بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أرسل الرسل، وأنزل الكتب، لطفا بعباده ورحمة بهم. والصلاة والسلام على خاتم الرسل وسيد البشر، محمد الصادع بأمره وأمين وحيه، وآله الطيبين الطاهرين الهداة المعصومين. واللعنة الأبدية على أعدائهم ومناوئيهم أجمعين من الأولين والآخرين.
لا شك في أن القرآن الكريم بحر لايدرك غوره، وسماء لا يبلغ شأوها، وقد مضى على ظهوره بين أظهرنا اربعة عشر قرنا يُشرَح ويُفسَّر ولم يبلغ أحد كنهه، ولم تنقض عجائبه، ولكن لكلّ أحد أن يرتوي بمقدار سعته من هذا المعين الالهي.
وإني أحمد الله تعالى وأشكره لما أولاني من التوفيق للورود في هذا المورد الرحب، وتسجيل هذه السطور محاولة مني لفهم بعض ما في هذا الكتاب العظيم من أسرار، وبيانها لغيري، لعل ذلك ينفع المستضيء ولو بلمعة، ويروي الظمآن ولو بقطرة.
هذا التفسير ومنهجه:
كنت قد ألقيت في ما مضى محاضرات في التفسير في قم، ولكنها حتّى الآن لم تعد قابلة للنشر. وهذا الكتاب قد بدأت فيه بالتفسير من سورة الأحزاب المباركة، نأمل أن يتبعها تفسير سائر السور بعدها بل التي قبلها ايضا بتوفيق من الله انه سميع مجيب.
وانتُهج في هذا التفسير المنهج العامّ المتعارف، من ملاحظة الأقوال أولا، ثم ملاحظة مضمون الآية بمقتضى ظاهر اللفظ، ومراجعة كتب اللغة، وما اُلّف في تبيين جذور اللغة العربية، لأنّ القرآن نزل باللغة الفصحى التي لم يطرأ عليها التغيّرات المتأخرة بعد الفتوح، ثم ملاحظة سائر الآيات التي ترتبط بالموضوع، ثم الروايات الواردة فهي وان كانت قليلة إلا أنها كثيرا ما تحلّ المشكلات المعقّدة في الكتاب العزيز. ولا غرو فأهل البيت أدرى بما في البيت، وهم عدل القرآن، وأعلم الخلق بما يشتمل عليه من أسرار.
ومن المؤسف أنّ روايات التفسير بقيت في الغالب مرسلة حيث لم يهتمّ نقلة الحديث بنقل الأسانيد إلا في روايات الأحكام، ولذلك فإنّ الروايات المعتبرة التي يستفاد منها في التفسير ترتبط في الغالب بحكم فقهي استدعى من المحدّثين الاهتمام بنقل أسانيدها. ومع ذلك فالروايات حتى المرسلة منها خير ما يستند اليه في فهم الكتاب وحلّ معضلاته.
هذا وقد جرت العادة بذكر مقدمات قبل البدء بالتفسير، فمنهم من أجمل، ومنهم من فصّل. وبعض تلك المقدّمات يأتي ذكرها، والبحث حولها ضمن تفسير الآيات المرتبطة بها، وبعضها متكررة في مقدمات التفاسير، وبعضها تذكر في كتب خاصة حول القرآن الكريم، وإعجازه، وتاريخ نزوله، وكيفية كتابته، وتواتر نقله، واختلاف قراءاته، وساير ما يعبّر عنه بعلوم القرآن.
ولكن ينبغي أن نشير الى امرين مرتبطين بالتفسير:
الأمر الأول: الحاجة الى التفسير:
ربما يتساءل: لماذا التفسير؟ وهل القرآن نزل خطابا لمجموعة خاصّة أم هو كتاب هداية للجميع؟ فان كان للجميع فلابد من كونه بحيث يمكن للجميع الاستفادة منه.
وهذا التوهم هو الذي أوجب لبعض المعجبين بأنفسهم أن يخوضوا في هذا المجال من دون مراجعة للروايات، ولا لما كتبه العلماء السابقون. وهذا خطأ فاحش في كل المجالات، ومرجعها الى أنّ كل انسان في دراساته وبحوثه يبدأ من الصفر، ويرجع الى المربع الأول. ولو عمّت هذه السيرة لبقي البشر دائما في المربع الاول، ولم يحصل له هذا التقدّم العلمي في أيّ مجال.
ومع الأسف نجد أنّ بعض هؤلاء المغفّلين تمكّنوا من التأثير في بعض البسطاء واضلالهم، حيث إنّ بعض الناس يعجبهم كل جديد ومخالف للتيّار من دون تأمّل وفهم لما يحمله هذا الفكر من أخطاء. هذا ان صحّ التعبير عنه بالفكر. وبعض هؤلاء في ما يعبّر عنه بالدروس لا يراجع حتى كتب اللغة مع أنه ليس من أهل اللغة، بل لا يتأمل في الخط القرآني بدقة، فتجده يقرأ الكلمة خطأ، ويترجمها خطأ، ويبني عليها فكره الخاطئ المضحك.
ومن باب المثال لا الحصر اشير الى جملة تفوّه بها بعضهم ثم كتبها في منشوراته، وهو حتّى الآن يدّعي أنّه من أعظم مفاخر البشرية، فقرأ قوله تعالى (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (الاسراء: 36)، (ولا تقِفْ..)، وفسّره بأن الله تعالى يحثّ على كسب العلم في كل شيء، ويقول اذا لم تعلم بالشيء فلا تقف عنده وحاول أن تتعلم!!! مع أن العربيّ لا يفسّره كذلك حتى لو قرأه هكذا.
