وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا...
هذه الآية تبين عدة الوفاة. والتوفي تلقي الشيء بتمامه وكماله قال الخليل في العين (وكل شيء بلغ الكمال فقد وفى وتمّ). ومنه الوفاء بالعهد واوفاه حقه اي اعطاه وافيا كما في الصحاح وقال في معجم المقاييس (توفيت الشيء واستوفيت اذا اخذت الشيء كله حتى لم تترك منه شيئا ومنه يقال للميت توفاه الله).
وهذا الفعل يأتي دائما مبنيا للمجهول لان فاعله الله تعالى او ملائكة الموت بأمره واذنه. قال تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا..)[1] وقال (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ..).[2] ولا يصح ما نسبه القوم الى امير المؤمنين عليه السلام أنه قرأ الآية بفتح الياء (والذين يَتوفون..).
قال في الكشاف (والذي يحكى أن أبا الأسود الدؤلي كان يمشي خلف جنازة فقال له رجل: من المتوفي - بكسر الفاء - فقال: اللَّه تعالى. وكان أحد الأسباب الباعثة لعلي رضي اللَّه عنه على أن أمره بأن يضع كتابا في النحو، تناقضه هذه القراءة). ونحن لا نعلم صحة ما يحكى ولكن اسناد هذه القراءة اليه عليه السلام لا اساس له.
ويذرون اي يتركون وهو فعل ماض من وذر يذر ولا يستعمل منه الا المضارع والامر. قال في العين (والعرب قد اماتت المصدر من يذر والفعل الماضي واستعملته في الحاضر والامر فاذا ارادوا المصدر قالوا ذره تركا). والزوج يطلق على الرجل والمرأة بل لم يرد في القرآن مؤنثا.
والتربص: الانتظار. وهو كناية عن عدم الزواج وانتظار انتهاء العدة. والمراد بفعل المضارع الامر به وهذا من التأكيد على وجوبه فكأنه يخبر عنهن ان هذا دأبهن لا يتخلفن عنه. وتعليق التربص بالنفس لعله بتضمين معنى الامتناع والصيانة اي يمنعن انفسهن من الزواج.
وقوله (والذين يتوفون) مبتدأ وخبره جملة (يتربصن..) واشكل على النحاة تطبيق قواعدهم على الآية فان الضمير في الجملة الخبرية لا يعود الى المبتدأ بل الى الازواج فقالوا ان التقدير (وازواج الذين يتوفون.. يتربصن..) وهو بعيد جدا ومثله ما قيل ان التقدير (يتربصن بعدهم) او التقدير (فازواجهم يتربصن) وقيل غير ذلك.
ولا يهمنا ما اخترعه النحاة من القواعد فان القرآن الكريم كلام الله تعالى وهو بعد ذلك أقوى واوثق نص من الادب العربي القديم فهو المعول عليه واليه تعود اللغة والظاهر من الآية كفاية هذا المقدار من الارتباط بين المبتدأ والخبر بان يعود الضمير الى متعلق المبتدأ.
وقد مر نظير ذلك في تفسير قوله تعالى (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ..)[3] ومثله ايضا قوله تعالى (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى..)[4] وكذا قوله تعالى (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ..).[5]
والمراد بالاشهر، الهلالية منها لقوله تعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ..).[6]
والعشر يراد بها عشرة ايام واليوم مذكر فالمفروض ان يؤنث العدد ولكن العرب ياتون به مذكرا ولعله باعتبار ان المراد اليوم والليلة وحيث ان الشهر الهلالي يبدا من الليل فقدموا جانب الليلة واتوا بالعدد مذكرا بل حتى لو اريد النهار محضا ولذلك يقولون صمت عشرا قيل ولعله من جهة ان النية في الليل فكأن الصوم يبدأ من آخر الليل.
ويدل على ذلك ايضا قوله تعالى (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا)[7] فيظهر من اخر الايتين ان المراد بالمعدود هو اليوم مع انه اتى بالعدد مذكرا في الاية السابقة.
وقال بعض النحاة ان قاعدة تذكير العدد وتانيثه بعكس المعدود انما يعمل بها اذا ذكر المعدود فحسب.
وهناك بحث في التفاسير وغيرها في علة تشريع هذا الحكم وانه هل هو كتشريع عدة المطلقة لحفظ الانساب ام انه شُرّع لاحترام الزوج ووردت في ذلك روايتان ضعيفتان عن طرقنا تدلان على ان الحكمة فيها هو ان المراة لا تصبر اكثر من اربعة اشهر.
