[H

مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

الأذان و الإقامة

 

 

 

الكلام في الأذان والاقامة

 

ويقع البحث اولاً في الاذان وهو لغة الاعلام وشرعاً الاقوال المخصوصة والكلام في جهات:

الجهة الاولى: في اقسامه بحسب الدواعي:

القسم الاول: الاذان الاعلامي لاعلام دخول الوقت. واختلف في مشروعيته وعدمها وذهب الى الاول جماعة منهم صاحبا الجواهر والحدائق قدس سرهما والى الثانية جماعة ايضاً منهم السيد البروجردي قدس سره وذهب بعض العامة الى وجوبه كفاية في كل مصر.

القسم الثاني: اذان الجماعة الذي يؤتى به بقصد تجميع الناس للجماعة فكأن قوله حي على الصلاة نداء لذلك.

القسم الثالث: اذان المنفرد الذي يؤتى به لتلقين النفس وتوطينها على الصلاة والتهيؤ لها. ولا يلزم في التلقينات النفسية الخطاب للغير بل يخص الانسان بها نفسه.

والقسم الثاني متفق على مشروعيته بين المسلمين. واما القسم الاول فقد مرّ ان السيد البروجردي أنكره والقسم الثالث أنكره مالك من العامة.

ومرجع انكار القسمين الى ان الأذان انما شُرّع لنداء الناس الى الصلاة كما ينبئ عنه بعض الروايات والآيات كقوله تعالى: وإذا نودي للصلاة. والنداء كما قاله السيد البروجردي هو الصوت البليغ الذي يسمعه كل الناس. وبملاحظة ذلك وملاحظة جملة حي على الصلاة التي هي تحريض للناس الى الاجتماع للصلاة يعلم اختصاصه بالقسم الثاني. ولذا أنكر مالك القسم الثالث، واما السيد البروجردي فإنما يقبل هذا القسم نظراً الى الروايات الواردة في ان المصلي إذا اذن اقتدت به الملائكة، فهذا القسم ايضاً راجع الى القسم الثاني.

وقال على ما في التقرير أن الاذان الاعلامي لا يناسب جمل الاذان التي هي تحريض للصلاة ولا تدل على مجرد دخول الوقت.

وحيث ان صاحب الحدائق تمسك في مشروعيته بالسيرة وبما ورد من الثواب المجعول لمن اذن في مصر اجاب عنه بان السيرة ممنوعة وان الروايات ناظرة الى اذان الجماعة.

وبهذا البيان استدل على عدم وجوب الاذان بتقريب انه خاص بالجماعة والجماعة مستحبة قطعاً فلا يعقل ان تكون مقدمتها واجبة فأقصر الطرق لإثبات استحبابه الاستدلال بعدم تناسب الفاظه الا للجماعة وهي مستحبة.

والجواب عنه ان جملة حيّ على الصلاة انما تدل على التحريض للصلاة واما اختصاصها بالتحريض للجماعة فلا وجه له حتى نلتزم في اذان المنفرد المشروع قطعاً بانه تحريض للملائكة فغاية ما يدل عليه اللفظ التحريض على أصل الصلاة في اول الوقت بلحاظ فضيلتها حينئذ.

وكذلك الاستدلال بان لفظ الاذان يدل على اعلام الغائبين في قبال الاقامة المشتملة على جملة قد قامت الصلاة التي هي اعلام للحاضرين فان ذلك ايضاً لا دليل عليه من الروايات.

واما قوله ان اذان المنفرد ايضاً من اذان الجماعة لدلالة الروايات على اقتداء الملائكة به ففيه ان مشروعية اذان المنفرد لا يختص بما إذا كان متوجّهاً الى هذه الخصوصية فيأتي به بهذا الداعي فالوجه في مشروعيته حينئذ هو ما ذكرنا من التلقين النفسي.

واما منع السيرة القائمة على الاذان الاعلامي وان لم تكن جماعة بل وان لم يصل المؤذن حينئذ فلا وجه له كما لا يخفى. بل سيأتي ان اذان الصبح قبل دخول الوقت مشروع ايضاً وان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم كان له مؤذنان أحدهما يؤذن قبل الفجر بدواع اخر كالتهيؤ للصلاة او لصلاة الليل او للصوم.

وقد ورد في المحلّى لابن حزم عدة روايات تدل على ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم كان يأمر في ليالي البرد الشديد او المطر او الريح ان يقال في الاذان: صلوا في رحالكم. فهذا يدل على ان حي على الصلاة لا تشتمل على مفهوم النداء للجماعة. وروايات فضل الاذان ايضاً يناسب الاذان الاعلامي.

وبما ذكرنا ظهر فساد أقصر الطرق لنفي وجوب الاذان.

الجهة الثانية: في اقوال الفقهاء من العامة والخاصة في وجوب الاذان وعدمه.

قال في الفقه على المذاهب الاربعة: (اتفق الائمة على ان الاذان سنة مؤكدة الا الحنابلة فانهم قالوا انه فرض كفاية. وقال في تفصيله: قالت الشافعية: الاذان سنة كفاية للجماعة. وسنة عين للمنفرد وقالت الحنفية: الاذان سنة مؤكدة على الكفاية لأهل الحي الواحد وهي كالواجب في لحوق الاثم لتاركها. (الى ان قال). وقالت المالكية: الاذان سنة كفاية للجماعة بشرط انتظار ان يصلي معها غيرها وللمنفرد. وقالت الحنابلة: الاذان فرض كفاية في القرى والامصار في الصلوات الخمسة للرجال في الحظر دون السفر...).

فقول الحنفية يدل على ان محط نظرهم الاذان الاعلامي الا ان في الجمع بين كونه سنة ولحوق الاثم لتاركها تهافت. وقول المالكية يدل على ان محط نظرهم هو اذان الجماعة وانه لا يشرع لغيرها وانه لخصوص جمع الناس لها فكرهوها في جماعة لا تنتظر غيرها وفي المنفرد وقول الحنابلة يدل على ان محط نظرهم هو الاذان الاعلامي واعتبروها واجباً كفائياً حتى قال بعضهم ان اهل مصر لو تركوها قوتلوا عليه. ويستفاد من بداية ابن رشد ان الحنفية والشافعية متفقون على ان الاذان سنة مؤكدة مطلقاً وان المالكية يخصونه بمساجد الجماعات ومنشأه ان مالك يقصر النظر على ما ثبت من فعل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ولا يقول بمشروعية غيره. وفيه ايضاً ان بعض اهل الظاهر يقولون بوجوبه على الاعيان وبعضهم يقولون به على الجماعة كانت في حضر او سفر وقال بعضهم في السفر.

واما فقهاؤنا فالقدماء منهم اي فقهاء القرن الرابع والخامس للهجرة لم يكن الاختلاف بينهم من جهة الفرض والسنة كفاية او عينا في الاذان الاعلامي فكأنّهم كانوا يعتبرونه سنة جميعاً الا ان الاختلاف بينهم من جهة اشتراط الصلاة بالأذان وعدمه.

ففي مفتاح الكرامة ان الشيخ الطوسي في الخلاف والسيد المرتضى في الناصريات ذهبا الى استحباب الاذان والاقامة مطلقاً للرجال والنساء حضراً وسفراً في جميع الصلوات اليومية وأنّ عليه جمهور المتأخرين. ولكن المفيد في المقنعة والشيخ في النهاية والمبسوط ذهبا الى انهما واجبان على الرجال في الجماعة في مطلق الصلوات دون المنفرد ونسب ذلك بعضهم الى الاكثر. وذهب السيد وابن عقيل قدس سرهما الى اختصاص الوجوب بالصبح والمغرب مطلقاً وابن جنيد الى اختصاص الوجوب فيهما بالرجال واضاف بعضهم صلاة الجمعة.

والتفصيل بين الصلوات في هذا الحكم خاص بفقهائنا وليس في العامة تفصيل بين انواع الصلوات. وهذا الرأي ظاهر من كتاب الشلمغاني وكتاب العلل لمحمد بن علي بن ابراهيم ومنقول من ابن ابي عقيل وهؤلاء كلهم معاصرون للكليني وكذا منقول من دعائم الاسلام وابن جنيد واضاف كل منهم قيوداً وخصوصيات.

ولعل مستندهم التمسك بالروايات المشتملة على هذا التقييد نظراً لمخالفتها لتفاصيل العامة وتقييد سائر المطلقات بها وردّ سائر الروايات المفصلات بموافقتها للعامة.

وجمع السيد المرتضى في بعض كتبه بين هذا التفصيل والتفصيل السابق فقال بوجوبه في الجماعة مطلقا وعلى المنفرد في خصوص الصبح والمغرب. ومن هنا يتبين اضطراب الاصحاب قديماً وحديثاً في الجمع بين الروايات.

والوجوب في المقام مردد بين كونه وجوباً نفسياً فيكون واجباً في واجب وكونه وجوباً شرطياً لصحة الصلاة او صحة الجماعة.

الجهة الثالثة: في الروايات الواردة في المقام:

1- الروايات التي تدل على الوجوب:

منها موثقة عمار قال: سمعت ابا عبد اللّه عليه السلام يقول: (لا بد للمريض ان يؤذّن ويقيم إذا اراد الصلاة ولو في نفسه ان لم يقدر على ان يتكلم به. ثم سئل فان كان شديد الوجع؟ قال: لا بد من ان يؤذن ويقيم لأنه لا صلاة الا بأذان و اقامة)[1].

ولسانه نظير لا صلاة الا بطهور ولا صلاة الا بفاتحة الكتاب فيدل على شرطية الصلاة بهما مطلقاً للمنفرد وغيره.

ويدل عليه ايضاً صحيحة زرارة قال (سألت ابا جعفر عليه السلام عن رجل نسي الاذان والاقامة حتى دخل في الصلاة قال: فليمض في صلاته فإنما الاذان سنة)[2]

فان الظاهر انه يسأل عن صحة صلاته من جهة النسيان وهو عذر ويبدو أن الامام عليه السلام طبق كبرى (لا تنقض سنة فريضة) فحكم بصحة الصلاة. وهذا يدل على الوجوب.

ولكن الاصحاب حملوها على الاستحباب لوجهين:

الوجه الاول: ما ذكره المحقق الهمداني قدس سره وهو ان المتبادر من إطلاق السنة إرادة الندب، خصوصا في مثل المقام الذي يناسبه التعليل. قال: والخدشة في ذلك بأنّ السنّة قد تطلق في الأخبار على ما ثبتت مشروعيّته بغير الكتاب سواء كان واجبا أم ندبا مدفوعة بأنّ مقتضاه حمل التعليل على التعبّد، وهو مخالف لما قرر في محله من ان التعليلات لا بد من ان يكون بالامور المرتكزة عند العرف و المناسب للقول بالصحة عرفاً هو ان يراد بالسنة الاستحباب.

والجواب عنه ان التعليل لا بد ان يكون بأمر واضح اما لوضوحه عند العقلاء او باعتبار انه كبرى واضحة بیّنها الامام عليه السلام في مورد آخر وقد بينا ان الكبرى المنطبقة هي ذيل صحيحة لا تعاد وراويها ايضاً زرارة فليس التعليل مستهجناً.

الوجه الثاني: ما ذكره السيد البروجردي قدس سره وهو ان السنة هنا امرها دائر بين امرين الاستحباب وكونه مما سنه الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم ولا يمكن الالتزام بالثاني لما ورد في رواياتنا من تكذيب روايات العامة من ان الاذان مما ألقى على عبد اللّه بن زيد في المنام وبيّن في رواياتنا أنّ الاذان والاقامة مما اُمر به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ليلة المعراج فهو مما قرّره اللّه تعالى لا مما سنّه الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم.

وهذا الوجه ايضاً غير ظاهر اذ لم يذكر في الروايات ان جبرئيل عليه السلام نقل ذلك للرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم عن اللّه تعالى او مما علّمه من نفسه ورواياتنا ايضاً مختلفة في ذلك.

ويدل على الوجوب ايضاً ما دل على اجراء قاعدة التجاوز في من نسي الاذان والاقامة حتى كبّر فيدل على ان الترك العمدي مبطل[3].

ويدل عليه ما ورد في المحكم والمتشابه للسيد المرتضى وفي كتاب العلل لمحمد بن علي بن ابراهيم مما يدل على ان الاذان سنة واجبة[4]

ويدل عليه ايضاً ما ورد في من صلى خلف المخالف انه يؤذن لنفسه ويقيم وان لم يتمكن من ذلك صلى في منزله.

وهناك روايات تدل على التفصيل بين انواع الصلوات وهي كثيرة:

منها صحيحة الصباح بن سيّابة قال: قال لي ابو عبد اللّه عليه السلام: (لا تدع الاذان في الصلوات كلها فان تركته فلا تتركه في المغرب والفجر فانه ليس فيهما تقصير)[5].

ووجه التعليل بعدم التقصير فيهما انه يدل على اهمية خاصة بهما فيناسبه عدم سقوط الاذان والاقامة منهما.

ومنها صحيحة صفوان بن مهران (وفيها) (ولا بد في الفجر والمغرب من اذان واقامة في الحضر والسفر لأنه لا يقصر فيهما في حضر ولا سفر وتجزيك اقامة بغير اذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة. والاذان والاقامة في جميع الصلوات أفضل). ([6]

ومثلها في دعائم الاسلام ([7]). 

ومنها رواية ابي بصير (وهي ضعيفة) عن أحدهما قال: (سألته ايجزي اذان واحد قال ان صليت جماعة لم يجز الا اذان واقامة وان كنت وحدك تبادر امراً تخاف ان يفوتك يجزيك اقامة الا الفجر والمغرب فانه ينبغي ان تؤذن فيهما وتقيم من اجل انه لا يقصر فيهما كما يقصر في سائر الصلوات).([8])  

وهذه الرواية مشتملة على التفصيل الذي ذكره السيد المرتضى قدس سره.

ومنها موثقة سماعة قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام: (لا تصلي الغداة والمغرب الا باذان واقامة ورخص في سائر الصلوات بالإقامة. والاذان أفضل)[9].

ومنها رواية زرارة عن ابي جعفر عليه السلام انه قال: (أدني ما يجزي من الاذان ان يفتتح الليل باذان واقامة ويفتتح النهار باذان واقامة ويجزيك في سائر الصلوات اقامة بغير اذان)[10]

وفي هذه الرواية وجه آخر لتأكد الاذان في الصبح والمغرب.

الى غير ذلك من الروايات التي لا يبعد دعوى تواترها مع اختصاصها بالشيعة فلا يأتي فيها احتمال التقية فلا يبعد قوة القول بوجوبه فيهما كما ذهب اليه جمع كثير من القدماء.

ومن الروايات ما تدل على التفصيل بين الجماعة والانفراد:

منها صدر رواية ابي بصير المتقدمة (1967)

ومنها موثقة عمار عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: (سئل عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجيء رجل آخر فيقول له: نصلي جماعة هل يجوز ان يصليا بذلك الاذان والاقامة قال: لا ولكن يؤذن ويقيم)[11]

إلاّ أنّ رواية ابي بصير ضعيفة ورواية عمار غير واضحة الدلالة فالمهم من الروايات ما فصّلت بين الفجر والمغرب وغيرهما واما الجمعة فخارجة بدليل خاص.

ومن الروايات ما تدل على الترخيص فمنها ما تجوّز ترك الاذان في الجماعة فعن علي بن رئاب بسند صحيح قال: (سألت ابا عبد اللّه عليه السلام قلت: تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد اتجزينا اقامة بغير اذان قال: نعم). ([12])

والقدر المتيقن منه صورة عدم انتظار الغير.

ومنها رواية الحسن بن زياد قال: قال ابو عبداللّه عليه السلام (إذا كان القوم لا ينتظرون احداً اكتفوا بإقامة واحدة). ([13]

ولكن القول بالتفصيل بين الانتظار وغيره لم ينقل من أحد من اصحابنا.

ومن الروايات ما ترخص الترك في بعض الصلوات فمنها صحيحة عمر بن يزيد قال: (سألت ابا عبد اللّه عليه السلام عن الاقامة بغير اذان في المغرب فقال: ليس به بأس وما احبّ ان يعتاد)[14]. وهذا يعارض روايات التفصيل.

ومنها ما ترخص تركه للمنفرد مطلقاً فمنها صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السلام عن ابيه (انه كان إذا صلى وحده في بيت اقام اقامة ولم يؤذن)[15].  

ويظهر من قوله (كان) أنّ ذلك كان دأبه عليه السلام وهذا يعارض المشهور من تأكد استحبابه مطلقا.

ومنها صحيحته الاخرى قال: (سألت ابا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل هل يجزيه في السفر والحضر اقامة ليس معها اذان قال: نعم لا بأس به). ([16])  

وذكر السفر والحضر في السؤال بالنظر الى بعض تفاصيل العامة.

ومنها رواية عبد الرحمن ابن ابي عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال سمعته يقول (يقصر الاذان في السفر كما تقصر الصلاة تجزي اقامة واحدة)[17]

ولا بأس بسندها[18] والتعبير بالتقصير في ذلك من جهة تعارف إطلاق الاذان على مجموع الاذان والاقامة.

ومنها ما رواه في الفقيه بسنده عن عبد الرحمن بن ابي عبد اللّه عن الصادق عليه السلام انه قال: (يجزي في السفر اقامة بغير اذان). ([19]

ومنها صحيحة محمد بن مسلم والفضيل بن يسار عن أحدهما قال: (تجزيك اقامة في السفر). [20]

الى غير ذلك من الروايات المتعارضة المتضاربة فما هو طريق الحلّ في الجمع بينها مع القطع بصدور قسم كبير منها؟

ومن هنا نشأ اختلاف القدماء مضافاً الى عدم جمع الأحاديث في تلك الازمنة بهذا الترتيب الموجود في زماننا فكان بعضهم يرى بعض الروايات دون بعض فيفتي بموجب ما يجده وكان وجه اختلاف الأحاديث مجهولاً ايضاً ولذا تحيروا فعزى بعضهم ذلك الى مسامحة الرواة وذهب بعضهم الى الجمع التبرعي وتخيل بعضهم ان الائمة عليهم السلام كانوا يفتون برأيهم فالاختلاف من جهة اختلاف آرائهم.

واما المتأخرون فانفتح لهم باب المناقشة في الاسانيد وبعض انواع الجمع الدلالي الذي توهموها جمعاً عرفياً من قبيل ما يذكرونه في العام والخاص من وجه أو الرجوع الى العام الفوقاني الى غير ذلك من المخترعات التي تزيد يوماً فيوماً بظن انها مفاهيم عرفية وتمسكوا تارة بإعراض المشهور وغيره من الوجوه الضعيفة ورغم التطور الذي أحرزه الاصول عند الشيعة ما زال هذا السؤال يفرض نفسه: ما هو الداعي الى هذا الاختلاف العجيب في الجواب عن مسألة واحدة كمسألة الاذان؟

وجعلنا في مبحث تعارض الادلة بابا خاصا لبيان علل اختلاف الأحاديث وذكرنا هناك انّ الائمة عليهم السلام لهم حق الكتمان في الموسّعات وهي الاحكام التي ليس لها تحديد الزامي فيفتون فيها بوجوه متعددة كلها حقّ.

وسرّ الكتمان قد يكون مداراة لنفسية الراوي إذا كان متأثراً بأفكار العامة او غيرهم.

وقد يكون وثوق بعضهم بروايات العامة إذا كان الراوي ثقة عندهم فاذا قال الامام بخلاف ذلك كان يعدّ عندهم مخالفاً لحديث الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم فكان الامام يكتم ذلك تقية والتقية لا تختص بغير الشيعة.

وقد يكون السبب القاء الاختلاف بين الشيعة لئلا يجتمعوا على قول واحد فيعرفوا كما يلاحظ من أتباع حزب واحد توافقهم على قول واحد في كل موضوع وهذا وارد في الروايات.

وقد يكون سوق الشيعة الى الكمال ولذلك يقتصر في بعض الروايات على الترغيب في الامر المطلوب ولا يبين جهة الترخيص فيه وان كان مستحباً.

وقد يكون ردع بعض الناس المتهاونين بأحكام الاسلام كما كان جماعة من الخطابية وغيرهم يدعون ان الصلاة والزكاة وغيرهما رجال فاذا احببناهم وكرهنا الفحشاء والمنكر ونحوهما وهم ايضاً رجال كفى ولا حاجة الى اتيان الصلاة وكانوا يقولون: إذا عرفت فاعمل ما شئت ونسبوا ذلك الى الائمة عليهم السلام ولا اشكال في ان كثرة الترخيص مع نسبة هؤلاء اقوالهم الى الائمة كان يوجب وهنا للائمة في المجتمع الاسلامي كما يلاحظ في وضع الفقهاء انهم لا يكتمون من ترخيص ما هو مستنكر نوعاً ما وان لم يكن دليل على حرمته.

وحيث ان الائمة عليهم السلام قد فوّض إليهم حق الاعلام فقد فوّض إليهم حق الكتمان فيجوز للإمام كتمان الحكم الواقعي بملاحظة المصالح الاجتماعية وهذا امر معمول به في جميع المجتمعات فنرى الزعماء يتدرجون في بيان مطالبهم للمجتمع وان كان التصميم مدروساً بكامله.

ويشهد لما ذكرنا روايات كثيرة نذكر بعضاً منها.

منها ما رواه عبد اللّه بن مسكان عن عبد الاعلى قال (سأل علي بن حنظلة ابا عبد اللّه عليه السلام وانا حاضر فأجابه فيها فقال له علي: ان كان كذا وكذا فأجابه بوجه آخر حتى اجابه بأربعة وجوه فقال علي بن حنظلة يا ابا محمد هذا باب قد احكمناه. فسمعه ابو عبد اللّه عليه السلام فقال له: لا تقل هكذا يا ابا الحسن فإنك رجل ورع ان من الاشياء اشياء مضيقة ليس يجري الا على وجه واحد منها وقت صلاة الجمعة ليس لوقتها إلاّ حد واحد حين تزول الشمس ومن الاشياء اشياء موسعة تجري على وجوه كثيرة. واللّه ان له عندي سبعين وجهاً)[21]

ومنها ما رواه الكشي بسند معتبر عن عبد اللّه بن زرارة قال: قال لي ابو عبد اللّه عليه السلام: (اقرأ مني على والدك السلام وقل له: إني انما اعيبك دفاعاً مني عنك فان الناس والعدو يسارعون الى كل من قربناه وحمدنا مكانه (الى ان يقول): فلا يضيقن صدرك من الذي أمرك ابي وأمرتك به واتاك ابو بصير بخلاف الذي امرناك به فلا واللّه ما امرتك به ولا امرناه الا بأمر وسعنا و وسعكم الاخذ به. ولكل ذلك عندنا تصاريف ومعان توافق الحق ولو أذن لنا لعلمتم ان الحق في الذي امرناكم فردوا الينا الامر وسلموا لنا واصبروا لأحكامنا وارضوا بها والذي فرق بينكم فهو راعيكم استرعاه اللّه خلقه وهو اعرف بمصلحة غنمه في فساد امرها فان شاء فرق بينها لتسلم ثم يجمع بينها ليأمن من فسادها وخوف عدوها (الى ان يقول): وعليك بالصلاة الستة والاربعين وعليك بالحج ان تهل بالإفراد وتنوي الفسخ اذا قدمت مكة (الى ان يقول): فهذا الذي امرناك به حج التمتع فالزم ذلك ولا يضيقن صدرك والذي اتاك به ابو بصير من صلاة احدى وخمسين والاهلال بالتمتع بالعمرة الى الحج وما امرنا به من ان تهل بالتمتع فذلك عندنا معان وتصاريف لذلك ما يسعنا ويسعكم ولا يخالف شيء منه الحق ولا يضاره والحمد للّه رب العالمين([22])   .

وهناك عدة مراسيل رواها في الحدائق[23] منها: سئل عن اختلاف اصحابنا في المواقيت قال: انا خالفت بينهم.

وفي رواية حريز: (ليس شيء اشد علي من اختلاف اصحابنا قال: ذلك من قبلي). الى غير ذلك من الروايات.

ولحمل موارد الاختلاف على الموسعات مقاييس ذكرناها في مبحث التعادل والتراجيح.

وسرّ الاختلاف لم يذكر في الروايات بالصراحة اذ كان نقضاً للغرض ولكنه معلوم بضوابطه من ملاحظة مجموع الروايات.

فالحاصل ان الاذان مستحب الّا ان تأكده يختلف حسب اختلاف الموارد كما في الروايات.

ولكن تأكد استحبابه للنساء كما في العروة غير صحيح لما ورد من انهن ليس عليهن اذان واقامة.