ومن هؤلاء من ابتليت به لشدة قربه منّي، وقد جمع حوله مجموعة من الناس يضلّهم ويغويهم بأخطائه الفادحة، وقد كتبت إليه شطرا منها ولم يستطع الجواب، ولكنه لم يعد إلى رشده، وهو يدّعي أنّه يفهم من القرآن ما لم يفهمه أحد من دون أن يراجع الروايات أو التفاسير، بل هو لا يعتقد بالروايات مطلقا.
وأساس خطئه أنّ القرآن فيه تفصيل كل شيء، وهو تبيان لكلّ شيء، فلا حاجة الى رواية، بل لا تصح الرواية لبعدنا عن ذلك الزمان، فيكفي لكل إنسان أن يراجع القرآن ويتدبّر فيه من دون ملاحظة تدبّر الآخرين، وما وصل اليه العلماء طيلة القرون، وما ورد في الروايات عن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم والأئمة المعصومين عليهم السلام، ويبني على ذلك أسس دينه من العقيدة والأحكام.
ولمّا كتبت اليه: إنّ القرآن ايضا رواية و إن كانت قطعية، فأنت لم تسمعه من الله تعالى ولا من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، وإنما سمعته رواية جيل عن جيل إلى أن يصل الى عهد الرسالة المجيدة. والرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم ليس مجرّد حامل للوحي كما يظنّه بعض الجهلة، بل هو المبيّن والمفسّر بصريح القرآن، قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (النحل: 44)، بل هو الحاكم وله حق التشريع. قال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر: 7)، فالدين يتشكل من الكتاب والسنة ولا يجوز الفصل بينهما، لم يحر جوابا، ولكنّـه لم يترك طريقه المعوجّ.
وقد سبقه الى ذلك من روّج بين الناس فكرة (حسبنا كتاب الله) ومنع على أساس هذه الفكرة الخاطئة من كتابة الأحاديث الشريفة، واستمر ذلك الى قرن.
ومهما كان فالجواب عن هذا السؤال هو أنّ القرآن كتاب هداية للجميع، وكل من يجيد اللغة العربية يمكنه أن يستضيء بنوره في ظلمات الارض التي تقتضيها هذه الحياة. وبالطبع فانّ من يراجع القرآن ويقرأ بنحو من التدبّر وهو يجيد اللغة نوعاً مّا يستفيد من كثير من آياته، فهي واضحة المضمون إلا أنه يتوقف، أو عليه أن يتوقف، في عدة موارد نذكر بعضها من دون حصر:
بعض موارد التوقف في فهم القرآن:
1- معرفة اللغة الاصلية:
قد لا يكون المعنى اللغوي واضحاً، خصوصاً بملاحظة التغيّرات التي طرأت على اللغة، فلا يمكن دعوى معرفة اللغة الاصلية لكثير من الالفاظ المستعملة في القرآن، لكونه من النصوص القديمة. فهذه الحاجة يشعر بها من يريد معرفة أيّ من النصوص القديمة، كالأحاديث النبوية، وأحاديث أئمة أهل البيت، وخطب "نهج البلاغة"، أو غيرها من الخطب أو الأشعار. بل لا تكفي مراجعة كتب اللغة المتعارفة حيث تنقل الاستعمالات، وإنما تنفع في هذا المجال الكتب التي تبحث عن جذور اللغة، كـ "معجم مقاييس اللغة"، وكـ "مفردات الراغب".
وقد لا تتفق كلمتهم على معنى واحد فيحصل الشك، وربما يمكن للباحث أن يتوصل الى معرفة المعنى المراد في القرآن بملاحظة سائر استعمالاته، أو استعمالات أهل اللغة في موارد أخرى، أو يرجّح أحد المعاني المذكورة في كتب اللغة لبعض الاعتبارات. وهنا يتدخّل عنصر الاجتهاد، وربّما لا تكون القرائن مفيدة للقطع او الاطمئنان فلابدّ من التوقّف وعدم الجزم بالمعنى كي لا يكون من التفسير بالرأي.
2- الألفاظ المشتركة:
هناك ألفاظ مشتركة لها أكثر من معنى، ويتوقف تحديد المعنى المقصود على ملاحظة القرائن الموجودة في اللفظ، أو في مواضع أخرى من القرآن الكريم. ومعرفة هذه القرائن تحتاج الى دراسة وتعمق في الكتاب، بل قد لا تكون هناك قرينة في اللفظ، وإنما اعتمد في تعيين المعنى على قرائن حالية حين نزول الآية. ومعرفة تلك القرائن تحتاج الى دراسة التاريخ، وملاحظة الروايات التي تبين شأن نزول الآية، والجوّ السائد آنذاك. وهنا ايضا يتدخّل عنصر الاجتهاد، ويأتي فيه ما مرّ.
3- المجازات والكنايات:
لا يشذّ القرآن الكريم عن سائر النصوص العربية في التعبير عن كثير من المقاصد بالمجازات والكنايات والاستعارات الأدبية. ومعرفة المراد الواقعي في كل ذلك تتوقف على الاطّلاع على وجوه الكناية والتجوز في الاستعمالات العربية، وعلى ذوق رفيع لتطبيق ما يناسب الاستعمال القرآني.
