مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا...

مر الكلام في تفسير قوله تعالى (الم تر الى..) والقصة هنا ترتبط بالسياق السابق وهو الحث على الجهاد ومقاتلة الاعداء. والملأ اسم جمع كالقوم لا مفرد له وهو بمعنى أكابر القوم ورؤسائهم يعبر عنهم بذلك لانهم يملأون عيون العامة فيحترمونهم.

وفي العين (الملأ جماعة من الناس يجتمعون ليتشاوروا ويتحادثوا) وقال (ومالأت فلانا على الامر اي كنت معه في مشورته والممالأة: المعاونة) وفي الصحاح ان الملأ الجماعة.

وفي تهذيب اللغة (الملأ اشراف الناس ووجوههم) ثم روى عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رواية لو صحت تدل على ذلك وهي (انه سمع رجلا من الانصار مرجعه من غزوة بدر يقول: ما قتلنا الا عجائز صُلعا فقال صلى الله عليه وآله وسلم اولئك الملأ من قريش لو حضرت فعالهم لاحتقرت فعلك).

و(اذ قالوا) ظرف متعلق بمحذوف اي الم تر الى الملأ وما حدث لهم حين قالوا لنبي لهم.. وقوله من بعد موسى لا يعني انه كان مباشرة بعد وفاته عليه السلام ليقال ان المراد بالنبي المذكور يوشع بن نون كما في بعض تفاسير القدماء بل هو خطأ واضح لان داود عليه السلام مذكور في القصة وهو متاخر عن موسى بقرون.

وقد وردت القصة في العهد القديم في سفر صموئيل الاول الاصحاح السابع فما بعد وصموئيل هو النبي المذكور هنا ويقال له شموئيل ايضا.

والمستفاد مما ورد فيه على طوله ان بني اسرائيل كانوا يتبعون انبياءهم وهم يعينون لكل بلد قاضيا ولكنهم في حروبهم مع الفلسطينيين هُزموا وفقدوا اراضي وبلادا كانوا يسكنونها كما فقدوا التابوت كما سيأتي فجاءوا الى صموئيل يطلبون ان يعين لهم ملكا كما للفلسطينيين ملك وظنوا ان هذا هو السبب في ضعفهم.

وفيه ما ملخصه ان صموئيل استاء منهم وقال لهم (ان الملك ياخذ بنيكم ويجعلهم لنفسه فيركضون امام مراكبه وياخذ بناتكم عطارات وطباخات وخبازات وياخذ حقولكم وكرومكم وزيتونكم اجودها ويعطيها لعبيده وتكونون له عبيدا فتصرخون في ذلك اليوم فلا يستجيب لكم الرب فابى الشعب ان يسمعوا لصوت صموئيل وقالوا لا بل يكون علينا ملك فنكون نحن ايضا كسائر الشعوب فيخرج امامنا ويحارب حروبنا..).[1]

وشكا صموئيل الى ربه ولكن الله تعالى امره بان يلبّي حاجتهم ويعين عليهم ملكا وكان شاول - كما ورد في العهد القديم وهو المدعو في هذه الآيات بطالوت - شابا طويلا ولكنه من عامة الناس فامره الله ان يعينه عليهم ملكا.

والبعث في اللغة الاثارة والمراد هنا في قولهم ابعث لنا ملكا ليس الارسال لانه يختاره منهم وليس مجرد التعيين بل نصبه ملكا وتوجيهه نحو واجباته ووظائفه.

والملك صفة مشبهة من المُلك بالضم وهو السلطة فالملك هو السلطان وان اختلف موارد التعبير عنهما عرفا على ما في الفروق اللغوية. فالظاهر ان المراد بالملك في الآية هو المعنى المعروف لا قائد الجيش كما يقال.

وقوله (نقاتل في سبيل الله) جواب الامر اي ان تبعث لنا ملكا نقاتل وكأنهم برّروا هزيمتهم امام الفلسطينيين وعدم مقاومتهم في القتال بعدم وجود ملك عليهم ولكن النبي لم يرد على اقتراحهم وانما شكك في عزيمتهم على القتال فكأنه رفض قبول عذرهم بعدم وجود الملك.

قال هل عسيتم ان كتب عليكم القتال ألّا تقاتلوا.. الاستفهام للتقرير كأنه يريد ان ياخذ منهم الاقرار على عدم امتثالهم للامر بالقتال.

و(عسى) من افعال المقاربة اي هل الاقرب في الاحتمال ان لا تطيعوا الامر بالقتال اذا كتب عليكم كواجب من الله تعالى؟! و(الا تقاتلوا) خبر (عسى) والمجموع من الاستفهام وما بعده جواب الشرط.