 

الكلام في الاقامة

 

اختلف الاصحاب فيها فالمشهور انها والاذان بحكم واحد وهما مستحبان. وقيل بوجوبها. والقائلون بالوجوب على قسمين. فمنهم من اوجب الاذان ايضاً في الجملة وهم من القدماء ومنهم من قال بوجوب الاقامة واستحباب الاذان مطلقاً وهم من المتأخرين واولهم على الظاهر العلامة المجلسي قده. وتبعه صاحب الحدائق وكاشف الغطا قدهما والسيد المصنف احتاط وجوباً.

ونوقش فيه بان هذا فرق للإجماع المركب لعدم القول بالفصل بين القدماء. وهذا وان كان صحيحاً الا أنه ليس بضائر فان القدماء لم يكن لديهم مستند غير هذه الروايات فالمهم ملاحظتها.

ومستند القول بالفصل هو ورود الترخيص في الاذان وعدم وروده في الاقامة مع اقتضاء الاطلاقات وجوبها.

ولا اشكال في ان الاقامة اهم من الاذان عند العامة والخاصة. اما العامة ففي تفسير القرطبي ان ابا حنيفة والشافعي كرها ترك الاقامة أكثر من كراهة ترك الاذان. وهذا الامر مرويّ في رواياتنا ايضاً ولابد قبل ذكر الروايات من ملاحظة امرين.

الامر الاول: انه قد ورد في رواياتنا ان من اذّن واقام اقتدت به الملائكة صفين. وإذا اقام فقط اقتدت به صفاً واحداً.

وهذه الروايات بعد ملاحظة اهمية الجماعة وثوابها في مرتكز المسلمين انما اُريد بها ترغيب المصلي الى الاذان والاقامة نظراً الى تبدل الصلاة الانفرادي الى صلاة الجماعة من حيث الثواب وحيث ان هذا التبدل ليس من المطلوبات على وجه الوجوب قطعاً فهذا قرينة على ان الامر بهما استحبابي.

الامر الثاني: ان التعليل الوارد في صحيحة زرارة السابقة قال (سألت ابا جعفر عليه السلام عن رجل نسي الاذان والاقامة حتى دخل في الصلاة قال فليمض في صلاته فإنما الاذان سنة)[24] يدلنا على امرين:

الاول: ان الاذان يطلق على مجموع الاذان والاقامة ايضاً.

الثاني: انهما في الحكم سواء فانه سأل عن الاذان والاقامة فالجواب بان الاذان سنة يدل على تساويهما في الحكم والا لو كان الاذان أخف حكماً لم يصح التعليل. وحيث ان المحصل مما ذكرناه سابقاً هو استحباب الاذان فليس المراد بكونه سنة ما فيه هدىً وفي تركه ضلالة كما هو أحد معاني السنة بل المراد استحبابه فتتبعه الاقامة في الحكم بموجب هذه الصحيحة.

ودعوى ان المراد بها تطبيق قانون (لا تنقض سنة فريضة) ليس بضائر لإمكان دعوى عموم القاعدة للسنة الموجبة والسنة المندوبة فالمراد ان ترك السنة بالمعنى الاعم لا يخل بالصحة ولا الكمال ان كان عن عذر.

وقد استدل على وجوبها بعدة روايات:

منها موثقة عمار التي مر ذكرها منها موثقة عمار (لا بد للمريض ان يؤذّن ويقيم إذا اراد الصلاة ولو في نفسه ان لم يقدر على ان يتكلم به. ثم سئل فان كان شديد الوجع؟ قال: لا بد من ان يؤذن ويقيم لأنه لا صلاة الا بأذان واقامة)[25].

وظاهرها نفي الماهية من دونهما معا الا ان الاذان دلت على الترخيص في تركه روايات دون الاقامة فنلتزم بوجوبها دونه.

والجواب: ان المراد أحد امرين من نفي الصحة ونفي الكمال ومقتضى ما دل على عدم دخالة الاذان في الصحة هو تعين الاحتمال الثاني فالمنفي هو الطبيعة الكاملة لا مطلق الطبيعة. ولا وجه للتفكيك بينهما فان الظاهر منها الانتفاء على أحد الوجهين اي نفي الصحة او نفي الكمال الا بهما معاً ومن المعلوم ان انتفاء أحدهما وهو الاذان لا يوجب بطلان الصلاة.

ومنها الروايات الدالة على إجزاء الاقامة في موارد خاصة كصلاة الظهرين والعشاء وفي السفر[26]. والظاهر منها ان اقل ما يجزي هو الاقامة فتدل على عدم صحة الصلاة بدونها.

والجواب: ان الظاهر منها الاجزاء فيما له دخل في التهيؤ للصلاة بمعنى مجموع الاذان والاقامة لا الاجزاء في الصلاة والذي يشهد لذلك ما ورد في تعليل تأكد الاذان والاقامة في صلاتي الفجر والمغرب من انهما لا يُقصَّران فيدل على ان الصلوات التي تقصر في السفر يقصر المجموع فيها فيكتفى بالإقامة. والحاصل ان إجزاء الاقامة انما هو عن مجموع الاذان والاقامة في التهيؤ للصلاة لا ان الصلاة معها اقل ما يجزي فليس في الروايات ما يدل على هذا المعنى.

قيل: واهم ما يستدل به على وجوبها موثقة عمار عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: (إذا قمت الى صلاة الفريضة فأذّن وأقم وافصل بين الاذان والاقامة. الحديث).[27]  بدعوى ان الامر يدل على الوجوب خرج منه ما دل على الترخيص فيه دليل آخر وهو الاذان والفصل وبقيت الاقامة واجبة اما نفسيا واما شرطيّاً.

والجواب اولاً انه يمكن ان يكون الامر بالأذان والاقامة امراً تمهيدياً للأمر بالفصل فلا يمكن استفادة الوجوب منه.

وثانياً: انه لو سلمنا كونه في مقام البعث اليهما الا انه يدور الامر بين الارشاد والمولوية وقد ذكرنا في محله ان الامر يحمل على الارشاد ما أمكن فان لم يمكن يحمل على المولوية وتضمّن الوعيد حذراً من لزوم اللغوية.

وذلك لان الامر ليس الا بعثاً وتحريكاً للعمل اعتباراً وانشاءاً الا انه في نفسه لا يحقق الغرض فان علم المخاطب دخالته في امر مطلوب له بحسب الجوّ العام والخاص يتحقق في نفسه الداعي الى العمل كما إذا علم من امر الطبيب دخالة الشيء في صحته او من امر الشارع دخالة الطهارة في صحة الصلاة واما ان لم يكن قرينة عامة او خاصة على ذلك فلا بد من الالتزام بتضمين الامر للوعيد على الترك حذراً من لزوم اللغوية اذ يكون الوعيد باعثاً لانقداح الداعي في النفس وهو المقصود من الامر. والحاصل ان الامر والنهي يحملان على الارشاد اولاً فان لم يمكن يحملان على المولوية.

وفي المقام يمكن حمل الامر على الارشاد الى دخالتهما في صحة الصلاة او كمالها بل يعيّنه ان الامر متعلق بمركب اعتباري فهو قرينة على الارشاد الى الشرطية ولذا كان القدماء يقولون باشتراط صحة الصلاة بها. وكذا يعين ذلك ما ورد في سائر الروايات من الترغيب في الاذان والاقامة لتبدل صلاة الانفراد الى الجماعة كما مرّ. 

وحيث دار الامر بين دخالتها في الصحة ودخالتها في الكمال فلا يمكن الجزم بالأول وان كان هو الانسب بالأمر الظاهر في ارادة جعل الداعي المحرك للعمل الا ان اقتران الامر بها بالأمر بالأذان والفصل المحمولين على الاستحباب جزماً يمنع من الحمل على الوجوب.

والحاصل ان الوجوب والاستحباب والارشادية والمولوية ليست من معاني الالفاظ حتى نبحث عنها في كتب اللغة بل لا بد من مراجعة القرائن الخارجية في كل مقام لاستكشاف المراد كما ذكرنا نظير ذلك في معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم لا ضرر ولا ضرار وقلنا بان النفي الاول نفي للتسبيب الى الحكم الضروري والنفي الثاني نفي تكليفي يفيد النهي مع ان العبارة واحدة فيهما والموجب لهذا التفصيل هو ان الضرر مما لا يتحمله الانسان الا بتخيل التكليف الشرعي فيكفي في ايجاد الزاجر نفي التكليف والمضارّة مما يتسابق اليه الانسان بطبعه الاولي بحسب قانون تنازع البقاء فلا بد في ايجاد الزاجر عنه من النهي التكليفي وتضمين الوعيد .

فتحصل ان الظاهر هو الامر الاستحبابي بموجب هذه القرائن وهنا احتمال آخر وهو ان يكون الامر في مقام دفع توهم الحظر نظراً الى ان مالكاً يقول بعدم مشروعيتها للمنفرد. ولا اقل من الاجمال بعد ملاحظة هذه المحتملات في الرواية.

واستدل ايضاً على وجوبها بعدة روايات ضعاف دلت على ان الاقامة اول الصلاة فوجوبها تبع لوجوب الصلاة.

والجواب أنّ هذه الاوّلية انما هي بلحاظ العناية والتوسّع ويتضح ذلك بملاحظة ما ورد من أنّ اول صلاة احدكم الركوع. وان الصلاة تفتتح بتكبيرة الاحرام. وما عبرّ عن التكبيرات المستحبة بالافتتاحية وما ورد من ان اول صلاتكم الوضوء. فالمراد ان الصلاة التي حقيقتها العطف والتوجه الى اللّه يتحقق بالوضوء الا أنّ هذا التوجه ينبغي ان يزداد كلما قرب الى اركان الصلاة.

ثم ان اتفاق المسلمين عامة وخاصة على اختصاصهما بالصلوات اليومية. فما في موثقة عمار: لا صلاة الا باذان واقامة وما في موثقته الاخرى: إذا قمت لصلاة فأذن وأقم. معارض اولاً برواية زرارة وثانياً بإجماع المسلمين وانما ورد في صلاة العيدين اعلانهما بـقول (الصلاة! الصلاة!) في رواياتنا وفي روايات العامة الصلاة جامعة. و روايتا عمار محمولة على مورد السؤال أو المورد المتعارف والمفروض انهما واردتان مورد الفتيا فليس فيهما إطلاق.

قال المصنف قدس سره: ويشترط في اذان الصلاة كالإقامة قصد القربة بخلاف اذان الاعلام فانه لا يعتبر فيه.

الكلام في انهما تعبديان او توصليان. وقد فصل السيد المصنف واختار جماعة منهم السيد الحكيم في المستمسك التعبدية فيهما مطلقاً. واستدل له فيه بالإجماع وارتكاز المتشرعة وقريب منه ما ذكره المحقق الهمداني.

وقد ذكرنا في الاصول ان الاصل هو التوصلية وان التقييد بقصد القربة يحتاج الى بيان من الشارع. وبعد ذلك فالقول بالتعبدية يحتاج الى دليل واضح والتمسك بالإجماع والارتكاز غير واضح فان المصرّح بها بالنسبة الى الوضوء فضلاً عن الاذان والاقامة جماعة قليلة من المتأخرين.

والمهم هو البحث عن ما يتميز به التعبديات عن التوصليات وقد ذكرنا في باب الوضوء ان المستفاد من كلمات العامة والخاصة[28] ان الضابط في التعبدية والتوصلية ان ما امر به الشارع ان كان دخيلاً في المصلحة الفردية أو الاجتماعية بنحو واضح فهو توصلي وان لم يكن وجه واضح في دخالته في المصلحة فهو تعبدي دخيل في المصالح الآخروية ويحتاج الى قصد القربة. ومن هنا استشكل بعض العامة في كون الوضوء تعبدياً نظراً الى انه من اجل التنظيف.

وهذا الضابط وان ارتضاه فقهاء الفريقين واختلفوا في تطبيقه الا انه ليس له وجه واضح وتمييز المصالح الفردية يختلف حسب اختلاف المجتمعات والثقافات وكل ما عدّ دخيلاً في المصالح الأخروية فحسب لها مصالح دنيوية ايضاً الا ان انظار السابقين كان منحصراً في الجهات المادية المحسوسة فيعتبر الصلاة مثلاً عندهم مرتبطة بالمصالح الأخروية فقط لعدم ترتب مصالح مادية ظاهرة عليها ولا يلاحظون التأثير النفسي والتربوي الذي تحتوي عليه الصلاة.

وهذه القاعدة انما يصح ان تكون مناطاً للتمييز إذا كانت مدعمة بالاعتبار الشرعي فلا بد من ملاحظة الروايات وهناك منها ما يشير الى هذه القاعدة.

ففي معتبرة زرارة ومحمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام قال: (انما الوضوء حدّ من حدود اللّه ليعلم اللّه من يطيعه ومن يعصيه وان المؤمن لا ينّجسه شيء انما يكفيه مثل الدهن).[29]

والمستفاد من الرواية ان تشريع الوضوء انما هو لمعرفة المطيع من العاصي فهو امر تعبدي وليس ملاكه التنظيف كما توهمه العامة حتى لا يتوقف على قصد القربة وذلك لوجهين:

الاول ما اشار اليه الامام عليه السلام بأنّ المؤمن لا ينجّسه شيء فالحدث ليس منجساً للمؤمن بنجاسة ترتفع بالوضوء.

الثاني: انه يجزي في الوضوء التدهين وهو لا يفيد التنظيف فالظاهر من الرواية دفع توهم تطبيق الكبرى في المقام فهو بيان للكبرى ضمناً.

ودلالتها على المراد انما يتضح بملاحظة الجوّ الفقهي واختلاف الفقهاء في الوضوء والّا فمع قطع النظر عن ذلك لا يستفاد من الرواية الا كفاية التدهين فكأنه هو المقصود بالبيان كما فهمه الاصحاب الا ان ملاحظة اختلاف الفقهاء في تعبدية الوضوء وتوصيله وملاحظة صدر الرواية وذيلها يقضي بان المراد بيان اشتباههم في تطبيق الكبرى.

قال ابن رشد: وسبب اختلافهم تردد الوضوء بين ان يكون عبادة محضة أعنى غير معقولة المعنى وانما يقصد به القربة فقط كالصلاة وبين ان يكون عبادة معقولة المعنى لغسل النجاسة فانهم لا يختلفون في ان العبادة المحضة مفتقرة الى النية. والعبادة المفهومة المعنى غير مفتقرة الى النية والوضوء فيه شبه من العنوانين. الخ.

ويؤيد كون الاذان والاقامة والوضوء من التعبديات ما ورد من انها من الصلاة فيتبعها في ذلك.

فظهر ان الاذان للصلاة ينطبق عليه القاعدة المذكورة فهو تعبدي واما اذان الاعلام فلا يظهر وجه لانطباق القاعدة والاصل التوصلية.

 

الكلام في كيفية الاذان

 

والبحث من جهتين: كمّيّة ما هو دخيل قطعاً. ودخالة بعض الفصول.

الجهة الاولى: في ان التكبير و الشهادتين هل هي مثنى مثنى ام اربعاً اربعاً.

اما فقهاء العامة فقد اختلفوا بحسب اختلاف البلدان فلهم أربع صور بحسب مكة والمدينة والبصرة والكوفة.

اما الكوفيون فأذانهم يشبه اذان الشيعة فيكبرون اربعاً ويتشهدون مثنىً مثنى سواء في ذلك قول ابي حنيفة وحسن بن صالح الثوري وابي ليلى وغيرهم. والسرّ في ذلك تأثرهم بالفقه المنسوب الى علي عليه السلام عندهم مضافاً الى ان الكوفة كان معدن الفكر الشيعي آنذاك.

واما المدنيون فهم اتباع مالك وهو يقول بالتثنية في التكبير والترجيح في الشهادتين بان يثنّيهما ثم يكررهما مثنىً مع مدّ الصوت.

واما المكيون فقد جمعوا بين الامرين وقالوا بالتربيع في التكبير والترجيح في الشهادتين. وهو قول الشافعي.

واما البصريون فليس لهم مدرسة فقهية معتبرة فقالوا بالتربيع في التكبير والتثليث في الشهادتين والحيعلتين بأن يأتي بكل منها مرة مرة ثم يرجع اليها فيكررها مثنىً مع مد الصوت بان يكرر المجموع متوالياً ثلاث مرات. وهذا القول ليس له مستند حتى عندهم. وذهب الظاهريون كابن حنبل وابن حزم الى جواز كل الصور المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اي ما عدا رأي البصريين قالوا والاكثر ذكراً أفضل.[30]

وهذا الاختلاف كان في السابق بين العشائر وبعد اختلاط العرب بالفرس تركزت العصبيات في المدن لتأثرهم بعادات الفرس فصارت الاختلافات بحسب البلدان. والذي يظهر من تفسير القرطبي هو سبق هذا الاختلاف بين العشائر.[31]

ووجه قول الشافعي هو التمسك بأصالة عدم الغفلة ورجحانها في طرف الزيادة إذا دار الامر بينها وبين اصالة عدم الغفلة في النقيصة كما يقوله المتأخرون من علماءنا وبذلك رجّح روايات الزيادة.

وقد ذكرنا الكلام في هذا الاصل مراراً وانه مما لا أصل له عند العقلاء كما يدّعى.

واما فقهاؤنا قدس الله اسرارهم فالمشهور بينهم هو التربيع في التكبير واما الترجيح في الشهادتين فليس في رواياتنا له أثر وكذا وحدة التهليل في الآخر كما هو دأب العامة. وقال المحقق قدس سره انه الاشهر فيظهر منه ان القول المخالف مشهور ايضاً. قد نقل هذا القول من الفضل بن شاذان في علله والشلمغاني في التكليف والشيخان الطوسي والمفيد ولم ينقل عن ابن جنيد وابن عقيل مخالفة له. ولكن المتأخرون جداً بالغوا في اثبات الاجماع والتسالم على هذا القول الا ان في عدة من الروايات المعتبرة ورد التثنية في التكبير. ولا ريب في ان التمسك بعمل القدماء او الشهرة او استقرار المذهب في ترجيح احدى الطائفتين حرفة العاجز.

وفي قبال قول المشهور قولان آخران:

أحدهما: قول الصدوق في الهداية وهو ان الاذان عشرون جزءاً بتربيع التكبير في آخره ايضاً. والظاهر ان هذا هو مراد الشيخ في العدّة حيث عدّ هذا القول قول بعض اصحابنا.

وكيف كان فهذا القول لم ينقل الا من الصدوق.

الثاني: ما ذهب اليه جماعة من المتأخرين في القرن الحادي عشر فما بعد كصاحب المنتقى والعلامة المجلسي والمحدث البحراني ومال اليه المحقق الهمداني وهو التخيير بين التربيع والتثنية في التكبير اول الاذان.

اما الروايات فكثير منها يدل على قول المشهور.

منها رواية اسماعيل الجعفي قال: سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول: (الاذان والاقامة خمسة وثلاثون حرفاً فعدّ ذلك بيده واحداً واحداً الاذان ثمانية عشر حرفاً والاقامة سبعة عشر حرفاً).[32]      

ولم يرد عدّ الاذان ثمانية عشر حرفاً بلفظ العدد الا في هذه الرواية ولذا اشتهر الجعفي بها قال النجاشي في ترجمته: (وهو الذي روى حديث الاذان) فإما ان يكون من جهة شهرة هذه الرواية او من جهة انها العمدة في ذكر العدد.

وراوي هذه الرواية يونس عن ابان عن الجعفي وفي كتاب فقه الرضا مثل ذلك وقد ثبت لنا بالمراجعة ان الشلمغاني غالباً يعتمد في فتاواه على يونس والفضل قال: اعلم يرحمك اللّه ان الاذان ثمانية عشر كلمة والاقامة سبعة عشر كلمة (نفس المصدر)

وقال الشيخ في النهاية: الاذان والاقامة خمسة وثلاثون فصلاً الاذان ثمانية عشر فصلاً والاقامة سبعة عشر فصلاً قال: هذا هو المختار المعمول عليه ثم عدّ سائر الاقوال.

ومنها معتبرة زرارة عن ابي جعفر عليه السلام قال: (يا زرارة تفتتح الاذان بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين).[33]

ومنها معتبرته الاخرى قال: قال لي ابو جعفر عليه السلام (يا زرارة تفتتح الاذان بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين وان شئت زدت على التثويب حيّ على الفلاح مكان الصلاة خير من النوم).[34]

ومنها رواية معلى بن خنيس قال سمعت ابا عبد اللّه عليه السلام يؤذن فقال: اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر (الى آخر الأذان كالمشهور).[35]

ولكن معلى بن خنيس في وثاقته كلام. وجملة حي على خير العمل مروية في بعض النسخ ولكن في بعض نسخ التهذيب والاستبصار بعد ذكر حي على الفلاح (حتى فرغ من الاذان وقال في آخره) اللّه أكبر الخ. والسرّ في ذلك ان هذه الجملة كانت من شعارات الشيعة التي ينادون بها في ثوراتهم ومن هنا كان الرواة واصحاب الكتب يتقون من ذكرها.

ومنها ما رواه الشيخ في الاستبصار والصدوق في الفقيه عن ابي بكر الحضرمي وكليب الاسدي عن ابي عبد اللّه عليه السلام انه حكى لهما الاذان فقال: اللّه أكبر (الى آخر الاذان كالمشهور الآن في نسخة من التهذيب تربيع التكبير في آخره) وفي آخر الحديث والاقامة كذلك.[36] 

وفي الفقيه المطبوع ليس في الاخير تكبيرات أربع وقال الصدوق بعد ذكر الحديث (ان هذا الحديث هو المتفق عليه الذي لا يجوز الزيادة عليه والنقص منه). هذا مع انه في الهداية افتى بانه عشرون كلمة. ومن هنا يعلم ان الحديث في الفقيه ايضاً كان كالتهذيب بأربع تكبيرات في الآخر فحذف من بعض النسخ والا فيتنافى قوله في ذيل الحديث مع فتواه في الهداية اذ لا دليل على هذه الفتوى الا هذا الحديث بهذه النسخة.

ومن الروايات ما يدل على تثنية التكبير في الافتتاح.

منها ما رواه في التهذيب عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عبد اللّه بن سنان قال: (سألت ابا عبد اللّه عليه السلام عن الاذان فقال تقول: اللّه أكبر اللّه أكبر اشهد ان لا إله الا الله اشهد ان لا إله الا الله (وذكر مثل ما في الاستبصار الا انه أسقط قوله والإقامة كذلك).[37] 

ومنها ما رواه الشيخ والكليني عن زرارة والفضيل بن يسار عن ابي جعفر عليه السلام قال قال (لما أسري برسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم الى السماء فبلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة فأذن جبرئيل واقام فتقدم رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وصفّ الملائكة والنبيون خلف محمد صلى الله عليه وآله وسلم. (وفي التهذيب والاستبصار) قال: فقلنا له كيف اذّن فقال: اللّه أكبر اللّه أكبر اشهد ان لا إله الا اللّه (الى آخر الاذان).[38]

ومن العجيب ان الكافي اقتصر على صدر الحديث ولم يذكر صورة الاذان بل ليس في الكافي رواية تبين صورة الاذان اصلاً. ولعل تركه لذيل الحديث هنا من جهة وجود (حي على خير العمل) وهو مورد التقية او لعدم وثوقه بالذيل لان مدركه ظاهراً كتاب ابن ابي عمير وقد ذكرنا فيه ان قسماً كبيراً منه لم يكن مقرواً.

والمهم هو هاتان الروايتان. وهناك رواية حفص بن البختري عن ابي عبد اللّه عليه السلام انه قال (لما أسري برسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وحضرت الصلاة فأذن جبرئيل فلما قال: اللّه أكبر اللّه أكبر قالت الملائكة: اللّه أكبر اللّه أكبر فلما قال: اشهد ان لا إله الا اللّه قالت الملائكة: خلع الانداد فلما قال: اشهد ان محمداً رسول اللّه قالت الملائكة: نبي بعث فلما قال: حي على الصلاة قالت الملائكة: حثّ على عبادة ربه فلما قال: حيّ على الفلاح قالت الملائكة: أفلح من اتبعه)[39] 

ومن الواضح أن هذه الرواية انها ليست بصدد بيان عدد الاجزاء والا فليست الاجزاء واحدة واحدة قطعاً.

نعم هنا رواية اخرى رواها المحقق قدس سره في المعتبر قال: في كتاب احمد بن ابي نصر البزنطي من اصحابنا حدثني عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السلام انه قال: (الاذان اللّه أكبر اللّه أكبر اشهد ان لا إله الا اللّه اشهد ان لا إله الا اللّه وقال في آخره لا إله الا اللّه مرة ثم قال: إذا كنت في اذان الفجر فقل: الصلاة خير من النوم بعد حي على خير العمل وقل بعد اللّه أكبر اللّه أكبر لا إله الا اللّه ولا تقل في الاقامة الصلاة خير من النوم انما هو في الاذان)[40].

