مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

السورة مدنية على ما سنذكره ان شاء الله تعالى في تفسير آياتها وان اصر القوم على كونها مكية. وموضوعها كفران الانسان لنعم ربه وتحذيره من عواقب ذلك.

وهي منقسمة الى قسمين فالقسم الاول يشتمل على القسم بالخيل وعَدْوها وما يستتبعه من آثار الى إغارتها على العدو والقسم الثاني يتعرض لكفران الانسان وهناك غموض شديد يكتنف القسم الاول والمراد منه ويبدو على ما لاحظناه أن للسلطة الجائرة وجهاز وضع الحديث وتحريف التاريخ دخلا في ذلك.

ونحن نفسر مفردات هذا القسم اولا ثم نتعرض لحل ألغازها بتوفيق من الله تعالى.

وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا...

العاديات جمع عادية وهي من العَدْو اي الركض السريع والاصل فيها التعدي بمعنى التجاوز فتطلق على تجاوز ما هو المتعارف من السرعة في الجري وتستعمل غالبا في جري الخيل فهذا قسم بالخيل التي تعدو سريعا.

وقد ذكرنا سابقا ان ما ورد من القسم في القران انما هو نوع من التعبير الرمزي وليس من القسم واقعا وانما هو بصورة القسم وهذا وارد في كثير من الاشعار ايضا وانما يقصد به الاشارة الى حقائق مناسبة للمقسم عليه وفيها نوع من الإعداد وتهيئة الاجواء لتقبله.

ولذلك قد لا تكون المناسبة بين القسم والمقسم عليه واضحة لنا وربما تتوقف معرفة المناسبة على معرفة أجواء النزول.

والضبح على ما في كتب اللغة فيه احتمالان فالاكثر فسروه بشدة انفاس الخيل حين العدو السريع.

وحكي عن بعضهم انه ابدال من الضبع وهو ان تمد الخيل يديها حين العدو.

وعلى الاول فالضبح بمعنى اسم الفاعل اي ضابحات وهي حال من العاديات وعلى الثاني تمييز لكيفية العدو.

ومهما كان فمما لا شك فيه ان المقسم به هنا الخيل حال عدوها وهو واضح من التعابير. الا أن القوم نقلوا عن بعض الصحابة والتابعين ان المراد بها الابل في الحج والاغرب انهم رووا ذلك عن امير المؤمنين عليه السلام وذلك في عدة روايات موضوعة كما سنوضحه ان شاء الله.

فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا...

الفاء عاطفة وتفيد ترتب هذه الصفة على الاولى فاذا عدا الخيل فاصابت حوافرها الصخور فانها تتسبب في ايراء الشرارة اي ايقادها.

والقدح مصدر بمعنى استعمال الزند ونحوه لاخراج النار فهو مفعول مطلق لانه بمعنى الايراء. وهذا لا يكون الا ليلا فهذا الوصف للاشارة الى ان تحرك الجيش نحو العدو كان ليلا.

وهذا من اعجاز البيان فان الله تعالى يشير الى قصة كاملة بصورة القسم بمجموعة اوصاف.

فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا...

ويترتب على هذا العدو الاغارة على العدو في الصباح. والإغارة مباغتة العدو.

و(صبحا) ظرف زمان ولعلهم كانوا يغيرون صباحا لانهم يسيرون اليهم ليلا فيصلون صباحا او انهم كانوا يختارون هذا الوقت لان العدو قد ارهقه السهر خوفا من المباغتة.

والغرض من سرد القصة الاشارة الى ان جيش المسلمين أغاروا على العدو صباحا.

والذي يقول بان المراد بها الابل فانه يقول ان المراد وصولها الى منى صبيحة يوم العيد الا ان التعبير عنه بالاغارة غير مناسب وان وردت الكلمة بمعنى الاسراع.

فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا...

عطف على الفعل المعلوم من الجملة الاسمية فان قوله (فالمغيرات) بمنزلة ان تقول فالخيل التي اغارت على العدو.