4- الآيات المشتملة على المسائل الاعتقادية:
المسائل الاعتقادية المرتبطة بمعرفة الله تعالى، ومعرفة صفاته، والتأمل في نشأة الكون، وعلاقة الكون بخالقه، وشؤون الربوبية، ثم المعاد ووجه الحكمة فيه، والدليل على إمكانه وثبوته، ثم الرسالة وكيفية ارتباط الانسان بالسماء، وغير ذلك من مسائل العقيدة، تتوقف معرفة الآيات المرتبطة بها على كثير من الابحاث الكلامية والفلسفية، وعلى معرفة الأديان والمذاهب، سواء السماوية وغيرها. وهنا أيضا لابد من مراعاة الاحتياط لئلا يكون من التفسير بالرأي.
5- الحقائق التاريخية:
هناك آيات كثيرة تتناول قصص الانبياء والامم السالفة، وبعضها تنظر الى ما ورد في التوراة والانجيل، وتصحح أخطاءها التي عرضت نتيجة التحريف والتبديل، والنسيان، والترجمة المتكررة. ولا يمكن التحقق من معنى الآية في هذه الموارد الا بالإطّلاع على ما في تلك الكتب، وما كان في خصوص عهد النزول جزءاً من ثقافة ذلك القوم. كما أن ما يتعرض لأحوال الأمم السالفة ربما يتوقف تفسير بعضها على معرفة أماكن تواجدهم، وارتباطها بأماكن أخرى، وعلى بيئتهم وخصائص مساكنهم.
فمن ذلك مثلا ما ورد في قوم سبأ من قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ) (سبأ: 18)، حيث لا يمكن التأكد من المراد الا بمعرفة البلد، ومعرفة المراد بالقرى التي بورك فيها، وارتباطهم بها من حيث الطرق المتعارفة في ذلك العصر.
6- الحقائق الكونية:
الآيات الكونية التي تتعرض لسير الشمس والقمر والنجوم ونحو ذلك لا يمكن تفسيرها من دون الاطّلاع على الحقائق الكونية المكتشفة حاليّا، والممكن اكتشافها في ما بعد، وما كان سائدا لدى البشر في عهد النزول.
7- شأن نزول الآيات:
في القرآن آيات كثيرة تتعرض للوضع الاجتماعي والسياسي في مدينة الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم وما حولها، والحروب الدائرة بين المسلمين والمشركين، ودور المنافقين في المجتمع الاسلامي، ومكائد المشركين للوقيعة بالدين عاجلا أو آجلا، وما يدور بين صحابة الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم، وحوادث البيت النبوي الكريم، وشؤون أهل البيت عليهم السلام، ونحو ذلك. وتفسير هذه الآيات لا يمكن الا بالاطّلاع على تاريخ عهد الرسالة الكريمة، وملاحظة الأحاديث الواردة بهذا الشأن. وهو أمر صعب في بعض الحالات حيث يكون تفسير الآية مخالفا لسياسة السلطة الحاكمة بعد عهد الرسالة، مما يمنع المؤرخين والمحدّثين من بيان الأمور على واقعها، ويجعل معنى الآيات لغزاً لا يمكن حلّها، كما نلاحظه في سورة التحريم.
هذه الموارد وغيرها يفرض على من يبتغي الاستضاءة من نور القرآن الكريم أن يتوقّف، ولا يكتفي بما يتبادر الى ذهنه من اللفظ، بل يلاحظ كل ما يمكن أن يساعده في فهم معنى الآية. ومع ذلك لا يحكم بالقطع الا في الموارد الواضحة البينة.
الأمر الثاني: التفسير بالرأي:
هناك مشكلة عويصة تعرض طريق المفسّر تمنعه من المضيّ قدما في البحث عن المعنى المراد إن كان متّقيا يخاف الله تعالى، وهي ما تدلّ عليه الروايات المتعدّدة التي اتّفق الفريقان على نقلها والاهتمام بها، ممّا تمنع من التفسير بالرأي.
ونحن ننقل هنا أوّلا ما ورد عن طرقنا من روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام:
روايات الشيعة في التفسير بالرأي:
روى في "الوسائل" عن الصدوق رحمه الله في "المجالس" و "التوحيد" و "عيون الأخبار" عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الريان ابن الصلت، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (قال الله جل جلاله: ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي، وما عرفني من شبّهني بخلقي، وما على ديني من استعمل القياس في ديني)[1].
السند معتبر ودلالة المتن واضحة على حرمة التفسير بالرأي بصورة مشدّدة حيث ينفي الايمان عن من يفسّر برأيه.
وهناك روايات ضعيفة السند او مرسلة بنفس المضمون، منها ما رواه الصدوق رحمه الله في التوحيد بسند مجهول، ومتن غريب، في خبر طويل، عن رجل أبدى شكوكه بالنسبة الى القرآن الكريم لأمير المؤمنين عليه السلام، ومن ضمن ما أجاب به الامام هذه الجملة (إيّاك أن تفسر القرآن برأيك، حتى تفقهه عن العلماء، فانه رب تنزيل يشبه بكلام البشر، وهو كلام الله، وتأويله لا يشبه كلام البشر، كما ليس شيء من خلقه يشبهه، كذلك لا يشبه فعله تبارك و تعالى شيئا من أفعال البشر، ولا يشبه شيء من كلامه بكلام البشر، فكلام الله تبارك وتعالى صفته وكلام البشر أفعالهم فلا تشبه كلام الله بكلام البشر، فتهلك وتضل..)[2].
وروى الصدوق أيضا في "عيون اخبار الرضا عليه السلام" قوله لعلي بن محمد بن الجهم، ضمن خبر طويل، بسند مجهول: "ولا تتأوّل كتاب الله برأيك فإنّ الله عز وجل قد قال: ولا يعلم تأويله الا الله والراسخون"[3].