وهي من حيث السند لا اشكال فيها من جهة الارسال فان مرسلات البزنطي عندنا معتبرة الا ان سند المحقق الى كتابه مجهول.

ثم ان من اعتمد على ترجيح الرواية يعمل المشهور قد استراح في الجمع بين تلك الروايات وهذه الطائفة. وكذا من قال بالتخيير نظراً الى اعتبار الطائفتين سنداً واستشهاداً برواية سيأتي ذكرها ان شاء اللّه.

ولكن المختار هو تعين القول المشهور فلا بد من منع حجية الروايات المعارضة بوجه.

ورواية عبد اللّه بن سنان وان كانت صحيحة ظاهراً الا انه يمكن الخدشة فيه من جهة احتمال التقية قوياً نظراً الى انه كان مولى المنصور فكان من رجال الحكومة وعليه فكانت وظيفته ان يؤذن على مذهب العامة. خصوصاً ان القول بالتربيع في اول الاذان كان مذهب الكوفيين منهم المخالفين للحكومة حتى ان ابا يوسف مع انه تلميذ ابي حنيفة لما انتمى الى الحكومة العباسية عدل عن رأي استاذه الى مذهب اهل المدينة الموافقين للحكومة العباسية. وهنا امر آخر يوجب عدم الوثوق وهو ان مرويات عبد اللّه بن سنان كثيراً ما يشاهد فيه الاضطراب الشديد كروايات البلوغ والعصير العنبي مع انه جليل القدر في الطائفة وقد نقل كتابه جماعات من اصحابنا كما قاله الرجاليون الّا انه يحتمل ان كتابه وقع تحت الايدي العابثة.

هذا مع ان احتمال السقوط في هذه الرواية قوي ولا يحتمل الزيادة في رواية زرارة فإنها مصرّحة بالعدد لا بالتكرار حتى يحتمل فيه الزيادة وكذا صرح بالعدد في رواية الجعفي. ولعل عدم اعتماد القدماء على هذه الرواية لاحد هذه الوجوه.

واما رواية زرارة والفضيل فيمنع الوثوق بها اولاً عدم اعتماد الكليني على ذيلها وثانياً قوة احتمال الزيادة والنقيصة في مرويات ابن ابي عمير كما مرّ فدرجة الاعتماد على رواياته اقل من روايات غيره إذا تعارضت.

ومن هنا ظهر ان تمسك الصدوق قده بنسخة غير ثابتة من رواية الحضرمي وكليب الوارد فيها تربيع التكبير في الآخر لا وجه له بعد معارضته بروايات صحاح صرّح فيها بالعدد. قال في الهداية: قال الصادق عليه السلام: (الاذان والاقامة مثنى مثنى وهما اثنان واربعون حرفاً الاذان عشرون حرفاً والاقامة اثنان وعشرون حرفاً)[41].

والظاهر ان قوله وهما اثنان واربعون حرفاً...الخ من كلامه لا تتمه الرواية.

واما قول المتأخرين بالتخيير فيسقط بعد سقوط ادلة التثبيت الا انهم استشهدوا بما دل من الروايات على ان الاذان والاقامة مثنى مثنى.

والجواب عنه ان هذا ليس معناه ان جميع الاجزاء مثنى مثنى ولذلك ذهب الصدوق في الهداية الى تربيع التكبير في عقب نقل هذه الرواية كما مرّ. وقال في الامالي ان من دين الامامية ان الاذان والاقامة مثنى مثنى. وهذا القول ليس الا في قبال قول اهل المدينة: ان الاذان مثنى مثنى والاقامة مرة مرة.

قال القرطبي في تفسيره (فعن مالك والشافعي واصحابهما ان الاذان مثنى مثنى والاقامة مرة مرة الا ان الشافعي يربّع التكبير الاول. (الى ان قال) وقال ابو حنيفة واصحابه والثوري وحسن بن حيّ الاذان والاقامة جميعاً مثنى مثنى والتكبير عندهم في اول الاذان والاقامة أربع مرات)[42]

ومنه يظهر ان (مثنى مثنى) لا ينافي تربيع التكبير وترجيح الشهادتين. وكذلك كون الاقامة مرة مرة لا ينافي قول قد قامت الصلاة مرتين كما هو مذهب مالك. فالمراد هو ان اكثرية الاجزاء مثنى مثنى في الاذان والاقامة في قبال القول المخالف بان الاقامة مرة مرة.

واستشهدوا ايضاً بما رواه الصدوق في الفقيه عن الفضل بن شاذان في علله – وفيه – (جعل الاذان مثنى مثنى وجعل التكبير في اول الاذان اربعاً لان اول الاذان انما يبدو غفلة وليس قبله كلام ينبه المستمع له فجعل الاوليات تبينها للمستمعين لما بعده في الاذان...). [43]

والكلام في كتاب العلل طويل وقد اعتمد عليه بعض العلماء المتأخرين منهم السيد الحكيم قدس سره وهو كتاب ألّفه الفضل في فلسفة الاحكام وقد أدرج بكامله في العيون وفي علل الشرايع وغالبه بصورة الكتب الاستدلالية (ان قيل: قلنا) وغير ذلك وصاحب الوسائل حيث رأى ذلك غير مناسب لكونه رواية حذف هذه العبارات ليكون بصورة الحديث.

والحاصل ان الاقوال فيه ثلاثة:

الاول ان هذا الكتاب من كلام الفضل وليس من الامام عليه السلام. وهذا هو الصحيح وله شواهد قطعية.

الثاني: انه كتاب رواية معتمد. ولذا يعبر عن كثير من رواياته في المستمسك بمصحح فضل.

الثالث: انه كتاب رواية ضعيف السند لان علي بن محمد بن قتيبة ورجل آخر في سنده لم يوثقا واليه ذهب السيد البروجردي قدس سره وغيره.

هذا كله مضافاً الى ان صدر الكلام وذيله يدل ان الفضل ايضاً قائل بالتربيع.

هذا تمام الكلام في كمّيّة ما هو معتبر في الاذان قطعاً.

 

الجهة الثانية

في ما وقع الكلام في اعتباره فيه منها جملة حي على خير العمل. والمشهور بل المتفق عليه بين العامة هو عدم اعتبارها فيه وفي الاقامة والمتفق عليه بين جميع مذاهب الشيعة اعتبارها فيهما. الا ان المنقول في بعض كتب العامة ان بعض الصحابة والتابعين كانوا يأتون بها فيهما ففي المحلّى ان ذلك صحّ عن عبد اللّه بن عمر وفي غيره من الكتب ايضاً. ونقلوا ذلك عن علي بن الحسين عليهما السلام وابي امامة وهو من اصحاب علي عليه السلام!!. ولكنهم زعموا انهم لم ينسبوها الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا حجية في عملهم.

ونقل السيد شرف الدين قدس سره عن القوشجي انه قال: ان عمر حرم ثلاثة اشياء وهدد بالعقاب عليها متعة الحج ومتعة النساء وحي على خير العمل. ولكنا لم نعثر عليه في كتبهم المعتبرة عندهم. ولعل ترك العامة لذلك من جهة انه كان من شعائر الشيعة المخالفين لسياسة ذلك الزمان.

ولكن هذه الجملة عندنا معتبرة في الاذان قطعاً للروايات الكثيرة الدالة عليه بلا معارض. ومخالفة العامة لا أثر لها بعد متابعتهم الاهواء في ذلك. مع ان السنة كانت متروكة عندهم زهاء 150 سنة. واول ما ألف في ذلك عندهم موطأ مالك وقد تدخلت السياسة في تأليفه حتى امره المنصور ان يجتنب رخص ابن عمر وتشديد ابن عباس.

واما الشهادة الثالثة فقد قال المصنف: واما الشهادة لعلي عليه السلام بالولاية وامرة المؤمنين فليست جزءاً منهما والروايات ايضاً خالية عن ذكرها ولكن حاول بعض الاصحاب تبعاً للعلامة المجلسي قدس سره تقريب الجزئية لها ونحن نترك البحث عنه كغيره من المستحبات.

هذا كله في الاذان واما اصول الاقامة فالبحث عنها في امرين:

الامر الاول: في معنى عبارة (الاذان مثنى مثنى والاقامة مثنى مثنى) وقد وقع الاختلاف بين روايات العامة والخاصة في ذلك ففي بعض روايات العامة ان الاقامة مرة مرة. قالوا روى انس: أُمر بلال ان يؤذن مثنى مثنى ويقيم مرة مرة الا الاقامة اي قول: قد قامت الصلاة. وفي بعض رواياتهم انها مثنى مثنى. فادعى بعضهم كابن حزم ان الطائفة الثانية منسوخة وعكس بعض آخر كابي حنيفة واتباعه تأثراً منه بمذهب الشيعة فقالوا بان الطائفة الاولى منسوخة او بان رواية انس لا تدل على ذلك فان الآمر لم يعلم ان يكون هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

واعترض عليهم ابن حزم اولاً بان هذا شبيه ما يقوله الروافض من ان الخلفاء غيروا سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وثانياً ان بلالاً لم يؤذن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ويردّه اولاً ان بلالاً اُمر بالأذان بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يأتمر ولعله امر بذلك ايضاً فلم يأتمر فلا يدل عدم قبوله الاذان على عدم الامر. وثانياً انه لو سلمنا ان الآمر هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد مرّ الكلام في انه لو نقل الصحابي ان النبي او الامام امر بكذا فلا يمكن الاخذ بإطلاقه وانما الاطلاق في كلامهم ولعل الامر كان في وقت سفر او استعجال كما ورد في رواياتنا.

واما رواياتنا فعلى ثلاثة اقسام:

القسم الاول: ما ورد فيه ان الاذان والاقامة مثنى مثنى كصحيحة صفوان[44] وعدة روايات اخر.

القسم الثاني: ما ورد فيه ان الاذان مثنى مثنى والاقامة واحدة واحدة. كصحيحتي معاوية بن وهب وعبد اللّه بن سنان.[45] 

القسم الثالث: ما ورد فيه التفصيل بين الاستعجال وغيره. كصحيحة ابي عبيدة الحذاء في الاذان وصحيحة يزيد بن معاوية فيهما قال: (الاذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة الاذان واحداً والاقامة واحدة واحدة)[46]. ورواية نعمان الرازي: (يجزيك من الاقامة طاق طاق في السفر).[47] 

وبذلك يظهر وجه الجمع بين القسمين الاولين حتى في روايات العامة فامر بلال بالوحدة في الاقامة انما كان في السفر والعجلة. وحيث ان الكلام تعليمي فلا مانع من الاعتماد على القرينة المنفصلة كما مر بيانه.

الامر الثاني: الكلام في عدد فصول الاقامة. والمشهور عندنا انها سبعة عشر فصلاً كما في رواية اسماعيل الجعفي الا ان المستفاد من كلمات القدماء كما ذكره الشيخ قدس سره في العدة والنهاية ان الاقوال متعددة عندهم. أحدها ما هو المشهور من تثنية التكبير في اولها ووحدة التهليل في آخرها وزيادة قد قامت الصلاة مرتين.

الثاني انها اثنان وعشرون فصلاً وهو قول الصدوق في الهداية. الثالث: انها عشرون فصلاً. الرابع: انها تسعة عشر كلمة كما في فقه الرضا على ما في المستدرك ومفتاح الكرامة. وفي الجامع انها سبعة عشر كلمة وهو غير صحيح والظاهر انه تصحيح قياسي. الخامس: قول ابن الجنيد من انه ان كان مسبوقاً بالأذان فالتهليل الاخير واحد والا فاثنان. ولم يظهر لنا وجهه.

وقد استدل للمشهور بان المتيقن هو الاقل. والاكثر محمول على الافضلية لولا انه خلاف ما هو الواضح من مرتكز المتشرعة. كذا في المستمسك وهو غريب فان القدماء المختلفون في ذلك من المتشرعة ايضا.

ومن هنا يظهر بطلان الاستدلال بالإجماع.

ويمكن الاستدلال للمشهور بخبر الجعفي المتقدم الا انه لم يبين نوعية الفصول. ولكن يعلم ذلك بملاحظة ضم ما هو المتفق عليه بين المسلمين وتطبيقه على العدد المخصوص وزيادة ما هو معتبر عند الشيعة. اما التهليل الاخير فوحدته ثابت في الاقامة بإجماع المسلمين اذ لم يقل بتثنيته أحد من العامة والخاصة وان ورد في بعض رواياتنا بعد ذكر الاذان ان الاقامة كذلك. ومن هنا لم يذكر الامام عليه السلام في رواية زرارة تثنية التكبير في الاقامة مع انه ذكرها في الاذان خلافاً للعامة ولم يبين ذلك في رواية الجعفي ايضاً من جهة وضوحه. فاذا اضفنا الى ذلك قطعية اعتبار حي على خير العمل في مذهبنا وقد قامت الصلاة بإجماع المسلمين فيتعين انطباق عدد سبعة عشر بحذف تكبيرتين من اولها. ويؤيد ذلك ما ورد من ان الاقامة مثنى مثنى.

وقد يستدل لذلك بخبر عبد اللّه بن سنان المروي في المعتبر وقد مر ذكره وفيه الابتداء بتكبيرتين والختام بتهليلة واحدة بدعوى انها وان وردت في الاذان الا ان المراد به الاقامة.

ولكنه غريب والاذان يستعمل في المعنى الجامع الا انا لم نجد استعماله في الاقامة. مضافاً الى ضعف السند وان أمكن تصحيح ارساله بان المرسل البزنطي الا ان سند المحقق اليه غير معلوم ولم يظهر ان كتابه من الكتب المشهورة في زمان المحقق حتى يستغني عن السند.

وقد يستدل بما روي في الدعائم ان الاذان والاقامة مثنى مثنى وتفرد الشهادة في آخر الاقامة تقول لا إله الا اللّه مرة واحدة.[48]

وهذا الكتاب من كتب الاسماعيلية ورواياتها مرسلة ولم يعلم من حال مرسله ما يوجب الاعتماد على نقله.

وقد يستدل برواية معاذ بن كثير عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: (إذا دخل الرجل المسجد وهو لا ياتم بصاحبه وقد بقي على الامام آية او آيتان فخشي ان هو اذن واقام ان يركع فليقل قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة اللّه أكبر اللّه أكبر لا إله الا اللّه وليدخل في الصلاة).[49]

فتدل هذه الرواية على كفاية التكبيرة الواحدة في الاخير. ولكن لا يبعد دعوى اختصاصها بصورة العجلة.

واما ما ذكره الصدوق قدس سره فيبتني على نسخة من رواية الحضرمي وكليب كما مر في الاذان. والرواية ضعيفة. ويبتني ايضاً على ان يكون قوله (والاقامة كذلك) من عبارة الرواية ويبعده التعبير الذي بعده (ولا بأس ان يقال في صلاة الغداة على أثر حي على خير العمل الصلاة خير من النوم للتقية) وقال مصنف هذا الكتاب هذا هو الاذان الصحيح الخ. وقد جُعل في جامع الأحاديث جملة ولا بأس الخ من المصنف ولذا لم ينقله وهذا الاحتمال يسري الى جملة والاقامة كذلك ايضاً. والرواية واردة في كتاب محمد بن علي بن محبوب على ما في التهذيبين الى قوله والاقامة كذلك فكما يحتمل بل هو الظاهر ان جملة ولا بأس من الصدوق فكذلك يحتمل كون هذه الجملة من بعض الرواة.

واما رواية فضيل وزرارة فإنها بعد نقل الاذان بتكبيرتين في الاول وتهليلتين في الآخر ذكر فيها ان الاقامة كذلك الا ان فيها قد قامت الصلاة مرتين فتدل على ان الفصول ثمانية عشر بوجه آخر. ولكن الرواية لا اعتماد عليها كما مر.

واما القول بانها تسعة عشر فصلاً كما في فقه الرضا فالظاهر انه مستند الى ما دل على تربيع التكبير في اولها كالأذان فيكون كمذهب الكوفيين الا انه يزداد بحي على خير العمل لضروريته في مذهب الشيعة.

 

قال المصنف قدس سره: ولا بأس بالتكرير في حي على الصلاة او حي على الفلاح للمبالغة في اجتماع الناس ولكن الزائد ليس جزءاً 

واستظهر السيد الحكيم قدس سره الزيادة في الشهادة ايضاً والكلام في جهات:

الجهة الاولى: في وجه جواز التكرار في حي على الصلاة وحي على الفلاح. ومستنده صحيحة زرارة (وفيها): (وان شئت زدت على التثويب حي على الفلاح مكان الصلاة خير من النوم).[50]

وهذه الرواية ان دلت فهي خاصة بحي على الفلاح ولا تشمل حي على الصلاة وفي دلالتها اجمال لإجمال مكان الصلاة خير من النوم فان المدنيين من العامة يقولون ان مكانه بعد حي على الفلاح وقال ابو حنيفة واصحابه ان مكانه بين الاذان والاقامة. بل ذهب بعضهم الى قول حي على الفلاح بينهما بدلاً منه. وكان هذا امراً مستحدثاً في الكوفة وبالنظر الى هذا الامر يتبين معنى رواية زرارة الكوفي وانه لا يدل على مراد الفقهاء قدس الله اسرارهم.

قال في مفتاح الكرامة في عدم جواز التثويب: (اختلف علماء الاسلام في معنى التثويب على ثلاثة اقوال (الى ان قال): الثاني انه قول حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين بين الاذان والاقامة وهذا ايضاً محكي عن الانتصار والناصريات والخلاف (الى ان قال) وعن الجامع الصغير المذكور ان هذا هو التثويب الثاني الذي احدثه الناس بالكوفة قال وهو حسن).[51]

والجامع الصغير لمحمد بن الحسن الشيباني وهو من تلامذة ابي حنيفة ويحتمل ان يريد بالناس اصحاب ابي حنيفة ويحتمل ان يريد به زرارة واتباعه. بان يكونوا قد عملوا بهذه الرواية بناءاً على ان مكان الصلاة خير من النوم بين الاذان والاقامة.

والحاصل ان هذه الرواية اما مجملة واما ظاهرة بهذه القرائن في جعل التكرير بين الاذان والاقامة. وبهذا المعنى الثاني لم يقل به أحد من علماءنا ففي مفتاح الكرامة ان الشيخ في الخلاف ادعى الاجماع على كراهته فالرواية معرض عنها.

هذا مع انه معارض بصحيح معاوية بن وهب المروي في الكافي والفقيه والتهذيبين قال (سألت ابا عبد اللّه عليه السلام عن التثويب الذي يكون بين الاذان والاقامة؟ فقال: ما نعرفه). [52] وروى ابن ادريس في آخر السرائر عن كتاب محمد بن علي بن محبوب عن العباس بن معروف عن عبد اللّه بن مغيرة (مثله سنداً ومتناً) وقد مرّ انه لا يبعد الاعتماد على ما يرويه ابن ادريس عن كتاب ابن محبوب.

فتحصل ان ما ذكره السيد المصنف قدس سره وتبعه المحشين من تكرار الحيعلتين أو هما مع الشهادة لا دليل عليه.

الجهة الثانية:

في ان قول الصلاة خير من النوم هل هو مشروع ام لا؟

اتفق علماء العامة على مشروعيته الا الشافعي في الجديد (الامّ) فقد كرهه هناك وان قبله في القديم وفي حاشيته ان الرأي رأيه القديم فيظهر ان اصحابه تبعوا رأيه القديم كسائر المذاهب. قال ابن رشد. منشأ الخلاف بين الفقهاء ان هذا شيء احدثه عمر ام كان في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقال مالك في الموطأ ان عمر كان نائماً فأيقظه قول المؤذن الصلاة خير من النوم فاستحسن ذلك وجعله جزءاً من الاذان. ومن هنا لم يقبل الشافعي جزئيته. الا ان من قبله تمسك بما جعل من الروايات ان ذلك كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

والمشهور بين علمائنا عدم المشروعية ولكن بعضهم ذهب الى مشروعيته. نقل ذلك مفتاح الكرامة عن الجعفي قال: وليس من أصل الاذان وكذا نقل ذلك عن ابن الجنيد.

واما الروايات فمنها ما دل على جوازه.

روى الشيخ في التهذيبين بإسناده عن محمد ين علي بن محبوب عن احمد بن الحسن عن الحسين عن حماد بن عيسى عن شعيب بن يعقوب عن ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال (النداء والتثويب في الاقامة (الاذان خ ل) من السنة). [53]

وابو بصير هو الاسدي بقرينة نقل شعيب عنه وقد وثقه النجاشي وقال ابن الغضائري كان مخلطا.

وروى في التهذيبين عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن العلاء عن محمد بن مسلم عن   ابي جعفر عليه السلام قال: (كان ابي ينادي في بيته بـ "الصلاة خير من النوم" ولو رددت ذلك لم يكن به بأس). ورواه ابن ادريس في آخر السرائر عن كتاب محمد بن علي بن محبوب عن الحسين كذلك. [54]

وقد مرت رواية المحقق في المعتبر عن البزنطي عن ابن سنان وفيها (إذا كنت في اذان الفجر فقل الصلاة خير من النوم بعد حي على خير العمل وقل بعد اللّه أكبر اللّه أكبر لا إله الا اللّه ولا تقل في الاقامة الصلاة خير من النوم انما هو في الاذان).[55]  

وبذلك يمكن القول في رواية زرارة السابقة ان المراد بقوله مكان الصلاة خير من النوم هو البدلية مع مشروعية الاصل.

وروى في المستدرك عن أصل زيد الزسي عن ابي الحسن عليه السلام قال: (الصلاة خير من النوم بدعة بني امية وليس ذلك من أصل الاذان ولا بأس إذا اراد الرجل ان ينبه الناس للصلاة ان ينادي بذلك ولا يجعله من أصل الاذان فانا لا نراه اذاناً).[56]

اما رواية ابي بصير فلا اعتماد عليها فانه الاسدي الذي كان متأثراً بأفكار العامة وكان يناقش الامام الصادق عليه السلام كثيراً وينتقد من عدم اجابته الجواب الصحيح او عدم اجابته اصلاً وقد بين الامام في بعض الروايات له (انكم جئتمونا شكاكين ونحن نجيب بالتقية). وفي كلامه عليه السلام هنا تورية والمراد بكونه من السنة اي من سنة العامة.

واما رواية محمد بن مسلم فلم يظهر منها انه في الاذان والاقامة. ورواية عبد اللّه بن سنان قد مر الكلام في عدم الاعتماد عليها ورواية زيد الزسي غير معتبرة من جهات لعدم توثيقه صريحاً وان قوينا توثيقه نظراً الى رواية صفوان وابن ابي عمير عنه. ولان أصله لم يعلم صحة اسناده اليه وادعى الصدوق وشيخه ابن الوليد انه موضوع وضعه محمد بن موسى الهمداني وان لم يقبل ذلك اصحاب كتب الرجال. ولان نسخة الاصل الواصل الى المجلسي الذي هو الاصل لنا هل هو معتمد ام لا؟ وهو مشتمل على مناكير ولا يعتمد عليه. وتفصيله في مسئلة العصير العنبي.

وكيف كان فلا وجه لدعوى مشروعية هذه الجملة مع انه من بدع عمر كما يظهر من بعض كتب العامة ومن رواياتنا وعليه فرواية زرارة لا يراد بها البدلية بمعنى مشروعية الاصل بل بمعنى البدلية عما يقوله الناس.

الجهة الثالثة:

في تكرير الشهادة كما اضاف ذلك السيد الحكيم بعد عبارة المصنف. وهذا الترجيح الذي وقع الخلاف فيه بين العامة فقال به المدنيون والمكيون خلافاً للكوفيين. قال في مفتاح الكرامة ص289 في معاني التثويب (الثالث: انه تكرير الشهادتين وهذا حكاه في السرائر ثم قال وهو الاظهر) ثم ذكر نزاع القوم.

وفي الفقه على المذاهب الاربعة ان مالك والشافعي يقولان بالترجيع الا ان في معنى الترجيع اختلافاً بينهما فمالك يقول بان الترجيع هو ذكرهما جلياً بعد الذكر الخفي والشافعي يقول بانه هو ما يقال خفياً قبل النداء به.

قال في القواعد ويكره الترجيع لغير الاشعار بلا اشكال.

وفي مفتاح الكرامة (ولو كان الترجيع للاشعار جاز اجماعاً كما في المختلف وبه صرح الاصحاب كما في جامع المقاصد والشيخ وأكثر من تأخر عنه كما في المدارك. قلت وقد ذكر ذلك في النهاية والمبسوط وجامع الشرايع ووو . . . . . (الى ان قال) وقد تأمل فيه صاحب المدارك).

