مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

 

وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)

وسيق الذين كفروا الى جهنّم زمرا... بعد أن أتمّ تصوير مشهد المحكمة العادلة بأحسن تصوير تحوّل الى تنفيذ الاحكام، وابتدأ ببيان حكم المجرمين الذين حكم عليهم بدخول النار. وجهنّم اسم لتلك النار العظيمة. والتعبير يدلّ على أنّ المساقون هنا هم المكذّبون المعاندون فالآيات تهتمّ ببيان حالهم حيث كانوا هم المخاطبين في معظم هذه السورة.

والسوق هو الحثّ على السير. وقيل انه الحثّ بزجر واهانة، ولم يثبت الاختصاص. والزمر جمع زمرة اي جماعة، وقيل: الجماعة القليلة وقيل: الجماعات بعضها تلو بعض، ولم يثبت الاختصاص ايضا. والمعنى أنّهم يساقون في جماعات مختلفة.

ولعل الوجه في تقسيمهم الى جماعات اختلاف مواضعهم في الكفر والعناد واختلاف جرائمهم.

حتى اذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها... يظهر أنّها كالسجن ابوابها موصدة لا تفتح الّا بأمر، ويؤمر به حين مجيئهم.

وفي التعبير اشارة الى مفاجأتهم بفتح ابواب العذاب بمجرّد وصولهم الى جهنّم.

ويستقبلهم خزنة جهنم، وهم الملائكة الموكّلون بها. عبّر عنهم بالخزنة تشبيها لهم بخزنة الاموال. ويسألونهم سؤال تقرير، وهو ما يلقى لأخذ الاقرار:

ألم ياتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربّكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا... يقال: إنّ هذا السؤال لمزيد من التعذيب والتنكيل. ويمكن ان يكون لأخذ الاعتراف منهم مرة اخرى وفي آخر منزل قبل دخول النار لتتمّ الحجّة، ويكون تنفيذ حكم المحكمة ايضا مصحوبا بقبول من المجرم وتسليم باستحقاقه للعذاب.

ومن جهة اخرى يتبين من الآية انّ موضوعها هم الذين تمّت عليهم الحجّة بارسال الرسول اليهم، وكون الرسول منهم، وكونه مبعوثا من بينهم، ويتلو عليهم آيات اللّه، وينذرهم لقاء يوم القيامة، اي لقاءهم ربهم في ذلك اليوم.

ولعلّ المراد بكون الرسول منهم كونه بشرا مثلهم، فيكون في ذلك ردّ على تصوّرهم عدم امكان الاحتجاج برسالة البشر.

ويبعد أن يكون المراد كونه من قومهم اذ يبتني هذا الاحتمال على كون الآية خاصّة بمناوئي الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم من مشركي مكة، مع أنّ الآية عامّة تشمل كل من تمّت عليه الحجة من الكفار، وان لم يكونوا في بلد الرسول بل في عهده ايضا، فيصدق على أهل زماننا أنهم أتتهم رسل من جنسهم، وتلوا عليهم آيات ربهم بحيث بلغتهم بالواسطة.

قالوا بلى ولكن حقّت كلمة العذاب على الكافرين... وهكذا يبادر المحكوم عليهم بالاعتراف: بلى قد جاءنا الرسول منا وأنذرنا ولم يبق لنا اي عذر، الا ان كلمة العذاب حقّت علينا. ولم يذكر الضمير بل ذكر الكافرين ايذانا بانهم انّما استحقّوا العذاب بكفرهم.

والمراد بالكلمة ما حذّر به اللّه سبحانه من وقوع العذاب على الكافرين. والجواب في الواقع هو (ولكن كفرنا بالرسالة ولم نصدّق الانذار) والنتيجة أنّ كلمة العذاب حقّت، اي ثبتت علينا بكفرنا.

قيل ادخلوا أبواب جهنّم خالدين فيها... وهذا جواب الخزنة او غيرهم ممن يتلو عليهم الحكم النهائي، وهو دخول جهنّم من أبواب متفرّقة حسب اختلاف درجاتهم ثم الخلود فيها.

فبئس مثوى المتكبّرين... وهذه الجملة تذكّرهم بان السبب في كفركم كان هو التكبر والاستعلاء على الحق.