يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ...
سياق الآيات يدل على أن السؤال من المسلمين وليس فيها اشارة الى كون السؤال من اليهود او المشركين وهناك رواية عامية ضعيفة عندهم ايضا تقول بان رجلين من الصحابة سألا ذلك. ولكن الفعل المضارع يقتضي كون ذلك سؤالا متكررا ولعله اشارة الى ما يدور في الاذهان من الاستفهام حول هذا الموضوع وان لم يطرحه احد.
والاهلة جمع الهلال وهو القمر في اول ليلة كما في العين وسمي به لان الناس يرفعون اصواتهم حين رؤيته والاهلال رفع الصوت. وفي الصحاح ومعجم المقاييس انه يطلق على اول ليلة والثانية والثالثة وقيل اكثر من ذلك. وعكس في المفردات فاعتبر الاهلال رفع الصوت عند رؤية الهلال وانه استعمل بعد ذلك في كل رفع للصوت.
ووقع الكلام في مورد السؤال وانهم هل سألوا عن حقيقة الاهلة وانها كيف تتحقق وكيف يتغير شكل القمر من هلال الى بدر ثم الى ما يشبه الهلال ثم يعود هلالا اخر ام كان سؤالهم عن الحكمة والغاية المترتبة على هذا التطور في شكل القمر؟
فان كان السؤال عن حقيقة الهلال فالجواب لا يناسبه ولذلك قيل بأن الجواب يشتمل على تنبيه السائل بأن المناسب والمفيد أن تسأل عن الحكمة والغاية من خلق الهلال على هذا النحو. وربما يستفاد من قوله (واتوا البيوت من ابوابها) ان المراد تنبيههم على هذه الحقيقة وهي انه يجب ان يكون السؤال مناسبا لمقام المسؤول عنه والنبي لا يُسأل منه الا عن الحكم الشرعي. ومن هنا قالوا بأن مقتضى الجواب أن يكون السؤال عن الحكمة والغاية.
ولكنه ايضا مستبعد من جهة ان القوم يعلمون ذلك وهم يستخدمون هذا التقويم الطبيعي في شؤونهم الخاصة والعامة ويعرفون به مواعيدهم في الديون وعِدد النساء ونحوها كما يعرفون شهر رمضان واشهر الحج والاشهر الحرم ويعرفون السنين والاعمار وغيرها مما يحتاجون فيها الى معرفة التاريخ.
والاشهر القمرية تمتاز بانها واضحة على الطبيعة لانها تتبع رؤية الهلال ويراه الغالب من الناس ويمكنهم معرفة مواعيدهم من دون مراجعة الى اهل الخبرة والحساب بخلاف الاشهر الشمسية فانها لا تعرف الا بمحاسبة علماء الفلك فيحتاج الناس في معرفة التاريخ الى مراجعة التقويم وهذا لم يكن في متناول عامة البشر في ذلك الوقت اما معرفة الشهور القمرية فلا تحتاج الى خبرة.
وهذا هو السر في سائر التحديدات الشرعية كتحديد الكر بالاشبار وتحديد السفر بالبريد ومسير يوم وليلة وتحديد اوقات الصلاة بالغروب والشروق والفجر والحمرة والزوال فان هذه امور طبيعية يشاهدها الانسان البسيط على الطبيعة ويتوصل بها الى معرفة موضوع الحكم الشرعي.
والحاصل أن كون اختلاف الاهلة منشأ للتاريخ ومعرفة مواقيت الناس ومواعيدهم امر واضح لدى السائلين فمن المستبعد ان يكون هذا هو وجه السؤال بل الظاهر ان السؤال انما كان عن حقيقة هذا الامر لاستغرابهم مما يشاهدونه من التحول ولكن الجواب جاءهم منبها على أنه لا ينبغي هذا السؤال من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
والسر في ذلك أن الدين ليس من شأنه أن يصحح امور الحياة المادية ولو أراد الله تعالى أن يبين للناس طريقة الحياة وسبل تحسينها لكان البشر من اول يوم يبلغ أقصى درجات العلم والحضارة ولم يبق له مجال للتطور ولكن الله تعالى أوكل هذا الامر الى البشر بنفسه ليكون ذلك مجالا لبلائه وامتحانه.
ومن هنا نقول ان ما يعبر عنه بالاقتصاد الاسلامي او الطب الاسلامي ونحو ذلك لا حقيقة له والدين لا يساعد الانسان في الاقتصاد والطب وغيرهما وان كانت هناك بعض الروايات التي تفيد في هذه المجالات ولكنها لا تشفي الغليل ولا تحل المشاكل بل الدين كاي قانون اخر يعرقل حركة التقدم الحضاري بوضع قوانين تمنع بعض ما يصل اليه البشر من حلول لمشاكل الحياة ولا يقترح بدلا عنها بحلول اخرى وهكذا بعض القوانين الوضعية.
فاذا وصل العلماء في مجال من مجالات الحياة كالطب والاقتصاد وغيرهما الى طريقة لحل بعض مشاكل الاسرة كالاجهاض او التلقيح الصناعي او لحل بعض المشاكل الاقتصادية كانواع المعاملات والتسهيلات البنكية وما يبتدع في هذا العصر باستمرار من انحاء التعامل في البورصة وغيرها من الاسواق فربما يحرم الشرع تلك الحلول كما حرم كثيرا منها وكذلك التشريع الوضعي ربما يمنع بعض هذه الحلول لاستلزامها مفاسد اجتماعية او سياسية او غيرها.
والمواقيت جمع ميقات وهو مصدر بمعنى الوقت قال في العين (الوقت مقدار من الزمان وكل ما قدرت له غاية او حينا فهو موقّت والميقات مصدر الوقت) فيظهر من كلامه ان التوقيت بمعنى التحديد مطلقا لا في خصوص الزمان فاطلاق الميقات على الاماكن المحددة للاحرام على حقيقته وليس تجوزا كما يتوهم.
