مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)

توجيه الخطاب بهذا العنوان فيه عناية بالمؤمنين مضافا الى الاشارة الى ان الصوم من مقتضيات الايمان فكأنه يقول كتب عليكم الصيام لانكم آمنتم بالله وبالرسالة. وقد مر أن الكتابة بمعنى الفرض والايجاب.

والصيام مصدر كالصوم وقال في العين (الصوم ترك الاكل وترك الكلام) وقيل الصوم الامساك مطلقا. والمراد به هنا الامساك من الاكل والشرب والنكاح.

وقوله (كما كتب على الذين من قبلكم) للاشارة الى وحدة الشرايع أوّلا وتنبيه ايضا على انه لا يراد بهذا التكليف التشديد عليكم ولا معاقبتكم كما حكم على بني اسرائيل باحكام شاقة جزاءا لبغيهم بل هو حكم سبق التشريع به لمن كان قبلكم من الامم.

و(ما) مصدرية اي ان هذه الكتابة كتلك الكتابة والتشبيه ليس من جهة خصوصيات الحكم اذ يمكن ان لا يكون الصوم في تلك الشرايع كصومنا في الاحكام وانما التشبيه في اصل الفرض وفي الغرض منه.

والآية لا تدل بصراحة على أن الصوم كان واجبا في جميع الشرايع السابقة الا ان الظاهر من وحدة الشرايع في الاصول كما يستفاد من آيات عديدة هو تشريع اصل الصوم في كلها وفي بعض التفاسير انه لا يوجد في العهدين ما يدل على ذلك ولكن الصحيح أن هناك مواضع في العهدين ذكر فيها الصوم نذكر بعضها:

(حين صعدت إلى الجبل لكي آخذ لوحي الحجر لوحي العهد الذي قطعه الرب معكم أقمت في الجبل أربعين نهارا وأربعين ليلة لا آكل خبزا ولا أشرب ماء وأعطاني الرب لوحي الحجر المكتوبين .... (الى ان يقول) ثم سقطت أمام الرب كالأول أربعين نهارا وأربعين ليلة لا آكل خبزا ولا أشرب ماء من أجل كل خطاياكم التي أخطأتم بها بعملكم الشر أمام الرب لإغاظته.).[1]

وهذا الكلام كله عن لسان سيدنا موسى عليه السلام.

(فصعد جميع بني إسرائيل وكل الشعب وجاءوا إلى بيت إيل وبكوا وجلسوا هناك أمام الرب وصاموا ذلك اليوم إلى المساء واصعدوا محرقات وذبائح سلامة أمام الرب).[2]

(وفي اليوم الرابع والعشرين من هذا الشهر اجتمع بنو إسرائيل بالصوم وعليهم مسوح وتراب. وانفصل نسل إسرائيل من جميع بني الغرباء ووقفوا واعترفوا بخطاياهم وذنوب آبائهم..).[3]

(ولكن الآن يقول الرب ارجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا إلى الرب إلهكم لأنه رؤوف رحيم بطيء الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشر لعله يرجع ويندم فيبقي وراءه بركة تقدمة وسكيبا للرب إلهكم اضربوا بالبوق في صهيون قدسوا صوما نادوا باعتكاف..).[4]

(حينئذ أتى إليه تلاميذ يوحنا قائلين لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيرا وأما تلاميذك فلا يصومون فقال لهم يسوع هل يستطيع بنو العرس أن ينوحوا ما دام العريس معهم ولكن ستأتي أيام حين يرفع العريس فحينئذ يصومون..).[5]

(لا يسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون على موافقة إلى حين لكي تتفرغوا للصوم والصلاة).[6]

وغير ذلك وهو كثير.

وقوله تعالى (لعلكم تتقون) إشارة الى ان الهدف من الصوم ايجاد الارضية الصالحة لحصول التقوى في قلوبكم والتقوى اساس الايمان وبدونه لا ينتفع المؤمن بايمانه. وقد مر الكلام مرارا في ان (لعل) ليس للترجي بل لبيان ان ذلك متوقع.

وايجاب الصوم للتقوى ليس من جهة نفس الامساك كما يقال فان الانسان ربما يمسك عن الاكل والشرب والاستمتاع الجنسي لفقره او للمرض او لخوف المرض او لعدم الشهية او للرياضة النفسية وهذا الامساك لا يوجب تقوى الله تعالى وانما يوجبه اذا قصد به امتثال امر الله وكلما خلص قصده لله تعالى كان أقوى تأثيرا في نفسه.

أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ...

قوله (اياما معدودات) ظرف لفعل مقدر اي تصومون اياما معدودات. وهذا الوصف كناية عن كونها قليلة. والغرض منه الحثّ على العمل باعتبار أنه ليس تكليفا شاقا كما انه الغرض ايضا من اعلام كونه مكتوبا في الشرايع السابقة وليس خاصا بكم وأنه يترتب عليه أثر مهم وهو التقوى.

والمراد بهذه الايام شهر رمضان كما ورد في الآية التالية. وقيل المراد بالايام ما كان واجبا قبل تشريع صوم رمضان وهو صوم ثلاثة ايام من كل شهر وأضاف بعضهم صوم عاشوراء وقالوا إن الآية التالية نسخت حكم هذه الآية.[7]   

وهذا غير صحيح قطعا لان الآية التالية تتبع هذه الآية ولا يمكن ان تكون ناسخة لها مضافا الى أن الصوم لم يكن مفروضا قبل تشريع الصوم في رمضان وانما كانوا يصومون ثلاثة ايام من الشهر تطوعا حتى لو ثبت الامر به قبل صوم رمضان. وهو غير ثابت.

وأما صوم عاشوراء فقد انكره العلامة الطباطبائي بشدة وقال (على أن لحوق يوم عاشوراء بالأيام الثلاث من كل شهر في وجوب الصوم أو استحبابه ككونه عيدا من الأعياد الإسلامية مما ابتدعه بنو أمية لعنهم الله حيث أبادوا فيه ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته بقتل رجالهم وسبي نسائهم وذراريهم ونهب أموالهم في وقعة الطف ثم تبركوا باليوم فاتخذوه عيدا وشرّعوا صومه تبركا به ووضعوا له فضائل وبركات ودسوا أحاديث تدل على أنه كان عيدا إسلاميا بل من الأعياد العامة التي كانت تعرفه عرب الجاهلية واليهود والنصارى منذ بعث موسى وعيسى عليهما السلام وكل ذلك لم يكن وليس اليوم ذا شأن ملي حتى يصير عيدا مليا قوميا مثل النيروز أو المهرجان عند الفرس ولا وقعت فيه واقعة فتح أو ظفر حتى يصير يوما إسلاميا كيوم المبعث ويوم مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا هو ذو جهة دينية حتى يصير عيدا دينيا كمثل عيد الفطر وعيد الأضحى فما باله عزيزا بلا سبب؟)

وما ذكره قدس سره صحيح في حد ذاته والى الآن نجد اتباع بني امية يهتمون بصوم عاشوراء كشعيرة اسلامية عظيمة بل يبالغون في تجليل هذا اليوم وانه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجودي واليوم الذي نجى الله فيه موسى عليه السلام وبني اسرائيل من الغرق[8] وانه اليوم الذي تاب الله عزَّ وجلَّ على آدم وعلى مدينة يونس، وفيه ولد إبراهيم عليه السلام[9] وان الوحش كانت تصوم يوم عاشوراء.[10] وقد تسربت بعض هذه الروايات الى كتبنا عن طريق بعض العامة او البترية ككثير النوّا.

ومع ذلك فان استحباب صوم يوم عاشوراء ورد في رواياتنا الصحيحة وانما ورد النهي عنه بعد ان تبركت بنو امية لعنهم الله بقتل الامام عليه السلام في هذا اليوم وبالغوا في الاهتمام بصومه وهذا النهي محمول على الصوم شماتة باهل البيت عليهم السلام.

روى الشيخ الطوسي قدس سره في المصباح عن ابي عبد الله عليه السلام في حديث طويل عن عاشوراء قوله (صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت ولا تجعله يوم صوم كملا وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء..).[11]  

ومن هنا وقع الاختلاف بين فقهائنا في استحبابه وكراهته والتفصيل بالنحو المذكور.

ثم ذكر حكم المريض والمسافر وانه لا يجب عليهما الصوم بل يصومون في ايام اخر قضاءا لما فات وظاهر الآية أن المريض والمسافر حكمهما يختلف عن غيرهما فلا يجب عليهما صوم تلك الايام المعدودة وهي شهر رمضان ولا يصح منهما بل الواجب عليهما نفس العدة من ايام اخر.

ولكن اكثر فقهاء العامة افتوا بأن الافطار لهما رخصة ويجوز لهما الصوم واختلفوا في ما هو الاولى منهما لهما واستدلوا على ذلك ببعض الروايات الدالة على الرخصة وان كان فيها ايضا ما يدل على وجوب الافطار فتركوا العمل بها واعتذر عن ذلك في المنار بأن السنة العملية على الرخصة. وردّ بذلك على الظاهرية القائلين بوجوب الافطار.

وبالنسبة للآية المباركة التزموا بتقدير ليتم القول بالرخصة والتقدير (فمن كان مريضا او على سفر فافطر فعدة من ايام اخر) وانما جاز هذا التقدير مع انه خلاف الاصل لوجود الروايات والسنة العملية كما قالوا.

ولا شك أن التقدير خلاف ظاهر الاية فعلى ظاهرها يجب على المريض والمسافر ان يصوم في ايام اخر بنفس العدد الذي فاته ولذلك امر باكمال العدة في الاية التالية وهو المستفاد من فاء التفريع ايضا في قوله (فمن كان مريضا..) اي يتفرع على كون الايام معدودات لزوم اكمال هذا العدد ويجب على المريض والمسافر ايضا اكماله بالصوم في ايام اخر.

والمريض من أصابه المرض وهو كل ما يخرج به الانسان عن الاعتدال وفي تهذيب اللغة عن ابن الاعرابي ان الاصل في المرض النقصان وفي معجم المقاييس شمس مريضة اذا لم تكن مشرقة لهبوة في وجهها. والمراد بالمرض هنا ما كان يتعسر معه الصوم بقرينة قوله تعالى في الاية التالية (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ولا شك ان مطلق المرض لا يبرر الافطار اذ لا يخلو منه انسان الا نادرا.

