مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ... الآية تشير الى بيعة المؤمنين مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية وتسمى بيعة الشجرة لوقوعها تحت شجرة سمرة هناك ويقال ان المؤمنين كانوا يتبرّكون بها مدة من الزمان الى أن قطعت بأمر عمر على ما روى السيوطي في الدر المنثور قال (أخرج ابن أبى شيبة في المصنف عن نافع قال بلغ عمر بن الخطاب ان ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها فأمر بها فقطعت).

وتسمى هذه البيعة بيعة الرضوان ايضا لمكان هذه الآية الكريمة والقصة مشهورة في كتب السيرة والتاريخ ففي مجمع البيان (ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نزل بالحديبية دعا عمر بن الخطاب ليرسله إلى أهل مكة ليأذنوا له بأن يدخل مكة ويحلّ من عمرته وينحر هديه فقال يا رسول الله ما لي بها حميم وإني أخاف قريشا لشدة عداوتي إياها ولكن أدلّك على رجل هو أعزّ بها مني عثمان بن عفان فقال صدقت فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عثمان فأرسله إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وإنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته فاحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل فقال صلى الله عليه وآله وسلم لا نبرح حتى نناجز القوم ودعا الناس إلى البيعة فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الشجرة فاستند إليها وبايع الناس على أن يقاتلوا المشركين ولا يفروا).

ولكن هناك تساؤلات حول هذه القصة تمنع من قبولها مع انها مشهورة فمنها أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان مؤيّدا من عند الله تعالى يخبره بما يحدث فكيف خُدع بما بلغه من مقتل عثمان؟! ولا يمكن القول بأنه صلى الله عليه وآله وسلم تظاهر بالانخداع ليأخذ من الناس البيعة ومن غريب ما في القصة ما ذكره جمع من المفسرين ومنهم الآلوسي في روح المعاني حيث قال (وصحّ أنه صلى الله عليه وسلم ضرب بيده اليمنى على يده الأخرى وقال: هذه بيعة عثمان..) فكيف يبايع الرسول عنه وهو مقتول؟!

ويؤيد هذا التشكيك ما رواه البلاذري في انساب الاشراف قال (وقدم ابن مسعود المدينة وعثمان يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: ألا انه قدمت عليكم دويبة سوءٍ من تمشِ على طعامه يقيء ويسلح، فقال ابن مسعود: لست كذلك، ولكني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، ويوم بيعة الرضوان، ونادت عائشة، أي عثمان، أتقول هذا لصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!).[1]

وكان – كما قيل – يعرض بعثمان حيث تغيب في هذين اليومين ولو كانت بيعة الرضوان من اجل ما ذكر من خبر مقتله لم يكن وجه للتعريض به بل كان فخرا له فالغالب في الظن انه غاب عن هذه البيعة لسبب ما فاختلقت اجهزة وضع الحديث الاموية وحاكت كل هذه القصة لتبرير موقفه ولجعله منقبة له.

وقد مرّ الكلام حول اسناد الرضا والغضب الى الله تعالى وقلنا انه لا يمكن بظاهره اذ لا يمكن عروض الحالات عليه تعالى مضافا الى أنّ المعنى الظاهري للرضا هو الملاءمة مع الطبع ولا معنى لاسناد ذلك اليه سبحانه ولذلك ورد في رواياتنا أنّ رضا الله ثوابه وغضبه عقابه بمعنى ان الذي يحدث هو فعل الله تعالى وهو الثواب والعقاب والظاهر ان الثواب والعقاب هنا يشمل القرب والبعد فالمراد بهذا التفسير على ما يبدو هو ان ما يحدث انما هو في الانسان وهو دخوله في مقام القرب لدى الله تعالى او في حضيض البعد عن رحمته.

