مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ...

قصة اخرى من قصص بدء خلقة الانسان وقد وردت هذه القصة في ثلاث مواضع في الكتاب العزيز هنا وفي سورتي الاعراف وطه ولا غنى عن ملاحظة تلك الآيات لتفسير ما نحن بصدده.

ويبدو أن هذه القصة حدثت بعد الامر بالسجود وإباء ابليس لعنه الله كما يظهر من ترتيب نقل القصة هنا ومن قوله تعالى في سورة الاعراف (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ * وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ..).[1] وفي سورة طه (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى).[2] ولكن سيأتي في نهاية البحث ما ينافي ذلك.

وقوله انت في جملة (اسكن أنت وزوجك) اظهار للضمير المستتر في (اسكن) ليعطف عليه الزوج. والزوج بمعنى كل قرين مماثل مما يكمل الاول كزوجي الباب. والزوجان: المثلان المتقارنان. واطلاق الزوجة على المراة غير فصيح ولم يرد في القرآن وانما يطلق في الكتب الفقهية تجنبا من الالتباس.

والمعروف بين المسلمين أن اسم زوج آدم عليه السلام (حوّاء) ولكن لم يرد اسمها في القرآن وورد في أحاديث الفريقين كما ورد في التوراة ايضا.

ولم يذكر في القرآن كيفية خلقها الا بالعنوان العام وهو انه تعالى خلق الانسان من الطين او من صلصال كالفخار وهذا يشملها لانها اول انثى من هذا الصنف ولكن الوارد في التوراة ان الله تعالى خلقها من ضلع من اضلاع آدم عليه السلام فقد ورد في الاصحاح الثاني:

(فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية. وأما لنفسه فلم يجد معينا نظيره. فأوقع الرب الإله سباتا على آدم فنام. فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحما. وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم. فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي. هذه تدعى امرأة لأنها من امرء أخذت).[3]

وورد مثل ذلك في بعض روايات العامة وربما تسرّب الى رواياتنا ايضا وهي كلها من الاسرائيليات التي نشرها المستسلمون من اليهود وحرّفوا بها ثقافة المسلمين. وبعضهم اول قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً..)[4] الى هذا المعنى.

وهذا كلام باطل فهو نظير قوله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا..)[5] اي من نفس الجنس اذ لم يخلق النساء من الرجال وهو واضح. كما أنه ورد التعبير عن هذا الخلق بالجعل سواء في الانسان الاول او بعده قال تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا..)[6] وقال (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا..)[7] وقال ايضا (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا..).[8] ومن الواضح أن المراد بكل ذلك الامتنان على الانسان بجعل الزوج من صنفه.

والجنة تطلق على كل مكان كثير الشجر بحيث تستر ظلالها الارض من (جنّ) اي ستر. والاكل في قوله (وكلا منها) قد يكون بمعنى الاكل من ثمار الجنة والضمير في قوله (منها) يعود الى الثمار المعلوم من ذكر الجنة او الى الشجر او الجنة بلحاظ اشتمالهما على الماكول.

ولكن الظاهر ان الاكل بمعنى مطلق الاستمتاع والتلذذ بما في الجنة وليس خصوص الاكل فانها تشتمل على ما يتلذذ بمنظره وملمسه ورائحته وظله. وهذا التعبير متعارف كما قال تعالى (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ..)[9] حتى في مثل قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا..)[10] فالتعبير بالبطون ايضا لا يدل على ان المراد بالاكل خصوص ما يدخل البطن بل مطلق التصرف كما هو واضح.

والرغد مصدر معناه - كما في العين - سعة العيش. وهو صفة للمصدر المقدر اي كُلا منها اكلا رغدا اي واسعا فهو مصدر بمعنى اسم الفاعل. والظاهر ان المراد بالسعة انه لا منع عليكما في اي نوع من الاستمتاع او الاكل من اي نوع من الثمر ولا حدود لتصرفكما في الجنة الا هذه الشجرة والظاهر أن الاشارة الى شجرة بعينها لا الى نوع من الشجر وان كان هذا محتملا ايضا.

ووقع الكلام في نوع هذه الشجرة المنهية وانها هل هي الحنطة ام شجرة الكرم ام التين ووردت في ذلك بعض الروايات غير المعتبرة وفي مجمع البيان ان المروي عن امير المؤمنين عليه السلام انها شجرة الكافور وفي التوراة انها شجرة معرفة الخير والشر.

ويلاحظ ان التعبير عن الحنطة بالشجر غير متعارف ولكن ورد في القران التعبير به عن نبتة اليقطين وهي ايضا ليست من الشجر بالمعنى المعروف قال تعالى (وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ).[11]

ومهما كان فلا اهمية في معرفة نوع الشجرة الا ان الوارد في بعض روايات العامة تبعا للتوراة من انها شجرة معرفة الخير والشر امر غريب وللمقارنة بين ما ورد فيها وما ورد في القرآن الكريم نذكر شطرا من الوارد في العهد القديم المطبوع فقد ورد في الاصحاح الثاني:

(وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها وأوصى الرب الإله آدم قائلا من جميع شجر الجنة تأكل أكلا وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتا تموت).

وورد في الاصحاح الثالث:

(وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله فقالت للمرأة أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة فقالت المرأة للحية من ثمر شجر الجنة نأكل وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا فقالت الحية للمرأة لن تموتا بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضا معها فأكل فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار فاختبأ آدم
وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة فنادى الرب الإله آدم وقال له أين أنت فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت فقال من أعلمك أنك عريان هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت..).[12]

يكفي هذا المقدار لمعرفة ثقافة من قاموا بتجديد كتابة التوراة بعد فقدان اصلها ومعرفتهم لله تعالى وصفاته ولا حاجة الى تعليق ولا شك أنهم زادوا ونقصوا وادخلوا في النص ما راوه جزءا من تفسيره وفقا لثقافتهم البشرية في ذلك العصر.  

و(حيث) في قوله تعالى (حيث شئتما) للمكان اي كلا من ثمر الجنة في اي مكان منها والغرض أن نسبة المنهي عنه الى مجموع ثمار الجنة كانت نسبة ضئيلة جدا فالجنة مليئة بالثمار بانواعها وبكل ما يمكن ان يتلذذ به بالنظر او الشم او اللمس او غير ذلك وكل ذلك كان مجازا لآدم عليه السلام الا شجرة واحدة ومع ذلك لم يتمكن الانسان من حفظ نفسه وهكذا طبيعة الانسان في الدنيا ايضا.

والنهي عن الاقتراب من الشجرة تأكيد على المنع من الاكل منها كقوله تعالى (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ..).[13] وقوله (فتكونا من الظالمين) اي تظلمان بذلك انفسكما والمراد خسران ما حصل لهما من العيش الرغيد في الجنة.

وقد وقع الكلام في أن هذه الجنة هل هي جنة الخلد التي يسكنها المؤمنون الصالحون في الآخرة ام جنة في السماء ام في الارض؟ والجواب عن هذا السؤال هو المشكل الاساس في تفسير هذه الآية الكريمة.

والسر فيه أن الآيات يبدو منها أن الجنة ليست في عالم الطبيعة كما سنذكر - ان شاء الله - مع أن دخول الجنة كان بعد سجود الملائكة وإباء ابليس والمسجود لم يكن روح آدم عليه السلام بل جسمه المخلوق من الطين كما قال تعالى (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)[14] وغيرها من الآيات كما أن ابليس قارن بين خلقه وخلق الانسان من طين ومن صلصال من حمأ مسنون ولم يقارن بينه وبين الروح الالهية التي نفخت فيه.

والخلاف في الجواب عن هذا السؤال عميق وقديم. والاضطراب باد على اكثر المحاولات التي تلاحظ بصدد الاجابة عن هذا السؤال.

وقال بعضهم (إن قصة الشجرة المحرمة ووسوسة الشيطان باللذة ونسيان العهد بالمعصية والصحوة من بعد السكرة والندم وطلب المغفرة إنها هي هي تجربة البشرية المتجددة المكرورة لقد اقتضت رحمة اللّه بهذا المخلوق أن يهبط إلى مقر خلافته مزودا بهذه التجربة التي سيتعرض لمثلها طويلا استعدادا للمعركة الدائبة وموعظة وتحذيرا. وبعد.. مرة أخرى.. فأين كان هذا الذي كان؟ وما الجنة التي عاش فيها آدم وزوجه حينا من الزمان؟ ومن هم الملائكة؟ ومن هو إبليس؟ كيف قال اللّه تعالى لهم؟ وكيف أجابوه؟ هذا وأمثاله في القرآن الكريم غيب من الغيب الذي استأثر اللّه تعالى بعلمه وعلم بحكمته أن لا جدوى للبشر في معرفة كنهه وطبيعته)[15]

ولكن الكلام كما ذكرنا في أن مقتضى ظاهر الآيات ان الجنة سماوية والانسان طبيعي فكيف يمكن الجمع بينهما؟ ولا ينفع التهرب عن تعيين معنى الجنة وموضعها لكونهما من الغيب في دفع الاشكال.

مضافا الى أن اعتبار هذه القضية تجربة للانسان الاول مستبعد جدا لانها اوّلا لا تفيد جنس الانسان وانما تفيد آدم وحواء عليهما السلام وثانيا اذا لم تكن التجربة في خضمّ حوادث هذه الحياة ومغرياتها ومشاكلها فلا تفيد ايضا.

وقد قال جمع من المفسرين القدامى انها هي جنة الخلد لان اللام لام العهد فان هذا التعبير في القرآن لا يحمل الا على هذا المعنى.

وهذا لا وجه له فقد اطلقت الجنة على جنة الدنيا في قصة الرجلين في سورة الكهف وفي قصة الاخوة في سورة القلم وغيرهما.

مضافا الى ان جنة الخلد دار قرار فلا يخرج منها من دخله كما ورد في الرواية وستاتي ان شاء الله تعالى وأن جنة الخلد لا يدخلها الشيطان وليست موضعا للامتحان كما حدث لادم عليه السلام ولا يمنع المؤمن فيها من تناول اي شيء.

واما كونها في السماء فان اريد بها الاجرام الفلكية كما يظهر من بعضهم عدم الاستبعاد فهو مما لا دليل عليه وهو امر مستبعد في نفسه وانما يقال ذلك لتصحيح معنى الهبوط في قوله تعالى (وقلنا اهبطوا) ولكن الهبوط لا يختص بالنزول من علو مادي بل يصدق على نزول الدرجة والمقام وهو تعبير متعارف.

وان اريد بها ما وراء الطبيعة فلا يبعد في حد ذاته. ولو قيل به فلا بد من تأويل الشجر والاكل ونحوهما ولكن ورد في بعض الروايات أنها كانت من جنان الدنيا فقد روى الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الحسين بن ميسر قال (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن جنة آدم عليه السلام فقال: جنة من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبدا).[16] والسند معتبر عند كثير من العلماء وان كان فيه نظر. ورواه الصدوق بسند ضعيف ايضا.[17] 

وفي المقابل هناك بعض الروايات تدل على العكس منها ما رواه الصدوق بسنده عن عمر بن بشير البزاز قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام (ما يستطيع أهل القدر أن يقولوا والله لقد خلق الله آدم للدنيا وأسكنه الجنة ليعصيه فيردّه إلى ما خلقه له)[18] ولكن السند ضعيف جدا.

