مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) وَمَا آَتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آَتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45)

 

واذا تتلى عليهم آياتنا بينات... الآيات تتعرض لدعاوي المشركين الفارغة في مواجهة آيات اللّه البينات اي القرآن الكريم. ويصفها بالبينات إعلاما بافراطهم في الكفر والغواية فانهم يواجهون حجة واضحة لا تبقي لهم عذرا، ومع ذلك يكفرون بها، ثم انه ينقل حججهم الواهية وكلامهم الباطل في ثلاث جمل:

قالوا ما هذا الا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم... يحاولون بهذا الكلام اغراء الجهال المغفلين من عامة الناس المتعصبين لسنن آبائهم بان هذا ــ وهو اشارة الى الرسول الكريم صلى اللّه عليه وآله وسلم ــ رجل يريد ان يمنعكم من متابعة سنن الآباء والاجداد، وبهذا الشعار الفارغ يحاولون الصد عن سبيل اللّه تعالى.

وبهذا التعبير المهين يقللون من شأن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم كما زعموا (ما هذا الا رجل) فعبروا عنه باسم الاشارة ثم برجل، وأتوا بلفظ النكرة كانهم لا يعرفون اصله ومحتده، مع انهم يعلمون انه أفضل الناس ابا وجدا وعشيرة وخلقا وخلقا وكرامة وعزة.

وبهذا الكلام السخيف يريدون ان يطفئوا نور اللّه تعالى كمن يحاول اطفاء الشمس بالنفخ.

ثم انهم مبالغة في الاغراء اضافوا الآباء الى المخاطبين لا الى انفسهم كما هو المعتاد.

وقالوا ما هذا الا افك مفترى... وهذه هي الجملة الثانية. و(هذا) اشارة الى القرآن الكريم، وأرادوا بذلك تكذيب الوحي والتأكيد عليه فقالوا انه افك مفترى، مع ان الافك هو بنفسه الحديث المكذوب فأكدوه بأنه مفترى على اللّه تعالى، وذكروا ذلك بصيغة تفيد الحصر (ما هذا الا..) كأنه لا صفة له الا ذلك. ولا يستندون في هذا التكذيب الى اي دليل بل هم يشعرون انها آيات بينات، ولكن الكبر والحسد والمصالح المادية تدعوهم الى ذلك.

وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم ان هذا الا سحر مبين... وهكذا كانوا يتهمون النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بانه ساحر وان ما جاء به سحر. وبذلك عللوا قوة تاثيره في القلوب واخذه بمجامعها.

واكدوا اتهامهم بان كونه سحرا امر واضح فهو سحر مبين اي واضح لا يرتاب فيه احد، مع انهم يعلمون انه الحق جاءهم من ربهم.

واتى بالفاعل اسما ظاهرا بدلا عن الضمير للاشارة الى السبب، فهم لكفرهم وعنادهم يواجهون الحق بذلك، وليس منشأ هذه الدعوى شبهة حصلت لهم فتوهموا الاعجاز سحرا.

وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما ارسلنا اليهم قبلك من نذير... الدرس هو تكرار قراءة الكتاب كثيرا، وانما يعبر عنه بالدرس لانه يوجب اندراس الكتاب.

والآية ترد مزاعمهم بانهم لا يملكون رصيدا علميا يستندون اليه في تكذيبهم، فلو كانوا اهل كتاب وزعموا ان ما اتى به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يوافق ما وجدوه في كتبهم لهان الامر، ولكنهم يكذبون بما لم يحيطوا بعلمه ولمّا يأتهم تاويله.

كما أنهم لم تسبق لهم رسالة قبل هذه من السماء، وما أتاهم نذير اي رسول، فليسوا على معرفة مسبقة ليقيسوا ما أتاهم به الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم بما لديهم من معارف سابقة عن السماء.

وكذّب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم... ثم يأتيهم التهديد بعذاب اللّه، وأنهم اضعف من الامم السابقة التي اهلكها اللّه تعالى، فلم يبلغ هؤلاء عشر ما بلغوا اولئك من علم ودهاء ومال وقوة.

والمعشار: العشر. فالامم التي يضرب اللّه تعالى بها المثل امم متحضرة كقوم فرعون وثمود وعاد، والعرب الجاهلي كانوا في غاية التخلف. واللّه تعالى أهلك تلك الامم مع أنهم كانوا اولي بأس شديد، فكيف بكم وانتم لم تبلغوا عشر ما كان لديهم من قوة. وقوة البشر مهما بلغت فانها لا تقاوم ارادة اللّه سبحانه، ولكن الغرض من هذا البيان والمقايسة تنبيه القوم على عدم الركون الى قوتهم وشوكتهم واموالهم واولادهم كما كانوا يظنون.

فكذبوا رسلي فكيف كان نكير... الفاء لتفصيل ما أجمله في الجملة الاولى، والتأكيد على أن الامم السابقة كذّبوا رسل اللّه تعالى. وتنبيها لعظمة الرسل وفظاعة تكذيبهم أضافهم الى نفسه بضمير المتكلم المفرد الذي يظهر منه الاختصاص.

ثم فرّع عليه التنبيه على فظاعة الجزاء الذي لاقوه انكارا من اللّه تعالى لتكذيبهم الرسل. والاستفهام هنا للتعظيم والتعجيب. اي انظروا كيف كان انكار اللّه تعالى لكفرهم وتكذيبهم.

والنكير: الانكار. والمراد الانكار الذي تمثل في عذاب الاستئصال. والكسرة في (نكير) للدلالة على ياء المتكلم، وفيه ايضا تهديد بليغ حيث أضاف الى الضمير العائد اليه تعالى بالذات.