مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

المعروف ان سورة الانشراح مكية ولكن السياق قد يأبى عن ذلك فبعض آياتها لا تناسب الا بيئة المدينة كما سيتبين ان شاء الله تعالى.

وقد مر بعض الكلام ايضا في ما يقال عن كون السورتين سورة واحدة وقال العلامة الطباطبائي قدس سره (وفي بعض الروايات عن ائمة اهل البيت عليهم السلام ان الضحى والم نشرح سورة واحدة).

وقد مر انه لم يرد ذلك في الروايات ولعله ينظر بذلك الى ما قاله الشيخ الطوسي قدس سره في التبيان (روى أصحابنا ان ألم نشرح والضحى سورة واحدة لتعلق بعضهما ببعض ولم يفصلوا بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم وأوجبوا قراءتهما في الفرائض في ركعة وألا يفصل بينهما ومثله قالوا في سورة (ألم تر كيف) و(لإيلاف) وفي المصحف هما سورتان فصل بينهما ببسم اللّه).[1]

وتبعه في ذلك الطبرسي في المجمع ولكن هذا الارسال الوارد في كلام الشيخ قدس سره لا يكفي لاثبات الحكم.

والغرض الاساس من هذه السورة كامن في قوله تعالى (فاذا فرغت فانصب) وما قبله من الآيات مقدمة له.

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ...

هناك رأيان في معنى هذا الاستفهام ففي الكشاف انه استفهام انكاري وحيث ورد على المنفي افاد الاثبات اي قد شرحنا لك صدرك ولذلك عطف عليه قوله تعالى (ووضعنا عنك وزرك). ومثله ورد في مغني اللبيب.

ولكن الغالب في التفاسير أنه للتقرير والظاهر أنه الصحيح لأن المستفاد منه أمر آخر وراء اثبات الشرح وهو الرد على من ينكره او يخالفه في ترتيب امر عليه. ومعنى التقرير في النفي أخذ إقرار المخاطب على اثبات المنفي كقوله تعالى (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ..)[2] اي قد عهدت اليكم فلماذا عبدتموه فانه يبتني على انكار العهد.

وعليه فالتقرير لا يؤتى به الا اذا لم يعترف به المخاطب او ترك ما يبتني عليه واما ان يبتدأ الكلام بذلك فهو امر ملفت فلا بد من ان يكون القصد منه التنبيه على امر مهم مترتب على اثبات ما ورد في هذا الاستفهام وهذا الامر المهم هو ما تفيده اية (فاذا فرغت فانصب) كما سيأتي ان شاء الله تعالى. ولعل من حمله على الانكار لاحظ ذلك.

والشرح: الفتح والبسط والتوسعة قيل ان الاصل فيه شرح اللحم اي فصله عن العظم وتقطيعه. واللام للتعليل اي شرحنا صدرك من اجلك.

والمراد بالصدر القلب لانه موضعه ولذلك قال تعالى (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).

والمراد بالقلب الروح لا هذا العضو الذي يضخ الدم فانه لا علاقة له بالامور المعنوية والمراد بشرح الصدر جعل الروح قوية تتحمل الشدائد وتدرك المفاهيم الدقيقة التي يصعب على الناس فهمها وانما يعبر عنه بالشرح تشبيها له بتوسعة المكان ليسع ما لم يكن يسعه من قبل.

وقد انعم الله تعالى على الرسول صلى الله عليه واله وسلم بروح قوية تحملت كل ما واجهه من المصائب والمصاعب وايذاء المشركين ونفاق المنافقين وجعل الله تعالى قلبه ليّنا فكان ذا خلق كريم مدحه الله به فقال (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[3] وقال (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ..).[4]

وكذلك جعل نفسه الشريفة مستعدة للاتصال بعالم الملكوت ومحادثة الملائكة الكرام وتلقي الوحي بل اعظم من ذلك ما لا يمكن بيانه ولا دركه مما حصل له من القرب الى الله تعالى في المعراج كما ورد في سورة النجم ولا يمكن لبشر ولا ملك ان يصل الى هذا المقام فهذا كله من شرح الصدر.   

وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ...