والعلامة الطباطبائي رحمه الله حاول ان يجمع بين كون ادم عليه السلام موجودا ارضيا وبين كون الجنة في السماء اي في العالم العلوي الخارج عن نطاق الطبيعة وملخص ما قال:

(إن آدم عليه السلام وزوجته إنما خلقا ليحييا في الأرض ويموتا فيها وإنما أسكنهما الله الجنة لاختبارهما ولتبدو لهما سوآتهما حتى يهبطا إلى الأرض وكان الطريق إلى الاستقرار فيها هذا الطريق وهو تفضيله على الملائكة لإثبات خلافته ثم أمرهم بالسجدة ثم إسكان الجنة والنهي عن قرب الشجرة المنهية حتى يأكلا منها فيبدو لهما سوآتهما فيهبطا إلى الأرض فآخر العوامل للاستقرار فيها ظهور السوأة اي التمايل الحيواني وآدم وزوجته لم يمكثا بعد التسوية ليتم في الدنيا إدراكهما لسوآتهما ولغيرها من لوازم الحياة الدنيا حتى أدخلهما الله الجنة وأنه إنما أدخلهما ولما ينقطع إدراكهما عن عالم الروح والملائكة والدليل على ذلك قوله تعالى "لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما" ولم يقل ما كان ووري عنهما وهو مشعر بأن مواراة السوأة ما كانت ممكنة في الحياة الدنيا استدامة وإنما تمشّت دفعة مّا واستعقب ذلك إسكان الجنة فظهور السوأة كان مقضيا محتوما في الحياة الأرضية).

ومعنى ذلك أن آدم عليه السلام كان على الارض حين سجود الملائكة وإباء ابليس وخلق حواء ولكنهما لم يشعرا بالحاجة الدنيوية في هذا الظرف ثم صعدا الى السماء وسكنا الجنة واكلا من الشجرة المنهية وبدت لهما حاجتهما الى شؤون الدنيا فهبطا الى الارض. وأن السر في اسكان الجنة هو اختبارهما وإشعارهما بالحاجات الدنيوية.

ويبدو أن الاشكال من جهتين من جهة الهدف من هذا الذي حدث لآدم وزوجه عليهما السلام وأنّه هل هو الاختبار أم التجربة أم أمر آخر ومن جهة كون الجنّة في الدنيا أم في عالم الملائكة مع أنّ آدم عليه السلام كان موجودا أرضيا؟

أمّا من الجهة الاولى فلا يبعد ان يقال ان الغرض منه هو ان يكون هبوط الانسان الى عالم الطبيعة وابتلائه بمشاكل هذه الحياة بسببه لا إلزاما له من الله تعالى بعد ان كان مسجودا للملائكة ومكرما عند الله تعالى وهذا هو ما ورد في الرواية السابقة المروية عن الامام الباقر عليه السلام (والله لقد خلق الله آدم للدنيا وأسكنه الجنة ليعصيه فيردّه إلى ما خلقه له) وهذا اولى من الاختبار في السماء كما ذكره العلامة رحمه الله. واما التجربة فقد مر الكلام فيها.

وهنا يبدو سؤال وهو أن هذا الاختيار هل كان من جميع البشر في مرحلة متقدمة من التكوين وان كان البشر لا يتذكر هذا الامر نظير ما يقال عن عالم الذر ام أنه من ابي البشر ولكن الله تعالى ينسبه الى النوع كله ويعتبرهم كانهم اختاروا ذلك؟

الظاهر أن الثاني هو الصحيح ومثله اسناد قتل الانبياء الى بني اسرائيل المخاطبين في عصر نزول القرآن مع أن القتلة هم السابقون منهم الا أنهم جميعا يتبعون نهجا واحدا فاسند القتل الى القوم جميعا ومثله ايضا أنه تعالى يمنع الآخرين من بعض المزايا بذنب الاولين كما قال تعالى (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ).[19]   

واما من الجهة الثانية فقد ورد في رواية الكافي التي مر ذكرها التصريح بانها كانت من جنان الدنيا تطلع عليها الشمس والقمر ولكن ظاهر الرواية التي مرت آنفا أنها لم تكن من جنان الدنيا كما هو ظاهر الآيات ايضا وهو المستند وذلك لعدة اعتبارات:

الاول: قوله تعالى (وقلنا اهبطوا) فان الهبوط وان لم يكن مستلزما للنزول من علو مادي ولذلك رفضنا دلالته على كون الجنة في كوكب من الكواكب كما توهم ولكنه يستلزم هبوطا معنويا وأنسب ما يكون من الهبوط في هذا المقام هو التنزل من عالم الملائكة الى عالم الطبيعة والابتلاء بمشاكلها وهذا ما تدل عليه الرواية السابقة عن الامام الباقر عليه السلام وروايات اخرى ايضا في ابواب مختلفة.

الثاني: ان قوله تعالى (لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا..)[20] يقتضي أن تكون هذه القصة قبل تلبس الانسان بمقتضيات الطبيعة فان المراد ببدوّ السوأة كما يقول العلامة الطباطبائي قدس سره هو ظهور الحاجة الى مقتضيات الحياة الطبيعية على الارض من الاكل والشرب والجنس وغيرها فلا يمكن ان يكون هذا الامر في جنة من جنان الدنيا. والسوأة: العورة اي كل ما لا يحب الانسان ان يراه احد منه.

الثالث: قوله تعالى (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى)[21] فانه يدل على أن تلك الجنة لم يكن فيها جوع وعطش وعري لا لوجود الطعام والشراب واللباس بل لعدم الحاجة اليها كما لم يكن فيها ضحوة اي بروز للشمس لا لوجود الظل وكثرة الاشجار بل لعدم وجود الشمس. وأما قوله تعالى (فكلا منها رغدا) فلعل المراد بالاكل مطلق الانتفاع.

ولا ينافي ذلك قوله تعالى (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا..)[22] فان الجمع بين الآيات يقتضي ان يكون المراد بنزع اللباس ايجاد الحاجة اليه فهما لم يريا سوآتهما ولم يشعرا بحاجة حيوانية بل كانا يعيشان عيشة الملائكة.

ويدل على ذلك قوله تعالى (فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ..).[23] حيث يدل على أن كلا منهما ما كان يشعر بوجود السوأة لا لنفسه ولا لصاحبه والا لقال فبدا لكل منهما سوأة زوجه.

الرابع: أن قوله تعالى (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ)[24] يدل على أنهما لم يكونا متلبسين بالحياة الارضية والا لم يصح القول بأنهم يحيون فيها مع قطع النظر عن ان خطاب الجمع بلحاظ كونهما مع الشيطان ثلاثة او كون الخطاب موجها الى آدم عليه السلام وذريته فلو كان الخطاب مع تلبسهما بالحياة الدنيوية لاقتصر بالقول (فيها تموتون ومنها تخرجون).

وربما يقال بأن الانسان موجود ارضي فلا يمكن ان تكون الجنة في السماء فالانسان خلق من الارض وللارض وتربّى فيها وقد مر في الآيات الكريمة ان الله تعالى أراد ان يجعله خليفة في الارض فلا بد ان تكون هذه الجنة فيها ايضا.

ولكن هذا غفلة عن ان حقيقة الانسان تلك الروح الالهية التي ترتبط بهذا الجسم الدنيوي فهو موجود مزدوج روحه متعلقة بالسماء وجسمه ارضي كما هو صريح الايات التي تدل على انه خلق من الطين ويمكن ان يفصل بين روحه وجسمه كما أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عرج الى السماء وبلغ الى ما لا يبلغه الملائكة المقربون وهو على الارض ينعم بجسمه المادي من نعم الله تعالى عليها.

وعليه فيمكن ان يقال ان آدم وحواء وان كانا بجسمهما على الارض ولكن لا مانع من دخولهما الجنة بروحهما وليس في ذلك صعود الى السماء بل كان الانسان في تلك المرحلة من التكوين ذا حالتين فيمكنه ان يكون بروحه في السماء وبجسمه في الارض وقد مرّ احتمال ان يكون المراد بالاكل مطلق الانتفاع.

وليس هناك فاصل زمني حتى يقال انهما لم يمكثا بعد التسوية ليتم في الدنيا إدراكهما لسوآتهما ولغيرها من لوازم الحياة الدنيا حتى أدخلهما الله الجنة وأنه إنما أدخلهما ولما ينقطع إدراكهما عن عالم الروح والملائكة كما في كلام العلامة قدس سره اذ يصح ان نقول كانا غير مرتبطين بجسمهما تمام الارتباط قبل دخول الجنة وتناول الشجرة.

بل لا يبعد ان يكونا حين الامر بالسجود ايضا في الجنة بمعنى انهما كانا يعيشان عيشة ملائكية ويستفاد ذلك من قوله تعالى (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى)[25] فالخطاب بالحذر من اخراجه لهما يدل على انهما كانا فيها حين السجود واباء ابليس وعليه فمعنى قوله اسكن في سورتي البقرة والاعراف الاستمرار في السكن ولذلك لم يقل ادخل انت وزوجك.

وذلك لا ينافي ان جسمهما في عالم الطبيعة وعلى الارض لان الطبيعة والسماء ليستا في مكانين منفصلين كما يتوهمه العامة بل سماء الملائكة محيطة بكل الكون فالانسان محاط بانواع من الملائكة وهم الذين يدبرون امور الكون بامر الله تعالى كما قال تعالى (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا)[26] فكل حركة وتحول في الكون لا يتحققان الا باذن من الله تعالى والملائكة هي التي تنقل اوامر الله تعالى الى كل اجزاء الكون.

والحاصل أنهم موجودون حولنا بكثرة لا يحصي عددهم الا الله تعالى ولكن لا نراهم ولا نشعر بهم وانما يراهم او يشعر بهم خواص عباده تعالى كالرسل والائمة عليهم السلام ولا يبعد ان يتمكن بعض الصالحين من الارتباط بهم والاستمداد منهم بوجه من الوجوه.

وانما يراهم البشر حين الموت كما قال تعالى (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ..)[27] وكذلك قوله تعالى (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ..)[28] ونحوهما من الايات.

ويرونهم ايضا يوم القيامة ويتحدثون معهم وذلك حيث تنشق السماء بالغمام وتكون واهية وكالوردة وكالمهل قال تعالى (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ..)[29] والواقع ان التغير يوم القيامة كما ذكرناه في تفسير قوله تعالى (وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ)[30] انما يحصل في الانسان حيث يرتفع عنه الغطاء بالموت فهو يراهم بمجرد انتقاله الى عالم اخر غير مقيد بقيود الطبيعة وكأنّ الانسان هنا في محبس لا يرى ما حوله بل لا يرى نفسه ايضا فانه ليس هذا الجسم بل هو امر آخر وراء هذا الجسم.

وبناءا على هذا التقرير فلا مانع من ان تكون الجنة في الدنيا ايضا وانما كان ادم وزوجه في السماء مع انهما في جنة الدنيا التي تطلع عليها الشمس والقمر كما في الحديث ولا ينافي ذلك قوله تعالى وانك لا تظما فيها ولا تضحى فهو بحقيقته لا يضحى بالشمس كما لا تضحى بها الملائكة.