والدليل على ذلك رواية ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: (لو ان مؤذنا اعاد في الشهادة وفي حي على الصلاة او حي على الفلاح المرتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان انما يريد به جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس).[57]

وفي سنده في الاستبصار علي بن احمد وهو مجهول. وبدله في التهذيب والكافي علي بن ابي حمزة وفيه نظر. وابو بصير وقد عرفت حاله وان كان ثقة.

وفي أصل زيد الزسي قال: سمعت ابا عبد اللّه عليه السلام يقول: من السنة الترجيع (الى ان قال): إذا فرغ من اشهد ان محمداً رسول اللّه عاد فقال اشهد ان لا إله الا اللّه حتى يعيد الشهادتين الخبر.

وقد عرفت الكلام في هذا الاصل.

والحاصل انه لا اعتماد على هذه المستندات ولو صح الاستناد الى رواية ابي بصير فلا فرق بين الشهادتين والحيعلتين.

ثم ان السيد ذكر في بعض الفروع انه يكره الترجيع بشرط عدم وصوله الى التغني وهذا سهو في معنى الترجيع كما لا يخفى.

 

قال المصنف قدس سره: ويجوز للمرأة الاجتزاء بالتكبير والشهادتين.

لا اشكال في اختصاص المرأة في المقام بحكم خاص وان المطلوب من الرجال غير مطلوب منهن الا ان الكلام في تحديد ذلك وقد اختلف العلماء فيه.

قال ابن حزم (ولا اذان على النساء ولا اقامة. فان اذنت المرأة فحسن).[58] واستدل عليه بانه ذكر اللّه.

وقال ابن رشد (والجمهور انه ليس على النساء اذان ولا اقامة. قال مالك: ان أذّنّ فحسن. وقال الشافعي: ان أذّنّ وأقمن فحسن. وقال اسحاق[59]: عليهن الاذان والاقامة). [60] ونقل ان عائشة كانت تؤذن وتقيم.

وقال ابن قدامة (وليس على النساء اذان ولا اقامة (الى ان يقول) وروت اسماء قالت سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: ليس على النساء اذان ولا اقامة).[61]

ونقل في مفتاح الكرامة عن المنتهى: ليس على النساء اذان ولا اقامة لا نعرف فيه خلافاً. وحمل صاحب مفتاح الكرامة نفيهما عن النساء على نفي الوجوب أو نفي تأكد الاستحباب وهكذا يظهر من المحقق الهمداني.

وفي المقنعة والمبسوط وغيرهما انه ليس عليهن اذان ولا اقامة فان فعلن كان لهن فيه ثواب. وهذا مطلق يحتمل ارادة الثواب الخاص ويحتمل ارادة الثواب من جهة انه ذكر اللّه. ولكن صاحب مفتاح الكرامة ادعى الاجماع على مشروعيتهما عند اصحابنا.

ويلاحظ التقارب بين فتاوى العامة والخاصة.

واما الروايات فمنها صحيحة جميل قال (سألت ابا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة أعليها اذان واقامة قال: لا).[62] ويشبه ذلك عدة روايات ضعاف[63]

انما الكلام في فقه الحديث مع قطع النظر عما دل على المشروعية في الجملة فنقول:

نفي الطبيعة على وجوه: فتارة يدل على حرمتها وتارة على نفي التسبيب اليها فيكون غير مشروع وتارة على نفي التسبيب في الجملة.

فالاول كقوله صلى الله عليه وآله وسلم (لا ضرار). وقوله تعالى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)[64]. فهذا نفي للطبيعة في الخارج وقد اوضحنا في شرح قاعدة لا ضرر انّ مرجع ذلك الى تحريم الاضرار من جهة ان الاضرار مما يقصده الانسان بطبعه طلباً لمقاصده الخاصة واما نفي الضرر فيدل على نفي التسبيب لان الانسان لا يطلبه بطبعه وانما يمتثل بذلك امر الشارع فنفيه يدل على عدم التسبيب الشرعي.

ولا اشكال في ان الاذان والاقامة ليسا من قبيل الاول لوجهين: الاول انهما مطلوبان تبعاً لأمر الشارع لا بنفسهما والثاني ان النفي هنا تعلق بالذمة كما في قوله ليس على النساء اذان ولا اقامة.

وفرق بين النفي عن الخارج والنفي عن الذمة فهذا يدل على نفي نوع من التسبيب فهل هو نفي للوجوب او نفي لتأكد الاستحباب او نفي لأصل التسبيب فلا يكون مشروعاً اصلاً او نفي لتدخل الاذان في كمال العمل؟ وجوه:

اما نفي الوجوب فغير محتمل لانهما ليسا واجبين لا بالوجوب النفسي ولا بالوجوب الشرطي في موارد مطلوبيتهما على ما قويناه في اول بحث الاذان فيبعد ان يكون المراد نفي الوجوب اذ ليس هو المتوهم.

وقد يقال بانه نفي لتأكد الاستحباب نظراً الى المستحب المؤكد يصدق عليه كونه في الذمة فيناسب نفيه التعبير بانه ليس على النساء.

ولكن الصحيح هو انه نفي للشرطية الاستحبابية وتدخل الشيء في كمال العمل وهو ممكن عندنا خلافاً للسيدين الخوئي والحكيم.

توضيح ذلك ان امراً قد تعلق بالصلاة باجزائها الواجبة وامراً او اوامر تعلق بها مع بعض ما له دخل في كمالها شرطاً او جزءاً وبذلك يتحقق الجزئية والشرطية الاستحبابية. وقد ذكر في روايات الاذان والاقامة ما يدل على دخالتها في كمال الصلاة بالنسبة الى الرجال فاذا ورد نفيهما عن الصلاة للمرأة يدل على نفي ذلك الاستحباب الشرطي الثابت للرجال واما نفي تأكد الاستحباب فليس مصححاً للتعبير بنفي الطبيعة.

اذن فالنفي هنا نفي لشرطية كمال الصلاة بهما ولا ينافي ذلك استحبابهما إذا ثبت لهما استحباب نفسي او من جهة انهما من مطلق الذكر.

ويدل على ثبوت الاستحباب النفسي لهن صحيح عبد اللّه بن سنان قال (سألت ابا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة تؤذن للصلاة؟ فقال حسن ان فعلت وان لم تفعل اجزأها أن تكبر وان تشهد ان لا إله الا اللّه وان محمداً رسول اللّه).[65] 

وكفاية هذا الذكر مختص بالشيعة وقد ورد في صحيحة زرارة (إذا شهدت الشهادتين فحسبها)[66]

وظاهر الصحيح الاول ان الاذان مفردا او مع الاقامة بناء على الاستعمال في المعنى الاعم حسن بنفسه لا من جهة انه ذكر كما يقوله العامة. والاذان ليس كله ذكراً كالحيعلات خصوصاً إذا كان لصلاة المنفرد حيث لا يصدق عليه الامر بالمعروف ايضاً. واما تأكد الاستحباب لهن فليس عليه دليل.

 

قال المصنف قدس سره: يسقط الاذان في موارد....

 

عدّ المصنف لسقوط الاذان موارد كعصر يوم الجمعة ويوم عرفة وعشاء ليلة المزدلفة. ولم يستوف الموارد.

والكلام في ثلاث جهات:

الجهة الاولى:

ان هذه الموارد وغيرها داخلة تحت قاعدة كلية وهي ان كل مورد اجتمعت فيه الصلوات المشروع فيها الاذان يكفي لجميعها اذان واحد ولكل منها اقامة سواء كان الجمع مستحباً كيوم عرفة بعرفات وليلة العاشر من ذي حجة بمزدلفة ام كان التفريق مستحباً كسائر الموارد ام تساوى الطرفان كقضاء الفوائت.

والعجيب ان المصنف لم يذكر مورد قضاء الفوائت مع انه مورد للنص. وقد ذكر السيد البروجردي هذه القاعدة الكلية ثم استشكل في المورد الاول اي ظهري يوم الجمعة بانه لم يرد فيه رواية ولكنه حيث ذكر في كتب القدماء فنكتشف منه انه كان في الجوامع القديمة.

وهذا عجيب فانه بعد تسليم الكبرى المذكورة لا حاجة الى ورود النص في كل مورد ولا اشكال في ان الجوامع التي بأيدينا ليست جامعة لجميع الروايات الا ان استناد امثال الشيخ والمفيد في فتاواهم الى رواية مجهولة لم تذكر في هذه الجوامع بعيد جداً بل مقطوع الخلاف وقد ادّعى الشيخ في اول التهذيب انه لم تفته رواية الّا ما شذّ وندر.  

ولا بد من ملاحظة الروايات الواردة في الباب لنرى هل يمكن استفادة القاعدة الكلية ام لا؟

الطائفة الاولى: ما وردت في يوم عرفة وعشاء المزدلفة.

فمنها رواية ابن سنان: (السنة في الاذان يوم عرفة ان يؤذن ويقيم للظهر ثم يصلي ثم يقوم فيقيم للعصر بغير اذان وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة).[67] 

ومنها صحيحة معاوية بن عمار: (وصلّ الظهر والعصر باذان واحد واقامتين فإنما تعجل العصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء فانه يوم دعاء ومسألة).[68]

ومنها صحيحة الحلبي ورواية ابن يزيد[69]

ومنها موثقة سماعة قال (سألته عن الجمع بين المغرب والعشاء الآخرة بجمع فقال: لا تصلهما حتى تنتهي الى جمع وان مضى من الليل ما مضى فان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم جمعهما باذان واحد واقامتين كما جمع بين الظهر والعصر بعرفات).[70]

ومنها صحيحة الحلبي وصحيحة منصور بن حازم[71] في باب 6 ص40 الى غير ذلك من الروايات.

الطائفة الثانية ما لا تختص بعرفة ومزدلفة.

فمنها صحيحة عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام ان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الظهر والعصر باذان واحد واقامتين وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علة باذان واحد واقامتين)[72] 

وهذا يدل على جواز الجمع مطلقاً من دون علة ويدل على سقوط الاذان عند الجمع.

ومنها صحيحة عمر بن اذينة عن رهط منهم الفضيل وزرارة حـ557.

ومنها رواية صفوان الجمال وفي سنده نظر حـ 579.

ومنها رواية عبد اللّه بن سنان حـ 574.   

الطائفة الثالثة: في قضاء الفوائت.

فمنها صحيحة زرارة (إذا نسيت صلاة او صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولاهن فأذن لها وأقم ثم صلّها ثم صلّ ما بعدها بإقامة اقامة لكل صلاة).[73]  ومثلها صحيحة محمد بن مسلم.[74] 

الطائفة الرابعة: في المسلوس. وهي رواية حريز التي يحتمل فيها الارسال لأنه لم ينقل من ابي عبد اللّه عليه السلام الا حديثاً او حديثين كما قال يونس (وفيها): (يؤخر الظهر ويعجل العصر باذان واقامتين ويؤخر المغرب ويعجل العشاء باذان واقامتين).[75]

وقد جرت سيرة القوم على استفادة الكبريات من الروايات الواردة في موارد خاصة من الفتيا. والسرّ في ذلك ان الائمة عليهم السلام يحكمون بموجب اصول علم يرثونها كابر عن كابر كما في بعض الروايات الا ان استخلاص تلك الاصول من الفتاوى انما يكون بملاحظة الجوّ الفقهي واستكشاف عدم مدخلية الخصوصيات كما يستكشف طهارة لبن الميتة مما ورد من طهارة لبن الشاة الميتة ولم يحتمل أحد خصوصية الشاة وانما اختلفوا في الكبرى المستخلصة فمنهم من عممه لجميع اصناف الحيوان ومنهم من خصه بمأكول اللحم.

فلا بد من ملاحظة ان الفقهاء من العامة والخاصة هل كانوا يستكشفون من الموارد الخاصة القاعدة الكلية ام خصوصية المورد.

قال ابن قدامة (ان جمع بين الصلاتين في وقت الاولى استحب ان يؤذن للأولى ويقيم للثانية وان جمع بينهما في وقت الثانية فهما كالفائتين)[76] واستدل له بعمل رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم حيث جمع بين الظهرين في عرفة والعشاءين بمزدلفة باذان واحد.

وحكى في المستمسك عن كشف اللثام: (يسقط الاذان بين كل صلاتين جمع بينهما كما قطع به الشيخ والجماعة لأنه المأثور عنهم بل عن الخلاف الاجماع على انه ينبغي لمن جمع بين الصلاتين ان يؤذن للأولى ويقيم للثانية).

وبذلك يظهر انه لا وجه لما صنعه السيد المصنف قدس سره من الحاق المبطون والمستحاضة الّا كشف القاعدة الكلية ولو تمت فلا بد من ذكر مورد الجمع بين الادائيتين والقضاءيتين ايضاً مع ورود النص فيهما. 

وقد مرت الروايات ان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الظهرين والعشاءين باذان واقامتين وكان مورد بعضها عرفة والمزدلفة وبعضها في غيرهما من دون علة. ولو كان الراوي للواقعة غير الامام عليه السلام لامكن التوهم انها لخصوصية في المحل او كما قال السيد الحكيم قده لاستعجال وشبهه. الا ان الراوي للواقعة هو الامام عليه السلام ويظهر منه ان الامام في صدد بيان رد العامة بجواز الجمع من دون علة وبيان كيفية الجمع وهو الجمع باذان واقامتين. وحيث لم يذكر الامام خصوصية فيظهر منه بيان عدم الخصوصية.

وكذا مرت روايات الجمع بين قضاء الفوائت باذان واقامات لكل صلاة وهي كثيرة. الا انه ربما يتوهم معارضة تلك الروايات بروايتين:

احداهما موثقة عمار عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: (سئل عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الاذان والاقامة. قال: نعم).[77] 

الثانية رواية موسى بن عيسى قال: (كتبت اليه رجل تجب عليه اعادة الصلاة ايعيدها باذان واقامة فكتب يعيدها باقامة).[78]

الا ان الاستدلال بالأولى للمعارضة مبني على ان المراد بالإعادة القضاء او ما يشمله ولكن الظاهر ان السؤال انما هو من جهة ان الفصل بين الاذان والاقامة بالصلاة الباطلة هل يوجب اعادتهما للصلاة الصحيحة ام لا فلا ترتبط بالمقام. واما الرواية الثانية فضعيفة لان موسى بن عيسى لم يوثق وقيل فيه انه مختلط ومرجع الضمير غير معلوم وان أمكن دعوى انه للإمام بقرينة ذكر محمد بن الحسين بن ابي الخطاب هذه الرواية في كتابه الخاص بروايات اهل البيت عليهم السلام.

والاستدلال بها انما هو لإسقاط الاذان من الصلاة الاولى تمسكاً بإطلاق قوله يعيدها بإقامة.

وفيه انها لا ترتبط بالمقام بل هي في مورد الاعادة ايضاً كالرواية السابقة.

فظهر بذلك انه لا وجه لعدم ذكر المصنف مورد الجمع بين الادائيتين والقضاءيتين.

واما الموارد التي ذكرها السيد فمنها مورد الجمع بين الظهرين او الجمعة والعصر يوم الجمعة. والكلام في ان هذا المورد هل له دليل خاص ام ذكر الفقهاء له من جهة تطبيق القاعدة الكلية.

وقد تمسك بعضهم برواية حفص بن غياث: (الاذان الثالث يوم الجمعة بدعة).[79] بتوهم ان المراد اذان العصر وان اولها اذان الصبح.

ولكن هذا غير صحيح بل البدعة هو الاذان الزائد الذي ابتدعه عثمان لجمع الناس يوم الجمعة وكونه ثانياً او ثالثاً مورد للاختلاف وكيف كان فلا يراد به اذان العصر اذ لم يبتدعه أحد.  

مضافاً الى ان حفص لم يوثق وانما قيل ان كتابه معتمد والاعتماد عليه يتوقف على احراز كون الرواية من كتابه.

وفي مجمع البيان: (قال السائب بن زيد كان لرسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم مؤذن واحد بلال فكان إذا جلس على المنبر اذن على باب المسجد فاذا نزل اقام للصلاة ثم كان ابو بكر وعمر كذلك حتى إذا كان عثمان وكثر الناس وتباعدت المنازل زاد اذانا فامر بالتأذين الاول على سطح دار له بالسوق يقال له الزوراء وكان يؤذن له عليها فاذا جلس عثمان على المنبر أذن مؤذنه فاذا نزل اقام للصلاة ولم يعب ذلك عليه). [80]

ولعل تسميته بالثالث لا من جهة انه ثالث زماناً وانما هو ثالث للأذان والاقامة المتأخرين عنه.

وقد مر ان السيد البروجردي قده قال: ان هذا ليس عليه رواية الا ان فتوى القدماء يكشف عن وجود رواية في الجوامع الاصلية. وقد نقل في مفتاح الكرامة ص260 عن المقنعة بناء على نسخة كان عنده: ووقت صلاة الظهر من يوم الجمعة حين تزول الشمس ووقت صلاة العصر منه وقت الظهر في سائر الايام وذلك لما جاء عن الصادق عليه السلام: ان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يخطب اصحابه الفيء الاول فاذا زالت الشمس نزل عليه جبرئيل وقال يا محمد قد زالت الشمس فصلّ فلا يلبث ان يصلي بالناس فاذا فرغ من صلاته اقام بلال العصر فجمع بينهما. قال: وهي الموافقة لما نقله عنه الشيخ في التهذيب من الاسقاط إذا صلى الجمعة. وفي نسخة اخرى (اذن بلال) فيحتمل ان يراد بالتأذين الاقامة.

ولكن الظاهر صحة هذه النسخة التي كانت عند صاحب مفتاح الكرامة الا ان هذه الرواية مرسلة. ولو سلم اعتماد الفقهاء على هذه المرسلة فإنما هو من جهة كشف الكبرى الكلية من سائر الروايات والتأييد بهذه الرواية.

ومن الموارد التي ذكرها السيد اذان العصر يوم عرفة إذا جمعت مع الظهر لا مع التفريق. والظاهر من الروايات عدم الاختصاص بمن في الموقف خصوصاً بملاحظة التعليل بالتفرغ للدعاء فانه لا يختص بمن هناك ولا وجه لدعوى الانصراف كما ذكره بعضهم.

ومنها اذان العشاء ليلة المزدلفة. ولكن الظاهر من الروايات في هذا المورد اختصاصه بمن هناك فلا وجه لما يظهر من عبارة السيد من عدم الاختصاص.

ومنها: اذان العصر والعشاء للمستحاضة. وهذا غير وارد بخصوصه فلا وجه له الا إذا سلمت القاعدة الكلية ولم يذكرها.

ومنها للمسلوس ونحوه. والمراد بمن نحوه المبطون ومثله. وقد مرت روايته. وفيها     يؤخر الظهر ويعجل العصر باذان و اقامتين. والوجه في التأخير والتعجيل درك فضيلة الوقتين الخاصين. وهي الواردة في المسلوس ومن يقطر منه الدم. فعطف المصنف عليه بقوله ونحوه لا بد ان يكون من جهة الغاء الخصوصية فكان الاولى به الغاء الخصوصية عن مجموع الاقسام وكشف القاعدة الكلية.

 

الجهة الثانية:

في المراد من الجمع وأنه بأي شيء يتحقق بحيث يوجب سقوط الأذان؟

المستفاد من كلمات الفقهاء والمذكور صريحاً في المستمسك ومصباح الفقيه أن الأقوال أربعة:

القول الأول: ان المناط هو الجمع بين الصلاتين في وقت فضيلة إحداهما سواء تحقق الفصل الطويل بينهما أو تنفل أم لا فيشمل ما إذا صلى الظهر أول وقت فضيلتها والعصر آخر وقت فضيلة الظهر. وقد نسب هذا القول في بعض الكلمات إلى بعضهم اجمالاً ونسبه المحقق النائيني إلى المحقق الحلي. ولكن في استظهار هذا القول من عبارة المحقق تأمل.

القول الثاني: ان المناط هو عدم التنفل بينهما سواء تحقق بينهما الفصل الطويل أم لم يتحقق وسواء كانتا في وقت فضيلة إحداهما أم كانت كل منهما في وقت فضيلتها. وقد نسب إلى ابن ادريس وجماعة.

القول الثالث: ما اختاره المحقق الهمداني والسيد الحكيم وهو ان المناط عدم الفصل الطويل وعدم التنفل بينهما فلا يضر الفصل بالتعقيب وسجدتي السهو ونظائرهما.

القول الرابع: ان المناط عدم الفصل الطويل وان تنفل بينهما. وهذا هو رأي المصنف وجماعة من المحشّين.

والظاهر وقوع الخلط في الكلمات بين معنيين من الجمع. وذلك لأن الجمع بين الصلاتين متعلق للحكم بالاستحباب في بعض الموارد وعدمه في بعض الموارد وجوازه بالمعنى الأعم في بعض الموارد وهذا المعنى من الجمع ليس مراداً في المقام بل المراد هو الجمع الذي جعل موضوعاً لسقوط الأذان وبينهما تغاير. فالجمع المستحب في المزدلفة بنحو خاص وهو تأخير المغرب إلى وقت فضيلة العشاء وإتيانهما معاً هناك والجمع المستحب في عرفات بتقديم العصر واتيانها في وقت فضيلة الظهر سواء في الموردين جمعهما بنحو يوجب سقوط الأذان أم لا؟

وهكذا في يوم الجمعة فيستحب الجمع بين الجمعة والعصر في أول الوقت فإن النوافل تقدم على الزوال فيصلي العصر في وقت فضيلة الظهر. وكذا يستحب في المسافر الجمع بين الظهرين لسقوط النافلة عنه. والتفريق المقابل لهذا الجمع يتحقق بإتيان كل صلاة في وقت فضيلتها. فالملاحظ هنا هو خصوصية الوقت ولا ربط له بالجمع المعتبر في مسقطية الأذان.

وأما الجمع المعتبر في مسقطية الأذان فالأقوى فيه هو القول الرابع فالمناط هو عدم الفصل الطويل ولا يضر التنفل.

ولابد من ملاحظة الروايات لنرى هل يضر التنفل بينهما. بتحقق الجمع أم لا وأما إضرار الفصل الطويل فلا شك فيه لعدم تحقق معنى الجمع عرفاً.

فمنها رواية عبد الله بن سنان قال: (شهدت المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحين كان قريباً من الشفق نادوا وأقاموا الصلاة فصلوا المغرب ثم أمهلوا الناس حتى صلّوا ركعتين ثم قام المنادي في مكانه في المسجد فأقام الصلاة فصلوا العشاء ثم انصرف الناس إلى منازلهم فسألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك. فقال: نعم قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمل بهذا).[81]

والسند ضعيف من جهة علي بن محمد وسهل بن زياد. وتدل على عدم اضرار التنفل بالجمع فإن الوارد فيها الإقامة للعشاء فقط.

واستشكل فيه بأنه لا يدل على ذلك إذ لا يبعد أن يكون السبب هو الاستعجال لا الجمع بين الصلاتين. ولذا لم يذكر الأذان في صلاة المغرب أيضاً.

ولكن هذا غير ظاهر فإنه خلاف المتعارف بل الظاهر ان المراد بالنداء هو الأذان.

واعترض المحقق الهمداني على الاستدلال بها بأن الملاك في الجمع هو عدم تنفل الإمام لا المأمومين وتنفل الإمام غير مذكور في الرواية. وهذا أيضاً بعيد بل الظاهر حسب المتعارف ان الإمهال إنما هو من جهة تأخر بعض المأمومين عن الإمام في التنفل.

ومنها صحيحة أبي عبيدة الحذاء عن الباقر عليه السلام (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كانت ليلة مظلمة وريح أو مطر صلّى المغرب ثم مكث قدر ما يتنفل الناس ثم أقام مؤذنه ثم صلى العشاء الآخرة ثم انصرفوا).[82]

ودلالتها واضحة.

واستدل على عدم تحقق الجمع بالتنفل بينهما بعدة روايات:

منها خبر محمد بن حكيم عن أبي الحسن عليه السلام (الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوع فإذا كان بينهما تطوع فلا جمع).[83]

والسند ضعيف بعلي بن محمد ومحمد بن موسى ([84]). وأما محمد بن حكيم فلا يبعد وثاقته ([85]). والدلالة واضحة كما قيل.

ومنها خبره الآخر عنه عليه السلام (إذا جمعت بين الصلاتين فلا تطوع بينهما). ([86])

والسند ضعيف بسلمة بن الخطاب ([87]) الذي ضعفه الرجاليون وحسين بن سيف الذي لم يوثق.