وقال في معجم المقاييس (اصل يدل على حد شيء وكنهه في زمان وغيره) وقال (وقّته اي حدّده) ثم استشهد بقوله تعالى (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)[1] ويقصد بذلك أن توقيت الصلاة ليس بمعنى تحديد الزمان لها بل تجب المحافظة على كل حدودها وهذا هو الصحيح في تفسير الاية.
ومهما كان فالمراد هنا المواعيد الزمانية فالاهلة وسيلة طبيعية جعلها الله تعالى لتسهيل تعيين المواعيد ومثل هذه الاية قوله تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ..)[2] وجعل ذلك هنا مترتبا على اختلاف منازل القمر والمراد حالاته من الهلال الى البدر ثم الى الهلال فان الانسان البسيط كان يقدر بذلك حتى تعيين ايام الشهر بصورة تقريبية.
وأضاف الى مواعيد الناس خصوص الحج اي معرفة زمان وجوبه والامر لا يختص به الا انه موضع اهتمام خاص من جهة انه مضافا الى كونه عبادة وشعيرة دينية موعد اجتماع للناس من مختلف بقاع الارض وعلى الاقل من اماكن تواجد المسلمين بل العرب عامة في ذلك العصر فكان لا بد من معرفة زمانه بدقة وهذه الاشارة مضافا الى ذلك مقدمة لبيان بعض احكام الحج بالمناسبة كما سيأتي ذكرها.
وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)
الظاهر أن هذا حكم آخر لا علاقة له بما سبق ويبدو من نفي كون اتيان البيوت من الظهور بِرّا أن هذا كان معتقد جمع من المخاطبين فيرون أن الافضل في حال من الاحوال ان لا يدخل الانسان الدار من الباب.
والبر معروف اجمالا وهو فعل الخير والاحسان ولكن كتب اللغة لم تحدد معناه بدقة واختلفت كلماتهم في تفسيره فقد فُسّر بالصدق والطاعة والاحسان والصلاح وخلاف العقوق ونحو ذلك.
والظاهر ان المراد بالظهور السقف فكانوا يصعدون على السقف وينزلون في البيت وقيل المراد بالظهور ما يفتحون من كوة في الجدار لدخول البيت وهو بعيد من جهة ان ذلك يستدعي وقتا للتخريب والبناء ومن جهة التعبير عنه بالظهر فان الظاهر ان المراد بالظهر ما يعلو البيت وهو السقف قال في الصحاح (ظهرت البيت: علوته).
وقد روي في شأن نزول الآية روايات كثيرة من طرق العامة وفيها اختلاف شديد وبعضها لا يمكن التصديق بها ولكن الغالب منها يدل على ان العرب كانوا اذا أحرموا لم يدخلوا من الباب بل يدخلون من السطح او ينقبون كوة في الجدار.
ويتبين من بعضها السر في ذلك وان لم ينتبه له المفسرون ففي رواية الزهري قال (كان ناسٌ من الأنصار إذا أهلُّوا بالعمرة لم يَحُل بينهم وبين السماء شيء يتحرَّجون من ذلك وكان الرجل يخرج مُهلّا بالعمرة فتبدو له الحاجة بعد ما يخرج من بيته فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة من أجل سَقف الباب أن يحول بينه وبين السماء فيفتح الجدار من وَرَائه ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته فتخرج إليه من بيته..). [3]
فيبدو من قول الزهري وهو فقيه حيث قال (لم يَحُل بينهم وبين السماء شيء يتحرَّجون من ذلك..) أن السرّ في هذا الحكم عندهم هو ان لا يعلوهم سقف حال الاحرام فكان هذا شأنهم اذا احرموا في بلدهم ثم رجعوا الى البيت لحاجة كما ورد في الحديث وهذا امر معقول بل هو صحيح شرعا ولكن في خصوص حال الانتقال فان الحكم الوارد عن طرق اهل البيت عليهم السلام حرمة الاستظلال حال الاحرام في حال السير لا مطلقا.
ولكن في بعض روايات الباب ما لا يمكن تصديقه وهي مجموعة تشتمل على الفرق بين الحمس وغيرهم منها ما رواه الطبري قال (كان أهل المدينة وغيرُهم إذا أحرمُوا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها وذلك أن يتسوَّرُوها فكان إذا أحرم أحدُهم لا يدخل البيت إلا أن يتسوّره من قِبَل ظَهره. وأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل ذات يوم بيتا لبعض الأنصار فدخل رجلٌ على أثره ممن قد أحرم فأنكروا ذلك عليه وقالوا: هذا رجل فاجرٌ! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لم دخلت من الباب وقد أحرمت؟ فقال: رأيتك يا رسول الله دخلتَ فدخلتُ على أثرك! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنّي أحمس - وقريش يومئذ تُدعى الحُمس - فلما أن قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال الأنصاري: إن ديني دينك! فأنزل الله تعالى ذكره: وليس البر بأن تأتوا البيوتَ من ظهورها).[4]
وهذا المضمون في عدة روايات متخالفة والحُمس جمع أحمس وهو الرجل الشجاع والمتشدد في دينه كما في العين والجمهرة وغيرهما ولكن بعض هذه الروايات دلت على ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل الباب بحجة انه من الحمس فكأن هذا مزية لهم بالجواز وفي بعضها عكس ذلك وهو الاولى.
ولذلك قال الجوهري في الصحاح (وانما سميت قريش وكنانة حُمْسا لتشددهم في دينهم لانهم كانوا لا يستظلون في منى ولا يدخلون البيوت من ابوابها..) ومن الملفت انه اعتبر من خصائصهم عدم الاستظلال في منى وهو ما مر من حرمة الاستظلال حال الاحرام الا انهم اخطأوا في التعميم.