والسفر على ما في المصباح قطع المسافة. وقال في معجم المقاييس (السَّفْر اصل واحد يدل على الانكشاف والجلاء. من ذلك السفَر سمي بذلك لان الناس ينكشفون عن اماكنهم).

واما السفر الذي يوجب الافطار فهو بنفسه ما يوجب قصر الصلاة لما ورد في الصحيح عن ابي عبد الله عليه السلام (إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت)[12]. والسفر الذي يوجب القصر حدد في الروايات بثمانية فراسخ[13] وهي تعادل 44 كيلو مترا تقريبا كما ذكر في الفقه.

ولا فرق في ذلك بين السفر الموجب للمشقة وغيره. فالحكم فيه يختلف عن المرض والسبب ما اشرنا اليه من ان الانسان لا يخلو من مرض وربما يصدق المرض مع كون الصوم مفيدا له فلا يعتبر عذرا واما السفر فهو مظنة المشقة وليس دائما او غالبا موجبا للمشقة والروايات لم تفصل بين ما يوجبها وما لا يوجبها. وقوله (على سفر) معناه انه متلبس به بالفعل فلا يشمل الحكم من كان على اهبة السفر. 

وربما يستانس للحكم بالفرق بقوله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وانه بمقتضى ذلك يختص الحكم بما استوجب العسر. والجواب ان الاية بصدد بيان وجه الحكمة لا تقييد الحكم بما يوجب العسر. والاحكام تُشرّع حسب المصالح الغالبية.

وقوله فعدة اي فعليه صوم عدة من ايام اخر. و(اخر) جمع آخر صفة لايام والكلمة ممنوعة من الصرف قيل للوصفية والعدول حيث حذف عنه الالف واللام.

 

وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ...

وهذا استثناء آخر عن وجوب الصوم خاص بالعجزة وعبر عنهم بالذين يطيقونه وظاهر قوله (على) ان دفع الفدية واجب عليهم وانما رخص لهم في الافطار ولكن لا بد من تقييد الحكم بوجوب الفدية بما اذا افطر واما اذا تحمل وصام فلا تجب الفدية قطعا اذ لا يجب الجمع بين الصوم والفدية.

والاطاقة افعال من الطاقة وتوهم بعضهم ان الطاقة بمعنى القدرة فاشكل عليهم الامر انه ان كان قادرا فكيف يدفع الفدية ويترك الصوم فقالوا بالنسخ وان هذه الاية تدل على ان الامر كان في اول الهجرة مخيرا بين الفدية والصوم ونسخ الحكم بقوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه.[14] وهو من غريب الاقوال.

والصحيح ان الاطاقة بمعنى بذل تمام الوسع والقدرة لانجاز الشيء قال العسكري في الفرق بين الطاقة والقدرة (الطاقة غاية مقدرة القادر واستفراغ وسعه في المقدور يقال هذا طاقتي اي قدر امكاني ولا يقال لله تعالى مطيق لذلك).[15]

ونسب الى بعضهم القراءة بالنفي اي (لا يطيقونه) وكأنه ايضا للتهرب من هذا الاشكال ولكن بناءا على ما حكيناه من المعنى فالذي لا يطيقه لا يجب عليه الصوم ولا الفدية لانه عاجز فلا تكليف عليه. والمنقول عن ابن عباس ان مصداق الذين يطيقونه الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة.[16] 

وورد في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" قال: الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش..).[17]

والفدية ما يفتدي به الانسان ويخلّص نفسه من الموت او اي امر يشق عليه كما في هذا المقام وفي معجم المقاييس (ان يجعل شيء مكان شيء حمى له).

وحدد طعام المسكين في الروايات بالمُدّ من الطعام ففي صحيحة اخرى لمحمد بن مسلم قال (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد من طعام ولا قضاء عليهما).[18]

وورد في بعضها التحديد بمدّين وحمل على الاستحباب والمُدّ مكيال معروف كما في كتب اللغة وقيل انه ربع الصاع وهو ايضا مكيال وفي بعض كتب اللغة (ان المدّ ملء كفّي الانسان المعتدل اذا ملأهما ومدّ يده بهما وبه يسمى مدّا).[19]

وحدّد المدّ في كتب فقهائنا المتاخرين بما يعادل 750 غراما من الطعام ولا يمكن تحديد الكيل بالوزن في كل الاطعمة كما هو واضح لاختلافها في الوزن ولكنهم رأوا ان هذا المقدار كاف في كل انواع الطعام.

 

فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)

المعروف في التفاسير قديما وحديثا هو أن هذه الجملة تعود الى ما قبلها من حكم الذين يطيقونه والغالب قالوا إن المراد بتطوع الخير الزيادة في دفع الفدية تطوعا. فمنهم من قال ان التطوع يتم بزيادة الطعام ومنهم من قال ان المراد اطعام اكثر من مسكين. ونقل الطبري عن بعضهم ان المراد من صام مع الفدية. واختار هو التعميم فكل ذلك تطوع ولكنه خصصه بمن ذكر اي الذين يطيقونه.

ونسب الشيخ قدس سره في التبيان الى الحسن (اي البصري) القول بان المراد التطوع بالبر في الدين فلا يختص بهذا المورد وعقب عليه بقوله (وهو اعم فائدة).

والظاهر أن هذا هو الصحيح والفاء تفريع على وجوب الصوم في ايام معدودات. والتطوع ما تبرعت به مما لم يلزمك فريضته كما في العين. و(خيرا) مفعول التطوع اي من تطوع باي خير فهو خير له اي هو الذي ينتفع به والله تعالى غني عن اعمال الناس.

وهذه الجملة بمنزلة كبرى القياس والجملة التالية بمنزلة الصغرى حيث تحكم بأن الصوم من الخير فتنطبق عليه الكبرى وهو استحباب التطوع به.

والمراد بكون الصوم خيرا لكم ليس كما يقال من كونه مفيدا للانسان في جسمه وروحه وان صح ما ذكر اجمالا فان الله تعالى لا يحثّ على مثل هذا الخير وانما هو امر يعود الى مصلحة الانسان في حياته الدنيا.

وليس من شأن الدين أن يحث عليه بل يترك الانسان يحاول معرفة ما هو الافضل له بنفسه وانما يهتم الدين بامر الاخرة كما قال تعالى (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ..)[20] فالمراد بكون الصوم خيرا لكم أنه يوجب التقرب الى الله تعالى لا بذاته بل لانه مطلوب بقول مطلق وفي جميع الايام الا العيدين.

وقوله (ان كنتم تعلمون) يعود الى ما يترتب عليه من الثواب عند الله تعالى فلو كان الانسان يعلم حقيقة ثواب الله تعالى في الاخرة لعلم انه خير له من كل ما يكسبه في الدنيا. واما كون الصوم مفيدا لصحة الانسان ولتقوية عزيمته فهو امر معلوم للبشر.

ولكن المفسرين في الغالب اعتبروا هذه الجملة خطابا للذين يطيقون الصوم وقالوا بان المراد ان الصوم خير لهم من الفدية. وهو بعيد بل لعل الاولى للشيخ الكبير الافطار ولعله يضره وخصوصا اذا شمل الحكم ذا العطاش كما ورد في الحديث السابق بل يشمل الحامل المقرب والمرضع كما في الروايات.

منها صحيحة محمد بن مسلم قال (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان لأنهما لا يطيقان الصوم وعليهما أن يتصدق كل واحد منهما في كل يوم يفطر فيه بمد من طعام وعليهما قضاء كل يوم أفطرتا فيه، تقضيانه بعد).[21]

وبعض المفسرين ارجع هذه الجملة الى جميع من مضى من المعذورين ليشمل المريض والمسافر ايضا وأن الصوم افضل لهم وقد مر الكلام حوله وقلنا ان الاية تدل على أن الواجب عليهما الصوم في وقت آخر فلا يصح صومهما.

 

شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ...

يحتمل ان يكون قوله (شهر رمضان) خبرا لمبتدأ محذوف اي هي شهر رمضان والضمير يعود الى الايام المعدودات وقد مر أنه ذكر وقت الصوم اولا بهذا التعبير ليبدو الحكم خفيفا على المكلفين ثم بيّن هنا ان تلك الايام هي شهر رمضان.

ويحتمل ان يكون مبتدأ وخبره (الذي انزل فيه القران) او قوله (فمن شهد منكم الشهر) وعليه فهي جملة استينافية تُعرّف هذا الشهر الفضيل وتأمر بالصوم فيه ويتبين من المجموع ان تلك الايام المعدودة هي ايام هذا الشهر.

والشهر اسم لمجموعة من الايام تبدأ بظهور الهلال في اول ليلة منها وتنتهي بظهوره في اول ليلة من الشهر التالي. والاصل في الشهر هو الوضوح ومنه شهر سيفه. وهو في الاصل اسم لنفس الهلال ويطلق على الزمان المخصوص لان الهلال يظهر في اوله.

و(رمضان) من الرمض وهو على ما في العين حر الحجارة من شدة حر الشمس. وقال ابن دريد في الجمهرة (ورمضان من هذا اشتقاقه لانهم لما نقلوا اسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالازمنة التي هي فيها فوافق رمضان ايام رمض الحر ويجمع رمضان رمضانات). 

ويحتمل أن يكون هذا من النسيء اي التأخير لانهم كانوا يبدلون الاشهر العربية لاغراض خاصة منها ما ورد في قوله تعالى (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ..)[22] حيث كانوا يغيرون الشهر الحرام لكي يقاتلوا فيه ويقال في ذلك اسباب اخرى ايضا فبذلك ربما وقع شهر رمضان في شدة الحر ولكن ما ذكره ابن دريد اولى بالقبول.

واضافة الشهر الى رمضان من اضافة الاسم العام الى الخاص كمدينة النجف وهو امر متعارف لا اشكال فيه ويصح في غيره من الشهور ايضا فلا وجه لما قيل بانه خاص بهذا الشهر او به وبالربيعين. وانما اضيف اليه في الاية المباركة للدلالة على أن المراد بالايام المعدودات كل هذا الشهر فلا يختص الحكم ببعض ايامه. 

وقيل ان رمضان اسم من اسماء الله تعالى ولذلك لا يصح ان يقال بدون اضافة الشهر اليه وان معناه شهر الله وورد ذلك في روايات العامة[23] ويقال ان مجاهد كان ملتزما به[24] وورد ايضا في بعض رواياتنا[25] ولا اعتماد عليها والظاهر انها من المدسوسات.

