وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ...
الظاهر أن المراد بالذين لا يعلمون مشركو العرب، كما مر نظيره في قوله تعالى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ..) [1] وهذا التعبير عنهم باعتبار كونهم اميين او ليس لهم كتاب سماوي كما كان لليهود والنصارى.
وقيل المراد بهم جهلة اهل الكتاب حفظا لوحدة سياق الآيات، ولكنه بعيد ووحدة السياق محفوظة لان هذه الآية ايضا وردت في تشابه المشركين ومن قبلهم من الجهلة، وهو يشمل جهلة اهل الكتاب الذين طلبوا مثل ذلك. وقيل المراد خصوص كفار مكة ولا دليل على التخصيص.
و(لولا) للحثّ والتحضيض، وهي بمعنى (هلّا) كما في كتاب العين؛ ففيه استفهام انكاري ويقصدون بذلك الاعتذار عن عدم ايمانهم بالرسالة بأنه تعالى لماذا خصّ الكلام بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ وما هي ميزته؟ ولماذا لا يكلّمنا جميعا مباشرة كما يكلّمه؟
وهو عذر ربما يتقبّله كثير من الجهلة، وأساسه أنه لا موجب لارسال الرسالة على بشر مثلنا، فان كان ارسال الوحي او التحدث من الله تعالى الى البشر امرا ممكنا، فلماذا لا يكلّمنا الله تعالى مباشرة؟!
ولم يرد في سياق الآيات رد على هذا الطلب وهو أن يكلّمهم الله تعالى، لانه واضح البطلان ولا جواب له فهو نظير طلب بني اسرائيل رؤية ربهم جهرة حيث لم يكن جوابهم الا صاعقة أهلكتهم ثم أحياهم الله تعالى بطلب من موسى عليه السلام.
والاعتذار الآخر أنه لولا تأتينا آية، اي لماذا لا ينزّل الله علينا آية، اي معجزة بيّنة كما أنزل على الاقوام السابقة حسبما تتناقله الاخبار، كمعاجز موسى وعيسى عليهما السلام وهم كانوا يسمعون اخبارهما من اليهود والنصارى؟!
والله تعالى ردّ عليهم بأن هذا عذر متكرر وأن الاقوام السابقة ايضا ذكروه حيث قالوا (مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ)[2]؛ وامثال ذلك في موارد متعددة كما أن بني اسرائيل ايضا طلبوا من موسى عليه السلام ان يريهم الله جهرة، والنصارى طلبوا من عيسى عليه السلام ان ينزل عليهم مائدة من السماء.
وقوله (تشابهت قلوبهم) اي عقولهم وأفكارهم، والمراد بالقلب ما يدرك به الانسان الحقائق كما قال تعالى (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا..)[3] اي لا يعقلون.
والقرآن يبين في مواضع شتى أن البشر على اختلاف حالاتهم وحضاراتهم من فجر التاريخ البشري الى الآن، يواجه رسالات السماء بطريقة واحدة، ولذلك ورد في القرآن اجوبة متماثلة تماما من الاقوام السابقة، كما يلاحظ نفس التعبير في الكلام المنقول عن قوم نوح وهود وصالح في سورة الاعراف وكذلك في سورة هود، واوضح واشمل من ذلك ما ورد من قصص الانبياء في سورة الشعراء.
وأجاب هنا عن طلبهم آية بأنه قد أنزل آيات مبيّنة وواضحة، وهي آيات الكتاب العزيز ولكنها تنفع وتقنع قوما يوقنون.
وهنا يقع السؤال في من هو المراد بهذا التعبير، اذ لو كانوا موقنين فلا حاجة لهم الى آية. وهنا عدة احتمالات:
الاحتمال الاول ان المراد بالذين يوقنون اي لهم علم ومعرفة بالامور فيكون تعريضا لهم بأنهم قوم جهلة لا يعلمون معنى الآية ولا القصد منها.
الاحتمال الثاني ان المراد من يطلبون اليقين، فيكون المعنى أن هناك كثيرا من الناس يمرّون بآيات واضحة ولا يتأثرون بها، كما نرى أن أكثر من يُدعون في عصرنا بالعلماء يرون آيات الله تعالى في كل اجزاء الكون بوضوح وهم يتعمّقون فيها ويعلمون ما لا يعلمه غالب البشر، ولكنهم يغفلون عن نقطة واحدة وهي كونها آية للخالق العظيم، لأنّهم لا يطلبون الإيمان واليقين بتعمّقهم هذا وإنّما يطلبون مزيدا من الفوائد الدنيوية التي أعمت أبصارهم وبصائرهم.