ومما ورد في عكس ذلك رواية الزهري السابقة ففي ذيلها يقول (حتى بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلَّ زمنَ الحديبية بالعمرة فدخل حجرة فدخل رجل على أثره من الأنصار من بني سَلمة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنّي أحمس! قال الزهري: وكانت الحُمس لا يبالون ذلك. فقال الأنصاري: وأنا أحمس! يقول: وأنا على دينك، فأنزل الله تعالى ذكره: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظُهورها).
والذي يردّ كل ما ورد من روايات الحمس أن مقتضاها أن هذا الانصاري كان أعلم بحكم الله تعالى من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فنزل القرآن بموافقته مع أن الامر واضح اي عدم الفرق بين الحمس وغيرهم في الحكم الشرعي وحجة الانصاري انه على دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجة قوية فكيف كان يجهلها الرسول المؤيد من عند الله ؟؟؟!!!
ولكن الامر ليس غريبا من القوم بعد ما رووا من الروايات العديدة في أن الله تعالى أنزل آيات في قبول حكم عمر خلافا لفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الدين في عدة موارد!!!
وهناك من المفسرين من أوّل الآية ولم يطبقها على الروايات المذكورة. قال في الكشاف (ويحتمل أن يكون هذا لتعكيسهم في سؤالهم وأن مثلهم فيه كمثل من يترك باب البيت ويدخله من ظهره. والمعنى: ليس البر وما ينبغي أن تكونوا عليه بأن تعكسوا في مسائلكم، ولكن البرّ برّ من اتقى ذلك وتجنبه..).
وقال ابو السعود (أو أنهم لمّا سألوا عما لا يَعنيهم ولا يتعلَّق بعِلمِ النبوة فإنه عليه الصلاة والسلام مبعوثٌ لبيان الشرائعِ لا لبيان حقائِقِ الأشياءِ وتركوا السؤال عما يَعنيهم ويختصُّ بعلم الرسالةِ عقّبَ بذكره جوابَ ما سألوا عنه تنبيهاً على أن اللائقَ بهم أن يسألوا عن أمثال ذلك ويهتموا بالعلم بها).
وقال الشيخ في التبيان (قال قوم واختاره الجبائي: إنه مثل ضربه الله لهم "وأتوا البيوت من أبوابها" أي وأتوا البر من وجهه الذي أمر الله به ورغّب فيه، وهذا الوجه حسن).
ولكن يستبعد حمل الآية على مثل هذه التأويلات من جهة قوله تعالى (ولكن البر من اتقى) حيث إن ظاهره منع كون البر ما يعتقدونه واثبات أن البر في التقوى ولا يظهر له وجه واضح اذا كان المراد بنفي البر ترك هذا النوع من السؤال او ترك اتيان الامر من غير وجهه فلا يظهر وجه لتخصيص البر بالتقوى ولذلك اضطر الزمخشري الى توجيهه بأن البر ان تتقوا من توجيه مثل هذا السؤال وهو تكرار لنفي البر عنه. فالظاهر أن القصة الوارد في الروايات لها وجه من الصحة اجمالا.
وقوله (ولكن البر من اتقى) يحصر البر في التقوى وليس معناه أن هذه العادة خلاف التقوى فان الاتيان من ظهور البيوت ليس محرما وربما يضطر الانسان اليه وانما المراد نفي البر عنه لانهم كانوا يعتبرونه امرا واجبا مع انه ليس من اطاعة امر الله تعالى ولا ينطبق عليه شيء من العناوين العامة للبر كمساعدة الفقراء وصلة الرحم وامثالهما.
وقوله (واتوا البيوت من ابوابها) ايضا ليس امرا مولويا بل المراد ان هذا هو الطريق الطبيعي لدخول البيت فلا تتكلفوا امرا ليس من الدين ولا تترتب عليه مصلحة لكم بل اتبعوا الطريق المتعارف فهو امر يقتضي الاباحة فحسب.
ولعل في قوله (واتقوا الله لعلكم تفلحون) اشارة الى منع تشريع حكم واسناده الى الله تعالى فانه محرم قطعا وهو المنافي للتقوى وقد مر بعض الكلام حوله في تفسير الاية 172 من هذه السورة. والفلاح هو الفوز بما يبتغيه المؤمن من نعيم الاخرة وهو يترتب على التقوى اذا استكمل سائر الشروط فحصوله بالتقوى ايضا مرجو وليس محتوما.
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)
مجموعة آيات حول الجهاد ومقاتلة المشركين وفيها قرائن واضحة على أن المراد مقاتلة مشركي مكة بالخصوص. وقيل انها اول آيات القتال ولا تبعد صحته لان سورة البقرة من اوائل السور المدنية والرسول صلى الله عليه وآله وسلم اضطر الى قتال المشركين من اوائل الهجرة. وهناك كلام في التفاسير حول نسخ الايات بعضها ببعض مما لا دليل عليه.
والمقاتلة مفاعلة من القتل والمراد بها محاولة القتل اذ لا يقتل كل منهما صاحبه في الغالب وانما يعبر عنه بالقتل لانها تؤول اليه غالبا بالنسبة الى احدهما.
وقوله (في سبيل الله) يحدد ماهية الحرب في الدين حيث انهم كانوا يحاربون من اجل السيطرة على الاموال والنساء والاطفال والانتقام من القتلة او لدفع العدو عن انفسهم وقبيلتهم ونحو ذلك والله تعالى يدعو المؤمنين ان يقاتلوا في سبيله فحسب.
وهذا هو الهدف الذي يجدر بالانسان ان يضحي في سبيله كما قال امير المؤمنين عليه السلام (إِنَّهُ لَيْسَ لِأَنْفُسِكُمْ ثَمَنٌ إِلَّا الْجَنَّةَ فَلَا تَبِيعُوهَا إِلَّا بِهَا)[5] يشير بذلك الى قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ..).[6]
ثم حدد القتال بأنه يكون مع الذين يقاتلونكم لا مع كل أحد يخالف دينكم ومن هنا قالوا بأن الآية منسوخة بقوله تعالى (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً..)[7] باعتبار أن مقاتلة المشركين حسب هذه الآية لا تختص بحالة مقاتلتهم للمسلمين.