ونحن في غنى عن هذه الابحاث ولا حاجة الى معرفة حكمة الاحكام الشرعية بل التعبد بها هو اساس الايمان. والتعبد بها من دون التفات الى الحكمة اقوى واعمق.
ولكن لا شك ان المناط ليس شيء مما ذكر فالعدة على حالها حتى لو كانت المراة لا تلد ولا تحيض ولم تكن شابّـة فلا تصبر على ترك الزواج كما في الرواية ولذلك فان هذا الحكم عام يشمل كل الزوجات حتى الصغيرة والكبيرة التي لا ترجو النكاح والمتعة والحامل وغيرهن.
وقد ورد في بعض الروايات ان عدة الوفاة من اجل الحداد على الزوج فقد روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال (إن مات عنها زوجها يعني وهو غائب فقامت البينة على موته فعدتها من يوم يأتيها الخبر أربعة أشهر وعشرا لان عليها أن تحدّ عليه في الموت أربعة أشهر وعشرا فتمسك عن الكحل والطيب والاصباغ). وبنفس المعنى صحيحة البزنطي عن ابي الحسن الرضا عليه السلام. [8]
وذهب اكثر فقهاء العامة الى ان الحامل تنتهي عدتها بوضع الحمل حتى لو كان الزوج باقيا على سرير الموت لقوله تعالى (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ..)[9] وقد ذكرنا بعض الكلام حوله في تفسير الآية المباركة.
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ...
الاجل غاية المدة المحددة للشيء كالدين ونحوه والمراد هنا عدة الوفاة المذكورة فاذا انتهت العدة جاز لها ان تتزوج وان تتزين وتترك مستلزمات الحداد ويشترط في ذلك ان يكون بالمعروف اي بما هو متعارف بين المتشرعة فلا يجوز التبرج مثلا.
فيتبين ان المراد بما فعلن في انفسهن هو ما كان محرما عليه بسبب الحداد والعدة ولكن لم تسبق اشارة الى لزوم الحداد عليها ولهذا ارتبك بعضهم في تعيين المراد.
ولكن سبق ان اشرنا الى ما يماثله في قوله تعالى (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ..)[10] ان تعيين القبلة السابقة وهي بيت المقدس لم يسبق ذكره في الآيات وانما اخبر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولكنه لا يخبر الا عن وحي.
وكذلك في قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ..)[11] فان حرمة المعاشرة الجنسية في ليالي شهر رمضان لم تذكر قبل ذلك وانما اخبر بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومثل ذلك في الكتاب غير عزيز.
وقد ورد في الروايات وجوب الحداد على المتوفى عنها زوجها والمنع من التزين والتطيب والاختضاب وفي بعضها المنع من المبيت خارج بيتها والخروج من غير ضرورة والفتاوى تختلف فيما هو محرم منها وما هو مكروه.
والكلام هنا في خطاب الآية فانه لم يوجه الى النساء مع ان الاثم المتصور انما هو في عملهن ولكن الله تعالى نفى الجناح عن الرجال فيما يفعلن بانفسهن ويظهر من ذلك ان هناك رجال يجب عليهم منعهن من ذلك الى انتهاء الاجل ويبدو انهم كانوا يمنعونهن قبل ذلك لمدة اطول وفي الروايات انهم كانوا في الجاهلية يمنعونهن من الزواج عاما كاملا.
وهناك من الناس في هذا العصر ايضا من يمنع من زواج من يلي امرها نهائيا كما هو مذكور في تقاليد بعض الامم المتخلفة.
والظاهر ان الخطاب ليس لمن يتولى امر المراة بغير حق كما كان في الجاهلية فاما ان يكون المراد من يتولى امر المجتمع الاسلامي من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والائمة الطاهرين عليهم السلام ومن يولونهم امر الناس بدليل خاص كما في مالك الاشتر رضوان الله عليه او بدليل عام كما يقال ذلك في الفقيه بشروطها.
واما ان يكون المراد المجتمع الاسلامي باسره باعتبار ان الله تعالى امرهم بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر فالاية تحدد لهم المنكر من حيث الزمان لئلا يختلط عليهم الامر.
واما ان يكون المراد من ترجع اليه المراة في شؤونها وان لم يجب عليها ذلك كما في الابوين والاخ الاكبر او كبار الاسرة خصوصا اذا كانت الزوجة صغيرة السن بحيث لا تعلم ما هو الاصلح لها فانها ترجع غالبا الى ابويها او اخيها الاكبر او كبار اسرتها في شؤون زواجها فالاية هنا تحدد لهؤلاء ما هو المعتبر شرعا في ذلك ويبقى عليهم رعاية مصلحتها فيما وراءه من الشؤون العرفية والمادية.
