مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43)

 

إنّ الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا... الالحاد هو الميل والانحراف. ومنه اللحد وهو حفرة مائلة في القبر. والظاهر أنّ المراد بالآيات ما ورد ذكره في الآيات السابقة من الآيات الكونية. ولعل المراد بالالحاد الانحراف عن دلالتها على ربوبية الخالق، كما كان شأن المشركين، حيث كانوا يعتقدون بأنّ الله تعالى هو الخالق، ولكنهم يعبدون غيره، ويرون أنّ للكون أربابا غير الله تعالى شانه.

ويحتمل أن يراد بها آيات القرآن الكريم، او جميع الكتب السماوية، أو كل آياته تعالى فتشمل الآيات الكونية وآيات الكتاب، والمراد بالالحاد في آيات الكتاب التكذيب او التحريف، او التأويل بما يناسب أهواءهم، أو اللغو حين تلاوتها لئلا يسمعها الناس، كما مرّ في صدر السورة، فيشمل كل ما يقابل الاستقامة في التعامل معها فكل ذلك انحراف وإلحاد.

وقوله (لا يخفون علينا) تهديد، ويأتي في سياق الآيات السابقة التي تؤكّد على أنّ هلاك الانسان يأتي من جهة ظنّه بأنّ الله تعالى لا يعلم كثيرا مما يعمل.

أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة... هذا تصريح بما عرّض به من التهديد في الجملة السابقة، ولكن بطريقة السؤال الذي ينتظر جوابا من المخاطب. والجواب واضح. وعبّر عن دخوله النار بإلقائه فيها تحقيرا وازدراءا به، كأنّه لا يعدّ انسانا هناك، وانما هو حجر او شيء مثله يلقى به.

ويقابله التعبير في الجانب الآخر وهو أنّه يأتي باختياره آمنا، ولم يعبّر بأنّ له الجنة، بل هو آمن من كل شرّ، لأنّ الامان هو أكبر نعمة في تلك النشأة، حيث يواجه الانسان نتيجة أعماله، وهي لا تخلو من شرّ او نقص.

اعملوا ماشئتم انه بما تعملون بصير... تهديد مرّة اخرى، وإيذان بأنّهم أحرار تكوينا في هذه الحياة، لأنّ الله تعالى لا يخاف الفوت، ولا مفرّ منه لاحد، فهو يتركهم هنا يسرحون ويمرحون ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر. ولذلك علّل هذه الحريّة بأنّه بما تعملون بصير. وهذا يستبطن أمرا آخر، وهو أنّه تعالى قد أعدّ لكل ما تعملون جزاءا وفاقا.

إنّ الذين كفروا بالذكر لمّا جاءهم... المراد بهم مشركو مكة. والظاهر أنّه استيناف يتعرّض فيه لمواجهة المشركين للقرآن الكريم. وليس بدلا عن الجملة السابقة كما قيل.

والمراد بالذكر القرآن لأنّه يُذكّر الانسان الغافل الناسي بما تدعوه اليه فطرته من التوحيد والتوجّه الى الله تعالى. ولم يذكر الجواب في الآية ليذهب المخاطب فيه كل مذهب، فإنّ الذي يكفر بمثل ذلك يستحق أشدّ العقوبات وأعنف اللوم والتقريع، فاكتفي عن ذكر الجزاء بتكريم الكتاب وبيان علو شأنه، فإنّه أبلغ بيانا في التنديد بهذا الكفر.

وقوله تعالى (لمّا جاءهم) يدلّ على أنّهم كفروا به بمجرّد أن جاءهم من دون تأمّل ومن دون تحقيق، فلم يكن كفرهم ناشئا عن خطأ في فهم المعنى، ولا عن تدبّر في آياته، بل عنادا واستكبارا، وتعصّبا مقيتا لما ألفوه من سنّة الآباء.

والحكم وإن ورد بشأن مشركي مكة ككثير من الآيات الكريمة الا أنّ المضمون عامّ يشمل كل من اتّصف بصفاتهم. كما أنّ ما ورد من الخطاب للمؤمنين بالتكاليف والأحكام لا يختص بأهل ذلك العصر.

