مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

ما قَطَعْتُمْ مِنْ لينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى‏ أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقينَ... يبدو أن بعض المسلمين في محاصرتهم لبني النضير قطعوا بعض نخيلهم وقيل احرقوا ايضا بعضها ولعله لمصلحة في الحرب كفتح الطريق او نصب الخيم او لازعاج العدو والتنكيل به او لغير ذلك ولعله كان بامر من الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم كما ورد في بعض ما روي او بتقرير منه ويقال ان ذلك أثار حفيظة اليهود فاعترضوا على الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم بأنك تدعي الصلاح وهذا من الفساد. وقيل ان بعض المسلمين اعترضوا على بعض من قطع وأثاروا الشكوك.

ومهما كان فان الله تعالى دافع عن هذه الواقعة بان الامرين اي القطع وتركه كان باذن الله تعالى والمراد الاذن التشريعي والا لم يكن مبررا ومعناه أن الحرب اذا استلزمت افساد بعض المال ولو بالحرق والتخريب والهدم فانه مأذون شرعا.

 واللينة: النخلة او خصوص النخلة الناعمة كما في المفردات. وقال ابن دريد في الجمهرة (اللينة: النخلة ــ ثم قال ــ وقال بعض اهل اللغة ليس كل نخلة لينة. اللين: الدقل بعينه) والدقل يقال انه من أردأ النخل. وحكى الازهري عن الفراء قوله (كل شيء من النخل سوى العجوة فهو من اللين). ومن الغريب ان في الصحاح في باب اللون فسّر اللينة بالعجوة خاصة وهناك اختلاف في اللغة ان اصل الكلمة من اللون او اللين. ومهما كان فالمراد هنا النخل او قسم خاص منه.

و(ما قطعتم) مبتدأ خبره (فباذن الله) وردت عليه الفاء لان (ما) موصولة تفيد معنى الشرط. والاصول: الجذور. اي وما تركتم من النخل باقية على حالها فانها في الاصل قائمة اي مستقرة وثابتة على اصولها.   

والاخزاء: الاذلال. والمراد بالفاسقين اليهود عبر بذلك عنهم ليكون اشارة الى الموجب والمبرر للاخزاء وهو الفسق والخروج عن طاعة الله تعالى وليكون فيه تعميم يشمل غيرهم من الفاسقين والخارجين عن طاعة رب العالمين. وفي الواو اشارة الى أن للقطع والترك مصلحة غير الاخزاء ايضا فالقطع لمصلحة الحرب او للارعاب، والابقاء لانتفاع المسلمين بها ويضاف الى ذلك اخزاء الفاسقين.

وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى‏ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ... الافاءة من الفيء وهو الرجوع والمراد بما أفاء الله على رسوله ما غنمه المسلمون من أموال بني النضير واراضيهم ومزارعهم. والتعبير بالافاءة اي الارجاع لعله من جهة أن هذه الاموال يستحقها في الاصل الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وان كانت تحت سلطة غيره فاذا تمكن منها فكأنها عادت اليه.

و(ما) الاولى موصولة والثانية نافية اي ان ما أفاء الله تعالى على رسوله من اموالهم ليس مما اغتنمها المسلمون بالحرب وان تجمعوا هناك واشتركوا في الحصار الا أن السيطرة على العدو وبالتبع على الاموال انما تحققت بالقاء الرعب في قلوبهم والجيش الاسلامي لم يدخل في حرب معهم.

والايجاف: الاسراع في السير. والركاب الابل التي يسار عليها وليس له مفرد من لفظه ومفرده الراحلة. والمعروف في تفسير عدم الايجاف بخيل او ركاب أنهم لم يسيروا اليهم بخيل او ابل لقرب الطريق.

ولكن الظاهر أن هذا التعبير اي عدم ايجاف الخيل والركاب كناية عن عدم تحقق حرب كاملة باجهزتها لا لقرب الطريق والا لاختص الحكم بهذا الوصف بل لانهم استسلموا خوفا ورعبا ولم يكن الرعب من الجيش بصورة طبيعية بل كان بامكانهم ان يحاربوا ويقتلوا جمعا من المسلمين وانما القى الله تعالى الرعب في قلوبهم القاءا غيبيا فلم يحصل قتال اصلا.

والآية تحدد حكم هذه الغنائم حيث عبّر عنها بأنها مما أفاءها الله على رسوله فهي له خاصة. لا بمعنى الملكية الشخصية بل بمعنى أن أمرها بيده يفعل فيها ما يشاء وقد روي أنه صلى الله عليه وآله وسلّم قسّم تلك الغنائم بين المهاجرين لفقرهم ولانهم تركوا أموالهم في مكة ولم يعط للانصار الا لاثنين او ثلاثة ولاريب أن ذلك كان يحزّ في نفوس بعض الانصار بل لعل بعضهم يجد أنهم أولى بها لأنها في بلدهم ولعل بعض المنافقين ايضا كانوا يثيرون الشكوك والاحقاد فكان من الطبيعي أن ينزل هذا الحكم ليرفع الشك وليحدّد المسار في المستقبل.

مضافا الى أن المتّبع قبل ذلك هو تقسيم الغنائم بين المحاربين الحاضرين في المعركة بعد اخراج الخمس منها فكان الحاضرون يتوقعون ذلك في هذا المقام ايضا بينما تم التوزيع على فقراء المهاجرين حتى من لم يحضر ولم يخص الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم شيئا منها لمن حضر للقتال.

وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَديرٌ... اشارة الى أن النصر انما تحقق بفعل غيبي من الله تعالى وهو القاء الرعب فتسلّط الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم عليهم بذلك وأمر الغنائم في مثل ذلك بيده. والتعبير يوحي بأنه شأن من شؤون الرسل عليهم السلام وأن الله تعالى ربّما يسلّطهم على بعض الاعداء بطريق الاعجاز كما حصل لموسى عليه السلام حيث تسلّط على ما تبقّى من جنود فرعون وعلى أموالهم باغراق فرعون ومن كان معه ولم تكن بينهم حرب اساسا.

ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى‏ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى‏ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُول وَلِذِي الْقُرْبى‏ وَالْيَتامى‏ وَالْمَساكينِ وَابْنِ السَّبيلِ... في هذه الآية تفصيل ما أجمل في الآية السابقة وتعميم للحكم ليشمل غير ما اخذ من بني النضير والسر في هذا الاجمال والتفصيل الاهتمام ببيان حكم ما اخذ من بني النضير اولا لدفع توهم الناس ثم تفصيل الحكم وتعميمه على كل ما يؤخذ بهذه الطريقة من اهل القرى اي من الجماعات التي تعادي الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وتحاربه. والقرية كل مجتمع من الناس.

وقد وقع البحث في كتب الفقه حول الآيتين وقيل ان هنا اشكالا من جهة أن موضوع الآية الاولى الفيء اي ما لم يوجف عليه بخيل او ركاب وهو بكامله ــ بصريح الآية ــ للرسول صلى الله عليه وآله وسلّم يفعل فيه ما يشاء وموضوع الآية الثانية ما اخذ بالقتال من اهل القرى وذلك لان ظاهر هذا التعبير أن أهلها باقون لم يجلوا عن قراهم فلا بد من فرض القتال وقد بينت الآية أن حكم هذا القسم من الغنائم هو التوزيع على الموارد الستة وهي بنفسها مذكورة في آية الخمس وهي صريحة في ان خمس هذه الغنائم يوزع بهذه الطريقة لا كلها قال تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ..).[1]

وأجاب السيد الخوئي قدس سره على ما في التقريرات عن الاشكال بأن الآية الثانية ساكتة عن كون التقسيم في الخمس او في الكل وآية الخمس بينت ذلك فلا منافاة بينهما واستشهد برواية محمد بن مسلم على أن موضوع الآية الثانية هو المغنم وقال انها صحيحة وصريحة في ذلك.

روى الشيخ الطوسي قدس سره بسنده عن علي بن الحسن (وهو ابن فضال) عن سندي بن محمد (وهو أبان بن محمد البجلي) عن علا (وهو علاء بن رزين) عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: (الفيء والانفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء وقوم صولحوا وأعطوا بايديهم، وما كان من أرض خربة أو بطون أودية فهو كله من الفيء، فهذا لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم فما كان لله فهو لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم يضعه حيث شاء وهو للامام عليه السلام بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقوله: (وما افاء الله على رسوله منهم فما اوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) قال: ألا ترى هو هذا، واما قوله: (ما افاء الله على رسوله من أهل القرى) فهذا بمنزلة المغنم كان ابي عليه السلام يقول ذلك وليس لنا فيه غير سهمين سهم الرسول وسهم القربى ثم نحن شركاء الناس فيما بقي).[2]

ولكن الاشكال لا يرتفع بذلك اذ لا يمكن حمل هذه الآية على آية الخمس ولا يصح القول بانها ساكتة عن ان التوزيع يتعلق بالخمس او بالكل بل هو كالصريح في أن الفيء كله يقسم ولذلك فانه بنفسه قدس سره نقل في تفسيره عن قتادة القول بان اية الخمس نسخت هذه الاية ثم عقبه بقوله (وقد رفض المحققون هذا القول وقالوا ان ما يغنمه المسلمون في الحرب يغاير موضوعا ما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم بغير قتال فلا تنافي بين الآيتين لتنسخ احداهما الاخرى) ثم قال (اقول ان ما ذكره المحققون بيّن لا ينبغي الجدال فيه..)[3] فالذي يرفع الاشكال هو أن مورد هذه الآية مغاير لآية الخمس وأن موضوع الآيتين هنا واحد كما ذكرنا.

والظاهر أن الذي ألجأه قدس سره الى هذا القول رواية محمد بن مسلم ولكن الظاهر أن الرواية غير صحيحة فان سند الشيخ قدس سره الى علي بن الحسن فيه علي بن محمد بن الزبير القرشي ولم تثبت وثاقته[4] مع ان ما ورد في ذيلها من ان الائمة عليهم السلام ليس لهم من الغنائم الا سهمين سهم الرسول وسهم ذي القربى لا يوافق سائر الروايات فان الخمس كله لهم.

والآية حدّدت للفيء ستة موارد للصرف:

1- الله تعالى وقيل ان ذكره للتيمن والتبرك. ويحتمل ان يكون لتكريم سائر الموارد حيث انهم فقراء ومساكين فأراد الله تعالى أن يذكر اسمه معهم لئلا يشعروا بانتقاص. ولكن الظاهر كما ذكره العلامة الطباطبائي قدس سره أن ذكره تعالى ضمن الموارد للاشارة الى ما يصرف فيه المال طلبا لرضاه وتقربا اليه بوجه عام وهو ما يعبر عنه بانه في سبيل الله. وفي هذا السهم يكون الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم والامام من بعده مبسوط اليد فكل ما يرى باجتهاده أنه من سبيل الله تعالى وأن في الصرف فيه رضا الله جاز له الصرف.

2- الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم. والمراد ما يصرفه على نفسه واهل بيته ومن يتبعه وعلى ما يراه مصلحة للاسلام والمسلمين وان لم يكن ضمن الموارد المعينة او العامة.

3- ذي القربى. والمراد قرابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم كما هو واضح وان كان بعض من مرضى القلوب اوّلوا بعض آيات القربى كقوله تعالى (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)[5] بقرابة المكلف ولا ادري كيف يكون ذلك اجرا للرسالة؟! ولكن هذه الآية لا تحتمل ذلك.

وانما خصّ الله تعالى قرابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم ببعض المال اكراما لقرابتهم منه ولانه منعهم من الزكاة. ولكن في بعض الروايات ما يدل على أن المراد بهم الأئمة المعصومون عليهم السلام خاصة الا انها ضعيفة السند وبعضها مضطرب المتن. ولا اثر لهذا البحث بعد أن كان امر الانفال حسب الآية السابقة بيد الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وبعده للامام من بعده.

