. ويمكن أن يراد به الكسر والتهشيم بمعنى أنهم يكسرون كل مانع أمام إنجازهم لما بعثوا له. وإن اُريد بها الريح فالمعنى واضح الا انه لا يناسب الإرسال عرفا كما مر.  

وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا... النشر فتح شيء وتشعّبه كما في معجم المقاييس. والظاهر أنّ المراد الملائكة التي تنشر ما تتلقاه. والمراد بما تتلقاه إمّا أن يكون خصوص أوامر الله التكوينية في الكون او ما يشمل الوحي المرسل الى الرسل ايضا.

وقيل المراد نشر صحف الوحي خاصة بإبلاغها الى الرسل وقيل نشرها أجنحتها وقيل المراد الرياح التي تنشر السحب.

فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا... الفرق: الفصل والتمييز بين شيئين او أشياء. والفاء للدلالة على ترتب التفريق على النشر. فإنّ النشر والبسط قد يكون عشوائيا ولكنّ هذا النشر مرتّب فيضع كل شيء في موضعه وهو المراد بالتفريق اي جعل كل أمر من الاوامر الالهية في موضعه الخاص وهذا العنوان يشمل إيصال الاوامر التكوينية بالنسبة لكل ما يحدث في الكون من صغيرة وكبيرة كما يشمل إيصال الوحي الى الرسل.

وقيل المراد التفريق بين الحق والباطل بانزال الوحي. وقيل المراد الرياح التي تنشر السحب فتفرّقها في البلاد ولكنه يقتضي وحدة المعنى بين النشر والتفريق فلا يبقى للفاء اثر.

فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا... اي الملائكة التي تلقي بالذكر على الرسل. والذكر هو القرآن او كل كتاب سماوي او كل وحي من الله تعالى الى الرسل. والتعبير عن الوحي بالذكر باعتبار أنه في الغالب يذكّر الانسان بما تمليه عليه الفطرة من وجوب إطاعة الله تعالى.

والفاء ــ بناءا على ما ذكرناه ــ لترتب إلقاء الذكر والوحي على التفريق بالمعنى العام كما بينا. والتعبير بالإلقاء للدلالة على تنزيل الوحي والشرع على الرسل من السماء بمعنى العلوّ المعنوي فهذا من تشبيه العلوّ المقامي بالعلوّ الحسّي ومثله كثير في القرآن.

عُذْرًا أَوْ نُذْرًا... تفصيل للذكر وأنه قد يشتمل على عذر للانسان اي حجّة له حيث يرخّص له في ما يريد من قبيل ما ورد من التحليل والاباحة وقد يكون مضمون الذكر إنذارا حيث يشتمل على تكليف لا بدّ له من الالتزام به ليتخلص من تبعة المخالفة.

وحاصل ما رجّحناه من الإحتمال أنّ المراد بهذه الأقسام خصوص الملائكة الكرام اذ لا محمل للاخير غيرهم ويستبعد التفريق بينها فالله تعالى يقسم بالملائكة المرسلة بانتظام كعرف الفرس والمسرعة لإيصال الاوامر والناشرة لها مع وضع كل امر في موضعه ومنهم الملائكة الآتية بالوحي المشتمل على التكاليف وغيرها.

إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ... هذا هو المقسم عليه وهو أمر مناسب لما أقسم به اي الملائكة خصوصا ملائكة الوحي ومن هنا يظهر لطف هذا التقديم للتأكيد على أنّ ما يوعد به الانسان من الحساب والجزاء أمر واقع لا محالة وجزء من هذا النظام الدقيق فالله تعالى أرسل الملائكة تباعا لنظم الكون ولتنظيم شريعة السماء بين البشر فلا بدّ من أن يكون هناك هدف وراء كل هذا النظم والدقة.

وأتى بفعل المضارع لان الوعود مستمرة في جميع الرسالات وطيلة مدة كل رسالة فنجد الكتاب العزيز مليئا بالوعد والوعيد حول هذا الامر ليقطع كل عذر عن الانسان ولا يبقي له مجالا لدعوى الغفلة.

فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ... الفاء للتفريع على وقوع الموعود وبيان لموعده بذكر بعض ما يقع في ذلك اليوم كعلامات لوقوعه.

