مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ... عود الى التذكير بآية من آيات اللّه تعالى ونعمه على البشرية لتسهيل سبل المعيشة، ولتكون دليلا على قدرته تعالى وحكمته ورحمته، وهي جريان السفن في البحر حيث تحمل الناس والمتاع وتنقلهم عبر البلاد.

والجوار جمع جارية حذف منه الياء للتخفيف وقرئ بالياء ايضا، وهي صفة للسفينة. والتعبير عن السفن بصفتها اي الجواري للتنبيه على وجه كونها آية ونعمة وهو جريانها في البحر. والاعلام جمع عَلَم: الاثر الذي يعلم به الشيء كعلم الطريق وعلم الجيش، ومنه إطلاق العلم على الجبل. والظاهر أنّ المراد بالاعلام هنا الجبال، شبّه بها السفن لارتفاع أشرعتها على سطح الماء.

وجري السفن على الماء بنفسه آية من آيات اللّه تعالى حيث جعل النظام السائد في الكون بهذا الوجه، وهيّأ كلّ هذه الظروف الطبيعية المؤثرة في حركة السفن، مضافا الى أنّ أوّل سفينة صنعت على وجه الارض إنّما صنعت على يد سيدنا نوح عليه السلام وكان ذلك بوحي من اللّه تعالى وعناية خاصة منه كما قال تعالى (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا)[1] وكان قومه يسخرون منه حيث لم يعلموا ما الذي يريد ان يصنع. ويدل على ذلك قوله تعالى (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ)[2] بناءا على ما ذكرنا في تفسير الآية من أن المراد بالفلك سفينة نوح عليه السلام فان قوله تعالى (وخلقنا لهم من مثله) يدل على أن كل ما صنع من السفن بعدها خلقت بالمماثلة لها اي بتقليدها.

إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ... الضمير في (فيظللن) عائد الى السفن و(رواكد) جمع (راكدة) وظهر البحر سطحه الظاهر منه. وهذه الجملة تبين وجه كون السفن آية ولذلك أتت الجملة متصلة من دون عطف وذلك لأن من نعم اللّه تعالى وآياته ارسال الرياح الموافقة لحركة السفن الشراعية القديمة، فلو شاء أسكن الريح فتظلّ السفن راكدة على ظهر البحر أيّاما. وهذه كانت من مشاكل الاسفار البحرية سابقا.

والحاصل أن الآية المباركة تنبه الانسان أنه وان تمكن من استخدام الطبيعة في شؤون حياته الا ان ذلك لا يتم الا بلطف من الله تعالى ورحمة فلو شاء لمنعه من ذلك في أي مجال من مجالات الحياة ففي السفن الجارية في البحر يكفي أن يسكن الريح فلا تتحرك السفن ويبقى الانسان حائرا وسط البحر ولعل الغرض من ذلك تنبيهه بوجه عام أن لا يتوهم استقلاله في استخدام الطبيعة وان بلغ من العلم ما بلغ.

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ... يقول جمع من المفسرين إنّ المراد بالصبّار الشكور المؤمن لأنّه يصبر على الضرّاء ويشكر على السرّاء، وإنّما اختص به لأنّه هو الذي ينتفع بالآيات دون الكافر.

ولكن لا يبعد أن يكون ذلك اشارة الى أنّ من يبتلى بسكون الريح وتوقّف السفينة في البحر أيّاما حال السفر فيصبر على تلك الحالة، ثم تدركه الرحمة الالهية ويأتي اللّه بالريح المؤاتية فيشكر ربه هو الذي يدرك عظمة هذه الآية الالهية. وأتى بصيغة المبالغة فيهما للاشارة الى شدّة البلاء مما يستدعي أن يكون الانسان صبّارا اي شديد الصبر، ولنفس السبب يكون شكورا اي كثير الشكر بعد أن افرج اللّه تعالى عنه. والحاصل أنّه إشارة الى أنّ أهمية هذا الامر لا يدركها الا من ابتلي به.