ولعل هذا هو مراد العلامة قدس سره من عبارته السابقة.

ولا يبعد ان تكون الشجرة رمزا عن محاولة آدم للجمع بين الميول الطبيعية وكونه في جوار ربه وفي عالم الملائكة كما ورد في كلام العلامة رحمه الله وهذه المحاولة أفقدته التنعم بكونه في الجنة ووارته سوأته فأتاه الخطاب اهبط اي ما دمت متمايلا الى الطبيعة فاترك هذا العالم وارتبط بجسمك ارتباطا كاملا وهذا هو الهبوط.

وهذا الخطاب تكويني وليس تشريعيا بمعنى أنه بعد تناول الشجرة ما كان له ان يبقى على حاله فبدت له سوأته اي تحول الى انسان طبيعي كما أن خطابه تعالى لابليس اخرج منها او اهبط امر تكويني لقوله تعالى (فما يكون لك ان تتكبر فيها) فلا يجتمع الاستكبار مع البقاء في عالم القدس فهذا الامر نظير قوله تعالى (كن) اذا اراد شيئا فيكون الشيء ولا يمكن توجيه الخطاب لشيء قبل ان يكون فهذا الخطاب ليس الا ارادة كونه.

ومما يشير الى كون الشجرة رمزا للميول الطبيعية رواية الامام الرضا عليه السلام فقد روى الصدوق بسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي قال قلت للرضا عليه السلام (يا ابن رسول الله اخبرني عن الشجرة التي اكل منها آدم وحواء ما كانت؟ فقد اختلف الناس فيها فمنهم من يروي انها الحنطة ومنهم من يروي انها العنب ومنهم من يروي انها شجرة الحسد فقال عليه السلام: كل ذلك حق قلت: فما معنى هذه الوجوه على اختلافها؟ فقال: يا أبا الصلت ان شجرة الجنة تحمل أنواعا فكانت شجرة الحنطة وفيها عنب وليست كشجر الدنيا..).[31]

فان قوله عليه السلام إن الشجرة ليست كشجر الدنيا يشير - على ما يبدو - الى أنه امر رمزي ويرمز الى الميول الطبيعية باجمعها لا الى ثمرة خاصة.

ويمكن أن لا تكون الآيات بصدد نقل حادثة وقعت في بدء الخلقة وانما هي سرد لعرض تمثيلي تبين للانسان حقيقة من حقائق تكوينه وفطرته ولكن لا بنحو ما ورد في تفسير المنار كما سيأتي فيمكن ان يقال ان المراد بدخوله الجنة انه في حقيقة الامر موجود سماوي من قبيل الملائكة بل هو مسجود لهم وهو بروحه الالهية يعيش في جنة لا يشعر فيها بحاجة الى شيء من شؤون المادة.

ولكنه بارتباطه بالجسم المادي يخدع نفسه تحت تأثير الوساوس بتمكنه من الجمع بين تحصيل رضا ربه ومتابعة اهوائه والشجرة المنهية ترمز الى الميول الطبيعية في الانسان المادي وتناول آدم لثمرتها رمز لمحاولة الانسان الجمع بينها وبين كونه في جوار ربه وإخراجه من الجنة يرمز الى رفض هذه المحاولة وأنه انما يمكن في الحياة الارضية المليئة بالاشواك.

كما أن الاكل من الشجرة يرمز ايضا الى أن الانسان يحمل نفسا قابلة للاضلال والخداع وهي في نفس الوقت تواقة الى نيل ما لم يصل اليه كما يرمز الى أنه لا يخاف الورود في المغامرات والمهالك من اجل الوصول الى ما يجهل نهايته فلو نهاه الله تعالى عن فعل لانه يضره فهو يعلم انه يضره لا محالة الا انه ينصاع لوسوسة الشيطان ويجرب ارتكابه.

وهذا امر مرتكز في فطرته كما نجده يضر نفسه بتناول ما يضر بصحته من الطعام والشراب والتدخين واستعمال المخدرات وغير ذلك لمجرد الاشتهاء ثم يندم على ذلك وهو ايضا من ركائزه واذا كان ذلك منهيا من قبل ربه فانه يتوب اليه فتوبة ادم عليه السلام وزوجته اشارة الى فتح الطريق امامه للرجوع الى ربه الا ان التوبة لا تدفع عنه الضرر المترتب على الفعل كما لم تُرجع آدم وحواء الى الجنة فالضرر الذي يلحق بالانسان من متابعة هواه لا مناص منه.

ولكن الله تعالى علّم آدم عليه السلام أن بامكانه الرجوع الى الجنة عن طريق شائك في الحياة الدنيا بترك كثير من الملذات المتيسرة له واجتناب كثير من المآكل والمشارب الموفورة وامتثال الاوامر الالهية ومتابعة هداياته وتحمل كثير من المتاعب والمصائب في هذه الحياة وهكذا كل انسان يمكنه ان ينال رضا ربه عن هذا الطريق.

والحاصل ان هذا العرض كما يمكن ان يكون اشارة الى ان مسير الانسان ووصوله الى هذه الحياة كان بسبب متابعة الانسان الاول لهوى نفسه لحظة واحدة يمكن ايضا ان يكون اشارة الى حقيقة مكنونة في ذات الانسان وفطرته.

ولا يستبعد العرض التمثيلي فهو نظير قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)[32] بناءا على انه اشارة الى ما في فطرة الانسان من الانجذاب الى الله تعالى بقرينة ان الانسان لا يذكر هذا الامر لو فرض كونه قصة واقعية في عالم اخر كما يقال فلا تتم الحجة عليه كما هو صريح الآية والتي تليها.

والتمثيل البرزخي موجود في حياتنا ومثاله الرؤيا الصادقة فان الاحلام غالبا لا تحكي الا عن آمال الانسان ومخاوفه ولكن هناك بعضها تحكي عن الواقع نجدها في حياتنا وهي على قسمين فبعضها تحكي نفس الصورة الواقعية كما في قوله تعالى (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ..)[33] فان الذي رآه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على ما في الروايات هو نفس دخول المسجد وقسم من الرؤيا تظهر بصورة اخرى كما في قصة ملك مصر والرؤيا التي عبّرها سيدنا يوسف عليه السلام.

والحاصل أن هذا الاحتمال اي كون العرض تمثيلا لحقيقة كونية احتمال قائم نظير سائر ما مر ذكره في الآيات السابقة من قصة الملائكة وادم عليه السلام ولكنه مجرد احتمال لا يمكن تبنّيه من دون دليل قاطع وظاهر الآيات والروايات خلاف ذلك.

وفي تفسير المنار ايضا اعتبر كل ذلك تمثيلا لحقيقة خارجية ولكن بوجه اخر قال ما ملخصه (يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْجَنَّةِ الرَّاحَةُ وَالنَّعِيم وَيَصِحُّ أَنْ يُعَبَّرَ عَنِ السَّعَادَةِ بِالْكَوْنِ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِآدَمَ نَوْعُ الْإِنْسَانِ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالشَّجَرَةِ مَعْنَى الشَّرِّ وَالْمُخَالَفَةِ.

وَالْمَعْنَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى كَوَّنَ النَّوْعَ الْبَشَرِيَّ عَلَى مَا نُشَاهِدُ فِي الْأَطْوَارِ التَّدْرِيجِيَّةِ الَّتِي قَالَ سُبْحَانَهُ عنها (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) فَأَوَّلُهَا طَوْرُ الطُّفُولِيَّةِ كَأَنَّ الطِّفْلَ دَائِمًا فِي جَنَّةٍ وَهَذَا مَعْنَى (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) وَأَمْرُهُمَا بِالْأَكْلِ حَيْثُ شَاءَا عِبَارَةٌ عَنْ إِبَاحَةِ الطَّيِّبَاتِ وَإِلْهَامِ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ.

وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّجَرَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إِلْهَامِ مَعْرِفَةِ الشَّرِّ وَأَنَّ الْفِطْرَةَ تَهْدِي إِلَى قُبْحِهِ وَوُجُوبِ اجْتِنَابِهِ وَهَذَانَ الْإِلْهَامَانِ فِي الطَّوْرِ الثَّانِي وَهُوَ طَوْرُ التَّمْيِيزِ وَوَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ وَإِزْلَالُهُ لَهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ وَظِيفَةِ تِلْكَ الرُّوحِ الْخَبِيثَةِ الَّتِي تُلَابِسُ النُّفُوسَ الْبَشَرِيَّةَ فَتُقَوِّي فِيهَا دَاعِيَةَ الشَّرِّ وَالْخُرُوجُ مِنَ الْجَنَّةِ مِثَالٌ لِمَا يُلَاقِيهِ الْإِنْسَانُ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْعَنَاءِ بِالْخُرُوجِ عَنِ الِاعْتِدَالِ الْفِطْرِيِّ.

فَحَاصِلُ الْقَوْلِ أَنَّ الْأَطْوَارَ الْفِطْرِيَّةَ لِلْبَشَرِ ثَلَاثَةٌ طَوْرُ الطُّفُولِيَّةِ وَهُوَ طَوْرُ نَعِيمٍ وَرَاحَةٍ وَطَوْرُ التَّمْيِيزِ النَّاقِصِ وَفِيهِ يَكُونُ الْإِنْسَانُ عُرْضَةً لِاتِّبَاعِ الْهَوَى بِوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ وَطَوْرُ الرُّشْدِ وَالِاسْتِوَاءِ وَهُوَ الَّذِي يَعْتَبِرُ فِيهِ بِنَتَائِجِ الْحَوَادِثِ وَيَلْتَجِئُ فِيهِ عِنْدَ الشِّدَّةِ إِلَى الْقُوَّةِ الْغَيْبِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ وَإِلَيْهَا يَرْجِعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ..)[34]

وهذا تأويل بعيد جدا عن روح الآيات فضلا عن ظاهر الالفاظ كما هو واضح وان كان اصل كونه تمثيلا ليس ببعيد.

 

فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ...

(أزلّهما) اي جعلهما يزلّان. والزلل الدحض والانزلاق والاسترسال من غير قصد. ويطلق على كل خطأ غير مقصود فيقال زلّ لسانه مثلا والمراد انه خدعهما وغرّهما فاكلا من الشجرة المنهية وترتب على ذلك اخراجهما مما كانا فيه من النعم حيث قال تعالى (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى..).[35]

ولعل التعبير بالزلل مع ان الفعل منهما كان عن قصد من جهة أن النهي كان لمصلحتهما وأن الضرر من الفعل كان متوجها اليهما ولم يكن الفعل موجبا لغضبه تعالى ولعذابه فلو كانا منتبهين لما يترتب عليه من الضرر لم يرتكباه فكان حالهما كحال من يفعل شيئا لا عن قصد وهذا مما يدل على أن الامر لم يكن مولويا وسيأتي البحث عنه ان شاء الله تعالى.