ويقصد النبي بذلك التأكد من عزيمتهم في الامر الا انهم حيث تقدم منهم نكث العهد كثيرا فعيّرهم بهذا التعبير لعل الحميّة تثور فيهم فلا ينكثوا العهد هذه المرة بعد ان كانوا هم من تقدم الى الطلب.

 

قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)

أكدوا مرة اخرى على أن قتالهم في سبيل الله. والاستفهام هنا للانكار وقوله (وقد اخرجنا..) جملة حالية. وكأنّهم يقصدون بذلك أنه لا موجب للفرار مادام القتال في سبيله تعالى. ثم بينوا ان هناك دواع شخصية وقومية ايضا تدعوهم الى القتال وهي انهم اخرجوا من ديارهم.

والظاهر أن الاعداء اسروا منهم جمعا كثيرا وهو المراد بقولهم (وابنائنا) فهنا كلمة مقدرة اي اخرجنا من ديارنا وحرمنا من ابنائنا.

فلما كتب عليهم القتال واجاب النبي طلبهم وعين عليهم ملكا وهو طالوت تولوا.. اي أعرضوا. والتولي من ولي يلي يقال: الشيء يلي الشيء اي يأتي بعده مباشرة ولكنه هنا يفيد العكس اي الاعراض بتقدير (عن) فالتولي اذا تعلق بالشيء بنفسه يفيد القرب اما اذا تعلق بتوسط (عن) او تقديره كما هو الحال هنا فانه يفيد الاعراض والتباعد.

الا قليلا منهم.. يبدو أن المراد بهذا القليل هم الباقون مع طالوت في حربه مع الفلسطينيين وليس المراد ان اكثر المطالبين بنصب الملك للقتال تولوا واعرضوا بمجرد تعيينه وذلك لان هذه الجملة وردت قبل تعيين الملك فلم يكتب القتال حتى الان.

والله عليم بالظالمين.. الظاهر ان المراد بهذه الجملة انه تعالى لا ينخدع فهو يعلم بما سيؤول اليه امرهم ويعلم ان اكثرهم سيظلمون انفسهم والمجتمع ولا يبقون على العهد. ونكث العهد بنفسه ظلم سواء تضمن التجاوز على احد ام لم يتضمن وقد قلنا مرارا ان صدق عنوان الظلم لا يتوقف على فرض وجود مظلوم.

 

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)

عطف هذه الجملة بالواو على الجملة السابقة لانها ليست اكمالا للمحادثة السابقة وانما هي تحكي عن قضية اخرى وهي نصب طالوت ملكا عليهم وقلنا ان اسم الرجل في العهد القديم شاول فيمكن ان يكون هذا الاسم تعريبا لشاول وعدم تصريفه بسبب عجمته والعلمية.

وأول تمرد منهم على طالوت ظهر هنا حيث اعترضوا على نصبه ملكا و(انى) اي كيف يكون له الملك علينا والحال أننا احق بالملك منه؟! فهم رفضوا تعيين الله تعالى او كذبوا نبيهم فيما حكاه عن ربهم وكلاهما كفر.

واستدلوا على عدم استحقاقه للملك بامرين:

الاول أننا أحق بالملك منه وهذا يمكن ان يكون بالنظر الى كونهم من زعماء القبائل والاشراف. ولكن في التفاسير أن المراد بكونهم أحق منه بالملك أنه من اولاد بنيامين فليس من اولاد الملوك ولا الانبياء. وفي حديث ابي بصير عن ابي جعفر عليه السلام (لم يكن من سبط النبوة ولا من سبط المملكة..).[2]

والامر الاخر أنه لا يملك اموالا طائلة وهم يملكون فهم اولى منه بالملك. والسعة بمعنى الكثرة فلا يعني ذلك انه فقير ولكنه ليس كثير المال كالملأ من الناس.

وجواب النبي واضح فالملك هنا امر اعتباري وامره بيد الله تعالى وقد جعله ملكا وامركم باطاعته (ان الله اصطفاه عليكم) فلا حاجة الى دليل اخر لتعيينه. والاصطفاء : الاختيار. ولكنه مع ذلك يملك امرين ذاتيين هما دخيلان في اللياقة للملك والسلطة وهما البسطة في العلم والجسم. والبسطة: السعة.

ولعل المراد بالعلم ان له معرفة واسعة بشؤون السياسة بمقدار ما يحتاج اليه في ذلك المجتمع وهذا اهم شيء في هذا المجال واما الجسم فقد مر عن العهد القديم انه كان طويل القامة. وفيه ايضا (ولم يكن رجل في بني إسرائيل أحسن منه. من كتفه فما فوق كان أطول من كل الشعب).[3]

وقيل ان طالوت ايضا بهذا المعنى وانه ماخوذ من الطول. ومهما كان فمثل هذا الجسم يؤثر في نظر العامة ويكسبه مهابة في اعينهم مضافا الى مهابة الملك. ولكن الفارق الاساس هو تعيين الله تعالى ولذلك قال (والله يؤتي ملكه من يشاء).

