فاذا نفخ في الصور نفخة واحدة... من هنا يبدأ ببيان بعض أحوال الحاقّة التي ندّد في ابتداء السورة بمن كذّب بها. والذي يحدث نفختان لا يعلم كم بينهما الا اللّه تعالى، حيث يقضي بالاولى على كل الاحياء في السماء والارض، ولعله بها يقضي على هذا النظام الكوني تماما، ويُنفخ اخرى فيقوم الناس لربهم.
قال تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللّه ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) الزمر: 68.
والظاهر أنّ المراد بالنفخ هنا النفخة الثانية. والصور: قرن الثور، كانوا قديما ينفخون فيه لاعلام الحرب ونحوه. والتعبير به هنا كناية عن سرعة تحقق إحياء الموتى بأمره تعالى، وأنه لا يتوقف الا على مقدار النفخ في الصور نفخة واحدة، بل هو أسرع من ذلك قال تعالى (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) القمر: 50.
ولعل التعبير بالنفخ في الصور للدلالة على توجيه الامر التكويني الالهي الى الاجساد البالية والمتحولة الى التراب لتقوم حية متحركة.
ولا يستغرب ذلك، فهذا ليس بأبعد من توجيه الامر الى غير الموجود ليوجد، قال تعالى (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يس: 82. وقلنا في تفسيرها إن كلمة (كن) تعبر عن الارادة الالهية اذ ليس هناك من يخاطب به لأن الارادة هي التي تحقق وجوده، فكذلك النفخ هنا تعبير عن تحقق الارادة.
وحملت الارض والجبال فدكّتا دكّة واحدة... السياق يقتضي أن يكون ذلك من حوادث يوم القيامة اي يوم إحياء الناس لا يوم زوال الكون. ولو اريد به الاشارة الى زوال الارض والجبال فلعله من جهة أن انهدام النظام الكوني حاصل قبل ذلك اليوم.
وعلى ذلك فليس للارض والجبال أهمية في هذا الكون العظيم الذي يتلاشى بأمره تعالى، فكل هذا الكوكب لا يعدو هباءا بين هذه المجرات، ولكنّ الاهتمام بذكر الارض والجبال من جهة استعظام الانسان لهما، ولذلك عطف الجبال على الارض مع أنها جزء منها.
والتعبير بحمل الارض والجبال يبيّن أنّها بقبضة القادر المتعال. والدّكّ والدّقّ: الضرب الشديد. والدّكّ ايضا الارض المستوية او الليّنة السهلة، فيمكن أن يراد بالدّكّ جعلهما دكّاء اي ارضا مستوية كما قال تعالى بشأن سدّ ذي القرنين وعلى لسانه: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ..) الكهف: 98.
وقال بشأن تحول الارض والجبال في ذلك اليوم (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا) المزّمّل: 13، اي رملا منثورا. وأوضح منه قوله تعالى (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا) الواقعة: 4-6. اي غبارا مفرّقا، اذا قلنا بأن هذه الآيات ونظائرها تشير الى انهدام الارض ضمن انهدام الكون.والتعبير بكون الدكة واحدة للاشارة الى سرعة الانهدام.
وانهدام الكون أمر واقع لامحالة كما قال تعالى (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ) ابراهيم: 48، ولكن هناك مجموعة من الآيات تدل على أمر آخر يتحقق يوم القيامة وإحياء الموتى لا يوم انهدام الكون. وملاحظة مجموعها تقضي بأن المراد بها انكشاف الامر وعدم امكان تستر الانسان بشيء ولا اللجوء الى شيء كالجبال.
قال تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا) طه: 105-108.
فقوله تعالى (يومئذ يتبعون الداعي..) يدل على أن هذا من خصائص يوم القيامة، وأنه تعالى ينسف الجبال، ويترك الارض مستوية، لا فيها مرتفع ولا منخفض، ولا تعاريج ولا طرق ملتوية. فهل هذا تحول في حالة الارض في تلك النشأة، أم أنه اشارة الى عدم امكان التستر ذلك اليوم، وأنّ الحقائق ناصعة منكشفة للجميع؟
خصوصا اذا لاحظنا أن الآية السابقة في سورة ابراهيم تدل على تبدّل الارض، فهل المراد بذلك تبدّل حالتها الى القاع الصفصف او أن المراد تبدّل ذاتها؟ فان الارض في الحقيقة كل ما يستقر عليه وليس خاصا بهذا الكوكب، ولذلك قال تعالى في حكاية كلام اهل الجنة (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ..) الزمر: 74، والجنة ليست على هذه الارض لقوله تعالى (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) آل عمران: 133.
فلعل ملاحظة مجموع الآيات تقتضي أن تكون هذه الآيات ونظائرها كما سنذكر بعضها كناية عن عدم امكان التستر ذلك اليوم.
وقال تعالى (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) الكهف: 47. ومن الواضح أن المراد بهذا اليوم يوم القيامة. وبروز الارض هنا هو بنفسه ما ورد في الآية السابقة من جعلها قاعا صفصفا.