والضمير في قوله (عنها) يعود الى الجنة اي ازلهما عن الجنة واما ارجاع الضمير الى الشجرة باعتبار انها السبب في الزلل كما قيل فهو بعيد وانما التزم بعضهم به كي لا يكون قوله (فاخرجهما مما كانا فيه) تكرارا ولكن على ما فسرنا به هذه الجملة يتبين انه لا حاجة اليه.  

والشيطان هو نفس ابليس المذكور قبل آيتين وهكذا ورد ذكره في سورة الاعراف وطه قال تعالى (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)[36] وبعد بضع ايات حول ما حدث قال تعالى (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا)[37] وقال في سورة طه (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى)[38] وبعد ثلاث ايات قال تعالى (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ).[39]

ويتبين منه أن الله تعالى سماه قبل استكباره ورفضه السجود لآدم في كل هذه المواضع ابليسا وبعده شيطانا وفي ذلك سر لطيف ويظهر منه صحة ما ذكرناه سابقا من ان ابليس اسمه وأنه ليس ماخوذا من الابلاس كما قيل فانه بمعنى اليأس وهو لم يحصل له الا بعد ان استكبر وابعد عن رحمة الله تعالى واصبح شيطانا.

والشيطان فيعال من الشطن وهو البعد كما في العين فسمي به لانه اُبعد من حظيرة القدس ومن رحمته تعالى بسبب استكباره وهو اولى من الوجه الاخر وهو انه فعلان من الشيط وهو الاحتراق بالنار لانه لم يحترق بالنار بمجرد ذلك.

وهنا عدة اسئلة:

السؤال الاول: كيف دخل الشيطان الجنة؟

والسبب في طرح هذا السؤال امران:

احدهما توهم ان الجنة جنة الخلد ولا يمكن ان يدخلها الشيطان فهو مستقر المؤمنين ولكن هذا الاحتمال باطل من رأسه كما مر الكلام فيه.

والامر الاخر ان الشيطان اخرج من حظيرة القدس وامره الله تعالى بالهبوط قبل وسوسته لآدم عليه السلام فكيف رجع؟

ومن هنا صنعت الاساطير لتوجيه دخوله الجنة ومبدأها من التوراة المحرفة وقد مر نقل ما ورد فيها من ان الحية هي التي خدعت حواء وهي بدورها خدعت آدم عليه السلام والمقصود ان الشيطان دخل في جسم الحية الى الجنة.

وهناك روايات كثيرة من الاسرائيليات مروية في كتب العامة في ذكر الحية هنا وورد في بعضها ان خطاب (اهبطوا) كان موجها اليهما والى الحية!!!

واختلفت آراء المفسرين في كيفية دخول ابليس الجنة فقيل إن آدم كان يخرج إلى باب الجنة وإبليس لم يكن ممنوعا من الدنو منه فكان يكلمه وكان هذا قبل أن يهبط ابليس إلى الأرض وبعد أن أخرج من الجنة وقيل إنه كلمهما من الأرض بكلام عرفاه وفهماه منه وقيل إنه دخل في فقم الحية وخاطبهما. والفقم: جانب الشدق. وقيل إنه راسلهما بالخطاب.

ومن الغريب ما ورد في الدر المنثور قال (وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا لما قال الله لآدم اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ أراد إبليس ان يدخل عليهما الجنة فاتى الحية وهي دابة لها أربع قوائم كأنها البعير وهي كأحسن الدواب فكلمها ان تدخله في فمها حتى تدخل به إلى آدم فأدخلته في فمها فمرت الحية على الخزنة فدخلت ولا يعلمون).[40] اي لم يشعر به خزنة الجنة وهم الملائكة!!! ولا حاجة الى تعليق.

والصحيح أنه لا وجه للاشكال من جهة دخول الشيطان الجنة ولا صعوده للسماء فان الهبوط الذي مُني به الشيطان ليس بمعنى إخراجه من مكان او انزاله من مرتفع كما يتوهم وانما هو تنزيل للدرجة فقد كان بدرجة الملائكة من القرب لدى الله تعالى فلعنه الله وطرده بسبب استكباره ولكنه لم يمنع من الاقتراب الى الانسان ووسوسته بل اُتيح له ذلك بصراحة.

قال تعالى (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ).[41] ومثلها آيات اخرى في هذا المعنى.

كما أنه لم يُمنع من الوصول الى سماء الملائكة والاستماع اليهم وانما منع من ذلك بعد بعثة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا).[42]

السؤال الثاني: كيف خدع آدم وحواء عليهما السلام هل وسوس لهما كما يوسوس لنا؟ والوسوسة في الاصل الصوت الخفي المتكرر فالواو والسين كما في معجم المقاييس (كلمة تدل على صوت غير رفيع يقال لصوت الحَلْي وسواس. وهمس الصائد وسواس. وإغواء الشيطان ابن آدم وسواس). والحَلْي واحدة الحُلِيّ.

وهذا المعنى خاص بالحرفين اي (وس) فتكرار الكلمة يدل على تكرر هذا الصوت الخفي او الهمس. والنتيجة ان الوسواس هو الالقاء الخفي المتكرر في نفس الانسان لحثّه على شيء او ردعه. وهذا قد يكون من الانسان نفسه كما قال تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ..)[43] وقد يكون من شياطين الانس او الجن كما قال تعالى (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ).[44]

والخنّاس مبالغة في الخنوس وهو الاستخفاء والتستر. وهكذا شياطين الجن والانس يتسترون اما الجن فهم مستورون عن اعيننا واما شياطين الانس فيلبسون لباس الصداقة والمودة وهم في الواقع اعداء ألداء ويوسوسون في صدور الناس وخصوصا الجيل الناشئ ويضلونهم عن الطريق السوي.

والتعبير بالوسوسة في قصة آدم عليه السلام ورد في سورتي الاعراف وطه. فهل كان ذلك كوسوسته لنا حيث اننا لا نشعر به ام كانت وسوسته لهما كوسوسة شياطين الانس لنا؟ ربما يبدو من الآيات انهما كانا يريانه ويكلمانه فلم يكن متخفيا عنهما.

يقول العلامة الطباطبائي رحمه الله انهما كانا يشاهدانه فلم يكن خداعه لهما من قبيل ما يحصل لنا واستدل بقوله تعالى (إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ)[45] فان اسم الاشارة يدل على أنه تعالى عرفهما إياه بالشخص والعين وبقوله تعالى (يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى‏ شَجَرَةِ الْخُلْدِ..)[46] لدلالة الخطاب على المشاهدة وبقوله تعالى (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)[47] فان القسم يدل على مواجهة. واستدل ايضا بانه لو كانا لا يريانه لجاز لهما أن يقولا (ربنا إننا لم نشعر به وخلنا أن هذه الوساوس هي من أفكارنا ولم نقصد مخالفة تحذيرك من وسوسته).

والظاهر صحة ما ذكره نظرا الى ظهور الخطاب والمقاسمة في ذلك واما اسم الاشارة فهو لا يستلزم الحضور فكثيرا ما يشار به الى من ذكر اسمه قبل ذلك من دون حضوره واما اعتذارهما بانهما لم يشاهداه فليس عذرا في ارتكاب التناول من الشجرة المنهية حتى لو كانت الوسوسة من النفس.

السؤال الثالث: لماذا خلق الله الشيطان ولماذا أمهله ولماذا سلطه على الانسان كما هو واضح من قوله تعالى (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا).[48]

ولا شكّ في أنّ هذا أمر تكويني وليس تشريعيا فالله تعالى لا يأمر بالفساد ولكن السؤال عن وجه الحكمة في خلقه وإمهاله وتسليطه.

وللعلامة الطباطبائي قدس سره في هذا الباب كلام طويل في تفسير سورة الاعراف وملخص ما يرتبط بهذا الامر من كلامه هو (أن عالم الايجاد مرتبط بعضه ببعض فإيجاد بعضه إنما هو بإيجاد الجميع وإصلاح الجزء إنما هو بإصلاح الكل فالاختلاف الموجود بين أجزاء العالم في الوجود وهو الذي صيّر العالم عالما ثم ارتباطها يستلزم استلزاما ضروريا في الحكمة الإلهية نسبة بعضها إلى بعض بالتنافي والتضاد أو بالكمال والنقص ولولا ذلك عاد جميع الأشياء إلى شيء واحد لا تميّز فيه ولا اختلاف ويبطل بذلك الوجود فلولا الشر والفساد والتعب والفقدان والنقص والضعف وأمثالها في هذا العالم لما كان للخير والصحة والراحة والوجدان والكمال والقوة مصداق ولولا الشقاء لم تكن سعادة ولولا المعصية لم تتحقق طاعة ولولا القبح والذم لم توجد حسن ولا مدح ولولا العقاب لم يحصل ثواب ولولا الدنيا لم تتكون آخرة فالطاعة مثلا امتثال الامر المولوي فلو لم يمكن عدم الامتثال الذي هو المعصية لكان الفعل ضروريا لازما ومع لزوم الفعل لا معنى للامر المولوي لامتناع تحصيل الحاصل ومع عدم الامر المولوي لا مصداق للطاعة ولا مفهوم لها ومع بطلان الطاعة والمعصية يبطل المدح والذم المتعلق بهما والثواب والعقاب والوعد والوعيد والانذار والتبشير ثم الدين والشريعة والدعوة ثم النبوة والرسالة ثم الاجتماع والمدنية ثم الانسانية ثم كل شيء وعلى هذا القياس جميع الأمور المتقابلة في النظام ومن هنا ينكشف لك أن وجود الشيطان الداعي إلى الشر والمعصية من أركان نظام العالم الانساني الذي إنما يجرى على سنة الاختيار ويقصد سعادة النوع).[49]

وما ذكره لا يستند الى دليل فهو مجرد دعوى بلا برهان مثلا قوله (لولا الشر والفساد والتعب والفقدان والنقص والضعف وأمثالها في هذا العالم لما كان للخير والصحة والراحة والوجدان والكمال والقوة مصداق) غير صحيح قطعا.

وكيف يمكن ان يقال انه لولا وجود المرض لم يمكن تحقق الصحة نعم يمكن ان يقال انا لا نفهم معنى الصحة الا اذا تصورنا المرض لكي نقارن بين الحالتين واين هذا من اصل تحققهما؟!

بل حتى من حيث التعقل انما يتوقف تعقل الصحة على تعقل المرض اذا عرّفنا الصحة بانها انتفاء المرض اما اذا كانت الصحة بمعنى ان كل اجهزة الجسم تعمل عملها بدقة مثلا فان هذا المعنى لا يتوقف تصوره على تصور المرض وهكذا سائر ما ذكره من المتباينات.

وكيف يمكن ان يقال لا معنى للسعادة اذا لم يكن شقاء أليست الجنة موطنا للسعادة المحضة؟! فاين الشقاء هناك؟!

فان قلت ان الشقاء هناك في النار قلت يمكن ان نفرض ان النار تنعدم مع اهلها كما قيل فيبقى اهل الجنة مخلدين في السعادة المحضة والخير المحض والثواب المحض فكيف يصح ان يقال لولا العقاب لم يحصل ثواب!!! وجنة آدم ألم تكن خالية من الشقاء؟! قال تعالى (فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى).[50]     

ومن الغريب قوله رحمه الله (فالطاعة مثلا امتثال الامر المولوي فلو لم يمكن عدم الامتثال الذي هو المعصية لكان الفعل ضروريا لازما ومع لزوم الفعل لا معنى للامر المولوي لامتناع تحصيل الحاصل).

