مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

ضَرَبَ الله مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ الله شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ الله مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)

 

 

المقطع الاخير من السورة المباركة واضحة الارتباط بالقضية التي حدثت في البيت النبوي الكريم. ومن الواضح أنّ الغرض من هذه الآيات تنبيه اُمّهات المؤمنين، وخصوصا صاحبتي القصّة بأنّ علاقتهما بالرسول صلى الله عليه وآله وسلّم لا تغني عنهما شيئا إن لم يستقيما في الطريق الذي رسمه الله تعالى لهنّ، وخصوصا مع هذه العلاقة الشريفة.

بل فيها ايضا تنبيه للمؤمنين أن لا يتصوّروا أنّ لزوجات الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم عصمة تمنعهنّ من ارتكاب المعاصي، بل حتى الكفر والنفاق كما كان من زوجتي نوح ولوط عليهما السلام. وهذا أمر مهم وخطير جدّا، فان الاعتقاد بلزوم متابعة اُمّهات المؤمنين مما يسبب الخلل في المجتمع الاسلامي، لوجود من يتمكن من استغلال هذا الاعتقاد لايقاع الفتنة بين صفوف المسلمين، كما حدث في واقعة الجمل.

ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط... الظاهر أن المراد بضرب المثل للذين كفروا بيان أوضح مصاديق الكفر فهاتان المرأتان انموذجان واضحان من الكفر. والسبب في اعتبارهما انموذجين للذين كفروا أنهما كانتا في بيت الوحي والنبوة، وتشاهدان الآيات عن قرب، وتخالطان رسول رب العالمين، وتجدان منه القمّة في حسن السلوك، ورفعة الخلق، والزهد في الدنيا، والعصمة من كل ذنب وشرّ، فالمفروض أن تكونا من أفضل المؤمنين وأقربهم الى الله تعالى، فاذا بهما من أبعد خلق الله من رحمته، فتخونان الرسول، وتستهزئان به وبرسالته، وتخبران الأعداء بأسراره، وتألّبان عليه، فهما شّر خلق الله تعالى وأكفرهم، فكان خليقا بهما أن يعتبرهما القرآن مثلا وانموذجا للكفر.

ولكن المذكور في التفاسير أنّ المراد بضرب المثل بهما ذكر حالة مشابهة لحال الكافرين ليعتبر بهما، ويعلم أنّ مخالطة الرسول لا يستلزم العصمة من الكفر.

وفي تفسير ابن عاشور (التحرير والنوير) أنّ قوله تعالى (للذين كفروا) بمعنى أنّ الله تعالى ضرب هذا المثل لهم ليتنبهوا، فهو كقوله تعالى (ويضرب الله الامثال للناس).

وهذا كلام غريب، فأيّ تنبيه في هذا للذين كفروا؟! وانما هو تنبيه للمؤمنين ولزوجات الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم.

وفيه ايضا أنّـه لم يرد في القرآن ذكر كفر امرأة نوح عليه السلام الا هنا، وهو غير صحيح ايضا، فقد وردت الاشارة الى امرأته عليه السلام في قوله تعالى (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ..)[1] فإنّ المراد بمن سبق عليه القول ليس ابنه، فإنّـه عليه السلام لم يكن يعلم أنه من الهالكين، ولذلك دعا ربّه حين رآه في معزل: (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ..)[2] فأتاه الخطاب (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ..)[3] فيتبين من ذلك أنّ زوجته هي من سبق عليه القول بأنّها مستثناة من أهله.

وأما امرأة لوط عليه السلام فقد ورد ذكرها في غير مورد، منها قوله تعالى (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ..)[4] وقوله تعالى (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ)[5] وكذلك في سورتي الشعراء والنمل.

كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما... اي كانتا تحت قيمومة عبدين من عبادنا. وهذا التعبير يفيد أنّه كان من المتوقّع أن تتأثّرا بتربية الرسول، حيث لم يعبّر عن علاقتهما بالزوجية، وان كان هذا التعبير متعارفا في الادب العربي على ما يبدو، ولكن اختياره يفيد هذا المعنى.

كما أن اختيار التعبير بالصلاح مع أنّـهما رسولان فضلا عن كونهما صالحين، للتنبيه على أنّ عدم هدايتهما لم يكن لنقص في الفاعل بل في القابل، فهما كانا يصلحان لهداية الخلق فضلا عن هداية الاسرة، الا أنّ المرأتين كانتا غير صالحتين للهداية.

