مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلينَ (133) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعينَ (134) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (138)

 

وإن لوطا لمن المرسلين... لوط ممن آمن بابراهيم عليهما السلام في ابتداء رسالته وهو في بلده اور على ما في التاريخ. والظاهر انه من اقاربه على ما في الروايات، وانه ممن هاجر معه وارسله الله الى قوم سدوم، وهي بلدة واقعة بين جزيرة العرب والشام، وكانت باقية الى عهد الرسالة المجيدة كما ورد في هذه الآيات، ولكن الظاهر انها غمرها الماء، وكان اهلها مشركين، وتفشى فيهم المفاسد الخلقية كالشذوذ الجنسي واكتفاء الرجال بالرجال كما صرح به في القرآن، وفي الروايات ان نساءهم ايضا كنّ يكتفين بالنساء.

وكان لوط عليه السلام يواجه مشكلة صعبة في هدايتهم الى الصراط المستقيم، ونبذ الشرك، والتحلي بمكارم الاخلاق، كما هو الشأن في كل مجتمع يتفشى فيه الانحلال الخلقي، فان التاثير الايجابي في مثل هذه المجتمعات صعب جدا. والنتيجة انه لم يؤمن به احد منهم فأنزل الله عليهم العذاب، وأهلكهم وأباد مدينتهم.

اذ نجيناه واهله اجمعين... اي اذكر اذ نجيناه.. وقد مر ان هذه الآيات تشير مع ذكر الرسل الى بعض ما انعم الله به عليهم ليكون تسلية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين.

وهنا يشير الى نعمة انجائه واهله من العذاب الاليم الذي احاط بالبلد بعد ان لم يؤمن به احد منهم، وقد جاء على لسان الملائكة (فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) الذاريات: 36، وهو بيت لوط عليه السلام. وحتى هذا البيت ايضا لم يؤمن كلهم به فزوجة الرسول وهو اقرب الناس اليه لم تؤمن به بل ضرب الله بها مثلا في الكفر (ضَرَبَ الله مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ..) التحريم: 10.

ولعل الوجه في ذلك ان زوجة الرسول التي يفترض ان تكون اول من يؤمن به لقربها منه اذا كفرت وأصرّت على الكفر فهي غاية في التوغل في الكفر والعناد في مواجهة الحق فضرب الله بها المثل في الكفر. ولذلك لم يشملها الانجاء فاستثنيت من اهل الرسول.

الا عجوزا في الغابرين... والغابر من غبر اي بقي، ومنه الغبار اي الذي يبقى على الاسطح من التراب. ولكن كيف بقيت المرأة ولم تذهب معهم فلعل لوطا عليه السلام لم يخبرها فلم تعلم بنبأ الرحيل، او انها رفضت الذهاب لانها ما كانت تصدق ما يهددهم به لوط من العذاب، شأنها في ذلك شأن سائر اهل البلد.

ثمّ دمّرنا الآخرين... هكذا كانت سنة الله تعالى في الامم السالفة ولن تجد لسنة الله تبديلا، حيث إنّ العذاب ما كان ينزل على البلد الا بعد اخراج الرسول والمؤمنين منه. والتدمير هو الإهلاك.

وانكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل أفلا تعقلون... الغرض بيان انّ هذا لا يختص بقوم لوط، وانما هو نتيجة العناد في مواجهة الحق فيخاطب اهل مكة وينبّههم بانّ هذه البلدة غير بعيدة عنكم بل انكم تمرون عليها مصبحين وبالليل.

ويبدو منه ان البلدة كانت على مقربة من احد الطرق، ويقال انه طريقهم الى الشام، فالمراد بالمرور صباحا ومساءا ليس هو المرور الدائم بل هو كناية عن كونها بمعرض التردد المتواصل حتى لو كان بعضهم لم يمرّ بها اصلا، الا ان ما يكون على طريق كثير التردد يعلم به الكل حتى من لم يره. ومثل ذلك قوله تعالى (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) الحجر: 76.

أفلا تعقلون.. اي ألا يكفي المرور على هذه البلدة التي غضب الله عليها وعذبها وأهلك أهلها ان تكون عبرة لكم فلا تعاندوا الحق بعد معرفته؟!