والصحيح ان هذين الحديثين لا علاقة لهما بما نحن فيه أما قوله عليه السلام (الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوع) فالمراد به ان الجمع المتعلق لحكم الاستحباب في موارد خاصة كيوم الجمعة وعرفة وليلة المزدلفة إنما هو فيما لم يكن التطوع مشروعاً بينهما كهذه الموارد والسفر وغير ذلك وأما إذا كان التطوع مشروعاً فالجمع ليس بمستحب. وليس المراد الجمع الذي هو موضوع للحكم بسقوط الأذان وأنه بأي شيء يتحقق.

والظاهر من الرواية الثانية أيضاً هذا المعنى ونفي التطوع لإنشاء النهي عنه في موارد الجمع الخاصة التي يستحب فيها الجمع.

ومنها صحيحة ابن سنان: (السنة في الأذان يوم عرفة ان يؤذن ويقيم للظهر ثم يصلي ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة). ([88]) .

وقد استدل بهذه الرواية لعدم تحقق الجمع مع التنفل بدعوى أنه لم يذكر التنفل بين الصلاتين بل أمر بالجمع بينهما بلا تنفل. وهو غير ظاهر فإن قوله ثم يقوم يفيد التراخي فإن لم يدل على عدم إضرار الفصل بينهما بشيء فلا يدل على إضرار التنفل قطعاً.

ومنها صحيحة منصور بن حازم: (صلاة المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين ولا تصل بينهما شيئاً. وقال: هكذا صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم). ([89])

والاستدلال يتوقف على أن يكون المراد من النهي عن الصلاة بينهما النهي الإرشادي لبيان عدم تحقق الجمع ان صلّيت بينهما وهذا خلاف الظاهر والمراد النهي عن التطوع في ذلك اليوم بالنوافل بينهما كما في سائر الروايات. ومثلها رواية عنبسة (إذا صليت المغرب بجمع اُصلّي الركعات بعد المغرب؟ قال: لا صلّ المغرب والعشاء: ثم صل الركعات بعد)[90]. ويلاحظ عدم ورود ذكر الأذان في هذه الرواية فهذا حكم مستقل لا علاقة له بمسقطية الأذان.

وهنا رواية معارضة لهذا المعنى وهي صحيحة أبان بن تغلب قال (صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام المغرب بمزدلفة فقال فصلى المغرب ثم صلى العشاء الآخرة ولم يركع فيما بينهما ثم صليت خلفه بعد ذلك سنة فلما صلى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات). ([91])

وهذه ايضا لا ترتبط بما نحن فيه. ولعلّ العملين لبيان الجواز وان المراد بالنواهي أفضلية تأخير النافلة عن الصلاتين. فلا إجمال في الرواية كما يدعى.

ومنها ما روي في قرب الإسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال (رأيت أبي صلوات الله عليه وجدي القاسم بن محمد يجمعان مع الأئمة المغرب والعشاء في الليلة المطيرة ولا يصليان بنيهما شيئاً). ([92])

ولا ترتبط بما نحن فيه أيضاً فإن عدم الصلاة بينهما لأجل الاستعجال وعدم إمهال أئمة الجماعة ولم يذكر له تأثير في الأذان.

فظهر مما ذكرنا عدم اضرار التنفل وضعف ما ذكروه من الوجوه وبذلك يتبين الجواب عن رأي ابن ادريس أيضاً. وهذا القول ناش من الخلط بين معنيي الجمع كما عرفت. ولعل المحقق حيث اعتبر في الجمع كونهما في وقت فضيلة أحدهما نظر إلى المعنى الآخر الذي عرفت عدم ارتباطه بمحل البحث.

 

الجهة الثالثة:

في أن سقوط الأذان في هذه الموارد هل هو بنحو الرخصة أو الغريمة؟

ولا بد أولاً من تفسير هاتين الكلمتين:

المراد من سقوط المستحب بنحو العزيمة أن يسقط الأمر به رأساً وانه لا يمكن كشف الملاك فلا يجوز الاتيان بالعمل بقصد القربة مضافاً إلى المولى اضافة تذللية. وذلك لانطباق عنوان التشريع عليه.

وهذا الأمر قد يقارن انطباق عنوان البدعة عليه وقد لا يقارنه والمراد بالبدعة: أن يجعل من ليس له حق التشريع الدائم حكماً دائمياً بعنوان انه مشرع. فإذا كان الجاعل له حق التشريع الدائم فجعله سنة لا بدعة. وقد ذكرنا في محله بيان ثبوت هذا الحق للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

وإذا جعل من له حق التشريع الموقت حكماً موقتاً فليس بدعة أيضاً. وذكرنا في محله أيضاً ثبوت هذا الحق للأئمة الطاهرين عليهم السلام وانه من شؤون ولايتهم.

وإذا جعل من ليس له حق التشريع مطلقاً حكماً موقتاً فليس بدعة أيضاً كما كان يفعله خلفاء الجور وان كان فعلاً محرماً وغصباً لحق الأئمة عليهم السلام.

وإذا جعل من ليس له حق التشريع مطلقاً حكماً موقتاً أو دائمياً فليس بدعة أيضاً كما يصدره المجالس التشريعية اليوم من أحكام وقتية أو دائمية وان كان هذا محرماً أيضاً لأنه صادر ممن ليس له ولاية التشريع.

فالبدعة هو ما يعتبره المبتدع مكملاً للشريعة زعماً منه أنها غير كاملة كما هو معنى تصويب الأشاعرة.

والبدعة محرمة واتّباعها محرم أيضاً.

وأما التشريع فهو أن يأتي المكلف بعمل بعنوان أنه من الله تعالى مع عدم العلم أنه منه أو العلم انه ليس منه. وقد ادّعى بعضهم قبحه عقلاً. وقد ذكرنا فساده في محله كفساد سائر الوجوه التي ذكروها لتحريمه عدا ما ورد في الروايات من النهي عن التدين بما لا يعلم كما في رواية عبد الرحمن بن الحجاج وتفصيله في محله.

فتحصل ان سقوط المستحب إذا كان على وجه العزيمة بالمعنى الذي ذكرناه فإتيانه بقصد أنه من الله تشريع محرم.

وأما الرخصة فتصويره في المستحب مشكل من جهة أنه دائماً مرخص في تركه.

والمستحب عندنا هو العمل الذي يحرّض عليه الشارع بنحو يشتمل باللف والاندماج على الوعد على الفعل دون الوعيد على الترك. ولازمه العقلي جواز الترك من جهة عدم اشتماله على الوعيد. ولكن المذكور في كتب القوم ان المستحب هو ما أمر به ورخص في تركه فيكون الترخيص جزءاً من معناه. وكيف كان فالترخيص لا يختص ببعض المستحبات حتى يقال في موارد سقوط المستحب أنه مرخص في تركه.

وهنا وجوه لتقريب الترخيص في المستحب:

الوجه الأول: ما ذكر في المستمسك من أن الأمر ساقط والملاك موجود. وذلك كما إذا كان الدليل على سقوط الأمر اجماع أو سيرة فإنه يدل على سقوط المدلول المطابقي للأمر وأما المدلول الالتزامي وهو كونه ذا ملاك فلا يتبعه في السقوط.

وهذه الكبرى أي عدم متابعة المدلول الالتزامي للمطابقي في السقوط مورد للخلاف فقال السيد الخوئي أيده الله بأنه تابع مطلقاً وقال بعضهم أنه ليس تابعاً مطلقاً.

وكيف كان فما ذكره السيد الحكيم قدس سره هنا خلط بين المدلول الالتزامي واللازم العقلي والأول من أقسام المداليل اللفظية والثاني من المدلولات الطولية بمعنى ان اللفظ لا يدل عليه أولاً وإنما يدل على معناه الملزوم ويستكشف منه العقل بالملازمة اللازم العقلي. وهذا خارج عن بحث المتابعة فإن استكشاف اللازم العقلي من الدلالات العقلية وهو تابع للملزوم لا محالة إذ لا يمكن استكشاف اللازم بدون ثبوت الملزوم ودلالة أدلة الأحكام الشرعية على كونها ذات ملاك إنما هو بالملازمة العقلية لا الدلالة اللفظية.

نعم يمكن استكشاف الملاك مع سقوط الأمر فيما إذا كان الدليل على سقوطه نفي الحرج والضرر وذلك لدلالة كونه في مقام الامتنان على أن السقوط للتخفيف.

الوجه الثاني: ان الترخيص اسقاط للاستحباب الشرطي والاستحباب النفسي باق وقد مر تقريب الاستحباب الشرطي في أذان النساء.

وهذا ممكن ثبوتاً لأن استحباب الشيء شرطاً يجتمع مع استحبابه نفساً ولا يلزم تجمع الحكمين كما يجتمع الوجوب الشرطي والاستحباب النفسي كالوضوء على القول به. إلا أن الكلام في إثبات ذلك في المقام.

الوجه الثالث: ان سقوط الأذان في المقام إنما هو لمزاحمته مع المصلحة الراجحة في المبادرة إلى الصلاة الثانية في موارد الجمع. إذن فالأمر بالأذان موجود والنهي عنه ليس إلا كالنهي في سائر العبادات المكروهة الذي لا يدل إلا على مرجوحيته بالنسبة إلى صورة أخرى لا بالنسبة إلى الترك. أو يكون سقوط الأذان من جهة مزاحمة عنوانه الأولي الموجب لاستحبابه بعنوان ثانوي موجب لكراهته وهو متابعة مالك ومن قال بمقالته. نظير كراهة صوم عاشوراء وان كان بعنوانه الأولي مستحباً إلا أنه مكروه للتشبه ببني اُمية لعنهم الله.

وهذا الوجه بتقريبه الأول قول السيد البروجردي قدس سره ولكنه ضعيف لأن مزاحمة المصلحة الأخرى يوجب سقوط الأمر الاستحبابي وهذا ليس كالعناوين الثانوية.

وأما التقريب الثاني فلا بأس به وإنما الكلام في اثباته.

الوجه الرابع: أن يكون الرخصة بمعنى إجزاء غيره عنه كما دلت بعض الروايات على إجزاء الأذان في الغداة والمغرب عن الأذان في غيرهما فسقوط الأمر به في المقام بمعنى سقوط التأكيد.

وكيف كان فالرخصة بأي وجه من هذه الوجوه تقتضي مشروعية الأذان بقصد القربة في هذه الموارد. إنما الكلام في الصغرى وإثبات الرخصة من الأدلة.

أما السقوط في مورد يوم عرفة وليلة مزدلفة فالروايات منها ما يدل على العزيمة وهي صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (السنة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن ويقيم للظهر ثم يصلي ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان وكذلك المغرب والعشاء بمزدلفة)[93].

وجه الاستدلال أن الرواية لم ترد في كيفية الجمع وإنما ذكر السنة في الأذان فلا يتبع حكم الجمع. فلو كان في مقام بيان الجمع وانه بهذه الكيفية أمكن أن يقال ان الجمع مستحب بجميع شؤونه ولكنه في مقام بيان السنة في الأذان ولعله في قبال البدعة فتدل على أن غير هذه الصورة ليست مسنونة.

ولتوضيح الجو الفقهي آنذاك نذكر بعض كلمات العامة.

قال ابن حزم في المحلى ([94]) وأما قولنا: بالجمع بين صلاتي الظهر والعصر بعرفة بأذان واحد وإقامتين وبمزدلفة بين المغرب والعتمة كذلك فلما صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الخبر المذكور، وقد اختلف الناس في هذا فقال أبو حنيفة. والشافعي في الصلاة بعرفة كما قلنا وقال مالك بأذانين وإقامتين لكل صلاة أذان وإقامة. وما نعلم لهذا القول حجة أصلاً لا من سنة صحيحة ولا من رواية سقيمة ولا من عمل صاحب ولا تابع. وقال في صلاة ليلة المزدلفة ان الأقوال ستة:

1-الجمع بينهما بلا أذان وإقامة وصح عن ابن عمر.

2-الجمع بينهما بإقامة واحدة وصح أيضاً عن ابن عمر وهو قول سفيان وأحمد وأبي بكر بن داود وصح به خبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

3-الجمع بينهما بإقامتين وروي عن عمر وعلي عليه السلام وصح عن سالم بن عبد الله.

4-الجمع بينهما بأذان واحد وإقامة واحدة. وهو قول أبي حنيفة.

5-الجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين وهو أحد قولي الشافعي وبه نأخذ.

6-الجمع بينهما بأذانين وإقامتين صح عن عمر وابن مسعود وروي عن علي وعن محمد بن علي بن الحسين وأهل بيته وهو قول مالك.

ولعل وجه ما نسبه إلى الأئمة عليهم السلام أنهم ذكروا لبعضهم ذلك تقية من مالك واتباعه.

فمن هنا نعلم ان عبارة رواية ابن سنان كان لدفع هذا التوهم وهو ما نسب إليهم من كون الصلاة هناك بأذانين فقوله عليه السلام السنة كذا ... رد على هذا الزعم ومنه يظهر انه عزيمة في هذين الموردين لأنه في ردّ البدع ولذا عبّر عنه بكونه هو السنة مما يفيد الحصر.

وقد ذكرنا مراراً ان روايات أهل البيت مهيمنة على روايات العامة ومبينة لأخطائها كهيمنة القرآن على الكتب السماوية المحرفة فهذه الرواية مبينة للصحيح من مورد الاختلاف بين الفقهاء وهو أن السنة وحدة الأذان وان ما عداها من الأقوال خلاف السنة وليس في لسان الرواية ما يساعد شيئاً من وجوه الرخصة المتقدمة.

وأما السقوط في مورد قضاء الفوائت فقد اختلف العامة أيضاً فقال أبو حنيفة: إن لكل صلاة أذان وإقامة. وللشافعي قولان في القديم والجديد. ومنشأ الاختلاف ما رووا ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة فاتهم صلاة الظهرين يوم حفر الخندق ولم يكن قد شرع صلاة الخوف بعد ووجه التأخير مزاحمة التكليف بالصلاة مع تكليف حفر الخندق وهو أهم فلا ينافي العصمة كما توهم.

ثم اختلفوا في نقل كيفية القضاء فروى بعضهم ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بلالاً بالأذان أولاً ثم الإقامة لكل صلاة من الفائتة والحاضرة. وروى بعضهم كما في الاُم للشافعي­ عن أبي سعيد الخدري ان الصلوات كانت كلها بإقامة فقط. وبه أفتى الشافعي هناك. وكيف كان فالقولان متفقان في سقوط الأذان في تلك الواقعة عن غير الأولى.

ورواياتنا صرّحت بسقوط الأذان عن غير الأولى فهي ناظرة إلى تخطئة أبي حنيفة والرواية الثانية من روايتي الخندق.

روى محمد بن مسلم بسند صحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (يتطهر ويؤذن ويقيم في أولهن ثم يصلي ويقيم بعد ذلك في كل صلاة فيصلي بغير أذان حتى يقضي صلاته)[95].

والعناية في قوله فيصلي بغير أذان إلى نفي الاطلاق في أدلة الأذان بالنسبة إلى هذا المورد.

واستظهر السيد الحكيم كون السقوط هنا رخصة عملاً بعمومات المشروعية التي لا يعارضها الصحاح المذكورة بعد إمكان الجمع بينها بحمل الصحاح على نفي التأكد تسهيلاً وتخفيفاً على المصلي كما في نظائره من المستعجل والمسافر[96].

وفيه ان الرخصة في المسافر بمعنىً خاص لا يأتي هنا فإن لسان الترخيص هناك إجزاء الإقامة عن الأذان وهذا اللسان كما عرفت يدل على نوع من الرخصة لا ينافي استحباب الأذان في نفسه. بخلاف الرخصة في المقام.

وأما التسهيل والتخفيف فلا يمكن أن تفسر بهما الرخصة في المستحبات لما عرفت من أن التسهيل مقتضى الاستحباب بذاته وقد ذكروا في شرح حديث الرفع أنه لا يشمل المستحبات لعدم الامتنان في رفعها إذ ليس فيها إلزام وتضييق.

وتبين بما ذكرنا وجه النظر في قول المصنف: (ولا يتأكد الأذان في قضاء الفوائت) فالظاهر ان سقوطه هنا عزيمة.

وهكذا الكلام في موارد الجمع بين الحاضرتين في الحضر فإن لسان الروايات حيث ورد فيها (جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين) ظاهر في نفي المشروعية.

وهكذا في سائر موارد الجمع فإن لسان الروايات في جميعها ظاهر في نفي المشروعية سواء كان الجمع راجحاً أو التفريق راجحاً اوكانا متساويين وسواء جمع بين الصلاتين في وقت فضيلة إحداهما أو أتى بكل منهما في وقتها الخاص بتأخير الأولى وتقديم الثانية. إلا أنه في يوم عرفة وليلة مزدلفة واضح ولعله كذلك في القضاء وأما في باقي الموارد فالحكم إنما يعمم بلحاظ وحدة تعبير الدليل إلا أن ذلك حيث انه ليس دليلاً قطعياً فيمكن الإتيان بقصد الرجاء ولكن الأحوط تركه في الموردين الأولين لاحتمال البدعة.

 

قال المصنف (يسقط الأذان والإقامة في موارد: أحدها الداخل في الجماعة التي أذنوا لها وأقاموا وان لم يسمعهما ولم يكن حاضراً حينهما...)

يقع البحث في ثلاث مسائل استطراداً:

المسألة الأولى: إذا أذن للصلاة منفرداً وجاءه من يقتدي به ولم يسمع أذانه وإقامته فتدل موثقة عمار على عدم كفاية الأذان السابق فإما أن يعيد الإمام أذانه أو يؤذن المأموم. روى عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سئل عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجيء رجل آخر فيقول له: نصلي جماعة هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان والإقامة قال: لا ولكن يؤذن ويقيم). ([97])

المسألة الثانية: إذا لم يسمع الإمام أذان الجماعة وإقامتهم فهل يجزيه ذلك أم يعيدهما. دلت روايات على الإجزاء:

الطائفة الأولى: رواية السكوني عن علي عليه السلام قال (ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل المسجد وبلال يقيم الصلاة جلس)[98].

ورواية حماد (خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لصلاة الصبح وبلال يقيم ... الحديث) ([99]) ورواية محمد بن سليمان وفيها (فلما أقام بلال لصلاة العشاء الآخرة خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلى بالناس)[100].

ورواية السكوني: (خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل الغداة ومعه كسرة قد غمسها في اللبن وهو يأكل ويمشي وبلال يقيم الصلاة فصلى بالناس[101].

فيعلم من هذه الطائفة عدم تقيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحضور من أول الأذان والإقامة.

الطائفة الثانية: رواية حفص بن سالم وهو ثقة (سأل أبا عبد الله عليه السلام إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة أيقوم الناس على أرجلهم أو يجلسون حتى يجيء إمامهم قال: لا بل يقومون على أرجلهم فإن جاء إمامهم وإلا فيؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم)[102].

ورواية معاوية بن شريح في حديث (إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم ويقدموا بعضهم ولا ينتظروا الإمام قال قلت: وإن كان الإمام هو المؤذن قال: وإن كان فلا ينتظرونه ويقدموا بعضهم)[103].

ومعاوية بن شريح والحكم بن مسكين ثقتان لنقل أحد الثلاثة عنهما (صفوان والبزنطي وابن أبي عمير). وهذه الروايات تدل على سقوط الأذان والإقامة عن الإمام حينئذ بل لعله عزيمة.

الطائفة الثالثة: روايات مغايرة المؤذن للمقيم وقد استدل بها السيد الحكيم وهي ما روى الصدوق مرسلاً: (كان علي عليه السلام يؤذن ويقيم غيره وكان يقيم وقد أذن غيره). ومرسلة الدعائم عن علي عليه السلام انه قال (لا بأس أن يؤذن المؤذن ويقيم غيره)[104]. وكذا مرسلة إسماعيل بن جابر أن أبا عبد الله عليه السلام كان يؤذن ويقيم غيره[105].

ولكن لا علاقة لها بالمقام إذ لعل الاكتفاء هنا من جهة السماع وهو مفقود فيما نحن فيه على الفرض مضافاً إلى أنه لا فرق في مسألتنا بين إتحاد المؤذن والمقيم ومغايرتهما.

المسألة الثالثة: وهو مورد كلام المصنف أن المأموم الداخل على جماعة وقد أذنوا لها هل يكتفي بأذانهم أم لا؟

مقتضى السيرة المستمرة القطعية الاكتفاء وتدل عليه روايات من صلى خلف المخالف:

فمنها رواية معاذ بن كثير (إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على الامام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع فليقل قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وليدخل في الصلاة)[106].

ومعاذ بن كثير لم يوثق إلا أنه ممن يشملهم عبارة المفيد في الإرشاد أنه من ثقاة بطانة أبي عبد الله عليه السلام والمحقق البهبهاني لم يقبل هذا التوثيق.

وإن كان متحداً مع معاذ بن مسلم الهراء فقد وثقه العلامة و ناقش السيد الخوئي في توثيقات العلامة ومن تأخر عن الشيخ زعماً بأن السلسلة قد انقطعت فكأن توثيقات الشيخ ومن قبله مسندة وهذه التوثيقات مرسلة. وهذا غير صحيح وتفصيله في محله.

ودلالة الرواية من جهة ان اختصاص هذا الأمر بالمخالف يدل على الاكتفاء بأذان الموافق.

ويدل على ذلك صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (إذا دخلت المسجد والإمام راكع فظننت أنك ان مشيت اليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبّر واركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك فإذا قام فالحق بالصف فإذا جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف)[107].

ومن الواضح ان من كبّر في طريقه إلى الصف لا يمكنه الأذان.

ويدل عليه ما رواه الصدوق بإسناده عن معاوية بن شريح – ولا يبعد الاعتماد على سنده – و فيها: (ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة وليس عليه أذان ولا إقامة ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة)[108].

وقد استدلوا عليه برواية ابن مريم الانصاري الضعيفة بصالح بن عقبة قال (صلى بنا أبو جعفر عليه السلام في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة فلما انصرف قلت له عافاك الله صليت بنا في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة قال: إن قميصي كثيف فهو يجزي أن لا يكون على إزار ولا رداء وإني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلم أتكلم فاجزأني ذلك)[109].

ولكن الظاهر خروجها عن محل البحث ومفادها كفاية سماع الإمام عنه وعن المأمومين مضافاً إلى ضعف سندها.

ويمكن الاستدلال بما دل على السقوط لمن دخل قبل تفرق الجماعة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

قال المصنف (الثاني الداخل في المسجد للصلاة منفرداً أو جماعة).

البحث في مقامين: الأول في السقوط عن المنفرد. الثاني في جواز انعقاد الجماعة الثانية عنهم والسقوط عنهم.

أما في المقام الأول فالمشهور بين المتأخرين هو السقوط ولكن القدماء يقولون بعدم السقوط في المنفرد ولابد من ملاحظة الروايات.

فمنها رواية معاوية بن شريح المتقدمة وفيها (ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة).

ومنها موثقة عمار في الفقيه (سأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أدرك الإمام حين يسلم فقال عليه أن يؤذن ويقيم ويفتتح الصلاة)[110].

ومقتضى هذين الحديثين عدم سقوطهما عن المنفرد إذا سلم الإمام.

ومنها خبر السكوني: (إذا دخل الرجل المسجد وقد صلى أهله فلا يؤذنن ولا يقيمن). الحديث. ([111])

وهو ضعيف ببنان بن محمد الذي لم يوثق ومفاده السقوط مطلقاً.

ومنها رواية أبي علي الحراني وقد رويت بوجهين:

الأول ما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد عن أبي علي قال: (كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فأتاه رجل فقال: جعلت فداك صلينا في المسجد الفجر وانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فأذن فمنعناه ودفعناه عن ذلك فقال أبو عبد الله عليه السلام: أحسنت ادفعه عن ذلك وامنعه أشد المنع فقلت: فإن دخلوا فأرادوا ان يصلوا فيه جماعة قال: يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر بهم إمام...) الحديث.[112]

الثاني ما رواه الصدوق عن ابن أبي عمير عن ابي علي الحراني قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام (مثله إلا أن فيه) فقلت له: فإن دخل جماعة فقال يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر (ولا يبدو خ ل) لهم أمام. ([113])

والنقل الأول لا يخلو من إشكال من جهة ان حسين بن سعيد من الطبقة السابعة وأبو علي من الطبقة الخامسة فهي مرسلة بحذف الواسطة. وأبو علي الحراني لم يوثق إلا ان نقل ابن أبي عمير عنه كاف عندنا في التوثيق. وأما ما يدعى من إمكان بقائه إلى زمان الحسين بن سعيد أو غير ذلك فمزاعم لا يؤيدها البرهان ولا يساعدها العادة. مضافاً إلى أن العنعنة لا يدل على النقل بلا واسطة وهذا هو الوجه في نقل ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثيراً في كتب العامة فإنه لم يدرك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقد ذكر ذلك والد شيخنا البهائي قدس سره.