وظاهر لفظ الآية عموم ذي القربى حتى لو لم يكن فقيرا ولكن لا يبعد بقرينة السياق ان يختص الحكم بالفقراء منهم خصوصا بملاحظة ما يأتي من ان الحكمة في ذلك عدم تداول المال بين الاغنياء وايضا بملاحظة تكرر اللام في ذكر الاصناف الى (ذي القربى) وعدم تكرره بعد ذلك مما يؤيد أن الاربعة الاخيرة مجموعة واحدة يجمعها ويميزها الفقر.

ومما يذكر هنا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم طبّق هذه الآية في اعطاء فدك لفاطمة عليها السلام بل ورد في الحديث أن ذلك انما تمّ بأمر خاص من الله تعالى وقد حدث ما حدث بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلّم واهتمت الحكومة بشأن هذه القرية وأخذها من بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وذلك لمزيد من التضييق على اهل بيت النبوة.

4- اليتامى. واليتيم من فقد أباه ولم يبلغ مبلغ الرجال. والمراد بهم ايضا الفقراء منهم لعين ما ذكر آنفا. وعنوان المساكين يشملهم وانما خصهم بالذكر من بينهم لمزيد العناية بهم.

5- المساكين. والظاهر أن المراد بالمسكين في هذه الموارد الفقير مطلقا وهناك بحث في الفرق بينهما من حيث الاستعمال اللغوي مر بعض الكلام حوله في تفسير قوله تعالى (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكيناً).[6]

 6- ابن السبيل. وهو من كان غنيا في بلده ولكنه اغترب واحتاج الى المال في الغربة فحيث كان متعلقا بالسبيل اي الطريق نسب اليه كأنه ابنه ومثل هذا ربما يقع في حرج شديد اذا فقد ماله لكونه محترما غنيا ذا وجاهة في بلده. ولكنه غالبا لا مورد له في هذا العصر لسهولة الارتباط.

والظاهر أن العناوين الثلاثة عامة ولكن هناك من الروايات ما يستفاد منها اختصاص الحكم ببني هاشم وأن المراد بذوي القربى الامام المعصوم كما مر ومن الروايات ايضا ما يدل على خلافه وتفصيل البحث عن ذلك في الفقه.

ويستفاد من توزيع الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم عدم وجوب توزيعها حسب السهام الستة كما ربما يتوهم بل الامر بيد ولي الامر فله أن يجعلها كلها في قسم واحد او اكثر فانه صلى الله عليه وآله وسلّم وزعها باجمعها بين فقراء المهاجرين ولم يعط للانصار الا لثلاثة منهم على ما هو المشهور.

كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ... الدولة ما يتداولها أشخاص فتنتقل من بعضهم الى بعض آخر بتبادل اوتوارث او غيرهما. وهناك خلاف بين أهل اللغة في أن الدولة بالضم والدولة بالفتح هل هما لغتان في معنى واحد ام بينهما اختلاف فالمحكي عن الخليل انهما واحد وبه قال ابن فارس والراغب وقيل ان الدولة بالضم في المال وبالفتح في الملك والسلطة وقيل ان الاول هو ما يتداول والثاني مصدر.

ومهما كان فالمراد هنا واضح وهو أن تشريع هذا الحكم وتخصيص هذه الغنائم بالفقراء والمساكين من بني هاشم وغيرهم انما كان من أجل قاعدة أساسية يجب أن تعتمد في تشريع القوانين الاقتصادية وهي أن المال يجب أن لا يبقى في متناول مجموعة من الناس فيكونوا أغنياء يتداولون أكثر خيرات الارض وتبقى طبقة فقيرة في المجتمع لا ينالون حاجاتهم الضرورية. ومن هنا تم تشريع الزكاة والخمس وفي ذلك ايضا يدخل تعيين الضرائب.

وليس معناه أن كل ما يشرّع في هذا المجال يجب ان يدخل تحت هذه القاعدة فيؤخذ كل املاك الناس ويوزع بين الفقراء كما ينادي به دعاة الاشتراكية فان القانون الاسلامي يحترم الملكية الفردية ولا بد من ذلك لضمان تكامل المجتمع وتطور اقتصاده وحماية الدوافع الشخصية في الانتاج والتطوير.

وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا... وهذه من أهم القواعد الاساسية في الشريعة وهو التسليم التام والرضا بما يأمر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم او يفعله وترك كل ما نهى عنه. و(آتى) في الاصل بمعنى اعطى ولكنه هنا كناية عن اي حكم يحكم به ويشمل المورد وهو إعطاء شيء من الغنائم او منعه عن بعضهم والقرينة عليه مقابلته بالنهي دون المنع. وفي ذلك تعريض بما كانت تنطوي عليه بعض النفوس من عدم الرضا بما صنعه الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم من توزيع غنائم بني النضير في فقراء المهاجرين.

والقانون الذي يستند اليه ذلك هو لزوم اطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم اطاعة مطلقة في كل ما يأمر به وينهى عنه بل لزوم التسليم والرضا بما يحكم به كما قال تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[7] وهو سار ايضا في الولاة من بعده بشرط العصمة ومن هنا نعتقد نحن الشيعة أن الولاية ليست لغير المعصوم اذ لا يمكن الحكم بالاطاعة بقول مطلق لمن يمكن منه الخطأ حتى لو كان ورعا تقيا. وهذا هو المستفاد من قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..).[8]

وقد ورد تفسير الآية بهذا المعنى في روايات كثيرة ومنها الصحيحة سندا.

منها ما رواه الكليني بسند صحيح عن زرارة قال (سمعت اباجعفر وابا عبدالله عليهما السلام يقولان ان الله عز وجل فوّض الى نبيه صلى الله عليه وآله وسلّم امر خلقه لينظر كيف طاعتهم ثم تلا هذه الآية ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا..).