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)
وحيث ان الامر يرتبط باسداء النصح للمراة وهي ضعيفة في الغالب فالاية في نهاية المطاف تحذر اولياء الامور من ان يتوانوا عن رعاية مصلحتها او يتسامحوا في ذلك او يرجحوا مصلحة انفسهم كما يشاهد في كثير ممن يتولون امور الضعفاء.
ويمكن ايضا ان تكون هذه الجملة تحذيرا لمن يمنعون المراة من الزواج بعد انتهاء العدة كما يلاحظ ذلك في اسرة الزوج المتوفى وفي بعض الحالات في اسرة المراة بنفسها ايضا.
ومع الاسف هذا الامر محل ابتلاء كثير من النساء اللاتي يفقدن ازواجهن وهن في سن الزواج فيمنعهن رجال الاسرة او اسرة الزوج السابق بشتى الطرق من الزواج وهذا ظلم وتخلف ومخالفة لحكم الله تعالى.
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ...
هذه الآية تمنع من التقدم للزواج من الارملة قبل انتهاء عدتها وهناك موارد كثيرة يطلب الرجل الزواج بالارملة لجمالها او لمالها او لشهرتها ومكانتها الاجتماعية فكان بعضهم يخاف ان يتبادر اليها غيره ممن يرغبون فيها ويحب ان يسجل اسمه بين الخُطّاب لعله يفوز بموافقتها دون الاخرين ومن هنا كانوا يستعجلون في اظهار رغبتهم فمنع الله تعالى التصريح بذلك قبل انتهاء العدة ولم يمنع من التعريض.
والتعريض من العرض وهو كثير الاستعمال وله معان كثيرة قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة (العين والراء والضاد بناء تكثر فروعه وهي مع كثرتها ترجع الى اصل واحد وهو العرض الذي يخالف الطول..) وقال ايضا (ومن الباب معاريض الكلام وذلك أنَّه يخرج في مِعْرَض غير لفظه الظاهر فيُجعل هذا المِعْرَض له كمِعْرَض الجارية وهو لباسها الذي تُعْرَض فيه وذلك مشتقٌّ من العرض).
وقال فی الصحاح (والتعریض خلاف التصریح... ومنه المعاريض في الكلام وهي التورية بالشيء عن الشيء وفي المثل ان في المعاريض لمندوحة عن الكذب اي سعة).
وقال في تهذيب اللغة (والتعريض في خطبة المراة في عدتها ان يتكلم بكلام يشبه خطبتها ولا يصرح به وهو ان يقول لها انك لجميلة وان فيك لبقية وان النساء لمن حاجتي).
والتعريض يختلف عن الكناية في انك لا تقصد المعنى الظاهر في الكناية اصلا وانما تقصد المعنى المكني عنه كما اذا وصفت زيدا بانه كثير الرماد كناية عن كونه جوادا وهو قد لا يكون له رماد اصلا اما في التعريض فانت تقصد ظاهر اللفظ كما لو قلت انك لجميلة ولكنك تريد ان تنتقل المراة الى معنى اخر تقصده ولا تصرح به.
والخطبة بكسر الخاء والخطبة بضمها من باب واحد وهو التحدث مع شخص او جماعة الا ان الاول خاص بدعوة المراة الى الزواج والثاني بمعنى التحدث الى الناس في موعظة او امر اخر يهمهم. والاول يقال له خاطب وجمعه خُطّاب والثاني خطيب وجمعه خطباء.
وموضوع الحديث في الآية الارامل ولكن لا يبعد شمولها للمطلقات البائنات واما الرجعية فهي ذات بعل لا يجوز التعريض لها واما من لم تتزوج فلا تشملها الاية اساسا لقوله تعالى (حتى يبلغ الكتاب اجله) والمراد انتهاء العدة.
و(أكننتم) إفعال من كنّ اي ستر. وهناك خلاف في كتب اللغة في الفرق بين الكَنّ والإكنان فيحكى عن بعض القدامى عدم الفرق بينهما.
وذهب بعضهم الى ان الكَنّ بمعنى ستر الشيء بالشيء او صونه به. ومن ذلك قوله تعالى (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ)[12] وأنّ الإكنان خاص بما تستره في ضميرك ونفسك. ومنه قوله تعالى (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ).[13] وكذلك (أكننتم في انفسكم) في هذه الآية. ومهما كان فالإكنان في النفس بمعنى الإخفاء وعدم إظهار الامر.