وكيف كان ففي النقل الثاني كفاية وسند الصدوق إلى ابن أبي عمير صحيح إلا أن السيد الحكيم حاول تصحيح السند لا من جهة نقل ابن أبي عمير عنه بل من جهة وقوع جماعة من الاعاظم في سند الصدوق الى ابن ابي عمير.

وفيه ان الأعاظم ينقلون كتاب ابن ابي عمير لا خصوص هذه الرواية. وصححه ايضاً بنقل أحمد بن محمد بن عيسى النقل الأول و هو الذي طرد البرقي لنقله من الضعفاء وقد ذكرنا ضعف هذا الوجه مراراً. ثم نقل عن الجواهر ان أبا علي الحراني هو سلام بن عمرة وهو ثقة وان حسين بن سعيد من أصحاب الاجماع. وأجاب عنه بأن الثقة هو سلام بن أبي عمرة الخراساني وليس في من سمي سلاماً من ينسب إلى حرّان وان كون الحسين من أصحاب الاجماع لم يذكره أحد.

ولا يبعد أن يكون مراد صاحب الجواهر من سلام بن عمرة سلام بن أبي عمرة وان الحراني تصحيف الخراساني فيتم الأمر وسلام ابن أبي عمرة كنيته أبو علي. ولا يبعد أن يكون مراده من أصحاب الاجماع الذين اتفقوا على الاعتماد على ما ينقله لا أنه من جملة تلك الجماعة. وقد استثنى الرجاليون من روايات بعض الضعفاء كمحمد بن اُرومة ما كان في كتب حسين بن سعيد فهذا اجماع حصله صاحب الجواهر ولكن أصل الكبرى عندنا محل اشكال.

وأما من حيث الدلالة فالرواية تدل على أن منع الاذان كان مما عليه السيرة المستمرة وقد أيدها الامام عليه السلام.

ومنها رواية أبي بصير الضعيفة بصالح بن سعيد أو خالد بن سعيد في الرجل ينتهي إلى الامام حين يسلم قال (ليس عليه أن يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم فإن وجدهم قد تفرقوا اعاد الأذان). ([114])

وفي تقريرات السيد البروجردي صالح عن يونس بن سعيد فقال صالح ومن بعده مجهولان وهو سهو فالرواي صالح بن سعيد وهو يروي عن يونس وهو ابن عبد الرحمن.

وهذه الرواية مروية في التهذيب بوجه آخر بنفس المضمون عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قلت: الرجل يدخل المسجد وقد صلى القوم أيؤذن ويقيم قال: إن كان دخل ولم يتفرق الصف صلى بأذانهم وإقامتهم وإن كان تفرق الصف أذن وأقام). ([115])

وهذه الرواية معتبرة بناءاً على ان أبا بصير هو يحيى بن القاسم أو ليث المرادي إما لأنهما المعروفان وإما لان اباناً الأحمر الراوي عنه في هذا الحديث هو راويهما. ولكن صاحب المدارك ناقش في السند بأنه مردد بين الثقة والضعيف.

وأما الأصحاب قدس الله أسرارهم فقد ذكر في مفتاح الكرامة أنهم أفتوا بعدم السقوط وعدّ جماعة ونقل عن بعضهم الشهرة وعن بعض ان المخالف نادر وذكر ان المخالف هو المحقق والعلامة. فيظهر من مجموع ما ذكره ان القدماء إلى زمان المحقق كانوا يقولون بعدم السقوط.

ونقل في الحدائق[116] عن الشيخ في المبسوط: إذا أذن في مسجد لصلاة بعينها كان ذلك كافياً لكل من يصلي تلك الصلاة في ذلك المسجد ويجوز له أن يؤذن ويقيم فيما بينه وبين نفسه وان لم يفعل فلا بأس. قال صاحب الحدائق ولم أعرف وجهه.

ولعل وجهه التمسك برواية أبي علي­ السابقة بناءاً على أن المنع لاحترام الجماعة السابقة لا لعدم تفرق الصف فلا عبرة به والمفروض ان الاذان الذي منع فيها كان جهرياً فتختص المنع به وعليه تحمل رواية السكوني. ومقتضى روايتي عمار ومعاوية بن شريح عدم السقوط وهما واردتان في صورة عدم تفرق الصف لأن موردهما كون الإمام في حال السلام فتعارضان رواية أبي بصير.

ولا يمكن الجمع بأن المراد بالتفرق فيها ذهاب بعض الصف لا عدم صدق الصف إذ لا يمكن حملها على ذلك كما مر نعم يمكن الجمع بحمل رواية أبي بصير على المنع جهراً فيجوز سراً أو نحكم بسقوط رواية أبي بصير للإعراض عنها فنحكم بالمنع جهراً بموجب رواية أبي علي والجواز سراً بموجب الاطلاقات لأن القدر المتيقن من المنع هو الجهر بهما. 

ويمكن أن نقول بعدم تأكد الاستحباب إذا لم يتفرق الصف أخذاً برواية أبي بصير على النقل الثاني لاعتبارها وكيف كان فالأحوط هو ترك الجهر بهما والصحيح عدم السقوط كما عليه القدماء لأنه مقتضى رواية عمار ومعاوية بن شريح. ولا يبعد عدم تأكد الاستحباب إذا لم يتفرق الصف أخذاً برواية أبي بصير فلا وجه للمنع عزيمة.

المقام الثاني: في انعقاد الجماعة بعد الجماعة الأولى وسقوط الأذان والإقامة عن الجماعة الثانية. اختلف القوم في هذه المسألة على أقوال:

القول الأول: ذهب الصدوق إلى عدم جواز الجماعة الثانية في مسجد في صلاة واحدة واستشهد برواية أبي علي المتقدمة كما في الحدائق قال: وتبعه عليه المحدث الكاشاني. وهو المنقول عن موضع من المبسوط وعن ابن ادريس في بعض نسخ السرائر. واختاره مالك من العامة كما في المحلى[117].

القول الثاني: قال الشيخان المفيد والطوسي قدس سرهما: يجوز الجماعة بلا أذان ولا إقامة بلا فرق بين تفرق صف الجماعة الاُولى وعدمه. ويظهر من المقنعة والتهذيب انهما محرمان إذا أرادوا الصلاة جماعة.

القول الثالث: قال العلامة في القواعد يجوز الجماعة بأذان وإقامة ولكن يكرهان ان لم تتفرق الاولى وإلا استحبا. وفي البحار استشهد على الرخصة بخبر عمار المتقدم. وخبر زيد النرسي ([118]). واستدل في كشف اللثام على الجواز بخبر عمار ومعاوية وباخبار أخر على الكراهة. وقد استدل المتأخرون على القول بالتفصيل بين التفرق فيستحبان وعدمه فيكرهان برواية أبي بصير مع أن موردها هو المنفرد. ولكنهم خلطوا بين بحثي الجماعة والمنفرد.

قال في الحدائق بعد نقل عبارة المفيد المتقدمة: وظاهر هذه العبارة تحريم الأذان والإقامة للجماعة الثانية ان خص النهي بالرجوع إلى القيد كما هو المشهور وان يرجع إلى القيد والمقيد كان فيه دلالة على تحريم الجماعة الثانية مع الأذان والإقامة والأمران مشكلان.

وعلى هذا فيرجع قول القدماء إلى قول واحد وهو تحريم الجماعة الثانية.

والعمدة في المقام روايتان: ذيل رواية أبي علي المتقدمة: فإن دخلوا فأرادوا ان يصلوا فيه جماعة قال: يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر بهم إمام. وعلى النقل الآخر: فإن دخل جماعة فقال: يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر (ولا يبدو خ ل) لهم إمام.

ورواية زيد بن علي عليه السلام رواها الشيخ تارة بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن الحسن بن علي عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام وتارة بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن ابي جعفر عن ابي الجوزاء عن الحسين بن علوان … الخ. (قال دخل رجلان المسجد وقد صلّى عليّ بالناس فقال لهما علي عليه السلام (ان شئتما فليؤم أحدكما صاحبه ولا يؤذن ولا يقيم). ([119])

حسين بن علوان وعمرو بن خالد زيديان وهما راويا مجموعة زيد في الحديث الذي يرويه عن آبائه عليهم السلام وكثير منها مخالف لأحاديثنا. إلا أنه لا يبعد الاعتماد عليهما فعمرو بن خالد قد وثقه ابن فضال­ وحسين أيضاً يمكن توثيقه ولا ينافي ذلك عدم صحة المجموعة فإن الاعتماد إنما هو على رواياتهما التي نقلها أصحابنا فقط.

وأما أبو الجوزاء فقد قيل فيه انه صحيح الحديث معتمد.

والظاهر ان الاصحاب قدس الله اسرارهم فهموا من ذيل رواية أبي علي النهي عن الجماعة الثانية ومن حمله منهم على الكراهة فإنما تمسك على الجواز برواية زيد. ولكن في أصل الرواية ابهاماً ففي نقل الصدوق: لا يبدر بهم إمام والظاهر انه فسره بالبدار أي السبق ففهم منه عدم عقد الجماعة. ولكن يمكن أن يكون المراد عدم التقدم وكونه في صفهم كما أنه الأظهر بناءاً على نسخة يبدو لهم أمام وان احتمل ذلك المعنى أيضاً.

ويمكن أن يكون أمرهم بالصلاة في ناحية المسجد لعدم الجواز في المحراب فيكون هذا أيضاً مؤيداً لهذا المعنى إذ المقصود عدم الظهور وهذا رأي الحنفية أيضاً: قال في فقه المذاهب الأربعة نقلاً عنهم: فلو صلت الاُولى في المحراب والثانية بعيداً عنه فلا يكره والإكراه تحريماً. ويستفاد من المحلى ان رأي بعض العامة أيضاً عدم تقدم الإمام على الصف في الجماعة الثانية نقل ذلك عن قتادة فيما إذا صلى جماعة مع جماعة وأتم الإمام قبلهم قال: يتمونها جماعة إلا أنه لا يتقدمهم الإمام.

ويؤيد ذلك أيضاً فهم الشيخ والمفيد عدم جواز الاذان والإقامة للثانية لا عدم جواز الجماعة مطلقاً فقوله لا يبدو أي لا يظهر بجميع شؤون الجماعة.

مضافاً إلى أن أدلة الجماعة مطلقة وهذه مجملة. ومضافاً إلى أن النقل الآخر يبعد فيه احتمال المنع لأن السائل يسأل: فإذا دخل جماعة فأرادوا أن يصلوا جماعة قال: يقومون في ناحية المسجد … إلخ. حيث ورد الأمر بالقيام في ناحية المسجد في صورة إرادتهم صلاة الجماعة ولم ينههم عن ذلك إلا أن الاصحاب لم يفرقوا بين النقلين وحملوهما على المنع بين قائل بالحرمة وقائل بالكراهة بقرينة رواية زيد.

والإنصاف ان المنع عن الجماعة الثانية أنسب بقوله: (ولا يبدو لهم إمام) فيتعين القول بالكراهة لرواية زيد وسقوط الأذان والإقامة هنا عزيمة.

ثم ان السيد المصنف ذكر شروطاً لسقوطهما في هذه الصورة منفرداً كان أو جماعة ولكن السيد البروجردي فصل في التعليقة بين من دخل المسجد مريداً للصلاة مستقلاً عن الجماعة التي فيه اما جماعة اُخرى أو منفرداً فيعتبر فيه هذه الشروط وبين من أراد الجماعة فلم يدركها فلا يعتبر فيه هذه الشروط. وعلل ذلك في تقريراته ان الثاني ثبت له حق الاستفادة من أذان الجماعة وإقامتهم كمن دخل في الجماعة فالملاك في هذا تفرق الصفوف وعدمه. والسقوط هنا رخصة لأنه حق ثابت له. وأما الثاني فالحق ثابت للجماعة عليه بأن يحترمها فلا يؤذن فالسقوط عزيمة.

وهذا التفصيل والتعليل لا يستفاد من شيء من الروايات مع أنه نفى في التقريرات اعتبار الشروط رأساً والروايات مطلقة من حيث إرادة الجماعة وغيرها.

وفصل بعض الأعاظم بعد الخدشة في الشروط أن القول يختص بمريد هذه الجماعة لأجل بقاء حكم الداخل فيها من الاكتفاء بأذانهم وإقامتهم. وهذا أيضاً لا دليل عليه والاطلاقات تدفعه بل رواية أبي علي ظاهرة في خلافه.

وقد منع الاشتراط جماعة تمسكاً بالإطلاقات وقبل بيان الشروط واحدة واحدة نذكر أمرين:

الأمر الأول: إنا قد استفدنا أربعة أحكام من ثلاث روايات: الأول: عدم جواز الجهر بالأذان والإقامة. واستقدناه من رواية أبي علي.

الثاني: كراهة عقد الجماعة الثانية جمعاً بين رواية أبي علي المانعة ورواية زيد المجوزة والمراد بالكراهة المعنى المعقول في العبادات.

الثالث: سقوطهما عن الجماعة الثانية كما في رواية زيد.

الرابع: عدم تأكد استحبابها للمنفرد بعد صلاة الجماعة تمسكاً برواية أبي بصير الثانية المعتبرة بعد ثبوت أصل استحبابهما بروايتي عمار ومعاوية بن شريح.

الأمر الثاني: ان الروايات الواردة عن الأئمة عليهم السلام على قسمين فبعض منها وارد في مقام التعليم والقاء الاصول التي يجب على الفقيه تطبيقها وبعض منها وارد في مقام الفتيا وجواب سؤال المستفتي. وقد ذكرنا في مبحث التعارض وجوه الفرق بين القسمين ومنها ان الخصوصيات التي تذكر في القسم الأول تعتبر دخيلة في الحكم ولكنها في القسم الثاني لا تعتبر فقد يذكر المستفتي أو مراجع الطبيب عدة ملابسات لموارد السؤال ولكن المفتي أو الطبيب يقدر في نفسه الكبرى المنطبقة على المورد فيجيب ولا يعلم السائل بها وقد لا يكون لبعض ما ذكره دخل في الحكم أصلاً.

فما يرد في أسئلة الرواة قد يعلم عدم دخالتها بموجب الجو الفقهي والقرائن التي يستفيدها الفقيه وقد يعلم دخالتها وقد لا يعلم شيء من ذلك فلا يمكن الأخذ بالكبرى ومن هنا يعلم السرّ في عدم جواز رجوع العامي إلى الروايات كما أنه لا يجوز للمريض أن يستعمل الوصفة التي وصفها الطبيب لمريض مشابه له في الحالات والظواهر الخارجية فإن انطباق موضوع الوصفة من اختصاص الطبيب واستخراج الكبرى من الرواية من اختصاص الفقيه.

ومنها: ان الخصوصية الدخيلة في الحكم ان كان فاقدها شاذاً بنحو العموم أو في خصوص مورد السؤال فذكرها في مقام الفتيا مستهجن فلو فرضنا ان دواءً يشترط فيه أن يتناول مع ماء غير معدني فالتقييد به في مورد عدم امكان تحصيل الماء المعدني أو ندرته مستهجن كما أن نصيحة الطبيب لعالم زاهد مريض بان شرب الخمر يضرّ بمرضه مستهجن إذ هو مفروض العدم.

ولكن هذا التقييد في مقام التعليم صحيح. وعليه فالأخذ بالإطلاق في ما كان وارداً في مقام الفتيا وكان من هذا القبيل غير صحيح.

 

قال المصنف ويشترط في السقوط أمور: أحدها كون صلاته وصلاة الجماعة كلتيهما أدائية.

 

المانعون عن الاشتراط تمسكوا بالإطلاق لعدم ورود التقييد في شيء من الروايات وتمسك بعضهم بالانصراف. قال السيد الحكيم: (وليس منشأ الانصراف الغلبة ليتوجه عليه ان الغلبة لا توجب الانصراف المعتد به. بل هو التوظيف) ولم يعلم المراد منه.

واستشكل صاحب الحدائق في عمومية الشرط بأن الداخل إن كانت صلاته قضائية لا وجه للشرط. وهذا لا بأس به.

ولابد من ملاحظة الروايات: أما رواية أبي علي­ فقد ذكرت فيها خصوصيات غير دخيلة قطعاً ككون الصلاة صلاة الفجر وكون الباقين مشغولين بالتسبيح. ولكن لا إشكال في أن الصلاة التي صلوها كانت أدائية إذ يبعد جداً أن يصلوا صلاة الفجر قضاءاً جماعة. فلا يمكن التمسك بإطلاقها من هذه الجهة.

وأما رواية زيد­ فهي قضية في واقعة ولا إطلاق فيها مع أن المتعارف أيضاً كونها أدائية كما مر.

وهكذا الكلام في رواية أبي بصير­ .

نعم إطلاق الروايات من حيث كون صلاة الداخل قضاءاً لا يخلو من وجه إلا أنه يبعده في الأول ان الجملة موضع الاستدلال وهي ذيل الحديث واردة في الجماعة أيضاً ويأتي فيها نفس الاستبعاد الأول وهو كون الجماعة منعقداً لقضاء صلاة الفجر وكذا في رواية زيد فإن الداخل أيضاً أراد الصلاة جماعة ولكنه في الثالث أقرب منهما بالنسبة إلى المنفرد إلا أن حكمه كما مر عدم تأكد الاستحباب فليس بمهم حتى يكون مورد النظر فالتمسك بالإطلاق فيه أيضاً لا يخلو من إشكال.

قال المصنف: الثاني: اشتراكهما في الوقت.

عدم الاشتراك قد يكون في جميع الوقت كما مثل به السيد من كون صلاة الجماعة السابقة العصر وهو يريد المغرب وقد يكون عدم الاشتراك في وقت الفضيلة كما إذا صلوا العصر وهو يريد الظهر. ويمكن دعوى اشتراط الاشتراك حتى في وقت الفضيلة.

أما الرواية الاُولى فواردة في صلاة الفجر وليس هناك صلاتان في وقت واحد حتى يتمسك بإطلاقها من هذه الجهة.

وأما رواية زيد فهي ورادة في الصلاة بعد صلاة الفريضة مباشرة وقبل خروج الوقت فليس فيها إطلاق. وكذا رواية أبي بصير فإن سقوط الاذان فيها قبل تفرق الصف فلا بد من أن يكون في وقت واحد وليس من المتعارف تأخير صلاة الجماعة إلى أن يضيق الوقت.

الثالث: اتحادهما في المكان عرفاً فمع كون احداهما داخل المسجد والاخرى على سطحه يشكل السقوط وكذا مع البعد كثيرا.

وذلك لان مورد الروايات كلها اتحاد المكان. واما قوله (وكذا مع البعد الكثير) فلا وجه له إذ الروايات من هذه الجهة مطلقة فلا أثر للبعد كثيره وقليله.

الرابع أن تكون صلاة الجماعة السابقة مع الأذان والإقامة فلو كانوا تاركين لا يسقطان عن الداخلين وان كان تركهم من جهة اكتفائهم بالسماع عن الغير.

الروايات غير رواية أبي بصير لم يعبر فيها بما يوهم اختصاص السقوط بصورة أذانهم وإقامتهم دون اكتفائهم بالسماع من الغير اما رواية أبي بصير فقد ورد فيها صلى بأذانهم واقامتهم. وهذه النسبة ليست صدورية إذ لم يؤذن جميع الجماعة قطعاً فالمراد الأذان الذي أجزأهم فلا يبعد الاكتفاء في هذه الصورة أيضاً.

أما لو كانوا تاركين بلا سماع من الغير فالاشتراط في محله إذ المتعارف في صلاة الجماعة الاذان لها بل قد أوجبه بعضهم لها والروايات منزلة على الصورة المتعارفة لما عرفت من أنها واردة مورد الفتيا.

الخامس أن تكون صلاتهم صحيحة.

من الواضح ان إطلاق الروايات لا تشمل الصلاة الفاسدة خصوصاً مع ما ورد من عدم سقوط الأذان إذا صلى خلف المخالف.

السادس أن يكون في المسجد.

الروايات كلها واردة في خصوص المسجد. وإطلاق خبر أبي بصير على النقل الأول لا يمكن التمسك به لضعفه.

قال المصنف: الثالث من موارد سقوطهما: إذا سمع الشخص أذان غيره أو إقامته.

الروايات الواردة على قسمين فبعض منها تتضمن سقوط الأذان بسماعه وبعض يتضمن سقوطهما بسماعهما. والفقهاء اختلفوا فتمسك بعضهم بالطائفة الاولى فقط كالمحقق وبعضهم تمسك بالثانية أيضاً فالكلام في جهتين:

الجهة الاُولى: البحث عن سقوط الأذان بسماعه ويدل عليه عدة روايات:

منها صحيحة عبد الله بن سنان: (إذا أذن مؤذن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلي بأذانه فأتم ما نقص من أذانه ولا بأس أن يؤذن الغلام الذي لم يحتلم). ([120])

فيدل على جواز الاكتفاء بأذان الغير في الجملة.

ومنها ما دل على جواز أذان الصبي الذي لم يحتلم إذ يدل بطريق أولى على كفاية أذان البالغ وهي عدة روايات. ([121])

ومنها خبر زرارة المروية في العلل (قلت له: المرأة عليها أذان وإقامة فقال: إن كانت تسمع أذان القبيلة فليس عليها أكثر من الشهادتين...) الخبر. ومثلها مرسلة الفقيه: (ليس على المرأة أذان ولا إقامة إذا سمعت أذان القبيلة ويكفيها الشهادتان ولكن إذا أذنت وأقامت فهو أفضل)[122].

والخبر الأول ضعيف بعيسى بن محمد الذي لم يوثق والثاني مرسل.

ومنها معتبرة معاوية بن شريح المتقدمة الدالة على عدم انتظار الإمام إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة وإن كان الامام هو المؤذن فإن خرج لشغل قدموا غيره فيدل على الاكتفاء بأذانه.

وهل يختص المستفاد من هذه الروايات بأذان الجماعة أم يشمل اذان الاعلام كما قال الشهيد أم يعم أذان المنفرد كما قال المحقق؟

اعترض المحقق النائيني على الشهيد بأن أذان الأعلام لا يوجب سقوط الاذان عن المؤذن فكيف بغيره ورواية ابن سنان مطلقة يشمل أذان المنفرد.

ولكن لو كنا وهذه الطائفة لم يكن القول بشمول الحكم لأذان المنفرد أيضاً. أما رواية ابن سنان فلأنه ليس في مقام بيان هذا الحكم وإنما المستفاد منها الإتمام لما نقص فيما يجوز الاكتفاء بأذانه بالسماع فليس في مقام بيان من يكتفى باذانه وإذا كان المطلق في مقام البيان من جهة وشك في كونه في مقام البيان من جهة اُخرى أيضاً لم يمكن التمسك بالإطلاق. نعم لو شك في كونه في مقام البيان أصلاً أو في مقام الاجمال فالأصل يقتضي الأول.

وأما رواية كفاية سماع المرأة فالاكتفاء إنما هو بأذان القبيلة وهو أذان الاعلام أو الجماعة قطعاً.

وأما كفاية أذان الغلام فلا يدل إلا على مشروعية أذان الغلام فلا يشترط في نصب المؤذن أن يكون بالغاً وليس في مقام البيان من جهة الاكتفاء حتى يتمسك بإطلاقها.

وأما رواية معاوية بن شريح فهي أيضاً خاصة بأذان الجماعة. فأين الإطلاق ؟!

بل تدل موثقة عمار المتقدمة على عدم كفاية أذان الإمام نفسه إذا أذن لنفسه وأراد أن يصلي جماعة فكيف يكتفي بأذان منفرد آخر يسمعه فيصلي به جماعة ؟!

الجهة الثانية: في سقوطهما معاً بسماعهما.

وتدل على ذلك روايتان:

الأولى ما رواه سعد عن ابي الجوزاء المنبه بن عبد الله عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن أبي جعفر عليه السلام (قال كنا معه فسمع إقامة جار له بالصلاة فقال قوموا فقمنا وصلينا معه بغير أذان ولا إقامة قال: يجزيكم أذان جاركم)[123].

ولا يبعد الاعتماد على سنده كما مر. والاستدلال به يتوقف على أن المراد بالإقامة في صدر الرواية والأذان في ذيلها هو المعنى الأعم منهما كل منهما بقرينة الآخر ولا يبعد.

الثاني رواية أبي مريم الضعيفة بصالح بن عقبة وقد تقدمت وفيها: (وإني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فأجزأني ذلك).

والكلام في جهات:

الجهة الأولى: ان القدر المتيقن منهما هو أذان المنفرد لنفسه فالحكم لا يختص بأذان الجماعة.