وبسند صحيح ايضا عن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول لبعض أصحاب قيس الماصر: (إن الله عزوجل أدب نبيه فأحسن أدبه فلما أكمل له الادب قال: "إنك لعلى خلق عظيم" ثم فوض إليه أمر الدين والامة ليسوس عباده، فقال عزوجل: "ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان مسدّدا موفقا مؤيّدا بروح القدس، لا يزلّ ولا يخطئ في شيء مما يسوس به الخلق، فتأدّب بآداب الله ثم إن الله عزّ وجلّ فرض الصلاة ركعتين، ركعتين عشر ركعات فأضاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الركعتين ركعتين وإلى المغرب ركعة فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهن إلا في سفر وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر والحضر فأجاز الله عزّ وجلّ له ذلك فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة، ثم سنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النوافل أربعا وثلاثين ركعة مثلي الفريضة فأجاز الله عزّ وجلّ له ذلك والفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدّ بركعة مكان الوتر وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان وسنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صوم شعبان وثلاث أيام في كل شهر مثلي الفريضة فأجاز الله عزّ وجلّ له ذلك وحرّم الله عزّ وجلّ الخمر بعينها وحرّم رسول الله صلى الله عليه وآله المسكر من كل شراب فأجاز الله له ذلك كله وعاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشياء وكرهها ولم ينه عنها نهي حرام إنما نهى عنها نهي اعافة وكراهة ثم رخّص فيها فصار الاخذ برخصه واجبا على العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه وعزائمه ولم يرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما نهاهم عنه نهي حرام ولا فيما أمر به أمر فرض لازم فكثير المسكر من الاشربة نهاهم عنه نهي حرام لم يرخص فيه لاحد ولم يرخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاحد تقصير الركعتين اللتين ضمهما إلى ما فرض الله عزّ وجلّ بل ألزمهم ذلك إلزاما واجبا لم يرخص لاحد في شيء من ذلك إلا للمسافر وليس لاحد أن يرخص [شيئا] ما لم يرخصه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوافق أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر الله عزّ وجلّ ونهيه نهي الله عزّ وجلّ ووجب على العباد التسليم له كالتسليم لله تبارك وتعالى).[9] وهناك روايات كثيرة في هذا المعنى.

وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَديدُ الْعِقابِ... تهديد لمن لا يطيع الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وتحذير من مخالفته وفيه اشارة الى أن مقتضى التقوى هو الاطاعة المطلقة. وقوله (ان الله شديد العقاب) تعليل لوجوب التقوى ومعناه ان وجوب التقوى والخوف من الله تعالى ومن عذابه حكم عقلي وليس امرا مولويا منه تعالى وهكذا تحقق الآية الكريمة حافزا ذاتيا لاطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم باعتبار أن مخالفته تنافي تقوى الله ووجوب التقوى من الله ومن عذابه مما يعود الى امر ذاتي فان الانسان انما يطيع الله خوفا على نفسه من عقابه الشديد واوامر وجوب اطاعته اوامر ارشادية.

وربما يتساءل الانسان لماذا يصف الله تعالى نفسه في كتابه العزيز مكررا بانه شديد العقاب مع انه ارحم الراحمين أفلا يتنافى الوصفان؟! هكذا يبدو لكثير من الناس ولهذا السبب نجد بعض المهرجين ينكرون العقاب الشديد في الآخرة ويسخرون من التحذير من جهنم ونرى لكلامهم الفارغ آذانا صاغية بين الناس وخصوصا الشباب المتعطش الى اي فكر اباحي.

ويمكن الجواب بأن الله تعالى لا يعاقب تشفيا من أحد كما هو الحال فينا والخطأ الخطير دائما هو مقارنة ما يسند الى الله تعالى بما يسند الى غيره فلا رحمته كرحمتنا ولا غضبه كغضبنا ولا عقابه كعقابنا وهو لا يتشفى من احد لانه لا يتضرر من احد ولا يفلت من قبضته احد وانما عقابه نتيجة طبيعية لعمل الانسان وكل ما هو طبيعي فهو من الله تعالى كما أن عقابه الطبيعي في الدنيا ايضا شديد بمعنى أن الانسان يخطئ خطأ يسيرا في اي نشاط يبذله وربما ينتهي الخطأ الى هلاكه بأقسى صورة وهذا ايضا من الله تعالى لان الطبيعة تتبع ارادته ولا يتحقق شيء الا باذنه عزّ وجلّ. 

لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ... بدل عن المذكورين في الآية السابقة اي ذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وتفصيل لذكرهم باوصافهم التي تدل على استحقاقهم وعلى الاولوية التي استوجبت تقديم المهاجرين في غنائم بني النضير فمنها أنهم اُخرجوا من ديارهم وأموالهم وهناك فرق بين الفقير الذي لم يملك شيئا طول حياته بل ورث الفقر من ابيه وبين من كان غنيا وعزيزا في قومه ورضيت نفسه بترك المال والدار والوطن في سبيل اعلاء كلمة الله تعالى ولولا ذلك لامكنهم البقاء برفض متابعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم. وفي التعبير بالاخراج اشارة ايضا الى الضغط النفسي الذي تحملوه من جراء الظلم حيث ان المشركين أخرجوهم من ديارهم وغصبوا أموالهم. والاخراج من الاموال بمعنى اخراجهم من البيئة التي كانت الاموال فيها.

يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا... حال من الضمير في (اخرجوا) اي كانوا حين الاخراج في هذا الحال والمراد أنهم رضوا بالاستسلام للاخراج ظلما طلبا لفضل الله تعالى ورضوانه وآثروا رضا الله  تعالى على كل ما يملكونه من الجاه والمال والعشيرة. ومن هنا يتبين أن المراد بالفضل ثواب الآخرة وبالرضوان رضا الله تعالى وهو أعظم من الثواب. ولا يصح ما قيل من أن المراد بالفضل الرزق في الدنيا اذ لم يقصدوا بهذا الخروج طلب الرزق بل لم يخرجوا وانما اخرجوا فرضوا بذلك طلبا لثواب الله في الآخرة ولم يقبلوا الشق الآخر من التخيير وهو ترك الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وترك نصرته.

وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... حال آخر منهم حين الاخراج ويدل على أن تقبلهم للخروج ورفضهم للانصياع الى دعوة المشركين بالرجوع الى دين الآباء انما كان نصرة منهم لله اي لدينه ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلّم.

أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ... اي الصادقون في ايمانهم فان الصدق يتبين حين الامتحان والابتلاء وهناك كثير من الناس يدّعون الايمان ولكن اذا محّصوا بالبلاء تزلزل ايمانهم واستسلموا لضغط الكفار وأعداء الدين. والمهاجرون الاولون نجحوا في امتحانهم وابتلائهم ولم يستسلموا لدعوة المشركين. والجملة تدل على الحصر وهو حصر اضافي بالنسبة لغيرهم ممن آمن ولكنه لم يتحمل الأذى في سبيل الله. والظاهر أن ذكر هذه الخصائص كان من أجل بيان استحقاقهم للاولوية التي خصهم بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم في غنائم بني النضير دفعا لما كان يحزّ في بعض النفوس.

وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ... الظاهر أن الواو للعطف فهؤلاء هم الفريق الثاني من المستحقين مع فرض الفقر والحاجة وهم فقراء الانصار ولا ينافي عدم توزيع غنائم بني النضير عليهم فان هذا الحكم عام لا يختص بتلك الغنائم. والمدح الذي جاء لهم ليس لبيان الوجه في الاستحقاق او الاولوية وانما هو تشييد لموقفهم من الدين وتطييب لخاطرهم حيث اختص غيرهم بالغنائم آنذاك. وقيل ان الواو للاستيناف والغرض الثناء على الانصار تطييبا لخاطرهم حيث ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم لم يقسّم عليهم الغنائم ولم يدفع الا لثلاثة منهم ولذلك لم يذكر في أوصافهم ما يدل على استحقاقهم كما ذكر في اوصاف المهاجرين.

ولكن الصحيح ما ذكرناه اذ لا يظهر وجه لاستيناف هذا المدح والثناء للانصار ولمن أتوا بعدهم وخصوصا الفريق الثاني. فالظاهر أن الآيات الثلاث لبيان المستحقين بوجه عام والغرض أن الاستحقاق في الاصل لا يختص بالمهاجرين وان اختص بهم التوزيع في غنائم بني النضير وذلك لما مر من عدم لزوم التوزيع على جميع الاصناف. ولا ينافيه عدم ذكر وجوه الاستحقاق هنا اذ ليس بصدد بيان الاولوية كما كان في المهاجرين.

والتبوّء اتخاذ المكان منزلا والمراد بالدار دار الهجرة اي مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم. وتبوّء الايمان تعبير كنائي يدل على عمق ارتباطهم بالعقيدة حيث اتّخذوا الايمان مأوى لهم تستقر به نفوسهم ويرجعون اليه كلما حدث لهم ما يوجب شكا وبعدا كما يرجع الانسان الى داره كلما تغرّب وبَعُد عن اهله. ويمكن ان يكون عطف الايمان على الدار بتقدير لفظ آخر مناسب له نحو (اعتنقوا الايمان). وقيل: التقدير اخلصوا الايمان. والاول اولى. وقوله (من قبلهم) اي من قبل ان يهاجر الاولون اليهم بمعنى أنهم آمنوا قبل الهجرة وتبوّءوا الدار ايضا قبلهم لانهم اهلها قديما. وليس بمعنى أنهم آمنوا قبلهم ليحتاج الى تاويل. ويمكن ان يكون الواو بمعنى (مع) ــ كما قيل ــ اي تبوّءوا الدار قبلهم مع الايمان اي مع كونهم مؤمنين والتقييد بهذه المعية لانه لا ينظر الى كونهم هناك قبل ايمانهم.

يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ... ثلاث جمل من الثناء البليغ للانصار وهي متدرجة في الثناء فالاول أنهم يحبون من هاجر اليهم. ومن المتعارف أن الانسان يظهر السرور بنزول الضيف عنده ولكنه يضيق به نفسا اذا طالت المدة وربما يتقبل الانسان هجرة اخيه او اقربائه ونزولهم عليه لمدة ولكنه يقبله على مضض وان كان لا يظهر ذلك. وهذا أمر طبيعي فالاستضافة طويلة الامد تثقل على الانسان حتى لو كان في غاية السخاء لانها تغيّر مجاري اموره وتسبب له مشاكل في برامجه الاعتيادية في الحياة. والقرآن يصرّح بأن الانصار كانوا يحبون من هاجر اليهم فلم يستضيفوهم على مضض واستثقال مع أنهم لم يكونوا لهم أقرباء ولا كانت بينهم معاهدة او معاشرة مسبقة ولكنها أواصر الايمان تتجلى في أنصع وجوهه.

وهذا مدح بليغ جدا وأبلغ منه الثناء الثاني وهو أنهم يزيدون على هذا الحب بأنهم لا يجدون في صدورهم حاجة ممّا اوتوا. والضمير في قوله (اوتوا) يعود الى المهاجرين والمراد أنهم لا يشعرون بحاجة الى ما آتاهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم من الغنائم وهذا أمر فوق عدم الاستياء من ذلك فيمكن أن الانسان لا يستاء من ترجيح صديقه في العطاء ولكنه يشعر بالحاجة الى ما حصل عليه الصديق ولكن هؤلاء لا يشعرون بحاجة الى ذلك ولعل الوجه فيه أنهم يعتبرون وصول الصديق الى ذلك بمنزلة وصولهم فلا تبقى الحاجة ولكنها لا تبقى في صدورهم وان بقيت في الواقع الخارجي فهم محتاجون فعلا ولكن نفوسهم راضية لوصول المهاجرين الى تلك الحاجة.

وأبلغ منه في المدح والثناء أنهم يؤثرونهم على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. والايثار: التقديم. والخصاصة في الاصل الفرجة والثلمة في الحائط ونحوه والمراد هنا الحاجة الشديدة كأن هناك ثلمة في حياته اي يقدمون المهاجرين على أنفسهم في مختلف شؤون الحياة مع شدة حاجتهم. وقد رويت في ذلك قصص وروايات طريفة.

وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ... الشحّ: المنع والبخل. واضافته الى النفس تدلّ على أن بعض النفوس جُبلت وطُبعت على ذلك وليست حالة طارئة وكذلك التعبير بالوقاية مبنيا للمجهول يدلّ على أنّ ذلك عناية ونعمة من الله تعالى على بعض عباده. والفلاح هو الفوز والنجاح كأن الانسان الجواد يفوز بشيء أثمن مما يدفع بينما الشحيح البخيل يخسره وهو يظنّ أنه ربح شيئا واحتفظ بماله فالمعنى أن الذي يحفظه الله من شحّ النفس هو الفائز دون البخيل فانه يخسر ولا يحظى بحب الناس وتعاطفهم معه والأهم من ذلك أنه لا ينال رضا ربه وثوابه وانما ينالهما الانسان الكريم اذا قصد بذلك التقرب اليه تعالى.

ويلاحظ أن ما ذكر هنا من الثناء على المهاجرين والانصار هو الصفة الغالبة فيهم ولا يدلّ على عدم وجود الاستثناء كما هو واضح فلا ينافي ما ورد في الروايات من وجود حزازة في قلوب بعض الانصار من التوزيع على فقراء المهاجرين. بل لا يبعد أن يكون المراد بذلك حثّهم على أن يكونوا كذلك وان كان هو في الواقع وصفا لبعضهم ولكن الغرض بيان أن المهاجر ينبغي أن يكون بهذه الصفة اي لا يبتغي بهجرته الا فضل الله ورضوانه ونصرة رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم فلا يتوقع اجرا دنيويا ولا يحزن ويهتم اذا لم يشمله توزيع للمال وكذلك الانصار ينبغي ان يكونوا بالاوصاف المذكورة فمن لم يكن كذلك او كان ضعيفا من هذه الجهة ينبغي ان يصلح نفسه. وهذا الامر واضح بالنسبة للآية التالية التي تخبر عن حال المؤمنين في المستقبل ولا يبعد بهذه القرينة ان يكون المراد بهاتين الآيتين ايضا ذلك.

وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ... عطف على قوله تعالى (والذين تبوءوا..) والمراد بالمجيء مجيئهم الى المدينة للاسلام والضمير في قوله (من بعدهم) يعود الى المهاجرين والانصار اي الذين هاجروا مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم والذين تلقوهم واستضافوهم من اهل المدينة فالمراد بالقسم الثالث كل من آمن بعد الهجرة سواء في عصر النبي صلى الله عليه واله وسلم او بعده وسواء من ولد منهم على الايمان ومن آمن من غيرهم الى يوم القيامة. ويصفهم بأنهم على طول التاريخ يجمعهم الايمان بالله ورسوله وهو كاف في بقاء التحابّ والتوادّ فهم يدعون بالغفران لمن آمن قبلهم ولا يختص ذلك بمن ذكر في الآيتين السابقتين بل كل من سبقهم من المؤمنين حتى من آمن بسائر الرسل كما أن العنوان المذكور في هذه الآية لا يختص بمن اطلق عليهم عنوان التابعين. فالمناط في التواصل المستمر في الاعصار والذي لا يقطعه فاصل الزمان وان بَعُد هو الايمان بالله ورسوله. وتوصيفهم بسبق الايمان ايضا للدلالة على أن ما يميز السابقين ليس هو السبق بالزمان او أنّهم من آبائنا واجدادنا بل ميزتهم السبق بالايمان فانه يؤثر في توارث الاجيال اللاحقة منهم.

وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا... الغلّ هو الضغينة والعداء لانه يتغلغل في الصدر والتغلغل التخلل في الشيء مع الثبات ولا يطلق على ما يتسبب فيه ثوران الغضب بل على الحقد الدفين الثابت. والغرض من الآية ــ كما اشرنا اليه ــ تعليم الاجيال الآتية من المؤمنين بأن يدعوا بهذا الدعاء وهو في الواقع حثّ لهم على ترك الضغائن والاحقاد في ما بينهم. والمراد بالحقد ما تستوجبه المصالح المادية فان المؤمن لا يحب ولا يبغض الا في ما يرضي الله تعالى فاذا كان هناك ما يستوجب المعاداة في الله تعالى فلا يشمله هذا الدعاء بل الامر بالعكس حتى لو كان الشخص مؤمنا في الظاهر فلا تدل الآية على وجوب موالاة المنافقين او الطغاة المتسلّطين الذين غصبوا حق العترة الطاهرة وأسّسوا أساس الظلم عليهم والذين قتلوا أئمة المسلمين وهدموا الكعبة المعظمة واستباحوا مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وعاثوا في الارض فسادا وتجاهروا بالفسق والفجور. هذا لو شملهم التعبير بالذين آمنوا وأما اذا كانوا من المنافقين وممن يبطنون الشرك كما ظهر ذلك على السنتهم في موارد كثيرة من حيث لا يشعرون فالامر اوضح.

رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ... التعليل بالرأفة والرحمة ان كان لطلب المغفرة فالسبب واضح اذ هي مقتضى رأفته تعالى بالعباد ورحمته الواسعة وان كان لطلب نفي الاغلال والاحقاد فالسبب أن ذلك ربما يصعب على كثير من الناس بصورة طبيعية لان الانسان بطبعه يحمل الحقد على من يعاديه وان كان ذلك في شأن مادي مع اتصافهما بالايمان وربما نجد الاحقاد والضغائن بين الاخوان والآباء والابناء من اجل المال وغيره من شؤون الدنيا.

وبما ذكرناه يتبين بطلان ما طفحت به كتب القوم في تفسير هذه الآيات من لزوم الاستغفار وعدم تناول الصحابة بالاساءة مهما كانوا ومهما أحدثوا وقد بالغوا في ذلك فمنهم من قال (ان قوله تعالى الذين سبقونا بالايمان يشمل الجميع مهما كانت افعالهم) وروى السيوطي في الدر المنثور عن الضحاك انه قال (امر الله بالاستغفار لهم مع علمه بما أحدثوا) وعن عائشة انها قالت (امرهم الله بالاستغفار للصحابة فسبّوهم) قال (وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر أنه سمع رجلا وهو يتناول بعض المهاجرين فقرأ عليه: للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين.. الآية ثمَّ قال: هؤلاء المهاجرون فمنهم انت؟ قال لا ثم قرأ عليه: وَالَّذين تبوءوا الدَّار والإِيمان.. الآية ثمّ قال: هؤلاء الانصار أفأنت منهم قال: لا ثمَّ قرأ عليه وَالَّذين جاءوا من بعدهمْ.. الآية ثمّ قال: أفمن هؤلاء انت؟ قال أرجو قال لا ليس من هؤلاء من يسبّ هؤلاء) وغير ذلك مما يطول ذكره.[10]