والحاصل أنّ الاية الكريمة تنفي الجناح والاثم عن إخفاء علاقة الانسان بامرأة توفّي عنها زوجها بل تجيز التعريض لها بالميل اليها للزواج بعد انتهاء العدة.
ولكن يبقى السؤال عن وجه عطف إخفاء العلاقة على التعريض بالخطبة مع ان التعريض مرحلة متقدمة من اظهار العلاقة.
وقلّ من تعرض له الا ان الشيخ الطوسي قدس سره حكى عن ابي زيد ويظهر منه قبوله ان المراد بالإكنان اخفاء العزم على عقد النكاح فيكون اقرب الى المنع من التعريض بالخطبة لان العزم على العقد منهي عنه فان كان المراد بالاكنان اخفاء العزم فلا يراد به العزم بل مقدماته النفسية التي هي خارجة عن اختياره.
ويمكن ان يكون العطف للارشاد الى ما هو أبعد من الحرام بان يخفي في نفسه الميل الى الزواج بها فلا يصرّح ولا يعرّض فكأنه يقول يجوز التعريض والافضل ان تخفي ميلك اليها ولا تظهره حتى بالتعريض.
عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا...
هذا دليل نفي الجناح فالله تعالى يعلم ان من طبيعة الانسان التمايل الى الجنس وهو خالق الانسان ويعلم ما توسوس به نفسه فلا يمكن ان يعتبر اصل العلاقة محرمة.
والمراد بالذكر التوجه القلبي بل يشمل الذكر اللفظي ايضا فهو ايضا ليس محرما فيجوز للرجل ان يذكر لغيره علاقته في الزواج بالارملة او المطلقة بالطلاق البائن.
ولكن لا تجوز المواعدة معها في السر بناءا على أنه ظرف للمواعدة او لا تجوز المواعدة على السر بناءا على انه مفعول المواعدة.
وعلى الاول فالتقييد بالسر ليس تقييدا للحكم لان المواعدة جهرا اقبح واكبر اثما وانما اتي به لان المراد المواعدة على الاثم او على الزواج بها بعد العدة وهو لا يكون الا في السر.
وعلى الثاني فالمراد بالسر المعاشرة الجنسية وقد ورد التعبير به عن ذلك في اشعار العرب وبطبيعة الحال تكون المواعدة عليه مواعدة على الزنا.
والمواعدة مفاعلة من الوعد ولا تتوقف على وعد من الطرفين بل يكفي فيها وعد من احدهما وقبول من الاخر.
وهناك بحث في ان قوله تعالى (ولكن..) استدراك من اي شيء فقيل ان قوله (علم الله انكم ستذكرونهن) يدل على جواز الذكر فهذا استدراك منه.
وهذا غير صحيح لان علمه تعالى بامر طبيعي لا يدل على الجواز بل ربما يكون منهيا عنه كما في قوله تعالى (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ..).[14]
وقيل ان التقدير فاذكروهن ولكن.. وهو الصحيح ولكن اصل تجويز الذكر خصوصا على اطلاقه لا يتبين الا من الاستدراك.
وورد تفسير الجملة في عدة من الروايات منها ما رواه الكليني قدس سره عن عبد الله بن سنان قال (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل (ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) فقال: السر أن يقول الرجل موعدك بيت آل فلان ثم يطلب إليها أن لا تسبقه بنفسها إذا انقضت عدتها قلت فقوله (إلا أن تقولوا قولا معروفا) قال: هو طلب الحلال في غير أن يعزم عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله).[15]
والمراد بتعيين الموعد في الحديث هو المواعدة على الزنا مع تعيين المكان وقوله (ان لا تسبقه بنفسها) اي لا تقبل رجلا غيره للزواج.
والظاهر ان الاستثناء في الآية (الا ان تقولوا..) استثناء منقطع فالمعنى ولكن يجوز ان تقولوا.. اذ لا توجد مواعدة في السر او على السر بقول معروف. والمفروض انه لا يجوز له التصريح بالخطبة فكيف بالمواعدة فالمراد بالقول المعروف اي ما يتعارف قوله بين المتشرعين في مثل هذا الحال وهو ما مر من التعريض بالخطبة.
وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ...
العزم هو الجد في الامر وعقد القلب على تنفيذه. والعقدة اسم لما يعقد. والعقد ربط الشيء وتوثيقه كأنّ هناك شيء بينهما ربط ربطا قويا ومفتولا لا يمكن فصلهما بسهولة. والاضافة بيانية.