الجهة الثانية: ان مقتضى الرواية الثانية كفاية سماع الإمام إلا أنها ضعيفة ومقتضى الأولى اعتبار سماع المأمومين لقوله يجزيكم أذان جاركم ولا معنى لقول الراوي سمع أذان جار له إلا أن يكونوا قد سمعوا هم أيضاً فلا يشمل صورة سماع الإمام فقط ومقتضى الإطلاقات عدم الكفاية حينئذ.

الجهة الثالثة: ان سماع المأمومين فقط غير كاف أيضاً لإجمال هذه الرواية من هذه الجهة أيضاً.

الجهة الرابعة: قد يقال لا يعتبر سماع جميع الفصول لدلالة الرواية الثانية إذ لا يمكن سماع جميع الفصول بالمرور وفيه أولاً ضعف الرواية وثانياً ان المرور قد يكون موجباً لسماع جميعها أيضاً والإمام الباقر عليه السلام كان في أواخر عمره بديناً بطيئاً في السير.

وأما الرواية الأولى فهي مجملة من هذه الجهة أيضاً بل لا يبعد أن يكون المراد سماع الجميع فالإطلاقات محكمة.

وقد يستدل على وجوب سماع الجميع برواية ابن سنان الآمرة بالتكميل إذا سمعه ناقصاً. وفيه أن التكميل مختص بما إذا كان الأذان ناقصاً والكلام في الأذان الكامل الذي لم يسمع جميعه.

وقد يستدل بها على كفاية البعض. وفيه ان الرواية غير مسوقة لبيان هذه الجهة أيضاً وإلا فما وجه التكميل.

الجهة الخامسة: لا يبعد أن يستفاد من قوله عليه السلام (يجزيكم أذان جاركم) أن أذانه بدل عن الأذان المشروع المطلوب منكم فتدل على عدم مشروعية الأذان بعده فالسقوط عزيمة.

قال المصنف: الرابع إذا حكى أذان الغير وإقامته.

ينبغي تقديم البحث عن المسألة التالية في كلام المصنف وهو استحباب حكاية الأذان عند سماعه.

وهذه المسألة مذكورة في كتب العامة والخاصة إلا أن الكلام في أن المستحب هو حكاية جميع الفصول أو تبديل الحيعلات بالحوقلة. والمروي عند العامة عن أبي سعيد الخدري هو الأول وعن معاوية وعمر هو الثاني. قال ابن رشد أن منشأ الاختلاف هو الاختلاف في الترجيح والتخصيص فمن قال بالأول رجح الرواية الأولى ومن قال بالثاني خصص تلك الرواية بالثانية وذهب إليه مالك.

وأما فقهاؤنا فالمشهور بينهم هو الأول إلا أن الشيخ جوز الثاني وحكي عن الشهيد تعين الثاني قال في شرح نجاة العباد: ظاهر جماعة كما في الروضة والدروس والمحكي عن الشيخ في المبسوط يجوز تبديل الحيعلات بالحوقلة بل عن الذكرى انه المتعين.

والظاهر ان مدركهم مرسلة المبسوط ولعله أخذ من كتب العامة فلا اعتماد عليه كما لا اعتماد على مرسلتي الدعائم ومكارم الاخلاق.

فلابد من ملاحظة روايات استحباب حكاية الأذان منها رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سمع المؤذن يؤذن قال مثل ما يقوله في كل شيء). ([124])

وقد ذكرنا مراراً ان روايات أهل البيت مهيمنة على روايات العامة ومبينة لأخطائها ويلاحظ العناية في الرواية بنقل عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتعبير بـ (كان) المشعر بالاستمرار لئلا يتوهم أنه كان يعمل كذا في وقت ويبدل بالحوقلة في وقت آخر والتأكيد بأنه كان يقوله في كل شيء رداً على ما نقل عند العامة من تبديله الحيعلات بالحوقلة. وهذا النقل عندهم أيضاً مرجوح بناءاً على القول بالترجيح. وعليه فلا يبقى مجال للقول بمشروعية هذا التبديل. ومن العجب قول الشهيد بالتعين.

وأما الإشكال في الرواية بضعف السند لجهالة محمد بن إسماعيل فمدفوع بأن مدرك الكافي هو كتاب حماد أو حريز وسنده اليهما طريقان محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان وعلي بن إبراهيم عن أبيه. وهو يتنوع في النقل فتارة ينقل السندين وتارة ينقل أحدهما. ولم يذكر في الفهارس ان كتابهما له نسختان مختلفتان راوي أحدهما الفضل وراوي الآخر ابراهيم كما نقلوا ذلك في موارده.

ويشهد لذلك ان الشيخ ينقل في كتابيه عن الكافي في بعض الموارد بأحد السندين والمذكور في الكافي كلاهما. وكان الاقتصار بذكر بعض الاسانيد دأب كثير من المحدثين وبه صرح النجاشي وقال انه يفعل ذلك للاختصار مع أن له أسانيد كثيرة إلى أصحاب الكتب.

وأما توثيق محمد بن إسماعيل فقد ادعي ذلك لوجوه ضعيفة ككونه من مشايخ الكليني أو لأن الكشي اعتمد عليه مع أنه ينقل عنه فقط أو لأنه محمد بن إسماعيل بن بزيع مع أنه لا يناسب طبقته أو لأن رواياته متفق مع الروايات المعتبرة.

ومنها صحيحة زرارة قال (قلت لأبي جعفر عليه السلام ما أقول إذا سمعت الأذان قال أذكر الله مع كل ذاكر). ([125])

ولكنها خارجة عما نحن فيه أما في الحيعلات فلا يشمل الحديث واما في غيرها فالوارد في هذه الرواية استحباب مطلق الذكر ولا يدل على استحباب الحكاية.

ومنها خبر أبي بصير الضعيف بالنوفلي وعلي بن سالم قال (قال أبو عبد الله عليه السلام: ان سمعت الأذان وأنت على الخلا فقل مثل ما يقول المؤذن ولا تدع ذكر الله عز وجل في تلك الحال لأن ذكر الله حسن على كل حال...) الحديث[126].

ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (أنه قال له: يا محمد بن مسلم لا تدعن ذكر الله على كل حال ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلا فاذكر الله عز وجل وقل كما يقول المؤذن)[127].

وهذا الذيل (قل كما يقول المؤذن) يدل على أن المراد بقوله اذكر الله هو حكاية القول فالصدر تمهيد لهذا الحكم. وهل يستفاد منه الحكومة على وجه التوسعة بأن يكون المراد بيان أن جميع فصول الأذان ذكر تنزيلاً وكذا ما يشك في كونه ذكراً كالشهادة الثانية؟ فيه إشكال بل الظاهر انه تمهيد كما ذكرنا.

والحاصل ان المستفاد من هذه الروايات هو الحكاية بمثل ما يقوله المؤذن وكذا من غيرها من بعض الروايات الضعاف وأما ما روي في مكارم الأخلاق والدعائم فغير مبني على التدقيق في السند.

والظاهر ان التبديل خلاف الاحتياط فالقول بأنه أولى كما ذكره السيد محل تأمل بل منع.

قال المصنف: سواء كان أذان الأعلام أو أذان الاعظام أي أذان الصلاة جماعة كان أو فرادى مكروهاً كان أو مستحباً نعم لا يستحب حكاية الأذان المحرم.

استفادة الاطلاق من هذه الروايات بحيث يشمل أذان المنفرد مشكل أما في رواية محمد بن مسلم فقد ورد حكاية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إذا سمع المؤذن والظاهر منه ان المراد مؤذنه الخاص ورواية زرارة خارجة عن ما نحن فيه. ورواية محمد بن مسلم الصحيحة واردة في النداء وهو خاص بأذان الأعلام. وكذا رواية أبي بصير.

قال في المستمسك والحكم يشمل الأذان المحرم أيضاً. وقد مثّل له الشيخ حسن نجل كاشف الغطاء قدس سرهما في أنوار الفقاهة بعدة أمثلة كلها محل تأمل كأذان المجنون والكافر وآخذ الاجرة عليه وفي الأرض المغصوبة والجنب في المسجد. ويمكن التمثيل له بموارد السقوط عزيمة. و لو كان المراد الحكاية المستحبة المشروعة فهو لا يشمل الموارد لعدم الاطلاق وأما استحبابها من باب التسامح أو من باب أن ذكر الله حسن على كل حال فلا إشكال فيه حتى بالنسبة إلى المحرم. وهكذا الكلام في حكاية الإقامة فإنها غير مذكور في كلمات الخاصة والعامة إلا أنها واردة في بعض الروايات الضعيفة كرواية دعائم الإسلام.

فتحصل ان المستحب الوارد من حكاية الأذان هو القول بمثل ما قاله المؤذن مطلقاً.

ويقع الكلام بعد ذلك في كون الحكاية مسقطة وعلى فرض كونها مسقطة فإن كان من جهة أنه تستلزم السماع و هو المسقط فلا وجه لذكرها في قباله ولعل هذا هو الوجه في عدم تعرض القدماء له بل لم يذكرها أحد قبل صاحب الجواهر في نجاة العباد. وأما ما قيل في شرح نجاة العباد من أن أدلة كفاية السماع لا يشمل بإطلاقها مورد الحكاية إلا بالفحوى فلا وجه له فإن السماع مسقط حكى أم لم يحك.

وأما كون الحكاية مصداقاً للأذان فينافي أيضاً ذكرها من المسقطات فإنه من قبيل أجزاء بعض أفراد المأمور به وليس من الاسقاط. إلا أن الكلام في ان أدلة استحباب الأذان والإقامة هل يشمل مورد الحكاية أم لا؟

وقد يشكل في ذلك بأن الحكاية حكاية للفظ وليس انشاءاً للأذان ويعتبر في صدقه قصد الإنشاء.

والجواب عنه أولاً أن أوامر الحكاية لم تشتمل على هذا اللفظ بل الوارد فيها التعبير بالقول (قل مثل ما يقول المؤذن) وهذا نظير التعبير الوارد في أصل الأمر بالأذان فما هو الدليل على أنه حكاية للّفظ بل لعله إنشاء تبعي أي متابعة في الإنشاء.

وثانياً: ان قصد الإنشاء بل قصد المعنى غير معتبر في الأذان وليس عليه دليل.

وأما الإشكال فيه بأن الحكاية هنا ليس من باب المتابعة في الأذان كما في المستمسك بل هو من باب ذكر الله كما في الرواية فيدفعه ما ذكرناه في الرواية ان قوله اُذكر الله تمهيد لا من باب الحكومة.

وعليه فلا مانع من كون الحكاية مسقطاً مستقلاً.

قال المصنف: يجوز حكاية الأذان وهو في الصلاة لكن الأقوى حينئذ تبديل الحيعلات بالحولقة.

أما فقهاؤنا فقد منع بعضهم عن ذلك كالشيخ في المبسوط وأما العامة فلم يذكروا هذه المسألة إلا ابن حزم في المحلى فقد ذكر ان استحباب الحكاية عام للمصلي وغيره إلا أنه لا يحكي الحيعلات إلا بعد الصلاة. أما التبديل فقد عرفت ما فيه. وأما إطلاق الروايات يشمل حال الصلاة فلم يعلم وجهه إذ لم يعلم كون الرواية في مقام البيان من هذه الجهة وليس الأمر دائراً بين الاجمال رأساً وكونه في مقام البيان حتى يتمسك بالأصل.

ثم ان الصورة المشروعة من الحكاية هو حكاية جميع الفصول ولا إشكال في عدم جواز حكاية الحيعلات لأنها ليست ذكراً وكذا الشهادة الثانية إذ لم يعلم كونها ذكراً والحكومة قد عرفت أنها خلاف الظاهر.

فالصحيح هو وجوب ترك الحكاية في الصلاة وإلا بطلت لأن الأذان يشتمل على كلام الآدمي.

وبذلك يظهر أنه لا يبقى مجال لما ذكره السيد الحكيم في المستمسك وأجاب عنه وهو ان بين إطلاق استحباب الحكاية وإطلاق حرمة كلام الآدميين عموم من وجه وحيث لا ترجيح فالمرجع أصالة البراءة عن وجوب الاعادة.

وذلك لما عرفت من عدم الاطلاق في أدلة استحباب الحكاية. مع أنه لا يكفي الاطلاق اللفظي في الحكم بعدم البطلان إذ لا منافاة بين الاستحباب مطلقاً ومانعيته في الصلاة. بل لابد من إطلاق مقامي كما إذا دل الدليل على استحباب الحكاية في خصوص الصلاة فإذا كان في مقام البيان يدل على عدم مبطلية الحيعلات لها. والمفروض عدم الاطلاق فيها.

ثم قال بأن التعارض إنما يقع في مورد يحرم الابطال بين إطلاق الاستحباب وإطلاق حرمة الابطال إلا أن الثاني يقدم لتعرضه لبيان حكم العنوان الثانوي.

وفيه ان هذا لا مجال له أيضاً إذ لا إطلاق في الدليلين أما دليل حرمة الابطال فقد اعترف في أواخر مبحث القواطع بأنه ليس إلا الاجماع وأما دليل الاستحباب فقد عرفت عدم اطلاقه. ولعل محل كلامه على تقدير ثبوت الاطلاق.

ثم ان هنا مسائل ذكرها المصنف نتركها إما لعدم أهميتها أو لأن حكمها معلوم مما سبق.

قال المصنف: الظاهر عدم الفرق بين أذان الرجل والمرأة إلا إذا كان سماعه على الوجه المحرم أو كان أذان المرأة على الوجه المحرم.

أما سماع المرأة أذان الرجل فقد دل الدليل على كفايته وهو خبر زرارة ومرسلة الفقيه وقد مر ذكرهما.

وأما سماع الرجل أذان المرأة فليس للروايات إطلاق يشمله لأن الروايات واردة في موارد خاصة. وكذا سماع المرأة أذان المرأة. ولا ربط لأدلة الاشتراك في التكليف فإن مفادها ليس إلا توجه خطاب الرجل إلى المرأة أيضاً فلا يأتي فيما إذا كان فعل أحدهما متعلقاً لمتعلق الحكم فإن التعدي اسراء للحكم من موضوع إلى آخر.

قال المصنف: قد يقال يشترط في السقوط بالسماع أن يكون السامع من الأول قاصداً للصلاة فلو لم يكن قاصداً وبعد السماع بنى على الصلاة لم يكف في السقوط وله وجه.

قال السيد الحكيم في المستمسك: كأنه من جهة ان اعتبار التعيين في الأذان كما سيأتي يقتضي اعتباره في السماع المنزل منزلته لكنه يتوقف على كون البدل هو السماع لا نفس الأذان المسموع ويلزمه اعتبار تعيين الصلاة المقصودة أيضاً لا مجرد قصد الصلاة في الجملة.

ولكن الظاهر أن السبب ليس ما ذكر وإلا فالسماع ليس بدلاً وإنما هو مسقط فلا وجه لاعتبار ما يعتبر في المبدل فيه بل الوجه فيما ذكره المصنف هو قصور الادلة إذ لا إطلاق فيها ليشمل غير القاصد ففي رواية ابن سنان (وأنت تريد ان تصلي بأذانه) وفي رواية عمرو بن خالد أن أبا جعفر عليه السلام قال حينما سمع أذان جاره قوموا فقمنا وصلينا... وكذا في سائر الروايات فموردها هو قصد الصلاة ولا إطلاق فيها.

قال المصنف: يشترط في الأذان والإقامة اُمور:

الأول: النية.

قد مر الكلام فيه وبمراجعة ما ذكرنا يعلم انه لا وجه لما ذكره السيد الحكيم من الاستدلال له بعدم الخلاف فيه وبأنه مرتكز المتشرعة بحيث لا يقبل الردع وكذا ما أجاب به عن صاحب الجواهر حيث استدل له بخفاء الحكمة من أن خفاء الحكمة لا ربط له بكونه عبادياً.

وقد ذكرنا سابقاً ان المسألة غير مذكورة في كتب القدماء فأين الاجماع ؟! والارتكاز مستند إلى فتاوى الفقهاء فلابد من البحث عن الدليل. وخفاء الحكمة هو الملاك في العبادية وقد مر تفصيل ذلك في أوائل مبحث الأذان.

قال المصنف: ويعتبر أيضاً تعيين الصلاة التي يأتي بهما لها مع الاشتراك.

الظاهر ان الدليل له وجهان:

الوجه الأول: التعبير الوارد في الروايات بقوله أذن لها. واللام يفيد الاختصاص ففي رواية زرارة: (إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ باولاهن فأذن لها وأقم...) الحديث[128] وفي رواية ابن سنان (السنة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن ويقيم للظهر ثم يصلي ثم يقوم فيقيم للعصر...) الحديث[129].

ولعل ذلك هو المستفاد مما ورد من التعبير بـ (في) فإنه للتعليل.

الوجه الثاني: موثقة عمار الآمرة بإعادة الأذان والإقامة إذا أراد أن يؤم الجماعة من أذن لنفسه أولاً فيدل على اعتبار التعيين حتى بلحاظ كون الصلاة جماعة. ([130])

قال المصنف: الثاني: العقل والإيمان.

البحث في الشرائط تارة من جهة ان الأذان والإقامة موضوعان للحكم وتارة من جهة أنهما متعلقان له. أما الأول فكموضوعية الأذان لجواز الاعتماد عليه في الوقت كما ذكره في العروة وهو المشهور ولكنه محل تأمل و كموضوعيته لجواز اجتزاء الغير به وكذلك الإقامة. وأما الثاني فهو من جهة كونه مقدمة للصلاة.

واستدل لشرطية العقل بالإجماع بل قيل انه لا خلاف فيه بين المسلمين. وذكر السيد الحكيم + انه قد استدل عليه مضافاً إلى ذلك بعدم تأتي القصد من المجنون إلى نفس الأذان أو إلى الأمر به وأجاب عنه بأنه غير مجد لجواز تحقق ذلك منه في بعض الاحيان على أن أذان الاعلام ليس عبادياً.

أما الاجماع فقد مر مراراً أنه ليس الا مرشداً ومنبهاً وليس دليلاً والدليل ربما يكون رواية رفع القلم عن ثلاثة ومنه المجنون حتى يفيق. وتفصيل البحث فيه في شرائط المتعاقدين.

ومحصله ان هذه الرواية مذكورة في كثير من كتب العامة وقد استدل به لما نحن فيه ابن حزم في المحلى. وقد ذكر في كتب المطاعن والمناقب كالشافي في قصة عمر حيث أمر برجم المرأة الزانية المجنونة. وذكر أيضاً في بعض كتب الفقه المقارن كالخلاف والغنية وقد ذكر في الغنية بتعبير أنه يحتج بها على العامة فاشتبه الأمر على الشيخ الأنصاري قدس سره فظن أن صاحب الغنية قد احتج بها مع ان الاحتجاج عليهم ليس كالاحتجاج بها عندنا.

إذن فهي من حيث السند عامية محضة ولم يذكر في كتبنا المعتبرة من غير جهة الاحتجاج عليهم. وأما قول صاحب الوسائل ان المفيد قدس سره قال في الارشاد (رواه المخالف والمؤالف) فهو سهو من صاحب الوسائل وهذه الجملة ترجع إلى حديث آخر قبله.

نعم يمكن الاعتماد عليه بتأيّده بروايات خاصة وتفصيله في محله.

وأما من حيث الدلالة ففيها احتمال رفع قلم المؤاخذة كما قاله الشيخ واحتمال رفع قلم التكليف واحتمال سلب العبارة كما قاله المحقق النائيني وكيف كان فدلالتها على سلب الآثار والأحكام من جهتي الموضوعية للحكم والمتعلقية له غير واضحة. نعم تقيد التكليف بالعقل واضح.

ولكن يمكن الاستدلال في المقام بغير هذا الوجه. اما من جهة موضوعية الأذان لمعرفة الوقت فقد اشكلنا فيه بوجه عام وهو واضح في المجنون إذ لا اعتماد على معرفته للوقت. وأما من جهة مسقطية سماعه فقد ذكرنا ان الروايات لا اطلاقها فيها مع ان المتعارف عدم نصب المجنون للأذان كما هو واضح.

وأما من جهة كونهما متعلقين للحكم فإن لم يفق حتى صلى بهما فلا أمر بهما ولا بالصلاة وان أفاق بعدهما وقبل الصلاة فهل يجزيان ولا حاجة إلى الإعادة أم لا؟ الظاهر عدم الاجزاء إذ لم يتوجه إليه الأمر بهما ولا بالصلاة المتقيدة بهما حين إتيانهما.

ثم إن بعض الفقهاء اشترطوا الاسلام وبعضهم زادوا الإيمان أيضاً ومن الأول المحقق في الشرايع ومن الثاني المصنف.

أما من جهة موضوعية الأذان للمسقطية فلا إشكال في اعتبار الإسلام لعدم الاطلاق في الروايات وأما من جهة متعلقيته للحكم فيتوقف على توجه التكليف بالفروع إلى الكفار كما هو الصحيح والمشهور وان ناقش فيه بعض أعاظم العصر وفاقاً لصحاب الحدائق[131] وأما تمشي قصد القربة من الكافر فيمكن كما نقل ان هناك من الكفار من يعملون بشريعتنا احتياطاً واحتمالاً لموافقته للواقع فهذا لا يعد مسلماً إلا أن قصد القربة لا يتوقف على وجود الأمر أو العلم به بل يكفي فيه الرجاء إذ لا يعتبر في قصد القربة الجزم بل يكفي الاحتمال.

ولكن بعض الآيات الكريمة تدل على بطلان أعمال الكفار كقوله تعالى: {وباطل ما كانوا يعملون} ([132]) إما لشرطية الإسلام او لمانعية الكفر.

ولكن الكلام إنما هو فيما إذا أسلم بعد الأذان والإقامة فهل يجزيه ذلك أم لا؟ بمعنى أنه هل يعتبر الاسلام في الصحة؟ مقتضى موثقة عمار ذلك.

روى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سئل عن الأذان هل يجوز أن يكون من غير عارف قال: لا يستقيم الأذان ولا يجوز أن يؤذن به إلا رجل مسلم عارف فإن علم الأذان فأذن به و (ان خ ل كافي) لم يكن عارفاً لم يجز أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به). ([133])

المراد بالعارف في اصطلاح الروايات هو الشيعي والمراد بالجواز هو النفوذ والاجتزاء به فدلالة الرواية على اشتراط الاسلام واضحة من جهة الموضوعية والمتعلقة.

وأما اعتبار الايمان فهو الذي يقتضيه ظاهر هذه الرواية على نسخة التهذيب بأن يكون الشرط في الإجزاء العلم بالأذان وكونه عارفاً أي شيعياً وأما على نسخة الكافي ففيه نوع تورية فكأن العارف اُريد به من يعرف الأذان لا الإمامة فمفاده فإن علم الأذان فأذن به أي فليؤذن به. وان لم يكن عارفاً أي بالأذان لم تجز إقامته. وكيف كان فالظاهر ان الرواية تمنع من إجزاء أذان غير العارف وإقامته أي غير الشيعي كما صرّح به في صدرها.

والظاهر انه يشمل أذان الاعلام أيضاً وليس في قوله واقامته قرينة تقيد الأذان بأذان الجماعة فالمراد نفي موضوعيته للحكم مطلقاً.

وأما من جهة متعلقيته للحكم بمعنى أنه لو استبصر بعده فهل يجزيه أم لا؟ الظاهر ان هذه الرواية قاصرة عن شموله. إلا أن الروايات الدالة على اشتراط الأعمال بالولاية بنحو الشرط المتأخر تدل على صحة هذا الأذان إذ يكفي فيها الاستبصار بعد العمل فتصح جميع أعماله ومنها هذا الأذان إلا الزكاة.

وقد يستدل على كفاية أذانه من حيث الموضوعية برواية عبد الله بن سنان الآمرة بتكميل الأذان إذا نقصه المؤذن الدالة على الاجتزاء بما سمعه منه إلا أنه يكمله.

وجه الاستدلال ان عبد الله بن سنان كان من رجال الحكومة آنذاك فكان ممن يتقى له كعلي بن يقطين فبعض الاحكام المذكورة له إنما هو من جهة احتياجه إلى التقية فالمراد بالاكتفاء الاكتفاء بأذان العامة وتكميله حيث لا يقول (حي على خير العمل) فيدل على كفاية سماع أذان العامي فتعارض هذه الرواية مع رواية عمار السابقة.

وبهذه التقرير لا يرد ما ذكره السيد الحكيم قدس سره من أنه ليس في مقام البيان من جهة كون المؤذن مؤمناً أم لا. ولكن قد يناقش فيها بأنه إرفاق خاص بعبد الله بن سنان.

وقد يؤيد رواية عمار بروايات الأمر بالأذان ان صلى خلف المخالف وان لم يتمكن يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر وهذا بدل الأذان. ([134])

ولكن يمكن المناقشة فيه بأن المؤذن قد يكون مؤمناً فلعل الأمر بالأذان من جهة كون الإمام عامياً.

