مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

أربع آيات لم يتبين وجه جعلها في هذا الموضع ويبدو أنها جمل معترضة توسطت الآيات المتعلقة بيوم القيامة وهي مرتبطة بالوحي وكيفية ايصاله الى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ووظيفته تجاهه وباختصار تدل الآيات على المنع من التلفظ بالوحي استعجالا قبل ان يتم نزوله وأن الله تعالى هو المتكفل لجمع المضامين وترتيبها وقراءتها بل وبيانها.

ومن هنا حاول بعضهم تفسيرها بما يتلاءم مع السياق فقال إنه خطاب للانسان المذكور في الآية السابقة وأن المراد بالنهي عدم استعجاله في قراءة صحيفة أعماله. وهو كلام غريب لا يناسب محتوى الآيات ولا ما يحدث يوم القيامة فالانسان لا يشتبه عليه الامر ذلك اليوم والصحيفة ليست كتابا يقرأ بعجلة او أناة.

وحكي عن بعضهم دعوى أنها ليست في موضعها الاصلي وأنّ هذا نوع من التحريف. وهو كلام باطل ومخالف لتواتر نقل القرآن بهذه الصياغة وترتيب الآيات من عهد الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم كما هو معروف.

وليس معنى ذلك أنّ الآيات نزلت بهذا الترتيب فهناك مواضع في القرآن لا يشكّ في عدم ترتبها في النزول كقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)[1] ولا شك أن بين الآيتين مدة طويلة بحيث تغيّر وضع المجتمع الاسلامي وآل أمره الى الضعف والاسترخاء نتيجة الفتوحات واكتساب الغنائم كما صرّح به في الآية الثانية ومع ذلك جعلت الآيتان متتاليتين بأمر من الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم وبوحي من الله تعالى.

بل ربما تختلف جمل الآية الواحدة في شأن النزول كما ورد في رواية عن الامام الباقر عليه السلام (إنّ الآية يكون أولها في شيء، وآخرها في شيء). [2] وقد مرّ بنا البحث حول ذلك اجمالا في تفسير قوله تعالى (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).[3]

وأفضل ما قيل في وجه ارتباط الآيات احتمال أن يكون الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم استعجل ببعض الآيات السابقة في هذه السورة حين نزولها او دار في خلده أمر حولها فنبّهه الله تعالى عليه في نفس المقام.

لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ...

المعروف في تفسير الآية أن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم كان اذا نزل الوحي يتلوه بعد النزول فورا مخافة ان ينساه فنهاه الله تعالى فالمراد بقوله (لتعجل به) العجلة في حفظه وطمأنه الله تعالى بأنه متكفل لعدم نسيانه فتكون الآية مثل قوله تعالى (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى).[4]

ورووا في ذلك عدة أحاديث منها ما في البخاري ومسلم (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنْ التَّنْزِيلِ شِدَّةً وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا وَقَالَ سَعِيدٌ أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) قَالَ جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) قَالَ فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ) [5]

 ولا يعلم ممن أخذه ابن عباس فليست هذه رواية تنقل حادثة رآها بعينه وانما هو رأيه وتفسيره خصوصا اذا لاحظنا أنه لم يولد حين نزول الآيات او كان صغيرا جدا فقد ولد قبل الهجرة بثلاث سنين مع أنه لا يصح الاخذ به حتى لو رواه عن أحد الا اذا كان معصوما فان حالة الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم حين نزول الوحي لا تعلم الا من قبله.

هذا مضافا الى أن الحديث مشحون بمخالفة ظاهر الآيات بوضوح في عدة موارد:

1- ارتكاب خلاف الظاهر في تفسير العجلة اذ لم يقل في الآية لتعجل بحفظه بل لتعجل به فلا وجه لهذا التأويل والاضافة.

2- تأويل الجمع بجمعه في صدر الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم وهو خلاف الظاهر بوضوح فان المراد على ظاهر اللفظ جمع المضامين وترتيب الالفاظ.