والمنهي هنا العزم على عقد النكاح مع ذات العدة لا نفس انشاء العقد فهو امر مفروغ عن حرمته وقبحه بل يوجب الحرمة الابدية بينهما وانما تحرّم الآية العزم والجدّ في عقد النكاح ولو بعد العدة وانما يجوز التعريض والاستعداد.
والكتاب اي المكتوب والمراد به العدة التي كتبت على المرأة فيها ان لا تتزوج ولا تتزين بل ولا تتعرض للخطبة. وبلوغ الاجل انتهاء العدة والوصول الى الاجل المحدد لها.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)
حيث تعلق المنع في الآية بالعزم والقصد ففي هذا التعقيب يحذر الانسان من هذا القصد الذي ربما لا يعلم به احد الا ان الله تعالى يعلم ما في النفوس فاحذروه ولكن حيث ان القصد ربما لا يتمكن الانسان من دفعه لشدة تعلقه فاخبره الله تعالى انه غفور حليم.
والحلم: الاناة اي انه تعالى لا يعجل بالعقاب لان الذي يعجل يخاف فوت الفرصة وهو تعالى لا يفوته شيء.
وهكذا يجمع القران في تعبيره بين الخوف والرجاء فمن جهة يمنع من تعلق القصد بالحرام في مثل هذا الامر ويخوّف الانسان الذي لا يتمكن من كبح جماح نفسه ولا اقل في عقد القلب بان الله تعالى يعلم ما في نفسه وهو يؤذن بانه محاسب عليه ومؤاخذ ومع ذلك فان حلمه تعالى وسعة رحمته وغفرانه يبعث فيه الامل.
ولا منافاة بين المحاسبة والغفران فان الله تعالى صرح بان الانسان يحاسب على ما يخفيه في نفسه مع انه لا يعاقب الانسان الا بعمله قال تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ..).[16] وسيأتي تفسيره ان شاء الله تعالى.
لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً
الجناح في الاصل هو الميل كما قال تعالى (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا)[17] اي مالوا. ويعبر عن الاثم بالجناح لانه ميل عن الحق. والمس هو اللمس باليد ويكنى به عن المقاربة.
والفرض في الاصل بمعنى قطع الشيء والتاثير فيه ويعبر به عن ايجاب شيء من الله تعالى او من الانسان نفسه والفريضة اسم لما يفرض والمراد هنا تحديد المهر.
وقوله (او تفرضوا) معطوف على قوله (تمسوهن) فيأتي عليه النفي فيكون المعنى ما لم تمسوهن ولم تفرضوا لهن مهرا محددا لان (او) في سياق النفي تفيد معنى الواو وليست كموارد الاثبات حيث تدل على الترديد. فمورد الكلام في الآية الطلاق قبل ان يباشرها مع عدم تحديد مهر لها في العقد. وهذا يدل على جواز عدم تحديد المهر في العقد.
والكلام في معنى الجناح هنا فقال بعضهم ان المراد جواز الطلاق اي لا يحرم الطلاق في هذا الحال وحكي عن بعضهم ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حيث نهى عن الطلاق واشار الى كراهته ظن الناس ان مثل هذا الطلاق منهي عنه.
ولكن لو فرض ان المراد بنفي الجناح جواز الطلاق فتكون معنى الآية ان الجواز مشروط بعدم المس وعدم تحديد المهر كما هو ظاهر قوله (ما لم تمسّوهن..).
وفي المنار أن المراد نفي الجناح عن عدم دفع المهر فالآية تجيز عدم دفع المهر في هذا الفرض وهو عدم المقاربة وعدم تحديد المهر اذ لو قاربها وجب مهر المثل واذا حدد وقارب وجب كل المهر واذا حدد ولم يقارب فسياتي حكمه في الاية التالية.
ولكنه خلاف الظاهر اذ ظاهرها نفي الجناح عن الطلاق ولم يرد في الكلام ما يشير الى نفي الجناح عن امر اخر كعدم دفع المهر.
ولذلك لجأ الزمخشري في الكشاف الى تأويل الجناح بالتبعة اي اذا طلقتم قبل المباشرة ومن دون تحديد المهر فلا تبعة عليكم من دفع مهر او غيره.
واعترض عليه بان الجناح لا يفيد هذا المعنى وانما الاصل فيه كما مر الميل ويعبر به عن الاثم اما التبعة المالية فليست من الاثم.