ويلاحظ أنّ هناك موعدين: موعد زوال هذا النظام الكوني وموعد إحياء البشر في نظام جديد للكون وقد اُشير اليهما معا في قوله تعالى (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ)[1] ولا يعلم الفاصل بينهما الا الله تعالى ولكن العلامات التي تذكر في مثل هذه الآيات بعضها يرتبط بالاول وبعضها بالثاني وكأنّهما معا شيء واحد.

وطمس النجوم إزالتها ومحوها ويمكن ان يطلق على ازالة ضوئها باعتبار محو الأثر المتوقع منه كما يعبر به عن عمى العين ولعل منه قوله تعالى (وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ..)[2] وطمس النجوم من علائم زوال هذا النظام الكوني.

وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ... الفَرْج والفُرْجة الشقّ بين شيئين كما في المفردات وفي معجم المقاييس انه (يدل على تفتح في الشيء ومن ذلك الفُرجة في الحائط وغيره: الشق). فالآية بمعنى قوله تعالى (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ)[3] وفي مجمع البيان (شُقّت وصُدعت فصار فيها فروج).

وقد مرّ الكلام في سورة الحاقة في تفسير قوله تعالى (وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ)[4] أن انشقاق السماء يوم القيامة قد لا يراد به بيان ما يحدث يوم انهدام النظام الكوني كما في قوله تعالى (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ..)[5] حيث اعتبرت السماء في هذه الآية منفرجة وفي سورة الحاقة واهية وليست منعدمة وأوضح منه قوله تعالى (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا).[6]

والانفراج في هذه الآية ايضا من قبيل الانشقاق في سورة الحاقة وغيرها حيث قلنا إنّ من المحتمل أن يكون انشقاق السماء وانفراجها ووهْيها وتصدّعها وانفطارها وكونها وردة كالدهان وكالمهل ونحو ذلك مما ورد في الآيات الكريمة كناية عن ارتفاع المانع من ارتباط الانسان بالملك. وعليه فهذه الآية تحكي عن حالة خاصة بيوم قيام الخلق لا يوم الانهدام والموت بخلاف الآية السابقة.

وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ... النسف: القلع والازالة. فيمكن أن يكون إشارة الى ما يتحقق يوم انهدام الكون ومنه زوال الارض والجبال فيكون نسف الجبال تبعا لتهدّم الكرة الارضية بل كل النظام الكوني.

ولكن هناك احتمال آخر ذكرناه في تفسير قوله تعالى (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً)[7] وهو أنّ المراد بها انكشاف الامر وعدم إمكان تستّر الانسان بشيء ولا اللجوء الى شيء كالجبال كما يظهر من قوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا).[8] راجع تفصيل ذلك في تفسير سورة الحاقّة.

وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ... (اُقّتت) تفعيل من الوقت مبنيّ للمجهول واُبدلت الواو همزة. والتوقيت بمعنى تحديد نهاية الأمد الزماني للشيء.

وقد اختلفوا في معنى الآية فقال في الميزان (أي عيّن لها الوقت الذي تحضر فيه للشهادة على الأمم أو بلغت الوقت الذي تنتظره لأداء شهادتها على الأمم).

وفي روح المعاني (بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره) وقيل بمعنى جُمعت وقيل إنّ المراد بالرسل الملائكة وهو بعيد فالمتبادر من الاستعمال القرآني للرسل هم المرسلون من البشر. وقيل غير ذلك.

ولا شك في أنّه لو كانت هذه الآية معطوفة على ما سبقها فلا بد من أن يكون المراد بها احدى علامات الساعة كما هو مقتضى سياق الآيات فلا يمكن أن يكون المراد نفس التوقيت الذي هو تحديد الموعد بل لا بد من كونه بلوغ موعد خاصّ بهم وهو خلاف ظاهر التوقيت فإن صحّ ولو تجوّزا ان يكون المراد به بلوغ الموعد أمكن الحمل على احد المعاني المذكورة.

ولكن في المجمع عن الامام الصادق عليه السلام أنّه قال في تفسيرها (اي بعثت في أوقات مختلفة) ونسب القمي نفس العبارة الى الامام الباقر عليه السلام والظاهر أنّ مفسري الشيعة لم يُعِيروا الحديث اهتماما لكونه مرسلا ففسّروا الآية بوجوه اخرى حتى إنهم لم يذكروا تأويلا للحديث.