وفي سورة الواقعة /4-7 (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا * وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً..) والرجّ: التحريك. والبسّ بمعنيين: التفتيت والتسيير. والآية وان احتملت انهدام الارض والجبال بمعنى زوال الكوكب أساسا لقوله هباء منبثا اي متفرقا، ولكن عطف حالات يوم القيامة كتقسيم الناس أزواجا يقتضي الحمل على حوادث ذلك اليوم، فالمراد نفس ما ورد هنا من حمل الارض والجبال ودكّهما دكّة واحدة.
ومثل ذلك قوله تعالى (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا) المعارج 8-10. وسيأتي الكلام حول ما يحدث للسماء ان شاء اللّه تعالى.
وقوله تعالى (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا * يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا) المزّمّل: 12-14، وغير ذلك.
والحاصل أنه يحتمل في هذه الآية ايضا أن يكون حمل الارض والجبال ودكّهما كناية عن عدم امكان التستر في ذلك اليوم ولا اللجوء الى ملجأ. ولعل هذا هو السر في التأكيد على زوال الجبال في ذلك اليوم، فان الانسان الساذج ربما يمنّي نفسه باللجوء الى ما يلجأ اليه في الارض، كما قال ابن نوح عليه السلام (سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّه إِلَّا مَنْ رَحِمَ..) هود: 43.
فيومئذ وقعت الواقعة... المراد باليوم، الوقت لا المعنى المعهود. وهو تعبير متعارف ومنه قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة: 3 .
واللام في قوله (الواقعة) للعهد الذهني اي تلك الواقعة العظيمة المعهودة. والاتيان بالفعل الماضي للاشارة الى كونها امرا قطعيا فكأنها قد تحققت بالفعل. والواقعة كالحادثة تأتي صفة لأيّ أمر حادث الا أنهما اذا اُتي بهما مطلقتين تدلّان على أمر عظيم قد حدث.
وانشقّت السماء فهي يومئذ واهية... الوهي: الاسترخاء والضعف. وفي انشقاق السماء وانفطارها ايضا احتمالان:
الاول: أن يكون ذلك مقدمة لزوالها كما ورد في قوله تعالى (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ) ابراهيم: 48.
واوضح منه قوله تعالى (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) الانبياء: 104. فان تعقيب طيّ السماء باعادة الخلق كما بدأ يدلّ على أن الطيّ يقصد به الازالة والإعدام مقدمة للاعادة من جديد لأنّ البدء بأول الخلق انما كان فطرا من العدم. وان احتمل ضعيفا أن يكون المراد اعادة خلق البشر خاصة.
ولكن هذا الاحتمال اي احتمال ارادة اعدام السماء ربما يتنافى مع وهْي السماء واسترخائها وضعفها فان ذلك يقتضي بقاءها بوجه آخر.
والثاني: ان يكون التعبير كناية عن ارتفاع المانع بين الناس والارتباط بعالم الملائكة. وهذا أمر آخر يتحقق ذلك اليوم. واليه يشير قوله تعالى (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا) الفرقان: 25-26، فان الظاهر أن معنى تشقق السماء بالغمام تشققها بحيث ترتفع الغمّة بين عالم الانسان وعالم الملائكة. والغمام كل ما يستر الشيء، ومنه الغمامة اي السحاب لستره ضوء الشمس.
وتنزيل الملائكة ليس بمعنى نزولهم من مرتفع، بل بمعنى نزولهم عن عالم التمنع من ارتباط البشر بهم الى عالم يتواصلون معهم ويتحادثون حتى ان اهل النار ايضا يكلمونهم. قال تعالى(وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) الزخرف: 77، وقال ايضا (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ) غافر: 49. وغير ذلك.
وكذلك قوله تعالى (وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا) النبأ: 19. فان تفتّح الابواب يقتضي بقاء السماء بحالها وانما تنفتح على الناس. ومن هنا يتبين أن المراد بهذه السماء غير ما تتبدل الى سماء اخرى.
ولعل من هذا القبيل قوله تعالى (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) الرحمن: 37، فكونها كالوردة تشبيه لحالة التشقق والانفراج. وقوله تعالى (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ) المعارج: 8، خصوصا بملاحظة الآية التالية (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ). والمهل: النحاس الذائب. والعهن: الصوف اللين.
والحاصل ان هذه الآيات ــ على ما يبدو ــ تختلف عن مثل قوله تعالى (يوم تبدّل الارض غير الارض والسماوات) مما يستفاد منه انهيار هذا النظام. واللّه العالم.
والملك على أرجائها... الارجاء اي النواحي. والضمير يعود الى السماء، والجملة حالية اي انشقت السماء حال كون الملك منتشرين في أرجائها. والملك ــ على ما قيل ــ يطلق على الجمع والمفرد. والمراد به هنا الجمع. وعلى ما مرّ من الاحتمال فالتأكيد على انتشار الملك لبيان أنّ السماء تنشق عنهم فينفتح المجال بينهم وبين البشر.
