مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

سورة نوح سورة مكية بشهادة آياتها، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك. وهي تتناول قصة سيدنا نوح عليه السلام ودعوته قومه الى التوحيد، وعبادة الله وحده، واستكبارهم عن الايمان به وبرسالته، ودعائه عليهم، ونزول عذاب الاستئصال الذي أبادهم. والغرض منها تحذير المشركين في مكة والجزيرة العربية، وتسلية النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم والمؤمنين.

ونذكر هنا بعض ما يستفاد من الآيات في تاريخ نوح عليه السلام. وذلك ضمن امور:

الامر الاول: أنّ نوحا عليه السلام صاحب أول شريعة نزلت من السماء، وهذا يظهر بوضوح من ملاحظة الآيات الكريمة التي تعدّ المرسلين فإنه عليه السلام أوّل رسول ورد اسمه ضمن أصحاب الشرائع، قال تعالى (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ..). [1]

ولعلّ الوجه في عدم نزول شريعة قبله أنّ البشر آنذاك كانوا يعيشون عيشة بسيطة فلم يحدث فيهم الاختلاف المستوجب لتشريع قانون يحدّ من حرّيّاتهم، وإنّما كان المفروض منهم عبادة الله تعالى، وكان المهتدون منهم يتبعون سيرة أبي البشريّـة آدم عليه السلام.

ولكن هذا لا يعني أنّ نوحا أوّل رسول فإنّ آدم عليه السلام كان مرسلا الى ذرّيّـته اذ لا تخلو اُمّة من نذير كما قال تعالى (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) [2] ويقال: إنّ إدريس جدّ نوح عليهما السلام، وهو نبي كما قال تعالى (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا) [3] ولعله كان رسولا ايضا، فيمكن ان يراد بالمرسلين في قوله تعالى (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) [4]  آدم وادريس ونوح عليهم السلام، والله العالم.

وأمّا احتمال أن يكون المراد تكذيبهم للرسالات المتأخرة بلحاظ أنّ تكذيب رسول واحد يعتبر تكذيبا لكل الرسل من جهة وحدة الرسالة فهو بعيد بالنسبة لقوم نوح، وإنّما يصح هذا الاحتمال في سائر الأقوام الذين ورد ذكرهم في سورة الشعراء بنفس التعبير حيث كانت رسالاتهم متأخرة، فيكون تكذيبهم تكذيبا لمن تقدم من الرسل.

بل يمكن أن يقال إنّ الامم التي كانت بين آدم ونوح عليهما السلام كانوا بحاجة ايضا الى منذرين فلعل الله تعالى بعث بينهم رسلا طيلة القرون، ولا يعلم الفاصل الزمني بينهما، ولو صحّ ما يقال من أنّ الفاصل كان ألف سنة، وأنّ نوحا عليه السلام كان من الجيل العاشر فهو ايضا زمان طويل يقتضي تكوّن أقوام كثيرة متباعدة، لاقتضاء الحياة البدائية التفرّق، وتأسيس مرافق خاصّة للزرع والرعي ونحوهما.

الامر الثاني: يعتبر نوح عليه السلام الأب الثاني للبشر ويقال له (آدم الثاني) ويدلّ عليه قوله تعالى (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) [5] وذلك بعد إبادة البشرية بالطوفان الذي أغرق كل من على الارض من البشر الا من ركب السفينة وهم المؤمنون.

هذا هو المعروف في تفسير الآية الكريمة ولكن ربما يقال إنّها غير صريحة في عدم بقاء أحد من البشر الا ذريّته لاحتمال أن يكون المراد أنّ ذرّيّــته هم الباقون من قومه، ولا دليل على انحصار البشر في قومه عليه السلام، بل إن تكرر إضافة القوم اليه في هذه الآيات تشهد على خلافه كما سيأتي توضيحه.

