مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

ألم نجعل الارض مهادا... استفهام انكاري لابطال مدخوله وهو نفي الجعل اي قد جعلنا الارض مهادا والقصد منه تذكير الانسان بهذه النعم التي خصه الله تعالى بها وكأنّ الكون كله مسخّر له كما قال تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ..)[1] فالارض مهاده والجبال اوتاده والليل والنهار لراحته ونشاطه والسماوات ايضا في خدمته والشمس والسحاب والرياح تعمل لصالحه!!

لماذا كل هذا الاكرام؟! وهل يستحقه الانسان؟! يجب أن يتنبّه بأنّه لا يمكن ان يكون كل ذلك لعبا ولهوا ومن دون هدف وحكمة فلا بد له من الاهتمام بما يطلب منه في حياته وتنعمه على هذا الكوكب.

 وهناك اختلاف في كتب اللغة في معنى المهد ففي كتاب العين انه (موضع نوم الصبي والمهاد اسم اجمع منه فيشمل الارض التي جعلها الله مهادا للعباد) ولكن يظهر من بعضهم[2] أن المهد والمهاد بمعنى واحد وأنه بمعنى كل ما يهيّأ لامر وأن المهاد: الوطاء من كل شيء.

ومهما كان فالمراد واضح وهو أن الله تعالى جعل الارض موضعا لراحة الانسان واستقراره.

وفي ذلك إشارة الى كل ما جعل في الارض من وسائل الراحة للانسان فسطح الارض ممهّد لحركته وسيره من مكان الى مكان لا تعوقه الارتفاعات والاخاديد.

والتراب والرمل على سطحها يساعد على المشي والنوم والجلوس ونحو ذلك فهو بذاته فراش للانسان كما قال تعالى (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا..)[3]

وجعل عليها البحار والانهار والجبال والهواء وفي جوفها المعادن وخلق فيها كل ما تتوقف عليه الحياة مما يطول ذكره كل ذلك يدخل في التعبير بكونها مهادا اي مهيّأة لراحته.

ولم يعبر بخلق الارض مهادا لانها في أصل الخلق ليست مهادا بل هي كوكب كسائر الكواكب في المجموعة الشمسية ولكن الله تعالى هيّأها وجعل لها مرافق تناسب حياة الانسان من جميع الجهات فلذلك كان اتصافها بكونها مهادا امرا زائدا على اصل الخلقة.

والجبال أوتادا... عطف على (الارض مهادا) اي الم نجعل الجبال أوتادا.

والوتد بكسر التاء المسمار وهو ما يُثبت في الحائط والارض ونحوهما من خشب او حديد او غيرهما ومنه اوتاد الخيمة.

والظاهر أن وجه توصيف الجبال بالاوتاد هو ما ورد في آيات اخرى من أنها تحفظ الكرة الارضية من الميدان قال تعالى (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ..)[4] اي مخافة ان تميد بكم او لئلا تميد بكم. والمَيَدان هو الانحراف. ولعل المراد انحراف الارض عن مسارها الطبيعي.

ويدل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام (ووتّد بالصخور مَيَدان أرضه..).[5]

وهل هناك ارتباط بين وجود الجبال على سطح الارض وعدم انحرافها عن مدارها؟

لم يثبت ذلك علميا ولكنه محتمل وليس هناك ما يمنعه ولعله يظهر مستقبلا في ما يكتشفه العلم فان له طريقا طويلا وشاقّا لمعرفة الحقائق والكشف عنها وكلما زاد الانسان علما في اي مجال اعترف بان مجهولاته اكثر بكثير من معلوماته بل ان المجهولات لا تحصى ولا تحصر فان حقائق الكون اكثر من ان تحصى والانسان محدود محصور.

قال تعالى (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا).[6] ومن لا يعترف من البشر بقلة علمه فهو دليل واضح على غاية جهله بالحقائق.