الجملة معطوفة على الجملة السابقة بلحاظ المعنى فان لفظها فعل مضارع ولكنه باعتبار النفي بـ (لم) يفيد معنى الماضي فيكون معناها شرحنا لك صدرك والوضع ايضا داخل تحت النفي والاستفهام اي اولم نضع عنك وزرك.

والوضع نقيض الرفع ويعبر عنه بالحطّ اي جعل شيء على شيء واذا تعدى بـ (عن) افاد العكس اي معنى الازالة والانزال.

والوزر الثقل والحِمل الثقيل فوضعه عنه بمعنى رفعه من ظهره.

والانقاض ايجاد النقيض وهو صوت الاصابع والمفاصل والاضلاع على ما في كتاب العين. والاصل في النقض الهدم والكسر وإفساد ما اُبرم ومنه نقض العهد ونقض الحبل وكل ما افتل والظاهر ان إطلاق النقيض على الصوت الذي يخرج من المفصل بلحاظ انه يدل على نوع من افساده.

فالمراد على ما يبدو ان هذا الحمل الثقيل كان يكسر ظهرك من ثقله بحيث يظهر منه الصوت وهذا تعبير عن غاية الصعوبة في تحمل هذا الوزر.

ولهذا يطلق الوزر على الاثم قال تعالى (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ)[5] ومن هنا ذهب بعض المفسرين الى ان المراد به ما كان صدر منه صلى الله عليه واله وسلم ــ والعياذ بالله ــ من الآثام في الجاهلية.

وهذا كلام باطل فهو صلى الله عليه واله وسلم كان معصوما طيلة ايام حياته قال امير المؤمنين عليه السلام في خطبته القاصعة على ما في نهج البلاغة: (وَلَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ (صلى الله عليه وآله وسلم ) مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ وَمَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ..).[6]

والظاهر ان المراد بالوزر الذي انقض ظهره الشريف صلى الله عليه واله وسلم هو همّه في ابلاغ الرسالة الالهية وتمكنه من الغلبة على الاعداء او هدايتهم وهذا كل ما كان يقض مضجعه الشريف.

وقد رفع الله عنه هذا الهم ووضع عنه هذا الوزر ومكنه من تأسيس المجتمع الاسلامي والدولة الاسلامية ودفع شر الفراعنة من مشركي مكة والجزيرة العربية واليهود وابلاغ الدين الحنيف الى اقصى ما يمكن ايصاله في ذلك العصر. ولذلك نقول بان هذه السورة أنسب ببيئة المدينة بل لا يناسب اجواء مكة.

وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ...

من البديع التعبير بالرفع بعد الوضع. واللام في (لك) للتعليل كما مر نظيره ورفع الذكر بمعنى ان الله تعالى خلّد اسمه وذكره وحبّبه في قلوب الخلق وأخضع له اعناق الجبابرة ورفع ذكره في الدنيا والآخرة وجعل اسمه تلو اسمه تعالى في الشهادتين وفي الصلاة فلا يصلي احد الا بذكره ولا يذكره احد الا ويصلي عليه صلى الله عليه واله وسلم.

فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا...

قال العلامة الطباطبائي قدس سره ان الفاء للتعليل اي ان الله تعالى وضع عنك الوزر ورفع ذكرك لان مع كل عسر يسرا.

ولكنه بعيد اذ لا علاقة بين هذه القاعدة وشرح الصدر ورفع الذكر فالظاهر انها كما قال الآخرون فصيحة بمعنى انها تنبئ عن جملة مقدرة تقديرها فاذا رايت ان الله تعالى وضع عنك الوزر ورفع لك الذكر فاعلم ان مع العسر يسرا.

ولكن الكلام في معنى هذه الجملة فالمعروف في تفسيرها انك ستجد بعد هذا العسر الذي تشاهده في المؤمنين يسرا وان الله تعالى سيغنيهم ويرفع عنهم الفقر والحاجة وينصرهم على اعدائهم.

ورووا روايات وفيها ان الرسول صلى الله عليه واله وسلم قال لا يغلب عسر يسرين وذكروا في افادة الآية ذلك وجها ثم اعترض بعضهم عليه والبحث طويل من دون فائدة.