وذلك لانه استدل بذلك على قوله قبله (ولولا المعصية لم تتحقق طاعة) فالكلام في ان وجود الطاعة متوقف على وجود المعصية ولكنه في مقام الاستدلال تمسك بان صدق الطاعة يتوقف على التمكن من المعصية مع ان اثبات هذا الامر لا يستلزم منه توقف وجود الطاعة في الكون على وجود المعصية بل هذا الامر بنفسه غير صحيح ايضا فان الطاعة تصدق بدون التمكن من المعصية على ما يقوله هو في الملائكة فانهم يطيعون ولا يمكن ان يعصوا الله وان ورد في بعض الروايات السابقة انهم يمكن منهم المعصية ولكنهم لا يعصون.

وهكذا الكلام في كل شر وانه لا بد منه ليتحقق الخير!!! ولا أكاد اقتنع بانه لا يمكن أن يكون العالم باجمعه خيرا. نعم جرت حكمته تعالى ان يكون هذا الانسان حرا مختارا ليصل بعمله الاختياري الى اقرب المقامات عند الله تعالى والاختيار يستلزم وجود الشر لا محالة.

واغرب ما فيه قوله (ثم النبوة والرسالة ثم الاجتماع والمدنية ثم الانسانية ثم كل شيء).

هل تنعدم الاجتماع والمدنية بانعدام النبوة والرسالة؟! وهل تنعدم الانسانية بانعدام الحضارة؟! وهل ينعدم الكون بانعدام الانسان؟!

وبعد كل هذا لا علاقة لما ذكره بالحكمة في وجود الشيطان من الاساس اذ لو فرضنا ان وجود الكون متوقف على وجود المتناقضات وان وجود الطاعة متوقف على وجود المعصية فتكفي في ذلك الميول الطائشة البشرية ولا حاجة الى من يثير فيه الشر زيادة على ما فيه فان رفضنا ان يكون الشيطان رمزا لدواعي الشر في الانسان كما يقول صاحب المنار وقلنا كما يقول العلامة رحمه الله بان ابليس موجود مستقل ذو شعور ومكلف فما هو الموجب لخلقه ثم ما هو الموجب لامهاله ثم ما هو الموجب لتسليطه على الانسان ليثير فيه دواعي الشر؟!

الواقع ان كلامه قدس سره خال عن اي توجيه لهذا الامر وجواب عن هذه الاسئلة!  

ولعل حكمة خلق الشيطان وامهاله لسبب تربوي وهو أن الانسان المخطئ يرى لنفسه عذرا اذا أخطأ فيلقي اللوم على الشيطان والله تعالى ايضا يلقنه ذلك كما قال تعالى (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[51] وقال تعالى (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا..)[52] وغيرهما من الايات.

فكأنه تعالى يقول للانسان انك بطبعك وبذاتك تميل الى فطرتك وهي التوحيد فطرة الله التي فطر الناس عليها وانما يغويك الشيطان ويذهب بك الى الخطيئة وانت لا تريدها وهذا له اثر عميق في حثّ الانسان على الرجوع الى الله تعالى والى طريق الخير كما انه يؤثر بعمق في عدم يأسه من إصلاح نفسه بينما لو كان تصوره أن فعله ينشأ من خبثه الذاتي ومن العوامل التي لا مجال له لمقابلتها كالعوامل الوراثية والتربوية فانه لا يرجو الخير من نفسه.

والواقع ايضا هو أن الشيطان لا يؤثر أثرا تاما وانما يوسوس ويلقي الاوهام في الانسان والتعبير القراني يحدد موارد تأثيره ويقلل من شأنه فمن موارد تأثيره الوعد والدعوة قال تعالى (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ..)[53] فهو يدعو الى الشر كما ان كثيرا من شياطين الانس ايضا يدعون اليه. والآية واضحة في التقليل من شأن تأثير الشيطان.

ومنها التخويف وتثبيط العزائم فاذا اراد المؤمن ان ينفق في سبيل الله تعالى خوّفه من الفقر واذا اراد ان يذهب الى الجهاد في سبيله تعالى خوّفه من القتل والاسر وهكذا.. قال تعالى (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[54] وقال ايضا (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).[55]

ومما يلقيه الشيطان العداوة والشحناء بين المؤمنين او بين الناس عامة لانه عدو الانسان وان جهل اكثر الناس ذلك قال تعالى (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)[56] وغيرها من الآيات. وله وسائل يتشبث بها لالقاء العداء بين الناس كالخمر والميسر قال تعالى (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ).[57]

ومن اعماله ايضا التزيين فان الشيطان يزيّن للانسان عمله اي يلقنه بان عمله حسن كما ان الانسان بنفسه ايضا يزين لنفسه ويختلق اعذارا لعمله قال تعالى (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[58] وغيرها من الآيات.

ومثله التسويل كما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ).[59]

وقد مر الكلام حول اشتقاق التسويل في تفسير الاية المذكورة ومجمل القول فيه أنه قد يكون من السؤل اي الامنية والمعنى أنه يجعل الفعل القبيح سؤلا وأمنية للانسان او من السول وهو الاسترخاء باعتبار انه يسهّل لهم ركوب العظائم.

ويختلف المعنى قليلا على القولين فعلى كونه من التسهيل يكون الشيء بذاته سؤلا وامنية للفاعل ولكنه يستعظمه فيتجنبه والشيطان او غيره يغويه بسهولة الامر وعلى كونه من السؤل قد لا يكون الفعل امنية للفاعل ذاتا لا انه يتمناه ويستعظم نتائجه فالشيطان يزيّن له الفعل ليتمناه وهذا المعنى أنسب من جهة كثرة التعبير بالتزيين في القرآن الكريم.

وتزيين الامر القبيح قد يكون من الشيطان وقد يكون من شياطين الانس وقد يكون من الانسان نفسه كما قال تعالى في نقل اعتراف السامري (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)[60] بل ورد في القران الكريم اسناده الى الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ).[61] والتزيين من الله جزاء وعقوبة وهو يتم بصورة طبيعية اما بتسويل الانسان نفسه او على يد شياطين الانس او الجن.

ومما نسب الى الشيطان في الكتاب العزيز من تاثيراته التنسية ويعبر عنه بالانساء ايضا قال تعالى (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ).[62]

وهذا لا يختص بشؤون الاخرة بل ربما ينسي الشيطان ما يرتبط بشؤون الدنيا كما قال تعالى في قصة موسى عليه السلام وفتاه (قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ..)[63] وفي قصة يوسف عليه السلام (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ)[64] ويحتمل ان يكون مثل هذه التأثيرات لمجرد الايذاء لانه عدو للانسان.

وأشمل آية تشير الى طريقة تأثير الشيطان قوله تعالى (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)[65] فانها تشير الى الامر التكويني من الله تعالى مما يبين طريقة عمله في اغواء الانسان واغرائه.

والاستفزاز على ما يبدو بمعنى الازعاج والاستخفاف بالشيء او بالانسان والاستفزاز بالصوت ربما يكون كناية عن المؤثرات الصوتية التي تبعث في الانسان الميل الى المعاصي والبعد عن اطاعة الله تعالى كالاغاني والموسيقى الصاخبة والاعلام المعادي للفكر الديني فكل هذه اصوات الشيطان.

واختلفوا في معنى الاجلاب فقيل بمعنى السَوق وقيل بمعنى الصياح وقيل بمعنى الاعانة وقيل غير ذلك ولعل الاول انسب والمراد الهجوم عليهم بجيشه واعتبر ان منهم الفرسان ومنهم الرجالة وهو كناية عن استعمال كل ما في وسعه من قوة.

ولعل المراد بالمشاركة في الاموال محاولة اغرائهم بجمع المال الحرام. كما ان المشاركة في الاولاد قد يكون بسوء التربية وقد يكون بعدم طهارة المولد مما يهيء الفرصة للفساد. والوعد هو ما يمني الانسان نفسه من التوسع في شؤون الدنيا وهو من إلقاءاته.

ومع كل هذا التفصيل فالانسان لا يشعر بوجود الشيطان ولا بوسوسته واغرائه ولعل قوله تعالى (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ)[66] اشارة الى عدم الاحساس مطلقا لا الرؤية بالعين فحسب بل الانسان المتحضر اليوم لا يعترف بوجود الشيطان ولا الجن بوجه عام ونحن ايضا انما نعترف به لان الله تعالى اخبرنا به والا فلا نرى له اثرا وكل ما نجد في انفسنا من الاغراء والوسوسة انما نشعر بانها من فعلنا.

والحاصل ان تاثير الشيطان ضعيف على الانسان كما قال تعالى (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)[67] وانما اخبرنا الله تعالى بوجوده لتكون لنا حجة امام ضميرنا اذا اردنا الرجوع الى الله وهو قطعا موجود لان الله تعالى اخبر به.

وسيأتي ان شاء الله تعالى في تفسير الآية التالية احتمال اخر في حكمة وجود الشيطان.

السؤال الرابع: أنّ آدم عليه السلام من الانبياء والا لخلت الارض من الحجة الى زمان نوح عليه السلام ويدل على ذلك ايضا قوله تعالى (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[68] فان ارسال الهداية لا يكون الا على رسول فكيف تمكّن الشيطان من إغوائه وحثّه على المعصية؟ وكيف عصى آدم عليه السلام ربه كما قال تعالى (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)؟ [69] ألا ينافي ذلك عصمة الانبياء؟

وهناك محاولات من المفسرين لمنع منافاته لعصمة الانبياء فقيل انه كان قبل نبوته وورد ذلك في رواية منسوبة الى الامام الرضا عليه السلام وهذا ينافي مذهب الشيعة والراوي علي بن محمد بن الجهم وهو من اعداء اهل البيت عليهم السلام.

وقيل انه كان تركا للاولى وقيل انه كان في عالم قبل عالم التكليف. والمعاصي انما موضعها هذه الحياة الدنيا واما في تلك المرحلة من كينونة الانسان حيث كان في دور الحياة الملائكية وفي جنة لا يجوع فيها ولا يعرى فلم يكن متأثرا بالغرائز ولم يتوجه اليه تكليف وسياتي النقاش فيه.

والصحيح أن الانبياء معصومون عن المعاصي التي تستتبع غضب الله تعالى واستحقاق عذابه في الآخرة وهذه المعاصي تتحقق بمخالفة الاوامر والنواهي المولوية لا الارشادية.

توضيح ذلك ان الاوامر والنواهي مطلقا مع قطع النظر عن الجهة الآمرة والناهية تنقسم الى قسمين:

القسم الاول: الاوامر والنواهي المولوية وهي القوانين التي يترتب على مخالفتها غضب وتنديد وتقبيح من جانب الحاكم او يندمج فيه قانون جزائي كما هو الغالب بمعنى أن الأمر او النهي يتضمن تهديدا بان من يخالفه يعاقب ويجازى. وسيدنا الاستاد دام ظله[70] يرى أن المولوية لا تكون الا بتضمنه للقانون الجزائي ولكن لا يبعد ان يقال ان المولوية تتحقق باحد الامرين كما ان وجوب الاطاعة ايضا ليس مستندا الى الخوف من العقاب دائما فالاولى التعميم بان المولوية تتحقق اما بتضمن الامر او النهي غضبا وتنديدا من الحاكم او يندمج فيه قانون جزائي. 