وإنّه لكتاب عزيز... العزّة ليست بمعنى عدم المثيل كما في الميزان، بل بمعنى الصلابة، وانما يطلق على ما هو نادر الوجود لانه صعب المنال، ولا يطلق على عديم المثيل. والعزّة هنا لعلها بمعنى الجملة التالية (لا ياتيه الباطل..) لأنّ معنى ذلك أنّه غير قابل للنفوذ، فلا يدخل فيه الباطل. ويمكن أن تكون بمعنى الغلبة لأنّه ايضا مقتضى الصلابة، وعدم قبول النفوذ. وغلبة القرآن على خصومه إنّما هو بقوّة بيانه ونفوذ حجّته.

لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه... اختلفت كلماتهم في تفسير هذه الجملة. والذي يقوى في النظر أنّ المراد باتيان الباطل اليه وقوع الكلام الباطل فيه. وقوله (من بين يديه) اي من أمامه، ولعل وجه التعبير عن الاشتمال على الباطل بكونه من الأمام، باعتبار أنّ الكلام ينشأ من فكر قبله، فان كان الفكر باطلا كان الكلام باطلا، والقرآن الكريم تنزيل من حكيم حميد، فلا يشتمل الا على الحق الصراح.

وأمّا إتيان الباطل من خلفه فلعله بمعنى أن يقع الخطأ في النقل، او التحريف والدسيسة فيه، فربما يفكّر الانسان فكرا صحيحا، و يصل الى نتيجة صحيحة، ثمّ حين النقل الى غيره بالكلام ينسى او يخطئ، او يتعمّد التحريف، او يتدخّل فيه المبطلون حين التداول، فيكون الكلام باطلا، و إن كان الفكر في الاصل صحيحا.

والقرآن مصون ومحفوظ من هذه الجهة ايضا، لانّ الله تعالى حفظه من تدخّل المبطلين، وحفظ رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم من النسيان والخطأ، وعصمه من تعمّد التحريف كما عصمه من كل ذنب. ومن هنا فهذا الكتاب لا يأتيه الباطل من حيث المنشأ والمبدأ، ولا من حيث الوصول والنتيجة.

والآية في هذا المعنى تشبه قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[1] ومن هنا ذكروا أنّ الآية تدل على عدم وقوع التحريف في نسخ القرآن كالآية المذكورة. ولكنّ الصحيح أنه لا دلالة في شيء منهما على ذلك.

ومجمل القول أنّ الآيتين إنّما تدلان على أنّ الله تعالى يحفظ القرآن الى حين نزوله على الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم من أن يدسّ فيه الشياطين كما كان المشركون يظنّون او يدّعون.

وقد تكرّر في القران الكريم الرّدّ على هذا التصوّر الخاطئ، كقوله تعالى (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ)[2] وقوله تعالى في (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ)[3] في سياق آية (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وقوله تعالى (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)[4] وغير ذلك، وهي كثيرة.

ومن سذاجة الانسان قديما وحديثا أنّه يتصور أنّ الشياطين لهم حول وقوّة في قبال سلطان الله تعالى، وأنّهم يحاربون الله فربما يَغلبون وربما يُغلبون، مع أنّهم ليسوا الا جزءا من مجموعة الكون الذي هو بكامله تسير بتدبيره تعالى.

ومن السخافة أنّ بعض من يدّعي العلم كان يكتب في مقالاته أنّ كل الطرق الى الله مستقيمة، وأنّه لو كانت كل هذه الديانات باطلة لكان إبليس غالبا على الارادة الالهية المتعلقة بهداية البشر!!!

وهذا من غريب الكلام فإنّ ارادة الله التكوينية لم تتعلق بهداية البشر، ولو تعلّقت لم يمكن التخلف عنها، كما قال تعالى (وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ).[5]  

والحاصل أنّ مشركي مكة أيضا كانوا يتوهّمون أنّ الشياطين بإمكانها أن تتغلّب على الملائكة، وعلى إرادة الله تعالى فتدسّ في الوحي ما ليس منه، او هكذا كانوا يلقون الشكوك في قلوب الناس، وهذه الآيات تردّ على هذا التوهّم، وتعلن أنّ الله تعالى يحفظ الوحي من تدخّل الشياطين.