ويدل على بطلان هذا القول ان اطلاق رمضان من دون اضافة الشهر ورد في عدة من الروايات[26] في كتب الفريقين مضافا الى وروده بالتثنية والجمع (رمضانان ورمضانات) في الروايات[27] واللغة ومضافا الى انه لم يعهد ذكر هذا الاسم في اي موضع ذكرت فيه اسماء الله تعالى ومضافا الى انه لا يحمل معنى يناسب الذات الالهية ولا صفاته الحسنى.

ثم وصف الشهر بان القرآن الكريم انزل فيه. والقرآن مصدر قرأ اي جمع ومنه القراءة لانك تجمع الكلمات في التلفظ واطلاق القرآن على الكتاب العزيز لانه يُقرأ. ومهما كان فهو عَلَم لهذا الكتاب الكريم.

وقيل سمي بالقرآن لانه مجمع الهدايات والبينات والايات الكريمة وما ورد في الصحف السابقة كما قال تعالى (وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى).[28] وهو وجه لطيف.

وتوصيف الشهر المبارك بنزول القرآن فيه يدخل في إطار الترغيب في صومه ويستفاد من تعبير الآية ان ايجاب صومه نشأ من هذه الفضيلة التي خصه الله بها وهي نزول القرآن فيه وأن تشريع صومه من اجل الشكر لهذه النعمة العظيمة حيث انه تعالى رتّب بفاء التفريع وجوب الصوم في الشهر على نزول القران فيه بقوله (فمن شهد منكم الشهر فليصمه).

والمراد نزوله في ليلة القدر بقرينة قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)[29] وكذلك قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)[30] وتوصيف الليلة بان كل أمر حكيم يفرق فيها يدل على أنّ المراد بها ليلة القدر.

ويتبين من مجموع هذه الآيات بوضوح أن ليلة القدر في شهر رمضان المبارك ولا وجه لاحتمال كون المراد بها ليلة النصف من شعبان. وقد ذكرنا في تفسير سورة القدر احتمال ان تكون ليلة القدر متغيرة ولكن من الواضح ان الليلة التي نزل فيها القرآن من ليالي شهر رمضان.

وهنا اشكال يختص بالامامية فقد اتفقوا على أنّ البعثة كانت في السابع والعشرين من شهر رجب وان كانت الروايات التي تشتمل على ذلك كلها ضعيفة الا انه من الشهرة بمكان يكاد يوجب الوثوق. وهذا ربما يتنافى مع كون اول نزول للقران في شهر رمضان.

وتخلص بعض الباحثين عن هذا الاشكال بأن الوحي لم ينزل اول البعثة بل تأخر ثلاث سنين[31] واستدل على ذلك بان الوارد في بعض الروايات التعبير بنزول القران خلال عشرين سنة وأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يعلن رسالته الا بعد ثلاث سنين.

والرواية رواها الكليني قدس سره بسنده عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال (سألته عن قول الله عز وجل "شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن" وإنما انزل في عشرين سنة بين أوله وآخره؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ثم نزل في طول عشرين سنة..)[32]

اما ما ورد في الرواية فلعله من باب المسامحة في التعبير خصوصا انه ورد في كلام السائل اولا ولم يتعرض الامام لتصحيحه من هذا الباب مضافا الى ان الرواية ليست معتبرة سندا واما عدم اعلان الرسالة ثلاث سنين فلا علاقة له بعدم نزول القرآن وانما يدل على عدم قراءة القران على عامة الناس هذه المدة.

ولكن يمكن أن نقول إن هذا اليوم اي السابع والعشرين من شهر رجب هو اليوم الذي اوتي الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم فيه النبوة ولا ملازمة بين ارسال الرسول وانزال الكتاب فان موسى عليه السلام ارسل رسولا ولم يؤت التوراة الا بعد مدة طويلة فلا منافاة بين كون البعثة في رجب وان تكون ليلة القدر وقت نزول اول مجموعة من ايات القرآن الكريم.

ولكن يبقى الكلام في معنى نزول القرآن في ليلة واحدة مع أنه نزل تدريجا خلال ثلاث وعشرين سنة. وهناك محاولات للجمع بين الامرين وقد ذكرنا تفصيل البحث عنه في تفسير سورة الدخان ومجمل القول فيه ان هناك وجوها للجمع:

الوجه الاول: أن المراد نزول اول آية من القرآن في ليلة القدر وذلك لان المتعارف في الامور التدريجية ان يسجل تاريخها باعتبار ابتداء تحققها لا مجموع الوقت فاذا نزل جيش مثلا في مكان فبطبيعة الحال يحتاج استقرار جميعهم مع معداتهم العسكرية الى زمان طويل ولكن تاريخ نزولهم يعتبر يوم ورود طلائعهم ومقدمتهم.

الوجه الثاني: ان القرآن نزل جملة واحدة الى البيت المعمور في شهر رمضان وهو بيت في السماء محاذ للكعبة المشرفة كما في الحديث ثم نزل تدريجا في غضون ثلاث وعشرين سنة.

وورد ذلك في بعض الروايات ولكن السند ضعيف.

ومن المستبعد جدا ان يمنّ الله تعالى علينا بنزول القران في البيت المعمور خصوصا انه جعل ذلك منشأ لكرامة شهر رمضان وليلة القدر وان الشكر على نزول القران فيه يستوجب صومه كما مر ونحن لا نشعر بنعمة في نزول القران الى البيت المعمور.

بل ربما يستظهر من الاية أن النزول فيه كان معلوما لدى عامة المسلمين في ذلك العصر اذ لم يرد بصورة الاخبار به بل بصورة التوصيف مما يدل على أنهم كانوا يعرفونه بهذا الوصف ولا شك أنهم ما كانوا يعرفون نزوله في البيت المعمور.

وفي هذا الوجه اشكال آخر وهو ان القرآن المنزل تدريجا لا يمكن جمعه في زمان قبل ذلك مطلقا لان الآيات نزلت بشأن الحوادث الواقعة ولا يمكن التعبير عن هذه الحوادث قبل حدوثها باللفظ الماضي كما هو الوارد في القرآن كقوله تعالى (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ..).[33]

وهناك وجوه اخرى من هذا القبيل وقد ذكرنا الجواب عنها في تفسير سورة الدخان وقلنا إن نفي هذا الوجه كاثباته لا يستند الى دليل قطعي فيبقى هذا الوجه مجرد احتمال.

الوجه الثالث: ما ذكره العلامة الطباطبائي قدس الله سره وملخصه أن الآيات الناطقة بنزول القرآن في شهر رمضان أو في ليلة منه إنما عبّرت عن ذلك بلفظ الانزال الدال على الدفعة دون التنزيل الدال على التدرج.

والسر فيه ان الكتاب له حقيقة أخرى وراء ما نفهمه بالفهم العادي وهو بهذا المعنى نزل على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دفعة واحدة ثم نزلت الآيات بالتفصيل تدريجا في غضون سنين وهذه الحقيقة ليست فيها تفاصيل وآيات وسور.

وقال ان هذا الكتاب الذي نراه ونقرأه بالنسبة لتلك الحقيقة بمنزلة اللباس من المتلبس واستدل على ذلك بعدة من الآيات.

وناقشنا هذه النظرية في تفسير سورة الدخان بالتفصيل وقلنا بالنهاية انها وان لم يكن لها دليل فنحن لا ننفيها أساسا وتبقى هي ايضا مجرد احتمال.

الوجه الرابع: ما ذكره جمع من العلماء ايضا وارتضاه سيدنا العلامة قدس سره حيث انه بعد التاكيد في تفسير هذه الاية على الوجه المذكور آنفا ورفضه احتمال النزول جملة على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عدل عنه في تفسير سورة الدخان وفي ذيل قوله تعالى (فيها يفرق كل أمر حكيم) فقال:

(ولعل الله سبحانه أطلع نبيه صلى الله عليه واله وسلم على جزئيات الحوادث التي ستقع في زمان دعوته وما يقارن منها نزول آية او آيات او سورة من كتابه فيستدعي نزولها وأطلعه على ما ينزل منها فيكون القرآن نازلا عليه دفعة وجملة قبل نزوله تدريجا ومفرقا ومآل هذا الوجه اطلاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على القرآن في مرحلة نزوله الى القضاء التفصيلي قبل نزوله على الارض واستقراره في مرحلة العين وعلى هذا الوجه لا حاجة الى تفريق المرتين بالاجمال والتفصيل كما تقدم في الوجه الاول).

ومراده بالوجه الاول ما نقلنا ملخصه منه آنفا.

وعلى ذلك فيكون هذا توجيها آخر وهو ان القرآن نزل عليه صلى الله عليه وآله وسلم تفصيلا لا اجمالا ودمجا ولكن في ضمن اعلام الله تعالى له بتفاصيل ما سوف يقضي به من حوادث تستتبع نزول الآيات فيكون بذلك قد اطّلع على الآيات ضمنا.

وهذا الوجه لا بأس به ايضا وان كان نزول كل هذه التفاصيل في ليلة واحدة امر مستبعد في العادة مضافا الى ما ذكرناه من الاشكال في الوجه الثاني اي نزوله الى البيت المعمور من انه ليس معلوما للناس وظاهر الآية توصيف الشهر بذلك مما يقتضي ان يكون الامر معروفا لديهم.

وعليه فكل من الوجوه الاربعة محتملة في المقام وبكل منها يمكن توجيه الآيات المذكورة ورفع التنافي بينها وبين النزول التدريجي والحمد لله.

ولكن الوجه الاول أقرب وابعد عن الاشكال.

وقد ذكر في رفع الاشكال في الاية وجوه اخرى ضعيفة جدا فقيل مثلا لعل معظم القرآن نزل في أشهر رمضان طيلة السنين.[34] وهذا مع انه لا دليل عليه لا يحل الاشكال فان ظاهر الاية ان القران باكمله انزل في شهر رمضان ونزول المعظم لا يبرر هذا التعبير ان لم يبرره نزول اول الايات.

ومنها ما رواه الطبري عن جماعة منهم ابن عباس ان القرآن نزل الى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل تدريجا. ولكن لا خصوصية في السماء الدنيا فالقول بانه نزل على البيت المعمور اولى منه.