3- أن قوله تعالى (وقرآنه) ظاهر في أن المراد التكفل بقراءته الكاملة لا التكفل بقراءة الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم.

4- تفسير إتّباع القرآن بالانصات والاستماع مع أنه ظاهر في متابعة القراءة بأن يقرأ كما تلي عليه.

5- وأوضح من الجميع التكلف في تفسير قوله تعالى (ثم ان علينا بيانه) بقراءة الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم للناس.

أضف الى ذلك أنّ الله تعالى قد طمأن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم قبل هذا في سورة الاعلى وهي متقدمة نزولا كما قالوا وفيها قوله تعالى (سنقرئك فلا تنسى) فلماذا يعالج شدّة للحفظ حين نزول القرآن كما في هذا الحديث؟!

وذهب جماعة الى أنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم كان يكمل الآية قبل اكمال الوحي والسبب فيه أن القرآن نزل قبل النزول التدريجي دفعة واحدة كما ورد في رواية عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن قول الله عزوجل: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) وإنما انزل في عشرين سنة بين أوله وآخره؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ثم نزل في طول عشرين سنة) [6]

وقد مرّ بعض الكلام حول هذا الوجه في تفسير قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ)[7] وحاصل ما ذكرناه أنّ الرواية ضعيفة مع أنّ هذا الوجه انما يتمّ لو كان المراد بالبيت المعمور قلب الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم ليصحّ القول بأنه كان يعلم ما سيلقى عليه فيبادر الى اكمال الآية ولا دليل على ذلك بل بعض الروايات يدل على أنه موضع في السماء محاذ للكعبة المعظمة والله العالم.

مضافا الى أن هذا الوجه لا يفيد على ما ذكره العلامة الطباطبائي رحمه الله تعالى وهو المتبني له في هذا المقام وفي تفسير قوله تعالى (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)[8] وفي مشكلة الجمع بين نزوله ليلة القدر ونزوله التدريجي حيث انه بيّن أن ما نزل دفعة واحدة لم يكن مفصلا بل ولا من قبيل الالفاظ ولا المفاهيم قال قدس سره في تفسير قوله تعالى (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)[9] (وهذان النعتان أعني كونه عليا حكيما هما الموجبان لكونه وراء العقول البشرية فإن العقل في فكرته لا ينال إلا ما كان من قبيل المفاهيم والألفاظ أولا وكان مؤلفا من مقدمات تصديقية يترتب بعضها على بعض كما في الآيات والجمل القرآنية وأما إذا كان الأمر وراء المفاهيم والألفاظ وكان غير متجز إلى أجزاء و فصول فلا طريق للعقل إلى نيله).

وهذا البيان يقتضي أن لا يكون الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم مطّلعا على الالفاظ التي نزل بها القرآن وانما كان مطّلعا على أمر وراء ذلك ليس من قبيل الالفاظ ولا المفاهيم فكيف يمكن تصحيح هذا الاستعجال به.

ويمكن تصحيح هذا الوجه بأنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم ربما كان يكمل الآية بالحدس والظن وان لم يسبق له علم بها وهذا أولى مما ذكروه ولا حاجة الى حديث يثبت نزول القرآن قبل ذلك فيثير وجوها من الاشكال كما مر في تفسير سورة الدخان.

ولكن الصحيح أنّ الآية لا تدلّ أساسا على أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم كان يعجل بالقرآن من قبل أن ينتهي الوحي حتى نحتاج الى توجيه ومثل هذا النهي كثير في القرآن كقوله تعالى (وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ)[10] فهو بفضل الله تعالى كان معصوما من الخطأ والنسيان فضلا عن ارتكاب ما لا يليق به وهذا النهي كغيره لا يدلّ على أنه بعد الارتكاب بل هو لمنع حدوث ما لا يليق به والمنهي عنه هو ما ذكروه من الاستعجال في قراءة الآية قبل إكمال الوحي فأخبره الله تعالى أنّ تنظيم الالفاظ وانتخابها وقراءتها وبيانها كل ذلك منوط بالوحي وليس لأحد أن يتدخّل فيه فالغرض الاساس من هذه الآيات التنبيه على أن القرآن الكريم بكل خصائصه من عند ربّ العالمين وليس شيء منه مستندا الى الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم فضلا عن غيره.

