مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

سورة الكوثر اختلف في كونها مدنية او مكية وستاتي بعض الكلام في ذلك ان شاء الله وهي اصغر سور القرآن حجما وموضوعها تسلية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مما شنأه به الاعداء.

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ...  

الكوثر مبالغة في الكثرة وليس معناه الخير الكثير كما قالوا وانما يعلم ذلك بقرينة المقام والا فهو لفظ يطلق حتى على الغبار الكثير ولكن بقرينة الإعطاء والمنة على النبي صلى الله عليه واله وسلم يعلم ان المراد به الخير الكثير.

أما تفسيره بالنهر اوالحوض في الجنة او بالدين والقرآن والذرية وغير ذلك مما عدّوه من معاني الكلمة وبلغ كما يقال ستة وعشرين معنى فكلها خارجة عن معناها وانما هي مصاديق للخير الكثير وقد اعطاها الله تعالى لنبيه صلى الله عليه واله وسلم بأجمعها واكثر منها فلا يمكن ان تعدّ نعماؤه جل وعلا وخصوصا ما أنعم به على نبيه صلى الله عليه واله وسلم وقد قال تعالى (إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا).[1]

ولكن مناسبة المقام تقتضي ان يكون الاهتمام بشيء واحد من ذلك وهو كثرة الذرية بقرينة قوله تعالى (ان شانئك هو الابتر) مما يدل على ان بعض الاعداء عيّره صلى الله عليه واله وسلم بذلك بعد موت اولاده الذكور وكانوا يعتبرون الذرية من الابناء لا من البنات فاخبره الله تعالى بهذه الاية ان ذريته ستزداد وتملا الارض وتحقق ما بشره الله به.

وهذا من الاخبار الغيبية التي وردت في القرآن قال العلامة الطباطبائي قدس سره (ان كثرة ذريته صلى الله عليه واله وسلم هي المرادة وحدها بالكوثر الذي أعطيه النبي صلى الله عليه واله وسلم أو المراد بها الخير الكثير وكثرة الذرية مرادة في ضمن الخير الكثير ولولا ذلك لكان تحقيق الكلام بقوله: «إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» خاليا عن الفائدة).

ونعم ما قال اذ لا يوجد وجه للاشارة الى هذا الشانئ لولا ذلك.

ولكن يبقى انه ما هو المراد بالكوثر بناءا على هذا الوجه فالذرية انما كثرت بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وباعتبار ما صرح به هو نفسه من ان ذريته من صلب علي عليه السلام.

ولعل هذا قرينة على ان المراد به السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها وان السورة نزلت بعد ولادتها ليصح الاخبار بفعل الماضي.

ولكن لا يدل بوضوح على كونها مكية او مدنية الا ان ما دل على ان الشانئ هو العاص بن الوائل بضميمة ان المناسب ان تكون البشارة او التسلية بعد التعيير مباشرة يقتضي ان تكون مكية.

فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ...

الامر بالصلاة للرب وخصوصا مع الاضافة الى ضمير الخطاب انما هو للشكر على نعمائه وقد اتم نعمته على رسوله صلى الله عليه واله وسلم.

وظاهر الامر بالنحر نحر الابل حيث كانت احسن ما يتصدق به على الفقراء والله تعالى دائما او غالبا يقرن بين الصلاة والزكاة وكأنه لا تتم الصلاة الا بها ومن هنا يتبين اهمية القاعدة الاجتماعية في الدين والحث على التعاون ورفع الفقر عن الناس.

وقيل المراد بها استقبال القبلة بالنحر في الصلاة وقيل رفع اليدين الى النحر للتكبير ولا اجد موجبا لهذه التاويلات وان وردت في بعض الروايات التي غالبا ما تحكي اقوال المأولين وتنسبها الى المعصومين عليهم السلام.

وقد ورد في الكافي الشريف رواية مرسلة في ذلك رواها الكليني بسنده عن حريز عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام قال (قلت له فصل لربك وانحر؟ قال: النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ونحره..).[2]

إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ... الشانئ المبغض. والشنآن: البغض قال تعالى (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[3]  

والبتر: القطع قال في معجم المقاييس (ويقال للرجل الذي لا عقب له ابتر وكل من انقطع من الخير اثره فهو ابتر والابتر من الدواب ما لا ذنب له).

والضمير يدل على الحصر اي ان شانئك هو الابتر فحسب وبالطبع فان الحصر اضافي اي انه الابتر من بينكما في مقابل تعيير النبي صلى الله عليه واله وسلم بذلك.

ويتبين من الآية بوضوح ان هناك من المبغضين للرسول الحبيب صلى الله عليه واله وسلم من عيّره بانه لا عقب له وانه ابتر. ويقال هو العاصي بن الوائل ابو عمرو.

ولكن جهاز الوضع لم يعجبه ذلك فاختلقوا روايات لاثبات ان السورة مدنية والعاص لم يكن آنذاك وروايات تنسب القول الى ابي جهل والوليد بن المغيرة.

وقال بعضهم في مقام الدفاع ان العاص لم يكن ابتر بل كانت له ذرية.

ومن الواضح أن المراد بالآية ليس هو تعييره بنفس ما عيّر به النبي صلى الله عليه واله وسلم بل بمعنى انه لا خير له. واكثر ما ورد من الروايات تشير اليه وفي حديث محاجّة الامام الحسن السبط سلام الله عليه مع عمرو بن العاص تصريح بأنه هو المقصود من الآية.[4] والله العالم.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد واله الطاهرين

 


[1] الاسراء: 87

[2] الكافي ج 3 ص 37 باب القيام والقعود في الصلاة

[3] المائدة : 8

[4] الاحتجاج ج 1 ص 411