القسم الثاني: الاوامر والنواهي الارشادية وهي ما تنبه الانسان على خطر او ضرر يصيبه اذا لم يستجب للامر او النهي ولكن لا يستتبع غضبا وتنديدا من المولى ولا يستتبع جزاءا وعقابا بل ربما يكون الآمر يحب منه المخالفة لغرض يترتب عليه كما لا يبعد في محل الكلام.

ويمثل ذلك باوامر الطبيب ونواهيه فان مخالفتها لا تستوجب مجازاة في القانون وانما تستوجب ضررا يلحق بالانسان في جسمه وربما يكون الطبيب راضيا بفعله كما لو كان يبغض المريض فلا يحب ان يشفى بل يطلب له الموت ولكنه بحكم مهنته يامره بما يفيده وينهاه عما يضره.

واما تفسير المولوية بما يكون في مخالفته ظلم على الله تعالى والارشادية بما فيه ظلم على النفس فقد رده سيدنا الاستاد ايده الله بان الله تعالى لا يقع عليه الظلم كما قال تعالى (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).[71]

ولو كان هذا هو المناط فكل الاوامر والنواهي تعود ارشادية لان الله تعالى لا يصيبه ضرر ولا نفع من احد فكل ما يفعله العبد من طاعة او معصية يعود اليه النفع والضرر فحسب.

والنهي عن الشجرة كان من القسم الثاني بمعنى ان ما يترتب على مخالفته ليس الا الخروج من الجنة او بتعبير اخر نزول الانسان من درجته الملائكية الى عالم الطبيعة والتلبس بكل ما تستلزمه طبيعة الحياة في هذه الدنيا ولذلك ترتب على الاكل من الشجرة بدوّ السوأة اي العورة.

ومعنى ذلك ان الانسان لم يكن يشعر بحاجة جنسية في تلك المرحلة من حياته ولما اكل من الشجرة ظهرت له كل ما تستلزمه الحياة الطبيعية من الجوع والعري والظمأ والاضحاء ولذلك احتاج الى لباس يستر عورته فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وهو تعبير يقرّب هذا التحول العميق في ذات الانسان. 

وفي الميزان في تفسير هذه الاية الاستدلال على كون النهي هنا ارشاديا بأن (التوبة وهي الرجوع من العبد إذا استتبع القبول من جانب المولى أوجب كون الذنب كلا ذنب والمعصية كأنها لم تصدر فيعامل مع العاصي التائب معاملة المطيع المنقاد وفي مورد فعله معاملة الامتثال والانقياد. ولو كان النهي عن أكل الشجرة مولويا وكانت التوبة توبة عن ذنب عبودي ورجوعا عن مخالفة نهي مولوي كان اللازم رجوعهما إلى الجنة مع أنهما لم يرجعا. ومن هنا يعلم أن استتباع الأكل المنهي للخروج من الجنة كان استتباعا ضروريا تكوينيا نظير استتباع السم للقتل والنار للإحراق..) .[72]

وما ذكره رحمه الله صحيح ايضا ولكن يمكن ان يناقش فيه بأن التوبة المقبولة ان لم يترتب عليها الرجوع الى الجنة فما الذي ترتب عليها؟ لا بد من كونها ذا اثر فلعل هذا الوجه يقتضي عكس المقصود بان يستلزم ترتب العفو عنهما يوم القيامة وعدم استحقاق العقاب وهو يقتضي المولوية.

والجواب ان الذي ترتب عليها هو رجوعهما الى ما كانا عليه من القرب لدى الله تعالى فان المخالفة مهما كانت تقتضي نوعا من البعد ولذلك ورد في قوله تعالى بعد ارتكابهما (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ)[73] فالتعبير بالنداء وعن الشجرة باسم الاشارة للبعيد يدل على بعدهما عن ساحة القرب الالهي مع انه قبل ذلك خاطبهما بقوله تعالى (وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ..).[74] وهذا البعد انما هو بلحاظ كونه نبيا وان الله اصطفاه واسجد له ملائكته وان لم يستلزم بعدا من حيث كونه عملا لانه لم يكن معصية.

وهناك دليل اخر على ان ما فعله ادم عليه السلام لم يكن معصية وهو ان الظرف لم يكن ظرف تكليف.

وهذا ورد في عدة من التفاسير واستدل عليه العلامة بقوله تعالى (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).[75] لان الاية تدل على ان التكاليف انما تنزل في هذه الحياة فلم يكن قبلها امر مولوي وحكم شرعي.

ولكن يمكن المناقشة فيه بان الظرف لو لم يكن ظرف تكليف فكيف كُلّف ابليس بالسجود وطرد ولعن لعدم امتثاله؟!

وأجاب العلامة رحمه الله بأن المكلف غير المكلف يقصد ان الظرف لم يكن ظرف تكليف آدم وان كان ظرفا لتكليف الملائكة وابليس.

ولكن الصحيح أن قوله تعالى (اهبطوا) خطاب لادم وحواء وابليس كما استظهره العلامة ايضا فلو اقتضت هذه الاية عدم التكليف قبله شمل ابليس ايضا.

وهناك اشكال على تقسيم الاوامر الالهية الى مولوية وارشادية مع تفسير المولوية بما يتضمن حكما جزائيا وهو ان المستفاد من الايات ان العقاب يوم القيامة ليس الا نفس عمل الانسان يتجسم له كقوله تعالى (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا)[76] وقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[77] وقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[78] (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[79] وغير ذلك وهي كثيرة.

والحاصل ان العقاب ليس جزاءا مقدرا من قبله تعالى وانما هو نفس العمل يظهر بصورته الواقعية فقد يكون موجبا لفرح الفاعل وتلذذه به وقد يكون موجبا لعذابه.

والجواب ان الظاهر من الايات ان العذاب المقدر والمقرر ايضا موجود مضافا الى تجسم العمل ولذلك قال تعالى في اخر الاية الثانية مما مر (ولهم عذاب اليم) وفي اخر الثالثة (وسيصلون سعيرا).

وربما يستبعد هذا التوجيه من اساسه بأن ظاهر الآيات انه عليه السلام ارتكب معصية لقوله تعالى في الاية السابقة (فتكونا من الظالمين) ولقوله في الآية التالية (فتاب عليه) وفي سورة الاعراف (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[80]  واوضح منه ما ورد في سورة طه حيث قال تعالى (فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى)[81] وقوله تعالى (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى).[82] ولذلك لم يتورع بعض المفسرين بان يقول انه فعل ما استوجب غضب الله تعالى.  

ولكن الصحيح هو ما مر ذكره واما التعبير عنه بالظلم فهو واضح لان مخالفة الامر الارشادي اذا استتبع ضررا على الفاعل يعتبر ظلما لنفسه حتى في اوامر الطبيب واما التوبة من الله تعالى فهي بمعنى الرجوع ورجوعه تعالى اليه ليس بمعنى انه غضب عليه قبل ذلك بل رجع اليه والى الانسان بصورة عامة برحمة منه وهو الوعد الذي وعدهم بارجاعهم الى الجنة ان عملوا بمقتضى هدايات السماء.

واما قولهما (وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) فهو واضح ايضا وكل الانبياء بحاجة الى غفرانه تعالى وستره لما في عمل الانسان من النقص فلا يمكن لاحد ان يؤدي حقه تعالى واما الخسارة فقد لحقت بهما وانما ارادا ان يصححا موضعهما بالرجوع اليه تعالى واطاعته في احكامه وشريعته لينالا ثوابه وكل ما كان الانسان اقرب اليه تعالى كانت الزلّة منه اكبر ولذلك قيل (حسنات الابرار سيئات المقربين).

واما الشقاء الذي حذّرهما الله تعالى منه فقد اوضحه في الاية التالية (ان لك الا تجوع فيها ولا تعرى...) فالشقاء هو زوال هذه النعم.

واما العصيان فليس الا عدم امتثال الامر سواء كان مولويا ام ارشاديا وسواء استتبع غضب المولى ام ضرر العبد واما الغواية فقيل انها بمعنى الفساد كما رواه في تهذيب اللغة عن ثعلب عن ابن الاعرابي وفسر الاية بانه افسد عليه عيشه.

وفسره في الصحاح بالخيبة وهي حرمان الحظ وعدم نيل ما يطلب ولو فسر بالضلال او خلاف الرشد كما هو المعروف فلا مانع منه ايضا لانه ينطبق على فعل ما يضر الانسان وان لم يكن محرما شرعا ولم يستوجب غضب الله تعالى.

 

وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ...

ربما يتوهم ان هذا الخطاب صدر منه تعالى بعد الاخراج المذكور في الجملة السابقة (فأخرجهما مما كانا فيه) ولكن الصحيح أنه بنفسه الحكم بالخروج لان الهبوط ليس بمعنى النزول من علوّ بل بمعنى الهبوط من درجة الحياة الملائكية الى الحياة الطبيعية فهو بنفسه خروجهما مما كانا فيه الذي تحقق بسبب ازلال الشيطان لهما. ولذلك لم تأت الجملة معطوفة بالفاء لعدم الترتب.

والامر بالهبوط ليس امرا مولويا يستدعي الطاعة بل هو امر تكويني لا يصدر الا ويتعقبه تحقق الشيء بل الامر ليس الا بيانا لارادته تعالى وارادته لا تتخلف عن المراد (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).[83]

اما خطاب الجمع في (اهبطوا) فقد قيل انه خطاب لآدم وحواء وانما اتى بضمير الجمع لاستثقال تكرار التثنية او لان الجمع يطلق على شخصين فصاعدا كما يقوله بعض علماء العربية ومن هذا الباب قوله تعالى (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)[84] حيث اتى بالقلوب جمعا.

وقيل المراد بالجمع آدم وحواء وذريتهما وانما صح توجيه الخطاب اليهم لان الابوين يمثّلان وجود الذرية ولذلك كان السجود لآدم سجودا للنوع ولعلهم يعتبرون موجودين بنحو من الاعتبار او حقيقة بوجه مجهول كما ربما يظهر من قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ..).[85]

وقيل الخطاب لآدم وحواء وابليس ويؤيده الجملة التالية اي قوله (بعضكم لبعض عدو) فانها كما سياتي قضاء الهي بإلقاء العداوة بين الشيطان والانسان فلا بدّ من كون الخطاب موجّها الى الفريقين. ومن يقول بان الخطاب لادم وذريته لا بد له من القول بأن المراد هنا عداء البشر بعضهم لبعض وأن هذا تحذير لهم.

ولكن لو فرض كون هذه الجملة تحذيرا فالذي ينبغي ان ينبه عليه ويحذر منه هنا اي في مرحلة الامر بالهبوط هو عداء إبليس لآدم وبنيه لا عداوة بني آدم بعضهم مع بعض اذ لا خصوصية في هذه الصفة تستدعي التنبيه عليها في هذه المناسبة فالانسان على هذا الكوكب وفي عالم الطبيعة معرّض لمشاكل كثيرة ومعاداة بعضهم بعضا شأن من شؤون هذه الحياة وانما اللازم في تلك المرحلة التنبيه على عداء ابليس للبشر ليحذروا كيده لو فرض كون هذه الجملة تحذيرا والا فالامر اوضح كما سياتي ان شاء الله تعالى.