والاثارة: تهييج الغبار. والنقع: الغبار. وضمير الفاعل يعود الى الخيل. والضمير في (به) يعود الى العَدْو والباء للسببية. اي فهيّجت الخيل الغبار بسبب عدوها.

وقيل يعود الضمير في (به) الى ما يعلم من سياق الكلام اي مكان الاغارة والباء بمعنى (في) اي هيّجت الخيل الغبار في ذلك المكان.

والغرض بيان سرعة هجوم الخيل والفرسان وما يتعقبه من الفوضى والذعر والفرار او التسليم في العدو.

فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا...

وسط اي صار في وسط الشيء. والباء في (به) للسببية اي بسبب العَدْو و(جمعا) مفعول (وسطن) اي صرن بذلك وسط الجمع فجأة وهو تصوير عجيب في المباغتة مع قلة الالفاظ المستخدمة في التعبير.

ورووا عن بعضهم ان المراد بالنقع بناءا على التفسير بالابل موضع بين المزدلفة ومنى وان المراد بالجمع المزدلفة.

وضعف هذا الاحتمال واضح.

ويبدو بوضوح من هذا التعبير المعجز انه بصدد توضيح قضية خاصة وليس قسما بالخيل بوجه عام ولا بالخيل التي كانت تستخدم في غارات العرب للقتل والسلب والنهب وحاش لله تعالى ان يقسم بها بل يقسم بالخيل التي استخدمها جمع من المجاهدين في سبيل الله تعالى وابدوا في هجومهم شجاعة وحكمة ودهاءا في الحرب وتمكنوا من اعداء الله تعالى ولكن ما هي هذه الواقعة؟

قال في مجمع البيان (نزلت السورة لما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام إلى ذات السلاسل فأوقع بهم وذلك بعد أن بعث عليهم مرارا غيره من الصحابة فرجع كل منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل. قال وسميت هذه الغزوة ذات السلاسل لأنه أسر منهم وقتل وسبى وشد أسراهم في الحبال مكتّفين كأنهم في السلاسل ولما نزلت السورة خرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى الناس فصلى بهم الغداة وقرأ فيها والعاديات فلما فرغ من صلاته قال أصحابه هذه سورة لم نعرفها فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نعم إن عليا ظفر بأعداء الله وبشرني بذلك جبرئيل في هذه الليلة. فقدم علي عليه السلام بعد أيام بالغنائم والأسارى).

وهذا مجمل الحادثة وقد رويت بصور عديدة في تفسير القمي وارشاد المفيد وامالي الشيخ ومناقب ابن شهراشوب وغيرها من كتب اصحابنا رضوان الله عليهم ومما يوجب الوثوق باصل القصة اجمالا من دون التفاصيل عدة امور:

1- إصرار القوم على كون السورة مكية مع انهم متفقون تقريبا على ان المراد بهذه الاوصاف خيل المجاهدين. ولا شك ان المناسب لنزول آيات الجهاد أجواء المدينة وليس في السورة ما يستوجب هذا الاصرار الا هذا السر الغامض الذي يتحاشون من الاعتراف به فهو نظير القول بان سورة الانسان مكية لئلا تنطبق الآيات على اهل البيت عليهم السلام.

2- ما رووه واصروا على نقله والاعتماد عليه من ان امير المؤمنين عليه السلام فسر العاديات بالابل وهي عدة روايات رواها السيوطي في الدر المنثور قال:

(أخرج عبد بن حميد عن أبي صالح قال تقاولت أنا وعكرمة في شأن الْعادِياتِ فقال قال ابن عباس هي الخيل في القتال ــ الى ان قال ــ قال أبو صالح فقلت قال علي هي الإبل في الحج ومولاي كان أعلم من مولاك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم و ابن الأنباري في المصاحف و الحاكم و صححه و ابن مردويه عن ابن عباس قال بينما أنا في الحجر جالس إذ أتاني رجل فسأل عن الْعادِياتِ ضَبْحاً فقلت الخيل حين تغير في سبيل الله ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم و يورون نارهم فانفتل عني فذهب عني إلى علي بن أبي طالب وهو جالس تحت سقاية زمزم فسأله عن الْعادِياتِ ضَبْحاً فقال سألت عنها أحدا قبلي قال نعم سألت عنها ابن عباس فقال هي الخيل حين تغير في سبيل الله فقال اذهب فادعه لي فلما وقفت على رأسه قال تفتي الناس بما لا علم لك والله ان أول غزوة في الإسلام لبدر وما كان معنا الا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود فكيف يكون الْعادِياتِ ضَبْحاً انما الْعادِياتِ ضَبْحاً من عرفة إلى المزدلفة فإذا أدوا إلى المزدلفة أوروا إلى النيران فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً من المزدلفة إلى منى فذلك جمع وأما قوله فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فهو نقع الأرض حين تطؤه بخفافها وحوافرها قال ابن عباس فنزعت عن قولي ورجعت إلى الذي قال علي.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الأعمش عن ابراهيم عن عبدالله وَالْعادِياتِ ضَبْحاً قال الإبل قال ابراهيم وقال علي بن أبي طالب هي الإبل وقال ابن عباس هي الخيل فبلغ عليا قول ابن عباس فقال ما كانت لنا خيل يوم بدر قال ابن عباس انما كان ذلك في سرية بعثت

و أخرج عبد بن حميد عن عامر قال تمارى علي وابن عباس في الْعادِياتِ ضَبْحاً فقال ابن عباس هي الخيل وقال علي كذبت يابن فلانة والله ما كان معنا يوم بدر فارس الا المقداد و كان على فرس أبلق قال وكان علي يقول هي الإبل فقال ابن عباس ألا ترى انها تثير نقعا فما شيء تثيره الا بحوافرها)

والذي يوجب القطع بوضع هذه الاحاديث هو الاصرار على اسناد ذلك الى امير المؤمنين عليه السلام مع انه خلاف الواقع بوضوح وهو عليه السلام اجل شانا من ان يقول ذلك ويصر عليه ويتهجم على ابن عباس بهذه الطريقة غير اللائقة مع انه ليس امرا مهما حتى لو فرض صحته فما هو الضرر من الحمل على الخيل وخصوصا بملاحظة ما ورد في بعضها من مجادلة ابن عباس له عليه السلام وهو مستبعد جدا فهو كان تلميذا للامام وياخذ منه علمه ويعتز به وأغرب شيء في القصة الاستدلال المنسوب اليه عليه السلام وهو أنا لم يكن لدينا خيل في بدر!! ولم يقل احد ان الآية نزلت بشأن كل الغزوات فلا وجه لهذا القول.

فالذي يبدو ان الهدف من الاسناد اليه عليه السلام هو تكذيب هذه الواقعة عن طريق امير المؤمنين عليه السلام فكأنه هو بنفسه ينكرها بهذا السبب.

3- ما رووه من الروايات بشأن نزول السورة قال ابن عاشور (ذكر الواحدي في «أسباب النزول» عن مقاتل و عن غيره أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعث خيلا سرية إلى بني كنانة و أمّر عليها المنذر بن عمرو الأنصاري فأسهبت أي أمعنت في سهب وهي الأرض الواسعة شهرا وتأخر خبرهم فأرجف المنافقون وقالوا: قتلوا جميعا، فأخبر اللّه عنهم بقوله: وَالْعادِياتِ ضَبْحا) وبمعناها روايات اخر.