الاحتمال الثالث أنّ المراد من يكون قبل ملاحظة الاية مؤمنا بالغيب يعرف الله تعالى ويؤمن به، وانما هو بحاجة الى معرفة الرسول وربما يبحث عنه، فاذا لاحظ آيات الكتاب آمن بالرسالة فهو موقن قبل ذلك بالله تعالى، بل ربما يكون عالما ومؤمنا برسالات السماء عامة.
الاحتمال الرابع أن المراد من يحصل له اليقين بملاحظة الآيات، وليس ممن يشكّك في كل ما يراه؛ فالناس في مواجهة آيات الله تعالى قسمان، قسم يشكّك في كل شيء حتى لو كان واضحا انه آية سماوية كما قال تعالى (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)[4]؛ وقسم يؤمن بالله وآياته، لا بمعنى ان يكون ساذجا يخدعه كل من يدّعي الرسالة او الامامة او نيابة الامام او المرجعية او العلم وغير ذلك فإنّ هذه الحالة ليست مطلوبة للمؤمنين، ولكنه لا يعاند الحقّ الواضح.
ويلاحظ أنّ آيات السماء ليست كحقائق الطبيعة واضحة، بحيث يمكن للرسول او الامام او رجل الدين وكل من يبلّغ رسالات السماء أن يظهر للناس ما لا يمكن فيه التشكيك، وهذه طبيعة حقائق السماء، لانها من الغيب الذي لا يراه الانسان وانما يصل اليه بقلبه، فلا بدّ له من أن يفتح قلبه لمعرفتها والوصول اليها ويهتمّ بذلك أكثر مما يهتمّ بشؤون دنياه خوفا من المستقبل الغامض الذي يتوقّعه بعد الموت؛ وهذا هو الامتحان الصعب الذي يواجهه البشر.
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ...
يقترب السياق تدريجا الى التعرض لمسالة تغيير القبلة وردّ شبهات الاعداء حولها، وهذا الخطاب يأتي في هذا السياق وبذلك يخفّف من تأثّر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحزنه من عدم تمكّنه من التأثير على اهل الكتاب ليؤمنوا برسالته كما كان المتوقّع.
وفي الخطاب تأكيد وتشريف للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتكريم بأنه مرسل من قبله تعالى بالحق، وموكّل بتبشير من يتبعه وإنذار من يكفر به وأنه ليس مسؤولا عن مصير المكذّبين لرسالته ولا يحاسب على كثرتهم فليس ذلك لتقصير منه.
والحقّ هو الامر الثابت الصحيح، وخلافه الباطل، ويراد به هنا الكتاب العزيز وكل ما نزل عليه صلى الله عليه وآله وسلم من الاحكام الشرعية والمعارف الالهية؛ والباء بمعنى مع، اي ارسلناك مع الكتاب الحق والمعارف الحقة.
والبشير فعيل بمعنى الفاعل من بشر مجردا وهو بمعنى بشّر. وكذلك النذير فهو ايضا بمعنى منذر. والجحيم: النار شديدة التأجج ومعنى كونهم أصحابها اي انهم لا يفارقونها.
وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ...
هذه الآية ايضا وردت في نفس السياق، لكي يمنع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين من توقّع قبول اهل الكتاب للقبلة الجديدة ولأيّ امر حادث مخالف لعاداتهم او لما يعتبرونه من شريعة موسى وعيسى عليهما السلام.
وكلمة (لن) إن لم تكن للتأبيد كما يقال، فهي للتأكيد على الاقل. والملة: الطريقة؛ وقد اختلف اللغويون في البحث عن أصل هذه الكلمة وموارد استعمالها وفي تهذيب اللغة أن الملة في اللغة السنّة والطريقة؛ والظاهر بحسب متابعة موارد الاستعمال أنّ هذا هو الصحيح في تفسير الكلمة وتنطبق على الدين والشريعة. ولعل أصله من الاملاء اُبدلت الهمزة لاما كما في المفردات.
وذهب بعض المفسرين الى أنّ الآية تدل على شدّة ارتباط الانسان بعقيدته الدينية؛ وأنّ اليهود والنصارى طيلة التاريخ يحاربوننا من اجل عقيدتهم ولن يتركوا الحرب حتى نتّبع عقيدتهم، وهم مع اختلافهم في العقيدة اتّحدوا لمحاربتنا لأنّهم راوا أنّ خطر هذا الدين عظيم على عقيدتهم.
