مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

سورة الانشقاق مكية بلا خلاف وهو واضح من سياقها وتتناول الاشارة الى بعض علامات يوم القيامة او خواصها كسورتي الانفطار والتكوير وتحثّ الانسان على الاستعداد للقاء ربه قبل ان يحضر امامه تعالى صفر اليدين.

 

إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ...

الكلام فيها كالكلام في مبدأ سورة الانفطار من احتمال كون الانشقاق من علامات يوم القيامة التي تظهر في هذا الكون المادي مقدمة لزواله فيكون المراد بالسماء كل ما في هذا الكون من النجوم والمجرات واحتمال كونه بمعنى تفطّر عالم الملائكة يوم القيامة واختلاطهم بالبشر فيكون من خواص يوم القيامة ويكون المراد بالسماء عالم الملائكة وقلنا ان الاحتمال الاول هو الاقرب في سورة الانفطار بملاحظة سياق الآيات التالية.

ويظهر من المفسرين أنه هنا ايضا كذلك ولكن السياق بقرينة ما سيأتي في تفسير مدّ الارض يقتضي ان يكون الاقرب هنا الاحتمال الثاني.

و(اذا) ظرفية تفيد معنى الشرط. والجزاء يفهم من قوله تعالى (فملاقيه) اي اذا كان كذلك فستلقى ربك ايها الانسان.

وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ...

(اذنت) اي سمعت وهو كناية عن الطاعة والتسليم اي لم يكن انشقاقها بكره بل بطاعة كما كان وجودها ايضا كذلك وقد قال تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ).[1]

وقلنا في تفسيرها لعل المراد بكون الاشياء طوع إرادته تعالى انها لا تحاول أيّ مقاومة وان كانت لا تجدي المقاومة أمام إرادته القاهرة ولكنّ الاشياء لا تقاوم إرادته بل تطيعه تعالى بمعنى انه اذا أراد شيئا لا يتأبى عليه فليس هناك شيء في الكون يمنع من تحقق ما يريده تعالى. ولعل هذا هو المراد بسجود الأشياء في بعض الآيات.

ويحتمل ايضا تعقّل الاشياء في إطاعتها للّه تعالى. وهذا الامر مما يستفاد من عدة مواضع في القرآن الكريم، وان كانت عقولنا لا تدركه كقوله تعالى (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..).[2]

وقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّه يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ..)[3] وغير ذلك وان امكن تأويل كل هذه الآيات.

وقوله (لربها) يدل على أن السر في اطاعتها هو الربوبية المطلقة فان كانت السماء تعقل فهي تطيع ربها لانها تعلم ان ذلك هو الاصلح وان كانت لا تدرك فانها لا تستطيع مقاومة الربوبية القاهرة.

وقوله (حقت) بمعنى ان اطاعتها لربها حق عليها اي يجدر بها ان تطيع. واتى بالفعل مبنيا للمجهول لان كون ذلك حقا عليها امر تكويني جعله الله تعالى فالمعنى انها بذاتها لا يمكنها الا الاستماع والاطاعة للامر الالهي كغيرها من اجزاء الكون.

وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ...

المدّ فسّر بالجذب والجر والتطويل. قيل المراد اتساعها والعلامة الطباطبائي رحمه الله فسره بتبديل الارض الى ارض ممتدة وان لم يصرح ولكنه استند الى قوله تعالى (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ..)[4]

وعليه فلا يكون هذا من علامات زوال الكون وانهدام الارض بل من حالات يوم القيامة لان الارض في ذلك اليوم ارض اخرى وليس معناه ان هذه الارض تتحول الى حالة اخرى بل الناس يقومون على ارض اخرى ممتدة ونسميها ارضا لانها تُقلّ الناس.

والمراد بامتدادها انها مسطحة ليس فيها جبال ولا منخفضات ولا تعاريج قال تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا).[5]

والظاهر ان كل ذلك كناية عن وضوح كل شيء وعن عدم امكان التخفي ولا الفرار ولا اللجوء الى مخابئ. والآية الاخيرة اي قوله (وخشعت الاصوات) تدل بوضوح على انها صفات يوم القيامة.

ولا بد من مدّ الارض وتوسيعها لقيام ملايين الملايين من البشر الذين مضت عليهم آلاف القرون في محضر واحد.

 

وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ...

اي اخرجت الارض ما في باطنها وتخلت عنها بمعنى أنها أفرغته فلم يبق فيها شيء.

والظاهر ان المراد اخراج الموتى من قبورهم ولا شك ان الموتى ليسوا باجمعهم مدفونين مضافا الى ان الارض تتبدل قبل قيام الناس لربهم كما قال تعالى (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)[6] وعليه فلا بد من ان يكون هذا التعبير كناية عن إحيائهم ولا يختص بمن هو مدفون فيها.

والتخلي كناية عن عدم الاستثناء لئلا يتوهم أحد ان من الممكن ان لا يشمل الإحياء بعض الناس قال تعالى (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا).[7] وهذا ايضا من حوادث يوم القيام لا الزوال.

وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ... الكلام فيها كسابقتها.

 


[1] فصلت: 11

[2] الاسراء: 44

[3] النور: 41

[4] ابراهيم: 48

[5] طه: 105- 108

[6] ابراهيم: 48

[7] الكهف: 47