وهذا كلام غريب لان هذه الآية فرضت أنهم يقاتلون المسلمين كافة فتشملهم هذه الآية ايضا ولا معنى للنسخ.
نعم يمكن ان يقال بالنسخ بمثل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ..)[8] وقوله تعالى (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ).[9]
وقيل ان الآية ليست منسوخة لان المراد بالذين يقاتلونكم المناجزين دون النساء والاطفال والعجزة.
وهذا ايضا غير صحيح لان الاعتداء على هؤلاء لا يعتبر قتالا فهو خارج عن اصل الموضوع لان القتال هو المقاتلة لا القتل والسبي.
وقيل المراد في هذه الاية الكفرة كلهم لأنهم جميعا مضادّون للمسلمين قاصدون لمقاتلتهم فهم في حكم المقاتلة قاتلوا أو لم يقاتلوا.[10]
وهو ايضا غير صحيح وان كان المراد بالمقاتلة ما يشمل تجهزهم للقتال لا مباشرتهم له بالفعل ولذلك لا يصح ان يبقى المسلمون مكتوفي الايدي الى ان يهجم عليهم العدو ولكن ليس كل الكفرة قاصدين للمقاتلة خصوصا اذا احسوا بالضعف في المقابلة.
وقال العلامة الطباطبائي قدس سره (الظاهر أن الفعل أعني يقاتلونكم للحال والوصف للإشارة والمراد به الذين حالهم حال القتال مع المؤمنين وهم مشركو مكة)[11] واستشهد بما ورد في الآيات التالية من الاحكام فانها خاصة بمشركي مكة.
ويمكن ان يقال ايضا ان الاية لا مفهوم لها حتى يقال بالنسخ فهذه الآية تأمر بقتال الذين يقاتلون وهناك عناوين اخرى ايضا تستوجب القتال وهي مذكورة في آيات اخرى ولا منافاة بين الآيات ليقال بالنسخ وانما اختص الحكم هنا بمن قاتل لانهم هم الاعداء في ذلك الوقت وتوصيفهم بالذين يقاتلونكم للتحفيز نظير قوله تعالى (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ..).[12]
ثم نهى عن الاعتداء ولم يحدد الاعتداء أنه ممنوع من اي جهة فيشمل كل ما يعد اعتداءا في العرف فلا يجوز قتل الضعفاء والعجزة والنساء والاطفال ولا يجوز الاعتداء في نوعية القتال كاستخدام السم في مياه الشرب او منع الماء عنهم ولا يجوز الاعتداء في نفس القتال فاذا استسلم العدو فلا يجوز الاستمرار في القتال وهكذا كل ما يعد مخالفا لشؤون القتال من حيث العدل كقتل الاسرى.
وعلل المنع بانه تعالى لا يحب المعتدين ولم يهدد المعتدين بالنار او بالقتل في الدنيا او بانه تعالى عدو للمعتدين فهذا التعبير فيه نوع من التخفيف والتسامح.
ولعل السر في ذلك امران:
الاول ان الاعتداء غير محدود بحدود دقيقة فالمكلف يقع في حيرة ووسوسة ان كانت المخالفة موجبة لعذاب شديد.
والثاني ان المقاتل يجب ان يكون في حرية اكثر من غيره من المكلفين لحاجته الى الجرأة والاقدام فاذا كان الجزاء على المخالفة شديدا تسبب ذلك في تقاعسه عن الحرب.
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ...
تغير التعبير من المقاتلة الى القتل وفي هذا التحول تشجيع للمؤمنين وايعاز بأنكم الاقوى فاقتلوهم اينما كانوا.
والثقف فسر في اكثر التفاسير بالوجدان بل في المنار قال (وصادفتموهم) ولعله لورود التعبير بالوجدان في قوله تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).[13]
ولكن الظاهر ان هناك فرقا بين التعبيرين ففي الجمهرة أن الثقف في الاصل بمعنى الحذق اي المهارة قال وثقفت الرجل اذا ظفرت به وفي الصحاح ايضا انه بمعنى الحذق فيتبين من ذلك ان هذا التعبير يبعثهم على البحث عنهم وتعقيبهم لا مجرد وجدانهم صدفة.
(واخرجوهم من حيث اخرجوكم) حيث اسم مكان اي واخرجوهم من المكان الذي اخرجوكم منه وهو مكة. والمراد اخراج النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمهاجرين. وفي هذا ايضا تحفيز لهم لمعاداتهم ومقاتلتهم. والمعنى انه اذا امكن قتلهم فاقتلوهم فان لم يكن فاخرجوهم من مكة فلا منافاة بين الامرين.
والفتنة في الاصل بمعنى الاحراق قال تعالى (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ)[14] ويقصد به هنا الامتحان والابتلاء الشديد تشبيها له باذابة الذهب والفضة بالنار لتخليصهما من الخليط ولمعرفة درجة خلوصهما. وكل ما في الحياة الدنيا من نعمة ونقمة بلاء وفتنة يتبين بها خلوص الانسان وايمانه وتقواه قال تعالى (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً..).[15]
وكل هذه الفتن من الله الا ان بعضا منها يتحقق بواسطة انسان حيث يلقي الشك في قلوب الناس او يخدعهم عن دينهم او يجبرهم على ترك دينهم كما كان الطغاة يفعلونه فيكون هو السبب لافتتان الآخرين ومن ذلك ما كان يفعله المشركون في مكة والجزيرة العربية من الصد عن سبيل الله ومنع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من نشر دعوته الى ان بلغوا غاية العداء للمؤمنين فاخرجوهم من مكة ومن الطبيعي أن كثيرا من الناس كانوا لا يؤمنون خوفا من الابتلاء بهذه الامور وهي من الفتنة التي يبتلى بها المجتمع في دينه وعقيدته.