وفي الميزان أن الاصل في الصبر الحبس والاصل في الشكر إظهار نعمة المنعم بقول او فعل فالمراد به مَن حبس نفسه عن التدخّل في ما لا يعنيه واختلى بنفسه يتفكّر في نعمه تعالى فإنّه نوع من الشكر.وهو تأويل في غاية البعد. ولو فرض صحة هذا التأويل بقي الكلام في وجه اختيار هذا التعبير.

أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا... عطف على (يسكن الريح) اي إن يشأ يسكن الريح وإن يشأ يوبقهنّ والضمير يعود الى الجواري اي السفن. والإيباق: الإهلاك. والمراد إرسال الرياح العاصفة الموجبة لهلاك السفن بالغرق، والمراد هلاك اهلها، وهو عذاب يستحقونها بما كسبوا من الجرائم والمعاصي وهذا تطبيق لما مرّ من قوله تعالى (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ).

وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ... قرئت الكلمة بالواو (ويعفو) فتكون الجملة مستأنفة والمعنى واضح على هذه القراءة اي يعفو عن كثير من مرتكبي الجرائم فلا يهلكهم بها وقد مرّ أنّ اللّه تعالى يعفو عن كثير من الذنوب فلا تترتب عليها التبعات في الدنيا، وإلّا لم يترك على ظهر الارض من دابّة ومن هذا الباب العفو عن كثير من ركاب السفن.

والمشهور القراءة بالجزم فالظاهر انها معطوفة على (يوبقهن) وتعتبر جوابا ثانيا للشرط المقدر اي ان يشأ يهلكهم بذنوبهم ويعف عن كثير فلا يهلكهم. قال في الكشاف (فإن قلت: فما معنى إدخال العفو في حكم الإيباق حيث جُزِمَ جَزمَه؟ قلت: معناه أو إن يشأ يهلك ناسا ويُنج ناسا على طريق العفو عنهم) ومراده أن الايباق يتم بارسال العواصف فيهلك بها اناس وينجو منها اناس بالعفو عنهم فيكون مورد العفو من اصيب بالعاصفة ونجا منها.

وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ... الظاهر أنّ قوله (ويعلم) منصوب باللام المقدرة اي وليعلم.. وهو عطف على محذوف يدل عليه قوله تعالى في الآية السابقة (بما كسبوا) اي يوبقهن ليجازيهم بما كسبوا وليعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص. ونظير ذلك كثير في القرآن كقوله تعالى (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)[3] ولعل تقدير المعطوف عليه في هذه الآية (جزاءا له).

والمحيص اسم مكان او مصدر من حاص اي حاد واجتنب عن الطريق. والمراد به هنا المفرّ والمهرب، اي إنّهم ليس لهم بدّ من الاستمرار على الطريق الذي رسمه القضاء الالهي مترتّبا على سوء أعمالهم. والمجادلة والجدال: المنازعة بالكلام بشدّة وقوّة سواء كان بحق او بباطل. وأصل الجدل الاستحكام. والمراد به هنا ما يلازم الجدال وهو الرفض وعدم الانصياع. والذين يجادلون في الآيات هم الذين يشكّكون فيها من دون دليل ومستند. والمعنى أنّه مما يترتب على معاقبة بعض الناس بالغرق في البحر أن يعلم المشككون في آيات الله أنّهم لا مفرّ لهم من عذاب اللّه في الدنيا ايضا قبل الآخرة وذلك لأنّ الانسان وإن حاول أن يحفظ نفسه من الحوادث فإنّه لا يمكنه ان يخرج من هذه الطبيعة، وهي بكل عواملها تحت إرادة اللّه تعالى، ومتى شاء أن يعذّب أحدا فهناك وسائل كثيرة في الطبيعة كفيلة بذلك، واللّه تعالى بالغ أمره، والانسان محصور محبوس في مخالب الطبيعة.