ويمكن توجيهه بان الكلمة بكثرة الاستعمال اكتسبت معنى اخر يشمل التبعة المالية وهذا ليس ببعيد عن اللغة فالتيمم مثلا في الاصل بمعنى القصد ولكن حيث ورد التعبير به في قوله تعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ)[18] اي اقصدوا.. اصبح معنى الكلمة هذا العمل الخاص بحيث صنع منه الافعال كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم على ما روي (ان قوما اتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول الله مات صاحب لنا وهو مجدور فان غسلناه انسلخ فقال: يمّموه).[19]
وكذلك الحج فانه ايضا بمعنى القصد ولكنه استعمل في الاعمال المخصوصة وصنعت منه الافعال ايضا كما يقال احججت فلانا اي بعثته ليحج كما في الصحاح. وهكذا غيرهما من الالفاظ التي تكتسب معنى اخر بالمناسبة.
وهناك موارد اخرى عبر فيها بالجناح ويبعد حملها على الاثم كقوله تعالى (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا..).[20] اذ لا وجه لتوهم الاثم في الصلح.
وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)
التمتيع تفعيل من المتاع وهو ما ينتفع به زمانا وينتهي فالمراد ان يدفع لها ما تنتفع به وهو امر يختلف حسب قدرته المالية. والوسع جِدَة الرجل وقدرة ذات يده كما في العين والموسع من كان مقتدرا في المال. والقتر اي الضيق والمقتر من ضاقت عليه المعيشة.
والقدر بفتح الدال وسكونه بمعنى المبلغ. واضافته الى الموسع والمقتر بمعنى المقدار والمبلغ المناسب له فالمقتدر يمتّع بشيء مناسب لسعة ماله والفقير ايضا يمتّع ما يناسبه وهو حيث تزوج فليس معدما فله من المال ما يمكنه التمتيع.
وورد في رواية معتبرة عن الامام الصادق عليه السلام (اذا كان الرجل موسعا عليه مَتَّع امرأته بالعبد والأمة والمقتر يمتّع بالحنطة (والشعير) والزبيب والثوب والدراهم وإن الحسن بن علي عليهما السلام متّع امرأة له بأمة ولم يطلق امرأة إلا متّعها).[21]
وقوله متاعا مفعول مطلق ولكنه ليس مصدرا للفعل بل اسم مصدر وقوله بالمعروف اي ما هو متعارف من مثله. وقوله (حقا) مفعول مطلق ايضا لفعل مقدر والحقّ هو الامر الثابت اي حقّ ذلك حقا على المحسنين.
وربما يستفاد من هذا التوصيف بقرينة (على) انه واجب لانه اعتبر هذا التمتيع حقا على المحسن. والاحسان صفة المؤمنين. كما انه ربما يستفاد الاستحباب من التعبير بالاحسان كما اشار اليه في الميزان.
ولكن الظاهر ان الاحسان لا يدل على الاستحباب بوجه فقد ورد الاحسان في القران للتعبير عن اصل الايمان كقوله تعالى (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).[22] كما ورد في مقابل الاساءة في قوله تعالى (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا..).[23] وغير ذلك من موارد استعمال هذا اللفظ في ما لا يقتضي الاستحباب.
وهناك اختلاف في الفقه في وجوب المتعة في هذا الفرض اي الطلاق قبل الدخول ومن دون تعيين المهر او مطلقا او استحبابها مطلقا والروايات ايضا مختلفة.
ولكن المستفاد من ظاهر هذه الاية وجوبها في هذا الفرض للامر بها في قوله (ومتعوهن) وللتعبير بانه حق اي ثابت على المحسنين. وكثيرا مّا يستبعد الوجوب مع أنه ظاهر القرآن لعدم تعارفه بين الناس.
والحكمة فيها واضحة لان الطلاق لا ينبغي ان يوجب تنافر المؤمنين وتباغضهم فهو امر ربما يضطر اليه الانسان لمصالحه الشخصية وهما بعد ذلك مؤمنان تجمعهما اواصر الاخوة في الدين وكثيرا ما يوجب الطلاق تنافر الاسرتين بل العشيرتين فلا بد من رأب الصدع والتقريب بين القلوب وهذا التمتيع خير وسيلة لذلك فهو بدفع ما تتمتع به المراة يظهر لها ولاسرتها انه لم يفارقها لنقص وقصور فيها وانما اضطر الى ذلك لظروفه الخاصة.
وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ...
هذه الآية تتعرض لحكم المورد الآخر وهو الغالب في موارد الطلاق قبل الدخول فان الغالب هو تعيين المهر. والحكم فيها هو وجوب دفع نصف المهر لها. وقوله (فنصف ما فرضتم) اي فالواجب نصف ما فرضتم اي قدّرتم من المهر.