وفي ذلك تنبيه خطير لكل انسان يتصوّر أنّ قربه من الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم يوجب بعده عن الضلال، كما يسمع من كثير من ذريته صلى الله عليه وآله وسلّم حتى الأبعدين منهم. وكذلك فيه تنبيه لاُمّهات المؤمنين وخصوصا المرأتين صاحبتي القصة.

والمراد بالخيانة ليست الخيانة في الدين او عدم الايمان بهما عليهما السلام، كما في بعض التفاسير لبعد ذلك عن ظاهر التعبير، فإنّ كفرهما ونفاقهما لا يعتبر خيانة لهما. وإنّما اضطر بعض المفسرين الى دعوى ذلك تحاشيا من حمل الخيانة على الخيانة الزوجية، لما ورد في الحديث من أنّ الله تعالى يمنع زوجات الرسل من ارتكاب ذلك صيانة لمقام الرسالة.

وهذا الامر صحيح حتى لو لم يرد في حديث مع أنه ورد على ما قيل، ولكنّ الخيانة لا تختصّ بذلك، فلعلّهما كانا يفشيان أسرار بيت النبوة للاعداء، فإنّه أقرب الى معنى الخيانة لشخصيهما عليهما السلام من الكفر والنفاق وان كانا متلازمين.

وبذلك يتبيّن وجه آخر في مناسبة ذكر المرأتين للقصة التي نزلت من أجلها السورة المباركة وهي إفشاء سرّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم من قبل بعض أزواجه.

فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين... الاغناء هو الكفاية. و(من الله) بمعنى كون شيء مؤثرا بدلا عنه تعالى. ومن الواضح أنه ما من شيء يكفي من الله تعالى اذ لا يتحقق شيء الا باذنه. والرسولان عليهما السلام ما كانا يحاولان الاغناء منه تعالى. فالمراد أنّ المرأتين لم يفدهما علاقتهما بالرسولين، وحيث حقّ عليهما القول بدخول النار مع الداخلين دخلتاه من دون مكث.

وفي التعبير بدخولهما مع الداخلين استخفاف بشأنهما، حيث استخفّا بشأن من تشرّفا بالعلاقة معه، فاعتبرا كعامة المشركين لا يميّزهما شيء. والغرض أنّ التمييز في الحياة الدنيا لزوجة الرسول إكراما لمقامه لا يستلزم تميّزا لها يوم القيامة.

وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون اذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتا في الجنة... وهذه ايضا امرأة ولكنها مثل واُنموذج للمؤمن الخالص المتّقي، قلّ أن يبلغ مقامها أحد من الرجال فضلا عن النساء.

والسّرّ في كونها مثلا أنّها كانت امرأة فرعون، ذلك الطاغية الذي من طغيانه وجبروته ادّعى الالوهية. وبالطبع كانت تعيش في قمّة الرفاهية، وتمتلك كل مقوّمات السلطة، ومع ذلك فلم تجذبها كل هذه المغريات وطلبت القرب لدى الله تعالى بإيمانها.

والتعبير المنقول من دعائها دليل على غاية معرفتها وكمالها، فهي لم تطلب كغالب المؤمنين قصرا مشيّدا في الجنة تسكنه الحور والغلمان، وتجري تحتها الانهار من الماء والعسل والخمر، بل طلبت بيتا عند ربها، فالمطلوب الاول والاخير أن تكون بجوار ربّها. وهذه هي النعمة العظمى لو كانوا يعلمون.

ونجّني من فرعون وعمله ونجّني من القوم الظالمين... الظاهر أنّ القصد من حكاية هذا الدعاء عنها الاشارة الى أنها أعلنت براءتها من الطاغية، ومن عمله وهو الطغيان على الله تعالى والظلم على العباد، كما تبرأت من كل ما يفعله جلاوزته وقومه وأتباعه فإنّهم كلهم كانوا ظالمين. ولعلها قصدت بذلك الاسراع في موتها، فانّ ذلك هو الوسيلة المتوقّعة في تلك الظروف للنجاة من بؤرة الفساد.

ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين... ومثل آخر للايمان، وهي ايضا من النساء. وانّما ضرب الله تعالى في هذا المقام مثلين للمؤمن ايضا من النساء ليحثّ المرأتين صاحبتي القصّة على الاقتداء بهما، وليبيّن لهما أنّ المرأة ايضا يمكنها أن تبلغ درجة من الكمال تفوق بها على عامّة الخلق، فتكون مثلا واُنموذجا للايمان.

ومن اللطيف أنّه تعالى اختار نفس العدد، اي امرأتين تعتبران مثلا للكفر، وامرأتين تعتبران مثلا للايمان ليكون في نفس العدد ايضا إشارة الى أنّ المقصود تنبيههما.

