مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ الله فَاهْدُوهُمْ إِلى‏ صِراطِ الْجَحيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (24) ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)

 

هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذّبون... الظاهر أنّ هذه الجملة ليست معطوفة على سابقتها فتلك كلام الكفار وهذه خطاب موجّه اليهم من الله تعالى او من الملائكة بأمره.

وقيل: بل هي معطوفة وذلك لأنّ بعضهم يخاطب بعضا: هذا يوم الفصل.. ولكنّ الاحتمال الأول أقرب باعتبار الجملة التالية والتي لم تعطف على هذه الجملة مما يدلّ على أنّهما متواليتان. ومن الواضح أنّ الجملة التالية ليست من كلام الكفار.

والمراد بالفصل، الفصل بين الحق والباطل فلا تختلط الامور ولا تشتبه، ولا يختلط الناس، ويتميز اصحاب الحق عن اصحاب الباطل، ويفرّق بين المجرمين والمؤمنين كما قال تعالى (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) يس: 59. وهو ايضا يوم القضاء الفصل يحكم الله بين عباده في ما كانوا فيه يختلفون، وينال كل انسان حقه ونصيبه، لا ظلم اليوم... ويقتص من كل ظالم ما ظلمه.

نعم هذا يوم الفصل الذي كانوا يكذّبون به قولا او عملا فهناك من الناس من يظهر أنه مؤمن بيوم الفصل ومؤمن برسالات السماء، ولكنه بعمله يظهر بوضوح أنه لا يؤمن به قلبا الا اذا سمينا الاحتمال ايمانا. وهذا يشمل كثيرا من المؤمنين.

وقوله (كنتم) يدل على الاستمرار وأن هذا كان دأبهم وديدنهم.

احشروا الذين ظلموا وأزواجهم... امر من الله تعالى الى ملائكته. والازواج جمع زوج، ويطلق على كل من يقرن بغيره، فكل قرين زوج.

وفي المراد بالازواج هنا احتمالات:

منها: ان يكون المراد زوجاتهم اللاتي كنّ على دينهم بل يساعدنهم في ظلمهم وطغيانهم، وهناك كثير من المظالم التي ارتكبها الرجال يعود سببها الى إغواء المرأة واغرائها، حتى ان بعض الحروب الطويلة التي اهلكت الحرث والنسل اذا بحثت عن اصولها الدفينة تجد انها كثيرا ما تستند الى رعونة امرأة فاسدة.

ومنها: انّ المراد قرناؤهم من الشياطين ويناسب ما مر من ذكر الشياطين واعتماد الكفار على اخبارهم التي كانوا يحصلون عليها عن طريق الكهنة، وقد تكررت الاشارة الى وجود الشياطين القرناء في الآيات المباركات، كقوله تعالى: (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا) النساء: 38، وقوله تعالى: (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ..) فصلت: 25، وقوله تعالى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) الزخرف: 36-39.

ومنها: أنّ المراد أقرانهم وأمثالهم الذين هم على شاكلتهم فيكون اشارة الى ان كل مجموعة من الظلمة تحشر مع بعض. ولعله اقرب الوجوه ويؤيده ما ياتي من مخاصمة الكبراء والاتباع.

وما كانوا يعبدون من دون الله... الظاهر انّ المراد به الاصنام. وقد تكرر ايضا انّ الكفار يحشرون مع اصنامهم وانّهم معا وقود النار، كقوله تعالى: (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ..) البقرة: 24، بناءا على انّ المراد بالحجارة الاصنام، وقوله تعالى: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ..) الانبياء: 98.

فاهدوهم الى صراط الجحيم... اختلفت التعابير في تفسير الهداية وانه الارشاد الى ما فيه الخير، او الدلالة بلطف وعناية. وعلى كل تقدير فالتعبير هنا بالهداية انما هو للتهكم والاستخفاف بهم، كقوله تعالى (فبشرهم بعذاب اليم). والجحيم: النار العظيمة شديدة التأجّج، من الجحمة (بالضم ثم السكون).

وقفوهم إنّهم مسؤولون * ما لكم لا تناصرون... (قف) فعل امر من الوقوف، وهو بمعنى الايقاف، كقول امرئ القيس (وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم).

وظاهر سياق الآيات انّ المراد من السؤال في هذا الموقف ما ورد في الآية التالية (ما لكم لا تناصرون) اي لا تتناصرون.

وهذا السؤال يشتمل على تأنيب وتعذيب حيث كانوا يتبجّحون في الدنيا بتناصرهم، وتأييد كل واحد منهم صاحبه، وتمسكهم بمذاهبهم الفاسدة، ونصرتهم لآلهتهم وطواغيتهم، وكانوا يتوقعون من آلهتهم ان ينصروهم في كل موقف حتى لو كان هناك موقف امام الله تعالى، فهذه الاية تذكّر الانسان بما يصيبه من خيبة أمل هناك حيث يجد أن لا ناصر له ولا معين. وهذا الخطاب يؤنّبهم ويعذبهم نفسيا. وليس لهم جواب عن هذا السؤال، انما هم ناكسو رؤوسهم لا يرتدّ اليهم طرفهم وأفئدتهم هواء. وما عساهم يجيبون؟!

ويحتمل أن يكون المراد السؤال عن الايمان وعن الأعمال كما ورد في بعض الأحاديث وفي بعضها انهم مسؤولون عن ولاية علي عليه السلام. [1] ولا شك ان ولايته وولاية الائمة المعصومين عليهم السلام من اركان الايمان، ولا يتم الايمان الا بالاعتقاد بها، ومن لا يؤمن بها فايمانه ناقص نظير من يؤمن بالله ولا يؤمن بالرسالة.

ولكن لا ينحصر ما يسأل الانسان عنه يوم القيامة في الولاية وانما هي احد ما يسأل عنه، فالروايات انما تركز عليها بالخصوص لانها امر غفل عنه الناس بل انكروه واستخفوا به بالرغم من تأكيد الرسول صلى الله عليه واله وسلم. اذا فالمسؤول عنه هو كل ما عمله الانسان، وما اعتقد به، وما تركه مما يجب عليه، وكل ما اسرّ به او جهر، وكل صغيرة وكبيرة.

الا أن سياق الآيات يأبى عن الحمل على السؤال عن الايمان والأعمال فضلا عن خصوص الولاية. لأن موقف السؤال عن الاعمال والايمان هو قبل الامر بإلقائهم او سوقهم الى النار، فالاولى ما ذكرناه من أن مورد السؤال عدم التناصر.

بل هم اليوم مستسلمون... (بل) للاضراب، اي انه لا وجه  للتناصر، فان ذلك انما يصح في ما اذا كانت هناك مواجهة مع عدو مشترك يمكنهم التجمع والتناصر ضده، وانما هـم اليوم مستسلمون امام الارادة القاهرة الجبارة التي لا يقاومها شيء، ولم يقاومها شيء في الحياة الدنيا ايضا، ولكن الله تعـالى أمهلهم ليبرز كل واحد منهم ما في قلبه، وما يكمن في مكنون ضميره. واما اليوم فهم مستسلمون لما اكتسبوه من جزاء، ولما ينتظرهم من مستقبل تعيس. والاستسلام طلب للسلامة، والمراد لازمه وهو التسليم والانقياد.

 

[1] راجع تفسير نور الثقلين