فالظاهر أن قوله تعالى (والفتنة اشد من القتل) يريد بها – والله العالم - هذه الضغوط التي كان المشركون يمارسونها ضد المؤمنين في مكة ليردّوهم عن الدين والقصد من ذكر هذه الجملة تبرير قتلهم لهذا السبب فهم اخرجوكم وفتنوا المؤمنين عن دينهم والفتنة أشد من القتل فاذا قتلتموهم فهو جزاء وفاق لعملهم بل اقل منه.
والسر في كون الفتنة أشد من القتل أن القتل يتسبب في حرمان الانسان من التنعم في الحياة الدنيا وهي حياة زائلة عاجلا ام آجلا والتنعم فيها نعيم زائل وليست الحياة كلها في جنب الاخرة الا متاع اما الذي يفتن الناس عن دينهم ويصدهم عن سبيل الله فهو يظلمهم اشد الظلم ويحرمهم من السعادة الابدية والنعيم الدائم.
وهذه الجملة مضافا الى تبرير قتل المشركين بسبب اخراج المؤمنين من مكة وسائر اعمالهم المعادية للدين تمهد للحكم بمقاتلتهم في الحرم وعند المسجد الحرام فهي كقوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا..)[16] فالكلام في احدى الايتين عن القتال في الحرم وفي الاخرى القتال في الشهر الحرام وهنا ايضا ورد الاستدلال بكون الفتنة اكبر من القتل لتبرير قتل الصاد عن سبيل الله والكافر بالله وبالمسجد الحرام والذين أخرجوا اهله منه.
وقيل المراد بالفتنة الشرك والكفر ولا يناسب سياق الايات وان ورد في كثير من التفاسير منها التبيان ومجمع البيان والميزان.
وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)
هذه الجملة تخصص الحكم السابق حيث امر بقتلهم اينما ظفروا بهم فنهى بهذه الجملة قتالهم عند المسجد الحرام.
والمراد به منطقة الحرم وهي منطقة محددة في اطراف مكة وحدودها معلمة الى زماننا هذا. فالظاهر ان المراد بقوله عند المسجد الحرام كل هذه المنطقة لانها حرم الله وسميت بالحرم لان الله تعالى حرم فيها القتل والصيد ومجموعة من الاعمال. والحرم بمعنى الممنوع وحرّم اي منع. واختيار هذا التعبير اي (عند المسجد الحرام) للاشارة الى ان حرمة هذه المنطقة تنشأ من احترام المسجد الحرام.
وقوله (حتى يقاتلوكم فيه) يحدد المنع من القتال باحترام الحرم من قبلهم وسيأتي في كلامه تعالى (والحرمات قصاص) فمن لم يراع حرمة المكان لا يبقى له احترام بل يجوز قتله حتى في الحرم.
ثم صرح بهذا المفهوم وانهم اذا قاتلوكم فيه فاقتلوهم والضمير في قوله (فيه) لا يعود الى المسجد بل الى نفس المنطقة التي عبر عنها بقوله (عند المسجد الحرام) اي في الحرم. ولم يقل قاتلوهم ان قاتلوكم فيه بل اقتلوهم بمعنى انه يستحق القتل حتى لو ترك القتال وهرب.
وقوله (وذلك جزاء الكافرين) لا يعني ان هذا الحكم خاص بهم بمعنى انه لو قاتلنا مسلم في الحرم لا يجوز قتله! ليس كذلك بل هذا حكم عام. ولا يعني ايضا تعميم حكم القتل على الكافرين في الحرم حتى لو لم يقاتلوا فهذا تناقض في الكلام. بل المراد ان من يقاتل في الحرم ولا يراعي حرمته فهو كافر بحرمة الحرم ويستحق القتل فالكفر هنا بالمعنى الخاص.
وقيل ان هذه الآية منسوخة بقوله تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ..)[17] حيث انها تدل على وجوب القتل اينما كانوا في حل او حرم.
ويمكن ان يقال ان هذه الاية اي قوله تعالى (فاذا انسلخ الاشهر الحرم..) تخصص بقوله تعالى (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام..) فلا يجوز قتلهم في الحرم الا اذا قاتلوا ويمكن الحكم بالجواز بعد انسلاخ الاشهر مطلقا.
ولكن ليس هذا من النسخ وذلك لان النسخ الحقيقي بمعنى تبدل الرأي غير ممكن في احكام الله تعالى وكل ما يقال عن النسخ فهو نسخ ظاهري بمعنى ان الحكم ظاهره الاستمرار فياتي الحكم الناسخ ويتبين منه كون الاول محدودا بذلك الوقت فاذا كان في الحكم الاول قرينة على عدم الاستمرار فلا يعتبر الثاني ناسخا.
والصحيح ان الاحكام المتعلقة بالقتال كلها من هذا القبيل بمعنى انها خاصة بتلك الظروف وذلك القوم ولا تسري في غيرهم ولا في ظروف عسكرية اخرى فلا يمكن القول بالنسخ في شيء من هذه الايات والله العالم.
فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)
الانتهاء مطاوعة النهي ويطلق على مطلق الامتناع والكف. والكلام هنا فيما هو المقصود من قوله (انتهوا) وفيه ثلاثة احتمالات:
الاول: ان يكون المراد ترك القتال في الحرم وبه قال العلامة الطباطبائي قدس سره بقرينة ان الجملة وردت بعد القتال في الحرم فيجب ان يحمل عليه لا مطلق القتال وان الانتهاء المذكور في الآية التالية يحمل على ترك القتال مطلقا وترك الكفر والشرك.
الثاني: ان المراد ترك القتال مطلقا وذلك لان موضوع الحكم بقتل الكافرين هو تحقق القتال منهم في الحرم ولا اثر لمتاركتهم بعد ذلك ما لم يتوبوا ويؤمنوا.