ومن الملفت التعبير بعدم تحريك اللسان دون التلفظ او القول او القراءة مما يدلّ على أنّه لا يجوز أقلّ تحرّك في هذا المجال فأين هذا من دعوى أن الالفاظ كلها من الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم وأنه انما كان يتلقى المعاني بالوحي كما ادّعاه بعض الكتاب الجدد؟!

إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ...

الظاهر أنّ المراد بالجمع ترتيب المواضيع المطروحة في كل سورة وترتيب الآيات. والقرآن مصدر بمعنى القراءة فالحاصل من الآية أنّ الله تعالى يؤكّد لرسوله صلى اللّه عليه وآله وسلّم ولكل من يلاحظ القرآن أنّه كتاب من عند الله بجميع شؤونه فأصل المضامين المطروحة منه تعالى وترتيبها وتنظيمها في التقديم والتأخير وصياغتها في هذه الالفاظ الخاصة وبهذا النسق الجميل كله من عنده تعالى لا يشاركه أحد ولا يتدخل فيه أحد ثم قراءتها ايضا من الله تعالى لئلا تختلف القراءة بتشديد او تخفيف او تغيير حركة بناء او إعراب الى غير ذلك من اختلاف وجوه القراءات.

والقوم تبعا للرواية المذكورة أوّلوا الآية بأن المراد بالجمع جمعه في صدر الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم وبالقرآن اثبات قراءته على لسانه صلى اللّه عليه وآله وسلّم وهو مع أنه خلاف ظاهر اللفظ لا يلائم الآية التالية كما سيأتي.

فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ...

الفاء للترتب وعليه فمن الواضح أنّ المراد بالقراءة المترتبة على الجملة السابقة نفس القراءة المذكورة فيها وهي ما تكفل به الله تعالى بعد الجمع فلا وجه لما ذكروه من أنّ المراد بالقراءة في الآية السابقة اثباتها على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وانما ألجأهم الى هذا القول الالتزام بكل ما ورد في ما يسمى بالصحاح.

وأما قوله تعالى (فاتّبع قرآنه) فمعناه واضح ايضا فان القرآن مصدر فالمراد وجوب متابعة القراءة كما يقرؤه جبرئيل عليه السلام عن الله تعالى وليس للرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم فضلا عن غيره أن يغيّر شيئا من قراءة القرآن حتى في حركة الاعراب والبناء وغيرها.

ومن هنا يجب القول بأنّ قراءة القرآن توقيفية ولا يجوز التجاوز عن القراءة المنزلة الى ما يتحد معها معنى كما ربما يظهر من بعض العامة. وأما البحث عن القراءات السبع وأنها هل هي كلها منزلة ومتواترة كما قالوا أم أن الصحيح واحدة منها فقد وقع فيه كلام كثير ومنشأ هذا الاختلاف ما ورد في أحاديث العامة من أن القرآن نزل على سبعة أحرف ففي البخاري (عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها وكدت ان أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لبّبته بردائه فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت اني سمعت هذا يقرأ على غير ما أقرأتنيها فقال لي أرسله ثم قال له اقرأ فقرأ قال هكذا أنزلت ثم قال لي اقرأ فقرأت فقال هكذا أنزلت ان القرآن انزل على سبعة أحرف فاقرءوا منه ما تيسر)[11]

وفي حديث اخر (عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أقرأني جبريل على حرف فلم أزل أستزيده حتى انتهى إلى سبعة أحرف)[12] وفي نقل آخر (أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف)[13]