وانما اضطرهم الى ذلك هذه الروايات وهي غير ثابتة عندنا فلا وجه للتطويل ولا بد من ملاحظة نفس الآية ومفادها وانه هل المراد بالعسر خصوص عسر المؤمنين وفقرهم او مطلق العسر فتكون هذه قاعدة عامة كما هو ظاهر الآية؟

المفسرون حيث ذهبوا الى ان المعية هنا ليست واقعية بل بمعنى كون العسر متعقبا لليسر ورأوا أن هذا الامر ايضا لا يصح كقاعدة عامة فهناك كثير من العسر لا يتعقبه يسر فقالوا ان المراد به عسر خاص وهو فقر المؤمنين.

وقيل انه عام ولكنه بمعنى كونه كذلك غالبا وان هذا مما يبعث الامل في النفوس وحيث ان اكثر موارد اليأس وشدة العسر يتعقبها يسر غير متوقع وعليه فمعنى كون اليسر مع العسر كونه بعده قريبا منه او مرتبطا به وان كان بعد حين فلا بد من الصبر وانتظار الفرج بعد الشدة.

 ولكن الظاهر ان المعية واقعية اي ان العسر دائما او غالبا يتضمن في داخله يسرا بمعنى ان كل شدة وضيق يمهد الطريق لخير اخر بل قد يكون هو بنفسه خيرا من جهة اخرى فهو عسر من جهة ويسر من جهة ربما تكون اهم من جهة كونه عسرا.

وهذا مشهود في كثير من الموارد وان كنا في الغالب لا ننـتبه ولا نعلم بما في هذا العسر من مصلحة ولو لم يكن اليسر مشهودا في الدنيا فقد يكون مخبأ للمؤمن في الآخرة والخطاب هنا للمؤمن.

بل الامر قد يكون كذلك حتى للكافر ومن يدخل النار فان مصائب الدنيا ومتاعبها ربما تفيده هناك في تقليل العذاب.

ولعل الوجه في التأكيد بالتكرار هو استبعاد الناس لهذا المعنى واما المعنى الآخر فهو واضح لا يحتاج الى تأكيد.

ومهما كان فلعل الغرض من التنبيه على هذه القاعدة هنا هو تطييب خاطر الرسول صلى الله عليه واله وسلم بان ما يراه من المشقة مع كل ما يتلقاه من لطف ربه انما هو عسر يتضمن في باطنه يسرا.

وسياتي احتمال اخر ان شاء الله تعالى.

فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ...

الفاء للتفريع اي حيث كان الله تعالى في عونك فشرح صدرك ووضع وزرك ورفع ذكرك وكان لك اليسر مع كل عسر فاذا فرغت..

والفراغ خلاف الشغل ولكن ما هو المراد من الفراغ هل هو الفراغ المطلق مع ان الانسان عادة لا يبقى فارغا بقول مطلق او الفراغ من عمل خاص غير مذكور كما يظنه اكثرهم فيكون مبهما او الفراغ عن كل عمل مهم او الفراغ من اي عمل بمعنى انه كلما فرغ من عمل وجب النصب او الفراغ من العمل المطلوب منه وهو اداء الرسالة الالهية؟

الآية مجملة من هذه الجهة تماما كما انها مجملة من جهة المراد بالنصب وهو ــ بفتحتين ــ بمعنى التعب ولا معنى للامر به فانه امر يعرض على الانسان وليس من فعله فلا بد من اعتباره كناية بان يكون المراد بذل غاية الجهد لانه موجب للتعب وهو تعبير متعارف يقال مثلا لمن يطلب العلم يجب ان تتعب نفسك لتكون عالما.

الا ان الاجمال باق في انه ما هو المراد بما يفرغ منه وما يشتغل به. ولذلك فان المفسرين قديما وحديثا حاولوا تأويلها والاقوال فيها كثيرة.

