مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

سورة العلق مكية بلا شك وبلا خلاف كما هو واضح من سياق آياتها المناسبة لاجواء مكة والمعروف انها اول ما نزل من القرآن او خصوص الآيات الخمس الاولى.

ونسب الى جابر بن عبدالله الانصاري رضوان الله عليه القول بانها نزلت بعد سورة المدثر وقد مر بعض الكلام حول ذلك في تفسيرها.

قال في مجمع البيان (وأكثر المفسرين على أن هذه السورة أول ما نزل من القرآن وأول يوم نزل جبرائيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو قائم على حراء علمه خمس آيات من أول هذه السورة وقيل أول ما نزل من القرآن قوله «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ» وقد مر ذكره وقيل أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فاتحة الكتاب).

ولكن في الكشاف خلاف ذلك حيث قال (عن ابن عباس ومجاهد هي أول سورة نزلت وأكثر المفسرين على أن الفاتحة أول ما نزل ثم سورة القلم). وهذا امر غريب.

وهناك روايات متعددة في كتب القوم وما يعدونه صحاحا في ان هذه السورة اول ما نزل ومن طرقنا ايضا وردت بعض الروايات.

فقد روى الكليني قدس سره باسناده عن ابي عبد الله عليه السلام قال (اول ما نزل على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم سورة بسم الله الرحمن الرحيم اقرأ باسم ربك واخره سورة اذا جاء نصر الله)[1]

ورواه الصدوق قدس سره ايضا بسنده عن الامام الرضا يرويه عن ابيه عن جده ابي عبدالله عليهم السلام.[2]

وظاهر الرواية ان السورة باجمعها نزلت اول ما نزل ولكن المعروف لدى العامة ان الخمسة الاولى نزلت اول ما نزل وان ما بعدها نزلت بفاصل. ولكن العلامة الطباطبائي قدس سره قال ان سياق آياتها لا يأبى عن النزول دفعة.

الا ان الرواية ضعيفة في الطريقين مضافا الى انها تشتمل على ان سورة النصر اخر سورة وهو غير صحيح قطعا لانها تشتمل على بشارة بنصر وفتح في المستقبل ولذلك قيل انها نزلت قبل فتح مكة.

واضطر بعضهم ان يأول الرواية بان المراد نزول سورة تامة لا الايات المتفرقة وهو بعيد من لفظ الحديث لانه يقول اول ما نزل كذا وآخره كذا.

وأما روايات العامة فمضافا الى اننا لا نقبل اسنادها تشتمل على ما لا يمكن تصديقه من اتهام الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم بالجهل بكونه رسولا وبمحاولة الانتحار وغيرهما مما يثير الدهشة من الداعي لوضع هذه الاحاديث ونحن ننقل هنا حديثا واحدا عن البخاري ومسلم ونترك غيرهما فهذان الكتابان هما الصحيحان عند القوم.

(عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ قَالَ مَا أَنَا بِقَارِئٍ قَالَ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي فَقَالَتْ خَدِيجَةُ كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ قَالَ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ).[3]

وروى مثله مسلم باختلاف يسير.[4]

والكذب والوضع واضحان على الحديث اولا من جهة امتناع الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم من القراءة واظهار العجز حينما طلب منه الملك فان المراد بالقراءة على ما يبدو هو تلاوة ما يتلى عليه من الوحي والرسول صلى الله عليه وآله وسلّم ما كان يقرأ الكتاب لا انه لا يستطيع قراءة ما يتلى عليه.

وثانيا انه صلى الله عليه وآله وسلّم كان يعلم برسالته قبل ذلك اليوم بسبب العلامات التي رآها في نفسه والارهاصات المتكررة فلماذا الاستغراب؟!

بل كان غيره ايضا يعلم بها وحتى نفس هذا الحديث يقول انه كان ينزل عليه الوحي في الرؤيا مدة قبل ذلك فكان مستعدا لنزول الوحي فلماذا شك في نفسه وفي رسالته؟!

وثالثا ان الله تعالى لا يرسل رسولا ولا ينزل وحيا الا ومعه من الدلائل ما يكفيه للايمان بما يرى فلا يشك في ان ما يتلى عليه رسالة السماء فكيف شك الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم ولم يتيقن بصحة ما رأى؟!

بل في بعض الاخبار انه تصور انه شاعر او ساحر وفي بعضها انه حاول ان يلقي نفسه من الجبل فرآه جبرئيل عليه السلام فمنعه والروايات مجموعة في الدر المنثور.

وأغرب من ذلك حديثه مع السيدة خديجة عليها السلام مما يظهر منه انها كانت اقوى ايمانا بالله تعالى واكثر فهما وادراكا لحقائق الكون.