وبيّن في هذه الآية ثلاث مميّزات لمريم عليها السلام:

الاولى: أنّها أحصنت فرجها. والاحصان هو الحفظ والصيانة. والفرج: الثغرة بين شيئين ويطلق على ما بين الرجلين وما بين قوائم الدوابّ قال امرؤ القيس في وصف فرس: (لها ذنب مثل ذيل العروس * تسدّ به فرجها من دبر) يقصد بذلك عظم ذيلها بحيث يستر كل ما بين قوائمها.

وفي كتب اللغة أنه كناية عن العضو التناسلي، ولكنّ الظاهر أنّ ما ورد من استعماله في القرآن الكريم لا يقصد به الا الفرجة بين الرجلين، وليس خصوص العضو. وهذا التعبير كناية عن اجتناب العلاقة غير الشرعية، فكل ما ورد في القرآن من حفظ الفرج يقصد به ذلك.

وقد وقع الكلام في كون هذا من مميزاتها عليها السلام مع أنّه أمر متعارف لا يختص بها، بل لا يختص بالمؤمنات.

فقيل: إنّ المراد بها الردّ على اليهود حيث اتّهموها بالفجور ونسبوا ولدها المسيح عليه السلام الى ذلك. ولو صحّ هذا فالميزة لمريم عليها السلام هي نفخ الروح ويكون ذكر إحصان الفرج مقدّمة لذلك. ولكنّ الظاهر من الآية ذكر خصائصها التي من نفسها ومن أعمالها ومنجزاتها، خصوصا بملاحظة أن نفخ الروح ترتّب على إحصانها.

وقيل: إنّ المراد أنّـها امتنعت من العلاقات الجنسية حلالا وحراما، فاستحقت أن تكون موضعا لنفخ الروح الالهية وتكوّن المسيح عليه السلام. ويبعّد ذلك أنّ هذا لا يعتبر ميزة للانسان بل يعتبر شذوذا، ولو كان بذاته كمالا لاتّصف به الرسل الكرام، خصوصا سيد الرسل صلى الله عليه وآله وسلّم.

ولا يبعد أن يكون المراد تورّعها عن أدنى شيء مما يمكن أن يدنّس طهارتها ونقاءها وخلوصها لله تعالى، حتى ما لا يعتبر حراما بل ولا مذموما، ولكنه ينافي الخلوص لله تعالى، فيشمل حتى الافكار والاماني والخواطر الذهنية. والحاصل أنّ الآية تشير الى قداستها وبعدها عن كل ما يشينها من الجهة الجنسية. وبذلك استحقّت أن تكون موضعا لنفخ الروح.

وقد ورد مثل هذا التعبير في قوله تعالى (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ)[6] والضمير هناك مؤنث (فنفخنا فيها) وهو يعود اليها عليها السلام، وهنا مذكر يعود الى الفرج فيكون تصريحا بأن الروح الالهية ورد موضع تكوّن الجنين.

وورد التعبير بالروح عن عيسى عليه السلام بنفسه في قوله تعالى (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ..)[7] وعن الملك الذي أتى الى مريم لتكوين عيسى عليهما السلام في قوله تعالى (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا).[8]

والظاهر أنّ الملك هو جبرئيل عليه السلام، وقد ورد التعبير عنه بالروح في عدة موارد، منها قوله تعالى (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ)[9] وأما التعبير عن عيسى عليه السلام بالروح فلعله من جهة أنه خلق بنفخ الروح الالهية من دون أن يمرّ بمراحل التكوّن البشريّ في الطبيعة.

والظاهر أنّ هذا هو المراد ايضا بنفخ الروح في مريم عليها السلام، فان الله تعالى ينفخ بالروح بعد تكوّن جسم الانسان ومروره بمراحل الخلقة، ولعلّه هو المراد بقوله تعالى (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ)[10] ولكنّ عيسى عليه السلام لم يمرّ بتلك المراحل، فلم يكن تكوّنه الا بنفخ الروح. ولذلك شبّه الله تعالى تكوّنه بتكوّن آدم عليه السلام. قال تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).[11]

الثانية: تصديقها لكلمات ربّها وكتبه. والتصديق ايضا له مراحل، وانما امتدحها الله تعالى بذلك لأنّها كانت في أعلى مراتب التصديق، ولذلك وصفها بالصدّيقة في قوله تعالى (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ..)[12] وقيل: إنّ الصدّيقة مبالغة في الصدق. ولكنّ امتداحها هنا بالتصديق يؤيّد الاحتمال الاول.