واكثر المفسرين فسروا الاية على اساس ان المراد بايتاء الله ملكه من يشاء الوصول الى سدة الحكم باي وسيلة كانت. وحاولوا تاويل الاية بحيث لا يستفاد منها انه تعالى يؤيد وصول الطغاة والظلمة الى الملك.

ولكن الصحيح ان المراد إيتاء الملك تشريعا بمعنى تعيينه من قبله تعالى حاكما على الناس وامر الناس باطاعة اوامره فاذا لم يطيعوه فهم الخاسرون ولا يوجب ذلك نقصا في ملكه ولذلك اضاف الملك اليه تعالى في قوله (يؤتي ملكه).

ويدل عليه ايضا انه تعالى جعل لهم آية تدل على انه ملك مبعوث من قبله تعالى كما ورد ذكرها في الاية التالية فلو كان المراد جعله ملكا تكوينا فلا اثر لقبولهم ورفضهم ولا حاجة الى آية وعلامة.

كما ان الرسول والامام يعينهما الله تعالى ويامر باطاعتهما والناس في الغالب يرفضون بل ربما يقتلون الانبياء والائمة عليهم السلام وذلك لا يوجب نقصا في قدرهم وانما الناس يضرون انفسهم. واما تسلط الجبارين على الناس فليس بايتائه تعالى وبرضاه.

نعم كل ما يحدث في الكون يحدث باذنه ولو اراد ان يمنعهم لمنع ولكن ذلك لا يسند اليه تعالى كما ان قتل النبيين والاولياء لا يسند اليه وان كان باذنه فلا يمكن ان يكون المراد بهذه الاية الايصال التكويني الى الملك.  

وتوصيفه تعالى بالواسع بمعنى قدرته الواسعة فلا يمنع اختياره شيء ولا يخاف العواقب وتوصيفه بالعلم باعتبار انه يعلم اين يضع ملكه.

 

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)

مرّ الكلام في ان إرسال هذه الآية يدل على ان المراد من جعله ملكا الجعل التشريعي فأراد الله تعالى ان يجعل لهم آية ليعلموا أنه امر الهي وذلك لضعف ايمانهم بانبيائهم. والآية: العلامة.

والتابوت معروف وهو صندوق من خشب غالبا يحفظ فيه المتاع او يستخدم لنقل الموتى وقد ورد ذكره في القران هنا وفي قصة موسى عليه السلام حيث امر الله تعالى امه ان تجعله في تابوت وتلقيه في اليم قال تعالى (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ..).[4]

ولم يرد ذكره في اكثر كتب اللغة وذكر في الصحاح في باب (توب) فتكون الصيغة فعلوت من التوبة اي الرجوع وقيل في وجه التسمية انه مما يرجع اليه الانسان لايداع متاعه او اخذه. وهو بعيد. وذكره في المفردات في تبت فتكون الصيغة فاعولا. وقيل ان الكلمة ليست عربية.

والسكينة مصدر كالوديعة ومعناها السكون والطمأنينة وكان بنو اسرائيل يطمئنون بوجود التابوت معهم في الحروب ويسكنون اليه وقوله (من ربكم) لا يعني انه يبعث الطمأنينة بصورة اعجازية بل بما أنه مستند الى الله تعالى والى انبيائهم السابقين يطمئنون اليه بطبيعة الحال.

والبقيّة صفة مشبّهة من بقي يبقى بقاءا وهو بمعنى الدوام في مقابل الفناء فالبقية ما يبقى من الشيء بعد زوال معظمه. و(من) في قوله (مما ترك) للتبعيض اي انها بعض ما ترك آل موسى وآل هارون عليهما السلام. وهذا يدل على ان معظمها كانت فانية في ذلك الزمان وبقي منها آثار وهي غير مذكورة تفصيلا.

وفي الكافي رواية مرسلة عن ابي جعفر عليه السلام انه كان فيه (رضراض الألواح فيها العلم والحكمة).[5]

وفي العين (الرضراض حجارة تترضرض على وجه الارض اي تتحرك ولا تثبت وسميت بها لتكسرها من غير فعل الناس بها). وفي بعض النسخ[6] (رُضاض الالواح) وكذلك ورد في تفسير العياشي وورد نفس التعبير في تفاسير العامة كالكشاف وغيره وهو الصحيح. والرُّضاض دُقاق الشيء كما في العين ايضا.

والمراد بما ورد في الحديث قطعات من الالواح اي الواح التوراة التي ورد ذكرها في ثلاث موارد في سورة الاعراف وفي اخرها قوله تعالى (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ).[7] وهي تعتبر من الآثار الباقية من آل موسى وآل هارون عليهما السلام.