ولكن الواقع أنّ تعصبهم ليس للعقيدة ولا للدّين، وإنّما هو تعصّب لمصالحهم، كما أنّنا ايضا في الغالب لا نتعصّب الا لمصالحنا، بل كل واحد منا يتبع مصلحته الشخصية، والدين لعق على ألسنتهم وألسنتنا؛ ولذلك لم يرد في تعبير الآية حتى تتّبع دينهم، بل عبّر بالملّة وهي الطريقة والسنة. وهذا لا علاقة له بالدين، ولذلك يقبلون من المسلمين أن يتبعوهم في شؤون الدنيا وان بقوا على عقيدتهم ومناسكهم. كما أنّ قوله تعالى (ولئن اتّبعت أهواءهم...) يدلّ على أنّ ما يدعون اليه هو متابعة الاهواء لا الدين والعقيدة.
فأمر الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يردّ عليهم في كل ما يطلبونه من الاتّفاق معهم ومتابعة طريقتهم بهذا القول: (إنّ هدى الله هو الهدى)، اي إن الانسان يجب أن يتبع الطريق الصحيح وهو الهدى وما يأتينا من الله تعالى هو الهدى، لا ما تتعصّبون له من الافكار والاهواء. والجملة بضمير الفصل وبالالف واللام تدل على الحصر اي ليس في غيره من الطرق شيء من الهداية. والحاصل أنّنا نتبع ما يهدينا اليه الله تعالى بكلماته سواء وافق ما تقولون أم خالفه.
والجملة الاخيرة تحمل خطابا شديدا للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ان لا يتّبع أهواء اليهود والنصارى بعد هذا العلم الذي جاءه من ربّه، والّا فلن يكون له وليّ من الله ولا نصير، فإنّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يغلب الاعداء ولم يؤسّس دولته الا بما ألهم الله قلوب المؤمنين ليكونوا اولياءه وينصرونه على أعدائه، فهذه الولاية والنصرة انما هما من الله تعالى وهذا التأييد الالهي لن يستمرّ إذا مال الى اليهود والنصارى ليتّبع طريقتهم.
وربما يستغرب توجيه مثل هذا الخطاب الى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لاستبعاد متابعته لأهواء اليهود والنصارى، فيأوّل أنّ الخطاب في الواقع الى غيره صلى الله عليه وآله وسلم.
ولكنه غير بعيد في نفسه، لانه صلى الله عليه وآله وسلم انّما تربّى وتكوّنت شخصيته القويّة بتأديب من الله تعالى، وهذه الاوامر والنواهي هي التي أدّبته، والا فهو في ذاته بشر ربما يتأثّر بكثير من المؤثرات الخارجية، وقد قال تعالى (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا).[5]
ويمكن أن تكون هذه الخطابات من اجل ان يكون له صلى الله عليه وآله وسلم عذر في عدم المهادنة مع المشركين وكفار اهل الكتاب؛ ولعل بعض المؤمنين كانوا يرغبون في بعض التنازل لهم، كما نجد اليوم كثيرا من المسلمين يرغبون في التواصل معهم بالرغم من اظهارهم العداء للاسلام والمسلمين في كثير من المجالات، فبهذا الخطاب الشديد يسهل على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ردّ هذا الطلب لو فرض.
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ...
المعروف في تفسير هذه الآية أنها أتت في نفس السياق، حيث كان الغرض من الآية السابقة أن ييأس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنون من إيمان اليهود والنصارى بالرسالة، فأتت هذه الآية لتبيّن أنّ هناك منهم من يؤمن بهذه الرسالة كما آمن بعضهم على ما يقال.
وبناءا على هذا التفسير، فالمراد بالكتاب التوراة والانجيل، والمراد بالذين آتيناهم اليهود والنصارى، كما يعبّر عنهم في القرآن بالذين اُوتوا الكتاب؛ وجملة (يتلونه حق تلاوته) ليست خبريّة بل حاليّة اي الذين اُوتوا الكتاب حال كونهم يتلونه حق تلاوته اي تلاوةً حقَّ تلاوته فالحق صفة للمفعول المطلق.
وحق التلاوة هو أن يتلى بتدبر وتفهم لمعاني الكتاب، فاذا كانت تلاوتهم بتدبّر وإمعان فانهم يرون صفات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الكتاب ويؤمنون به فالضمير، في قوله (يؤمنون به) يعود اليه صلى الله عليه وآله وسلم او الى الكتاب، ولكن بمعنى القرآن فيكون مرجع الضمير مختلف معنى ومتحد لفظا وهو ما يعبر عنه بالاستخدام. او يراد بالكتاب مطلق الكتاب السماوي او يكون مرجع الضمير (الهدى) المذكور في الاية السابقة.