الثالث: ان المراد الانتهاء من الكفر والشرك بان يؤمنوا بالله وبرسوله ومعنى شمول الغفران والرحمة لهم بسبب ايمانهم انهم لا يؤاخذون بما صدر منهم حال الكفر.
ولا يبعد ان يكون هو المقصود بقرينة قوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ)[18] وعليه فجزاء الشرط محذوف وهذه الجملة التعليلية تسد مسده اي فيغفر الله لهم ما سلف منهم لانه غفور رحيم.
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)
الفتنة كما مر هي الصد عن سبيل الله حيث كانوا يمنعون من نشر المعارف الاسلامية ويقتلون الذين يامرون بالقسط من الناس فالغاية التي تنتهي عندها مقاتلتهم هي الامتناع عن هذه الضغوط التي يمارسونها ضد المسلمين الناشرين للقران ومعارف الدين.
واتى بالفتنة نكرة ليكون نفيه بمعنى عدم بقاء شيء منها مطلقا. وقيل الفتنة بمعنى الشرك والكفر واطلاق الفتنة على ذلك بعيد ولا وجه لتغيير التعبير.
واما قوله (ويكون الدين لله) فالظاهر منه ان لا يبقى دين غير الاسلام يدان به في المجتمع فان الدين الذي لله هو الاسلام كما قال تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)[19] وقد ورد هذا التعبير بتأكيد اكثر في قوله تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).[20]
فالآية تشبه الايات التي ورد فيها الوعد بغلبة هذا الدين على الدين كله كقوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[21] ولكن المفسرين حيث يستبعدون هذه الغلبة فسروا الظهور بالغلبة في المنطق والاحتجاج.
ولكن في المنار (أَيْ يَكُونُ دِينُ كُلِّ شَخْصٍ خَالِصًا لِلَّهِ لَا أَثَرَ لِخَشْيَةِ غَيْرِهِ فِيهِ فَلَا يُفْتَنُ لِصَدِّهِ عَنْهُ وَلَا يُؤْذَى فِيهِ، وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الدِّهَانِ وَالْمُدَارَاةِ، أَوِ الِاسْتِخْفَاءِ أَوِ الْمُحَابَاةِ..).[22]
وما ذكره عكس ما ينبغي ان يكون غاية للقتال فان الغرض من القتال ان لا يكون على المؤمن ضغط ليرجع عن دينه وما ذكره بمعنى ان لا يسلم احد محاباة لاحد بل يسلم لله تعالى ولا يقصد في اسلامه الا التقرب اليه فمقتضى كلامه ان الغرض من هذه الاية رفع الحرج عن المسلم اذا اراد ان يرجع عن دينه مع ان الامر بالعكس والغرض رفع الحرج عن الناس اذا ارادوا ان يؤمنوا.
فالظاهر أن الآية تأمر بالقتال الى ان يغلب الاسلام فيكون هو الدين الحاكم على الارض ولا يعني ذلك زوال سائر الاديان بل ظاهر قوله تعالى (ليظهره على الدين كله) بقاء سائر الاديان ولكنها مخفية ومغلوبة على امرها ليس لها دعوة ولا ظهور واعلان ولا يحكم في المجتمع الا بالاسلام فتكون له السلطة على الجميع والظاهر ان ذلك لا يختص بالجزيرة العربية ليقال بان الغرض هو إخلاء هذه المنطقة من الكفر والشرك.
وربما يظهر التنافي بين هذه الاية وبين قوله تعالى (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)[23] حيث ان ظاهر الاية الثانية أن الغاية لمقاتلة اهل الكتاب حتى في الجزيرة العربية هو إعطاء الجزية لحكومة الاسلام فلا يقاتَلون الى زوال فتنتنهم تماما.
ومن هنا ربما يقال بان حكم هذه الاية خاص بالمشركين ولا يشمل اهل الكتاب قال العلامة الطباطبائي قدس سره (فالمراد بكون الدين لله سبحانه وتعالى هو أن لا يعبد الأصنام ويقر بالتوحيد وأهل الكتاب مقرون به وإن كان ذلك كفرا منهم بالله بحسب الحقيقة كما قال تعالى "إنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق" لكن الاسلام قنع منهم بمجرد التوحيد وإنما أمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية لاعلاء كلمة الحق على كلمتهم وإظهار الاسلام على الدين كله).[24]
ويظهر منه قدس سره أن غلبة الدين تحصل باخذ الجزية وان كون الدين لله بمعنى ان المجتمع يقر بالتوحيد ولا يعبدون الاصنام وهو غير واضح بل الظاهر ان الدين كله لا يكون لله الا بغلبة الاسلام على كل الاديان ولا اعتبار باقرارهم بالتوحيد مضافا الى ان الغاية الاخرى للقتال زوال الفتنة نهائيا فلا يجوز ان يكون لهم ظهور واعلان.
وهذا لا يحصل الا بظهور الامام المنتظر المهدي عجل الله فرجه وقال في المنار في تفسير الاية 39 من الانفال (وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَجِئْ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدُ وَسَيَتَحَقَّقُ مَضْمُونُهَا إِذَا ظَهَرَ الْمَهْدِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مُشْرِكٌ أَصْلًا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَتَبَ هَذَا الْأَلُوسِيُّ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ أَصْلًا وَلَا فَرْعًا..).[25]
والرواية مروية في الكافي بسند معتبر عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام (قول الله عزّ وجلّ "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله" فقال: لم يجئ تأويل هذه الآية بعد، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخّص لهم لحاجته وحاجة أصحابه فلو قد جاء تأويلها لم يقبل منهم لكنهم يقتلون حتى يوحّد الله عز وجل وحتى لا يكون شرك).[26]
ولا ادري ماذا يقصد صاحب المنار من قوله اصلا ولا فرعا هل ينكر ظهور الامام المهدي عليه السلام؟! فهو يكذّب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لان الروايات في اصل ظهوره متواترة!!!
