أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ... اشارة الى ما ورد في قصة بني النضير من أن رأس المنافقين عبدالله بن اُبَيّ ومجموعة اخرى معه ارسلوا اليهم وهم في الحصار يحرضونهم على المقاومة ويعدونهم النصر. والاستفهام لانشاء التعجب. وعبر عنهم باخوانهم الذين كفروا للاشارة الى انهم اخوة في الكفر وان اختلفت طريقتهم فان الجامع بينهم الكفر برسالة الاسلام وان كان المنافقون يختلفون عنهم بانهم في الواقع مشركون وهؤلاء كانوا من اليهود.
والاتيان بفعل المضارع (يقولون) لبيان الحالة كانه قال ألم تر اليهم حال كونهم يقولون.. لان الآيات كما يظهر من السياق نزلت بعد عملية الاجلاء. ويمكن ان يكون للاشارة الى انهم مصرون على هذا الوصف لم يتوبوا ولم يظهروا رجوعا عنه لان المضارع يدل على الاستمرار. والرؤية لا تتعدى بـ (الى) الا انه ضُمّن معنى النظر اي الم تنظر.. وعبّر عن المنافقين بالذين نافقوا ليناسب التعبير بالذين كفروا. و(من) بيانية فان اهل الكتاب كلهم كانوا كافرين وانما اراد بالقيد اخراج المشركين فان التعبير بالذين كفروا ينصرف اليهم.
لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ... أكّدوا تحريضهم بلام القسم ونون التأكيد. ووعدوهم بالخروج معهم من المدينة وهو وعد كاذب قطعا الا أنهم أرادوا بذلك التأكيد على تعاونهم معهم وهو في الواقع تأكيد على كفرهم ونفاقهم. ووعدوهم ايضا بأنهم لا يطيعون الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم اذا منعهم من نصرتهم والتعاون معهم وهو واضح لا حاجة اليه ولكنهم أرادوا التأكيد على عزمهم والتنديد بالرسول صلى الله عليه وآله وسلّم كفرا منهم وفسقا. وقولهم (لا نطيع فيكم) اي في شأنكم والمراد به هنا الخذلان لانه هو المتوقع من ان يامر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم. وأكّدوا تعاونهم معهم بنصرتهم لو وقع قتال بينهم وبين المؤمنين.
وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ... تبين ان السياق يدل على ان الايات نزلت بعد عملية الاجلاء فكذب المنافقين في وعدهم كان معلوما بل مشهودا للجميع فليس هذا اخبارا عن الغيب كما في الكشاف وغيره فالمراد من هذه الآية وهذه الشهادة أنهم كاذبون حين الوعد لا أنهم لا يوفون بوعدهم ليكون خبرا عن المستقبل لان المفروض ان الآية نزلت بعد انتهاء الحادث.
لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ... تفصيل لما أجمله من كونهم كاذبين. ومن الغريب أن جمهور المفسرين لم ينتبهوا الى ما اشرنا اليه من أن سياق الآيات يقتضي نزولها بعد انتهاء الحادث ففسروا هاتين الآيتين كأنهما تحدثان عن قصة بني النضير قبل الاجلاء كما يبدو من لفظ الآيتين وهناك من المتاخرين من انتبه للموضوع ولكنه لم يهتد الى تأويل مناسب والظاهر أن هذا التعبير لشرح حالتهم النفسية حينما كانوا يظهرون هذه الوعود نفاقا وكذبا والقرآن يريد أن يثبت أن هؤلاء طبيعتهم النفاق والكذب حتى مع من تعاهدوا معهم فيمكن أن يكون المراد أنهم كانوا آنذاك بحيث لو اخرجوا لا يخرجون معهم فكانت الوعود مجرد تدليس واغراء ولم يقصدوا الخروج والنصرة ابدا. وقيل ان هذا التعبير لتطمين الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم بالنسبة للمستقبل مع غير هؤلاء الجماعة من اليهود. وهو بعيد.
وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ... اي على افتراض نصرتهم وهو فرض غير واقعي فان نصرتهم لا تنفعهم فليولّون الادبار اي يفرّون في مواجهة المسلمين والضمير في قوله (ليولّنّ) يعود الى الناصر والمنصور الفرضيين وهم اليهود والمنافقون معا ثم لا ينصرهم أحد والغرض تهديد سائر اليهود بأن لا تغريهم هذه الوعود فليست هناك نصرة تنفعهم.
لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ... خطاب للمسلمين وفيه تأكيد ايضا بلام القسم. والآية تأتي في سياق تقوية عزائم المسلمين وتطمين انفسهم بأن أعداءهم وان تجمعوا وتعاهدوا فلن يفلحوا في مواجهتهم وللتأكيد على ذلك يذكر السبب لان الانسان اذا علم السبب اطمأن بالحقيقة التي يراد اعلامه بها والسبب هو أنهم اي اليهود والمنافقين يخافون المؤمنين أكثر مما يخافون الله تعالى. والرهبة: الخوف. والمراد بها هنا المرهوبية اي انتم اشد تأثيرا للرهبة في صدورهم من الله تعالى فهم يخشون المسلمين اكثر مما يخشون الله تعالى. قيل: لا بد من تاويل اخر لانهم لا يخشون الله ابدا. ولكنه غير صحيح فهم يعترفون بوجوده تعالى وقدرته ولكن ايمانهم ضعيف جدا بل حتى المنكرون لله تعالى يخافونه.
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ... الفقه هو الفهم وليس معناه العلم ولذلك لا يوصف به الله تعالى فالمراد بلادتهم وضعف إدراكهم لماوراء المادة وان لم يكونوا ضعفاء في ادراك شؤون الدنيا والسر فيه توغلهم في الامور المادية والتعبير بأنهم قوم كذا للاشارة الى أنه أصبح من خواصّ القوم وطبيعتهم الثانوية كأنهم جُبِلوا عليه. وهذه الطبيعة المكتسبة مشهودة في اليهود الى يومنا هذا فهم مهما توسعوا في العلوم المادية الا أنهم ضعفاء في ادراك الامور المعنوية لشدة حبهم للمال ولشؤون الدنيا. ونتيجة هذا الضعف أنهم لا يدركون أن القوة لله جميعا وأنه لا أحد يغنيهم عنه ان أراد بهم سوءا ولا أحد يضرّهم ان أراد بهم خيرا مع أنهم يدّعون الايمان بالله تعالى بل الاختصاص به.
لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ... (جميعا) حال من الضمير المنصوب اي اذا اجتمعتم لقتالهم فانهم لا يواجهونكم الا في قرى محصنة وقلاع او يختبئون وراء الجدران ويخشون مقابلتكم وجها لوجه. وفي ذلك اشارة الى أن السر في غلبتكم هو اجتماعكم واتحادكم تحت قيادة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلّم وأن التفرق يوجب ضعفكم ووهن قواكم. والمحصّنة بمعنى المحفوظة بالاسوار والقلاع بحيث لا يمكن الوصول الى داخلها.
بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ... اي اذا وقع القتال بينهم تجد فيهم شجعان أقوياء وهذا هو المعروف من بعضهم ولكنهم يتفادون مواجهة غيرهم.
تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى... (جميعا) اي مجتمعين. و(شتّى) من الشتيت اي التفرق وقوم شتّى اي متفرقون فالمعنى أن من يلاحظ ظاهر حالهم يظن انهم متفقون مجتمعون على كلمة واحدة ولكنهم في الواقع متفرقون وهذا شأن اليهود والمنافقين معا وهكذا شأن أبناء الدنيا فانهم لا تجمعهم عقيدة وايمان وانما تجمعهم المصالح فاذا تضاربت المصالح اختلفوا واليهود هكذا كانوا وهم اليوم كذلك والمسلمون اليوم ايضا كذلك فقد تركوا العقيدة وانما تجمعهم القومية ومصالحها وحيث انها قد تناقض المصالح الوطنية او القبلية او الشخصية فانها لا تقاوم المخاوف ولا تبعث على المقاومة.
