سورة المسد مكية كما هو واضح من مضمونها وهو ذمّ ابي لهب عمّ النبيّ صلى الله عليه واله وسلم والدعاء عليه وعلى زوجته.
وربما يستغرب تصريح القرآن باسم شخص لذمه والدعاء عليه وخصوصا ذكر امرأته ويظهر من ذلك شدة عداء الرجل وامرأته للرسول صلى الله عليه واله وسلم وكثرة ايذائهما له كما ورد في الروايات.
قال في مجمع البيان في شان نزولها (صعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ذات يوم الصفا فقال يا صباحاه فأقبلت إليه قريش فقالوا له ما لك فقال أرأيتم لو أخبرتكم أنّ العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقوني قالوا بلى قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبّا لك لهذا دعوتنا جميعا فأنزل الله هذه السورة).
وفيه ايضا (قال طارق المحاربي: بينا أنا بسوق ذي المجاز إذا أنا بشابّ يقول أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وإذا برجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول يا أيها الناس إنه كذاب فلا تصدقوه فقلت من هذا فقالوا هو محمد يزعم أنه نبي وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب) والعرقوب: العصب الغليظ في آخر الساق.
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ...
التباب: الخسران قال تعالى (وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ)[1] اي تخسير. وتبّت يداه اي خسرت يداه فلا يحصل على ما يريد.
وهذا دعاء عليه من الله تعالى والدعاء منه ليس الا ايجادا لما يريد ولذلك عقبه بانه أمر محقق فقال (وتبّ) اي هو فعلا قد خسر.
ولا فرق بين اسناد الخسران الى الانسان نفسه او الى يديه لان الخسران له في الواقع. وانما دعي عليه بالتباب جزاءا لقوله للرسول صلى الله عليه واله وسلم تبّا لك.
وابولهب اسمه على ما قيل عبد العزى وكني بذلك لحمرة وجهه.
ولعلك تقول لماذا سماه ابوه عبد العزى مع انه عليه السلام ما كان يعبد الصنم بل كان على ملة ابراهيم عليه السلام ويقال ايضا انه سمى اباطالب عبد مناف وهو ايضا اسم لصنم.
والظاهر ان هذه الاسماء كانت متداولة وخرجت عن معناها الاصلي فما كان يقصد بها تلك المعاني كما انهم كانوا يسمون باسامي قبيحة كمعاوية وانما هو من العواء ويقال للكلبة التي تستعوي الكلاب معاوية.
مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ...
يقال انه كان يملك اموالا كثيرة وكان يظن كغيره من أثرياء الكفار انها ستنفعه يوم القيامة ويقال انه كان يقول لو صح ما اخبر عن يوم القيامة فاني سافدي نفسي بمالي ولذلك ردّ عليه بان المال لا يغني يوم القيامة شيئا. و(ما كسب) ايضا من المال. ولعل المراد بالاول ما ورثه وبالثاني ما اكتسبه بيده.
سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ...
وهذا اخبار غيبي عن انه لن يؤمن وسيصلى النار.
وليس معنى ذلك انه مجبر على الكفر كما ربما يتوهم فان اخبار الله تعالى عن ما سيحدث لا يجبر الانسان وانما يخبر عن انه سوف لا يؤمن باختياره.
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ...
اي زوجته وهي العوراء بنت حرب اخت ابي سفيان.
اي وستصلى النار ايضا امراته حال كونها حمالة الحطب في النار لانها كانت تحمل الحطب وتلقيه في طريق النبي صلى الله عليه واله وسلم لايذائه فتعاقب بحمل الحطب في النار ايضا.
وقيل هذا ذم ونصب (حمالة) على الذمّ اي اذمّ حمالة الحطب.
وقيل يقصد بالوصف كونها نمّامة وهذا من الكنايات المعروفة.
فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ... المسد: ليف خشن. والجيد: الرقبة.
والظاهر انه ايضا بيان حالها في النار لان ما هناك يحكي عما فعله الانسان ولعل الوجه انها كانت تحمل الحطب معتمدة على جعل حبل في عنقها فالله تعالى يجازيها بمثل ذلك كما دعا على زوجها بالتباب لقوله تبا لك. والله العالم.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد واله الطاهرين ولعنة الله اعدائهم اجمعين
[1] هود : 101