قال تعالى (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا * أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا).[4] وقال ايضا (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ).[5]

فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا... الفاء للتفريع وهذه الحقيقة تتفرع على كل ما مر بيانه من ذكر نعم الله تعالى وسعة رزقه والعفو عن كثير من الذنوب فلزم التنبيه بعد ذلك على أن الذي يجب أن يهتم به الانسان هو السعادة في الآخرة لا الدنيا. والخطاب موجّه لعامّة الناس. و(ما اوتيتم) مبتدأ ولكن الموصول يتضمن معنى الشرط فوردت الفاء على الخبر. والتعبير بالمبني للمجهول (اُوتيتم) دون إسناده الى اللّه تعالى للاستهانة بمتاع الدنيا. وهذا العنوان يعمّ كل ما في هذه الحياة حتى العلم، الا ما جعل منه وسيلة الى معرفة اللّه سبحانه، او تحصيل ثواب الآخرة. والمتاع ما ينتفع به مدة طويلة نسبيا، او ما يتلذذ به كما قيل. وقد أتى به نكرة في قوله تعالى (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ)[6] وذلك للدلالة على حقارته بحيث لا يكاد يذكر. وصرّح بقلّته مطلقا في قوله تعالى (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ)[7] وبقلّته في مقابل ثواب الآخرة في قوله تعالى (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ).[8]  

وَمَا عِنْدَ اللّه خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ... في المقابل عبّر عن ثواب الآخرة بـ (ما عند اللّه) للدلالة على أنّ ميزة تلك النعم أنّها عند اللّه مع أنّ النعم كلها من اللّه تعالى حتى ما كان من متاع الدنيا، ولكن تلك النعم تمتاز بكونها عنده، فهي كلها رحمة خالصة، لا يشوبها شيء من الابتلاء والفتنة والمحاسبة. وبالطبع فهي خير النعم، وهي خير من متاع الدنيا، وهي أبقى ايضا فمهما تدوم النعمة في الدنيا فهي ايام قلائل بمقدار عمر الانسان على هذا الكوكب، وأين هي من النعمة الابدية الخالدة التي لا تزول؟!  

وقوله تعالى (للذين آمنوا) متعلق بمحذوف اي هو خاص بهم. وليس متعلقا بقوله (خير وأبقى) اذ النعمة هناك خاصّة بهم أساسا ولا تشمل غيرهم، لا أنّ كونها أبقى خاصّ بهم.

ومن هنا يبدأ بذكر أوصاف الذين يستحقون النعيم الابدي الخالد، وكرامة كونهم عند اللّه تعالى. فأوّل ذلك الايمان ثم التوكّل، وهو يحكي عن درجة الايمان باللّه الموجب لتوكّله عليه. ثم أمران سلبيّان يرتبطان بتخلية النفس من الرذائل ثم خمس اُمور ايجابية ترتبط بالتحلّي بالفضائل والمكارم اثنان منها يرتبطان بالشؤون الفردية وثلاثة بالشؤون الاجتماعية.

ولعلّه انما قدم الامرين السلبيين لأنّ النفس اذا كانت متصفة بالرذائل وغارقة في المعاصي فالاعمال الحسنة وان كانت صحيحة واجدة للشرائط ولعل الانسان يثاب عليها ايضا ولكنها لا تصعد به الى المقامات العالية ولا تكون لائقة للتقرب الى اللّه تعالى ومرافقة الانبياء والاولياء والصالحين. فلا بدّ قبل التحلية بالصفات الحسنة والاتيان بالاعمال الصالحة من تجنّب المساوئ وتزكية النفس بمكارم الاخلاق.

