مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

سورة الانفطار مكية وتتناول اربعة من اشراط يوم القيامة وهي تشبه سورة التكوير من هذه الجهة وتحذّر الانسان من اغتراره بالدنيا وغفلته عن محاسبة يوم القيامة وعمّن حوله من الملائكة الرقباء.

 

إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ...

تتعرض اربع آيات في اول السورة لذكر بعض اوصاف يوم القيامة وهي ــ كما مر في تفسير سورة التكوير ــ قد تكون مما يحدث قبل يوم القيامة في يوم انهدام الكون وقد تكون من صفات يوم القيامة بنفسه.

و(اذا) ظرفية تفيد معنى الشرط وسيأتي جوابه بعد ذكر الشروط باجمعها. والانفطار هو الانشقاق.

ويحتمل ان يكون المراد بالسماء الكون المحيط بنا من النجوم والمجرات ويكون المراد بانفطارها تفكك أجزائها وانعدام الترابط بينها فيكون ذلك مقدمة لزوالها وانهدامها وعليه فهذا الشرط من مقدمات يوم القيامة فان ظاهر الآيات ان السماء بهذا المعنى تزول ولا تبقى قال تعالى (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ..)[1] وحيث عقّب طيّ السماء بقوله (كما بدأنا اول خلق نعيده) من دون عطف فهو يدل على انه تفسير لطيّها وهو أنّ هذا الكون يتحول والنظام الحالي يفنى ويأتي الله بخلق جديد.

وكذلك قوله تعالى (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ..)[2] حيث يدل على أن الكون المادي يزول ويتبدل الى نظام جديد وكيان جديد ويناسب هذا المعنى انتثار الكواكب على ما سيأتي فانه متفرع على زوال هذا الترابط.

ويحتمل ان يكون المراد بالسماء عالم الملائكة والمراد بالانفطار زوال الحجاب بين البشر وبينهم وارتباطهم بهم.

ويؤيد هذا المعنى ان الانفطار يقتضى ان تكون السماء باقية ولكنها منفطرة فتكون الآية مساوقة لقوله تعالى (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا)[3] وقد مر الكلام حوله في تفسير قوله تعالى (وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ)[4] ومرت الاشارة اليه ايضا في تفسير قوله تعالى (وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ).[5] من سورة التكوير والاحتمال الاول انسب بالسياق.

 

وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ...

الكواكب تشمل النجوم. ولم يرد في اللغة فرق بين النجم والكوكب كما هو في مصطلح هذا العصر حيث يطلق الكوكب على ما لا ضياء له بذاته والنجم على الكرات المضيئة بذاتها كالشمس ولكن حسب المعنى اللغوي يشمل كل ما حولنا من الكرات ومنها كوكبنا في الواقع وان كان في نظر الانسان القديم مغايرا للكواكب فهم كانوا يرون الكون مركبا من شمس وقمر وارض ونجوم.

والنثر: التفريق. وتفرق الكواكب كناية ايضا عن عدم تماسكها وفقدان ارتباط بعضها ببعض مقدمة لزوال الكون وانهدامه وهذا يحصل بانعدام القانون الذي يربط هذه النجوم بعضها ببعض فهذا التفرق والانتثار مترتب على انفطار السماء بالمعنى الاول ولذلك تكون هذه الآية قرينة على ان المراد بالسماء المعنى الاول كما ذكرنا.

 

وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ...

الفجر اصله الشق كما ذكره الازهري في تهذيب اللغة. وقد فسر الانفجار هنا بوجوه:

فقيل ان المراد ارتفاع الحواجز واختلاط البحار بعضها ببعض. وقيل ان هذا المعنى يناسب قوله تعالى (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ)[6] بناء على ان التسجير هو الملء ومنه قوله تعالى (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ)[7] وقيل انه بمعنى ذهاب مائها. وقيل انها تنفجر ماءا وتفيض فتملأ البسيطة كلها.

وربما يقال انه اشارة الى تفجير ذرات الماء فتتحول البحار الى قنابل ذرية متفجرة لا يحصى عددها. وقد مر ذلك في تفسير قوله تعالى (واذا البحار سجرت) ومهما كان فحقيقة الامر لا يعلمها الا الله تعالى الا ان التعبير يدل على حدوث امر هائل على هذا الكوكب مما يقتضي انهدامه وزواله كسائر الكواكب والنجوم.

واقوى احتمال بمناسبة التسجير في سورة التكوير هو الاشتعال. وقد ورد السجر بمعنى الايقاد وتهييج النار ومنه سجرت التنور. وقد قال تعالى (فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ)[8] ولا يبعد ان يكون هو المراد ايضا في قوله تعالى (والبحر المسجور) كما مر في تفسير سورة الطور.

ويلاحظ في الآية انه تعالى لم يقل انفجرت بل فجرت اي بفعل فاعل وهذا ايضا يناسب الايقاد والتسجير لا الملء وذهاب الماء او فيضانه كما قيل.

 

وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ...

بعثر الشيء فرّقه وقلبه. والمعنى واضح وهو كناية عن خروج الموتى من القبور وهذا ايضا ليس هو الواقع بل الواقع إحياء الموتى اذ قد لا يكون الانسان مدفونا تحت التراب حتى لو فرض بقاء شيء من رفات الموتى ويلاحظ ان القبور لا تبقى بعد تبدل الارض وانهدام الكون فلا تبقى الارض فضلا عن بقاء القبور التي عليها فهذا التعبير لا يقصد به الا إحياء الموتى وهو ما يحصل يوم القيامة ولا نعلم كيفيته.