ومن الطريف ما ذكره الفخر لتوجيه هذا الاحتمال حيث قال (لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ سَمَاءِ الدُّنْيَا مَصْلَحَةٌ فِي إِنْزَالِ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ أَوْ كَانَ فِي الْمَعْلُومِ أَنَّ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَة لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي تَوَقُّعِ الْوَحْيِ مِنْ أَقْرَبِ الْجِهَاتِ، أَوْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهُ كَانَ هُوَ الْمَأْمُورُ بِإِنْزَالِهِ وَتَأْدِيَتِهِ).[35]  

وكأنه توهم أن انزال الوحي من السماء السابعة او من اللوح المحفوظ او من العرش الى الارض ياخذ وقتا طويلا فاراد الله تعالى ان يكون اقرب الى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لئلا يطول انتظاره ولئلا يتعب الامين جبرائيل في انزاله اليه.

ومنها ما رواه الفخر ايضا عن سُفْيَان بْنُ عُيَيْنَةَ انه قال: أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ مَعْنَاهُ أُنْزِلَ فِي فَضْلِهِ الْقُرْآنُ. وعليه فلا يبقى وجه لتوصيف القرآن بانه (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) اذ الاهتمام في الاية بتوصيف الشهر لا القرآن.

ومنها ان المراد بانزال القرآن فيه انزال سورة الفاتحة لانها تشتمل على جمل معارف القرآن فكأنّ القرآن نزل فيه جميعا.[36]

وقد مر الكلام في تفسير سورة الفاتحة في تفنيد ما يقال من انها تشتمل على جمل معارف القران فانه كلام لا اساس له وتنقيص من شأن الكتاب العزيز.

وقوله (هدى للناس) حال من القرآن اي انزل حال كونه هاديا للناس فهو مصدر بمعنى اسم الفاعل و(بينات) حال ايضا ولكنها صفة تقوم مقام الموصوف وهو (آيات) اي انزل القرآن وهو آيات بينات.

والبيّن اي الواضح والموضح فهي واضحات بمعنى ان كل من يجيد اللغة العربية ولو لم يكن متضلعا فيها يفهم من آياته ما يهتدي به في حياته وان لم يعلم المعنى بدقة. وهي موضحات بمعنى انها توضح حقائق الدين والمعارف الالهية والاحكام الشرعية.

وقوله (من الهدى والفرقان) بيان من الآيات المقدرة موصوفا بمعنى أن الآيات تهدي الى الطريق الصحيح وتفرق بين الحق والباطل. فالهدى المذكور اولا صفة للقران باجمعه وانه يهدي الناس الى الحق والمذكور ثانيا صفة لكل آية او كل جزء منه. وفائدة التكرار ان القرآن لا يشتمل على هزل او كلام غير نافع في طريق الهداية.

والفرقان مصدر ومعناه الفصل والتفريق لان من اخطر ما يصيب الانسان في مسيره المعنوي الى رضوان الله تعالى هو اختلاط الحق والباطل ولو كان الباطل واضحا لاجتنبه الناس.

قال امير المؤمنين عليه السلام (فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَيَنْجُو الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنى).[37] 

والقرآن يفصل بين الحق والباطل فآياته ميزان لتمييز الحق عن الباطل.

ويمكن ان يكون المراد بالبينات خصوص الايات المحكمات فان القرآن فيه ما هو متشابه كما قال تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ..).[38]

وروى الكليني مرسلا عمن ذكره قال (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القرآن والفرقان أهما شيئان أو شيء واحد؟ فقال عليه السلام: القرآن جملة الكتاب والفرقان المحكم الواجب العمل به).[39]

 

فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ...

الفاء لتفريع الحكم على قوله (شهر رمضان..) وحيث انه بيان للايام التي كتب فيها الصيام فالتفريع واضح و(من) شرطية او موصولة تفيد معنى الشرط و(فليصمه) جوابه.

واما الشهود فقد قيل ان المراد به الرؤية وان الشهر هو الهلال وهو غير صحيح فان الرؤية من المشاهدة لا من الشهود وانما الشهود بمعنى الحضور كما يلاحظ في موارد استعماله في القران كقوله تعالى (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[40] فالمراد به الحضور لا الرؤية من بعيد او عن طريق التلفاز مثلا.

والمراد بالحضور في مقابل السفر المذكور في الجملة التالية ان لا يكون مسافرا وقد ورد ذلك في حديث رواه الكليني قدس سره بسنده عن عبيد بن زرارة قال (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قول الله عز وجل "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" قال: ما أبينها من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه).[41]

والشهر بناء على هذا ظرف للشهود وليس مفعولا لان الحضور يحصل في الشهر نعم لو كان بمعنى الرؤية او العلم كان مفعولا كما أن الضمير في (فليصمه) ظرف او منصوب بنزع الخافض.

وليس معنى شهود الشهر الحضور في جميعه بل يصوم كلما كان حاضرا ويفطر اذا سافر كما انه لا يصح ما قيل من ان من كان حاضرا في اوله يصومه وان سافر بعده لانه يصدق عليه انه شهد الشهر كما رواه الطبري عن جماعة من الصحابة وغيرهم حتى انه رواه عن امير المؤمنين عليه السلام والرواية غير صحيحة.

والدليل على ذلك الروايات الكثيرة في كتب الفريقين منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال (سمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوما صاموا حين أفطر وقصر عصاة وقال: هم العصاة إلى يوم القيامة وإنا لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا).[42]

وروى مسلم بسنده عن (جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ).[43]

ويلاحظ أن حكم المريض والمسافر قد تكرر هنا حيث ان نفس الجملة وردت في الاية السابقة. ولعله للتاكيد على وجوب الافطار في السفر وحال المرض وقضائه في ايام اخر ولئلا يتوهم ان قوله (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) ينسخ حكم المريض والمسافر الذي سبق ذكره.

والسر في هذا التكليف هو ما ورد في حديث طويل عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال (وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه).[44]

ومثله ورد في النهي عن الصوم في منى ففي حديث رواه الصدوق قدس سره بسنده عن عمرو بن جميع عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال (بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق فأمره أن ينادي في الناس أيام منى ألا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وبعال. والبعال النكاح وملاعبة الرجل أهله).[45]

ومثل التعليل المذكور في الحديث السابق ورد في رواية ابن ابي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله عز وجل تصدق على مرضى أمتي ومسافريها بالتقصير والافطار أيسرّ أحدكم إذا تصدق بصدقة أن تردّ عليه؟!).[46]

وفي خبر اخر (عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله أهدى إليّ وإلى أمتي هدية لم يهدها إلى أحد من الأمم كرامة من الله لنا قالوا: وما ذلك يا رسول الله ؟ قال: الافطار في السفر، والتقصير في الصلاة، فمن لم يفعل ذلك فقد ردّ على الله عزّ وجلّ هديته).[47]

 

يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)

قوله تعالى (يريد الله بكم اليسر..) في مقام بيان وجه الحكمة في الحكم السابق اي رفع التكليف بالصوم عن المريض والمسافر. وليس للتعليل بحيث يدور الحكم في الموردين مدار اليسر والعسر كما توهم فيكون حكم المسافر ايضا كالمريض تابعا لكون الصوم فيه عسرا بل حكمه الافطار وان لم يكن في الصوم مشقة عليه لما مر في تفسير الاية السابقة.

والجملة وان كانت بظاهرها استينافية الا انها في المعنى تعليل بتقدير شرع الله لكم هذه الاحكام التي منها الترخيص في الافطار للمريض والمسافر لانه يريد بكم اليسر..

والباء في بكم للالصاق اي اراد ان يوصلكم الى اليسر لا الى العسر. واليسر بمعنى السهولة اي اراد ان يكلفكم بامر سهل عليكم. والعسر بمعنى المشقة. وليس معنى ذلك ان ما يكلفه الله تعالى ليس فيه اي كلفة ومشقة فهو خلاف الواقع ولا شك أن الاسهل للانسان ان لا يكلف بشيء.

وكثيرا ما نسمع من الناس عدم تقبل الحكم الشرعي المذكور في الفقه بحجة ان الدين يسر وهم بذلك يردون على فتوى الفقهاء ويظنون ان الدين ليس فيه كلفة.

وليس الامر كما يظنون فالدين مهما كان فيه تكليف ويوجب العسر والمشقة نوعا ما وهذا شأن كل قانون مدني ايضا فالغرض من هذه الجملة ليس اعلام الحرية المطلقة بل المراد أن الله تعالى لا يريد بتشريع الاحكام أن يكلف الناس ما لا يطيقون بل يريد لهم الخير في ايسر ما يكون من التشريع ولكن الامر بحاجة الى نوع من التكليف لا بد منه فهو لا يزيد عليهم اكثر مما يقتضيه اصل المصلحة.

كما أن واضع القانون العرفي ايضا يلاحظ هذا الامر قدر الامكان فلا يشرّع قانونا يصعب على الناس تطبيقه ولكن لا بد لهم من قانون ولا بد من وضع ما يحدّد الحريات.

وحيث ان التقدير كما مر (شرع الله لكم هذه الاحكام لانه تعالى يريد بكم اليسر) فقوله ولتكملوا العدة عطف على هذه الجملة التعليلية اي شرع لكم وجوب الصوم في ايام اخر لتكملوا العدة اي عدد الايام المفروض صومها.

ومنه يعلم ان قوله (اياما معدودات) كما يفيد الاشارة الى تخفيف الحكم يفيد التقيد بالعدد فاذا رخص في الافطار في يوم منها فلا بد من صوم يوم اخر لاكمال العدة. ومن هنا يتبين ان المريض والمسافر انما كان واجبهما من الاول صوم ايام اخر لاكمال عدة شهر رمضان.

وقوله (ولتكبروا الله..) عطف ايضا على هذا التعليل وهو تعليل لاصل ايجاب الصوم والتكبير حمد وثناء لله تعالى على هداياته التي منها انزال القران وتشريع الاحكام و(ما هداكم) مصدرية اي على هدايته حيث قال (شهر رمضان الذي انزل فيه القران هدى للناس..) وهو تعليل ايضا لتخصيص الصوم بشهر رمضان.