والايمان هو الشرط الاول والاساس لدخول الجنة. ولم يذكر متعلق الايمان، فيمكن أن يكون المراد الايمان باللّه تعالى بقرينة الجملة التالية. ويمكن أن يكون المراد الايمان بالغيب، فانه هو المتبادر من الايمان بقول مطلق، فهناك من الناس من لا يؤمن الا بما يحسّ به ويشاهده، ومنهم من يؤمن بالغيب اذا قامت عليه الحجة فالمهم أن يبلغ الانسان في تربية النفس الى مقام لا ينحصر ادراكه في المحسوسات.

والخصلة الثانية التي يمتاز بها أهل الجنة هي التوكل على اللّه تعالى. ولعلّ التعبير بالرب يشير الى ان التوكل على اللّه تعالى باعتبار ربوبيته، وأنّه هو المربّي لعباده، فكل ما يفعل بعبده هو الاصلح في تربيته، وبلوغه الى الكمال المنشود. وحيث إنّه قادر على كل شيء ولطيف لما يشاء فلا يحول دون بلوغه الهدف شيء. وهذا هو السرّ في التوكل على اللّه تعالى، فاذا آمن الانسان بهاتين الركيزتين الربوبية والقدرة فإنّه يثق بربه كمال الوثوق ويوكل كل اُموره اليه وتطمئن نفسه وتستقر ولا يخاف شيئا الا ما يعود الى إهماله وظائفه.

وللتوكل على اللّه تعالى مراتب. ويتبع ذلك مرتبة إيمان الانسان بربّه وبعموم قدرته تعالى ورحمته وربوبيته، فهناك الانبياء والاولياء المخلصون الذين يوكلون كل امورهم الى اللّه تعالى ولا يعبأون بكل ما يحوم حولهم من أخطار ومشاكل. واللّه تعالى يتولى اُمورهم بلطفه وعنايته الخاصة. قال تعالى (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّه بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّه لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا).[9]

وينبغي التأمّل في أنّ الأنبياء والأولياء ما كانوا يهملون الامور في مواضع التوكّل على اللّه تعالى، بل كانوا يأتون بوظائفهم بأحسن وجه، و كانوا يتحمّلون المشاقّ ويتكبّدون الخسائر ويجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم، فليس معنى التوكّل ترك الامور وإهمالها، بل معناه أن لا يكون الانسان متخوّفا قلقا مما يمكن أن يحدث من الموانع إن لم يكن ذلك باختياره، فهو يأتي بما يجب عليه، ويترك الامر توكّلا على اللّه تعالى، واثقا من أنّ ما يحصل هو الأصلح بحاله.

وقد رأينا في حياتنا من الأجلّاء الصالحين من كان بهذه المثابة من الايمان باللّه تعالى والتوكّل عليه، ولذلك كان يهابه الأعداء، وتطمئنّ الى كلامه نفوس المؤمنين، وهو سيدنا الامام الخميني قدّس اللّه روحه.  

وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ... وهذه هي الخصلة الثالثة لهم. وهي اجتنابهم عن الآثام والمعاصي، وتصفية النفس من الرذائل الخُلُقية. وهذا أمر سلبيّ، وهذه الصفة من أهمّ الشروط لبلوغ الكمال، إذ لا يمكن للانسان الغارق في المعاصي أن يبلغ الكمال المادّيّ فضلا عن المعنوي.

واللّه تعالى خالق البشر، وهو أعلم بطاقاته ونوازعه، ويعلم أنّه لا يمكنه ترك أهوائه دائما، فأفسح له المجال، ورضي منه بأن يترك الكبائر والفواحش، بل صرّح باستثناء الّلمم، قال تعالى (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى).[10]  

واللمم المقاربة. وألمّ بالشيء اي اقترب منه. فالمعنى أنّهم ربما يقتربون من الكبيرة ولكن لا يرتكبونها. وربما يعبّر به عن ارتكاب الصغائر باعتبار أنّ ارتكابها يقرّب الانسان من الكبائر. وفي الكشاف أنّ الّلمم ما قلّ وصغر. ومنه الّلمم المسّ من الجنون واللوثة منه، وألمّ بالمكان إذا قلّ فيه لبثه وألمّ بالطعام قلّ منه أكله، وعليه فإطلاقه على الصغائر من دون عناية.