ويمكن ان يكون المراد بكون الجبال اوتادا تمنع الارض من الميدان والانحراف منعها من حدوث بعض الاضطرابات والزلازل وحركة سطح الارض فانا نجد ان هذه القشرة التي نسكنها ونعتمد عليها تتغير وتتحرك ولعل الثبات النسبي الموجود الذي نحتاج اليه في حياتنا على هذا الكوكب يستند الى وجود الجبال الرواسي وقال بعض المفسرين ان هناك من النظريات العلمية ما يؤيد ذلك. والله العالم.

وعطف الجبال على الارض يفيد أن جعلها أوتادا مغاير لاصل الخلقة كما مر في جعل الارض مهادا ولعل الوجه في ذلك أن الجبال جزء من الارض وليست منفصلة عنها وانما دبّر الله تعالى عوامل لنشأتها بصورة طبيعية لتكون أوتادا للارض او لقشرتها السطحية.

وخلقناكم أزواجا... عطف على المضارع المنفي والوارد عليه الاستفهام الانكاري فكأنه قال (أوما خلقناكم أزواجا) اي وقد خلقناكم أزواجا وانتم تعلمون ذلك وتشعرون به فيفيد نوعا من التقرير ولذلك سماه بعضهم الانكار التقريري.

وعبّر هنا بالخلق لأنهم في أصل الخلقة أزواج وقد يعبر عنه بالجعل ايضا كقوله تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا..)[7] ويراد به هنا الجعل البسيط وهو الخلق لانه ورد في سياق مناشئ الخلق.

والزوج ما يقرن بالشيء اذا كان مثله، كفردي الخف والنعال والباب ونحوها فالازواج والزوجان كل مثلين متقارنين، والزوج والزوجان بمعنى واحد ومنه الزوجان بالمعنى المعروف.

والمراد هنا انه تعالى خلق الانسان ذكرا وانثى وانما عبّر عن ذلك بالازواج لما يؤول اليه امرهم عادة من الزواج والاقتران، كما قال تعالى: (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى)[8] وأما مجرد الانقسام الى صنفين لا يحقق معنى الزوجية.

وقيل: ان الزوج بمعنى الصنف. ولكن لم نجد له اصلا في اللغة.

وجعلنا نومكم سباتا... السبات مصدر كالسبت وهو يستعمل في عدة معان واختلف في اصل معناه أنه الراحة او الانقطاع وكلاهما يصح في هذا المقام فالنوم من أعظم النعم على الانسان لانه يستريح به بعد ما أعياه النشاط الجسمي والفكري وأعيته الهموم والمشاكل التي لا تخلو منها الحياة ليعود بعد راحة تامة لكل اعضائه ولروحه ونفسه وبعد تجدد قواه نشيطا متيقظا مبدعا ولولا النوم لم يمكن للانسان أن يستمر في نشاطه وعطائه.

وان كان بمعنى الانقطاع فالمراد انقطاع الحركة والنشاط بالنوم فتحصل الراحة ومن هذا الباب تسمية يوم من الاسبوع بالسبت لأن اليهود كانوا يعتقدون أن الله تعالى خلق السماوات والارض في ستة أيام واستراح يوم السبت ولم يعقلوا أن الايام لم توجد بعد فانها وليدة دوران الارض وتبعهم المسلمون في كتبهم وصنعوا على هذا الاساس أحاديث بل قالوا إن اهل العلم اتفقوا على ذلك!!! وكأنه أمر شرعي يستدل عليه بالاجماع!

وهذه مما يدعى بالاسرائيليات التي انتشرت بين المسلمين عن طريق بعض اليهود الذين أسلموا ظاهرا وهم لم ينسبوها الى الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم وانما نشروها كمعلومات مستوحاة من التوراة التي بأيديهم ولكن الرواة تلقوها كأحاديث باعتبارهم صحابة.

والقرآن يردّ على دعوى اليهود قال تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ).[9] واللغوب: التعب. فالله تعالى لا يتعب من شيء ولا يؤثر عليه شيء ولا يحتاج الى راحة.