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ... العقل في الاصل هو الحبس والمنع ومنه عقال البعير الذي تربط به احدى قوائمه لئلا يشرد. ويطلق بمعنى الحكمة في مقابل الجهل فالعاقل من يحبس نفسه من اتيان ما لا ينبغي والجاهل يفعل ما تتوق اليه نفسه وهو المراد هنا فان من الحكمة ان يقدّم الانسان مصلحة المجتمع على مصالحه الشخصية فان الضرر الاجتماعي يعود عليه بضرر اكبر من حيث لا يشعر.
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ... هذا شاهد على عدم تعقلهم وعدم انتفاعهم بالتجارب كما لم ينتفع بها من كان قبلهم قريبا منهم. وقوله (كمثل) خبر مبتدأ محذوف اي مثلهم كمثل الذين.. والمثل ما ينصب ويمثّل شيئا وكذلك القول الذي يصوّرهم ويحكي حالهم فما يذكر في هؤلاء يشبه ما يقال عن القوم السابقين. والوبال في الاصل بمعنى الثقل والشدة ومنه المطر الوابل والمراد عاقبة السوء اي ذاقوا العاقبة الوخيمة لامرهم وهي نقض العهد.
والظاهر أن المراد بمن قبلهم قوم آخر من اليهود وهم بنو قينقاع وكان من قصتهم ــ على ما قيل ــ أنهم نقضوا العهد بعد غزوة بدر وكانوا قد عاهدوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم ان لا يحاربوه ولا يظاهروا عليه عدوا فنبذوا العهد بعد الغزوة. ولعلهم تخوّفوا من نصرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم على المشركين من أن تؤثّر في عزائم قومهم وتحبّب الاسلام اليهم كما انتشرت بينهم مقولة علمائهم من أنه هو النبي الذي لا تردّ له راية فأرادوا أن يبرزوا تشجّعهم في قبال الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم ارضاءا لقومهم وتشجيعا لهم.
ويقول المؤرخون: كان بنو قينقاع أشجع قوم من اليهود وأكثر أموالا وان الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم أتاهم بعد غزوة بدر ونادى في جمعهم قائلا: (يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا فانكم قد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله اليكم) فقالوا: (يا محمد انك ترى أنا قومك؟! ولا يغرنّك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت لهم فرصة انا والله لو حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس).
قالوا: وكان السبب في نشوب الحرب بينهم وبين المسلمين أن امرأة مسلمة جاءت الى سوقهم لاجل حليّ لها وكان أكثرهم صاغة فطلبوا منها ان تكشف وجهها فأبت فجاء احدهم وعقد طرف ثوبها الى ظهرها وهي لا تعلم فلما قامت انكشف جسمها فضحكوا منها فصاحت فوثب مسلم على الرجل وقتله وشدت اليهود على المسلم فقتلوه فنشب الشر بينهم وبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فقال (ما على هذا قررناهم) ثم أتاهم وحاصرهم خمس عشرة ليلة فأرسل اليهم عبدالله بن ابي يعدهم بالنصر ولم يف بوعده ولكنه أصر على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ان لا يقتلهم فقبل منه وصالحهم على أن يخرجوا من المدينة ويأخذوا اموالهم الا السلاح.
والحاصل أن هذه الآية تشبه يهود بني النضير بمن قبلهم قريبا من اليهود وأن قصتهم تشابه ما حدث لاولئك من حيث اغترارهم بوعد المنافقين ثم غدرهم بهم ونزول العذاب عليهم على ايدي المؤمنين حيث اُجلُوا عن المدينة ولهم يوم القيامة عذاب اليم لكفرهم وعنادهم وغدرهم ونقضهم للعهد. ويلاحظ أن القرآن الكريم ما يذكر عذابا من الدنيا الا ويذكّر بعذاب الآخرة لينبّه الانسان على أن العذاب في الواقع هو ما يحدث في الآخرة وهو الاليم واما ما يحصل في هذه الدنيا فهو مجرد أذية قابلة للتحمل او انه مهما كان فانه زائل. وقيل ان المراد بمن قبلهم المشركون وهو بعيد عن السياق.
كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ... تمثيل آخر للقصة. والشيطان في هذا التمثيل يشبه المنافقين حيث غرّوا اليهود بالنصرة ثم تركوهم. والمراد بالشيطان والانسان الجنس منهما وليس اشارة الى قصة خاصة كما يتوهم فالشيطان دوره في الخلق دور الاغراء وهو يعمل حسب ما تلقّاه من الله تعالى من امر تكويني وحسب ما جبل عليه بطبعه وان كان محرما عليه تشريعا وكل ما غرّ الانسان وخدعه يتوب الى الله تعالى ولا تفيده التوبة لانه لا يعزم على الترك الا أنه عارف بربه وعارف بمقامه فيظهر الندم وانما يجرّه الى ما يفعل حقده على الانسان وحسده. ومثله في ذلك كثير من البشر حتى المؤمنين منهم. فالظاهر أن الذي ينقل عنه في هذه الآية هو توبته المستمرة وهو يخاف الله حقا الا أنه يستمر في اثمه العظيم حسدا وبغيا ولعله آيس من رحمة الله كما في الحديث بل يقال ان ذلك معنى ابليس. ومهما كان فيظهر من الجمع بين علمه وعمله أنه آيس ويعلم ما سيلقاه من العذاب ولكنه يعرف مقام ربه فيقول هذه المقالة.
واما ما يقال من انه يقول ذلك يوم القيامة فهو يخالف ظاهر الآية حيث يقول (فلما كفر قال اني بريء..) فان ظاهره أن هذا الكلام يصدر منه فور استجابة الانسان لدعوته الى الكفر. نعم هناك آية اخرى تبين حال الشيطان يوم القيامة وهي قوله تعالى (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).[1] والحاصل أن الشيطان يحاول دائما اغراء الانسان بالكفر بالله تعالى وليس ذلك بغضا منه لله بل للانسان فهو يريد الاضرار به وابعاده من رحمة ربه حيث ابعده الله تعالى من اجل الانسان. وهو لا يأمر بصراحة وانما يغري الانسان ويسوّل له ويزيّن له الكفر ويلقي في روعه أنه اذا آمن بربّه فانه يشقى في الدنيا وأنه اذا كفر فسيكون في راحة من تكاليف الدين وسيتمكن من اعمار حياته بل اعمار بلاده ويأتي على ذلك بالشواهد وهي كثيرة كما نعلم.
وقيل ان المراد بالانسان ابوجهل وأن الآية تشير الى ما ورد في قوله تعالى (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقاب)[2] والآية نزلت في غزوة بدر والظاهر أن الشيطان تمثّل للقوم بصورة انسان وغرّهم ولما رأى الملائكة يضربون الذين كفروا كما ورد في قوله تعالى (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)[3] خافهم وتيقن الهلاك فقال ما قال والقوم لا يرون فلا يخافون. ولكن الظاهر في تفسير هذه الآية ما مر ذكره فان مقولة الشيطان في تلك القصة ليست هي الحث على الكفر كما تنص عليه الآية.
فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ... عاقبتهما خبر مقدم والمصدر المأوّل من (أنهما في النار) اسم كان. وهذه نتيجة الاغترار بشياطين الجن والانس وكما هلك الشيطان وهلك عباده كذلك هلك المنافقون ومن اغترّ بهم من اليهود لان كلا من الفريقين ظلمة. والظلم كما قلنا مرارا لا يتوقف صدقه على وجود مظلوم بل الظلم ربما يكون لازما واصله من الظلمة فكل عمل في ظلام اي من دون هداية وتبصر ظلم. وحيث ان كلا الفريقين ــ اي الشيطان والانسان ــ تركا هدايات الله تعالى واتبعا الهوى فهما ظالمان. وذيل الآية تعلن أن هذا جزاء عام لكل الظلمة.
[1] ابراهيم: 22
[2] الانفال: 48
[3] الانفال: 12