ولكن في روايات أهل البيت عليهم السلام ان اللمم ارتكاب الاثم مع التوبة وفي أزمنة متباعدة من دون إصرار وتكرار. وتمام الكلام في تفسير سورة النجم.

وقد علل في هذه الآية الكريمة استثناء اللمم بأمرين:

الاول: أنّه تعالى واسع المغفرة فيعفو عن عبيده المخطئين. ولولا ذلك ولولا أنّ رحمته وسعت كل شيء، وأنّ رحمته سبقت غضبه لم تقم للخلق قائمة، وما ترك على ظهرها من دابّة.

والامر الثاني أنّه تعالى أعلم بخلقه، وأعلم بالنوازع البشرية، وما تقتضيه طبيعته الارضية، فلا يتوقّع منه ترك الصغائر. ولعلّ قوله تعالى (واذ انتم أجنّة في بطون اُمّهاتكم) إشارة الى ما يقتضيه التوارث والمؤثرات البيئية.

وقال تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ..)[11] وبقرينة ذكر الكبائر يعلم أنّ المراد بالسيئات في هذه الآية الصغائر من الذنوب.

ولكنّ الكلام في تحديد الكبائر والصغائر، ففي بعض الكتب الفقهية أنّ الكبيرة ما صُرّح في النصوص بكونها كبيرة كقوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ..)[12] وقوله تعالى (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)[13] و نحو ذلك. او ورد فيها الوعيد بالعقاب عليه كقوله تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[14] او عدّ أكبر من بعض الكبائر كقوله تعالى (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ..)[15] وزاد بعضهم أن يعدّ في النصوص كونه مثل بعضها.

ونفى بعضهم تحديد الكبائر والصغائر باعتبار أنّ الكبر والصغر أمران نسبيّان، فكل كبير صغير بالنسبة الى ما هو أكبر منه، وكذا العكس. وهناك اُمور جانبية ترفع من مستوى الذنب او تنزله، فربما يعدّ إثم من أحد كبيرا لكونه عالما، او كبيرا في السنّ، او قياديا في المجتمع، ولا يعد كبيرا لغيره. وتختلف في ذلك ايضا المجتمعات والتربية الدينية والامكنة والازمنة. واذا كان اعتداءا فيختلف باختلاف المعتدى عليه فقتل المؤمن العادي ليس كقتل الامام او النبي. والقتل في الاشهر الحرم او في الحرم ليس كغيره. كما أنّ هناك حالات نفسية تغيّر من درجة الاثم، فالذي يرتكب إثما ويستصغره مع علمه بأنّه عصيان لله تعالى فقد ارتكب كبيرة، وهذا بخلاف ما لو استعظمه واستشعر في نفسه الخوف مما بدر منه. وهناك ايضا الإصرار على الصغيرة فانه يوجب دخولها في الكبائر. وقد وردت بهذه المضامين كلها أحاديث في كتب الفريقين.

ولكن ذلك كله لا يمنع من التحديد الذي يقتضيه قوله تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) مما يدلّ على وجود نوعين من الآثام، وأنّ هناك تحديدا لهما. ولكن يبدو أنّ التحديد غير واضح، فليس هناك حدّ فاصل يميّز الصغائر.