وروى ايضا في "كمال الدين وتمام النعمة" بسند ضعيف جدا عن عبدالرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: "لُعن المجادلون في دين الله على لسان سبعين نبيا، ومن جادل في آيات الله فقد كفر، قال الله عز وجل: "ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد" ومن فسّر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب، ومن أفتى الناس بغير علم فلعنته ملائكة السماوات والارض، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار"[4].
وروى العياشي مرسلا عدة روايات:
عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: "ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إن الآية ينزل أولها في شيء وأوسطها في شيء وآخرها في شيء"[5].
وعن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "من فسّر القرآن برأيه فأصاب لم يؤجر، و إن أخطأ كان إثمه عليه"[6].
وعن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر عليه السلام: "ما علمتم فقولوا وما لم تعلموا فقولوا الله أعلم، فإنّ الرجل ينزع بالآية فيخرّ بها أبعد ما بين السماء و الأرض"[7].
و روى غير ذلك ايضا ممّـا يدلّ على هذا الامر في هذا الباب، وفي باب آخر بعنوان النهي عن المراء في القرآن[8].
ويلاحظ أنّ الخبر مع شهرته لم يذكر في المجاميع الحديثية المعتبرة ولم يصل الينا بطريق معتبر الا حديث واحد، وهو الحديث الاول. ومن الغريب أنّ الامر كذلك في كتب العامة أيضا، فلم يرد بذلك خبر في الصحيحين مثلا.
ونذكر هنا بعض ما وجدناه في كتبهم:
روايات العامة في التفسير بالرأي:
في "صحيح الترمذي" باب بعنوان "بَابُ مَا جَاءَ فِي الَّذِي يُفَسِّرُ القُرْآنَ بِرَأْيِهِ" روى فيه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَالَ فِي القُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"[9]. وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
ورواه ايضا النسائي في "سننه"[10].
وروى الترمذي ايضا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "اتَّقُوا الحَدِيثَ عَنِّي إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ قَالَ فِي القُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"[11]. وقال ايضا: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وفيه ايضا عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ فِي القُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ". وقال: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.[12]
ورواه ايضا ابن داود في سننه. وقال الالباني: ضعيف.
وفي "سنن النسائي" باب من قال في القرآن بغير علم روى في ما روى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ، أَوْ بِمَا لَا يَعْلَمُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"[13].
ومع ذلك فربّما يحصل الاطمئنان من مجموع ما ذكر وغيرها بصدور هذا المتن من المعصوم.
العمل بظواهر الكتاب:
حكم بعض المحدثين بمقتضى هذه الروايات بأنه لا يجوز العمل بظواهر الكتاب الا إذا فسّر بالروايات المأثورة. وقد عقد في "الوسائل" بابا في أبواب صفات القاضي بعنوان "باب عدم جواز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر القرآن الا بعد معرفة تفسيرها من الأئمة عليهم السلام" وروى في ذلك 82 حديثا.
وهذا استنتاج باطل واضح البطلان، فانّ الاخذ بالظواهر ليس من التفسير حتى يقال إنه تفسير بالرأي، والتفسير هو إبانة المعنى، ولا يصدق الا إذا كان المعنى معقّدا. ولذلك يطلق "الفسر" على نظر الطبيب إلى بول المريض لمعرفة مرضه، وهو أمر معقّد.
والناس في مواجهة هذا الأمر وقعوا بين مفرط ومفرّط. فهناك من امتنع من الأخذ بظواهر القرآن ولزم منه تعطيل الكتاب، مع أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم والأئمة المعصومين عليهم السلام أمروا بالرجوع الى القرآن، بل جعلوا القرآن مناطاً لمعرفة ما يجوز الأخذ به من الرواية، وتمييزه عمّا لا يجوز.
منها ما رواه الكليني في الكافي عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبدالله عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: إنّ على كل حقّ حقيقة، وعلى كلّ صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه"[14].
وروى عن أبان بن عثمان عن عبدالله بن أبي يعفور قال وحدثني الحسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به، ومنهم من لا نثق به قال: "إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وإلا فالذي جاءكم به أولى به"[15].
وعن أيوب بن الحر قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف"[16].
وعن هشام بن الحكم وغيره عن أبي عبدالله عليه السلام قال: "خطب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بمنى فقال: أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله"[17].
والروايات في هذا الباب كثيرة جدا.
الاستغناء بالكتاب والمنع من نشر السنة:
ومن الناس من أفرط في الأخذ بالكتاب العزيز، أو الدعوة إليه والاستغناء عن غيره، بل منع من الأخذ بالسنة. والغالب في هؤلاء ليس هو المبالغة في تعظيم القرآن الكريم، بل هناك أهواء تدعوهم الى ذلك، حيث يمكنهم التمسك بالآيات المتشابهة، كما قال تعالى: "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ"(آل عمران: 7).
ولذلك ورد في وصية من أميرالمؤمنين عليه السلام لعبد الله بن العباس لما بعثه للاحتجاج على الخوارج: "لَا تُخَاصِمْهُمْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَمَّالٌ ذُو وُجُوهٍ تَقُولُ وَيَقُولُونَ، وَلَكِنْ حَاجِجْهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا عَنْهَا مَحِيصاً"[18].
ويلاحظ أنّ فكرة الاستغناء بالكتاب عن السنة بدأت في أواخر حياة الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم، وفي مواجهة طلبه الدواة والكتف او نحو ذلك، ليكتب لهم وصية لا يختلفوا بعده.