وربما يقال إنّ الشيطان اُمر بالهبوط قبل ذلك كما في سورة الاعراف (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا..)[86] فلا يمكن ان يشمله الخطاب هنا.

وقال العلامة ان الامر هنا جمع بين الخطابين المذكورين في سورة الاعراف. وهو بعيد لان هذا الخطاب موجود هناك بنفس الصيغة مضافا الى ان زمان الخطابين مختلف فخطاب الشيطان كان بعد إبائه عن السجود وهذا الخطاب بعد ارتكاب آدم للاكل من الشجرة.

وقيل إنّ خطاب الشيطان كان بمعنى خروجه عن جمع الملائكة وهنا خروجه من الجنة وهذا غير صحيح لما ذكرناه من ان الجنة ليست الا بهذا المعنى اي عالم الملائكة.

والصحيح ما مر في الجواب عن السؤال الاول من أنّ الامر الاول بهبوط الشيطان بمعنى إسقاطه من درجته فقد كان بدرجة الملائكة من القرب لدى الله تعالى فلعنه الله وطرده بسبب استكباره واما الخطاب هنا فبالنسبة للانسان بمعنى تلبسه بلباس الطبيعة ومقتضياتها ولعله كذلك بالنسبة للشيطان.

وقوله (بعضكم لبعض عدو) جملة حالية او مستأنفة وليست إخبارا ولا تحذيرا بل هو حكم وقرار أزليّ إلهيّ بإلقاء العداوة بين ابليس ونوع الانسان كما مرت الاشارة اليه.

نعم نقل هذا القرار الازليّ هنا تحذير من الله تعالى للانسان بأنه مبتلى بعدوّ لدود أزليّ لا يراه ولا يشعر به وهو متسلّط عليه بإلقاء الوسوسة. والغرض منه أن يحذر الانسان عن كلّ ما يُلقى في روعه من دعوة الى ما يحبّه ويستهويه ولو لاحتمال ان يكون من إلقاءات الشيطان. وهذا نظير ما يقال لك اذا دخلت بلدا فيه اعداء لك اولقومك او لدينك عليك ان تحذر من كل دعوة وكل اقتراح مشتبه. وهكذا يبتعد الانسان عن اهوائه. ولعل هذا ايضا من أسرار خلق الشيطان.

وكلمة العدو تطلق على المفرد والجمع والمراد هنا عداء الشيطان وذريته لآدم عليه السلام وذريته. والمستقر مصدر ميمي اي لكم استقرار في الارض اي في عالم الطبيعة وتنكير الاستقرار للاشارة الى أنه ليس ابديا ولكنه يستمر مدة من الزمان. والمتاع ما ينتفع به زمانا وينتهي. والحين جزء من الزمان طال او قصر وهو قيد للاستقرار والمتاع معا.

 

فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ...

التلقّي مطاوعة الإلقاء فالمعنى أنّ الله تعالى ألقى بالكلمات على آدم عليه السلام وهو تلقّاها من ربّه اي استقبلها بالاخذ. ولعل في التعبير بالتلقّي دون الارسال والانزال ونحوهما إشارة الى التماس آدم عليه السلام طريقا للرجوع كما ورد في قوله تعالى (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).[87]

وعليه فتلقّيه الكلمات كان نتيجة لصلاحيته للرجوع. والفاء في قوله (فتاب عليه) يدل على أنه توسل بهذه الكلمات للعود الى ما فقده من القرب لدى الله تعالى. ثم تاب الله تعالى عليه بالرحمة والعطف. والتعبير بالرب يوحي بأن ذلك مقتضى الربوبية فالامر يتعلق بتربيته وإصلاح امره.

والتوبة الرجوع كالاوبة. فاذا اسند الى الله تعدى بـ (على) ليدل على انه تعالى رجع على عبده بالعطف والرحمة واذا اسند الى الانسان تعدى بـ (الى) لانه يرجع الى ربه طالبا الغفران. وتوبة العبد دائما محفوفة بتوبتين من الله تعالى كما قال (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا)[88] وغيرها من الايات مما يدل على ان توبة العبد مسبوقة بتوبته تعالى وملحوقة بها ايضا.

ورجوعه تعالى على العبد ليتوب لا يشمل الجميع ولكنه يتبع عوامل خاصّة في العبد فهناك من الناس من يعصي ربه تحت ضغط من العوامل الطبيعية والغرائز وهو خائف من ربه كما قال الامام زين العابدين عليه السلام في دعاء السحر المعروف بدعاء ابي حمزة الثمالي رضي الله عنه (اِلهي لَمْ اَعْصِكَ حينَ عَصَيْتُكَ وَاَنَا بِرُبُوبِيَّتِكَ جاحِدٌ وَلا بِاَمْرِكَ مُسْتَخِفٌّ وَلا لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌّ وَلا لِوَعيدِكَ مُتَهاوِنٌ لكِنْ خَطيئَةٌ عَرَضَتْ وَسَوَّلَتْ لي نَفْسي وَغَلَبَني هَوايَ..).[89]

ومن الناس من يعاند ربه ويستخف باحكامه وبوعيده بل منهم من يقول او يعتقد بما ورد في قوله تعالى (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)[90] ومثل هذا لا يستحق ان تشمله الرحمة الالهية.

فتحصل أن الفرق بين الموارد ينشأ من الانسان والله تعالى لا يختار الا لحكمة وقد قال تعالى (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ..).[91]

وآدم عليه السلام كان نبيا ومن الصالحين بل ومن المصطفين كما قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)[92] فشملته الرحمة الالهية وتاب الله عليه بارسال الكلمات ثم تاب عليه بالرحمة بعد توبته ورجوعه الى الله وذلك بأن جعل له طريقا للرجوع الى جنة القرب بمتابعة هدايات الله تعالى.

والتوّاب مبالغة في التوبة اي انه تعالى كثير الرجوع بالرحمة على عباده فليس الامر كما في غيره ممن يتولى حكما حيث يبحث عن أيّ وسيلة للتنديد بمن تحت يده بل التعذيب والانتقام فالله تعالى يعود على عباده بالرحمة والعطف بأقلّ موجب يستدعي ذلك وكأنّه تعالى يبحث عن حجّة ليبرر موقف الانسان العاصي ويقبل توبته. والتوصيف بالرحيم يدل على أنّ توبته تعالى على العباد وقبول توبتهم انما هما من شؤون رحمته الواسعة الشاملة.

وهنا ملاحظة وهي أنّ الآية تصرّح بأنّ آدم عليه السلام هو الذي تلقّى الكلمات فتاب وتاب الله عليه ولم يرد ذكر زوجه ولعل السبب انه النبي وهي أُمّته فاذا كان الاثم مستندا الى النبي وأُمّته فالتوبة على النبي تشمل الامة.

وقيل لم يذكرها لان الزوجة تتبع زوجها وقيل لم يذكرها من باب الاختصار ولان الجملة تدل على محذوف ومثله كثير كقوله تعالى (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ)[93] اي والبرد.

انما الكلام في الكلمات التي تلقّاها آدم عليه السلام فاصبحت سببا لقبول توبته قيل: انه نفس الجملة المنقولة عنهما في قوله تعالى (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).[94]

وهو بعيد لان الوارد بعد هذه الاية في سورة الاعراف (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ..) من دون عطف بالواو مما يدل على أنه نتيجة لما قبله فلم تكن هذه الكلمات بمنزلة التوبة والا لتعقبها القبول وانما تحكي هذه الجملة عن حالة تأسفهما لما حدث ولعله سبب لتلقي آدم الكلمات.

وروى الكليني قدس سره عن كثير بن كلثم عن أحدهما اي الامامين الباقر والصادق عليهما السلام في قول الله عز وجل "فتلقى آدم من ربه كلمات" قال (لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي وأنت خير الغافرين لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سواء وظلمت نفسي فاغفر لي وارحمني وأنت أرحم الراحمين لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم).

وسند الحديث لا باس به عند بعض العلماء فكثير هذا ثقة وهو من اصحاب الامامين عليهما السلام وليس في الحديث من يتوقف فيه الا الراوي عنه وهو ابراهيم صاحب الشعير فانه لم يوثق ولكن الراوي عنه هنا ابن ابي عمير وكثير من العلماء يعتبرون روايته دليلا على الوثاقة.

ثم قال الكليني (وفي رواية اُخرى في قوله عز وجل "فتلقى آدم من ربه كلمات" قال (سأله بحق محمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة (صلى الله عليهم).[95]

والتوسل بالرسول صلى الله عليه واله وسلم واهل بيته عليهم السلام وارد في عدة من الروايات بل روى ذلك بعض العامة ايضا بأسمائهم سلام الله عليهم. والله العالم.

 

قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا...

مرة اخرى أعاد الله تعالى الامر بالهبوط والظاهر انه اعادة في النقل والا فالامر كان واحدا كما قال تعالى (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)[96] وذلك لان هذا الامر ليس امرا تشريعيا بل هو تكويني فلا يراد به الا تحقق الهبوط بارادته تعالى وليس هناك امر لفظي إنما الكلام في وجه اعادة النقل بينما لم يتكرر النقل في سورة الاعراف.

وهناك وجوه مذكورة في ذلك ولعل الاولى ما قيل من أنّ الامر الاول دلّ على هبوطهم الى عالم الطبيعة وهذا الامر لم يرد فيه حرف العطف ممّا يدلّ على أنّه مترتّب على قبول التوبة فلعل المراد به تنبيه الانسان أنّ قبولها لا يعني العود الى الجنة والتمتع بمزاياها وانما يمكنك العود اذا عملت بما يتلى عليك من احكام الله تعالى وتشريعاته.

واما تأكيد الخطاب بقوله (جميعا) فلعله لدفع توهم ان بعضهم يبقى بعيدا عن مقتضيات الطبيعة فان كان الخطاب لآدم وحواء وابليس فالمعنى التأكيد على ان قبول التوبة من ادم وحواء عليهما السلام لا يعني إعفاءهما من الهبوط او ان الشيطان ايضا محكوم بنفس قوانين الطبيعة وإن كان غير مرئي للانسان ونحن لا نعلم كيفية تلبّس الجنّ بمقتضيات الطبيعة وان كان الخطاب لبني آدم فلعل المراد ان جميع الانبياء والمرسلين والعباد الصالحين يشملهم الحكم الازلي الالهي.

وفي تفسير الصافي ان المراد به عدم تقدم بعضهم على بعض.

وهو بعيد بل غير صحيح اولا لان جميعا لا يعني الاجتماع وثانيا لان الامر كما قلنا تكويني فليس في تحقق المراد تقدم وتأخّر لعدم إمكان التاخر.

 

فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ...

الفاء لترتب التشريع على الهبوط وفيه اشارة الى ان هذه الاحكام خاصة بعالم الطبيعة و(إمّا) شرطية وهي مركبة من (إن) الشرطية و(ما) الزائدة التي تفيد تعميم الحكم لكل جزئيات الشريعة لأنّ مفادها أنّ أقل ما يأتي من هداية تجب متابعته.