والتكلف واضح على هذا التفسير، لأنّ الظاهر من جملة (يتلونه حق تلاوته) أنّها خبر عن الذين آتيناهم الكتاب، بل لا يصحّ كونها حالية، لأنّ التلاوة ليست في حال الاتيان. وعليه فمعنى الآية أنّ الذين اوتوا الكتاب يتلونه حق تلاوته فلا بد من أن يحمل الاتيان على معنى آخر، فان الذين اوتوا الكتاب سواء اهل الكتاب او المسلمون لا يتلونه بأجمعهم حق التلاوة.
والظاهر من الضمير في قوله (يؤمنون به) عوده الى نفس الكتاب الذي اُوتوه، وارجاعه الى الايمان بالرسالة مستبعد جدا، ولكن المفسرين سنة وشيعة قديما وحديثا وافقوا على هذا التفسير المخالف لظاهر الآية ليلتئم السياق، مع أنّ بعضهم كصاحب المنار اعترف في تفسير الآية السابقة أنّ القران ليس كسائر الكتب بحيث يتناسب كل آية مع سابقتها.
قال ما نصّه (وَقَدْ قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ غَيْرَ مَرَّةٍ: إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَأْتِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُنْشِئِينَ وَالْمُؤَلِّفِينَ الَّذِينَ يَخُصُّونَ كُلَّ طَائِفَةٍ مِنَ الْكَلَامِ بِمَوْضُوعٍ مُعَيَّنٍ وَيُسَمُّونَهَا فَصْلًا أَوْ بَابًا..).[6]
وروى الكليني عن ابي ولّاد قال (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ "الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به" قال هم الأئمة عليهم السلام).[7] والسند صحيح.
وبناءا على هذه الرواية فالذين اوتوا الكتاب هم الائمة عليهم السلام، بمعنى أنهم ورثوا الكتاب ووصلت إليهم النسخة الكاملة التي روعي فيها ترتيب النزول وبيان المراد وشان النزول، وليس في كلماتها وجملها اختلاف في القراءات بل قراءة واحدة من عند الواحد جل وعلا.
وهم عليهم السلام يتلونه حق تلاوته؛ اما بمعنى أنهم يقرأونه كما نزل ولا يتبعون القراءات المختلفة، وإمّا بمعنى أنّهم يقرأونه بتأمّل وإمعان ومعرفة بكلّ ما له من التفسير والبيان، وإمّا أنّ التلاوة بمعنى المتابعة لأنّها الأصل في معنى الكلمة فهم يتبعون أحكام القرآن وهداياته لا يحيدون عنها قيد انملة.
وقوله اولئك يؤمنون به يدل على حصر الايمان الكامل فيهم عليهم السلام، فالآخرون حرموا أنفسهم من الحصول على تلك النسخة القيّمة كما ورد في التاريخ، فلا يمكنهم الايمان الكامل بالكتاب العزيز، ومع ذلك فهم ينالون الخير في الدنيا والاخرة بمقدار ما آمنوا به من الكتاب وما عملوا به، واما الذين كفروا بالكتاب فاولئك هم الخاسرون حقا، والجملة الاخيرة تفيد الحصر اي لا خاسر غيرهم لانهم خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة.
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ...
الآيتان مر مثلهما في اول هذا الفصل من السورة المباركة وهما الايتان 47 و48 بفارق بين الموردين فهناك كان (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ...) وهنا (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ...).
ولعل التكرار لتنبيه المخاطبين بانتهاء هذا الفصل او للاشارة الى الهدف من التنبيه على ما مر ذكره في هذا الفصل، وهو حث بني اسرائيل على الايمان بهذه الرسالة عن طريق تحذيرهم من مغبة الكفر يوم القيامة مع تقديم الامتنان عليهم بالنعم الالهية. اما الفرق المذكور بين الموردين فلعله تفنن في التعبير.
[1] البقرة : 113
[2] الشعراء : 154
[3] الاعراف : 179
[4] الانعام : 7
[5] الاسراء : 74
[6] تفسير المنار ج1 ص 365 على ما في الموسوعة الشاملة
[7] الكافي ج1 ص215 باب في أن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة عليهم السلام ح4