كما أنّ هناك آيات تدلّ على أنّه تعالى يحفظ الرّسول من النسيان والخطأ، وهو معصوم طبعا من أن يزيد فيه او ينقص عمدا، قال تعالى (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى).[6]  

وأمّا عدم وقوع التحريف في المستقبل من قبل الناس فلا يمكن ان تتعرّض له الآيتان، ولا يمكن الاستدلال عليه بأيّ آية من القرآن الكريم.

أمّا عدم دلالة الآيتين فواضح، لأنّ الضمير في قوله تعالى (لا يأتيه الباطل..) وفي قوله (وإنّا له لحافظون) يعود الى القرآن المنزل على الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم، لا الى ما بأيدينا من المصاحف. فالذي لا يقع فيه التحريف هو ما نزل على الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وتلاه على الناس، وأمّا كل ما يكتبه او يطبعه أحد طيلة التاريخ ويوزّعه على الناس فلا يشمله الحفظ.

هذا مضافا الى أنّ محاولات التحريف لا شكّ في أنّها حدثت، بل هناك اتّهامات بوجود مصاحف محرّفة حتى الآن. وناهيك في ذلك إحراق عثمان لجميع المصاحف عدا واحدا، فلو كانت المصاحف كلها متّحدة فما هو الوجه في الاحراق؟!

وأمّا عدم امكان الاستدلال بأيّ آية من القرآن على عدم التحريف فلأنّه يقع السؤال حينئذ عن نفس هذه الآية، والدليل على كونها واقعية غير مدسوسة، فالاستدلال بالمصحف الموجود على صحة نفسه استدلال دوري باطل.

وقد يقال: إنّ الاستدلال ليس دوريّا لأنّ هذه الآيات مجمع على صحتها وانما الاختلاف في آيات اخرى من القرآن.

ولكن الاستدلال بالاجماع لا يغني شيئا اذ لا دليل على حجيّة الاجماع، ومجرّد أنّ طرفي النزاع لا يختلفان في ذلك لا يوجب صحة الدليل، فنحن بحاجة الى دليل يثبت عدم التحريف لكل من يلاحظ تاريخ نزول القرآن وانتشاره، وهو قد لا يعترف بالاجماع.

وربما يقال بأن هذا الاشكال يرد ايضا على ما ذكرت من تفسير الآيتين بأنّ المراد بهما الحفظ من تدخّل الشياطين، اذ قد يقال: كيف نثبت أنّ هاتين الآيتين سلمتا من تدخّلهم.

ولكننا لا نستدلّ بهاتين الآيتين على سلامة القرآن من تدخّل الشياطين، بل لا يمكن الاستدلال على ذلك بأيّ شيء، إذ ليس لنا طريق الى معرفة الشياطين، وكيفية تدخّلهم في مثل ذلك، وطرق مواجهتهم مع الملائكة، فهذه امور غيبية لا تصل اليها أفهامنا، والآية انما تردّ على المشركين في ذلك الزمان وهم يسمعون القرآن من الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم، فيلقون هذه الشبهات بعد تسلّم كون القرآن نازلا من عند الله تعالى، فيردّ عليهم القرآن بأنّ الشياطين لا يمكنهم التدخّل في ما ينزل من عند الله تعالى، ولا يمكن الردّ عليهم بغير ذلك.       

والصحيح أنّ الدليل على عدم التحريف، وأنّ هذا المصحف بكامله هو ما نزل على الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وجوه اخرى، كتواتر النقل، والسيرة المستمرة الى زمان المعصوم القائمة على الاستناد الى نفس هذا المصحف الذي بأيدينا في مختلف المسائل، والامر بقراءته على ما هو عليه في الروايات المعتبرة، ونحو ذلك.

ويكفي في ذلك الروايات الكثيرة الواردة في عرض الروايات على القرآن، وأنّ ما خالفه يطرح، ولا شكّ أنّ المراد به هو هذا القرآن الموجود بين أيدي الناس.