ففي "صحيح البخاري" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ قَالَ "ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ" قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا، فَاخْتَلَفُوا وَكَثُرَ اللَّغَطُ. قَالَ: "قُومُوا عَنِّي وَلَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ"، فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كِتَابِهِ" [19]
وروى في ذلك روايات اخرى كما روى غيره ومنهم مسلم في صحيحه:
"لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّونَ بَعْدَهُ" فَقَالَ عُمَرُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ فَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُومُوا". قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ)[20]
وبذلك جرت سيرة الخلفاء، ففي "تذكرة الحفاظ": "ومن مراسيل ابن ابي مليكة ان الصدّيق جمع الناس بعد وفاة نبيهم، فقال: إنّكم تحدّثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافا، فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه). [21]
وروي عن السائب بن يزيد قال: "سمعت عمر بن الخطاب يقول لابي هريرة: لتتركنّ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لاُلحقنّك بأرض دوس. وقال لكعب: لتتركنّ الحديث أو لاُلحقنك بأرض القردة". [22]
وعن يحى بن جعدة قال: "أراد عمر أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب في الامصار: من كان عنده شيء من ذلك فليمحه". [23]
وغير ذلك مما ورد في هذا الباب وهو كثير.
بل رووا في ذلك حديثا يعدّ عندهم صحيحا عن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم، فرووا: "عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ ــ قَالَ هَمَّامٌ أَحْسِبُهُ قَالَ مُتَعَمِّدًا ــ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ."" [24]
فهذا الحديث وإن كان ينهى عن الكتابة فقط إلا أنّه لا شكّ في أنّ ترك الكتابة يعرّض الأحاديث للتحريف، بل التلف بسبب النسيان وغيره، مع أنّ الحديث مكمّل للشريعة، ومفسّر ومبيّن للقرآن بل في الأحاديث ما يعدّ كالقرآن من حيث الإنتساب الى الله تعالى، وانما لم يجعل منه لأنّ القرآن فيه ميزة التعبير الخاص الذي جعله معجزا. فكيف يمكن الاستهانة بحفظ السنّة، وجمعها، وكتابتها، وصونها من التلف والتحريف؟!
لا شكّ في أنّ هذا الحديث ممّا صنعته الأيادي المستأجرة التي كانت تخدم السلطات. والسلطة كانت تحاول منع انتشار السنّة الشريفة. والمعروف أنّ السنّة لم تكتب عند القوم زهاء قرن. والداعي الى ذلك ما دلّت عليه الآية الكريمة من اللجوء الى المتشابهات، وما ذكره أمير المؤمنين عليه السلام من أنّ القرآن حمّال ذو وجوه.
المراد بالتفسير بالرأي:
ومن هنا يمكن أن يقال: إنّ المراد بالتفسير بالرأي الذي منع في الأحاديث هو تأويل المتشابهات من دون الاستناد الى قرينة واضحة من نفس القرآن الكريم، بحيث يرتفع اللبس وتدخل الآية بذلك في المحكمات، ومن دون الاعتماد على رواية معتبرة تفسّرها.
وينبغي أن نشير هنا الى بعض موارد التفسير بالرأي:
1- محاولة تفسير القرآن بالقرآن:
ويجب أن يلاحظ أنه حتى مع الاعتماد على التفسير بالقرآن أو الروايات قد يعتبر من التفسير بالرأي، كما نجده في كثير من التفاسير التي تدعى بالتفسير القرآني للقرآن، حيث يتمسك بورود نفس الكلمة في مورد آخر من الكتاب العزيز، ويحمل مورد الشبهة على تلك الآية مع عدم وضوح اتحادهما في المراد الا بنحو من التأويل والتحميل. فلا بدّ من التأمل والاحتياط وعدم الحكم بذلك بصورة جازمة.
وكذلك في الأخذ بالروايات إذا لم تكن واضحة في التفسير او لم تكن معتبرة من حيث السند والمتن مما يوجب الوثوق بالصدور والا فلابدّ ايضا من الاحتياط.
2- تأثير المدارس الفلسفية ونحوها:
من موارد التفسير بالرأي التي يبتلى بها كثير من المفسرين أنّهم إذا كانوا يتبعون مدرسة من المدارس الفلسفية أو العلمية يحاولون تطبيق الآيات على ما توصلوا إليه في محور اختصاصهم.
وهذا يبدو نوعاً ما أمراً طبيعياً، لأنّ تأثّر الباحث بالعلم الذي تخصّص فيه أمر طبيعي، فتجد الفيلسوف إذا ورد البحث الفقهي يحاول تطبيق نظرياته الفلسفية في مجال الفقه، وهو ممّا يسبّب البعد عن استنباط حكم الله تعالى عن الكتاب والسنة الذي هو وظيفة الفقيه، كما أنّه إذا حاول تفسير القرآن الكريم تجد الطابع الفلسفي مسيطرا على أفكاره.
وعليه فلابدّ للباحث إذا أراد أن يبحث في أي مجال أن يتفرّغ من الإطار الذي يفرضه عليه تخصّصه الآخر، أو العلم الذي أعجب به وتوغّل فيه. وهذا قد يكون صعباً في البداية إلا أنه بالممارسة يسيطر الانسان على طريقة تفكيره.
وهذا باب مهمّ جدّا وقلّما نجد مفسّرا يترك ما يملي عليه تخصصه العلمي في مجال التفسير، سواء كان متأثرا بالفلسفة القديمة أو الحديثة، أو الكلام بشتى مدارسه المتناحرة، أو العلوم الطبيعية بشتى أنواعها، حتى الطبيب ينظر الى كثير من الآيات بمنظار الطب، والاجتماعي بمنظاره الخاص، وكذلك الفلكي والجيولوجي، وغير ذلك.