والظاهر أنّ التفسير الصحيح للآية هو ما ورد في الحديث فالمعنى بناءا عليه أنّ الرسل حيث بعثوا في أوقات مختلفة ــ وهذا معنى التوقيت ــ ولم يصلوا الى نتيجة قطعية ولم يؤمن بهم وبرسالتهم المجتمع البشري ولم تتحقق وعود النصر الالهي فالى متى يتأخر وصول الدعوة الى النتيجة المطلوبة من الرسالة؟ او لاي يوم اُجّل موعدهم فيما وعدهم الله تعالى من نصرتهم على أعدائهم ومناوئيهم؟

ويبدو بناءا على ما ورد في هذا الحديث أنّ هذه الآية منفصلة عما سبقها ــ وهذا الامر ليس بغريب في القرآن وإن كان السياق يوهم الارتباط ــ والجواب محذوف في الآيات السابقة اعتمادا على ما قبلها حيث قال (انما توعدون لواقع) فالجواب بعد الآيات الثلاث التي تعدّ بعض علامات القيامة يمكن ان يقدر (يقع ما توعدون).

وأمّا هذه الآية فليست بناءا على هذا الحديث ضمن بيان العلامات بل تبيّن مع تاليتها أمرا آخر وهو أنّ الرسل لمّا بعثت في أوقات مختلفة لأيّ يوم اُجّلت؟ اي لأي يوم اُجّل موعد وصولها الى النتيجة المطلوبة من الرسالة؟

ومنه يظهر أنّ التأجيل مرتبط بهذه الآية فقط لا مجموع ما سبق من الآيات كما في الميزان. ويظهر ايضا أنّ هذه الآية مبدأ لمقطع جديد هو الغرض الاصلي في السورة وهذا المقطع مستمر الى آخرها.

والتأجيل: التأخير وأصله من الأجل اي غاية أمد الشيء. و(ايّ) للسؤال وأتى بالجواب في الآيات التالية.  

لِيَوْمِ الْفَصْلِ... اي اُجّلت الرسل ليوم الفصل. اي فصل الحق عن الباطل وفصل القضاء بين الظالم والمظلوم وفصل المؤمن عن الكافر والمتقي عن الفاجر ففي هذه الحياة تجد كثيرا من الناس بمظهر المؤمن المتقي وفي ذلك اليوم حيث تبدو الحقائق واضحة للجميع تتبين حقيقة كل امرئ مراء منافق ويظهر للناس جميعا أن ما جاء به الرسل هو الحق لا ريب فيه.

وبذلك تتبين نتيجة بعث الرسل ونتيجة ابتلاء الانسان وامتحانه ويوضع كل انسان في موضعه الصحيح فيعلو كثير ممن عُدّوا في المجتمع البشري من السفلة ويسقط كثير من أعالي الناس الى دركات الجحيم كما قال تعالى (خافِضَةٌ رافِعَةٌ).[9] 

وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ... الاستفهام بهذا التعبير للتعجيب والتهويل ولكنه هنا مضافا الى ذلك يحكي عن حقيقة فجهل الانسان بيوم الفصل امر واقع لا ريب فيه مهما اُوتي من ذكاء ومهما تلا الآيات وقرأ الاحاديث عن ايمان بالغيب فتلك حقيقة غريبة للانسان بعيدة عن فهمه وادراكه. والخطاب للانسان.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ... (ويل) كلمة تقال للتنديد بأحد والتقبيح لفعله وربما تشتمل على دعاء عليه بالشر او تهديد بما يصيبه منه كما تفيده هنا والظاهر أن معناها يختلف حسب اختلاف الموارد كما يظهر من كلمات اللغويين وموارد الاستعمال.

والمراد بالمكذّبين الذين كذّبوا الرسل او الرسالات بناءا على ما مرّ من أن هذه الآيات مرتبطة بقوله تعالى (واذا الرسل اقتت) فهذه الآية جواب عن قوله (وما أدراك ما يوم الفصل) حيث تشير الى أحد مميزات ذلك اليوم وهو نزول العذاب على المكذبين بالرسالات.

وبهذه الآية تتم الجواب عن السؤال بقوله تعالى (لاي يوم اجلت) وهذا المعنى جار في جميع المقاطع الآتية فيراد بهذه الآية في كل منها التهديد بما يجري على مكذبي الرسل يوم القيامة.

 


[1] يس: 48- 53

[2] يس: 66

[3] الانشقاق: 1

[4] الحاقة: 16

[5] ابراهيم: 48

[6] الفرقان: 25

[7] الحاقة: 14

[8] طه: 105- 108

[9] الواقعة: 3