ولعلّ الحكمة فيه أن يجتنب المؤمن كل إثم خوفا من أن يكون موجبا لسخط الباري جلّ وعلا، وفي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام (إنّ اللّه تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة: أخفى رضاه في طاعته فلا تستصغرنّ شيئا من طاعته، فربّما وافق رضاه وأنت لا تعلم. وأخفى سخطه في معصيته فلا تستصغرنّ شيئا من معصيته، فربّما وافق سخطه معصيته وأنت لا تعلم. وأخفى إجابته في دعوته فلا تستصغرنّ شيئا من دعائه، فربّما وافق إجابته وأنت لا تعلم. وأخفى وليه في عباده فلا تستصغرنّ عبدا من عبيد اللّه، فربّما يكون وليّه وأنت لا تعلم).[16]

وأما الفواحش فهي جمع فاحشة من الفحش، وهو التجاوز عن الحدّ في القبح والشناعة. والظاهر أنّه لا يطلق على كل الكبائر، بل على ما عظمت شناعته كالزنا واللواط، وقد عُبّر عنهما في القرآن بالفاحشة.

وسيأتي بعض الكلام في هذا الموضوع في تفسير سورة النجم ان شاء اللّه تعالى.

وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ... هذه هي الخصلة الرابعة لمن يستحق الجنة. وهذا ايضا أمر سلبيّ ونوع من الرياضة النفسية كترك ارتكاب الكبائر. ولعله أشقّ في بعض الحالات، وهو العفو والتسامح، بل المغفرة والإغضاء عن اعتداء الآخرين، وذلك في سَورة الغضب، وهذا هو المهم، وهو الشرط الذي جعله شاقّا، فإنّ الانسان ربما يتمكّن من كظم غيظه والسيطرة على نفسه اذا تدبّر في الامر وحاسب الظروف، ولكن الرياضة النفسية الصعبة أن يسيطر على نفسه الجموح في لحظة الغضب.

وهذا هو الذي تؤكده (ما) الزائدة في قوله تعالى (واذا ما غضبوا) فإنّ مفادها أنّهم بمجرّد أن يغضبوا فإنّهم يغفرون للمخطئ فورا. وهذا غاية في الحلم وكظم الغيظ. والاتيان بالضمير المنفصل يؤكد ترتب الجزاء على الشرط. ولكن في الكشاف انه يدل على الاختصاص بمعنى أنّ هذه الصفة خاصة بأهل الجنة. وهو بعيد لفظا ومعنى فهناك من الكفار ايضا من تظهر منه هذه الصفة بوضوح.

ثمّ إنّ الغفران أكبر من التسامح والعفو فإنّهما لا يستلزمان الستر على المخطئ بينما يستلزمه الغفران فإنّ معناه الستر.

وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ... وهذه خامسة الخصال. ومنها تبدأ الامور الايجابية التي تجعل النفس الانسانية لائقة لدخول جنة الخلد، والتشرف برضوان اللّه تعالى. وهي الاستجابة للرّبّ. ويبدو من ذكر الربّ أنّ المراد بالاستجابة هو تقبّل النفس لما يصل اليها من التربية الالهية، فان ربوبيته تعالى من رحمته، وهي واسعة تشمل كل شيء، الا أنّ هناك من النفوس ما لا تتقبل الرحمة والربوبية، فالنقص والقصور منها. وعليه فالاستجابة بمعنى تقبّل النفس لما يلقى اليها من ربه مما يكملها ويرفعها. ويمكن أن يكون المراد الاستجابة للدعوة الالهية، كما قال تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[17] اي فليستجيبوا لدعوتي الى الدعاء والصلاة والايمان بربهم.

وستأتي في هذه السورة الدعوة الى الاستجابة للرب سبحانه وتعالى. وتشمل هذه الدعوة كل الاوامر والنواهي الشرعية. وذكر الصلاة وغيرها فيما بعد من باب ذكر الخاص بعد العام للاهتمام به.

وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ... وهذه سادسة الخصال. ولإقامة الصلاة عدة معان يمكن إرادة بعضها او كلها فقد تكون بمعنى الاتيان بها بجميع حدودها وشروطها، وما يدخل في كمالها. ومن أهمّها بل هو أهمّها على الاطلاق التوجه الى اللّه تعالى، فانه روح الصلاة. وقد تكون بمعنى إدامتها فان من معاني الاقامة الادامة ومنها الاقامة في المكان اي البقاء فيه. وقد تكون بمعنى المحافظة على أوقاتها، والاهتمام بها، وجعلها من أهمّ الأولويات، بخلاف الكثير من المصلين فإنّ الصلاة عندهم في آخر الاولويات، ولا يذكرونها الا بعد الانتهاء من كلّ ما يهمّهم من شؤون الدنيا، بل ربّما يصرّحون اذا نودوا بالصلاة بأنّهم مشغولون، وكأنّ الصلاة فرضت لملء أوقات الفراغ، مع أنّها أهمّ من كل الامور. وعلى المؤمن أن يفرغ نفسه لها، بل يفرغ باله لها ايضا، فيتهيّأ ويركّز ويستشعر في نفسه عظمة الخالق، وأنّه سيمثل أمامه، ويخاطبه ويناجيه.

ويمكن أن يكون المراد بإقامة الصلاة الحثّ عليها، ودعوة الناس، وبناء المساجد، وإعلان الأذان، وكل ما يؤثر في نشرها وإعلانها في المجتمع، بحيث يلاحظ المراقبون أنّ هذا مجتمع متعوّد على الصلاة ومهتمّ بها، فالمساهمة في إيجاد هذه الحالة في المجتمع هي من إقامة الصلاة.

وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ... وهذه الخصلة السابعة. وهي من الامور الايجابية التي تدخل في شروط كمال الانسان، ومن الشؤون الاجتماعية التي تؤثّر في تربية المجتمع، وممّا يوجب تماسك المجتمع، واهتمام كل شخص بمصالح الآخرين.

وربّما تفسّر الجملة بأنّ المراد تشاور الناس فيما بينهم في اُمورهم الخاصّة والشخصية. لكنّ الظاهر أنّ المراد بها الشؤون الاجتماعية، وذلك لأنّ عنوان الامر وإن كان يشمل كل شؤون الحياة الا أنّ الإتيان به مفردا ومضافا الى الجمع (أمرهم) يدلّ على أنّ المراد به أمر الجماعة، وما يخصّ الشؤون الاجتماعية. ويقتضيه ايضا قوله (شورى بينهم) اذ لو كان المراد به التشاور في الامور الفردية لم يصح أن يقال الامر شورى بينهم بل يقال: يتشاورون في اُمورهم، فالظاهر من الآية توصيف المجتمع المؤمن بأنّ اُمورهم الاجتماعية إنّما تتم على أساس الشورى فيما بينهم.

ولم يحدّد الشرع حسب هذه الآية آليّة خاصّة للشورى فهو أمر راجع الى الناس، وهو ممّا يتغيّر ويتطوّر حسب تطوّر الانسان في حياته. وقد توصّل الانسان في العصر الحديث الى تأسيس المجالس النيابية بشتّى صورها للتشاور وهي آليّة تحقق العدالة نوعا مّا، وإن كانت لا تخلو من قصور في الاداء، ومعظمه ينتج من تدخل الحكومات، وتقييد طرق الانتخاب. ومع ذلك فهو أفضل طريق في الوقت الحاضر لتحقيق الشورى.

وقد تمسّك بعض مرضى القلوب بهذه الآية للقول بأنّ النظام الاجتماعي وتشكيل الحكومة في الاسلام يستند الى الشورى في محاولة لإنكار الإمامة. وقد فنّدنا هذه المحاولة في رسالتنا التي لم تكتمل (دفع أباطيل الكاتب) وقلنا بأنّه لو تمّ ذلك لكان مقتضى الآية أن تكون ولاية الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم ايضا بالشورى، وأنّه إنّما تجب إطاعته اذا بايعه الناس، كما ربّما يلهج به بعض من يدّعي الاسلام، ويعتنق الديموقراطية. واللّه تعالى يقول (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّه..)[18] فالناس يجب عليهم أن يبايعوا الرسول، ويجب أن يطيعوه، وكذلك الامام المعصوم، لأنّه المقصود باُولي الامر في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..).[19] وعليه فالمراد بالامر في هذه الآية هو سائر الامور الاجتماعية ما عدا إطاعة الامام المعصوم، نعم يشمل ذلك تعيين الحاكم في زمان الغيبة.