فمنها ما رواه الكليني في الكافي عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (إن على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه).

وروى عن أبان بن عثمان عن عبدالله بن أبي يعفور قال وحدثني الحسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به، ومنهم من لا نثق به قال: (إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وإلا فالذي جاءكم به أولى به).

وعن أيوب بن الحر قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف).

وعن هشام بن الحكم وغيره عن أبي عبدالله عليه السلام قال: خطب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بمنى فقال: (أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله). [7]

وغيرها من الروايات وهي كثيرة جدا.

تنزيل من حكيم حميد... خبر بعد خبر. ولعله في مقام التعليل لما سبق من أنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكونه حكيما على الاطلاق وفي جميع ما يصدر منه يقتضي بالضرورة أن لا يشتمل كلامه على الباطل تعالى شأنه.

وكونه حميدا بمعنى أنّه يستحق الحمد والثناء على جميع أفعاله ومنها تنزيله الكتاب يقتضي أن يحفظه من تدخّل الشياطين، والا لم يكن في التنزيل فائدة، وإن كان أصل الكلام حقّا، والمفروض أنّه قادر على كل شيء. ولعله لذلك أتى بالوصفين قيدا للتنزيل، لا لنفس إنشاء الكلام.

ما يقال لك الا ما قد قيل للرسل من قبلك إنّ ربك لذو مغفرة و ذو عقاب أليم... يبدو أنّ الجملة في سياق التعرّض لما كان كفار قريش يقولونه في مواجهة الآيات الكريمة التي تتلى عليهم، كقولهم لا تسمعوا لهذا القران والغوا فيه ونحو ذلك، فالمراد: ما يقول لك المشركون والكفار من قومك الا ما قد قال الكافرون في الامم السابقة لرسلهم.

والغرض تسلية الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم بأنّ ما يعانيه من سوء تعاملهم لا يختصّ به، بل يشاركه في ذلك الرسل طيلة التاريخ.

وعليه فالظاهر أنّ المراد بالجملة التالية (إنّ ربك لذو مغفرة وذو عقاب اليم) ايضا تقوية عزيمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم بأن لا يحزنه ما يراه من طيش الجاهلين، فإنّ الله تعالى وإن كان ذو مغفرة ولكنه ذو عقاب اليم.

وقيل: إنّ المراد بالجملة الاولى أنّه ما يقال لك من قبل الله تعالى الا ما قد قيل للرسل من قبلك، والجملة التالية هي مقول القول. والغرض بيان أنّ رسالات السماء كلها تحاول أن تحفظ الموازنة في قلوب المؤمنين، فيبقى الانسان المؤمن بين الخوف والرجاء، خوف من عقاب الله على سوء أعماله او سوء نيته، ورجاء أكيد ووثيق برحمته ومغفرته.

والاحتمال الاول أقرب، إذ على الاحتمال الثاني تكون هذه الجملة هي خلاصة الوحي الالهي في جميع الشرائع، او أنّها أهمّ ما تحمله الشرائع، او أنّها أنسب شيء لما يتعرض له السياق، و نحو ذلك. و ذلك لمكان الحصر (ما يقال لك الا...) ولا نجد أيّ خصوصية في الجملة تستوجب ذكرها كأمر اتفقت عليه الشرائع، فضلا عن حصرها فيه.

وممّا يؤيّد الاحتمال الاول أنّه لم يركّز على المغفرة ولم يعمّمها او يؤكّدها كما فعل في سائر الموارد كقوله تعالى (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ)[8] بل اكتفى بذكر المغفرة نكرة. وهذا يؤيّد ما قلناه في وجه تعقيب الجملة على هذا الاحتمال، وهو أنّ الله تعالى وان كان ذو مغفرة الا أنّه ذو عقاب اليم.

هذا مضافا الى أنّ الاحتمال الثاني يوجب عدم ارتباط الآية بما قبلها وما بعدها.



[1] الحجر: 9

[2] الشعراء: 210- 212

[3] الحجر: 16- 18

[4] الواقعة: 79

[5] النحل: 9

[6] الاعلى: 6

[7]  الكافي ج1 ص 69

[8] الحجر: 49- 50