وبناءا على ما ذكرنا فقوله تعالى (فان انتهوا فلا عدوان..) لا يقصد به الانتهاء عن القتال بل الانتهاء عن الفتنة وعن الشرك والكفر بحيث يكون الدين لله.
وقوله (فلا عدوان) سدّ مسدّ الجزاء اي فلا يعتدى عليهم والتعبير عن مجازاتهم بالاعتداء من باب المشاكلة فان مجازاة المعتدي لا يعتبر اعتداءا نظير قوله تعالى في الاية التالية (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ).
ومعنى الاية انهم اذا آمنوا فلا يجازون بما فعلوا ايام كفرهم الا من ظلم منهم بعد ذلك فيجازى على ظلمه حسبما ورد في قانون الشريعة. وقيل المراد بالظالمين من بقي منهم على الكفر او القتال.
الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)
اربعة اشهر حرم الله فيها القتال وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب وهذا حكم قديم قال تعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ..).[27]
وكان العرب على جاهليتهم ملتزمون به اساسا وان تلاعبوا به فكانوا يغيرون الشهور اذا ارادوا القتل والاغارة في الاشهر الحرم وهذا ما يسمى بالنسيء اي التاخير (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ..).[28] ولعل السر في هذا التشريع هو ضمان سلامة الحجاج في اشهر الحج مع اضافة شهر لرجوعهم وكذلك سلامة المعتمرين في العمرة الرجبية.
والغرض من هذه الآية ان حرمة القتال في الاشهر الحرم ترتفع بالنسبة لمن لم يراع بنفسه حرمتها فالباء هنا للمقابلة والتقدير حرمة الشهر الحرام في مقابل حرمته فمن حافظ على حرمته حافظوا ايضا بالنسبة له ومن لم يحافظ لا تجب عليكم المحافظة.
ويقال ان الاية نزلت بشأن صلح الحديبية حيث إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم واصحابه لما ذهبوا للعمرة منعوهم وقاتلوهم قتالا خفيفا بالنبال والحجارة ولما اتّفقوا على الرجوع وأن يأتوا في العام التالي خاف المسلمون أن يحدث قتال ايضا وهم في الأشهر الحرم فنزلت لتأييدهم وتجويز القتال لهم في هذا الظرف.
ولكنه بعيد لان السورة من اوائل السور المدنية وقضية الصلح حدثت في السنة السابعة من الهجرة فلو صح ما يقال فهو انما يكون من باب تطبيق الحكم على تلك القضية واما مناسبة ذكره هنا فهي من جهة اطّراد الحديث عن الحرمات وتعميم الحكم حيث كانت الاية السابقة حول مراعاة حرمة الحرم الشريف وجواز قتال من قاتل فيه.
ثم عقبه بذكر القانون العام وهو قوله تعالى (والحرمات قصاص) والحرمة - كما في العين - ما لا يحل لك انتهاكه. والقصاص مصدر بمعنى تتبع الاثر كما في الجمهرة والصحاح ومعجم المقاييس والمفردات وغيرها من كتب اللغة ومنه قص الشعر اي تتبع ما طال لتقصيره. واقتص اثره اي تتبع مواضع قدمه. والقصاص في القتل ايضا من هذا الباب لان ولي الدم يقتص اثر القاتل ليقتله.
فمعنى هذه الجملة ان الحرمات يتتبع فيها الاثر. والاخبار عنها بالقصاص وهو مصدر من باب المبالغة كأن الحرمات بنفسها تتبع الاثر فمن لم يراع حرمة شيء يقتص منه بعدم رعاية الحرمة فيه سواء كان حرمة الزمان او المكان او الدم ونحوها.
وفي بعض التفاسير[29] تفسير القصاص بالتساوي فيكون المعنى اوضح ويكون المصدر بمعنى اسم الفاعل اي الحرمات متساوية في مراعاتها وهو توصيف بالعكس طبعا فان الناس متساوون فيها. ولكني لم اجد لهذا التفسير في كتب اللغة اثرا.
ويتفرع على ذلك قوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) ولذلك صدّر الجملة بالفاء اي حيث كانت الحرمات قصاصا جاز الاعتداء على المعتدي بمثل عدوانه فان العدوان ايضا بنفسه من المحرمات وهو التجاوز عن الحد الذي لا يجوز ان يتجاوزه فيصدق على التجاوز على الانسان في نفسه او ماله او عرضه الا انه يبقى محرّما ما دام هو يحترمه ويجتنبه.
والتعبير عن المجازاة بالاعتداء من باب المشاكلة والا فان هذا لا يعتبر اعتداءا في الواقع بل هو قصاص ويمكن ان يكون على حقيقته لانه ايضا اعتداء في الظاهر وان كان جائزا في حقه.
و(ما) في قوله (بمثل ما اعتدى) مصدرية اي بمثل عدوانه. والمماثلة تلاحظ من جميع الجهات اي في الكمية والكيفية وغيرهما من الصفات المؤثرة فتحديده امر صعب وتجاوزه محرم ولذلك عقبه بالامر بالتقوى لكي يجتنب الانسان التجاوز عن حده ويحتاط في ذلك.
ويلاحظ ان الامر بهذه الدقة والتقوى فيه ورد في التعامل مع المشركين فكيف بغيرهم؟! وان كان قوله (فمن اعتدى..) عاما الا ان مورده خاص.
وحيث ان الانسان في مثل هذه الموارد يخاف من طغيان العدو فيحاول ان يقمعه اكثر مما يستحق حتى لا تقوم له قائمة خوفا من تجدد عدوانه وتنمره عليه وعده الله تعالى انه اذا اتقى الله في تعامله مع العدو ولم يتجاوز عن حد اعتدائه فان الله مع المتقين فهو ينصرهم على اعدائهم ولا شك ان الامر بيده تعالى فالمؤمن التقي لا يخاف شيئا اذا كان الله معه والمعية هنا معية نصرة وتأييد.