والملفت للنظر أنّ الآية ــ على ما يبدو ــ نزلت في مكة والمؤمنون لم يؤسسوا حكومة، بل ولا مجتمعا مستقلا ونظاما خاصا بهم، ومع ذلك فإنّ من سماتهم التي يُمدحون بها ويثابون عليها هو أنّ الامر بينهم شورى. وهذا ممّا يدل على أنّه من خصائص الايمان وليس سمة من سمات النظام الاجتماعي.

والشورى قيل انه مصدر بمعنى التشاور فيكون الاطلاق من باب المبالغة اي امرهم تشاور وقيل اسم بمعنى ما يتشاور فيه. والمشُورة ماخوذة من الشَور بمعنى الاخذ، من شار العسل اي اجتناه باعتبار ان المستشير يحاول اخذ الرأي ممن يستشيره. والتشاور والمشاورة محاولة اخذ الرأي من عدة، بعضهم من بعضهم ومثله المؤامرة. ويمكن ان يكون مأخوذا من الاشارة حيث يطلب كل منهم ان يشير الآخرون الى ما هو الصحيح.

وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ... وهذه هي الخصلة الثامنة. وهي أنّهم لا يبخلون بأموالهم بل ينفقونها في سبيل اللّه لمساعدة الفقراء، او لبناء المباني التي يحتاجها الناس، او للدفاع عن الدين والمسلمين، ونحو ذلك من المصالح العامة.

والانفاق من أهمّ الاعمال التي يقرّب المؤمن الى اللّه تعالى، ويؤثّر في تكامل النفس وترفّعها عن حبّ الدنيا وهو رأس كل خطيئة. قال تعالى (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[20] والتعبير عن أموالهم بـ (ما رزقناهم) للتنبيه على أنّه لا منّة لأحد اذا أنفق ماله في سبيل اللّه فإنّه لم يحصل عليه الا بإعطاء ورزق من اللّه تعالى.

وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ... وهذه الخصلة الاخيرة. والبغي هو الاعتداء، وإن كان في الاصل بمعنى الطلب. وإصابة البغي بمعنى وقوع الاعتداء عليهم. والانتصار طلب النصرة والعون.

والمدح فيه من جهتين:

الاولى: أنّهم يتناصرون، اي ينصر بعضهم بعضا اذا اصاب بعضهم البغي ممّا يدلّ على التعاضد الاجتماعي. والثانية: أنّهم يقاومون الظلم ولا يستسلمون له. وهذا في حدّ ذاته محمود، وإن كان العفو أفضل في بعض الموارد كما ستأتي الإشارة اليه. والضمير المنفصل لتأكيد ترتب الجزاء كما مر في قوله تعالى (واذا ما غضبوا هم يغفرون) ولا يدل على اختصاص الامر بالمؤمنين كما قيل مع ان عدم الاختصاص واضح.

ولا يخفى أن ذكر هذه الخصال من باب المثال ولا تقتصر الخصال الحميدة بل الذي يجب على المؤمن ان يتحلى بها في هذه المجموعة.

 


[1] هود: 37

[2] يس: 41- 42

[3] الانعام: 75

[4] الاسراء: 67-69

[5] الملك: 16-17

[6] الرعد: 26

[7] النساء: 77

[8] التوبة: 38

[9] الطلاق: 3

[10] النجم: 32

[11] النساء: 31

[12] البقرة: 219

[13] النساء: 2

[14] النساء: 93

[15] البقرة: 217

[16] خصال الصدوق  ص210 ح31

[17] البقرة: 186

[18] النساء: 64

[19] النساء: 59

[20] الحشر: 9