وأوضح ما يلاحظ على هذه الاقاويل أن الآية الثالثة لا تنظر الى خصوص من ذكر في الآيتين السابقتين كما مر بل كل من سبقوهم بالايمان كما أن المراد بمن جاء بعدهم ليس خصوص الجيل الاول كما اصطلحوا عليه وسموهم التابعين بل كل من كان قبلهم او جاء بعدهم من المؤمنين. والتسمية بالتابعين اخذت من قوله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ...)[11] وهذا العنوان ايضا لا يختص بالجيل الاول بل يشمل كل من يتبعهم باحسان وان تأخر بل يشمل ايضا كل من أسلم في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم ولم يكن من السابقين الاولين كما أن الدعاء برفع الغل عن القلوب الذي هو في الواقع دعوة الى تجنب حمل الاحقاد لا يختص بالصحابة بل عام للذين آمنوا في جميع الاعصار بل هو ألصق بالمتعاصرين لانهم اكثر مظنة للاحقاد الدنيوية وهي المقصودة كما اسلفنا.

وأما قول من قال ان عنوان (الذين سبقونا بالايمان) يشمل كل الصحابة اي الذين رأوا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وآمنوا به مهما كانت أعمالهم فهو كلام باطل يرفضه العقل السليم والايمان الصحيح فان من الاعمال ما يرفع الايمان ويناقضه ومن الاعمال ما يستوجب حبط كل الاعمال الصالحة مهما كانت جليلة ومقربة الى الله تعالى ومن الاعمال ما يستوجب استحقاق الانسان اللعن في الدنيا والآخرة والخلود في النار قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا)[12] وقال تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[13] فهل يعقل أن الآية تأمرنا بالاستغفار والتوادّ لمن لعنه الله في الدنيا والآخرة ومن هو مخلد في النار؟! والذي يدل على ذلك بوضوح ان هذه العناوين تشمل المنافقين وهم لم يكونوا معروفين جميعا بأعيانهم كما هو واضح بل الخطر الاكبر على الدين كان ممن لا يعرف منهم ويتستر على المؤمنين فانهم في الظاهر آمنوا بالله ورسوله وكانوا يشاركون سائر المسلمين في نشاطهم الديني ويحضرون جماعة الصلاة وميادين الجهاد بل منهم من قتل في الميدان ويشملهم ايضا عنوان الصحابة بل عبر عنهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم بذلك.

روى البخاري عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ فَسَمِعَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقَالَ فَعَلُوهَا أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ..).[14]

وأما من قال بأن الله تعالى أمرهم بالاستغفار فسبّوهم ونحو ذلك فالجواب أن الصحابة بانفسهم ايضا كانوا يتسابّون بل يتقاتلون ومنهم من قتل بعض الصحابة ومن أمر بسبّ سيد الصحابة وسيّد اهل البيت عليهم السلام وامتثلت الامة الفاسقة أمره سنين فهل كل هؤلاء معنيّون بهذه الآية؟! وعائشة بنفسها أمرت بقتل عثمان وسمته نعثلا وهو يهودي بل صرحت بكفره[15] وقاتلت أمير المؤمنين عليه السلام وهو امام يعترف بامامته المهاجرون والانصار. وخالد بن الوليد بعثه ابوبكر لقتال مالك بن نويرة وهو صحابي فقتله بعد ان اقتدى به هو واصحابه في الصلاة وبنى بزوجته في نفس الليلة لانها اعجبته ولما رجع وتهجم عليه عمر لفعلته الشنيعة نهره ابوبكر وسماه سيف الله المسلول!! [16] أهكذا يربّي الاسلام ويريد أن تتربّى عليه الاجيال؟! وهل يأمر الله تعالى بالاستغفار للقتلة والزناة؟!

وروى البخاري عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال في حديث (أَلَا وَإِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُصَيْحَابِي فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ "وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" فَيُقَالُ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ).[17]

والاصيحاب تصغير الاصحاب ولا يقال ذلك الا لخاصتهم والاقربين منهم نظير ما تقوله العرب اذا خاطب احدهم ابنه او اخاه العزيز عليه فيقول بنيّ واخيّ بالتصغير.

وروى عن ابي هريرة انه صلى الله عليه وآله وسلّم قال (بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ فَقَالَ هَلُمَّ فَقُلْتُ أَيْنَ قَالَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ قُلْتُ وَمَا شَأْنُهُمْ قَالَ إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى ثُمَّ إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ فَقَالَ هَلُمَّ قُلْتُ أَيْنَ قَالَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ قُلْتُ مَا شَأْنُهُمْ قَالَ إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى فَلَا أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ)[18]

والظاهر ان همل النعم ما يهمله الراعي حينما يجمع ابله للرجوع فانه لا يتمكن عادة من جمعهم باجمعهم فيترك اعدادا يسيرة اربعة او خمسة ليواصلوا السير بعده فيا ترى هل هذا هو المقصود بالحديث فيوافق ما روي في كتبنا من أنهم ارتدوا فلم يبق الا قليل؟! ولا يقصد به الارتداد الى الكفر كما هو واضح بل ترك ما تعهدوا به من نصرة الحق. وقال العيني في عمدة القاري (هو ما يترك مهملاً لا يتعهد ولا يرعى حتى يضيع ويهلك أي: لا يخلص منهم من النار إلاَّ قليل وهذا يشعر بأنهم صنفان: كفار وعصاة). وقال ابن الاثير في النهاية (الهمل: ضوال الإبل واحدها هامل أي إن الناجي منهم قليل في قلة النعم الضالة).