4- التلاعب باسم غزوة ذات السلاسل فرووا فيها قصصا ليس منها هذه الغزوة التي ورد فيها ذكر امير المؤمنين عليه السلام ففي البخاري (غزوة ذات السلاسل وهي غزوة لَخْم وجُذام ــ الى ان قال ــ ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل قال فاتيته فقلت اي الناس احبّ اليك قال عائشة فقلت من الرجال قال ابوها فقلت ثم من قال عمر فعدّ رجالا فسكَتُّ مخافة ان يجعلني في آخرهم)[1]

وهذا الحديث انما صنع تلافيا لحديث اخر في نفس القصة يسيء الى ابي بكر وعمر وقد روي بوجوه مختلفة وذلك لان الرسول صلى الله عليه واله وسلم أمّره على هذا الجيش وفيهم ابوبكر وعمر وابوعبيدة وهناك من الحديث الذي دار بينهم وبين عمرو ما لا يتحمله القوم.

ولم يرد في ما روي حول هذه الغزوة او السرية اي تفاصيل عن الحرب وعن الغنائم وانما ورد ما يدور حول الحرب قبلها وبعدها من حديث في مدح بعض رموز القوم او قصة صلاة عمرو بهم جنبا او ما روى الراوي من انه كان في مسجد الرسول صلى الله عليه واله وسلم وهو يخطب فرأى رايات سود تخفق ودخل معها جماعة فقالوا عمرو بن العاص رجع من غزوة ذات السلاسل!!!

كل ذلك يحكي عن مؤامرة تاريخية وهي ان الغرض امر واحد وهو ربط هذا الاسم بعمرو.

وورد في التاريخ من فتوحات خالد بن الوليد في خلافة ابي بكر غزوه مع الفرس في الكاظمة وهي منطقة معروفة في الكويت حاليا وانه ظفر بهم وقتلهم وكانوا مكبّلين في السلاسل لئلا يفروا!!!

وبذلك سميت الغزوة ذات السلاسل ولكن الطبري بعد ان روى الخبر قال (وهذه القصة في امر الابلة وفتحها خلاف ما يعرفه اهل السير وخلاف ما جاءت به الاثار الصحاح وانما كان فتح الاُبُلّة ايام عمر).[2]

وقد اشتهرت هذه الغزوة بهذه الرواية المكذوبة التي يخالفها اصحاب السير ومنهم ابن اسحاق وابن هشام واصبحت من مفاخر القوم!!!

ومهما كان فالذي يعنينا في هذا البحث هو تلاعب الوضّاع واتباع السلطة الاموية بهذه الكلمة لاخفاء الحق.

إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ...

هذه الجملة هي المقسم عليها وقد مر انه لا حاجة الى تناسب مشهود حاليا فلعله كان بينهما تناسب وقت النزول بل يكفي ان يكون القصد من القسم الاخبار بالواقعة كما ورد في الروايات.

وقيل ان المناسبة هي أن المراد بالانسان الكافر وهم القوم المغار عليهم. قال العلامة (و فيه تعريض للقوم المغار عليهم، و كأنّ المراد بكفرانهم كفرانهم بنعمة الإسلام التي أنعم الله بها عليهم وهي أعظم نعمة أوتوها فيها طيب حياتهم الدنيا وسعادة حياتهم الأبدية الأخرى).

ويمكن ان يكون المراد التعريض بالمسلمين حيث استبطأوا رجوع المجاهدين مهما كانت القصة فالله تعالى يستقبح منهم ذلك ولعل بعضهم تكلم بما لا يليق ويلاحظ ان الآيات ليس فيها تهديد بالعقاب.

والكنود: الكفور للنعمة. وهي من صيغ المبالغة اي كثير الانكار لنعمة ربه.

والمراد بالانسان جنسه فهذا طبيعة البشر ينكر نعم الله تعالى لمجرد ان يرى ما يكرهه ولعل الذي يكرهه خير له كما قال تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).[3]

او لمجرد عدم استجابة دعائه ونحن نقرأ في الدعاء (ولعل الذي ابطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الامور) ولانه لا يرى نفسه مستحقا للبلاء فما يرد عليه منه يراه ظلما بحقه والله تعالى يقول (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ).[4]

والتعبير بالرب لاشعار الانسان بان ما تلقاه من نعمة ونقمة انما هو لتربيتك والله تعالى لا يظلم احدا ولا يحتاج الى ظلم احد ولا ينقصه شيء فيمنعك من نعمه وهو الجواد الكريم.

