مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42)

 

ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء اياكم كانوا يعبدون... أي واذكر يوم يحشراللّه العابدين والمعبودين جميعا ثم يسأل الملائكة تقريرا ليكون جوابهم تقريعا للمشركين: أهؤلاء ــ وهو اشارة الى المشركين ــ اياكم كانوا يعبدون؟

والوثنية تعبد الاصنام باعتقاد انها مثل للارواح الطيبة العلوية التي هي عندهم مناشئ الخير في العالم، وهم مع ذلك يعتقدون ان تلك الارواح لقربها الى اللّه تعالى تشفع لهم يوم القيامة، وبذلك يستغنون عن عبادة اللّه تعالى واطاعته ومتابعة شريعته.

والغرض من تذكير هذا المشهد من مشاهد يوم القيامة تنبيههم في الدنيا على خطأهم، وبيان أنّ الملائكة يتبرأون من اعمالهم وعبادتهم.

قالوا سبحانك... اي انت منزه عما ينسبون اليك من شريك في استحقاق العبودية، فان هذا الاستحقاق يتبع كون احد غيرك منشأ لخير او شر ونفع او ضر، وانت منزه عن شريك في التاثير في العالم.

ويمكن أن يكون ذلك لاظهار التعجب كقوله تعالى: (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) النور: 16.

انت ولينا من دونهم... وبهذا ينفون اي ولاء بينهم وبين المشركين، وانهم لا يرتبطون باحد الا باللّه تعالى. والعبادة ارتباط شعوري بين العابد والمعبود فان كان المعبود لا يشعر بها فهو يكشف انهم لا يعبدون الا ما يتوهمونه ملائكة.

والسبب واضح فانهم لا يرون الملائكة وانما يعبدون اصناما تصوروا انها تمثل الملائكة، ولا يبعد ان الملائكة لا يعلمون بذلك الا من كان موكلا باعمالهم او اخبره اللّه تعالى بذلك.

وعلى كل حال فالنفي صحيح، ولا حاجة الى التاويل كما ارتكبه بعضهم.

بل كانوا يعبدون الجن اكثرهم بهم مؤمنون... لعل المراد به عبادتهم للشيطان المتمثلة في اطاعتهم له، كما قال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ..) فان المراد به النهي عن الاطاعة.

ويمكن ان يكون المراد اعتقادهم بالجن وبالكهنة الذين كانوا يخبرون عن الغيب بدعوى الارتباط مع الجن. وهذا امر معروف من سيرة العرب في الجاهلية، فيكون المراد بالعبادة ايضا اطاعتهم لما يأمر به الكهنة بدعوى تلقيهم الاوامر والارشادات من الجن.

فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا... ينتقل الكلام من الحديث عن الغائب الى الخطاب، وصدّر الكلام بالفاء لانه لبيان النتيجة، ويريد بذلك منع كل رجاء للانتفاع بشفاعة احد، فاذا كانت الملائكة مع قربها لدى اللّه سبحانه لا تملك لهم نفعا فكيف بغيرهم؟!

وكما لا نفع هناك الا ما امر اللّه به كذلك لا يضركم احد ولا يضر بعضكم بعضا، فاللّه هو الضار النافع. والمراد نفي ان يكون هناك اختيار للنفع والضرر، كما كان في الدنيا، والا فالنفع والضر في هذه الحياة ايضا ليس الا منه، الا ان هناك من يضر وينفع في هذه الدنيا باذنه تعالى. ويرتفع الاذن العام هناك، ولابد من اذن خاص لكل حركة.

والظاهر أن هذا هو المراد بقوله تعالى (يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) هود: 105، وما بمعناه من الايات، فان التكلم هنا ايضا باذنه، الا ان الاذن موجود هنا للعموم ومرفوع هناك الا في موارد خاصة.

ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون... الظاهر أنه ليس كلاما موجها اليهم فاللّه تعالى لا يكلمهم يوم القيامة، وانما هو خطاب تكويني يستتبع تحقق ذوق العذاب تكوينا.

والمراد بالذين ظلموا المشركون المنكرون ليوم المعاد، واعتبرهم ظالمين لانهم ظلموا انفسهم واهليهم ومجتمعهم، او كما قلنا سابقا ظلموا بمعنى انهم اعتدوا على الحق حيث انهم نفوا ما ليس لهم به علم. والظلم ماخوذ من الظلمة. ولعله من جهة ان الظالم كمن يرمي في الظلام فهو لا يعلم الى اي حدّ سيصل عدوانه.