وقوله (ولعلكم تشكرون) تعليل ايضا لاصل تشريع هذه الاحكام بل لكل الاحكام الشرعية ولذلك اختلف التعبير فيه فقال (ولعلكم..). ولعل السر فيه ان الشكر واجب على العبد على كل ما انعم الله عليه وهو لا يعلم كيف يشكر ربه ولا يستطيع ان يشكر فالله تعالى علمه الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات لعله يستطيع ان يقوم بواجب الشكر. ولذلك قيل ان الاحكام الشرعية ألطاف في الاحكام العقلية.

 

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ 186

آية كريمة مشحونة باللطف والرأفة الالهية بعباده ومن لطيف ما فيها كثرة ضمير المتكلم المنفرد والله تعالى تارة يعبر عن نفسه بضمير الجمع وتارة بالمنفرد وهذا الاهتمام يحمل معنى فهو لمّا ياتي بالضمير المنفرد تعبيرا عن نفسه ففيه نوع اختصاص.

وفي الميزان انه لا توجد آية في القرآن تشتمل على هذا العدد من الضمائر المفردة وهو عدّها سبعة ولعله بالاضافة الى الضمير المستتر في قوله (اجيب) والا فهي ستة. مضافا الى انه تعالى لم يقل (واذا سالك الناس) بل عبر عنهم بعباده. ثم لم يقل في الجواب فقل اني قريب بل تكفل هو بالجواب (فاني قريب). ولم يقل اني قريب اسمع دعواتكم بل قال اجيب دعوة الداع. وقوله (اذا دعان) يعني انه لا يشترط امر آخر في الاجابة فهو يجيب بمجرد ان يدعوه العبد.

والبحث في هذه الآية من عدة جهات:

تناسب الآيات:

والكلام هنا في مناسبة هذه الآية لما قبلها وما بعدها حيث إنّ الآيتين موردهما الصيام وهذه الاية بينهما فلا بد من مناسبة بين مضمونها وموضوع الصيام.

ولعل المناسبة هو نفس ما تشتمل عليه سائر الايات السابقة من الحثّ على الصوم وتحبيب الامر للناس من مختلف الجهات وهنا يتحبب ذوالجلال الى عباده بهذا التعبير ليطيعوه في امر الصوم تعبدا وتطوعا لا خوفا من العذاب.

المراد بالسؤال عن الله:

معنى قوله تعالى (سألك عبادي عني) سؤالهم: اين هو الخالق؟ وكيف يمكن الارتباط به؟ وكيف ندعوه ونساله حاجاتنا؟

هل لا بد من رفع الصوت ام يكفي الاخفات؟ وهل الامر بحاجة الى الذهاب الى مكان خاص كالكعبة المعظمة؟ او الى انتظار زمان خاص كيوم عرفة او ليلة الجمعة؟ وهل لا بد من تقديم عمل للتقرب اليه كتقديم ذبيحة او امر آخر؟

وغير ذلك من الاسئلة التي تختلج في الاذهان للوصول الى الله تعالى خصوصا في ذلك العصر حيث كانوا في بداية التعرف على الله تعالى ولا يعرفون عنه الا تصورا بدائيا بل هو كذلك عند كثير من الناس حتى في هذا العصر وبعد انتشار المعارف القرآنية.

معنى قربه تعالى:

أجاب الله تعالى عن هذا السؤال بأنه قريب يجيب الدعاء وهناك بحث في معنى قربه تعالى من الانسان وقد ورد هذا التعبير او ما يشابهه في مواضع من القرآن والحديث.

فمنها قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [48] والمراد بحبل الوريد العرق الذي بقطعه يموت الانسان وعبر عنه بالحبل كأنه سبب اتصال الانسان بروحه والمراد بيان انه تعالى اقرب اليه من نفسه وروحه الذي هو حقيقة الانسان لا ما تتوقف عليه الحياة الطبيعية ولكن حيث إن العرف لا يفرق بين حياة الانسان ووجوده ويعتبر الميت معدوما فما يكون منشأ لحياته يعتبره منشأ وجوده وكيانه فيصح ان يكون هذا التعبير كناية عن انه تعالى اقرب الى الانسان من نفسه ومن روحه الذي يمثل حقيقته.

ولعل المراد بالقرب في هذه الآية أنه تعالى أقرب اليه من نفسه علما وقدرة فهو أعلم بما في نفسه من نفسه وهو أقدر على تغيير نفسياته منه. والانسان يجهل كثيرا من نواياه الواقعية ويخدع نفسه وينخدع بذلك كما أنه لا يتمكن في كثير من الحالات ان يسيطر على نفسياته ونواياه والله تعالى عالم بكل خباياه بل بكل ما يغفل عنه منها كما أنه أقرب الى قلبه منه فيقلبه كيفما يشاء ويتحكم في ارادته ويصرفه عما يشاء.

ومثله قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ..).[49] 

ومنها قوله تعالى (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ)[50] وهذه الاية وردت في حال الاحتضار حيث ان الانسان محاط باهله وذويه وهم ينتظرون ما يؤول اليه امره وحيث ان الله تعالى أقرب الى الانسان من نفسه فبطريق أولى هو أقرب اليه من غيره. والمراد بالقرب هنا الاحاطة بكل شؤونه فالله تعالى قيوم على كل نفس بل على كل شيء قال تعالى (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ..).[51] 

ويفهم معنى القرب في الآية التي نفسرها من قوله تعالى (فاني قريب اجيب) حيث لم يرد العطف بين الجملتين فالقرب هنا بالمعنى الذي ينتظره السائل: هل هو بعيد فاناديه او اقطع مسافات للوصول اليه؟ الجواب: لا بل هو قريب فاذا دعوته ولو همسا يجيب دعاءك.

ولكن ما هي حقيقة هذا القرب؟

هذا امر لا تبلغه افهامنا والله تعالى لم يكلفنا معرفته. ولكن نعلم انه ليس بمعنى القرب في المكان لانه تعالى منزه عن المكان والزمان وليس جسما يحيط به المكان ولو كان كذلك لم يكن قريبا من كل احد ومن كل شيء.

كما نعلم ان بعض ما يتصوره الناس وربما يذكر في الكتب من انه تعالى محيط بالاشياء احاطة علم ولو عن بعد غير صحيح فهم يتصورون انه تعالى مستوٍ على عرشه ويعلم عن كل ذرة في السماوات والارض عن بعد مع انه تعالى يصرّح بانه قريب فلا يحمل الكلام على الاحاطة العلمية عن بعد.

ويفهم من عدم التقييد في قوله (اذا دعان) أنه لا حاجة الى اي عمل او الى تقديم اي شفيع او الذهاب الى اي مكان خاص او انتظار زمان خاص فاجابته تعالى لعبده لا تتوقف على شيء الا على الدعاء وهو حاضر وقريب في كل وقت وفي كل مكان ولاي حاجة لا يفصل بينه وبين العبد شيء. ما أروعه!!!

ولكن هذا لا ينافي كون الدعاء اقرب الى الاجابة في ظروف خاصة وفي ازمنة خاصة وامكنة خاصة كيوم عرفة وفي عرفات وكذلك في حالات خاصة للعبد كما لو كان صائما او كان في حال الجهاد في سبيل الله او اي طاعة كما لو كان بعد الصلاة وكذلك لو استشفع وتوسل باوليائه تعالى فكل ذلك يقرب الاجابة.

ويدل على ذلك قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)[52] فالاستغفار عند الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اقرب الى القبول كما ان استغفار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لاحد اولى بالاجابة من استغفاره لنفسه ولا يعني ذلك انه تعالى لا يقبل استغفاره لنفسه او استغفاره في بيته.

معنى اجابة الدعاء:

والدعاء معروف وهو كالنداء الا ان النداء برفع الصوت والدعاء يكون برفعه وخفضه بل حتى في النفس على ما ذكره العسكري في الفروق. ولا يقال ناديت الله في نفسي وليس في معنى الدعاء طلب حاجة بل هو مجرد دعوة. ولذلك قال في معجم المقاييس (وهو ان تميل الشيء اليك بصوت وكلام يكون منك).

والجواب - كما في العين - رديد الكلام. وفي معجم المقاييس مراجعة الكلام. ولكن في المفردات انه في مقابلة السؤال والسؤال قد يكون طلب مقال فجوابه المقال وقد يكون طلب نوال فجوابه النوال. وهو صحيح وفي القران موارد من الاستعمال في كل منهما.

والاجابة في هذه الاية تحتمل الامرين فيمكن ان يكون معنى قوله تعالى اجيب دعوة الداع انه يقضي حاجة من يطلب منه حاجته ويمكن ان يكون بمعنى انه يسمع دعاءه ويلبيه واجابة الدعوة لا تحمل معنى اكثر من الاستماع اليها وقبولها وهو الغالب في الدعوات من الله تعالى لان الحاجات في الغالب مما لا يمكن ان تقضى. والعارف بالله لا يتطلع الى مقصود فوق تلبيته تعالى والاستماع الى دعاء العبد فهو غاية منى العارفين.

وهناك قرينة اخرى ايضا تقتضي الحمل على ذلك وهي ما مرت الاشارة اليه من ان الظاهر أنّ قوله تعالى (اجيب دعوة الداع..) حيث لم يرد عطف في الجملة تفسير وتوضيح لقربه تعالى فهو قريب بحيث يسمع الدعوات ويجيبها مهما كان الصوت خافتا، بل حتى لو كان بلا صوت، فالغرض دفع توهم الانسان الساذج أنّ اللّه تعالى بعيد عنه لعظمته فلا يسمع نداءه.

وهذا التوهم ربما يكون منشأ للشرك والتوسل بالاصنام والملائكة والانبياء والاولياء وغيرهم ليقرّبوهم الى اللّه زلفى حيث ان الله تعالى لا يمكن الوصول اليه وهذا خطأ فادح. وهذا لا يعني عدم جواز الاستشفاع بالرسل والاولياء بل هو جائز مع الاعتقاد بأنّ اللّه هو السميع البصير وهو الذي يقبل الشفاعة او يردّها وهو الصمد الذي يصمد اليه الناس بحاجاتهم وهو الذي يقضي الحاجات وكل من دونه محتاج اليه في اقل شيء من حاجاته ولا يستغني منه احد.