وهذا مضحك فالكل محتاجون الى الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وهو غني عنهم بما اكرمه به ربه جل وعلا والادهى والامرّ أن يحتاج الرسول العظيم مع كل ما انعم الله عليه من العلم والمعرفة الى تنبؤ راهب نصراني يخبره ان ما رآه هو الناموس الذي نزل على موسى عليه السلام الى اخر ما قال.

ولا ادري لماذا يحاول الوضّاعون الاستخفاف بالرسول صلى الله عليه وآله وسلّم والنيل من كرامته الى هذا الحد؟!

هذا مضافا الى ان السورة المباركة بنفسها تأبى من كونها اول ما نزل من القرآن وذلك لما ورد فيها من التنديد بمن ينهى عبدا اذا صلّى وبمن كذّب وتولّى وتهديده بنزول العذاب وهذا امر متأخر عن بدء نزول الوحي بمدة طويلة.

ولذلك اضطر القوم للجمع بين مضمون السورة والروايات بتخصيص اول الوحي بالآيات الخمسة الاولى.

ولكن هذا مستبعد جدا فان مقتضى ذلك ان تبدأ الآيات التالية بقوله (كلا ان الانسان ليطغى) ومن الواضح ان هذا التعبير لا يمكن ان يكون في اول الكلام.

ومن الغريب انهم في التفسير ذكروا ان (كلا) ردع لما يفهم من الكلام السابق من كفر بعض الناس بما انعم الله عليهم ولم ينتبهوا ان هذا ينافي ما التزموا به من نزول هذه الآيات بعد الخمسة الاولى مستقلة.

وسيأتي احتمال أن تكون كلا بمعنى حقا ولكن حتى على هذا الاحتمال يستبعد البدء بها في المجموعة النازلة من الآيات.  

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ...

القراءة معروفة والاصل فيها الجمع ومنه القرية لمجتمع الناس واطلاقها على التلاوة من جهة ان القارئ يجمع الكلمات والجمل المتفرقة في تلاوته والتلاوة قد تكون على كتاب وتارة من ظهر القلب وتطلق القراءة ايضا على نفس ملاحظة الجمل والكلمات المكتوبة من دون تلفظ بها.

ولو فرض كون هذه الآية اول ما نزل فالظاهر ان الامر بمعنى متابعة الملك في تلاوة الآيات كما قال تعالى (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)[5] والمراد بناءا عليه متابعته في قراءة نفس الآية اي قوله (اقرأ باسم ربك الذي خلق) واما اذا فرض نزول الآية ضمن ما نزل من القرآن فلعل المراد تلاوة ما ينزل عليه من القرآن على الناس.

وقوله (باسم ربك) متعلق بمقدر فان كان التقدير (مبتدئا) فيحتمل ان يكون أمرا بالبسملة في البدء بكل قراءة وان كان التقدير (مستعينا) فذكر الاسم من جهة ان الانسان يتوسل الى ذكره تعالى بذكر اسمه والا فالاستعانة في الواقع به لا بالاسم الكريم.

وووجه التعبير بالرب واضح. واما توصيفه تعالى بالخلق فالظاهر انه للاشارة الى ان الرب هو الخالق ردا على معتقد المشركين ان الخالق هو الله تعالى واما الربوبية فهي لبعض المخلوقات كالملائكة او الكواكب او الاصنام. والقرآن يؤكد في مواضع شتى ان الربوبية شأن من شؤون الخلق وليست منفصلة عنه.

وقوله (خلق) اما بتقدير كل شيء وإمّا بمعنى نفس الخلق بالذات من دون تقدير مخلوق فانه تعالى هو الخالق فحسب وإمّا هو مجمل تفسره الآية التالية.

خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ...

يمكن ان تكون هذه الجملة مفسرة لقوله (خلق) فيكون المراد بالخلق في الآية السابقة خلق الانسان فكأنه قال اقرأ باسم ربك الذي خلق الانسان من علق.

ويمكن ان تكون مستأنفة والمراد بالخلق هناك العموم وانما ذكر خلق الانسان خاصة لانه اكمل المخلوقات حيث مجّد الله تعالى نفسه بخلقه فقال (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).[6]

وهنا ايضا يمجّد نفسه بذلك فان القصد منه أنه تعالى خلق هذا الموجود المعقّد من شيء لا يتناسب مع هذا التطور والتكامل وهو العلق.

وهو اما بمعنى القطعة المتجمدة من الدم او الشيء الذي يعلق بالشيء كما هو المعنى الاصلي للكلمة والمراد به هنا النطفة التي علقت برحم المرأة وتحولت الى جنين بفعل التركب من الحويمن والبويضة.

اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ...