وهناك بحث في المراد بآل موسى عليه السلام لانه لم يكن له ذرية ولا وجه لهذا البحث فآل موسى يصدق على من بقي من ذرية هارون ايضا لانهما أخوان وانما نسبت الآثار الى آلهما مع انها آثار لهما قبل ذلك خصوصا الالواح التي جاء بها موسى عليه السلام لان القوم ورثوها من مجموعة آل النبيين الكريمين بعد ان كانت خاصة بهم.

ومهما كان فقد ورد ذكر هذا التابوت في العهد القديم ايضا ففي سفر الخروج (وصنع بصلئيل التابوت من خشب السنط طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف وارتفاعه ذراع ونصف وغشاه بذهب نقي من داخل ومن خارج وصنع له إكليلا من ذهب حواليه...) الى اخر ما ورد فيه من توصيف لصنع التابوت.[8]

وورد ذكره في سفر صموئيل وقصة حرب الفلسطينيين وبني اسرائيل وفيه:

(فأخذ الفلسطينيون تابوت الله وأتوا به من حجر المعونة إلى أشدود وأخذ الفلسطينيون تابوت الله وأدخلوه إلى بيت داجون وأقاموه بقرب داجون وبكر الأشدوديون في الغد وإذا بداجون ساقط على وجهه إلى الأرض أمام تابوت الرب فأخذوا داجون وأقاموه في مكانه وبكروا صباحا في الغد وإذا بداجون ساقط على وجهه على الأرض أمام تابوت الرب ورأس داجون ويداه مقطوعة على العتبة..).[9]

وداجون صنمهم على ما يبدو والقصة طويلة الى ان يقول في اول الاصحاح السادس (وكان تابوت الله في بلاد الفلسطينيين سبعة اشهر) ثم يذكر قصة ارجاعه الى بني اسرائيل بسبب ما راوه من العذاب الالهي في اجسامهم وفي معابدهم.

ولكن الذي يظهر بوضوح من الاصحاح السادس والسابع أن ارجاع التابوت كان قبل نصب طالوت ملكا بسنين كثيرة فلم يكن علامة لنصبه ملكا كما ورد فيه ان الفلسطينيين وضعوه على عجلة تجرها بقرتان وارسلوه الى بني اسرائيل والقرآن يقول (تحمله الملائكة).

ويمكن ان يقال ان الملائكة كانوا يسيّرون البقرتين الى القوم كما في بعض التفاسير. وفي حديث عبد الله بن سليمان عن أبي جعفر عليه السلام (أنه قرأ "إنّ آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة" قال: كانت تحمله في صورة البقرة).[10]

والرواية ضعيفة وعبدالله بن سليمان مجهول. وفي مقابله رواية معتبرة رواها الكليني قبل هذه الرواية عن ابي بصير عن ابي جعفر عليه السلام وفيها (وقال "إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون" فجاءت به الملائكة تحمله..).

ولكن الظاهر أن كون ارجاع التابوت علامة وآية على نصبه ملكا من الله تعالى لا يتم الا بأن يشعر بنو اسرائيل ان التابوت لم يأت بصورة طبيعية فلعله نزل عليهم من السماء من دون ان يرسله الفلسطينيون كما زعموا ولكن القوم يحاولون الجمع بين ما في القرآن وما في العهد القديم ويستندون ايضا الى بعض ما روي في الاحاديث من وهب بن منبه وغيره.

وهنا استشهد في المنار بما رواه الطبري بسنده عن وهب بن منبه انه قال (وكل بالبقرتين اللتين سارتا بالتابوت اربعة من الملائكة يسوقونهما) وكأنه نسي موقفه من الروايات الاسرائيلية قبل قليل من تفسير هذه الاية.

مضافا الى ما اشرنا اليه من ان العهد القديم لا يعتبر ارجاع التابوت علامة على ملك طالوت فما ورد فيه باجمعه باطل عندنا.

إن في ذلك لآية لكم ان كنتم مؤمنين.. هذه الجملة تؤكد مرة اخرى ما ذكرناه من أن الجعل هنا تشريعي لانها تحثّ القوم على قبول ملكه ان كانوا مؤمنين بالله وبالرسالات.

 


[1] سفر صموئيل الاول الاصحاح الثامن

[2] الكافي ج 8 ص 316

[3] العهد القديم سفر صموئيل الاول الاصحاح التاسع

[4] طه : 39

[5] الكافي ج8 ص 317

[6] كما في شرح الكافي للمازندراني

[7] الاعراف : 154

[8] العهد القديم سفر الخروج اول الاصحاح السابع والثلاثون

[9] سفر صموئيل الاصحاح الخامس

[10] الكافي ج8 ص 316