قال في مجمع البيان ما ملخصه (معناه فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وارغب إليه في المسألة يعطك وقيل إذا فرغت من الفرائض فادع بعد التشهد بكل حاجتك وقيل معناه فإذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل وقيل معناه فإذا فرغت من دنياك فانصب في عبادة ربك وقيل فإذا فرغت من الفرائض فانصب فيما رغبك الله فيه من الأعمال وقيل إذا فرغت من جهاد أعدائك فانصب بالعبادة لله وقيل فإذا فرغت من جهاد الأعداء فانصب بجهاد نفسك وقيل إذا فرغت من أداء الرسالة فانصب لطلب الشفاعة).

وورد التاويل الاول في رواية سندها ضعيف وان اعتمد عليه بعض علمائنا روى الحميري عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال (سمعت جعفرا (عليه السلام) يقول كان ابي رضي الله عنه يقول في قول الله تبارك وتعالى (فاذا فرغت فانصب والى ربك فارغب) اذا قضيت الصلاة بعد ان تسلم وانت جالس فانصب في الدعاء من امر الدنيا والآخرة واذا فرغت من الدعاء فارغب الى الله تبارك وتعالى ان يتقبلها منك).[7]

وهو تأويل بعيد اذ ليس في الدعاء نصب وتعب وابعد منه تاويل الاية التالية وكأن مسعدة روى هذه الرواية ليعزز تأويل العامة فانه منهم على ما ذكره الشيخ قدس سره ولذلك عبر عن الامام الصادق عليه السلام بجعفر وقال الكشي انه بتري.

ولعل الاولى بالنسبة الى ظاهر الآية ان لا يقيد مضمونها بشيء فما ذكر من التاويل لا يعدو ان يكون ذكرا لبعض المصاديق من باب التطبيق فاذا حملنا الفراغ على الفراغ من اي عمل كان المعنى: اذا انتهيت من أي شغل يهمك فاصبحت فارغ البال فانصب.. اي ابذل جهدك في عمل اخر فتكون النتيجة ان لا يفرغ الرسول صلى الله عليه واله وسلم من عمل الا ويدخل في غيره ويبذل غاية الجهد ولا يبالي بالتعب والارهاق ويكون نشاطه متواصلا وما تقدم هذا الامر من الآيات التي تذكره بنعم الله تعالى عليه مقدمة لحثه على النشاط المتواصل.

وهكذا كانت سيرته صلى الله عليه واله وسلم طيلة حياته الرسالية المجيدة سواء في مكة ام المدينة.

وهناك روايات عن ائمتنا عليهم السلام تصرح بان المراد من النصب نصب اميرالمؤمنين عليه السلام اماما للمسلمين وقد أثار هذا الامر ضغينة بعض المفسرين فخرجوا عن طور الادب وردوا على هذا الاحتمال بما لا يصدر من مسلم.

قال الزمخشري في الكشاف (ومن البدع ما روي عن بعض الرافضة أنه قرأ فانصب بكسر الصاد أي فانصب عليا للإمامة ولو صح هذا للرافضي لصح للناصبي أن يقرأ هكذا ويجعله أمرا بالنصب الذي هو بغض عليّ وعداوته).

ومن الواضح ان النصب لم يكن في عصر نزول القران بهذا المعنى!!!

وروى الكليني قدس سره رواية طويلة في النص على اميرالمؤمنين عليه السلام وفيها (ولا يزال يخرج لهم شيئا في فضل وصيه حتى نزلت هذه السورة فاحتج عليهم حين اعلم بموته ونعيت اليه نفسه فقال الله جل ذكره "فاذا فرغت فانصب والى ربك فارغب" يقول اذا فرغت فانصب علمك وأعلن وصيك فأعلمهم فضله علانية فقال صلى الله عليه واله وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه.. الحديث).[8]

قوله (حتى نزلت هذه السورة) اي سورة الانشراح.

والسند ضعيف وفي الحديث غرائب. وهناك روايات اخرى ضعيفة ايضا ولكنها متعددة وردت في تفسير القمي وتفسير فرات ومناقب ابن شهراشوب وغيرها.[9]

والذي يمنع من الاخذ بهذه الروايات مضافا الى ضعف السند انها لا توافق القراءة المشهورة التي امرنا الائمة عليهم السلام ان نتّبعها لانها مبنية على قراءة (فانصب) بكسر الصاد وهي في المصحف بالفتح.