الظاهر أن الامر بالقراءة هنا تكرار وتأكيد للامر الاول فيكون ايضا خطابا للرسول صلى الله عليه واله وسلم وبنفس المعنى السابق.

وقوله (وربك الاكرم) جملة حالية في مقام التعليل للامر باعتبار أن ربه هو الأكرم فلا يتركه بل يسدد خطاه ويؤيده وهو لا يحتاج الى غيره.

والتعبير بانه ربه يؤكد ان هذا مقتضى تربيته تعالى اياه وقد بعثه رسولا الى الناس فهو الكفيل بان يجعله بالمستوى المطلوب لهذا الامر سواء اريد بالقراءة تكراره صلى الله عليه واله وسلم لما يتلو عليه الملك بناءا على انه اول ما نزل من القرآن ام اريد بها التلاوة على الناس فلا ينبغي ان يخاف النسيان كما قال تعالى (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى).[7]

والكرم في الاصل بمعنى الشرف ولكن ربما يوصف الانسان به اذا كان جوادا معطاءا وقال بعضهم ان الكرم في وصفه تعالى ليس الا بمعنى الجود والعطاء وعلى هذا فسروا الكرم هنا بأنه تعالى لكثرة عطائه علّم بالقلم.

ولكن لا يبعد أن يكون بمعنى الشرف نفسه وصيغة التفضيل مع الالف واللام تدل على الانحصار وأنه تعالى هو أشرف ما يمكن أن يتصور فلا حدّ لشرفه وجلاله وهذا التوصيف هو المناسب للتعليل اي اقرأ ولا تخف والحال أن ربك الذي أمرك بالقراءة وأرسلك وأنزل عليك الوحي هو الأكرم والاشرف والاعلى والامجد فلا يمكن أن يتركك ولا يمكن أن يتخلف شيء عن ارادته.

الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ...

اي علّم الانسان بواسطة القلم وهو ما يكتب به سمي به لانه يُقلم اي يُبرى كما تقلم الاظافر. ولعل الغرض من هذا التوصيف تبديد الخوف من الرسول صلى الله عليه واله وسلم من ان تبقى رسالته محصورة بين هذه المجموعة من الناس وهو لا يرى فيهم تقبلا لها فينبهه ربه تعالى بأن الله تعالى هو الاكرم لا يغلب على أمره وقد علّم الانسان بواسطة القلم ونشر العلوم والرسالات في الاجيال المتتالية.

والقول في هذا التعليم كالقول في الخلق فيمكن ان يكون مجملا تفسره الآية التالية ويمكن أن يكون صفة مستقلة فتعليمه تعالى بالقلم امر مستقل عن تعليم الانسان كما ياتي بيانه.

عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ...

يمكن – كما ذكرنا – ان يكون هذا بيانا لقوله (علم بالقلم) اي علم الانسان بالقلم ما لم يعلم. والغرض منه أن هذا التطور المشهود في علم البشر انما نشأ من انتقال كل ما تعلّمه احدهم الى الآخرين عن طريق البيان وانتقالها الى الاجيال المتاخرة عن طريق القلم وكل هذا من نعمه تعالى حيث جعل في غريزة الانسان هذا النقل والانتقال فتعلّم جنس الانسان بذلك ما لم يعلمه من حقائق الكون.

ويمكن ان يكون وصفا آخر غير التعليم بالقلم وعليه ففي الآية اشارة الى تعلّم الانسان تدريجا بالرؤية والسمع وغيرهما من الحواس الظاهرة والباطنة التي اودعها الله فيه بعض ما حوله من الحقائق بصورة طبيعية فانه حينما يولد لا يعلم شيئا كما قال تعالى (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).[8] فالمعنى أن الانسان يتطور في إدراكاته بسبب حواسه.

كما أنها اشارة ايضا الى المعلومات التي لا يحصل عليها الانسان بالتعلم ولا ينتقل اليه من اسلافه عن طريق البيان او القلم بل هي مودعة في باطنه بالفطرة فمنها معرفة الله تعالى اجمالا كما قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ).[9]

ويمكن أن يكون المراد بما لم يعلم ما يصل اليه عن طريق الوحي ورسالات السماء فانها حقائق لا يمكن للبشر التوصل اليها بالطرق الطبيعية للمعرفة الا عن طريق الوحي.

 


[1] الكافي ج2 ص628 باب فضل القران

[2] عيون اخبار الرضا عليه السلام ج1 ص9

[3] صحيح البخاري ج1 ص5 باب بدء الوحي

[4] صحيح مسلم ج1 ص381 باب بدء الوحي

[5] القيامة: 18

[6] المؤمنون: 14

[7] الاعلى: 6

[8] النحل: 78

[9] الاعراف: 172