ومن هنا نجد كيف تفسّر الآيات التي تتعرّض لذكر السماء والارض، والنجوم والكواكب والشهب، والليل والنهار، والشمس والقمر، ونحو ذلك، حسبما تتوصل إليه علم الهيئة. ونجد كيف تتحول تفسير الآية وتتغير كلما تغيّر العلم، وتوصّل الانسان الى أخطائه.
ولو تأمّلنا لوجدنا أنّ كل تلك التفاسير خاطئة وأنّ القرآن لا يقصد الا ما يتراءى للإنسان البسيط الذي يلاحظ السماء، فهو ليس كتابا علميا، ولم ينزل ليشرح للإنسان حقائق الكون الطبيعية. ولو كان كذلك لتوصّل البشر من اول يوم الى آخر مرحلة من الكشف العلمي، لأنّ كتب السماء نزلت منذ أقدم العصور، فلو أراد الله تعالى أن يشرح للبشر كل حقائق الكون لم يبق له مجال للبحث العلمي اصلا، لأن علّام الغيوب يفتح له كل أبواب الغيب.
3- التعصب الاعمى:
ومن الأمور التي توجب الابتلاء بالتفسير بالرأي التعصب الاعمى للمذهب وللعقيدة التي اتّخذها الانسان تحت تأثير المجتمع الذي تربّى فيه، والبيئة الدراسية التي صنعت ثقافته، وحدّدت منهج تفكيره، فنجد كثيراً من المفسرين يحاول تأويل الآية، وحملها على خلاف ظاهرها، لأنّه ينافي ما تأصّل في عقيدته، وتجذّر في فكره، تقليدا للسلف او للمدرسة. ونجد من يأتي بعده ويردّ عليه يأوّل الآية ايضا بما يتناسب مع عقيدته.
ومن باب المثال يلاحظ "تفسير الكشاف" الذي ألّفه الزمخشري وهو معتزلي في غاية التعصّب يحاول تصيّد أيّ كلمة أو جملة في القرآن الكريم للانتصار لمذهبه ولو بتأويل، حسب الاسس التي تلقاها بالقبول. ويأتي بعده ابن منير في "الانتصاف"| معلّقا على "الكشّاف"، متعصبا لأهل السنة، يهاجم الزمخشري ويكفّره في بعض الموارد.
وربما يلاحظ المراجع المنصف أنّ كليهما على خطأ، وأنّ الآية لا توافق شيئا من العقيدتين، بل هي بعيدة عن هذا النوع من التفكير، فإنّ كثيراً من الأبحاث التي اختلف فيها المعتزلة والأشاعرة أبحاث واهية سخيفة لا تمتّ إلى الدين بصلة، ولا ينظر اليها الكتاب العزيز بنفي أو إثبات، ولا تنفع الانسان في دينه او دنياه.
4- محاولة تطبيق القرآن على العلم الحديث:
ومن موارد التفسير بالرأي محاولة الكتّاب والمثقّفين الجدد تطبيق الآيات الكريمة على ما توصّل اليه العلم الحديث. وظاهر الأمر أنّ غرضهم من ذلك الإشادة بالقرآن، وأنّه يحمل من الحقائق العلمية ما لا يمكن أن يعلمه البشر في ذلك العصر، ليكون دليلا واضحا على إعجازه، وعلى أنّه من وحي ربّ العالمين.
وهذا هدف رفيع، وهناك من الآيات ما تدلّ على ذلك بوضوح، إلا أنّ الإفراط في ذلك، وتأويل العبارات لتطابق هذا الغرض خطأ واضح وخطير، خصوصاً مع تعرّض هذه المعلومات للتخطئة، كما نجده في كثير منها. والقرآن أسمى من أن يقاس بهذه العلوم البشرية، والغرض منه أيضا أسمى من الأهداف التي تحاول هذه العلوم الوصول إليها.
فالغرض من القرآن رفع الانسان من حضيض الإخلاد إلى الأرض ليصعد بإيمانه بالغيب إلى مصافّ ملائكة الله تعالى في السماوات، بل ليبلغ مقاماً أعلى من ذلك بالعلم والمعرفة. وأين هذا من العلوم التي تدعو الى تكريس الايمان بأُلوهية الانسان وأصالته، وتحثّ على الإخلاد إلى الأرض، ومحاولة البقاء فيها أكثر فـأكثر بأي ثمن كان؟!
والحاصل أنّ محاولة تطبيق الآيات على ما توصّل إليه العلم المختلط بالجهل البشري محاولة خاطئة، وان كان القصد صائباً. فمثلا كنّا في ما مضى نسمع كثيرا من الكتّاب والخطباء يذكرون في مقالاتهم وخطبهم انّ قوله تعالى: "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ" (الرحمن: 33)، يراد به التوغّل في الفضاء والصعود الى الكواكب الأخرى، وأنّ قوله "الا بسلطان" بمعنى القوة والقدرة، وأنّ البشر تمكن فعلا من السير في الفضاء بفضل ما اُوتي من علم وقوة، وأنّ القرآن قد تنبّأ بذلك قبل أربعة عشر قرناً.
ثم لمّا لاحظوا أنّ الله تعالى ينفي القدرة على ذلك في الآية 35 بقوله تعالى: "يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ" خابوا وانتكصوا على أعقابهم، وقام بعض المغرضين والأعداء بالاستهزاء بالكتاب العزيز، وبأنّ البشر قد تحدّى القرآن، وتمكّن من غزو الفضاء.
