مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

سورة الاخلاص قيل انها مكية ولكن ظاهر بعض الروايات انها مدنية.

ففي صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه السلام قال (ان اليهود سالوا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقالوا انسب لنا ربك فلبث ثلاثا لا يجيبهم ثم نزل قل هو الله احد... الى اخرها).[1]

ويبعد ان يكون اليهود اتوا الى مكة يسالونه صلى الله عليه واله وسلم فالظاهر ان الطلب والنزول كانا في المدينة.

وموضوعها التوحيد وبيان صفة الله تعالى.

وقد ورد في صحيحة عاصم بن حميد قال: (سئل على بن الحسين صلوات الله عليه عن التوحيد فقال: ان الله عز وجل علم انه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون فأنزل الله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والآيات من سورة الحديد الى قوله «وهو عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» فمن رام وراء ذلك فقد هلك).[2]

ومعنى الحديث انه لا يجوز التعمق في البحث عن ذاته تعالى وصفاته وانما يبحث عن آياته ودلائل حكمته ويتوقف في توصيفه بما وصف به نفسه.

والروايات في فضل هذه السورة واستحباب قراءتها في الفرائض والنوافل والتعقيب وحين النوم والسفر وفي مختلف الحالات كثيرة جدا في كتب الفريقين.

وقد مر في تفسير سورة الكافرون ما ورد في الصحيحة من انها تعادل ثلث القران ولعل المراد ثواب قراءتها او لان مضمونها توحيد الله تعالى وهو احد ركائز القران ويعادل من الاهمية ثلث حقائقه الكثيرة المتنوعة.

وروى الصدوق بسنده عن السكوني عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السلام قال (ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلّى على سعد بن معاذ فقال: لقد وافى من الملائكة تسعون ألف ملك وفيهم جبرئيل عليه السلام يصلون عليه فقلت له: يا جبرئيل بما استحقّ صلاتك عليه؟ فقال: بقراءة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قائما وقاعدا وراكبا وماشيا وذاهبا وجائيا).[3]

قل هو الله احد...

لعل البدء بالامر بالقول بلحاظ ان ما بعده جواب عن سؤال القوم.

والضمير يحتمل ان يعود الى ما طلبوه وهو نسبة الله تعالى اي ما ينسب اليه من الوصف فالجواب ان النسبة هكذا الله احد.

وقيل (هو) ضمير شأن والجملة خبره. وقيل (الله) و(احد) خبر بعد خبر. وقيل (احد) خبر لمبتدا محذوف اي هو احد.

والاولى ان يعود الضمير الى الذات المتعالية ويكون قوله الله بدلا منه.

و(الله) علم للذات المتعالية واصله من الاله حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال فاصبح علما او انه ماخوذ منه كعلم.

و(احد) اصله وَحَد صفة مشبهة. وهو بمعنى واحد كما في الصحاح.

ولكن الازهري في الفروق ذكر انه في الاصل أوحد. ولم اجد من يقوله غيره.

والظاهر ان الفرق بينهما مجرد فرق في الاستعمال والا فهما في اصل اللغة من منشأ واحد فيقال مثلا احد عشر ولا يقال واحد عشر او واحد وعشر. ويقال واحد وعشرون كما في العين. وقال (والله الواحد الاحد ذو التوحد والوحدانية تقول في ابتداء العدد واحد اثنان ثلاثة الى عشرة وان شئت قلت احد اثنان ثلاثة..).

وقال بعضهم كما في المفردات وغيره ان (احد) لا يستعمل وصفا مطلقا الا لله تعالى فلا يقال زيد احد.

قال العلامة الطباطبائي قدس سره في الميزان (الأحد إنما يطلق على ما لا يقبل الكثرة لا خارجا ولا ذهنا ولذلك لا يقبل العدّ ولا يدخل في العدد بخلاف الواحد فإن كل واحد له ثان وثالث إما خارجا وإما ذهنا بتوهم أو بفرض العقل فيصير بانضمامه كثيرا وأما الأحد فكل ما فرض له ثانيا كان هو هو لم يزد عليه شي‏ء).

ولكن ما ذكره رحمه الله لا اصل له في اللغة ولا في استعمالات العرب ومنها القران الكريم فان كلمة (احد) تستعمل مضافة الى جماعة كقوله تعالى (أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا[4]) فاطلق اللفظ على واحد من الرجلين كما يستعمل في النفي والنهي والاستفهام كقوله تعالى (فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ)[5] فالاحد هنا اطلق على واحد من المجموعة.

وكذلك ما يقال من ان كلمة (احد) بمعنى ما ليس له اجزاء ذاتية كالجنس والنوع ولا اجزاء خارجية ونحو ذلك مما يقال من المصطلحات الفلسفية فهذه المفاهيم لا تدخل في مفهوم اللفظ العربي.

وهناك روايات رواها الصدوق قدس سره في تفسير قل هو الله احد في كتاب التوحيد وقد اعتمد بعض المفسرين عليها وهي باجمعها مما رواه ابوالبختري وهب بن وهب القرشي وهو كذاب معروف يرفضه جميع علماء الرجال وقالوا انه اكذب البرية.
ومما ورد في هذه الروايات ما تكرر في كلام بعضهم من ان الواحد بالعدد لا يصدق على الله تعالى وان امير المؤمنين عليه السلام استدل على ذلك بقوله تعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ).
وهذه الرواية من روايات هذا الكذاب والامام عليه السلام أجلّ شأنا من ان يقوله فان الله تعالى قال (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ). وكفر القائلين بثالث ثلاثة لانهم اعتبروه تعالى ثالث الالهة لا بسبب هذا التعبير.