وكيف كان فتكفي رواية عمار في اعتبار الإيمان.

قال المصنف وأما البلوغ فالأقوى عدم اعتباره خصوصاً في الأذان وخصوصاً في الاعلامي

وقد صرح باعتباره ابن حزم في المحلى إلا ان الظاهر من ابن قدامة في المغني الاختلاف بينهم أيضاً.

وأما رواياتنا فتدل رواية عمار السابقة على اعتبار كونه رجلاً. والقول بأن المراد به في قبال المرأة مدفوع بأنه يحتمل أن يكون المراد به في قبالها وقبال غير البالغ.

إلا أن كثيراً من الروايات صرحت بجواز أذان غير البالغ منها صحيحة ابن سنان السابقة. ومنها عدة روايات في باب الجماعة صرحت بجواز أذان الصبي وإمامته: فلا إشكال في كفاية أذانه من حيث موضوعيته للحكم وكذا من حيث متعلقيته لشرعية عباداته ولذا لو أذن ثم بلغ يجتزي به على الأقوى.

إنما الكلام في الإقامة. وليس للاجتزاء بها دليل خاص ولذا ناقش فيه بعض المحشين. إلا أنه سيأتي إن شاء الله في باب الجماعة جواز الايتمام بالصبي غير البالغ إن كان مميزاً وأن روايات الباب منها ما أجازت إمامته وأذانه ومنها ما أجازت أذانه فقط وان هنا تصحيفاً في روايات المنع والأقوى جواز امامته لكثرة رواياته. فإن صح ذلك فلا إشكال في جواز اقامته أيضاً.

قال المصنف: الثالث الترتيب بينهما بتقديم الأذان على الإقامة وكذا بين فصول كل منهما. فلو قدم الإقامة عمداً أو جهلاً أو سهواً أعادها بعد الأذان.

والدليل على ذلك الروايات واستقرار سيرة المسلمين. ومما يدل عليه صحيحة زرارة الواردة في الشك في الأذان وهو في الإقامة قال يمضي. وجه الاستدلال أنه لو يكن ترتيب بين الأذان والإقامة لم يكن وجه للسؤال عن الشك فيه بعد الدخول فيها فمعنى هذا السؤال أنه لا ينبغي ان يدخل في الإقامة إلا بعد الانتهاء من الأذان.

وهذا مسلم في الجملة إلا أن الكلام فيما إذا قام بانياً على أن يصلي بالإقامة فقط ثم بدا له أن يؤذن فهل ينبغي له تجديدها بعده أم لا؟

قال صاحب الجواهر (ان الإقامة تبطل بالأذان بعدها فإن جدّدها والا وقعت الصلاة بأذان فقط). وقال بأن رواية عمار المخالفة لذلك مطروحة. والمراد برواية عمار. ما رواه عنه في الفقيه أنه قال: (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل نسي من الأذان حرفاً فذكره حين فرغ من الأذان والإقامة قال: يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله وليقل من ذلك الحرف إلى آخره ولا يعد الأذان كله ولا الإقامة). ([135])

ويمكن الاعتراض عليه بوجوه:

الوجه الأول: انه لا دليل على مطلوبية الصلاة مع الاكتفاء بالأذان وحده كما التزم به.

الوجه الثاني: انه لا وجه لطرح رواية عمار وان قلنا ببطلان الاقامة الأولى إذ يمكن أن يكون الأمر بإعادة أجزاء الأذان من المنسي إلى آخره من قبيل قضاء الاجزاء المسنية إلا أن قضاء أجزاء الصلاة لا يتوقف على قضاء ما بعدها وقضاء الاجزاء المنسية في الأذان يتوقف عليه. وعليه فلا تنافي بين هذه الرواية والقول باستحباب اعادة الاقامة إذا أذن بعدها.

إلا أن هذه الرواية تنافي روايته الاُخرى قال (سألت أبا عبد الله عليه السلام أو سمعته يقول: إذا نسي الرجل حرفاً من الأذان حتى يأخذ في الإقامة فليمض في الإقامة فليس عليه شيء فإن نسي حرفاً من الإقامة عاد إلى الحرف الذي نسيه ثم يقول من ذلك الموضع إلى آخر الإقامة...) الحديث.  ([136])

وذلك لأن مقتضى هذه الرواية عدم اعادة الأذان إذا نسي شيئاً منه فإمّا أن يحمل الأولى على الاستحباب أو تكون الثانية ورادة مورد توهم الخطر بأن يتوهم وجوب اعادة الاذان وحيث أن الأذان مستحب فالمراد بيان عدم وجوب اعادتها.

الوجه الثالث: ما اعترضه عليه المحقق الهمداني من أن الإقامة لا يشترط في صحتها أن تكون مسبوقة بالأذان فبمجرد تماميتها يسقط الأمر بها فإن الانطباق قهري والاجزاء عقلي ولا دليل على كون لحوق الأذان مبطلاً لها فالإقامة بالنسبة إلى سبق الأذان ولحوقه لا بشرط فلا وجه للقول ببطلانها في الفرض المذكور.

وعليه فإذا أقام بانياً على الاكتفاء بها ثم بدا له في الأذان ففي جوازه اشكال إذ أن محله الشرعي هو قبل الإقامة وقد مضى والأمر بالإقامة قد سقط فلا يشرع بعده. ولو سلمنا جواز الأذان حينئذٍ لإجماع ونحوه فلا بد إمّا من القول بسقوط الترتيب فلا تكرر الاقامة وأما من القول بإعادة الاقامة لكن لا من جهة بطلانها إذ التخصيص في الحكم العقلي ممتنع وقد عرفت ان الاجزاء عقلي بل من جهة أنه من قبيل استحباب اعادة المنفرد صلاته إذا انعقدت جماعة فهو من الامتثال عقيب الامتثال لدرك فضيلة الاقامة المتعقبة للأذان.

فتحصل ان بطلان الاقامة يتوقف على كونها بالنسبة إلى الأذان المتأخر بشرط لا وليس عليه دليل. هذا محصل كلامه قدس سره.

والكلام إنما هو في أن بطلان الإقامة هل يتوقف على ذلك أم لا؟ الذي يمكن أن يقال إن صحة الاقامة عند الجمع بينهما يتوقف على كونها مسبوقاً بالأذان فمشروعيتها بشرط شيء. وعليه فالبطلان لا يتوقف على كونها بالنسبة إلى تأخر الأذان بشرط لا كما ذكره.

واهم من ذلك البحث ان الاذان والاقامة هل لهما امر نفسي حتى يستنتج قهرية الانطباق وعقلية الاجزاء ام ليس كذلك بل لمطلوبيتهما تصوير آخر يصح عليه ما ذكره صاحب الجواهر.

توضيح ذلك: ان الصلاة لها أمر مستقل متعلق بها لا بشرط وهو أمر الزامي وقد تعلق بها أمر بشرط الاقامة وأمر آخر بشرط الأذان ثم الإقامة كما يلاحظ من الروايات المتقدمة. ومبنى اعتراض المحقق الهمداني وكذلك السيد الحكيم قدس سرهما ان الأذان والإقامة قد تعلق بهما أمر نفسي مستقل ولذا لا يقولون بالجزء المستحب والشرط المستحب فالقنوت عندهم مستحب نفسي ظرفه الصلاة ولكنه عندنا جزء مستحب بالكيفية المذكورة.

وبذلك يرتفع الاشكال بأن الجزئية تنافي الاستحباب إذ الجزء ما ينتفي الكل بانتفائه. وعلى ما ذكرنا فالأذان والإقامة يوجبان كمالاً للصلاة لا أنهما مستحبان نفسيان كما يفيد ذلك ما ورد في أن المصلي بأذان وإقامة تصطف خلفه الملائكة صفين والمصلي بإقامة فقط تصطف خلفه الملائكة صفاً واحداً فتفيد هذه الروايات ان الصلاة بهما لها ميزة صلاة الجماعة.

وعلى ذلك فاذا أتى المكلف بالإقامة فلا أثر لها إلا أن يتعقب بالصلاة لعدم تعلق الأمر النفسي بها ونحن نقول بجواز تأخر الشرط خصوصاً في الشرعيات فلو فرضنا أنه قبل أن يصلي بدا له واراد أن يأتي بالفرد الأفضل من المأمور به وهو الصلاة مع الأذان ثم الإقامة المعتبر فيها الترتيب فلا بد من رفع اليد عن الإقامة السابقة تكويناً إذ لم يكن قد تعلق بها أمر لا نفسي ولا غيري للعدول عن ذلك الفرد.

وأما الترتيب بين أجزاء الأذان والإقامة فهو مجمع عليه بين أصحابنا ولكن العامة اختلفوا في ذلك. ففي المحلى[137]: أربعة أشياء ينازع الناس فيه: الوضوء والأذان والإقامة والطواف بالبيت فقال أبو حنيفة: يجوز التنكيس في جميع ذلك وقال مالك لا يجوز في ما عدا الوضوء وأشهر قوليه فيه التنكيس. و قال الشافعي: لا بد من الترتيب في الجميع.

واستدل على الترتيب عندنا بالإجماع والسيرة والروايات الخاصة الدالة على ذلك.

منها صحيحة زرارة: (من سها في الأذان فقدم أوأخر أعاد على الأول الذي أخره حتى يمضي على آخره). ([138])

ومنها روايته الأخرى المروية في الفقيه وفي الجامع[139]: (وكذلك في الأذان والإقامة فابدأ بالأول فالأول فإن قلت حي على الصلاة قبل الشهادتين تشهدت ثم قلت حي على الصلاة). ولكن الظاهر ان هذا الذيل من الصدوق كما ذكره جماعة وقد رويت الرواية بدون هذا الذيل.

ومنها روايتا عمار وقد مر ذكرهما.

وهذه الروايات تدل على الترتيب حتى في صورة النسيان.

ومنها ما يدل على ذلك في الجملة. فمنها رواية زرارة (تفتح الأذان بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين)[140]. ويدل عليه ما روى في الجامع[141] بعنوان رواية الفضل في العلل وقد مر الكلام فيه وأنه كتاب فتوى لا رواية.

قال المصنف: الرابع الموالاة بين الفصول.

الفصل بين الفصول بحيث يسقط العمل عن صورته النوعية مبطل قطعاً وأما اعتبار الموالاة العرفية فلا دليل عليه وتفصيله سيأتي إن شاء الله.

قال المصنف: السادس: دخول الوقت ـ إلى أن قال ـ: نعم لا يبعد جواز تقديم الأذان قبل الفجر.

اختلف العامة والخاصة فقال ابن رشد: اتفق الجميع على أنه لا يؤذن للصلاة قبل وقتها ما عدا الصبح. فإنهم اختلفوا فيها فذهب مالك والشافعي إلى أنه يجوز أن يؤذن لها قبل الفجر. ومنع ذلك أبو حنيفة. وقال قوم لابد للصبح إذا أذن لها قبل الفجر من أذان بعد الفجر.

وقال ابن حزم: ان أذان الصبح بعد الفجر ولكن يجوز أن يؤذن قبله لجهة اُخرى كالتهيؤ للصوم وهو أذان السحور.

وقد اختلف رواياتهم أيضاً فرووا: ان بلالاً ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم وكان اعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت. أصحبت. وهذا هو المشهور عندهم. وقد رووا عكس ذلك أيضاً من طرق متعددة وهو أن بلالاً كان يؤخر الأذان.

ورووا عن ابن عمر ان بلالاً أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يرجع فينادي: ألا أن العبد قد نام.

فقال من تمسك بالأولى أنها تدل على جواز الأذان قبل الفجر وكفايته. وتمسك المانعون بالثانية.

وقيل: الأول أثبت وقد بينا أن فيه خطأ وهو تقديم بلال الأذان مع أن المقدم هو ابن أم مكتوم كما في رواياتهم من طرق متعددة وفي رواياتنا أيضاً.

وقد رجح الحجازيون الرواية الأولى فحكموا بالجواز والمانعون جمعوا بين الروايتين بأن من قدم الأذان لعله لتيقنه بالوقت وان اشتبه في ذلك وقالوا بأن الأولى لا تدل على الاجتزاء بالأذان الأول وإنما تدل على جواز أذان قبل الفجر وإن كان لجهة اُخرى.

وأما فقهاؤنا فقد اختلفوا أيضاً. وقد نسب إلى المشهور جواز الأذان قبل الفجر. بل ادعى ابن أبي عقيل عليه تواتر الأخبار. ولعل الشيخ تبعه لهذا القول.

وذهب السيد وجماعة إلى عدم الاجتزاء به ومنهم الجعفي وابن الجنيد قدس سرهما. وادعى السيد في الناصريات ان هذا هو مذهبنا.

وذهب بعض المتأخرين إلى جواز أذان قبل الفجر وان لم يجتزأ به للصلاة. وعليه المحقق الهمداني.

واستدل للمشهور بما رواه في الفقيه عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث - قال : (لا تنتظر بأذانك وإقامتك إلا دخول وقت الصلاة وأحدر إقامتك حدراً . قال : وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤذنان أحدهما بلال والآخر ابن أم مكتوم وكان ابن اُم مكتوم أعمى وكان يؤذن قبل الصبح وكان بلال يؤذن بعد الصبح فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ان ابن اُم مكتوم يؤذن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال فغيرت العامة هذا الحديث عن جهته وقالوا : انه صلى الله عليه وآله وسلم قال : ان بلالاً يؤذن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن اُم مكتوم)[142].

والظاهر ان قوله فغيرت العامة... من كلام الصدوق وهذه الرواية لا تدل على الاجتزاء بالأذان قبل الفجر وإنما تشتمل على ان ابن أم مكتوم كان يؤذن بليل.

ومثلها رواية الحلبي وغيره[143].

وغاية ما تدل عليه هذه الروايات جواز أذان آخر بداع آخر قبل الفجر نظراً إلى عدم منع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابن اُم مكتوم عن ذلك.

ومن الروايات صحيحة ابن سنان قال: (سألته عن النداء قبل الطلوع الفجر فقال: لا بأس وأما السنة مع الفجر فإن ذلك لينفع الجيران يعني قبل الفجر)[144].

وهذه تدل على ما ذكرنا وتشرح تلك الروايات بل الرواية الأولى تدل على ذلك أيضاً لاشتمال صدرها على انتظار الوقت.

ومثل هذه الرواية صحيحة اُخرى لابن سنان[145] وأما رواية زيد النرسي عن أبي الحسن موسى عليه السلام (انه سمع الأذان قبل طلوع الفجر فقال: شيطان ثم سمعه عند طلوع الفجر فقال: الاذان حقاً)[146]. فلا اعتماد عليها لعدم الاعتماد على النسخة التي وصلت بيد المحدث النوري مضافاً إلى ما ذكره الصدوق وابن الوليد أن أصله موضوع. وهي تدل على عدم الجواز قبل الفجر. وكذا روايته الاخرى[147].

وكذا الاعتماد على رواية ابن أبي جمهور الاحسائي[148] وان رواهما السيد في الانتصار أيضاً إلا أنه بنحو الاحتجاج على العامة وأصل هاتين الروايتين منهم.

ويمكن أن يستدل على المنع بصدر رواية معاوية بن وهب المتقدمة لدلالة اطلاقها على عدم الجواز قبل دخول الوقت. وبرواية عمران الحلبي قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأذان قبل الفجر فقال: إذا كان في جماعة فلا وإذا كان وحده فلا بأس)[149].

وقد حملت هذه الرواية على أن المراد بالفجر ركعتي الفجر وإلا فلا فرق بين الجماعة والفرادى وهذه التفصيل معرض عنه.

فتحصل ان مذهب المشهور لا دليل عليه وأما مذهب السيد فإن أراد عدم جواز الأذان قبل الفجر مطلقاً فهو مشكل وإن أراد أن السنة لصلاة الفجر مختصة بما بعده فهو صحيح إلا أنه لا مانع من أذان قبل الفجر لينتفع به الجيران لصحيحتي ابن سنان.

ثم إن في مفتاح الكرامة (انه لا حد لهذا التقدم عندنا كما في جامع المقاصد والمدارك). ولكن استفادة الاطلاق من قوله يؤذن بليل مشكل. والظاهر أنه قبيل الفجر بمقدار ينتفع به الجيران كما في صحيحتي ابن سنان.

 

 


[1] جامع جـ2 ص212  حـ 1996  .

[2] الوسائل جـ5  ص434 ب29 من الاذان حـ1 . جامع جـ2  ص236 حـ 2220 .

[3] جامع جـ2  ص236  ب32 من الاذان..

[4] جامع جـ2 ص255  حـ 2363 وحـ 2364.

[5] جامع جـ2 ص210 حـ1964.

[6] نفس المصدر حـ 1965.

[7] نفس المصدر حـ 1966.

[8] نفس المصدر حـ 1967.

[9] حـ 1968.

[10] نفس المصدر حـ 1969.

[11] جامع جـ2  ص215  حـ 2020  .

[12] جامع جـ2  ص210 حـ 1973 .

[13] جامع جـ2  ص210  حـ 1974  .

[14] جامع جـ2  ص210 حـ 1972.

[15] جامع جـ2  ص210  حـ 1976.

[16] جامع جـ2  ص210  حـ 1977  .

[17] جامع جـ2  ص210  حـ 1978.

[18] اقول : فيه علي بن السندي

[19] جامع جـ2  ص211  حـ 1979 .

[20] نفس المصدر ح 1980

[21] المستدرك جـ1  ص409 . البحار ص131

[22] معجم رجال الحديث جـ7  ص227  .

[23] جـ1 ص7.

[24]جامع جـ2  ص236 حـ 2220

[25] جامع جـ2 ص212  حـ 1996 

[26] مرت هذه الروايات في الكلام على الاذان .

[27] جامع جـ2 ص232  حـ 2184

[28] بداية ابن رشد ص8 . الموافقات للشاطبي جـ2 ص204 . مفتاح الكرامة جـ1 ص207 نقلاً عن الشهيد في القواعد . المنتهى للعلامة ص54 . حاشية مفتاح الكرامة نقلاً عن صاحب القوانين حسبما نقله سيدنا الاستاد دام ظله

[29] الوسائل جـ1 ص484 ب52 من الوضوء حـ1

[30] راجع المحلى جـ3  ص198 وراجع ابن رشد ص76 جـ1 .

[31] القرطبي جـ 6 ص226

[32] جامع جـ2 ص219 حـ2054

[33] جامع جـ2 ص219  حـ2059

[34] جامع جـ2 ص219  حـ 2060

[35] نفس المصدر ح 2061

[36] جامع جـ2  ص219 حـ 2062

[37] جامع الاحاديث ذيل الحديث السابق

[38] نفس المصدر ح 2063

[39] نفس المصدر ح 2064

[40] جامع جـ2 ص226 حـ2104

 

[41] جامع جـ2 ص219 حـ2058

[42] تفسير القرطبي ج6 ص 226

[43] جامع جـ2 ص220  حـ 2068 

 

[44] جامع جـ2 ص224 ب18 من الاذان

[45] حديث 9 و10 من الباب 18

[46] حديث 11 و12

[47] حديث 13

[48] جامع ص224   جـ2  حـ 2082

[49] جامع جـ2  ص215 حـ2022

[50] جامع جـ2 ص219  حـ 2060

[51] مفتاح الكرامة ج6 ص 497

[52] جامع جـ2  ص225 حـ2097

[53] جامع جـ2  ص226  حـ2102

[54] جامع جـ2 ص226 حـ2103 

[55] جامع جـ2  ص226 حـ 2104 

[56] جامع جـ2 ص226  حـ 2101 

[57] جامع جـ2 ص225  حـ 2094 

[58] المحلى ص128 مسألة 320

[59] هو ابن راهويه من محدثيهم

[60] البداية ص13

[61] المغني ص437

[62] جامع جـ2 ص212 حـ 1992

[63] جامع  ب4 من الاذان

[64] البقرة : 197

[65] جامع جـ 2 ص212 حـ 1984

[66] ح 1990

[67] جامع جـ2 ص213 حـ 1998

[68] الوسائل جـ13  ص530  ح1 باب 9 من ابواب احرام الحج والوقوف بعرفة 

[69] نفس الباب حـ2 و4

[70] الوسائل ب5 من الوقوف بمشعر حـ2  جـ14 ص2

[71] نفس المصدر باب 6

[72] جامع جـ2 ص70 حـ556

[73] جامع جـ2 ص73  حـ 584

[74] الوسائل جـ8  ص254 حـ3 ب1 من قضاء الصلوات

[75] الوسائل جـ1 ص297 حـ1 ب19 من نواقض الوضوء

[76] المغني ص434

[77] جامع جـ2  ص215 حـ 2016 . الوسائل جـ8  ص371  حـ2 ب8 من قضاء الصلوات

[78] جامع حـ2018

[79] جامع جـ2  ص219 حـ2052

[80] جامع جـ2 ص216 حـ 2053

[81] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص72ح574

[82] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص68ح538

[83] جامع  ج2ص72ح583

[84] أقول : هو محمد بن موسى بن عيسى أبو جعفر السمان الهمداني ضعيف ، قال ابن الوليد كان يضع الحديث قال ابن الغضائري ضعيف يروي عن الضعفاء . جامع الرواة : ج2ص205

[85] أقول : لرواية ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي عنه كما في جامع الرواة

[86] جامع ج2ص72ح582

[87] هو البراوستاني ضعفه النجاشي وابن الغضائري كما في جامع الرواة

[88] جامع ج2ص213ح1998

[89] وسائل الشيعة ج14ص15ب6وقوف المشعر ح3

[90] وسائل الشيعة : ج14ص15ب6 وقوف المشعرح4

[91] وسائل الشيعة : ج14ص15ب6 وقوف المشعرح5

[92] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص72ح576

[93] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص213ح1998

[94] المحلى : ج7ص125

[95] وسائل الشيعة : ج8 ص254 ب1 من قضاء الصلوات ح3

[96] المستمسك : ص562

[97] جامع: ج2ص215 ح2020

[98] جامع: ج2ص215ح2015

[99] جامع: ج6ص531ح5828

[100] جامع: ج7ص187ح6465

[101] وسائل الشيعة : ج24ص262ب11 آداب المائدة ح2

[102] وسائل الشيعة : ج8ص379 ب41 الجماعة ح1 .

[103] وسائل الشيعة : ج8ص380ب 42 الجماعة ح2 ، جامع أحاديث الشيعة : ج6ص537ح5841 .

[104] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص213ح2007و2008 .

[105] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص213ح2010 .

[106] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص215ح2022 .

[107] وسائل الشيعة : ج8ص385ب46 صلاة الجماعة ح3 .

[108] وسائل الشيعة : ج8ص393-394 ب 49 الجماعة ح6 .

[109] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص97ح837 .

[110] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص213ح2006 .

[111] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص213ح2005 .

[112] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص213ح2003 .

[113] جامع أحاديث الشيعة : ح2004 .

[114] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص213ح2002 .

[115] نفس المصدر : ح2000

[116] الحدائق : ج7ص431 .

[117] المحلى : ج4ص236 .

[118] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص213ح2001 .

[119] وسائل الشيعة : ج5ص430ب25 الاذان والإقامة ح3 ، جامع أحاديث الشيعة : ج6ص407 ح 5441 .

[120] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص214ح2014 .

[121] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص235ب30 .

[122] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص212ح1985و1986 .

[123] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص214ح2009 .

[124] جامع أحاديث الشيعة : ج2 ص216ح2032

[125] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص271ح2047 .

[126] وسائل الشيعة :ج1ص314ب8 من الخلوة ح2 .

[127] وسائل الشيعة :ج1ص314ب8 من الخلوة ح3 .

[128] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص73ح584 .

[129] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص213ح1998 .

[130] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص215ح2020 .

[131] الظاهر انه صاحب المدارك والموافق له السيد الخوئي على ما سمعناه في مجلس بحثه الشريف .

[132] الأعراف : 139 .

[133] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص235ح2215 .

[134] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص215ب12 من الأذان .

[135] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص237ح2233 .

[136] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص237ح2234 .

[137] المحلى : ج3ص161 .

[138] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص237ح2232 .

[139] جامع أحاديث الشيعة :ج1ص120 .

[140] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص219 ح2059 .

[141] جامع أحاديث الشيعة : ح2068 .

[142] وسائل الشيعة : ج4ص625 .

[143] المصدر السابق .

[144] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص234ح2196 .

[145] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص234ح2197 .

[146] جامع أحاديث الشيعة : ح2200 .

[147] جامع أحاديث الشيعة : ح2201 .

[148] جامع أحاديث الشيعة : ح2199 .

[149] جامع أحاديث الشيعة : ج2ص231ح2173 .