فتبين بما مر أنّ الاجابة بمعنى سماع الدعوة والتلبية لأنّه هو المناسب للقرب لا بمعنى قضاء ما يطلبه الداعي. وبناءا على ذلك فلا يرد نقض على الآية الكريمة بأن كثيرا من الادعية لا تستجاب. ومثل ذلك يقال في سائر ما ورد من الايات المشابهة كقوله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ..)[53] 

ولذلك ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ما من مسلم دعا الله سبحانه دعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم إلا أعطاه الله أحد خصال ثلاثة: إما أن يعجل دعوته وإما أن يدخر (وفي نسخة يؤخر) له، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها قالوا يا رسول الله إذن نكثر؟ قال: أكثروا).

وفي حديث اخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (الدعاء مخّ العبادة وما من مؤمن يدعو الله إلا استجاب له إما أن يعجل له في الدنيا أو يؤجل له في الآخرة وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدع بمأثم).[54]

ومعنى ذلك أن الله تعالى يسمع دعاءه ويستجيب له ولكن ربما يقضي حاجته او يعوضه عن ذلك بما هو الافضل. فبذلك يتبين ان الاجابة من الله تعالى ليست دائما بمعنى قضاء ما يطلبه الداعي كما يتوهم بل بمعنى يشمل ذلك ويشمل غيره فالاجابة في الحقيقة ليست الا استماع الدعوة والقبول.

ولا نعلم حقيقة قبوله تعالى للدعاء او للصلاة او لاي عمل ولا نعلم معنى عنايته تعالى بالعبد الا انا نعلم ان هذا هو غاية المنى لمن يعرف ربه. والجنة بكل ما فيها اقل شأنا من رضوان الله تعالى بل الجنة في الحقيقة ليست الا تحصيل رضاه سواء في الدنيا ام في الآخرة وان اولياءه المخلصون يعيشون في جنة في هذه الحياة ايضا.

وفي صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام قال (يا معاوية من أعطي ثلاثة لم يحرم ثلاثة: من أعطي الدعاء اعطي الإجابة، ومن أعطي الشكر أعطي الزيادة، ومن أعطي التوكل أعطي الكفاية، فان الله يقول في كتابه (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) ويقول (لئن شكرتم لأزيدنكم) ويقول (ادعوني أستجب لكم).[55]

ومن الواضح ان الاجابة الملازمة للدعاء ليست بمعنى قضاء الطلب مهما كان وانما هي بالمعنى الذي ذكرناه.

هذا مع أنّ كثيرا مما يطلبه الانسان لا يمكن ان تقضى وهناك أدعية متناقضة فبعضهم لا يصلح حاله الا بالمطر مثلا وبعضهم يضرّه، وبعضهم يريد الحرّ وآخرون يريدون البرد. ولو كان المفروض أن تقضى حاجة كل احد بل كل مؤمن لفسد العالم. كما قال تعالى (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ..)[56] وهناك من الحاجات ما لا يصلح للانسان وهو لا يعلم، وربما يعلمه بعد حين.

وربّما يكون ما يطلبه الانسان أصلح لدنياه ولكنّه غير صالح له في الاخرة وسيعلم آنذاك أنّ عدم تحققه انما كان من رحمته تعالى وأنّ ما يحصل عليه هناك أفضل بكثير ممّا طلبه هنا، ولكنّ الانسان في هذه الحياة لا يهمّه الا ملذّات الدنيا كما قال تعالى (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ..)[57] فمثله كالطفل يطلب من أبيه ما يضرّه ولا ينفعه وربّما يبغض أباه اذا منعه من أكل الحلوى التي تضرّه.

ثم إنّ هناك كثيرا ممّا نطلبه يستحيل تحققه واقعا وإن لم يكن من المحال العقلي لكنّه يستلزم المحال، وحيث إنّا لا نعلم جميع الظروف المحيطة به نظنّ أنّه أمر ممكن ولو علمنا استحالته لم نطلبه اذ ليس من المعقول طلب المستحيل.

ومن هذا القبيل الدعاء لامر يتوقف على مقدمات ونحن لا نحققها ونطلب من الله تعالى ان يوجد المطلوب باعجاز والله تعالى لا يأتي بالمعجزات حتى لرسله واوليائه الا في ظروف خاصة وفي القرآن آيات تنفي الاتيان بالآيات لطلب الناس کقوله تعالى (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ).[58]

فاذا اراد الانسان ان يدعو لطلب الرزق عليه ان يخرج من بيته للكسب ويدعو ايضا واذا اراد الشفاء من مرض او لمريض عليه ان يعالج ويطلب من الله الشفاء واذا اراد طلب العلم عليه ان يتعلم ويطلب من الله التوفيق وهكذا.. والا فلن يستجاب دعاؤه وهذا من قبيل الدعاء بما لا يكون كما ورد في الحديث.

روى الصدوق قدس سره في حديث طويل مسائل من زيد بن صوحان سأل عنها أمير المؤمنين عليه السلام ومنها: (قال فأي دعوة أضل؟ قال : الداعي بما لا يكون..).[59]

وروى في الخصال في حديث الاربعمائة عن امير المؤمنين عليه السلام قوله (يا صاحب الدعاء لا تسأل عما لا يكون ولا يحل).[60]

الدعاء مخ العبادة:  

ثم إنّ الدعاء عبادة بل هو مخّ العبادة واصلها كما مر في الحديث النبوي وقال تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)[61] فقوله (يستكبرون عن عبادتي) بعد الامر بالدعاء يدل على ان المراد بالعبادة الدعاء.

ولعل بعض ما يبتلي الله تعالى به عباده المؤمنين من المرض والفقر ومصاعب الحياة يريد بها ان يوفقه للدعاء فان الانسان لجهله لا يدعو الله في الرخاء الا قليلا مع ان حاجته الى الله تعالى دائمة وفي كل حال ولكنه لجهله اذا راى اموره جارية على طبيعتها يغفل عن ربه فينبهه الله تعالى بعروض ما يلزمه الدعاء وطلب الحاجة وقد ورد في الحديث ان من موجبات عدم الاستجابة ان يترك الانسان الدعاء في ايام الرخاء.

ففي حديث عن أبي عبد الله عليه السلام (إن الدعاء في الرخاء يستخرج الحوائج في البلاء). وفي حديث اخر عنه عليه السلام (من سره أن يستجاب له في الشدة فليكثر الدعاء في الرخاء).[62]

والغفلة وقت الرخاء والتضرع حين البلاء مما تكرر ذكره في القرآن الكريم والتنديد به قال تعالى (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ..).[63]

وقال ايضا (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا).[64] 

وقال ايضا (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ).[65]

اطلب كل حاجاتك:

يستحب للانسان ان يطلب كل ما يحتاجه من ربه ففي الحديث القدسي (يا موسى سلني كلما تحتاج إليه، علف شاتك وملح عجينك). [66]

وفي رواية معتبرة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إن الله أحب شيئا لنفسه وأبغضه لخلقه أبغض لخلقه المسألة وأحب لنفسه أن يُسأل وليس شيء أحب إلى الله عز وجل من أن يُسأل فلا يستحيي أحدكم أن يسأل الله من فضله ولو شسع نعل).[67]

وقوله عليه السلام (أبغض لخلقه المسألة) اي أبغض لخلقه أن يسألوا أمثالهم من المخلوقين وأحب أن يسألوه ما شاءوا.

والوجه في ذلك ان المؤمن يعلم أن كل ما يصل اليه من خير وشر فهو من الله تعالى فلا يختص الامر بما يكون غير متوقع او مخالفا لقانون الطبيعة فالغالب من الناس لا يرى في الكون تاثيرا لله تعالى الا في المعجزات والامور الخارقة للعادة والمؤمن لا يرى لغيره تعالى تاثيرا في الكون الا باذنه ولذلك يطلب منه كل صغيرة وكبيرة.

تاثير الدعاء:

وللدعاء تأثير في الكون لا نعلم سره وحكمته فمن ذلك أن الله تعالى خلق ملائكة يستغفرون للمؤمنين قال تعالى (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)[68] وقال ايضا (وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).[69]

ومن ذلك ايضا ما ورد في القرآن من امره تعالى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان يستغفر للمؤمنين كقوله تعالى (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)[70] وكذلك قوله تعالى (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ..)[71] وغيرهما فان الله تعالى اذا اراد ان يغفر لهم لا حاجة الى طلب من الملائكة او النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهذا الامر له حكمة خاصة وهو تأثير الدعاء اثرا غيبيا مجهولا لنا كما نجهل تأثير عبادة الخلق لله تعالى في الكون حيث اصبحت الهدف الاسمى من خلقهم كما قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).[72]

فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي:

الفاء في قوله تعالى (فليستجيبوا لي) تفريع على قوله (اجيب دعوة الداع اذا دعان) وقد اختلف المفسرون في المراد بالامر بالاستجابة له تعالى المترتب على اجابته للدعوة. قال في الكشاف (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي إذا دعوتهم للإيمان والطاعة كما أنى أجيبهم إذا دعوني لحوائجهم) ومثله ورد في عدة من التفاسير كابي السعود والمنار.

وهو تأويل بعيد لان معنى الترتب حينئذ ان تكون الاطاعة في كل مواردها نوعا من التعامل مع الله تعالى حيث انه استجاب دعاءنا فنصلي له ونصوم مع انه تعالى لا ينتفع بصومنا وصلاتنا فلا وجه للمقابلة.

والصحيح ان المراد فليستجيبوا دعوتي اياهم للدعاء فان معنى قوله (اجيب دعوة الداع اذا دعان) ادعوني فاني اجيب دعاءكم ويترتب على ذلك الامر باستجابة هذه الدعوة اي دعوته تعالى للدعاء وطلب الحاجة منه.

واللام لام الامر. والاستجابة والاجابة بمعنى واحد. وفرق بينهما العسكري في الفروق بان استجاب طلب الاجابة بقصده اليها واجاب اوقع الاجابة بفعلها. والنتيجة واحدة الا ان الاول يدل على انه أجاب عن قصد واهتمام. ولذلك قيل ان الاستجابة آكد.

وقوله (وليؤمنوا بي) اي يؤمنوا بأني قادر على اجابة الدعاء وأني أفي بما وعدت عبادي فهناك كثير من الناس يشكون في قدرته تعالى على كل شيء لانهم يتصورون ان ما يستند اليه هو ما يكون خارقا للعادة فاذا قضيت حاجتهم بصورة طبيعية فلا ينسبونه الى الله تعالى.