وقال بعضهم ان المراد بالانسان الكافر لان المؤمن لا يكفر بربه.

والمفروض ان المراد الكفر بالنعم لا بالخالق وهذا موجود في الجميع الا من عصم الله تعالى ولو كان المؤمنون باجمعهم يشكرون الله على كل نعمه لاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم. ولعل اكثرنا لا ينطق بما يدل على كفران النعم بل يشكر الله باللفظ دائما ولكنه في قرارة نفسه غير راض بما وقع فيه وما حدث له وقلّ من تجده راضيا من ربه.

وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ...

ظاهر الآية ان الضمير يعود الى الانسان وان اسم الاشارة يعود الى كونه كنودا و(على ذلك) متعلق بالشهادة والمراد بها الاعتراف.

والمعنى أن الانسان معترف في نفسه بكفرانه لنعم الله. وذلك مما نشاهده من انفسنا عندما نحاسبها فيكون المقصود الاستشهاد على الانسان بما في ضميره والانسان على نفسه بصيرة. بل كثيرا ما يعلن الانسان كفرانه لنعمه تعالى.

وقيل ان المراد بقوله (على ذلك) اي مع كفرانه فالمعنى انه مع انه كفور بنعم الله تعالى ولكنه يشهد بنعمه ايضا.

وقيل ان الضمير يعود الى الله تعالى اي انه تعالى يشهد بكفران الانسان. وقيل المراد انه يشهد بذلك يوم القيامة.  

وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ...

قيل: ان المراد بالخير المال كما قال تعالى (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ)[5] وان اللام في قوله (لحب الخير) للتعليل وان الشديد بمعنى البخيل فهذا اشارة الى صفة طبيعية في الانسان ايضا وهو بخله وشحه بسبب حبه للمال.

وهذا المعنى صحيح في نفسه ولكنه بعيد عن اللفظ.

وقال العلامة قدس سره (ولا يبعد أن يكون المراد بالخير مطلقه ويكون المراد أن حب الخير فطري للإنسان ثم إنه يرى عرض الدنيا وزينتها خيرا فتنجذب إليه نفسه وينسيه ذلك ربه أن يشكره).

ويمكن ان يكون المراد الاشارة الى حب الذات وهي غريزة فطرية شديدة في الانسان كما قال تعالى فالمعنى انه شديد الحب لجلب مطلق الخير الى نفسه ولهذا السبب يكفر بنعم الله تعالى لأنه لا يتحمل فقدان اقل شيء مما يحبه فاذا فقد شيئا كفر بنعمة الله تعالى.

أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ* وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ...

تحذير للانسان مما قد يلاقيه يوم القيامة نتيجة كفرانه فالاستفهام انكاري توبيخي ومفعول يعلم محذوف يدل عليه السياق اي افلا يعلم الانسان ما سيحدث له يوم تبعثر القبور؟! والانسان كثيرا ما يعلم ذلك او يحتمل الا انه يتجاهل ترجيحا لزينة الدنيا.

وبعثر الشيء فرقه وقلبه وهذا كناية عن احياء الموتى.

وتحصيل ما في الصدور كناية عن ظهور اسرار الانسان الكامنة قال تعالى (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ).[6]

إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ... وهذا تهديد للانسان بان الذي يحاسبه خبير بكل ما فعله في السر والجهر وبكل نواياه وخبايا نفسه.

وهو خبير بهم وبكل شيء دائما وانما قيد بذلك اليوم لان القصد منه التهديد بما يقع ذلك اليوم وبما يترتب على كونه خبيرا بهم من الحساب والعقاب.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد واله الطاهرين  

 


[1] البخاري ج5 ص102

[2] تاريخ الطبري ج2 ص556

[3] البقرة: 216

[4] الشورى: 30

[5] البقرة : 180

[6] الطارق : 9