مع أنّ الصحيح أنّ الآية 33 لا تدلّ على ما ذكروه أساساً، وكنّا نحذّر في ذلك اليوم من هذا التفسير الخاطئ، فانّ "النفوذ" في الآية لم يتعلق بـ "أقطار السماوات والأرض" من خلال حرف "في" ليدلّ على التوغّل في الفضاء، بل تعدّى بـ "من" ومعناه الخروج من أقطار السماوات والأرض، أي الخروج من الكون وهو أمر مستحيل. وتفصيل القول في الآية في محله ان شاء الله تعالى.
ومن ذلك ايضا أنّ كثيراً من المفسرين الجدد يقولون إنّ "الجريان" في قوله تعالى "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا.." (يس: 38) يراد به حركة الشمس مع منظومتها في المجرّة، وذلك لأنّ الشمس لا تجري حول الأرض، بل الأرض تدور حول نفسها ليلا ونهارا. وقال بعضهم غير ذلك فرارا من القول بما يخالف الكشف العلمي.
وقلنا في تفسير الآية أنّ المراد هو هذا الجريان المشهود، و إن لم يكن مطابقا للواقع، فإن الغرض ليس بيان الحقيقة العلمية، بل تنبيه الانسان على ما رزقه الله تعالى من النعم، ومنها الليل والنهار، وحركة الشمس والقمر، وما يترتب على ذلك من فوائد للبشر.
وهذا نظير ما نتداوله في محادثاتنا المتعارفة من التعبير بطلوع الشمس وحركة الشمس وارتفاعها وانخفاضها وصفرتها وحمرتها وكسوفها، ولا نقصد بذلك الا الجري على ما هو الظاهر للعين فإنّ الغرض يترتب على هذه الظاهرة مع قطع النظر عن حقيقته في الطبيعة.
5- التفسير الباطني:
ومن موارد التفسير بالرأي حمل الآيات على معان باطنية استنادا الى ما ورد في الروايات من أنّ القرآن له ظهور وبطون.
فمنها ما رواه في "الكافي" عن الامام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلّم في وصف القرآن: "... وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل وهو الفصل ليس بالهزل وله ظهر وبطن فظاهره حكم وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق ..."[25].
ومنها ما رواه البرقي في "المحاسن" عن فضيل بن يسار قال: "سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الرواية: "ما من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن"؟ قال: "ظهره تنزيله، وبطنه تأويله. ومنه ما قد مضى ومنه ما لم يكن. يجري كما تجري الشمس والقمر، كل ما جاء تأويل شيء (منه) يكون على الأموات، كما يكون على الأحياء. قال الله: "وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم" نحن نعلمه""[26].
وهذه الرواية التي سأل الفضيل الامام عليه السلام عن معناها مرويّة في كتب العامة بطرق مختلفة. ويظهر من تفسير الامام عليه السلام أنّ المراد بالبطن تحقّق مصاديق الآية طيلة الأزمنة، فمنه ما قد تحقق، ومنه ما سيأتي.
وربّما يقال: إنّ هذا لا يختصّ بالقرآن، فكلّ جملة يقولها أحد ممّا يكون الموضوع فيها عامّا له أفراد تتحقّق تدريجا، فالجملة تصدق في كل تلك الموارد حتى بعد موت قائلها بقرون، فما هو الموجب لتوصيف المصاديق بالبطن في القرآن الكريم؟
والجواب: أنّ الفرق من جهة أنّ القائل هنا هو الله تعالى، وهو محيط بكلّ مراحل الوجود، ولا يختلف عنده الحاضر والمستقبل، والشاهد والغائب، بل ليس لديه غياب واستقبال. فاذا قال شيئا عن موضوع له أفراد في طول الزمان فإنّ كلّ تلك الأفراد مقصودة من نفس اللفظ، وفي سياق واحد، لا يختلف شيء منها عن شيء.
ولذلك كان القرآن يجري مجرى الشمس والقمر. فبطون القرآن وتأويله ليس بمعنى آخر، بل المراد تحقّق نفس المعنى الظاهر من اللفظ.
والتأويل: ارجاع الشيء. وهو مأخوذ من الأول بمعنى الرجوع. فتأويل المعنى تحققه خارجا.
ومن هنا يعلم معنى قوله تعالى: "بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ..." (يونس: 39)، والضمير يعود الى القرآن، فالمراد أنّهم يكذّبون به مع عدم إحاطتهم بما فيه من علم، ولم يأتهم بعد تأويل ما أخبر به من الأخبار الغيبية كما يشاهدونه بعد الموت، ويوم القيامة، وقوله: "لمّا" يدلّ على أنّ تأويله سيأتيهم لا محالة، ولكنه لم يأتهم حتى الآن.
وكذلك قوله تعالى: "هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ..." (الاعراف: 52)، والضمير يعود أيضا الى القرآن، وهو صريح في أنّهم سيجدون تأويله. والمراد تأويل ما فيه من الأخبار بالغيب، فهم يجدونه بعد الموت ويوم القيامة.
وقيل في تفسير الظهر والبطن بوجوه أُخر، أحسنها أنّ الآية قد تكون بظاهرها سردا لقصص الماضين وتاريخهم، وهي في الواقع تنبيه وتحذير.
ومهما كان فلا وجه لما يحاوله بعض أصحاب البدع والأهواء من حمل الآيات على معان بعيدة عن المعنى الظاهر، بدعوى أنّها هي المقصودة في الباطن.
وهؤلاء على قسمين: فمنهم من كانوا في العهود السابقة يحملون الآيات على معان يدّعون أنّها من العرفان، وهم الصوفيّة. وتجد كثيرا من ذلك في تفسير "روح المعاني" للآلوسي، كما يحكى ذلك أيضا عن الاسماعيلية، ولم أجد كتبهم.