وهناك من الناس من لا يؤمن بانه تعالى يفي بما وعد وخصوصا في اجابة الدعوات حيث يلاحظون انهم كثيرا ما يدعونه تعالى في حاجاتهم وملماتهم ولا يقضي الله حاجتهم فورا كما يتوقعون ولا يلاحظون انه تعالى قضى كثيرا من حاجاتهم حتى من دون سؤال ومن دون علم والانسان غالبا لا يعلم ما يصلح شأنه ولكنه يرى ان اموره على ما يرام بحيث يناسب حاله وشأنه لا كما يتوقع ويهوى.

وهذا الخطاب متوجه الى العباد جميعا ولكنه موجه الى المؤمنين خاصة كما هو واضح ولعله يكون من الغريب انه تعالى يطلب من المؤمنين ان يؤمنوا بقدرته وبوفائه. ولكن الواقع أن المؤمنين وان لم يصرحوا بعدم ايمانهم الكامل بقدرته تعالى وبانه هو القاضي للحاجات بل يصرحون بايمانهم به الا ان قرارة نفوسهم لا تخلو من الشك والريب فلا بد من تنبيههم ليستفيقوا من غفلتهم.

وقوله (لعلهم يرشدون) يدل على أن الدعاء مع الايمان بالله وبقدرته وبانه يجيب الدعوات يخلق الارضية الصالحة للرشاد. وهو الهداية والاستقامة في طريق الحق. ومعنى ذلك أن هذه الاستجابة والايمان لا يكفيان للهداية التامة وانما يهيئان الانسان لقبول الهداية وهذا تنبيه على ان الامر دقيق والانسان معرض دائما لخطر الانزلاق الى الضلال حتى لو كان مؤمنا خالصا.

الروايات في باب الدعاء:

هناك روايات كثيرة في استحباب الدعاء والاكثار منه وطريقة الدعاء والسبب في عدم قضاء بعض الحوائج نذكر بعضها تيمنا.

ونبدأ بوصية امير المؤمنين لابنه الحسن عليهما السلام فانها أبلغ ما ورد وأكمل ما روي في هذا الباب قال عليه السلام في كتابه الذي كتبه عند منصرفه من صفين:

(وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ وَتَكَفَّلَ لَكَ بِالْإِجَابَةِ وَأَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ وَتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ وَلَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ.... فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نِدَاكَ وَإِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ فَأَفْضَيْتَ إِلَيْهِ بِحَاجَتِكَ وَأَبْثَثْتَهُ ذَاتَ نَفْسِكَ وَشَكَوْتَ إِلَيْهِ هُمُومَكَ وَاسْتَكْشَفْتَهُ كُرُوبَكَ وَاسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِكَ وَسَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهِ غَيْرُهُ مِنْ زِيَادَةِ الْأَعْمَارِ وَصِحَّةِ الْأَبْدَانِ وَسَعَةِ الْأَرْزَاقِ ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَتِهِ فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعْمَتِهِ وَاسْتَمْطَرْتَ شَآبِيبَ رَحْمَتِهِ فَلَا يُقَنِّطَنَّكَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الْإِجَابَةُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَعْظَمَ لِأَجْرِ السَّائِلِ وَأَجْزَلَ لِعَطَاءِ الْآمِلِ وَرُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْ‏ءَ فَلَا تُؤْتَاهُ وَأُوتِيتَ خَيْراً مِنْهُ عَاجِلًا أَوْ آجِلًا أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلَاكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ فَلْتَكُنْ مَسْأَلَتُكَ فِيمَا يَبْقَى لَكَ جَمَالُهُ وَيُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ فَالْمَالُ لَا يَبْقَى لَكَ وَلَا تَبْقَى لَهُ..).[73]

المراد بالحاجب في قوله عليه السلام (ولم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه) هو المانع الذي يمنع الناس من الدخول على العظماء لعرض حاجاتهم والله تعالى بعظمته التي ملأت الكون ليس له حاجب ولا يوجد مانع يمنع ابعد الناس عنه من الوصول الى حضرته.

ثم قال (ولم يلجئك الى من يشفع لك اليه) فالعظماء لا يقبلون منك طلبا الا بتوسط شفيع يعرفونه والله تعالى لم يفرض على طلاب الحوائج لديه ان يقدموا شفيعا بل بابه مفتوح للجميع وقد قال امير المؤمنين عليه السلام في دعاء كميل (واستشفع بك الى نفسك) وقال الامام زين العابدين عليه السلام في دعاء ابي حمزة الثمالي (والحمد لله الذي اناديه كلما شئت لحاجتي واخلو به حيث شئت لسري بغير شفيع فيقضي لي حاجتي).

وهذا لا ينافي جواز الاستشفاع بل اولويته انما الكلام في لطفه تعالى بعباده وعنايته بهم حيث لم يلجئهم الى الشفعاء.

وقوله (فاذا ناديته سمع نداك واذا ناجيته علم نجواك) يقصد به انه لا يختلف عنده تعالى ان تناديه برفيع الصوت كما في حال التلهف والاضطرار او تناجيه سرا وبصوت خافت او بدون صوت فانه تعالى يعلم به ويستجيب لك.

ثم نهى الامام عليه السلام عن الياس والقنوط بسبب الابطاء والتاخير في الاجابة وبيّن أن السبب قد يكون من سوء ظنك بالله تعالى حيث قال فان العطية بقدر النية وقد يكون بسبب ان الله تعالى يريد ان يبدلك احسن منه في الدنيا او في الاخرة. وقد يكون بسبب انه امر يضرك في دينك وانت لا تعلم فربما يطلب الانسان مالا والله تعالى يعلم انك لا تقوم بما يجب عليك فيه فلا يعطيك رحمة بك لان ضرر الاخرة وخسارتها اهم واكثر وادوم والمال لا يبقى لك ولا تبقى له.

وروى الكليني بسند صحيح عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال (أحسن الظن بالله فإن الله عز وجل يقول: أنا عند ظن عبدي المؤمن بي إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا).[74]

ومعنى الحديث ان الانسان لا ينبغي ان يدعو الله وهو شاك في اجابته بل يظن بالله خيرا والظن هنا ليس بمعنى الاحتمال الراجح بل اليقين ولذلك ورد في حديث اخر مرسلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة)[75] والتعبير بالظن باعتبار انه امر قلبي يتبع ايمان الانسان وليس عليه دليل حسي.

واليقين بالاجابة انما يتم بناءا على ما ذكرنا من ان الاجابة ليست بمعنى انجاز ما يطلبه الانسان بالذات بل كما ورد في الحديث إما أن يعجل له في الدنيا أو يؤجل له في الآخرة وإما أن يكفر عنه من ذنوبه..

من آداب الدعاء:

وورد في آداب الدعاء عدة احاديث منها ما رواه الصدوق عن ابي جعفر الباقر عليه السلام (ما بسط عبد يديه إلى الله عز وجل إلا واستحيا الله أن يردّها صفرا حتى يجعل فيها من فضله ورحمته ما يشاء، فإذا دعا أحدكم فلا يردّ يديه حتى يمسح بهما على رأسه ووجهه) قال وفي خبر آخر (على وجهه وصدره).[76]

وربما يستغرب بعض الناس هذه الظواهر ويردها بان هذا يستلزم التجسيم كما نسمع من بعضهم النهي عن رفع الراس الى السماء لانه يوهم الاعتقاد بانه تعالى فوقنا ولكن الواقع ان هذه الظواهر لها آثار نفسية في الانسان. والعبادات كلها رموز فالصلاة يشتمل على ركوع وسجود وتوجه الى القبلة وقيام بدون حركة وحتى رفع اليدين في التكبير والقنوت وتعفير الجبهة بالتراب.

واوضح من ذلك طقوس الحج من الطواف والسعي والهرولة والوقوف في عرفات والمشعر ورمي الجمرات والذبح والحلق والتقصير فكل ذلك رموز تؤثر في نفسية الانسان وليس لها آثار واقعية ولا ينتفع بها الله تعالى ولا ينفع المجتمع ايضا الا كرموز دينية تعمق الارتباط بالله تعالى واحكامه.

روى الطبرسي في الاحتجاج عن صفوان عن الامام الرضا عليه السلام في حديث (قال أبو قرة: فما بالكم إذ دعوتم رفعتم أيديكم إلى السماء؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: إن الله استعبد خلقه بضروب من العبادة ولله مفازع يفزعون إليه ومستعبد فاستعبد عباده بالقول والعلم والعمل والتوجه ونحو ذلك استعبدهم بتوجيه الصلاة إلى الكعبة ووجه إليها الحج والعمرة واستعبد خلقه عند الدعاء والطلب والتضرع ببسط الأيدي ورفعها إلى السماء لحال الاستكانة وعلامة العبودية والتذلل له...).[77]

الدعاء يرد القضاء:

وهناك عدة روايات تدل على ان الدعاء يرد القضاء منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال لي (ألا أدلك على شيء لم يستثن فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قلت: بلى قال: الدعاء يرد القضاء وقد ابرم إبراما، وضم أصابعه).

وصحيحة أبي ولاد قال: قال أبو الحسن موسى عليه السلام (عليكم بالدعاء فإن الدعاء لله والطلب إلى الله يردّ البلاء وقد قدر وقضي ولم يبق إلا إمضاؤه، فإذا دعي الله عز وجل وسئل صرف البلاء صرفه).[78] وغيرهما من الروايات.

ومعنى ذلك أن الدعاء من العوامل والمؤثرات الغيبية التي تؤثر في الكون كالمؤثرات الطبيعية ومعنى ابرام القضاء ليس ما قدره الله تعالى في الازل بملاحظة جميع العوامل المؤثرة فانه لا يتغير وانما يتغير ما قضي حسب المؤثرات الظاهرية فاذا كانت جميع العلل والعوامل لتحقق البلاء موجودة ولم يبق الا تحققه فان الدعاء يرد هذا التقدير فيكون هو العامل الاقوى الذي يمنع من تاثير كل العوامل الطبيعية وهذا معنى انه ابرم ابراما.

موانع الاستجابة:

روى القمي في تفسيره عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام (قال له رجل جعلت فداك ان الله يقول "ادعوني استجب لكم" وانا ندعو فلا يستجاب لنا قال: لأنكم لا تفون الله بعهده وان الله يقول"أوفوا بعهدي أوف بعهدكم"[79] والله لو وفيتم لله لوفى الله لكم).[80]

وقد مر الكلام في تفسير الاية وقلنا ان المراد بعهده تعالى يمكن ان يكون ما عاهد الناس عليه ربهم كالعهد الازلي المشار اليه بقوله تعالى (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى..)[81]  وعدم الوفاء به يتحقق بعدم الاعتراف عمليا بربوبيته تعالى المطلقة.

