مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ...

خطاب يفيض رحمة وعطفا من العلي الاعلى جل جلاله الى العبد المطيع المؤمن المتقي وربما يستظهر من السياق أن هذا الخطاب يصدر يوم القيامة ولكن لا دليل على ذلك فلا يبعد ان يكون هذا الخطاب موجّها الى النفس المطمئنة من الآن وفي هذه الحياة ولذلك لم تذكر الجملة هنا مبدوّة بقول وخطاب وذكر للمخاطب بل أتى الكلام في سياق ذكر التعامل مع الموثقين المعذبين مما يدل على أن الغرض بيان الفرق الشاسع بين الفريقين.

والظاهر أن الخطاب لا يخص احدا بعينه او قوما بأعينهم وانما هو لهذا العنوان الجميل (النفس المطمئنة).

والاطمئنان سكون بعد اضطراب والانسان بذاته مضطرب متحير في هذه الحياة وانما يطمئن بالايمان بالله تعالى وعبادته وذكره والتوجه اليه كما قال تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).[1] ولولا ذلك لكان يعيش معيشة ضنكا.

ولا تكون النفس مطمئنة الا اذا كانت مؤمنة وكلما زاد ايمانها زادت طمأنينتها وبهذا الايمان والاطمينان تكون راضية بكل ما يتلقّاه من ربّه في الدنيا والآخرة ولذلك وصفه في الخطاب الآتي بالرضا.

والايمان له مراتب وكذلك الاطمئنان ولذلك يحاول اقرب البشر الى الله تعالى النيل من المزيد كما قال ابراهيم عليه السلام (وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)[2] قاله وهو مطمئن فان هذا جواب لخطاب من الله تعالى (قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ). وكيف لا يطمئن وهو ينال هذا التشرف واللقاء ولكن الكمال لا حد له والله تعالى يامر رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم ان يطلب الزيادة (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا).[3] والظاهر ان المراد بهذا العلم المعرفة بالله تعالى واما العلم بما يحتاجه الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم من امور دينه ودنياه فهو جزء من رسالته.

وفي تفسير القمي حديث ضعيف ان الآية تخص الامام الحسين عليه السلام ولا شك ان المراد ليس بيان شأن نزول الآية فانها مكية نزلت قبل ولادة الامام عليه السلام وان كان ذلك لا يمنع من كونها اشارة اليه ولكن الآية بحد ذاتها عامة وانما المراد بيان انه عليه السلام من اوضح مصاديق الآية المباركة.

ومثله ما ورد في بعض روايات العامة من تطبيقها على سيدنا حمزة بن عبدالمطلب عليهما السلام.

ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً...

المراد بالرجوع الى الله تعالى الرجوع الى الحياة الآخرة والوقوف امامه للحساب فالرجوع الى الرب حاصل للجميع وانما تختص النفس المطمئنة بأنها ترجع الى ربها راضية بما وهبها ربها من مقام وبما لقيته في الدنيا ومرضية اي ان ربها ايضا راض عنها لانه يرضى عن العبد الخالص في العبودية والانسان لا يكون عبدا خالصا الا اذا كان راضيا بقضاء الله.

وهذا مقام عظيم جدا وهو مهم حتى في الحياة الدنيا وبالنسبة لشؤونها فالانسان اذا كان راضيا قانعا بما لديه فهو في راحة وانما الاضطراب والقلق من توقع ما لا يحصل عليه ولذلك لا يستريح الانسان ولا يتخلى عن جهده للوصول الى ما يتوقعه الا اذا وصل الى ربه فهناك يستقر ويستريح.

فالقت عصاها واستقر بها النوى ــ كما قر عينا بالاياب المسافر

والتعبير بالرجوع الى ربك يفيد أنه تعالى ربّى هذه النفس لتكون كذلك فطاوعت تربيته.

وليس المراد بالرضا بقضاء الله تعالى أن لا يحاول الانسان دفع ما يمنى به من مشاكل وعلاج ما يعرض عليه من امراض بحجة انها قضاء من الله تعالى بل لا بد للانسان من محاولة رفع المشكلات عن حياته باللجوء الى الطرق الطبيعية ولكن اذا لم يتمكن من العلاج فلا يجزع ولا يعترض على ربه ولا يعتبر ما ابتلي به اهانة منه تعالى كما مر في نفس السورة بل يصبر ويرضى بقضائه تعالى حين لا يجد حلا لمشكلته فانه يتبين منه انه قضاء حتم الهي.

ومثل ذلك التوكل على الله تعالى فانه ليس بمعنى ترك ما يستوجبه الحفظ والصيانة واللجوء الى التوكل على لطفه وعنايته تعالى فان هذه الاسباب التي نجدها هي من صنعه والرجوع اليها للوصول الى المقاصد من سننه تعالى ولكن الانسان لا يتمكن من معرفة كل الاسباب او لا يتمكن من الوصول الى كلها فيتوكل فيما هو خارج عن قدرته على ربه.  

فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي...

الفاء للتفريع فان الدخول في مجموعة عباد الله الصالحين لا يكون الا بعد رضا الله تعالى وهو لا يرضى الا عمن يرضى عنه ويطمئن اليه.

وفي اضافة العباد والجنة الى نفسه وبصيغة المتكلم المنفرد غاية العناية بالعباد لافادته اختصاصهم به واختصاص الجنة ايضا به.

يا لها من سعادة لا تقاس ولا تقارن باي شيء!!! ولم ترد اضافة الجنة الى الله تعالى الا في هذه الآية.. اللهم ارزقنا وان كنا غير مستحقين بأعمالنا.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين

 


[1] الرعد: 28

[2] البقرة: 260

[3] طه: 114<