ولكن لا يبعد ان تكون على قراءتهم عليهم السلام بالكسر مضافا الى ما نسب الى زيد أنه قرأها بالكسر ولكنهم قالوا انها بنفس المعنى.

وقال العلامة المجلسي قدس سره ان الفعل قد يكون على قراءة الفتح ايضا بالمعنى الذي ورد في هذه الروايات فان كتب اللغة لم تصرح بمنع ذلك وان لم يذكروه.

ولكنه بعيد لانهم قالوا ان ابى يأبى شاذ.

وقال بعضهم ان المعنى الوارد في الروايات يصح حتى على القراءة المشهورة لان المراد ابذل جهدك في اعلام الامام بعدك.

وهو بعيد ايضا والروايات لا تقبل الحمل على هذا المعنى فرواية الكليني مصرحة بنصب العلم.

وأما لو صحت هذه القراءة فهذا افضل تفسير ويلاحظ ان رواية الكليني اعتبرت هذه السورة مما نعيت فيه الى الرسول صلى الله عليه واله وسلم نفسه واُعلم بموته وذلك من جهة امره بنصب الخليفة والرغبة الى لقاء الله تعالى.

ولم يقدّر حسب الرواية اسم الامام في الآية بل التقدير انك اذا فرغت من أداء الرسالة فانصب علمك لهداية الناس واعلمهم بالامام الذي يجب ان يتبعوه بعدك وارغب الى لقاء ربك.

وبهذا يكون معنى آيات السورة وتناسبها واضحا وكذلك يتناسب الشرط والجزاء ويظهر السر في ابتداء الخطاب بالاستفهام التقريري فان الرسول صلى الله عليه واله وسلم كان يشعر بضيق من الامر بنصب الامام بعده وقد جاء به الامر مؤكدا خصوصا في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ..)[10] فهذا التأكيد الذي بدأ به السورة لاثبات انه لا داعي للقلق فان الله تعالى انعم عليك بكل ذلك.

ويتبين الوجه ايضا في قوله تعالى (فان مع العسر يسرا) ومناسبته للسياق فان المراد به على هذا الاحتمال ان العسر الذي تشعر به من التصريح بذكر الامام بعدك يحمل معه يسرا وليس معناه انه يتعقبه يسر بل معناه ان معه يسرا وهو ان الله تعالى يحفظه ويصونه صلى الله عليه واله وسلم.

ولهذا ايضا أكّد المضمون بتكراره ليبعث الطمأنينة في نفسه الشريفة. وعليه فموضع هذه الآية كقوله تعالى (والله يعصمك من الناس) في الآية المذكورة آنفا.

كما يتضح ايضا السبب في اصرار القوم وتاكيدهم على كون السورة مكية ويتبين ايضا ان رواية مسعدة التي مر ذكرها مما تشهد بكونه عاميا.

وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ...

بناءا على قراءة الفتح والتفسير الذي ذكرناه على هذا الفرض اي لزوم متابعة كل عمل بعمل اخر في سبيل نشر الدعوة فمعنى الآية الرغبة في التقرب الى الله تعالى في هذه الهمة وبذل الجهد.

واما بناءا على الروايات فالمعنى واضح كما ذكرنا وهو مناسب للسياق اي اذا فرغت من اداء الرسالة فاقم الامام بعدك واستعد للقاء الله تعالى وارغب في ذلك.

وهذا المعنى انسب بقوله (الى ربك) اي الى لقائه اما على المعنى الآخر فلا بد من تاويلها الى (في) اي ارغب في رضا الله وثوابه.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد واله الطاهرين

 


[1] التبيان ج10 ص371

[2] يس : 60

[3] القلم : 4

[4] ال عمران : 159

[5] الانعام: 31

[6] نهج البلاغة: الخطبة 192

[7] قرب الاسناد ص7

[8] الكافي ج1 ص294 باب الاشارة والنص على امير المؤمنين عليه السلام

[9] راجع بحار الانوار ج36 ص134

[10] المائدة : 67