ويمكن ان يكون المراد ما وصاهم الله به كقوله تعالى (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[82] وعدم الوفاء بعهوده تعالى ووصاياه هو اكثر ما نشاهده في حياتنا اليومية من المؤمنين فضلا عن غيرهم.

وروى الكليني قدس سره بسند صحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال (قلت لأبي الحسن عليه السلام[83]: جعلت فداك إني قد سألت الله حاجة منذ كذا وكذا سنة وقد دخل قلبي من إبطائها شيء فقال: يا أحمد إياك والشيطان أن يكون له عليك سبيل حتى يقنطك إن أبا جعفر[84] (صلوات الله عليه) كان يقول: إن المؤمن يسأل الله عز وجل حاجة فيؤخر عنه تعجيل إجابته حبا لصوته واستماع نحيبه ثم قال: والله ما أخر الله عز وجل عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا خير لهم مما عجل لهم فيها وأي شيء الدنيا؟! إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول : ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحوا من دعائه في الشدة ليس إذا أعطي فتر فلا تمل الدعاء فإنه من الله عز وجل بمكان وعليك بالصبر وطلب الحلال وصلة الرحم وإياك ومكاشفة الناس فإنا أهل البيت نصل من قطعنا ونحسن إلى من أساء إلينا، فنرى والله في ذلك العاقبة الحسنة إن صاحب النعمة في الدنيا إذا سأل فاعطي طلب غير الذي سأل وصغرت النعمة في عينه فلا يشبع من شيء وإذا كثرت النعم كان المسلم من ذلك على خطر للحقوق التي تجب عليه وما يخاف من الفتنة فيها، أخبرني عنك لو أني قلت لك قولا أكنت تثق به مني؟ فقلت له: جعلت فداك إذا لم أثق بقولك فبمن أثق وأنت حجة الله على خلقه؟ قال: فكن بالله أوثق فإنك على موعد من الله أليس الله عز وجل يقول "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع دعان" وقال "لا تقنطوا من رحمة الله" وقال "والله يعدكم مغفرة منه وفضلا" فكن بالله عز وجل أوثق منك بغيره ولا تجعلوا في أنفسكم إلا خيرا فإنه مغفور لكم). [85]

في هذا الحديث الشريف عدة نقاط في الدعاء:

احداها: أن التأخير في الاجابة قد يكون ابتلاءا لانه مظنة ان يقنط الانسان من رحمة ربه بوسوسة الشيطان.

الثانية: أن التأخير قد يكون لانه مؤمن ومحبوب عند الله تعالى فيحب ان يرى تضرعه ويسمع صوته ويرفع درجته.

الثالثة: أنه تعالى يريد ان يعطيه خيرا مما يطلب في الاخرة. وأي شيء الدنيا؟! اي إن الدنيا ليس شيئا يذكر بالمقارنة مع نعيم الاخرة.

الرابعة: أن من موانع الاستجابة أن الانسان يدعو اذا مسه الضر واذا رفع عنه البلاء نسي ربه كما قال تعالى (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ..)[86] ونظائرها من الايات.

الخامسة: ان الداعي يجب ان يكون صبورا لا يستعجل الاجابة وان يطلب الحلال ولا يدعو بالشر ولو على غيره وان يصل رحمه وان لا يعلن للناس العداء وهذا معنى قوله (واياك ومكاشفة الناس) ثم أشار الامام عليه السلام أن اهل البيت عليهم السلام يلتزمون بهذه الصفات ويرون منها الخير والعاقبة الحسنة.

السادسة: ان من اسباب عدم الاستجابة ان الانسان قد يكون صاحب نعمة ولكنه يطلب المزيد كما هو الغالب والله تعالى يعلم ان الزيادة تضره ولو بسبب كثرة الحقوق الشرعية التي تتعلق بالمال الزائد على الحاجة وهو لا يؤديها او بسبب افتتانه بها مما يوجب الغرور والخيلاء فلا يعطيه ما يريد رحمة به.  

وروى في نفس الباب عن منصور الصيقل قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام (ربما دعا الرجل بالدعاء فاستجيب له ثم اخر ذلك إلى حين؟ قال: فقال: نعم، قلت: ولم ذاك، ليزداد من الدعاء؟ قال: نعم).

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال (لا يزال المؤمن بخير ورجاء، رحمة من الله عز وجل ما لم يستعجل فيقنط ويترك الدعاء قلت له: كيف يستعجل؟ قال: يقول قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة).

وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال (إن المؤمن ليدعو الله عز وجل في حاجته فيقول الله عز وجل أخروا إجابته شوقا إلى صوته ودعائه فإذا كان يوم القيامة قال الله عز وجل: عبدي! دعوتني فأخرت إجابتك وثوابك كذا وكذا ودعوتني في كذا وكذا فأخرت إجابتك وثوابك كذا وكذا، قال: فيتمنى المؤمن أنه لم يستجب له دعوة في الدنيا مما يرى من حسن الثواب).

وروى الكليني ايضا عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد الله عليه السلام (إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم ولا يكون له رجاء إلا عند الله، فإذا علم الله عز وجل ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه).[87]

وروى بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا لا يريدون به ما عند ربهم يكون دينهم رياء لا يخالطهم خوف، يعمهم الله بعقاب، فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم).[88]

وروى الصدوق قدس سره بسنده عن علي بن سالم قال (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال الله تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي لا أجيب دعوة مظلوم في مظلمة ظُلِمَها، ولأحد عنده مثل تلك المظلمة).[89]

والروايات في هذا الموضوع كثيرة جدا نكتفي بهذا المقدار.

 


[1] العهد القديم سفر التثنية الاصحاح 9

[2] العهد القديم سفر القضاة الاصحاح 20

[3] العهد القديم سفر نحميا الاصحاح 9

[4] العهد القديم سفر سوئيل الاصحاح 2

[5] انجيل متى الاصحاح التاسع

[6] رسالة بولس الاولى لاهل كورنثوس الاصحاح السابع

[7] تفسير الطبري وغيره

[8] صحيح البخاري ج3 ص 44

[9] المعجم الكبير للطبراني ج 6 ص 69

[10] حلية الاولياء ج 9 ص 41

[11] مصباح المتهجد ص 782

[12] وسائل الشيعة ج 10 ص 184

[13] راجع وسائل الشيعة ج 8 ص 452

[14] تفسير الطبري ج 3 ص 423

[15] الفروق في اللغة ج 1 ص 103

[16] تفسير الطبري ج 3 ص 425

[17] تهذيب الاحكام ج 4 ص 238 باب العاجز عن الصيام

[18] المصدر السابق

[19] كتاب الماء ج 3 ص 1182

[20] الانفال : 67

[21] وسائل الشيعة ج 10 ص 215 باب جواز افطار الحامل المقرب

[22] التوبة : 37

[23] الدر المنثور ج1 ص 443

[24] تفسير الطبري ج3 ص 445

[25] وسائل الشيعة ج 10 ص 319

[26] راجع وسائل الشيعة ج8 ص 18 وص22 وص25 ومسند احمد ج1 ص 27 وص 98 وغيرها

[27] راجع لمورد التثنية الوسائل ج 10 ص 338 وسنن البيهقي ج 4 ص 253 ولمورد رمضانات راجع وسائل الشيعة ج10 ص 337 وشعب الايمان ج3 ص 344

[28] طه : 133

[29] القدر : 1

[30] الدخان : 3 - 4

[31] التمهيد

[32] الكافي ج 2 ص 629 باب فضل القرآن

[33] المجادلة : 1

[34] في ظلال القران ج 1 ص 171

[35] مفاتيح العيب ج 5 ص 252

[36] الميزان ج 2 ص 19

[37] نهج البلاغة الخطبة 50

[38] ال عمران : 7

[39] الكافي ج 2 ص 630 باب فضل القران

[40] النور : 2

[41] الكافي ج 4 ص 126 باب كراهية الصوم في السفر

[42] الكافي ج4 ص 128 باب كراهية الصوم في السفر

[43] صحيح مسلم ج 2 ص 785 باب جواز الصوم والافطار في شهر رمضان

[44] وسائل الشيعة ج 1 ص 108 باب جواز التقية في العبادة

[45] معاني الاخبار ص 300 باب معنى البعال

[46] وسائل الشيعة ج 8 ص 519 باب ان القصر في السفر فرض

[47] المصدر المذكور

[48] ق: 16

[49] الانفال: 24

[50] الواقعة : 85

[51] الرعد: 33

[52] النساء : 64

[53] غافر : 60

[54] وسائل الشيعة ج 7 ص 27 باب استحباب الاكثار من الدعاء

[55] المصدر السابق

[56] المؤمنون : 71

[57] الانفال : 67

[58] الرعد : 7

[59] من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 381

[60] الخصال ص 635

[61] غافر : 60

[62] الكافي ج 2 ص 472 باب التقدم في الدعاء

[63] يونس : 22 - 23

[64] الاسراء : 67

[65] العنكبوت : 65

[66] وسائل الشيعة ج 7 ص 32 باب استحباب الدعاء في الحاجة الصغيرة

[67] المصدر السابق

[68] غافر : 7

[69] الشورى : 5

[70] ال عمران : 159

[71] النور : 62

[72] الذاريات : 56

[73] نهج البلاغة باب الكتب.. الوصية 31

[74] الكافي ج2 ص 72 باب حسن الظن بالله

[75] وسائل الشيعة ج 7 ص 53

[76] من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 325

[77] الاحتجاج ج 2 ص 188

[78] الكافي ج 2 ص 470 باب ان الدعاء يرد البلاء والقضاء

[79] البقرة : 40

[80] تفسير القمي ج 1 ص 46

[81] الاعراف : 172

[82] يس : 60

[83] اي الامام الرضا عليه السلام

[84] اي الامام الباقر عليه السلام

[85] الكافي ج 2 ص 489 باب من ابطات عليه الاجابة

[86] يونس : 12

[87] الكافي ج 2 ص 148 باب الاستغناء عن الناس

[88] الكافي ج 2 ص 296 باب الرياء

[89] ثواب الاعمال ص 272