ولكن أئمتنا عليهم السلام ردّوا ذلك بقوة ولم يتّـقوا فيه احدا ففي الكافي بسند صحيح عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام (إن الناس يقولون: إن القرآن نزل على سبعة أحرف، فقال: كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد)[14]  

والمفسرون من العامة أوّلوا المتابعة ايضا تبعا للحديث المذكور فقالوا إن المراد الاستماع والانصات وقال بعضهم المراد المتابعة في العمل. كل ذلك مخالفة للنص الصريح فان القرآن هو القراءة ومتابعة القراءة ليست الا بالقراءة وليس بالعمل ولا بالانصات. ويبدو من كل ذلك أن هناك محاولة أثيمة من واضعي الحديث ومروجيه لتحريف معنى الآية ولا يبعد أن يكون الداعي الى ذلك هو فتح الباب لتحريف الالفاظ بحجة أن المنزل سبعة أحرف وأن كلها كاف شاف كما في بعض أحاديثهم ومن هنا نشأ اختلاف القراءات والجرأة على الله في تغيير الفاظ كتابه الكريم ثم دعوى تواترها جميعا عن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم كما صرح به بعضهم. والى الله المشتكى. 

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ...

(ثم) للتراخي الزماني وهو كالصريح في أن المراد بالبيان تبيين مجمله وتوضيح المراد منه اذ لا شك أن كثيرا من الاحكام والمعارف الموجودة في القرآن ورد بصورة مجملة وبحاجة الى بيان تفصيلي وقد بينها الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم فالصلاة مثلا وهي عمود الدين لم تبين تفاصيلها في القرآن وانما بيّـنها الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم وكذلك الزكاة والحج والصوم وسائر الاحكام والاهم من كلها الولاية بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم فالقرآن لم يبين بوضوح وانما أمر الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم أن يبلّغ ما اُنزل اليه وانه ان لم يُبلّغ فما بلّغ شيئا من الرسالة فتبين منه بوضوح أن هذا الامر أهم شيء في ما اُبلغ من الرسالات ولكن التفاصيل انما بينها الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم بنصب امير المؤمنين عليه السلام اماما ووليا من بعده والتصريح بأسامي كل الائمة الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين.

فهذه الآية تبين لنا أن التفاصيل الواردة عن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم سواء ما ورد عنه مباشرة او بواسطة الحجج المعصومين عليهم السلام كلها من الله تعالى وليست من الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم فضلا عن غيره فلا يحق لاحد أن يتوقف في قبول حكم شرعي دلت عليه السنة الشريفة بدعوى أنه لم يرد في القرآن الكريم فان هذه الآية تسدّ باب الاعذار وتبيّن بوضوح أن تفاصيل الاحكام ايضا من الله تعالى.

ويلاحظ أن القوم اتبعوا هنا ايضا ما ورد في الحديث من أن المراد ليس بيان المعاني بل بيان الالفاظ وأن المعنى: إن علينا أن تقرأه للناس كاملا وأنه لا ينسى ما تلي عليه، فيكون كقوله تعالى (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى)[15] ومن الواضح أن الآية بعيدة عن هذا المعنى.

 


[1] الانفال: 65- 66

[2] الوسائل ج27 ص191 باب13 من ابواب صفات القاضي ح 41

[3] الاحزاب: 33

[4] الاعلى: 6

[5] البخاري ج1 ص4 باب بدء الوحي وصحيح مسلم ج2 ص34 باب الاستماع للقراءة

[6] الكافي ج2 ص629 باب النوادر بعد فضل القرآن

[7] الدخان: 3

[8] طه: 114

[9] الزخرف: 4

[10] الاحزاب: 1

[11] البخاري ج3 ص90 في الخصومات

[12] البخاري ج4 ص80 كتاب بدء الخلق

[13] البخاري ج6 ص100 باب انزل القران على سبعة احرف

[14] الكافي ج2 ص630

[15] الاعلى: 6