ومنهم من ظهروا أخيراً، وظهر معهم نوع من النفاق، فيقولون إنّ المراد بالقيامة يوم انتفاضة الشعوب على الحكّام الظلمة، وأنّ المراد بالجنّة ونعيمها المجتمع الذي يحكمه النظام الاشتراكي، الى غير ذلك من الترّهات.
وفي هذا المورد أيضا نجد الناس بين إفراط وتفريط، فالمفرط في التوغل في البطون من عرفناهم، والمفرّط من يحمل اللفظ على ظاهره من دون تأمّل، مع أنّ كثيراً منه يراد به المعنى الكنائي. وهذا أيضا كثير في تفاسير اتباع السلف. ومن الغريب من يجمع بين الأمرين كما يلاحظ في "روح المعاني".
فمن غرائب ما نجده في تفاسيرهم حمل ما ورد في القرآن الكريم من نسبة اليد والوجه والعين الى الله تعالى على معناه الظاهري، فيقولون إنّه لا يجوز التأويل، ولكن نقول إنّ ما ينسب اليه تعالى ليس كما عندنا من الأعضاء.
مع أنّ من الواضح أنّ المراد بقوله تعالى: "وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي" (طه: 39) أي تحت عنايتي الخاصّة، والمراد باليد القدرة، وهو استعمال متعارف فقوله تعالى: "قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ..." (ص: 75) أي ما تجلّت فيه قدرتي التامّة. وهكذا.
وهذا التفريط أخطر من ذلك الإفراط، و إن كان يبدو بظاهره من الاحتياط في التعامل مع كلام الله تعالى. وذلك لأنّه لو تأمّلناه وجدناه يفضي إلى الكفر، فإنّ من ينسب الأعضاء الى الله تعالى، أو يعتقد أنّه تعالى يُرى بالعين يوم القيامة، لقوله تعالى: "الى ربّها ناظرة" فهو من المجسّمة، و إن أبى أن ينسب إليه ذلك، والتجسيم كفر بالله تعالى أي إنكار له كما تنكره الملاحدة.
وذلك لأنّنا لا نعرف الله تعالى إلا بصفاته، فإذا اعتقد الانسان أنّ الله تعالى موجود جسماني يجلس على كرسي أو على عرش، ويحكم كما يحكم الملوك، أو يعتقد أنّ له رجلاً يدخله في جهنّم يوم القيامة لتسكن بعدما أصرّت على المزيد[27]، فهو منكر لله المهيمن المتعالي، والمنزّه عن كونه جسماً ومحدوداً في مكان يمكن أن يشار إليه أو يُرى.
وعلى كل حال، فالطريق الصحيح هو الاعتدال، فلا يحمل ما يمكن الاخذ بظاهره على معان بعيدة، حتى لو كانت معقولة، فضلاً عن مثل ما ارتكبه المنحرفون ممّن نقلنا بعض تحريفهم، ومع ذلك لا يجوز أن يحمل مثل هذه الكلمات على ظاهرها الأولي. وليس هذا تأويلا ولا مخالفة للظاهر، فإن الظهور يتحدّد بملاحظة مجموع القرائن الحالية والمقالية.
نكتفي الى هنا وندعو الله سبحانه أن يهدينا الى الطريق الصحيح في معرفة آياته وأحكامه وتفسير كلامه، وأن يوفّقنا لمعرفة أسرار كتابه العظيم وأن يصون أقلامنا من الإنحراف الى التفسير بالرأي والتقوّل على الله تعالى وعلى رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلّم وعلى أوليائه الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين انه سميع مجيب.
مرتضى المهري
25جمادى الآخرة 1433
17/5/2012
[1] الوسائل ج27 ص45 ب6 من ابواب صفات القاضي ح22
[2] التوحيد: الباب 36
[3] عيون الاخبار ج2 ص 192 والآية في آل عمران: 7.
[4] كمال الدين وتمام النعمة ج1 ص 42.
[5] راجع تفسير العياشي ج1 ص 17 و18.
[6] نفس المصدر.
[7] نفس المصدر.
[8] نفس المصدر.
[9] سنن الترمذي ج 4: 268.
[10] السنن الكبرى ج5: 30.
[11] سنن الترمذي ج 4: 268.
[12] سنن الترمذي ج 4: 269 – 270.
[13] السنن الكبرى، النسائي ج7 ص286.
[14] الكافي ج1 ص 69 – ح 1.
[15] الكافي ج1 ص 69 – ح 2.
[16] الكافي ج1 ص 69 – ح 3.
[17] الكافي ج1 ص 69 – ح 5.
[18] نهج البلاغة قسم الوصايا الوصية 77
[19] صحيح البخاري ج1 ص 37
[20] صحيح مسلم ج 5: ص 76
[21] تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص2
[22] كنز العمال ج 10 ص 291
[23] نفس المصدر ص 292
[24] صحيح مسلم ج8 ص 229
[25] الكافي ج2 ص599
[26] وسائل الشيعة ج27 ص 197
[27] اشارة إلى ما ورد في كتب القوم ومنها الصحيحان وهي عدة أحاديث ننقل احدها عن البخاري: "تَحَاجَّتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتْ النَّارُ أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتْ الْجَنَّةُ: فَمَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَغِرَّتُهُمْ قَالَ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ: إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رِجْلَهُ تَقُولُ قَطْ قَطْ قَطْ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا. وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا" (البخاري ج 6: 48).