وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظيمِ (115) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبينَ (116) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبينَ (117) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقيمَ (118) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرينَ (119) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ (121) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنينَ (122)
ولقد مننّـا على موسى وهارون... يذكر الله سبحانه ما انعم به على موسى وهارون عليهما السلام من نعم جليلة تسلية لخاطر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وتقوية لعزائم المسلمين. والمنّ: الاحسان والنعمة الثقيلة، وأصله الثقل ومنه المنّ لمقدار خاص من الوزن، ويطلق ايضا على القطع كقوله تعالى (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ) القلم: 3. اي غير مقطوع على احد المحتملات. كما يطلق على ذكر النعم بما يوجب ايذاءا للمنعم عليه.
ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم... لعل المراد بالكرب العظيم ما اصيبوا به من البلاء على يد فرعون وقومه حيث استعبدوهم وقتلوا رجالهم واسروا نساءهم، قال تعالى في ثلاث مواضع منها في سورة البقرة: 49 (وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ).
وهو عظيم جدا حيث انهم كانوا قوما محترمين فهم اولاد الانبياء فاصبحوا يستذلون ويستعبدون ويستباح اموالهم واعراضهم. وهو فظيع جدا، وقد استمر بهم سنين طويلة والله تعالى نجاهم من هذا البلاءونصرهمواغرق عدوهم من دون ان يقاتلوهم، ويبذلوا جهدا في دفعهم، واورثهم ارضهم وديارهم.
ونصرناهم فكانوا هم الغالبين... اعتبروا غالبين بالرغم من أنهم لم يبذلوا جهدا في دفع العدو حيث انهم صبروا طيلة السنين المتمادية، وتمسكوا بايمانهم الى أن أتاهم النصر من عند الله تعالى. ثم ان نعمة التنجية والنصرة اعتبرهما للجميع، واما سائر ما ذكر هنا من النعم فهي خاصة بالرسولين عليهما السلام، بل التنجية والنصرة ايضا لهما لان المراد هنا بيان ما انعم الله تعالى به على رسله، وتنجية القوم ونصرتهم نعمة للرسول ايضا.
وآتيناهما الكتاب المستبين... المراد به التوراة وهو مستبين بمعنى انه يشتمل على توضيح كل ما يحتاجه الانسان في ذلك العهد، وفي تلك المرحلة في سبيل الوصول الى قربى ربه، وقد مدح الله التوراة في القرآن وقال ان فيها هدى ونور وان فيها حكم اللّه. المائدة: 43-44.
وهديناهما الصراط المستقيم... هداية الله تعالى لرسله لا تختص بالخطوط العريضة والاسس، بل تشمل كل حركة او سكون في سبيل الدعوة، فما من موقف لهم في حرب او سلم الا وهم تحت مظلة الهداية الالهية. ولذلك، حينما قارب فرعون بجنوده ان يدركهم وخاف قوم موسى وقالوا انا لمدركون قال موسى عليه السلام: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) الشعراء: 62، فهو واثق من ان ربه لن يتركه.
وهكذا كان ربه يهديه لما هو الاصلح في جميع مراحل حياته فلما وصل الى البحر أمره أن يضرب بعصاه البحر، ولما استسقاه قومه امره ان يضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا. وهكذا سائر النبيين والمرسلين والائمة الطاهرين عليهم السلام. وقد مر الكلام في بقية الآيات.<