واستثنى موردين احدهما ان يعفون اي النساء والواو هنا جزء من الكلمة وليس واو الجمع. والعفو: الترك كما في العين فمعناه ان المراة اذا تركت مطالبة ما تستحقه وهو نصف المهر فلا يجب على الرجل شيء كما انه اذا سلّم تمام المهر وعفت المراة عن اخذ ما تستحقه تعيد تمامه الى الرجل.
والمورد الاخر ان يعفو الذي بيده عقدة النكاح. والعقدة كما مر اسم لما يعقد واضافتها الى النكاح بيانية اي الذي بيده النكاح.
انما الكلام في المراد بالذي بيده النكاح فالروايات عن طرقنا تصرح بأن المراد به ولي البنت اذ قد لا يكون الزواج ببالغة عاقلة رشيدة ليكون الامر بيدها فاذا كانت صغيرة او سفيهة فالولي هو الذي يتولى امر زواجها وبيده عقدة النكاح فيمكنه ان يعفو الزوج ان اراد الطلاق ولا ياخذ نصف المهر ان كان في ذلك مصلحة للمولى عليها.
ومن الروايات صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام وفيها (وقال في قول الله عز وجل "أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح" قال: هو الأب والأخ والرجل يوصى إليه والرجل يجوز أمره في مال المرأة فيبيع لها ويشتري لها فإذا عفى فقد جاز).[24]
ومنها ما رواه الصدوق والشيخ قدس سرهما عن محمد بن أبي عمير في نوادره عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل قبض صداق ابنته من زوجها ثم مات هل لها أن تطالب زوجها بصداقها أو قبضُ أبيها قبضُها؟ فقال عليه السلام: إن كانت وكلته بقبض صداقها من زوجها فليس لها أن تطالبه وإن لم تكن وكلته فلها ذلك ويرجع الزوج على ورثة أبيها بذلك إلا أن تكون حينئذ صبية في حجره فيجوز لأبيها أن يقبض صداقها عنها ومتى طلقها قبل الدخول بها فلأبيها أن يعفو عن بعض الصداق ويأخذ بعضا وليس له أن يدع كله وذلك قول الله عز وجل (إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) يعني الأب والذي توكله المرأة وتوليه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرهما).[25]
وما ورد في هذا الحديث من ان الاب ليس له ان يدع كله بل يعفو عن بعضه وياخذ بعضا وارد في غيره ايضا من الروايات وعليه الفتوى.
ولكن كثيرا من العامة يقولون ان المراد به الزوج وان عفوه بمعنى تركه للنصف الذي يستحقه فيدفع تمام المهر او لا يسترجع النصف اذا طلق بعد دفع المهر.
ومع قطع النظر عن الروايات فالآية بنفسها لا يصح حملها على ما ذكروه اولا لان الزوج ليس بيده عقدة النكاح وانما بيده الطلاق وثانيا لا وجه للتعبير عن الازواج بذلك لان الخطاب موجه اليهم فالمناسب ان يقال او تعفون وثالثا ليس هذا من العفو بل من الدفع فالزوج اذا لم يرغب في التنقيص يدفع كامل المهر.
واجيب عن الاول بان الزوج بيده عقدة النكاح لان المفروض ان العقد وقع فخرج عن سلطة المراة ووليها واصبح امره بيد الزوج ان يحفظها او يبطلها بالطلاق.
ولكن الظاهر ان المراد من كان بيده عقدة النكاح وهو الولي واما الزوج فليس بيده لا سابقا ولا لاحقا لان العقد لا يفسخ حسب الفرض والطلاق لا يعني بطلان العقد وانما يبطل بعض آثاره وهو الزوجية فالعقد باق يترتب عليه آثار اخرى منها حرمة الزواج بامها ومنها ان الطلاق يعدّ طلاقا اولا فاذا عقد عليها ثانية وثالثة مع الطلاق تحرم عليه.
وربما يرجح احتمال ارادة الزوج بأن الحمل على الولي يستلزم عدم التعرض لحكم عفو الزوج بدفع تمام المهر او عدم استرداد النصف ومن جهة اخرى لا حاجة الى ذكر حكم الولي لانه بمنزلة عفو المرأة نفسها كما انه لا حاجة الى التعرض لحكم عفو الوكيل المطلق لانه ايضا بمنزلة عفوها.