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)
ثلاثة احكام ترتبط نوعا ما بالقتال ولذلك ناسب ذكرها في المقام:
الاول: انفاق المال في سبيل الله. والانفاق هو في الحقيقة اتلاف المال يقال نفقت الدابة اذا ماتت. والغرض صرف المال في وجوه البر التي يرضى بها الله تعالى وتكون موجبة لتحصيل رضوانه وفي خصوص المورد يراد بالاية التشجيع على دفع المال لمؤونة الحرب والقتال في سبيل الله تعالى.
والحرب بحاجة الى اموال كثيرة قديما وحديثا ولكن الدين لم يفرض على الناس ضريبة مالية للحرب بل لم يلزم الناس قانونا بالاستعداد للحرب وذلك لان المطلوب من الناس ان يشعروا بانفسهم بالمسؤولية في هذه الامور ويكون لهم حافز ذاتي للاستعداد في مواجهة ما يهدد كيانهم الاجتماعي.
والسر فيه ان الله تعالى لا ينتفع بشيء من اعمالنا وانما القصد مما يفرضه علينا تربية الانسان ليبلغ اعلى مراحل الكمال النفسي وهو لا يصل الا اذا كان عمله باختياره وبدافع من سريرته لتتحول سريرته تدريجا.
الثاني: ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة. الالقاء يتعدى غالبا بـ (في) ولعل التعدية هنا بـ (الى) بتضمين معنى الافضاء والانهاء للاشارة الى أن النهي يشمل ما يحتمل ان ينتهي الى الموت. والتهلكة بضم اللام مصدر او اسم مصدر وهي بالضم صيغة نادرة ومعناها الهلاك بنفسه او ما يؤدي الى الهلاك - كما في العين - والهلاك حقيقة هو الموت وربما يستعمل في غيره مجازا.
ويمكن ان يكون مفعول الالقاء محذوفا اي لا تلقوا انفسكم بايديكم الى التهلكة وفائدة ذكر الايدي الاشارة الى انه باختياره يلقي نفسه في الهلاك فهذا نهي عن الانتحار وعن الدخول في امر ينتهي الى الموت غالبا كالهجوم بمفرده على جيش العدو من دون مبرر ونحو ذلك. ويمكن ان تكون الباء زائدة اي لا تلقوا ايديكم الى التهلكة بمعنى ان يُقبضها يده فتكون التهلكة مالكة لامره.
وقد فسر الالقاء في التهلكة بوجوه عديدة:
منها بمناسبة الحديث عن القتال اي عمل يعتبر تهورا في مواجهة العدو وهو يحصل لكثير من المجاهدين المتحمسين.
ومنها بمناسبة الحديث عن الانفاق ان ينفق كل ما لديه من مال فيبقى فقيرا محتاجا وهو نوع من الهلاك مجازا.
ومنها بنفس المناسبة ان يمتنع عن الانفاق مع حاجة جيش المسلمين فيهلك نفسه في الدنيا والاخرة اما في الاخرة فلدخوله النار واما في الدنيا فلان غلبة العدو مهلكة للجميع.
والصحيح أن الحكم عام يشمل ما ذكر من الموارد وغيرها سواء في الحرب ام في غيرها.
الثالث: الاحسان ولعل المراد به احسان العمل لا الاتيان بالاعمال الحسنة وذلك بمناسبة الحديث عن القتال فيكون المعنى ان الانسان يجب ان يكون دقيقا في انجاز مثل هذه الامور المصيرية التي تتوقف عليها حياة المجتمع وكيانه.
وفي التعليل بانه تعالى يحب المحسنين تحفيز لطيف للمجاهدين لتكون اعمالهم وجهادهم وانفاقهم طلبا لحبه تعالى لا لاجر الدنيا ولا لثواب الاخرة.
وورد في رواية تطبيق الاحسان على الاقتصاد في المال فقد روى الكليني قدس سره بسنده عن حماد اللحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال (لو أن رجلا أنفق ما في يديه في سبيل الله ما كان أحسن ولا وُفّق أليس يقول الله تعالى "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" يعني المقتصدين).[30]
ويمكن ان يكون القصد من الحديث تطبيق تمام الاية عليه بان يكون احد مصاديق الالقاء في التهلكة هو انفاق تمام المال وان المراد بالجملة الاخيرة الاحسان في الانفاق فينطبق على الاقتصاد. فكأنه تعالى يقول انفقوا في سبيل الله ولكن باقتصاد ولا تبالغوا فتلقوا بايديكم الى التهلكة بل احسنوا واقتصدوا ان الله يحب المقتصدين.
ومهما كان فهو تطبيق للاية الكريمة وليس تحديدا للمراد.
[1] النساء : 103
[2] يونس : 5
[3] جامع البيان ج 3 ص 558
[4] جامع البيان ج 3 ص 560
[5] نهج البلاغة: الحكم : 456
[6] التوبة : 111
[7] التوبة : 36
[8] التوبة : 123
[9] التوبة : 29
[10] الكشاف ج 1 ص 235
[11] الميزان ج2 ص 60
[12] التوبة : 13
[13] التوبة : 5
[14] الذاريات : 13
[15] الانبياء : 35
[16] البقرة : 217
[17] التوبة : 5
[18] الانفال : 38
[19] ال عمران : 19
[20] الانفال : 39
[21] التوبة : 33 / الصف : 9
[22] المنار ج 2 ص 170
[23] التوبة : 30
[24] الميزان ج 2 ص 62
[25] المنار ج 9 ص 553
[26] الكافي ج 8 ص 201
[27] التوبة : 36
[28] التوبة : 37
[29] كما في فتح القدير وروح المعاني والمنار وغيرها
[30] الكافي ج 4 ص 52 باب فضل القصد