مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ... المصيبة كل حادثة تصيب الانسان بشرّ مع أن الاصابة في الاصل تصدق في الخير والشر الا أنها لا تستعمل الا في الشر ولعله من جهة تضمن لفظ الاصابة بالذات أمرا غير متوقع وغير مطلوب. والاذن هنا ليس بمعنى العلم او الاعلام ــ كما يقال ــ بل بمعنى الامر فان كل حادث لا يحدث الا اذا أمر به الله تعالى أمرا تكوينيا وان منعه تشريعا.

ومن ذلك ما ورد عن الامام الحسين عليه السلام أنه خاطب أصحابه يوم عاشوراء فقال: (اشهد أنه قد اُذِنَ في قتلكم يا قوم فاتقوا الله واصبروا)[1] ومعنى أمره تكوينا أن العلل التكوينية لوجود الشيء قد تحققت خارجا فهو حاصل لا محالة. والله تعالى لم يمنع من تحققها بايجاد موانع خلافا لسنة الكون.

وموضع هذه الآية في سياق الآيات أنها مقدمة جيء بها تمهيدا لما يأتي من الامر بالانفاق بعد الامر بمطلق الاطاعة في الآيات التالية والظاهر أنه الغرض الاساس من السورة كما مر في بداية تفسيرها وحيث ان من موجبات البخل وعدم الانفاق هو خوف الانسان مما يستقبله من مصائب الدهر فالمناسب تمهيدا للحث على الانفاق تقوية روح الايمان في الناس وازالة الخوف على المستقبل من نفوسهم ومن الواضح أن الايمان بأن كل ما يصيب الانسان انما هو بأمر الله تعالى يقوي فيه العزيمة ويخفف عنه الآلام ويبعثه على الصبر وتحمّل المشاقّ كما ورد في خطاب الامام الحسين لأصحابه عليه وعليهم السلام فأثار فيهم الشوق الى لقاء الله تعالى بحيث لم يجدوا ألما من كل ما أصابهم من الضرب والطعن.

ولكن يجب أن لا يكون ذلك موجبا للتقاعس عن طلب الرزق والشفاء وغير ذلك من الطرق والوسائل الطبيعية التي جعلها الله تعالى فان تأثير كل ذلك بأمره كما أن الدعاء والتوسل ايضا يؤثران بأمره واذنه تعالى. وقد ورد في حديث رواه الصدوق في التوحيد عن الاصبغ بن نباتة قال: (إن أمير المؤمنين عليه السلام عدل من عند حائط مائل إلى حائط آخر فقيل له يا أمير المؤمنين أتفر من قضاء الله ؟ فقال أفر من قضاء الله إلى قدر الله عز وجل)[2]

والقضاء يطلق تارة ويراد به الحكم الذي لامردّ له ويطلق اخرى ويراد به القضاء غير الحتمي وهو بهذا المعنى مساو للقدر فان القدر هو تقدير الاشياء بطولها وعرضها وعللها ومعاليلها والقضاء غير الحتم هو هذا المعنى اي ان الله تعالى جعل لكل شيء قدرا فاذا تحققت العوامل تحقق الشيء فقوله عليه السلام (افر من قضاء الله) اي افر من قضائه سقوط الحائط اذا بلغ الميل فيه الى المرحلة التي توجب السقوط الى قدر الله حيث انه قدر ان من لا يكون في تلك المرحلة عند الحائط فلا يقع عليه وكل منهما قضاؤه وقدره.

والحاصل أن ما يصيب الانسان قد يكون لعمله دور فيه او في عدمه، وهو ايضا من الاسباب، فلا يصح أن يبرر ترك التوسل بأنه تمّ بارادة الله تعالى وانما يفيد الايمان به في ايكال الامر الى الله تعالى في ما ليس للانسان دور في تحقق ذلك، وهو كثير. ومن السفاهة ما يبرر به بعض الظلمة عدوانهم على الابرياء بأن ذلك من قضاء الله تعالى. 

وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ... هذه الجملة تدل ــ كما أسلفنا ــ على أن الايمان لا يراد به التلفظ بالشهادتين، فان ذلك لا يستتبع هداية القلب. ومن هنا يمكن أن يستنتج أن كل من لا يستتبع ايمانه هداية القلب فهو ليس بمؤمن بالله تعالى وان تشهد الشهادتين وصلى وصام وحج البيت الحرام. ولعل في التعبير بهداية القلب اشارة الى أن المراد ليس الايصال الى المطلوب وليس سدّ الطرق فلا يبقى له طريق الا طريق الهداية بل هو نور يقذفه في قلب المؤمن فيبصر به الطريق ويهتدي الى الحق باختياره. 

كما أن مناسبة الجملة السابقة تفيد أن الايمان بكون المصائب والحوادث كلها من الله تعالى لا يؤثر اذا كان مجرد تعقل وادراك وانما يؤثر في حياة الانسان ويبثّ فيه الطمأنينة والراحة اذا استشعر ذلك بقلبه وهو مرحلة من الايمان وراء الادراك العقلي. وربما لا يناله كثير من العلماء والمتكلمين بالرغم من تفوقهم العلمي وتمكنهم من الاستدلال على العقائد الحقة بأقوى الادلة وانما يناله الانسان بالتقوى في مقام العمل.

ومن هنا يمكن أن يقال: ان المراد بالهداية خصوص هدايته الى التوحيد الكامل الموجب لاسناد كل حوادث الكون الى الله تعالى فيسلّم أمره اليه ويتوكّل عليه وربما يهديه الى حسن الظن به تعالى وأن كل ما يفعله لعبده المؤمن خير له عاجلا أم آجلا فيصل الى مرحلة الرضا بقضاء الله تعالى.

ثم ان الايمان المذكور في الآية مسبوق بهداية وملحوق بهداية اخرى اذ كيف يؤمن لولا هداية الله تعالى فالهداية الاولى اراءة الطريق وهو مشترك بين الكل فاذا آمن العبد ايمانا كاملا لحقته هداية خاصة ونور يقذفه الله في قلبه وينير له الطريق.

وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ... لعل التعقيب بذلك للاشارة الى أن هداية القلب حيث كانت جزاءا للايمان الكامل وهو أمر قلبي فالله تعالى العليم بكل شيء يعلم ما يتغلغل في القلوب ويعلم من يستحق ذلك.

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ... الأمر باطاعة الله تعالى مقدمة للامر باطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وهو المقصود والغرض الاساس فان وجوب اطاعة الله تعالى أمر عقلي وذاتي لا يحتاج الى تشريع بل لا يمكن تشريعه لأنها لو وجبت بأمر الله تعالى انتقل الكلام الى وجوب اطاعة الامر الثاني فهذا دور ومحال.

وانما يحكم العقل بوجوب اطاعة الله تعالى اما لأنه المنعم ويجب شكره عقلا واما لأنه مبدأ كل شيء فتتوقف سعادة الانسان في كل مرحلة من مراحل الحياة ــ سواء في هذه الدنيا او في عالم آخر ــ على كسب رضا الله سبحانه فهو الذي يرجى ثوابه ويخاف عقابه ولذلك لا يجوز ان يُعبد الا هو، والاطاعة من أنحاء العبادة فلا يطاع الا هو كما ستأتي الاشارة اليه في الآية التالية. وأما وجوب اطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم فليس أمرا ذاتيا وانما يثبت بتشريع من الله تعالى.

فالغرض من هذه الآية ونظائرها تنبيه الناس على وجوب اطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم كغيره من الرسل حيث قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ..)[3] وانما قدّم وجوب اطاعة الله للتنبيه على أن اطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم بمثابة اطاعته عزّ وجلّ.

والمراد باطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم اطاعته في الاوامر الخاصة التي يوجهها الى أشخاص بأعيانهم والأوامر العامة التي كان يصدرها من باب الحكومة والولاية لا من جهة الرسالة. وقد مرّ بنا أن بعض النفوس كانت ترفض التسليم لقضائه صلى الله عليه وآله وسلّم او لتوزيعه المال او لاوامره الخاصة، بل ربما كان بعضهم يستنكف من قبول بعض أوامره العامة ايضا ويسأل: (هل هذا منك أم من الله؟) خصوصا في موارد الامر بالجهاد وبالانفاق في سبيل الله تعالى فان بعض النفوس كانت تأبى عن اطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم فيها ــ مع الايمان برسالته ــ لما يصيبهم من الاذى والمشقة في هذا المجال.