ولعل المراد بالكلمات كل ما يوحى اليها، او يأتيها من أمر السماء بواسطة ملك او نبي، وبالكتب الكتب السماوية المشتملة على شرائع الله تعالى.

الثالثة: أنها كانت من القانتين. والقنوت الطاعة في خضوع. والتعبير بأنّها من القانتين يوحي بابتعادها عن الأنانية والاعجاب بالنفس، وأنّها كانت ضمن المجموعة التي تقنت للّه تعالى. ومن هنا كانت الصفة اسم فاعل مذكر للتغليب. وفي ذلك امتثال لما جاءها من الامر بواسطة الملائكة حيث قالوا (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ)[13] فاُمرت بالقنوت، واُمرت بأن تركع مع الراكعين فلا تشعر بالاختصاص.  

ونختم السورة بحديث مشهور عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم:

روى الآلوسي في روح المعاني قال: (وفي «الصحيح» كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع : آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم. وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)

وهذا الحديث مما تلاعبت به الايدي فقد رواه عدة من المؤلفين عن صحيح مسلم وسنن الترمذي ومسند أحمد كما نقلناه عن روح المعاني. ولكن الموجود حاليا في كل كتب الحديث (ولم يكمل من النساء الا آسية بنت مزاحم ومريم ابنة عمران) وحذف منه اسم خديجة وفاطمة عليهما السلام.

ولم أجد في متون الحديث والجوامع الموجودة في المكتبة الشاملة وغيرها من المجاميع الالكترونية كمكتبة اهل البيت غير ذلك. وفي بعضها اُضيفت خديجة عليها السلام فقط.

ومن الغريب أنّ الموجود في صحيح مسلم بدون ذكر خديجة ولكن ذكره في باب فضائل خديجة عليها السلام!! وهذا مما يؤكّد تلاعب المستنسخين اذ لو لم يكن اسمها في الحديث فلماذا ذكره مسلم في باب فضائلها عليها السلام. كما أن نقل الآلوسي يدلّ على أنّ الموجود في صحيح مسلم لديه هو الاربع لأنه لا يقول (وفي الصحيح) الا اذا كان في أحد الصحيحين.

ويلاحظ ايضا أنّ الطبري في جامع البيان روى الحديث مع ذكرهما عليهما السلام بنفس السند الموجود في الصحيحين وغيرهما تقريبا ممّا يدل على أنّ الحديث واحد فسند الطبري هكذا (حدثني المثنى قال حدثنا آدم العسقلاني قال حدثنا شعبة قال حدثنا عمرو بن مرة قال سمعت مرة الهمداني يحدث عن أبي موسى الأشعريّ..).

وسند البخاري (يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى..) وفي موضع آخر (حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ) ومثل ذلك في صحيح مسلم ومسند أحمد.

وممن روى الحديث بالاربع البيضاوي في تفسيره قال (عن النبي صلى الله عليه وسلم كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد. وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام).

وقال ابن القيم في تفسيره (قال النبي صلّى الله عليه وسلّم كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد).

وقال ابن كثير (وثبت في الصحيحين من حديث شعبة، عن عمرو بن مُرَة، عن مرة الهمداني، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كَمُلَ من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خُوَيلد، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثَّرِيد على سائر الطعام)

يلاحظ أنّه حذف اسم فاطمة عليها السلام فقط وأبقى الثلاثة، ولكنه قال ان ذلك ثابت في الصحيحين بنفس السند المذكور، مع أنّ الموجود حاليا ذكر آسية ومريم فقط.

كل ذلك يدل بوضوح أنّ الايدي الأثيمة تلاعبت بلفظ الحديث في الصحيحين وصحيح الترمذي ومسند أحمد وخصوصا في صحيح مسلم حيث إنّه يرويه في باب فضائل خديجة عليها السلام مع أنّ الحديث بهذا اللفظ لم يرد فيه ذكرها.

ثم إنّ الحديث ليس له ذكر في كتبنا الروائية الا ما رواه بعضهم من كتب القوم.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين واللعن على أعدائهم ومناوئيهم من الاولين والآخرين.



[1] هود: 40

[2] هود: 45

[3] هود: 46

[4] هود: 81

[5] الحجر: 60

[6] الانبياء: 91

[7] النساء: 171

[8] مريم: 17

[9] الشعراء: 193- 194

[10] المؤمنون: 14

[11] آل عمران: 59

[12] المائدة: 75

[13] آل عمران: 43