مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ... عاد من الاقوام القديمة جدّا وكانوا يسكنون الجزيرة العربية وقد مرّ ذكرهم في سورة الاحقاف والظاهر أن مساكنهم كانت بين اليمن وعمان. والمخاطبون بالقرآن كانوا يعرفونهم ويتناقلون أخبارهم ومن تعابيرهم تسمية كل قديم بالعادي نسبة الى هذا القوم وفي الحديث (عاديّ الارض لله ولرسوله)[1] وقد أرسل الله تعالى اليهم هودا عليه السلام وقد تكرّر ذكر قصتهم في القرآن ولكنه هنا أشار اليها اشارة اجمالية للتأكيد على عدم تذكّر القوم من ذكر هذه الاقوام وعدم اعتبارهم بما حدث لهم ولذلك لم يذكر اسم الرسول. وانما المهم أنهم كذّبوا رسولهم فانظروا كيف كان عذابي ونذري واعتبِروا بها.

إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ... هذا تفصيل بعد اجمال القول في الجملة السابقة. والصرصر الريح شديدة الهبوب مأخوذ من الصَرّة بمعنى الضجة والصوت الشديد وكل ما كان من هذا القبيل يدل على التكرار نحو دمدم تكرار دمّ بمعنى سوّى فكأن المباني سوّيت عليهم مكررا حتى صارت ارضا مستوية ولذلك جاء بعدها (فسواها) ونحو زلزل تكرار زلّ اي انحرف عن مكانه وكبكبوا تكرار كُبّ اي اسقط وغير ذلك. وقيل الريح الصرصر شديدة البرد فان كانت بهذا المعنى فهو من باب الابدال نظير جفجف بمعنى جفّف فانّ اصله الصِرّ وهو شدة البرد والاول اولى.

والنحس بسكون الحاء او كسره صفة مشبهة من النحوسة وهي ضد السعادة ومعناها سوء الحال والشقاء اي في يوم شقاء وشؤم عليهم واضافة اليوم اليه من اضافة الموصوف الى الصفة. واما المستمر فقد أشكل توصيف اليوم به فلا بد من تأويله فيمكن ان يكون الوصف للنحس اي النحوسة استمرت عليهم عدة أيام لقوله تعالى (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ ريحاً صَرْصَراً في‏ أَيَّامٍ نَحِساتٍ)[2] وقوله تعالى (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّام‏)[3] ويمكن ان تكون صفة ليوم ولكن المراد به مرحلة من الزمان كما يقال يوم نعيم ويوم بؤس ويقال ان اليوم يطلق على الوقائع والحروب وعليه فاليوم يشمل سبع ليال وثمانية أيام. وقيل المستمر ليس بمعنى الاستمرار بل بمعنى الشديد لشدة العذاب فيه والمِرّة الشدة كما مر في تفسير سورة النجم.

وقيل ان معنى الآية ان هذا اليوم وهو يوم الاربعاء يوم نحس مستمر وأن نحوسته لا تختص بهم. وقد وقع الكلام في صحة دعوى النحوسة والشؤم في الايام وغيرها وكذا ما يتفأل به ويعتقد أنه موجب للوصول الى الاهداف المبتغاة ومع أن هذا المعتقد لا يستند الى دليل علمي ولا شرعي الا أنه ربما يستغرب من التأكيد في القرآن على كون هذه الايام نحسات او هذا اليوم نحسا في هذا المورد بالخصوص من موارد نزول العذاب الالهي.

ولكن الصحيح هو كون الايام المذكورة نحسات عليهم خاصة لا أن ذلك من خصوصية اليوم او الايام والا لكان جميع ايام الاسبوع نحسات لقوله تعالى (سبع ليال وثمانية أيام) مضافا الى أن كل يوم او كل حادث يحمل شرا لقوم قد يكون خيرا وبركة لقوم آخرين بل هو كذلك دائما او غالبا فلا معنى لكون اليوم نحسا بوجه مطلق. نعم هناك روايات كثيرة من الفريقين تنهى عن بعض الاعمال في بعض الايام كالسفر والزواج والحجامة وغير ذلك ولكنها غالبا ضعيفة او مرسلة بل هناك روايات كثيرة ايضا ترد على ذلك وتنفي نحوسة الايام كما أن هناك ما يدل على أنه لابأس بالسفر وغيره من الاعمال في أي وقت شئت مع الصدقة والتوسل ونحو ذلك.

تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ... الجملة صفة للريح و(تنزع) بمعنى تقلع والتعبير تظهرهم كأنهم متشبثون بالارض وبما حولهم من الاجسام يقاومون الريح العاتية ولكنها تقلعهم من الارض وتبعث بهم في الهواء. والاعجاز جمع عَجُز أي مؤخر الشيء والمراد بها هنا اصول النخل. ولعل وجه تشبيههم بها عظم جثثهم لأن اصول النخل عظيمة. والمنقعر من القعر بمعنى اقصى الشيء وعمقه. والمعروف أن المراد به هنا ما قلع من الارض فهو تشبيه لهم باصول النخل الساقطة وقيل: انه بمعنى الضاربة في عمق الارض فالمراد التأكيد على عظم خلقتهم او شدة تشبثهم بالحياة. ويحتمل أن يكون بمعنى ما أخرج قعره فبقي قشرة خالية ليطابق قوله تعالى (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ)[4] وان لم يذكره المفسرون ولا اللغويون.  

فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ... مرّ الكلام حول الآيتين.

 


[1] سنن البيهقي ج6 ص237 باب لا يترك ذمي

[2] فصلت: 16

[3] الحاقة: 7

[4] الحاقة: 7