إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ... مر بعض الكلام في شجرة الزقوم في سورة الصافات الآية 62 وقلنا انه لم يثبت اطلاق الزقوم على شيء في هذه الدنيا وان قال بعض اهل اللغة انه يطلق على شجر له اوراق طعمها مرّ وتخرج منه مادة بيضاء تضرّ بالجسم. وقال بعضهم زقم اي ابتلع. وزقم بطنه من الشراب اي ملأه به. ولكنه غير ثابت والظاهر ان كل ما قيل في معناه حدث بعد نزوله في القرآن وان العرب لم تسمع به قبل ذلك بل حكي عن بعض المشركين انه كان يستهزئ بهذه الكلمة ويقول: وما الزقوم؟! وكيف كان فلا مانع من ان يكون هذا مصطلحا او تسمية قرآنية لطعام اهل النار. والاثيم صفة مشبهة تفيد معنى الثبوت والاستقرار فالمراد من كان الاثم صفته الثابتة ويحصل ذلك بالاكثار من المعاصي.
هذا وقد مر في تفسير سورة الصافات احتمال أن يكون المراد بالنار وما فيها من العذاب معنى آخر لا يصل اليه عقولنا فالنار هناك ينبت فيها الشجر اي شجرة الزقوم والبشر المحترقون فيها لا يموتون وهي تحرق الارواح قبل الاجسام ولا تبيد الجسم ولا تفنيه فلعلها اشارة الى حقيقة اخرى لا نفهمها وانما اختير هذا التعبير لان النار افظع شيء يعذب به الانسان في هذه الحياة فاللفظ الدال عليها أقرب لفظ يفيد ذلك المعنى الذي ليس له لفظ يحكي عنه والالفاظ انما تحكي عما اعتاده البشر في معيشته.
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ... المُهل: دُردِيّ الزيت وهو ما يبقى في اسفله او النحاس والصفر المذاب. والحميم: الماء شديد الحرارة. وقوله (كالمهل) و(يغلي) خبران ثان وثالث لقوله (إن شجرة الزقوم). او انهما خبران لمبتدأ محذوف اي وهو كالمهل يغلي. وكغلي الحميم صفة لمفعول مطلق اي غليا كغلي الحميم . وهذا أمر غريب أن يكون الطعام كالنحاس المذاب في البطن وهو يغلي لا كغلي النحاس بل كغلي الماء الحار. وهذا غاية في الحرارة. وأغرب منه أن الجسم لا يحترق به او يحترق ولكنه يعود كما كان.
خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ... العَتل هو الجذب او الدفع العنيف والالقاء. وسواء: وسط الشيء حيث يستوي اليه نسبة كل من الحدود، والمراد مركزه حيث تكون النار أشد. وهذا أمر من الله سبحانه الى ملائكة العذاب.
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ... عذاب بعد عذاب والاضافة في عذاب الحميم اضافة بيانية.
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ * إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ... يمكن ان يكون خطابا يوجه اليه ليكون مزيدا من العذاب وهو عذاب نفسي حيث يحتقر ويهان ثم يذكّر بما كان يتوهمه بل ربما يصرح به وهو أنه عزيز كريم. والمراد انك كنت العزيز في قومك والكريم عندهم او كنت تتوهم أنك كذا وكذا ولكنك غفلت عن هذه العاقبة وهذا اليوم حيث انقلبت عزتك وكرامتك ذلا وهوانا فهذا الخطاب استهزاء وتحقير. يقال: إنّ أباجهل كان يقول (اني انا العزيز الكريم) ويقال انه خاطب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بما معناه (لا تستطيع انت ولا ربك ان تفعلا بي شيئا اني أعز اهل هذا الوادي واكرمها) ويقال ان الآية نزلت فيه. والامتراء هو الشك.