وجعلنا الليل لباسا... الاصل في اللبس الستر ومنه اللباس وهو ما يواري الجسم ويقال التبس عليه الامر اذا كان عليه ستر يمنعه من الوصول الى حقيقته.

والله تعالى بتدبيره وحكمته جعل الكرة الارضية بحيث تتحقق في دورانها حول نفسها ظاهرتا الليل والنهار وهما يتعاقبان على سطح الكوكب بانتظام مما يسهل على الانسان نومه وسباته بسبب الظلام المخيم على وجه الارض في الليل والذي يستر الاشياء فلا يتمكن الانسان من العمل الذي اعتاده نهارا بسهولة ويضطر الى اللجوء الى خبائه وفراشه لينام ويستريح.

مضافا الى أن الليل يستر الانسان فيمكنه الاختباء به اذا احتاج اليه سواء كان لحق او لباطل فكما يستخدمه المجاهد في سبيل الله سترا ليهجم على أعدائه يستخدمه أعداء الله تعالى وأعداء الانسانية والمفسدون في الارض كما يستخدمه الانسان في حاجات اخرى يحتاج فيها الى الاختفاء او الى الاستظلال ولذلك يستحب الانسان في الصيف السفر ليلا خصوصا في الازمنة السابقة.

والحاصل أن لظلام الليل فوائد كثيرة تعود على الانسان في حياته. وهناك مناطق على وجه الارض ليس لهم ليل في فصل الصيف او ليلهم قصير للغاية كما أن ليلهم طويل في الشتاء ولا ينبغي للانسان العاقل ان يتخذ هذه البلدان مكانا للمعيشة.

وجعلنا النهار معاشا... المعاش مصدر ميمي من العيش. والعيش هو الحياة الخاصة بالانسان والحيوان ولا يطلق على حياة الباري جلّ وعلا ولا حياة الملائكة كما في المفردات. وقال العسكري في الفروق (ان العيش اسم لما هو سبب الحياة من الاكل والشرب وما بسبيل ذلك).

والتعبير عن النهار بالعيش باعتبار التحرك فيه والنشاط بصورة طبيعية في مقابل الليل وظلامه حيث يدعو الانسان الى الراحة والدعة فتوصيف النهار بالمعاش باعتبار انه سبب لتحصيل ما يتعيش به او باعتبار انه ظرف له.

وقد منّ الله تعالى على الانسان بهذه النعمة في عدة موارد من الكتاب العزيز منها قوله تعالى (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).[10]

وبنينا فوقكم سبعا شدادا... السبع صفة للسماوات المقدرة اي بنينا سبع سماوات. والبناء معروف وليس فيه معنى الفوقية كما ادعي بل قد يكون البناء تحت الارض فهو يتحقق بضم أجزاء متناسبة بعضها الى بعض ليتكون منها مركب فقد يكون جسما محسوسا وقد يكون امرا معنويا.

وكون السماوات فوقنا هو ما نشاهده اينما كنا على سطح هذا الكوكب وان كنا في الواقع على جزء من هذه المجموعة.

ويتبين من التعبير أن المراد بها الاجرام الفلكية ولا يأتي فيها احتمال إرادة السماء بمعنى عالم ما وراء الطبيعة وان اطلق اللفظ عليه في القرآن الكريم كما يطلق على كل ما فوقنا حتى مواضع السحب والسحب نفسها ولكن المراد هنا واضح وهو الاجرام الفلكية التي نشاهدها فوقنا.

وذلك لانه هو الامر الذي يشعر به المخاطبون ويصح فيه الاستفهام الانكاري السابق في قوله تعالى (الم نجعل الارض مهادا) ولا ينافي ذلك انهم لا يعلمون انها سبع فهذا لا مدخلية له في كونها نعمة كما انهم لا يعلمون معنى كون الجبال اوتادا.

وقد مر الكلام في تحديد السبع في تفسير قوله تعالى (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ..)[11] وقلنا إن الظاهر من التحديد بالسبع في هذه الآية هو التحديد الواقعي. والدليل عليه أنه اعتبر ذلك قضاءا وفصلا، مضافا الى التأكيد على أنها سبعة في مواضع متعدّدة من القرآن ممّا يدلّ على العناية بهذا العدد. ومع ذلك يحتمل ارادة الكثرة من السبع كما قيل.