ويلاحظ التدرج في ذكر أشراط الساعة فابتدأ بالاشارة الى زوال الكون المادّي بانفطار السماء ثم اقترب الى الانسان اكثر بذكر انتثار الكواكب وهو ما يشاهده الانسان من نتائج انفطار الكون وزوال دعائمه ثم الى ما يقع على هذا الكوكب بالذات وهو انفجار البحار الذي يستلزم ــ باي معنى فسر ــ انهدام الارض وزوالها كسائر ما في الكون ثم الى ألصق شيء به وهو بعثرة القبور وإحياء الموتى.

 

عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ...

اي في يوم القيامة يعلم الانسان حقيقة اعماله في الدنيا فهذا جواب الظروف والشروط المذكورة.

وهذا العلم يحصل نتيجة انكشاف الغطاء وانتقال الانسان الى مرحلة لا يتقيد علمه بما يدركه عن طريق الحواس فلا يختلف هذا المقام عن مقامه حين نشر الصحف حيث يحاول المفسرون التفريق بينهما.

وقد مرت نظيرة هذه الآية في سورة التكوير وذكرنا هناك الوجه في تنكير النفس والفرق بين العلم بالاعمال في الدنيا والعلم بها يوم القيامة.

واختلفوا في معنى التقديم والتاخير ففي مجمع البيان (عن عبد الله بن مسعود قال ما قدمت من خير أو شر وما أخرت من سنة حسنة استن بها بعده فله أجر من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شي‏ء أو سنة سيئة عمل بها بعده فعليه وزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شي‏ء ويؤيد هذا القول ما جاء في الحديث أن سائلا قام على عهد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم فسأل فسكت القوم ثم إن رجلا أعطاه فأعطاه القوم فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم من استن خيرا فاستن به فله أجره ومثل أجور من اتبعه من غير منتقص من أجورهم ومن استن شرا فاستن به فعليه وزره ومثل أوزار من اتبعه غير منتقص من أوزارهم قال فتلا حذيفة بن اليمان: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ).

وقيل: المراد العمل الذي قدمته النفس أي عملته في أول العمر والعمل الذي أخرته أي في آخر مدة الحياة. وعليه فالغرض استقصاء كل الاعمال.

وقيل المراد بالتقديم المبادرة بالعمل والمراد بالتأخير مقابله وهو ترك العمل. وهو بعيد لان التأخير لا يستلزم الترك بخلاف التقديم فانه ملازم للفعل وان لم يكن بنفس المعنى.

وقيل ما قدّمت من معصية وأخرت من طاعة، فيكون المراد خصوص الاعمال السيئة وهو ايضا بعيد عن اللفظ.

وأقرب الاقوال هو الاول وقد مر بعض الكلام حول هذا التعبير في تفسير قوله تعالى (يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ)[9] وقلنا ان الظاهر أنّ المراد بما قدّم ما عمل من حسنة او سيّئة وكذلك ما ترك من واجب فانه سيئة او ما كف نفسه عنه من حرام فانه حسنة.

وقد تكرر التعبير في القرآن عن أعمال الانسان مطلقا بما قدّمه سواء كانت حسنات ام سيئات قال تعالى (وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ..)[10] وقال ايضا (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)[11] فالمناط تحقق الفعل منه او الترك او كف النفس عن الشيء. والقِدَم: السابقة في الامر كما في العين.

ولا يختص التعبير بما يجد الانسان أثره في الآخرة كما ورد في بعض الاقوال قال تعالى (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ)[12] ولا شكّ أنّ التقديم في هذه الآيات يشمل الفعل والترك كما مر فيكون المراد بما أخّر ما ترك عمله من آثار بعده ويدلّ عليه قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ..).[13]

وكثيرا ما يحتقر الانسان عمله سواء كان حسنا ام سيئا ولا يعلم حدّه عند الله تعالى كما لا يعلم مدى تأثيره في المجتمع البشري فقد يعمل الانسان عملا صغيرا جدا كملاطفته مع طفل خصوصا اذا كان يتيما ولا يعلم انه عظيم عند الله تعالى. وقد يعمل عملا سيئا يحتقره حيث لا يجد له اثرا بليغا وهو عند الله عظيم.

قال تعالى (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)[14] وقال ايضا (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ).[15]

ولا يظن احد من البشر ان مجرد القول بان الله تعالى له ولد يبلغ من الفظاعة بحيث قال تعالى (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا).[16]

كما أن الانسان كثيرا ما لا يتصور ان كلمة منه يترتب عليها قتل انسان او مقتلة عظيمة او حرب طاحنة او فتنة كبرى او اختلاف في الامة قرونا متمادية.

 


[1] الانبياء: 104

[2] ابراهيم: 48

[3] الفرقان: 25

[4] الحاقة: 16

[5] التكوير: 11

[6] التكوير: 6

[7] الطور: 6

[8] غافر: 72

[9] القيامة: 13

[10] ال عمران 181- 182

[11] الفجر: 24

[12] الروم: 36

[13] يس: 12

[14] النور: 15

[15] الصف: 2- 3

[16] 88- 91