وروى مسلم عن انس بن مالك انه صلى الله عليه وآله وسلّم قال (لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ الْحَوْضَ رِجَالٌ مِمَّنْ صَاحَبَنِي حَتَّى إِذَا رَأَيْتُهُمْ وَرُفِعُوا إِلَيَّ اخْتُلِجُوا دُونِي فَلَأَقُولَنَّ أَيْ رَبِّ أُصَيْحَابِي أُصَيْحَابِي فَلَيُقَالَنَّ لِي إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ).[19]

وفي التعبير عنهم بمن صاحبني مزيد عناية فيدل على انهم ليسوا ممن رأوه صلى الله عليه وآله وسلّم وآمنوا به فحسب بل صاحبوه. والاحاديث في هذا الموضوع والشواهد عليه عن طرق القوم وفي صحاحهم كثيرة جدا.

 


[1] الانفال: 41

[2] تهذيب الاحكام ج4 ص134 باب الانفال

[3] البيان ص 380

[4] حاول السيد الخوئي قدس سره على ما في التقريرات في كتاب الصوم في مسالة صحة الصوم من المسافر بعد الزوال تصحيح هذا السند بلحاظ ان النجاشي له سند صحيح الى ابن فضال ويروي كتبه عن احمد بن عبدون كما ان الشيخ ايضا يرويها عنه فاذا كان لاحمد بن عبدون طريق صحيح غير ما ذكره الشيخ كفى لوحدة الكتاب ووحدة شيخهما ولكن الوارد في رجال النجاشي عن ابن عبدون نفس الطريق وانما يروي بسند اخر عن محمد بن جعفر في اخرين عن احمد بن محمد بن سعيد بكتبه وهذا غير طريق احمد بن عبدون مع ان محمد بن جعفر لم تثبت وثاقته الا عن طريق كونه من مشايخ النجاشي وهو لا يثبت الوثاقة ولكنه قدس سره يعتمد عليه.

[5] الشورى: 23

[6] المجادلة 4

[7] النساء: 65

[8] النساء: 59

[9] الكافي ج1 ص266 باب التفويض الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم

[10] راجع الدر المنثور في تفسير هذه الآية

[11] التوبة: 100

[12] الاحزاب: 57

[13] النساء: 93

[14] صحيح البخاري ج15 ص191 على ما في المكتبة الشاملة

[15] ورد ذلك في مصادر كثيرة منها تاريخ الطبري ج4 ص459 على ما في المكتبة الشاملة (إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا انْتَهَتْ إِلَى سَرِفَ رَاجِعَةً فِي طَرِيقِهَا الى مكة لقيها عبد بن أُمِّ كِلابٍ - وَهُوَ عَبْدُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ يُنْسَبُ إِلَى أُمِّهِ - فَقَالَتْ لَهُ: مَهْيَمْ؟ قَالَ: قَتَلُوا عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَمَكَثُوا ثَمَانِيًا قَالَتْ: ثُمَّ صَنَعُوا مَاذَا؟ قَالَ: أَخَذَهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِالاجْتِمَاعِ فَجَازَتْ بِهِمُ الأُمُورُ إِلَى خَيْرِ مُجَازٍ اجْتَمَعُوا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَيْتَ أَنَّ هَذِهِ انْطَبَقَتْ عَلَى هَذِهِ إِنْ تَمَّ الأَمْرُ لِصَاحِبِكَ! رُدُّونِي رُدُّونِي، فَانْصَرَفَتْ إِلَى مَكَّةَ وَهِيَ تَقُولُ: قُتِلَ وَاللَّهِ عُثْمَانُ مَظْلُومًا، وَاللَّهِ لأَطْلُبَنَّ بِدَمِهِ، فَقَالَ لَهَا ابْنُ أُمِّ كِلابٍ: ولم؟ فو الله إِنَّ أَوَّلُ مَنْ أَمَالَ حَرْفَهُ لأَنْتِ! وَلَقَدْ كُنْتِ تَقُولِينَ: اقْتُلُوا نَعْثَلا فَقَدْ كَفَرَ، قَالَتْ: إِنَّهُمُ اسْتَتَابُوهُ ثُمَّ قَتَلُوهُ، وَقَدْ قُلْتُ وَقَالُوا، وَقَوْلِي الأَخِيرُ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِي الأَوَّل.

[16] القصة منقولة في كثير من كتب التاريخ والتراجم. قال ابن ابي الحديد (لما قتل خالد مالك بن نويرة ونكح امرأته كان في عسكره أبو قتادة الأنصاري فركب فرسه والتحق بأبي بكر وحلف ألا يسير في جيش تحت لواء خالد أبدا فقصّ على أبى بكر القصة فقال أبو بكر: لقد فتنت الغنائم العرب وترك خالد ما أمرته فقال عمر: إن عليك أن تقيده بمالك، فسكت أبو بكر وقدم خالد فدخل المسجد وعليه ثياب قد صدئت من الحديد وفي عمامته ثلاثة أسهم فلما رآه عمر قال: أرياءاً يا عدو الله! عدوت على رجل من المسلمين فقتلته ونكحت امرأته أما والله إن أمكنني الله منك لأرجمنك ثم تناول الأسهم من عمامته فكسرها وخالد ساكت لا يردّ عليه ظنا أن ذلك عن أمر أبي بكر ورأيه فلما دخل إلى أبي بكر وحدثه صدقه فيما حكاه وقبل عذره فكان عمر يحرض أبا بكر على خالد ويشير عليه أن يقتص منه بدم مالك فقال أبو بكر: إيها يا عمر! ما هو بأول من أخطأ فارفع لسانك عنه ثم ودى مالكا من بيت مال المسلمين). شرح نهج البلاغة ج1 ص173 طرف من اخبار عمر بن الخطاب

وقال ابن حبان في الثقات ج2 ص170 في حكاية كلام عمر لخالد (أقتلت امرأ مسلما مالك بن نويرة ثم تزوجت امرأته والله لنرجمنك بأحجارك) راجع ايضا تاريخ ابن عساكر ج16 ص256 واسد الغابة ج4 ص 295 والاصابة لابن حجر ج2 ص218 وج5 ص560 وغيرها

[17] صحيح البخاري ج14 ص153 باب وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم/ على ما في المكتبة الشاملة

[18] صحيح البخاري ج20 ص250 باب الحوض

[19] صحيح مسلم ج11 ص426 باب اثبات حوض نبينا ص