ولعل وجه تحديد الأجرام الفلكية بالسبع تقسيم كل هذه المجرات الى سبع طبقات ولا نعلم حتى الآن وجه هذا التقسيم ولعلّ الانسان يصل في المستقبل الى السرّ في ذلك، فيجد مثلا أنّ هذه المجرات وما تحتوي عليها من أجرام تنقسم الى سبع طبقات مختلفة.  

وأما تأويل السبع بالمجموعة الشمسية كما قيل فلا وجه له لا واقعا ولا ظاهرا اما الواقع فواضح اذ لا خصوصية لهذه المجموعة في هذا الكون العظيم واما ظاهرا فلان البشر خصوصا في زمان نزول القرآن لا يفرقون بينها وبين سائر النجوم والكواكب الا بلحاظ كونها سيارات.

مضافا الى ما ورد من توصيف السماوات بالسبع في القران وانه اعتبر الشمس والقمر من اجزاء السماوات كما قال تعالى (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا).[12]   

وأغرب من ذلك قول بعضهم ان المراد طبقات الجو المحيطة بالارض فهي ليست سبعا وليست شدادا بالمعنى الذي يعرفه الناس.

والشداد جمع شديد من الشدة وهي الصلابة والقوة فالاجرام الفلكية قوية الصنع لا يهدم كيانها شيء الى ان يأتي يوم هدمها وإزالتها. وهذا أمر يدركه الانسان بالنظر الى الكون من دون أن يراجع الكتب العلمية والله تعالى لا يذكر في كتابه من الآيات الا ما يعلمه عامة الناس فهم المخاطبون بالاساس.

وتوصيفها بأنها فوقكم ربما يستنبط منه وجود علاقة بيننا وبين هذه الاجرام. وهذه العلاقة وان لم تكن واضحة بكل جوانبها للجميع الا أن الانسان البسيط يشعر ايضا بالارتباط ويعلم أن كوكبنا جزء من هذه المجموعة او يشعر على الاقل بأن الشمس التي تنير أرضنا وتؤثر في كل جوانب الحياة عليها والقمر الذي ينير ليلنا ويحدد تاريخنا بالاشهر الهلالية من هذه المجموعة وان البشر يستفيد قديما وحديثا من النجوم والكواكب في معرفة الجهات والطرق كما قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ..).[13]

وهناك عقائد خرافية في البشر حول النجوم وتأثيرها في حياة الانسان فكان منهم ــ ولعلهم ما زالوا ــ من يعبد النجوم كما يظهر من محاولة سيدنا ابراهيم عليه السلام دفع الشبهة عنهم وكان من المعتقدات أن النجوم تؤثر في كثير من حوادث الارض وكان العرب يعتقدون أن المطر من تأثير النجوم فكانوا يقولون اُمطرنا بنوء كذا.

قال في العين (إذا سقط نجم بالغداة فغاب مع طلوع الفجر وطلع في حياله نجم في تلك الساعة على رأس أربعة عشر منزلا من منازل القمر سمي بذلك السقوط والطلوع نوء من أنواء المطر والحر والبرد وذلك من قولك: نَاءَ يَنُوءُ والشي‏ء إذا مال إلى السقوط تقول: نَاءَ يَنُوءُ..). وهناك حتى الآن من يعتقد بتأثير الابراج وكون الولادة في اي منها في مستقبل الانسان وفي سعادته وشقائه بل وفي نفسياته.  

وجعلنا سراجا وهّاجا... السراج: المصباح. وفي معجم المقاييس ان الاصل فيه الحسن والزينة ولكن لا يبعد أن يكون العكس هو الصحيح والمراد به هنا الشمس والظاهر من عطف الجملة أن التقدير وجعلنا فوقكم سراجا وهاجا.