واما ما ورد عن امير المؤمنين عليه السلام من انه تعالى واحد بلا عدد وفي موضع اخر الاحد بلا تاويل عدد فالمراد انه ليس واحدا من مجموعة فان الواحد بالعدد قد يقال فيما له ثان وثالث والله لا ثاني له وانما هو واحد بهذا المعنى اي انه لا ثاني له.

والحاصل ان قوله تعالى هو الله احد اي واحد متفرد ولكن الوحدة انما تلاحظ بلحاظ صفاته تعالى وافعاله فهو واحد في الوهيته وربوبيته وخالقيته وغير ذلك من صفاته الحسنى فلا يشاركه فيها احد هذا ما يفهم العربي من هذه الكلمة واما احدية الذات وانه لا اجزاء له ولا جنس له ولا فصل ونحو ذلك مما يقال فهي صحيحة ولكن ليس من مدلول الاحد.

الله الصمد...

الصمد له معنيان في اللغة قال في معجم المقاييس (اصلان احدهما القصد والاخر الصلابة في الشيء) والظاهر ان المراد هنا هو الاول وبمعنى اسم المفعول اي المصمود والمقصود فهو الذي يقصد في الحاجات لا غيره ولا يلبي الحاجات احد غيره وهو المفهوم من الآية لانه اتى بالوصف محلى باللام (الله الصمد) اي لا صمد غيره وهو يقضي الحاجات دون أن يقصد ايضا.

وقيل ان المراد انه لا جوف له وهذا هو المعنى الثاني. والظاهر انه من ابدال التاء بالدال فالصَمَت بمعنى المصمت هو ما لا جوف له وما كان كذلك فهو صلب.

ولكن هذا المعنى بعيد جدا لا يناسب توصيفه تعالى به لانها من صفات الاجسام وان كانت منفية عنه تعالى فيصح ان يقال انه لا جوف له لانه لا جسم له ولكنه ليس مما يحتمل في هذا الوصف الجليل الذي اريد به ما يمكن نسبته اليه تعالى.

لم يلد...

ليس المراد نفي الولد فحسب ليكون ردا على المشركين الذين جعلوا الملائكة بنات له سبحانه واليهود الذين قالوا عزير ابن الله والنصارى الذين قالوا المسيح ابن الله. بل المعنى اوسع من ذلك فان هناك من يتوهم ان الكون باجمعه مما تكون بفيض من الله تعالى والذي يبدو من هذه الكلمة توهم ان وجوده تعالى فاض فافاض وجود سائر الموجودات وليست الخلقة وفقا لهذا التوهم فعلا اختياريا له تعالى بل هي من فيض وجوده.

ولعل كثيرا منهم يعبر بالفيض من دون ان يقصد ذلك فان هذا التعبير وارد في كلمات جمع من العلماء الافاضل بتصور انه تعبير وارد في الشرع فيقولون انه الفياض على الاطلاق مع انه لم يرد هذا التعبير في شيء من الاثار.

والحاصل ان المراد بهذه الجملة نفي ان يولد منه تعالى اي شيء باي نحو من الولادة وانما تحقق الكون ويتحقق الى الابد بارادته وبفعله.

ولم يولد...

ولم يقل احد بانه تعالى ولد من شيء الا ان من اثبت له الولد يلزمه ان يجيز ذلك فانه تعالى اذا امكن ان يتولد منه شيء فله شبيه ونظير وهو الجزء الذي ينفصل عنه باي نحو من الانفصال واذا كان كذلك امكن ان يكون هو ايضا منفصلا من شيء اخر وهذا يعني انه تعالى محتاج في كينونته الى غيره وهو محال فهو الوجود المطلق الذي لا يمكن عليه العدم ولا يحتاج في كينونته الى شيء.

ولم يكن له كفوا احد...

(له) متعلق بـ (كفو) وهو خبر يكن و(احد) اسمه. اي ولم يكن أحد كفوا له. وهو يشمل الانسان وغيره.

وفي الكفو اربعة قراءات بالواو والهمزة بسكون الفاء وضمها ومعناه النظير كما في الصحاح اي ليس كمثله شيء فلا يمكن ان يقاس بشيء وكل ما نتصوره ونتوهمه من صفاته غير ما وصف به نفسه فهو قياس بما في اذهاننا ومردود الينا.

وكما انه لا نظير له في الصفات كذلك لا نظير له في الافعال بمعنى ان الخلق والرزق والاماتة والاحياء وكل حادث في الكون من خير وشر مستند اليه وحده فلا يعادله احد في اي فعل من افعاله تبارك وتعالى. واذا نسب شيء من هذه الافعال الى غيره فليس بنفس المعنى.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين   

 


[1] الكافي ج1 ص91 باب النسبة

[2] نفس المصدر

[3] ثواب الاعمال ص128

[4] يوسف : 41

[5] الحاقة : 47

[6] المائدة : 73

[7] المجادلة : 7