مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى... الضمير في (يروا) يعود الى كفار مكة والسياق يعود الى ما ابتدأ به السورة من خطاب المشركين المنكرين للمعاد بدعوى عدم امكان الاحياء بعد الموت والمراد بالرؤية العلم اذ ليس هذا الامر من المبصرات بل يدرك بالتأمل والمقايسة الا ان المعلوم ان كان واضحا جدا يعبر عن العلم به بالرؤية كأنه من شدة وضوحه محسوس ومبصر. والامر هنا كذلك فان القادر على ايجاد الاشياء من العدم وابداعها من غير مثال يحتذى قادر على اعادة الحياة الى الاموات بطريق اولى. والسماوات والارض كما قلنا مرارا تعبير عن الكون كله ولا شك في انه اُوجد بعد ان لم يكن موجودا. والله تعالى خلق الكون من دون ان يؤثر فيه ذلك شيئا فهو لا يعجز ولا يتعب ولا يتحير وبكل ذلك فسر العيّ.

بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ... (بلى) يؤتى بها جوابا للنفي وتفيد نفي النفي كقوله تعالى (الست بربكم قالوا بلى) اي انت ربنا والنفي هنا وان ورد على الرؤية ولكن المعنى (اليس الله بقادر..) ولذا اتي بالباء على الخبر والباء زائدة يؤتى بها للتاكيد على خبر النفي نحو (وما هو بميت). والنتيجة التي تحصل من ملاحظة خلق الكون من دون اي تأثر هو عموم القدرة على كل شيء والمراد بالشيء هنا كل ما يمكن ان يوجد في حد ذاته. والاعتراف بوجود الله تعالى ملازم للاعتراف بعموم القدرة لان قولنا هذا الشيء يمكن ان يوجد مساوق للقول بان الله تعالى قادر على ايجاده اذ لا وجود الا منه فامكان وجوده مساو لقدرة الله عليه.

وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ... اي واذكر يوم يعرض.. وقد مر الكلام في معنى العرض في تفسير الآية 20 من نفس السورة وان المراد اراءة النار لهم لا الدخول فيها والاتيان بالجملة التالية (أليس هذا بالحق) من دون ان يذكر قبلها (قيل) مثلا لبيان أن العرض كان لذلك فلا بد من تقدير القول.

والاستفهام هنا للتقرير واخذ الاقرار منهم بعد أن كانوا ينكرونها ويصرون على الانكار مستكبرين وفي هذا تحقير وتهكم وتعذيب وقد مر ان المراد بالتعذيب ظهور الحقائق جلية مما يتعذب منها الانسان بالطبع ومنها ظهور العذاب ومصدره اي جهنم فهم يتعذبون من نفس ظهور الحقيقة التي انكروها والغرض من بيان ذلك منع الانسان من التسرع الى انكار ما لا يمكنه دركه فانه يتعذب بظهوره يوم القيامة او قبلها كمن ينكر ظهور الامام المهدي سلام الله عليه لا لشيء الا لانه يستحيل عنده بقاء الانسان حيا طيلة هذه المدة او انه يستغرب وجود انسان لا يعلم بمكانه او بشخصيته احد او انه يرى ان ذلك ينافي الحكمة!!! وكل هذا من جهل الانسان بمقام ربه وهذا الانكار ليس الا كانكار يوم القيامة لاستبعاد إحياء كل هذا البشر الذي مرت على موتهم وفنائهم القرون.

قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا... لماذا الحلف وهو واضح بالعيان؟ قيل كأنهم يحلفون طمعا في النجاة وهو بعيد ويمكن ان لا يكون هناك استفهام ولا جواب ولكن العرض بنفسه يقتضي السؤال والجواب وكذلك يقتضي الحلف فانه في الواقع يشتمل على امرين التأكيد على الامر الواقع وأنهم قد أدركوه ولا يسعهم انكاره والثاني الاقرار بالربوبية وكل هذا يظهر منهم بوضوح حتى لو لم ينطقوا به فليس كل ما يعبر عنه بالقول يوم القيامة نطق وقول كما هو المعهود بل هو بروز الحق من الشيء كأنه يقوله بل هو ابرز وأقوى دلالة من القول ومنه ما ينسب من القول الى جهنم والى الاصنام مثلا ومن ذلك ايضا ما ينسب من القول الى الكفار فهم يعترفون بكل وجودهم لا باللسان فحسب بان الله تعالى ربهم وهم يجدون ويشعرون بكل وجودهم ايضا ان ما حصل لهم ليس الا مقتضى ربوبية ربهم وأن ما يعذبون به هو النتيجة الطبيعية لعملهم.

قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ... الضمير في (قال) يعود الى الربّ جلّ وعلا. وهذا ايضا من قبيل ما سبق ذكره فان هذه الجملة قد لا تكون خطابا في الحقيقة من الله تعالى في ذلك اليوم وانما هي كناية عن بروز هذه الحقيقة اي تذوقهم للعذاب بسبب كفرهم فان ظهور الحقائق لمن كان يكفر بها موجب لتذوق العذاب وهو امر طبيعي ونحن لا نشعر في هذه الحياة مدى تأثير هذه الامور في تعذيب الانسان وانما يتبين هذا في ذلك اليوم الذي تظهر فيه الحقائق بصورتها الواقعية.

فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ... اي حيث ان الحقائق ستظهر في ذلك اليوم فاصبر على كفرهم وعنادهم وتكذيبهم كما صبر الرسل من قبلك. وفي هذه الجملة تسلية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتطمين لخاطره الشريف وفي نفس الوقت تأكيد على ان الدعوة الى الله تعالى طريق شائك لا بد فيه من الصبر والمقاومة وقد أدّب الله تعالى رسوله وملأ قلبه صبرا وقوة فكان يصبر على ايذاء الجهال والفساق من قومه صبرا عظيما حتى بلغ غايته وتمكن من نشر دعوته بالرغم من قساوة أعدائه وشقائهم.

والسؤال هنا: من هم اولوا العزم من الرسل؟ وما هو المراد بالعزم؟

قيل: هم اصحاب الشرائع نوح وابراهيم وموسى وعيسى ونبينا سلام الله عليهم وقد ورد التصريح به في عدة من الروايات وعلى ذلك يكون المراد بالعزم الشريعة باعتبار شمولها على ما يجب العمل به قطعا والعزم في اللغة القطع ويقابل العزيمة الرخصة. وقد ورد ذكر هذه المجموعة من الرسل بما يلوح منه انهم هم اصحاب الشرائع في سورة الشورى قال تعالى (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ..)[1] وورد ذكرهم بالخصوص بعد ذكر النبيين عامة في سورة الاحزاب (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا).[2]

هذا ولكن لم يرد في القرآن توصيفهم باولي العزم وأما الروايات التي أشرنا اليها فلا يصح شيء منها سندا والانسب بالمعنى اللغوي للعزم وهو القطع ان يكون المراد بالعزم في الآية الكريمة العزيمة والجد وقد ورد العزم بعد ذكر الصبر في قوله تعالى (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[3] ومثلها قوله تعالى (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[4] (17) وقوله (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[5] وهنا ايضا ورد بعد الامر بالصبر مما يدل بوضوح على ان المراد بالعزم ما يناسب الصبر فلا يختص باصحاب الشرائع من الرسل بل كل من كان منهم صابرا على ما اوذي في سبيل الله تعالى ولذلك قال بعضهم ان (من) بيانية وليست تبعيضية وذكر المفسرون في تحديد اولي العزم وجوها من دون مستند.

ومع ذلك فلا مانع من توصيف من ذكر من الرسل باولي العزم بمعنى اصحاب الشرائع لما ذكرناه انما الكلام في حمل الآية على هذا المعنى والانسب بالامر بالصبر هو ان يكون المراد بالعزم الجد وتحمل المشاكل وهذا الامر مشهود في سيرة كثير من الرسل بل كلهم ولا يختص باصحاب الشرائع بل لعله ظهر من بعض الرسل من غيرهم اكثر مما ظهر من بعض اصحاب الشرائع.

وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ... خطاب للرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم مترتب على الامر بالصبر والعزم اي لا تستعجل لمجازاتهم فان يوم القيامة ليس بعيدا كما يتوهمون وقد قال الله تعالى (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا)[6] والآية تصوّر حالة الانسان يوم القيامة ــ وهو اليوم الذي يرون فيه ما يوعدون اي نتائج أعمالهم في الدنيا ــ فهم في ذلك اليوم يشعرون أنهم لم يلبثوا الا ساعة من نهار. والساعة تطلق على اي جزء من الزمان قليل او كثير. وتقييد الساعة بكونها من نهار لعله للتنبيه على كونهم ايقاظا منتبهين لما يدور حولهم فليس عدم احساسهم بطول الزمان ناشئا من نومهم طيلة هذه المدة كما حصل لاصحاب الكهف. ومثلها قوله تعالى (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ..).[7]

والكلام هنا في أنه ما هو المراد من اللبث هل المراد بقاء الانسان في الحياة الدنيا أم بقاؤه في عالم البرزخ بعد الموت الى قيام الساعة؟

يمكن ان يقال بالاول باعتبار أن الذي يلاحظ الابدية عند قيامه يوم القيامة لا يعتبر امد الحياة الدنيا بأسرها زمانا طويلا مهما طالت المدة او باعتبار أن كل انسان يلاحظ مدة بقائه شخصيا وهو زمان قصير جدا ولا يلاحظ معه زمان بقائه في البرزخ لان قيامة كل انسان تتحقق بموته.

ولكن الظاهر أن المراد بالآية تقليل الفاصلة بين الدنيا والآخرة اي عالم البرزخ لا اعتبار زمان الدنيا قليلا بالنسبة الى الآخرة فان الانسان يتوهم ان الامد بعيد الى يوم القيامة حيث مرت القرون على القرون السابقة ولم تقم القيامة وسيمر علينا ايضا قرون وغريب أمر هذا الانسان الظلوم الجهول أن طول الأمد يغريه ويغويه مع انه لو عقل الأمر لم يكن يهتم به فاذا كان المفروض ان الحساب واقع لا محالة وأن الانسان باق الى الابد فلا فرق بين كونه بعيدا وقريبا ولكن هكذا يمنّي الانسان نفسه والله تعالى يبين له في هذه الآية وغيرها أن الأمد ليس بعيدا وأن هذه القرون تعبر على الانسان من دون أن يشعر بها فاذا قامت القيامة ورأى ما وعده ربه يجد أنه لم يمكث طويلا بعد موته.

وهذا المعنى ورد في آيات اخرى ايضا منها آية سورة يونس التي مرت آنفا ومنها قوله تعالى (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا)[8] وقوله تعالى (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا)[9]  وقوله تعالى (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[10]  وقوله تعالى (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[11] و قوله تعالى (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)[12] ومر الكلام حولها في تفسير سورة الروم وحاصل ما ذكرنا ان الآيات على الظاهر تشير كلها الى حقيقة واحدة وهي ان الانسان يتوهم في هذه الحياة أن القيامة بعيدة وأن الآلاف من السنين بل لعل الملايين منها تمر علينا قبل ان تقوم القيامة ولكنه يصطدم يوم الحشر بأمر غريب وهو أنه يجد ويشعر أنه لم يمض عليه الا زمان قصير عبر عنه في القرآن في موضع بانه يوم وفي موضع انه عشية او ضحاها وفي موضع انه ساعة من النهار.