وأما تشريعه صلى الله عليه وآله وسلّم لبعض الاحكام الشرعية فالظاهر أنها تعتبر ــ بعد تشريعه ــ من الشريعة الالهية فاطاعة هذه الأوامر اطاعة لله تعالى ابتداءا. وتفصيل القول في ذلك له مجال آخر واجماله أن المستفاد من الروايات الكثيرة المتفق عليها أن الله تعالى فوّض الى رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم التشريع في بعض المجالات ومن باب المثال فقد ورد أن الله تعالى فرض الصلاة ركعتين ركعتين وأنه صلى الله عليه وآله وسلّم أضاف بعض الركعات. كما ورد أن الله تعالى فرض الزكاة ووضعها الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم في تسعة أشياء وعفا عما سواها وغير ذلك. وهو ما يدعى في الفقه بالسنة الواجبة. ولكن ورد في بعض الروايات أن الله تعالى نفّذ هذه الاحكام بعد تشريعها من قبله صلى الله عليه وآله وسلّم لتدخل في صلب الشريعة تحقيقا لحصر الحكم في ما يشرّعه الله تعالى.

روى الكليني قدس سره عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ لِبَعْضِ أَصْحَابِ قَيْسٍ الْمَاصِرِ (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَدَّبَ‏ نَبِيَّهُ فَأَحْسَنَ أَدَبَهُ فَلَمَّا أَكْمَلَ لَهُ الْأَدَبَ، قَالَ «إِنَّكَ‏ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ» ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَ الدِّينِ وَالْأُمَّةِ لِيَسُوسَ عِبَادَهُ‏ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ «ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلّم كَانَ مُسَدَّداً مُوَفَّقاً مُؤَيَّداً بِرُوحِ الْقُدُسِ لَا يَزِلُّ وَلَايُخْطِئُ فِي شَيْ‏ءٍ مِمَّا يَسُوسُ بِهِ الْخَلْقَ فَتَأَدَّبَ بِآدَابِ اللَّهِ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ الصَّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ فَأَضَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلّم إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَإِلَى الْمَغْرِبِ رَكْعَةً فَصَارَتْ عَدِيلَ‏ الْفَرِيضَةِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُنَّ إِلَّا فِي السَّفَرِ وَأَفْرَدَ الرَّكْعَةَ فِي الْمَغْرِبِ فَتَرَكَهَا قَائِمَةً فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ فَأَجَازَ اللَّهُ لَهُ ذلِكَ كُلَّهُ فَصَارَتِ الْفَرِيضَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ سَنَّ‏ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلّم النَّوَافِلَ أَرْبَعاً وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً مِثْلَيِ الْفَرِيضَةِ فَأَجَازَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ ذلِكَ وَالْفَرِيضَةُ وَالنَّافِلَةُ إِحْدى‏ وَخَمْسُونَ رَكْعَةً مِنْهَا رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَتَمَةِ جَالِساً تُعَدَّانِ‏ بِرَكْعَةٍ مَكَانَ الْوَتْرِ وَفَرَضَ اللَّهُ فِي السَّنَةِ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلّم صَوْمَ‏ شَعْبَانَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِثْلَيِ الْفَرِيضَةِ فَأَجَازَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ ذلِكَ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْخَمْرَ بِعَيْنِهَا وَحَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلّم الْمُسْكِرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ فَأَجَازَ اللَّهُ لَهُ ذلِكَ‏ وَعَافَ‏ َرسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَشْيَاءَ وَكَرِهَهَا لَمْ يَنْهَ‏ عَنْهَا نَهْيَ حَرَامٍ إِنَّمَا نَهى‏ عَنْهَا نَهْيَ إِعَافَةٍ وَكَرَاهَةٍ ثُمَّ رَخَّصَ فِيهَا فَصَارَ الْأَخْذُ بِرُخَصِهِ‏ وَاجِباً عَلَى الْعِبَادِ كَوُجُوبِ مَا يَأْخُذُونَ بِنَهْيِهِ وَعَزَائِمِهِ وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلّم فِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ نَهْيَ حَرَامٍ وَلَافِيمَا أَمَرَ بِهِ أَمْرَ فَرْضٍ لَازِمٍ فَكَثِيرُ الْمُسْكِرِ مِنَ الْأَشْرِبَةِ نَهَاهُمْ عَنْهُ نَهْيَ‏ حَرَامٍ لَمْ‏  يُرَخِّصْ فِيهِ لِأَحَدٍ وَلَمْ يُرَخِّصْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلّم لِأَحَدٍ تَقْصِيرَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ضَمَّهُمَا إِلى‏ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَلْ أَلْزَمَهُمْ ذلِكَ إِلْزَاماً وَاجِباً لَمْ يُرَخِّصْ لِأَحَدٍ فِي شَيْ‏ءٍ مِنْ ذلِكَ إِلَّا لِلْمُسَافِرِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُرَخِّصَ‏ مَا لَمْ يُرَخِّصْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلّم فَوَافَقَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلّم أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَهْيُهُ نَهْيَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَوَجَبَ عَلَى الْعِبَادِ التَّسْلِيمُ لَهُ كَالتَّسْلِيمِ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى‏). [4] وسندها صحيح.