والجواب ان قوله تعالى (وان تعفوا اقرب للتقوى) يشمل الزوج ايضا بل هو اولى بالخطاب لو فرض صدق العفو على دفع تمام المهر واما القول بعدم الحاجة الى ذكر عفو الولي لانه بحكم عفو المراة فالجواب عنه ان الولي ليس كالوكيل فهناك من الاولياء من لا غنى عن عفوه لان المرأة ليس لها حق العفو اذا كانت صغيرة او سفيهة.
وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)
(ان تعفوا) مبتدأ وأقرب خبره والخطاب للجميع وهو خطاب عام استخدم للدلالة على المورد الخاص فالقصد منه ان العفو والتسامح مطلقا اقرب للتقوى. ومن الخطأ ان يطالب الانسان دائما بكل ما هو حق له لانه سيواجه بمثله ولا يمكنه ان يؤدي كل حقوق الناس.
ولعل المراد بكون العفو اقرب للتقوى ان الانسان اذا طالب بكل حقه فكثيرا ما يخطئ ويتجاوز الى نصيب مخالطه فالاقرب للتقوى ان يتسامح ولا يطالب بحقه وعليه فالمراد بالتقوى تقوى الله تعالى واجتناب ما يسخطه.
وفي الميزان في توجيه اقربيته للتقوى أن من أعرض عن حقه الثابت شرعا فهو عن (على) الاعراض عما ليس له بحق من محارم الله سبحانه اقوى واقدر.
وهو توجيه لطيف الا انه يختص بما اذا كان اعراضه عن حقه للخوف من كونه لا يستحقه فيتركه تقربا الى الله تعالى اما اذا كان اعراضه للترفع عن اخذ المال من امراة ونحو ذلك من الاعتبارات التي توجب كون الاعراض من المروءة فلا يؤثر ذلك في التقوى. واما ما ذكرناه فهو لا يختص بالعفو في هذا المقام بل تعليل لكون العفو والتسامح بصورة عامة اقرب للتقوى.
وفي المنار (إِنَّ التَّقْوَى فِي هَذَا الْمَقَامِ اتِّقَاءُ الرِّيبَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الطَّلَاقِ مِنَ التَّبَاغُضِ وَآثَارِ التَّبَاغُضِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي السَّمَاحِ بِالْمَالِ مِنَ التَّأْثِيرِ فِي تَغْيِيرِ الْحَالِ).
ولا موجب لهذا التأويل ولا للتعبير عن ذلك بالتقوى مع انه تعبير قرآني غير مسبوق ويقصد به الخوف من الله تعالى وقد تكرر كثيرا في الكتاب العزيز ولا يقصد به الا هذا المعنى. ولو اريد اتقاء التباغض لعبّر بما يفيده اذ لا موجب لترك التصريح.
ولا تنسوا الفضل بينكم.. وهذا ايضا حكم عام ومعنى النسيان الاهمال وعدم الاهتمام كما قال تعالى (وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا..)[26] والفضل: الزيادة. والمراد الحث على ان يكون لكل منكم الفضل على غيره بالتنازل عن الحقوق والمساعدة بالمال. وقوله (بينكم) يدل على ان المطلوب ان يحاول كل منكم ان يكون له الفضل على غيره.
والجملة الاخيرة تعليل للحكم وتحفيز للناس فالله تعالى بصير باعمالكم وكل ما تفعلونه من خير وشر يحسب لكم او عليكم فاغتنموا الفرصة لعمل الخير واحذروه في الشر. والتعبير بالبصير يدل على ان الامر ليس منوطا بالنية ومعرفة ما في القلب اي حاولوا التفضل على الاخرين لاي غرض كان.
[1] الزمر : 42
[2] السجدة : 11
[3] البقرة : 177
[4] البقرة : 189
[5] التوبة : 19
[6] التوبة : 36
[7] طه : 103 - 104
[8] الكافي ج 6 ص 112 باب عدة المتوفى عنها زوجها وهو غائب
[9] الطلاق : 4
[10] البقرة : 143
[11] البقرة : 187
[12] الصافات : 49
[13] القصص : 69
[14] البقرة : 187
[15] الكافي ج 5 ص 424
[16] البقرة : 284
[17] الانفال : 61
[18] النساء : 43
[19] تهذيب الاحكام ج 1 ص 333 ح 977
[20] النساء : 128
[21] الكافي ج 6 ص 105 باب متعة المطلقة
[22] الزمر : 58
[23] الاسراء : 7
[24] الكافي ج 6 ص 106
[25] وسائل الشيعة ج 19 ص 168
[26] القصص : 77