ويبدو من بعض الآيات أن ذلك مجرد توهم وليس على وجه الحقيقة كما هو ظاهر الظن في قوله تعالى وتظنون ان لبثتم الا قليلا وايضا آية سورة الروم فان المعنى على الظاهر ان اهل العلم والايمان وهم الانبياء والأئمة المعصومون عليهم السلام ينبهون الناس أنهم بقوا في تقدير الله تعالى ماشاء الله الى يوم البعث ولا يعلم أمده الا هو والناس على ما ورد في الآيات والروايات مختلفون فبعضهم عند ربهم يرزقون وبعضهم يعرضون على النار بكرة وعشيا واكثر الناس يمر عليهم الزمان وهم في غفلة ولذلك يظنون انهم ما لبثوا غير ساعة او يوما او عشرا وبذلك يتبين وجه التشبيه في قوله تعالى (كأنهم) وأن ذلك بلحاظ توهمهم وليس امرا واقعيا ومهما كان فالزمان يمر عليهم وهم لا يشعرون. وقد ورد في الكافي عدة احاديث متقاربة المعنى وبعضها معتبرة سندا منها رواية ابي بكر الحضرمي قال قال أبو عبد الله عليه السلام (لَا يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ إِلَّا مَنْ مَحَضَ الْإِيمَانَ مَحْضاً أَوْ مَحَضَ الْكُفْرَ مَحْضاً والآخَرُونَ يُلْهَى عَنْهُمْ).[13]

والمفسرون غالبا يفرّقون بين الآيات فيفسرون بعضها على ان المراد مقدار الحياة في الارض وبعضها على ان المراد عالم البرزخ او مجموع المرحلتين ولكن حمل الآيات على الحياة الارضية لا يصح لانهم يعلمون مقدار الحياة الدنيا الا اذا كان المراد انهم يقارنون بين زماني الحياتين الدنيا والآخرة ويجدون أن الحياة الدنيا كأنها ساعة بالنسبة الى الحياة الابدية هناك. ولكن هذا المعنى لا يناسب ما يظهر من الآيات من أنهم يظنون ذلك ويشعرون به وكذلك ما يظهر منها من أن هذا التقدير يبرزونه بمجرد الحشر والحضور في تلك النشأة مع أن المقارنة لا تتم الا بعد الشعور بالابدية وطول المدة.

مضافا الى انه لم يظهر للتنبيه عليه هنا وجه واما ما ذكرناه فان وجهه كما ذكرنا تسلية الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم بعدم استعجال العذاب لهم فان العقاب الاخروي ليس بعيدا عنهم كما يظنون فانهم لا يشعرون بمرور القرون بل يرونها يوما واحدا. واما ان حياتهم في الدنيا مهما طالت فانها قصيرة بالقياس الى الابدية فانه لا يناسب عدم الاستعجال.

بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ... (بلاغ) خبر لمبتدأ محذوف اي هذا بلاغ وهو اما مصدر من بلغ يبلغ بلوغا وبلاغا ومعناه الكفاية والمعنى انه اي القرآن او هذا البيان غاية في الوعظ فلا يمكن الوعظ بابلغ منه فهو كاف لمن كان له قلب واع واطلق المصدر للمبالغة وإما اسم مصدر من الابلاغ والتبليغ فالمعنى انه ابلاغ وتبليغ للجميع. والاستفهام بعده للانكار اي لا يهلك الا القوم الفاسقون.

والهلاك في الاصل ــ على ما يبدو ــ بمعنى السقوط كما في معجم المقاييس فيطلق على الموت كقوله تعالى (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ..)[14] ويطلق على الزوال والانعدام ايضا كقوله تعالى (هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ)[15] ويطلق على سوء العاقبة في الدنيا او في الآخرة او فيهما معا كقوله تعالى (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)[16] والاهلاك هنا بهذا المعنى وفاعله هو الله تعالى. والفسق من مصطلحات القرآن ولم يرد في كلام العرب وصفا للانسان وانما قالوا فسقت الرطبة اذا خرجت عن قشرتها ولعل المصطلح القرآني ناظر الى خروج الفاسق عن طاعة ربه فلا يختص بالكافر والمشرك كما قيل.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين.        

 


[1] الشورى: 13

[2] الاحزاب: 7

[3] آل عمران: 186

[4] لقمان: 17

[5] الشورى: 43

[6] المعارج: 6- 7

[7] يونس: 45

[8] الاسراء: 52

[9] طه: 102- 104

[10] المؤمنون: 112- 114

[11] اروم: 55- 56

[12] النازعات: 46

[13]  الكافي ج3 ص235

[14] النساء: 176

[15] الحاقة: 29

[16] الانعام: 26