فالحاصل أن الاطاعة في مثل هذه الاوامر تعتبر اطاعة لله تعالى فيبقى وجوب اطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم منحصرا في ما مر ذكره.

فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ... الخطاب للمؤمنين والتولي هو الاعراض كما مر وهو كناية عن العصيان وينطبق على معصية الله تعالى ومعصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وجواب الشرط محذوف تدل عليه الجملة التالية وظاهرها حصر مسؤولية الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم في البلاغ الواضح الكافي لاتمام الحجة على العباد وهو كناية عن التهديد بأن مجازاة هذا العصيان أمر موكول الى الله تعالى وهو شديد العقاب.

وقيل: ان الجزاء الذي تدل عليه الجملة هو أنه لا مسؤولية على الرسول في عصيانكم اذ أنه قام بدوره بأكمل وجه وهو البلاغ المبين فان كان مقصرا في الابلاغ كان هو المسؤول وأما مع قيامه بدوره بأحسن وجه فلا شيء عليه.

وهو بعيد عن السياق اذ أنه لا موجب للترديد في أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم قام بدوره وليس هناك ما يستدعي الترديد في ذلك فالاول أولى بل متعين. نعم في ما اذا كان الخطاب للرسول صلى الله عليه وآله وسلّم يختلف الحكم كقوله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)[5] فيمكن أن يقال هنا: ان الجواب في الواقع هو عدم مسؤولية الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم عن عصيانهم وذلك لأن الغرض في مثل ذلك تطييب خاطره صلى الله عليه وآله وسلّم حيث كان يحزن لضلال الناس وعدم ايمانهم.

اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ... الاله اي المعبود والظاهر ــ كما قال العلامة الطباطبائي رحمه الله ــ أن هذه الجملة تعليل لوجوب اطاعة الله سبحانه حيث انه هو المعبود لا معبود سواه والانسان لا يعبد الا خوفا وطمعا والله تعالى هو الذي يخاف ويرجى والاطاعة المطلقة نحو من انحاء العبادة ولذلك قال تعالى (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ..)[6] مع أن الانسان لا يعبد الشيطان الا بالاطاعة.  

وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ... تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر اي يجب على المؤمن أن لا يتوكل الا على الله تعالى وهذا مقياس ذاتي للانسان ليمتحن نفسه بنفسه ويعلم درجة ايمانه فان رتبة ايمانه تتبين بمقدار توكله على الله تعالى وهو أمر قلبي لا يعرفه الآخرون وعلى كل مؤمن أن يحاسب درجة ايمانه بذلك. وقد مرّ معنى التوكل.

والجملات الثلاث تحدّد مسار المؤمنين، فالاطاعة لا تكون الا لله تعالى وللرسول صلى الله عليه وآله وسلّم ولمن أمر الله باطاعته، والعبودية لا تكون ايضا الا له تعالى، والتوكل لا يكون الا عليه عزّ وجلّ.

 


[1] رواه ابن قولويه في كامل الزيارات ص 153 بعدة اسناد بعضها صحيح عن الامام الصادق عليه السلام

[2] التوحيد ص369

[3] النساء: 64

[4] الكافي ج1 ص267 باب التفويض الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم

[5] النساء: 80

[6] يس: 60