وفي بعض التفاسير ان المراد أنهم قائمون على المواضع التي لم تنشق منها. وانما اضطروا الى القول بذلك للتنافي بين كون الملائكة منتشرين على كل جوانبها وبين انشقاقها بمعنى زوالها وانهدامها.
وبما مرّ من الاحتمال يتبيّن أنه لا حاجة الى هذا التأويل، وأن انشقاق السماء ليس بمعنى انهيار النظام الكوني وزوال الكواكب والنجوم، وأن المراد بالسماء هنا معنى آخر. وكما مرّ في دكّ الارض والجبال من احتمال كونه كناية عن عدم تمكن الانسان من التستر يحتمل أن يكون انشقاق السماء وانفراجها ووهْيها وتصدعها وانفطارها وكونها كالدهان وكالمهل ونحو ذلك كناية عن ارتفاع المانع من ارتباط الانسان بالملك. وسيأتي بعض الكلام حوله ان شاء الله في تفسير قوله تعالى (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ) المعارج: 8.
ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية... العرش ــ كما قلنا غير مرة ــ تعبير عن السلطة والحاكمية. وفي بعض الروايات أن المراد به العلم او العلم والقدرة. ولعل هذا التفسير اشارة الى مناط السلطة الالهية في الكون. وعليه فمعنى الحمل أن الثمانية هم من يباشر السلطة باذن منه تعالى وأنّ ذلك يتمّ باعطائهم العلم والقدرة.
والضمير في قوله (فوقهم) يعود الى الثمانية. وقيل: يعود الى العالمين فيكون تعبيرا عن فوقية السلطة. ولكنه بعيد عن السياق.
ولعلّ قوله (يومئذ) يدلّ على أن عددهم يختلف قبل ذلك اليوم. وقد ورد في الروايات أنهم أربعة قبل يوم القيامة واللّه العالم.
وظاهر العبارة أن الثمانية من الملائكة. وقد ورد ذكر حملة العرش في قوله تعالى (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ..) غافر: 7، والمراد بهم الملائكة قطعا. ولكن ورد في الاحاديث أن المراد بالثمانية الحاملين للعرش يوم القيامة غيرهم.
ففي حديث صحيح في الكافي الشريف (عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: حملة العرش ــ والعرش: العلم ــ ثمانية: أربعة منا وأربعة ممن شاء اللّه). [1]
وفي حديث آخر فيه ايضا (إذا كان يوم القيامة كان على عرش الرحمن أربعة من الاولين وأربعة من الآخرين فأما الاربعة الذين هم من الاولين فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وأما الاربعة من الآخرين فمحمد وعلي والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم) [2]
وفي تفسير القمي (حملة العرش ثمانية: أربعة من الأولين وأربعة من الآخرين. فأما الأربعة من الأولين فنوح وإبراهيم وموسى و عيسى، والأربعة من الآخرين محمد وعلي والحسن والحسين عليهم السلام، و معنى يحملون العرش يعني العلم) [3]
وقال الصدوق رحمه اللّه (وأما العرش الذي هو العلم فحملته أربعة من الأولين، وأربعة من الآخرين، فأما الأربعة من الأولين: فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وأما الأربعة من الآخرين: فمحمد وعلي والحسن والحسين صلى اللّه عليهم. هكذا روي بالأسانيد الصحيحة عن الأئمة ــ عليهم السلام ــ في العرش وحملته) [4]
ولا غرابة في أن يمنح اللّه تعالى سلطة لبعض المقربين من خلقه ويدل على ذلك بعض الآيات وكثير من الروايات:
منها: قوله تعالى (وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللّه بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) الاعراف: 46-49.
فهذه الآيات صريحة في أن رجال الاعراف هم الذين يأذنون لأهل الجنة بدخولها بعد أن يسلموا عليهم، والحال أنّهم ينتظرون الاذن وهم لم يدخلوها بعد وان كانوا يطمعون، واذا نظروا الى أهل النار انتابهم الخوف من ان يكونوا معهم.
ومن الروايات ما ورد في تفسير قوله تعالى (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللّه عَلَى الظَّالِمِينَ) الاعراف: 44.
ففي الكافي الشريف عن أحمد بن عمر الحلال قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قوله تعالى: "فاذن مؤذن بينهم أن لعنة اللّه على الظالمين" قال: المؤذن أمير المؤمنين عليه السلام.[5]
ومثله ورد في روايات كثيرة في تفسير العياشي وعلي بن ابراهيم وفرات ومعاني الاخبار وعن ابي القاسم الحسكاني من العامة وغيرهم.
وقد قلنا غير مرّة أنّ القول ذلك اليوم قد لا يكون كلاما بل هو فعل، فاللعنة تلقى على الظالمين بيده عليه السلام.
[1] الكافي ج1 ص132
[2] الكافي ج4 ص585
[3] تفسير القمي في تفسير قوله تعالى (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية)
[4] الاعتقادات ص46
[5] الكافي ج1 ص626