والوهج حصول الضوء والحر من النار ونحوها. والصيغة للمبالغة فالشمس تبعث الينا بالنور والحرارة بقوة وشدة ولولاهما ما بقي على هذا الكوكب اثر من الحياة مضافا الى أنها السبب في ما يأتي ذكره في الآية التالية من نزول المطر الذي به يعيش الانسان والحيوان والنبات.

وأنزلنا من المعصرات ماء ثجّاجا... المعصرات من العصر وهو الضغط على الشيء ليخرج منه ما فيه كعصر الفواكه والمراد بها السحب الممطرة وهذا من باب التشبيه كأن السحاب يعصر نفسه فيخرج منه المطر.

ويمكن ان يكون الاعصار بمعنى انها بلغت زمان عصرها يقال أحصد الزرع اذا حان وقت حصاده فمعنى المعصرات اي السحب التي حان وقت عصرها ليخرج منها المطر.

ومهما كان فهو من باب التشبيه فان السحاب لا يحمل المطر بهذا النحو.

وقيل ان الاعصار بمعنى النجاة وأن السحب تسمى المعصرات لانها تنجي الناس من الجدب.

وقيل ان المراد بها الرياح التي تعصر السحب اي تخرج منها المطر.

وقيل ان المراد السحب التي تبعث بالاعاصير.

والثجّاج: شديد الانصباب يقال ثجّ الماء اي سال بغزارة.

وقد تكرر الامتنان بانزال المطر في القرآن بكثرة لانه من أعظم النعم التي لا يمكن البقاء على هذا الكوكب بدونها ولأن ذكره مقدمة لذكر الانبات بما يعيش به الانسان والحيوان وبه تحيا الارض بعد موتها وينتقل في آيات متعددة من التنبيه على ذلك الى إحياء الانسان بعد موته كقوله تعالى (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ).[14]

لنخرج به حبا ونباتا * وجنات ألفافا... الحبّ كما في المفردات يطلق على الحنطة والشعير وغيرهما من المطعومات.

والنبات وان كان عاما في اصل اللغة ويشمل كل ما ينبت من الارض بزرع او بنفسه ولكن العامة تطلقه على ما لا ياكله الانسان من حشيش الارض وحيث اجتمع مع الحب فهو المراد على الظاهر.

وجنات جمع جنة وهي البستان الذي يكثر فيه الشجر بحيث تستر الارض فلا ترى الشمس فيه، من جنّ بمعنى ستر. والمراد هنا نفس الاشجار التي تتكون منها الجنة لانها هي التي توصف بأنها الفاف.

والألفاف جمع لِفّ على ما في الصحاح. ولكن الزمخشري قال انه جمع لا مفرد له. اي الجنة التي التفت اشجارها بعضها ببعض لكثرتها. واللف بكسر اللام كما في الصحاح وبضمه ايضا كما في المحيط ان يلتوي الشيء بعضه على بعض. والمقصود بيان ما يترتب على نعمة المطر من الزرع الذي ياكله الانسان والحيوان ومن الجنات والغابات التي تكثر فيها الاشجار.

وهي من النعم العظيمة على الانسان من جهة اشتمال كثير منها على الفواكه اللازمة او المفيدة او اللذيذة ومن جهة جمالها والتذاذ العين بمنظرها ومن جهة أن الهواء اللازم للتنفس والذي تتوقف عليه حياة الانسان والحيوان يصنعه الشجر ولكثير من المنافع التي يطول ذكرها من قبيل الخشب والورق ومواد اخرى كثيرة تنتجها الاشجار مباشرة او بالتصنيع.

 


[1] الجاثية: 13

[2] راجع الجمهرة ومعجم المقاييس ومفردات الفاظ القران

[3] البقرة: 22

[4] النحل: 15, لقمان: 10

[5] نهج البلاغة الخطبة رقم 1

[6] الكهف: 109

[7] فاطر: 11

[8] القيامة: 35

[9] ق: 38

[10] القصص: 73

[11] فصلت: 12

[12] نوح: 15 - 16

[13] الانعام: 97

[14] الزخرف: 11<