وقوله (منّي) بضمير المفرد للتاكيد على ان التشريع ليس الا منه تعالى ولا يتدخل فيه اي احد سواء من الملائكة او الانبياء والمرسلين كما قال (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)[97] والهدى تطلق على الطريق وعلى الرشاد ولكن الله تعالى لا يبعث بغير الرشد فالاولى ان تحمل الكلمة على الطريق والتنكير للابهام حتى يشمل اقل شيء من الطرق الالهية واحكام الشريعة.

وقوله (فمن تبع..) شرطية اخرى والجملة جواب للشرطية الاولى اي قوله تعالى (فإمّا يأتينّكم..) واضاف الهدى الى نفسه عزّ وجلّ بضمير المفرد تأكيدا على الاستناد اليه مرة اخرى والمراد بالتبعية واضح خصوصا اذا فُسّر الهدى بالطريق فما ينزل منه تعالى من احكام تجب متابعتها حرفيا وبكل دقة من دون تمايل الى يمين وشمال فان تبع الانسان الطريق المحدد من قبله تعالى فلا يخاف عليه في المستقبل ولا هو يحزن مما فاته.

ويلاحظ أنه لا ينفي خوفه فان المؤمن يخاف من نتيجة اعماله وان كان واثقا من رحمة ربه ولكنه لا خوف عليه اي لا موجب لأن يخاف عليه أحد لا في الدنيا ولا في الاخرة اما الدنيا فلانها زائلة بكل ما فيها من ضراء وسراء واما الآخرة فانه محفوف فيها برحمته تعالى. وهو لا يحزن على ما مضى من شؤون الدنيا فانه لا يهمه منها شيء.

 

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ...

قابل من يتبع هدى الله تعالى بالذين كفروا اي انكروا وستروا الحق ولم يعترفوا به وكذّبوا بآيات الله تعالى وهذه الصفات تلازم من لا يتبع الهدى نهائيا بل يرفضها ويسلك سبيل العناد واما من آمن بالله وبأصل رسالة السماء ولكن لم يعمل بكل ما جاء فيها من الهدى كما هو الحال في كثير من الناس فلم يتعرّض لحاله هنا لانه ربما يرجأ لامر الله تعالى كما قال (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ..).[98]

والمقام هنا مقام اختصار واشارة للخطوط الاساسية فذكر حال فريقين فقط وهما من يتبع هدايات الله تماما فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والفريق الاخر من يكفر بالله ويكذّب بآياته فهو خالد في النار لا يخرج منها وأما غيرهما وهم اكثر البشر فيعلم حالهم بملاحظة حال هذين الفريقين فكلما قرب الانسان من الفريق الاول كان احتمال نجاته اقرب وكلما قرب من الفريق الثاني كان احتمال هلاكه اقرب. 

 

مجمل القول في الآيات التي نزلت في قصة ادم عليه السلام:

يبدو ان الغرض من هذه الايات تنبيه الانسان على عظمة مكانته ليعرف قدره ولا يبيع نفسه بثمن بخس ففي الاية التي سبقت هذه المجموعة من الايات قال تعالى خلق لكم ما في الارض جميعا وفي هذه الايات يبين له السر في ذلك.

وهو تعالى اخبر الملائكة اولا انه سيجعل في الارض خليفة ولعل السر في هذا الاخبار هو اعداد الجو المناسب للامر بالسجود ثم أعلمهم بمكانة هذا الكائن الذي هو خليفة الله وقلنا بأنّ معنى الخلافة لعله من جهة اختياره وحريته ولمّا قالت الملائكة انهم يسبحونه ويقدسونه قال لهم ما معناه ان في خلق هذا الكائن سرّا آخر ولعل المراد بلوغه الى درجة من الكمال لا تبلغها الملائكة.

ولكي ينبههم على الفرق بينهم وبينه طلب منهم ان يذكروا اسماء الموجودات التي خلقها الله تعالى فقالوا لا علم لنا الا ما علمتنا وهو لم يعلمهم الاسماء ولكنه علمها ادم وقلنا ان المراد انه علمه البيان كما في سورة الرحمن فهو بامكانه وضع الاسماء للاشياء وهذا هو الفارق بينه وبينهم فهم لا يعلمون الا بمقدار ما اودع فيهم وهذا الكائن له القدرة على التوسع في العلم.

ومن هنا امرهم بالسجود له وقلنا لعل المراد به ان يجعلوا كل قواهم تحت اختياره حتى يتمكن من تحقيق ما يريد لان الملائكة هم الذين يدبرون الكون بامره تعالى فلا يمكن ان يتحقق شيء الا عن طريقهم فكان لا بد من اعلامهم بدور هذا الكائن في حوادث الكون.

ولكن ابليس لم يسجد وهو كان بدرجة الملائكة من القرب لدى الله تعالى فاستكبر واستنكف عن السجود لمخلوق يظن انه انزل منه رتبة فهو ايضا ما كان يعرف قدره فلعنه الله وطرده ولكنه طلب من الله ان يمهله الى يوم القيامة فامهله الى يوم الوقت المعلوم وهو وقت لا يعلمه الا الله تعالى وطلب أن يسمح له بأن يزيّن للانسان أهواءه ليضلّه عن السبيل فأجازه الله تكوينا لا تشريعا.

ومعنى ذلك أنّ الانسان سيكون عرضة لوساوس الشيطان وقلنا بأنّ الحكمة في خلقه قد تكون فتح باب للاعتذار امام الانسان اذا افسد في الارض ليكون ذلك مدعاة له الى الرجوع. وحكمة اخرى نفهمها وهي تحذير الانسان من كل ما يلقى في روعه من الامور المشبوهة فقد يكون من القاءات الشيطان فلا ينبغي له ان يسترسل في العمل بما يهوى.

وكان ادم وزوجه حواء في هذه المرحلة من التكوين غير مرتبطين بالجسم وبمقتضيات الطبيعة ارتباطا كاملا بل كانا في عالم لا جوع فيه ولا ظمأ ولا عري ولا حاجة فيه الى الاكل والشرب واللبس ولا شعور بالجنس ولم يريا سوأتيهما فلم يبد لهما الحاجة الى الجنس.

ولكن الله تعالى ابتلاه بامر يهواه وجعله فاصلا بين بقائه بعيدا عن الطبيعة ومشاكلها وبين ابتلائه بها وقلنا لعل آدم عليه السلام توهم ان بامكانه ان يجمع بين التمتع بما يهواه وبين القرب لدى الله والبقاء في الحياة الملائكية.

وهنا تدخّل الشيطان وأغواه وأقسم له بالله وما كان يظنّ آدم أنّ أحدا يقسم بالله كاذبا فأقسم له بان ما منع عنه لا يضره بل ينفعه وانه اذا ارتكب هذا الممنوع فانه سيبقى مخلدا في جنة الملائكة (وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِين).[99]

وبمجرد ارتكابهما لما نهاهما الله عنه تحوّلا الى موجودين طبيعيين وبدت لهما سوءاتهما فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وهبطا الى الارض وهو ليس هبوطا من مكان مرتفع بل من درجة مرتفعة فكانا يعيشان حياة ملائكية بعيدة عن أجواء الحياة الارضية فتحوّلا بذلك الى موجود طبيعي بحاجة الى كل مقتضيات الطبيعة.

ثم شملتهما الرحمة الالهية وشملت النوع البشري فاخبرهما الله تعالى واخبر البشر كافّة بان هناك طريقا للرجوع الى مقام القرب لدى الله تعالى والتمتع بتلك النعم التي لا مثيل لها في هذا العالم البائس. والطريق هو الطاعة المطلقة لأوامره تعالى والابتعاد عما ينهاه فمن كمل في ذلك فلا يخاف عليه من شيء ولا يحزن هو من شيء.

والخوف والحزن يجمعان كل مصائب الدنيا ومشاكلها واذا عصم الانسان من الخوف والحزن فهو يعيش الحياة السعيدة التي وعدها الله تعالى للمتقين حتى قبل الموت.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وآله الطاهرين.

 


[1] الاعراف: 16 - 19

[2] طه: 116 - 117

[3] العهد القديم ص5

[4] النساء: 1

[5] الروم: 21

[6] الاعراف: 189

[7] الزمر: 6

[8] النحل: 72 / الشورى: 42

[9] البقرة: 188

[10] النساء: 10

[11] الصافات: 146

[12] العهد القديم ص 5 - 6

[13] الانعام: 152 / الاسراء: 34

[14] ص: 71 - 72

[15] في ظلال القران ج1 ص59

[16] الكافي ج3 ص247 باب جنة الدنيا

[17] علل الشرايع ج2 ص600

[18] علل الشرايع ج2 ص578

[19] الاسراء: 59

[20] الاعراف: 20

[21] طه: 118 - 119

[22] الاعراف: 27

[23] طه: 121

[24] الاعراف: 24 - 25

[25] طه: 116 - 117

[26] النازعات: 5

[27] النحل: 32

[28] النحل: 28

[29] الفرقان: 22

[30] الحاقة: 16

[31] عيون الاخبار ج1 ص274

[32] الاعراف: 172

[33] الفتح: 27

[34] المنار ج1 ص234

[35] طه : 118

[36]  الاعراف: 11

[37] الاعراف: 20

[38] طه: 116

[39] طه: 120

[40] الدر المنثور ج1 ص53

[41] الاعراف 13 - 18

[42] الجن: 8 - 9

[43] ق: 16

[44] الناس: 4 - 6

[45] طه: 117

[46] طه: 120

[47] الاعراف: 21

[48] الاسراء: 62 - 65

[49] الميزان ج8 ص37

[50] طه : 117 - 118

[51] يس: 60

[52] الاعراف: 27

[53] ابراهيم: 22

[54] البقرة: 268

[55] ال عمران: 175

[56] الاسراء: 53

[57] المائدة: 91

[58] الانفال: 43

[59] محمد: 25

[60] طه: 96

[61] النمل: 4

[62] المجادلة: 19

[63] الكهف: 63

[64] يوسف: 42

[65] الاسراء: 64

[66] الاعراف : 27

[67] النساء : 76

[68] البقرة : 38

[69] طه: 121

[70] المرجع الاعلى في هذا العصر السيد السيستاني حفظه الله

[71] البقرة: 57 / الاعراف: 160

[72] الميزان ج1 ص137

[73] الاعراف: 22

[74] البقرة: 35 الاعراف: 19

[75] البقرة: 38 - 39

[76] ال عمران: 30

[77] البقرة: 174

[78] النساء: 10

[79] الزلزلة: 7- 8

[80] الاعراف : 23

[81] طه : 117

[82] طه : 121

[83] يس : 82

[84] التحريم : 4

[85] الاعراف : 11

[86] الاعراف : 13

[87] الاعراف: 23

[88] التوبة : 118

[89] مصباح المتهجد ص 589

[90] الانفال : 32

[91] النساء : 17 - 18

[92] ال عمران : 33

[93] النحل : 81

[94] الاعراف: 23

[95] الكافي ج8 ص 305

[96] القمر : 50

[97] الانعام : 57

[98] التوبة: 106

[99] الاعراف : 20 21