وقوله تعالى (اذ يبايعونك تحت الشجرة) ظرف يفيد التعليل ومعناه أن ما أوجب كون المؤمنين مرضيين لديه تعالى هو مبايعتهم تحت الشجرة للظروف الخاصة المحيطة بهم ولِما وطّنوا عليه أنفسهم من الوفاء للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقصدوا بذلك الزلفى لديه تعالى فالرضا وان تعلق بذات الانسان الا انه ليس مطلقا وليس معناه ان هذا الانسان معصوم او مؤيد من عند الله تعالى وانما يدل على أن هذا العمل مما يرضى به الله تعالى فمن عمله فهو داخل في مرضاة الله وقد مر أن رضا الله انما يتعلق بالسجايا والاعمال فالذي يحدث بعمل الانسان هو وروده في دائرة الرضا المتعلق بعمله ولا ينافي ذلك ان يصبح بعد ذلك مغضوبا عليه بارتداد او قتل مؤمن ونحو ذلك. ونظيره ما ورد مستفيضا في احاديث الفريقين من انه تعالى يغفر للواقفين بعرفة بأجمعهم فانه لا يعني انه يغفر له ما يأتي من ذنوبه مستقبلا فربما يذنب متعمدا في نفس الموقف بعد استغفاره وقبول التوبة منه.

ثم ان الرضا المتعلق بالجماعة ليس معناه الرضا عن كل فرد فرد ومن الغريب اصرار المتشبثين بالحشائش بمثل هذا التعبير لاثبات ان كل فرد منهم مخاطب بذلك يقول بعضهم (يا للّه! كيف تلقوا - أولئك السعداء - تلك اللحظة القدسية وذلك التبليغ الإلهي؟ التبليغ الذي يشير إلى كل أحد في ذات نفسه ويقول له: أنت أنت بذاتك. يبلّغك اللّه لقد رضي عنك وأنت تبايع تحت الشجرة وعلم ما في نفسك فأنزل السكينة عليك إن الواحد منا ليقرأ أو يسمع: «اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا» .. فيسعد يقول في نفسه: ألست أطمع أن أكون داخلا في هذا العموم؟ ويقرأ أو يسمع: «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» .. فيطمئن يقول في نفسه: ألست أرجو أن أكون من هؤلاء الصابرين؟ وأولئك الرجال يسمعون ويبلغون واحدا واحدا أن اللّه يقصده بعينه وبذاته ويبلغه: لقد رضي عنه وعلم ما في نفسه ورضي عما في نفسه‏..).

ولا يكاد ينقضي العجب من هذا الكلام!! ما هو الفرق بين التعبير بالصابرين والذين آمنوا حيث انهما يدلان على العموم ويشملان الفرد بعموم اللفظ وبين التعبير بالمؤمنين الوارد في الآية الكريمة؟!!! أليس هذه ايضا كلمة تدل بعمومها على الافراد؟! فالصحيح أن اللفظ عام يشمل الجميع ولكن قوله تعالى (فعلم ما في قلوبهم) عنوان يختلف فيه الناس اختلافا فاحشا وليس كل اولئك بمنزلة واحدة في النية والخلوص بل لاشك ان فيهم ضعاف الايمان والمنافقون وفيهم المخلصون غاية الاخلاص وفيهم المتوسطون ويقال انهم باجمعهم بايعوا الا جدّ بن قيس كان منافقا فتستر ولم يبايع. واكثر منه نفاقا من تستر ببيعته. 

ويدل على ما ذكرناه من الاختصاص قوله تعالى في نفس هذه البيعة (فمن نكث فانما ينكث على نفسه..) ولو لم يكن هناك من يقصد النكث لم يذكر الله تعالى ذلك وقد روى في الدر المنثور عن ابن أبى حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ قال: انما أنزلت السكينة على من علم منه الوفاء.

فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا... الظاهر أن الجملة معطوفة على قوله (يبايعونك) اي علم ما انطوت عليه ضمائرهم من حسن النية والعزم على الوفاء للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فانزل السكينة والاطمئنان في قلوبهم ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم. ومنه يظهر أن السكينة لا تنزل لمجرد الاضطراب والقلق كما يتصور بل لابد من عمل وخلوص ليستحقوا نزولها. ونسب الى مقاتل ان المراد بما في قلوبهم كراهة البيعة والحرب ولعله انما فسره بذلك ليناسب نزول السكينة كانه تصور ان الانسان لا يحتاج اليها الا اذا كان مضطربا وهو خطا واضح وقد انزل الله تعالى سكينته على رسوله كما سيأتي في هذه السورة وقد ورد ايضا في قوله تعالى (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا..).[2]

والاثابة بمعنى إعطاء الثواب اي الجزاء واصله من الثوب اي الرجوع يقال ثاب الى الله وتاب واناب كلها بمعنى واحد وهذا التعبير بلحاظ أن ثواب الانسان وجزاءه كأنه نفس عمله ارجع اليه. والظاهر أن المراد بالفتح القريب فتح خيبر لانه كان بعد الحديبية مباشرة.

وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا... عطف على الفتح القريب فهي جزء من الثواب والمراد غنائم خيبر وهي كانت كثيرة فعلا لان اليهود كانت تجمع الاموال كما هو شأنهم وديدنهم دائما وتوصيفها بانهم يأخذونها لعله للتأكيد على أنها مغانم مادية واموال لئلا يتوهم أن المراد مغانم معنوية فتصغر في نفوس من يسترخصها وقيل ان التوصيف بذلك للاشارة الى ان كل الحاضرين في البيعة المخاطبين بهذا الخطاب ياخذونها فلا يهلك منهم احد قبله. وهو بعيد عن اللفظ اذ الخطاب العام في مثل ذلك لا يستلزم الانحلال الى خطابات بحسب الافراد مضافا الى انه لا ينطبق على نفس هذا الوصف حيث ذكر في الآية التالية ويقصد بالخطاب فيه كل المسلمين على ما يبدو.

و(كان) منسلخة عن الدلالة على الزمان وتدل على مطلق الثبوت. والعزة والحكمة واضحتان مما حدث فالله تعالى عزيز وغالب على امره فاذا أراد أن يجازي قوما محسنين جزاءً عاجلا وفيرا فالامر كله بيده يقرب البعيد ويبعد القريب وانما يتأخر الجزاء في اكثر الموارد لحكمته تعالى فان الدار دار امتحان وابتلاء ولو كان كل مؤمن يلقى جزاء احسانه في العاجل وبصورة واضحة تميزه عن غيره لكان ذلك من اشد المغريات تأثيرا واستجلابا للناس ولدخلوا في الدين طواعية بالملايين من دون ان يُمَحَّصوا وتخلص جواهر نفوسهم وتزكو ارواحهم وهذا خلاف المصلحة والحكمة من هبوط الانسان الى الارض.   

وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ... الظاهر أن المراد بالمغانم مطلق المغانم التي وعد بها المسلمون بصورة عامة على لسان الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم وان قوله (هذه) اشارة الى غنائم خيبر. وقيل انها اشارة الى صلح الحديبية فهو مغنم معنوي وربما يؤيده قوله (وكف ايدي الناس عنكم) بناء على ان الناس كفار مكة ولكن ما ذكرناه من وجه التوصيف بالاخذ ينافيه فانه يقتضي ان تكون الغنيمة مادية. واما المراد بالناس فقد قيل انهم يهود خيبر او بنو اسد وغطفان من حلفائهم حيث ارادوا النزول الى المعركة لحماية اليهود فانزل الله في قلوبهم الرعب وردهم. ولكن الاظهر ان المراد بهم مشركو مكة حيث كان من المتوقع أن يقاتلوا المسلمين لمنعهم من دخول مكة مع كل ما بينهم من العداء بل الثأر المطلوب فكف الله ايديهم ولذلك ورد في عبارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن فتح الحديبية كما اسلفنا (هذا اعظم الفتح لقد رضي المشركون ان يدفعوكم بالراح عن بلادهم..) ويؤيده ايضا الآيات التالية.

وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا... الضمير في (لتكون) يعود الى الغنيمة المشار اليها بقوله (هذه) والواو للعطف فالجملة معطوفة على مقدر ولعل التقدير (لتغنموا) او (ليحقق الله وعده) ولتكون الغنيمة آية للمؤمنين. فبناءا على كون المراد بها صلح الحديبية – كما قيل – فهو آية عظيمة فتح الله به للرسول صلى الله عليه وآله وسلم طريق النفوذ في القبائل العربية ونشر الدعوة ثم لما لم تتحمل قريش نتائج ما آلت اليه المصالحة من دخول الناس في دين الله افواجا نقضت العهد ففتح الباب للهجوم الكاسح بآلاف من المسلمين ففتح الله مكة لرسوله بدون قتال. ولكن الصحيح ــ كما مر ــ هو أن المراد بها غنائم خيبر فكونها آية من جهة تحقق ما أخبر الله به على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فيقوى بذلك ايمانهم بالله ورسوله. والظاهر ان الهداية الى الصراط المستقيم تترتب على كون الغنيمة آية حيث يزدادون ايمانا وتمسكا بعقيدتهم فيهتدون الى الصراط المستقيم الذي دعاهم الله تعالى اليه.

وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا... (اخرى) صفة لمقدر والمقدر معطوف على قوله (هذه) في الآية السابقة اي وعجل لكم غنيمة اخرى. وجملة (لم تقدروا عليها) وصفية وقوله (لم تقدروا) يدل على نفي القدرة فيما مضى فالمعنى أنهم حاولوا الوصول اليها ولم يقدروا فالاقرب ان يكون المراد دخول مكة وفتحها حيث تمت المحاولة في قضية الحديبية وحصلوا على هذه الغنيمة في فتح مكة.

وقوله تعالى (قد أحاط الله بها) جملة وصفية ايضا والاحاطة بالشيء بمعنى الاحداق والاطافة به من كل جهة فقد يراد بها العلم بكل جوانبها وقد يراد بها القدرة الكاملة عليها بحيث لا يمنعه مانع وهما في الحقيقة مختصان به تعالى كما قال (أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ)[3] والمراد بالاحاطة هنا إحاطة قدرة اي ان هذا الامر وان لم يكن مقدورا لكم الا انه كغيره تحت إحاطته تعالى وقدرته فهو قدير على كل شيء و(كان) ــ كما مر ــ منسلخة عن الزمان وتدل على اصل الثبوت ولو اريد بها ما يدل على الماضي صح ايضا وتفيد التنبيه على أنه تعالى كان قادرا عليها حين عجزكم وانما اخرها لمصلحة وحكمة.

وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا... المراد بالذين كفروا مشركو مكة ويبدو أن بعض الناس كانوا يظنون أن الخطر كان محدقا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم واصحابه من جهة المشركين وأنه كان من الخطأ النزول في عقر دارهم لقلة عددهم وعدم استعدادهم للقتال وقد وصلوا الى مشارف مكة فان الحديبية قريبة جدا منها وهي من حدود الحرم. فهذه الآية ترد على هذه الظنون بأن المسلمين كانوا هم الغالبين لو كان يحدث بينهم قتال وان المشركين كانوا ينهزمون في الحرب ويولون أدبارهم وأما الاتكال على الاعراب والاحابيش فلا اثر له فان الله تعالى اذا شاء يقذف في قلوبهم الرعب كما القى في قلوب اليهود وحلفائهم فلو قاتلوكم ما كانوا يجدون وليا يتولى امورهم ويدافع عنهم بل ولا نصيرا يؤازرهم.

وأتى بحرف (لو) للدلالة على أنهم يهابون المسلمين ولا يقاتلونهم أساسا لان (لو) تدل على الامتناع. وتولية الدبر بمعنى الفرار و(ولّى) اي أتبع الشيئ بالشيء فان قيل ولاه وجهه اي اقبل اليه كما قال تعالى (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ..)[4] وان قيل ولاه دبره اي خلفه فيكون بمعنى الاعراض او الفرار.

سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا... (سنة الله) مفعول مطلق لفعل مقدر اي سن الله سنته التي.. و(خلت) بمعنى مضت اي ليس هذا بدعا من الامر بل هو سنة الله تعالى في نصرة انبيائه السابقين كما قال تعالى (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[5] فهذا امر مكتوب وقضاء حتم والجملة الاخيرة المبدوة بنفي الابد للتأكيد على أن هذه السنة باقية لم تتغير ولن تتغير.

وليس المقصود ان الانبياء لا يهزمون في قتال او لا يظلمون فقد ورد في القرآن التنديد بمن قتلوا النبيين عليهم السلام. والهزيمة قد وقعت في صفوف المسلمين ايضا كما حدث في احد ولكن المقصود انهم هم الغالبون في النهاية. مضافا الى أن المستفاد من الآيات الكريمة أنه تعالى يؤيد المؤمنين وينصرهم اذا أطاعوا الله ورسوله ونصروا دين الله كما قال تعالى (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[6] وهذه سنته في كل ما كان من غزوات وحروب ولم يهزم المسلمون الا في المواقف التي خالفوا فيها امر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وانما كان الحكم هنا هو الانتصار الحتمي لانهم اخلصوا النية وبايعوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتى الموت او على عدم الفرار وعلم الله منهم الصدق والوفاء فانزل السكينة عليهم وكان النصر لهم حتما حتى لو وقع القتال بينهم وبين المشركين.

 


[1] انساب الاشراف ج2 ص269 على ما في المكتبة الشاملة

[2] التوبة: 40

[3] فصلت: 54

[4] البقرة: 144

[5] المجادلة: 21

[6] محمد: 7