ومع ذلك فالظاهر أنّ الطوفان تسبّب في إبادة البشر كلهم الا من حمل في السفينة وان لم يعمّ البسيطة، وذلك لقوله تعالى في هذه السورة في حكاية دعائه عليه السلام (ربّ لا تذر على الارض من الكافرين ديّارا) ومن المستبعد جدّا أن يحكي الله تعالى دعاء رسوله الا مع الاستجابة. واذا ضممنا هذا الامر الى أن الباقين من قوم نوح عليه السلام ذريته كانت النتيجة أنه أبو البشر الباقين بأجمعهم. والقول بأنّ المراد بالارض تلك المنطقة بالذات بعيد جدا، خصوصا بملاحظة الآية التالية المشتملة على التعليل (إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا) فان هذه العلة لا تختص بقومه عليه السلام.

بل المعروف أنّ الطوفان تسبّب في إبادة الحيوان والنبات ايضا بدليل قوله تعالى (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ..) هود: 40 فقد ورد في الروايات تبعا للتوراة أنّه عليه السلام حمل معه من كل صنف من حيوان البر والجو زوجين إبقاءا لنسلهم.

ولكنّ هذا ممّا لا يمكن تصديقه فهو كالمستحيل، وكيف يمكن جمع كل هذه المجموعة في سفينة مهما عظمت، خصوصا اذا أضفنا اليها الطعام الذي يحتاجه هذا العدد الهائل من الحيوانات ولمدة طويلة؟! وأما الآية المباركة فمجملة، ويمكن أن يكون المراد بقوله تعالى (من كلٍّ) كلّ أصناف الحيوان الاهلي الذي كانوا بحاجة اليه للأكل والركوب ونحوهما. وانما ذكروا ذلك لأنهم افترضوا أنّ الطوفان عمّ البسيطة كلها فلم يبق على وجه الارض أثر من الحياة فكان لا بدّ من حمل الحيوانات لبقاء نسلها.

ولكن لا دليل من الآيات على كون الطوفان بهذه السعة. وهو في حد ذاته أمر بعيد خصوصا اذا كان الغرض إبادة الكافرين، وان كان الكفر منتشرا على ما يبدو ولم يكن خاصا بقوم نوح عليه السلام، الا أنّهم كانوا في مناطق متقاربة عمّها الطوفان.

وربما يتوهم أنّ نزول العذاب على كل الكفار حتى من لم يكن من قوم نوح عليه السلام مناف للسنة الالهية حيث قال تعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) [6] فلا بدّ من القول بأنّ البشر كان منحصرا في قومه عليه السلام. ولكن يحتمل أنّ رسالته عليه السلام بلغت الى كل تلك المناطق خلال ما يقارب الف سنة، ويكفي ذلك في إتمام الحجة. واستحقاق العذاب لا يتوقف على بعث رسول خاص في كل قرية.

ويلاحظ في مثل هذا المورد إحدى صور الإعجاز في القرآن الكريم حيث إنّه لا يذكر قصص الماضين بنحو يرفضه العقل والتاريخ، ويتناقض بعضه مع بعض، كما في التوراة وما تتبعها من الروايات، ومثل ذلك بيانه لحقائق الكون، فإنّ القرآن يذكرها ببيان مجمل للتوصل الى المقصود، وهو الاستدلال على ربوبيته تعالى من دون أن يدخل في التفاصيل. ولذلك يتقبله البشر على اختلافهم في إدراك حقائق الكون في كل عصر. ولو كان القرآن يتحدث عن الكون وفقا لما يفهمه الاولون لرفضه الانسان المعاصر، ولو كان وفق ما توصلت اليه المتأخرون لرفضه الاولون، مع أنّ التكامل البشري لا يتوقف، ولا يعلم متى يتبين أخطاء البشر المعاصر.  

وأما التوراة فإنها تنقل تفاصيل القصص وتفاصيل خلق السماء والارض حسب الفكر السائد في ذلك العصر بما لا يمكن قبوله حاليا. ومن الواضح أنّ هذا ليس من كلام الله تعالى. ومؤلفو التوراة لم يعاصروا هذه الحوادث، وما كانوا علماء بحقائق الكون. ولو كانت التوراة تشمل شيئا منها فإنّها لم تصل اليهم سليمة بعد أن هاجمهم نبوخذ نصّر، وقتل كثيرا منهم، وأسر الباقين، وأحرق التوراة. وكذلك فعل من كان بعده من ملوك بابل. واُعيدت كتابة التوراة بعد قرن ونصف تقريبا، وبالطبع فانها لا يمكن أن تكون كالاصل، ولعل الوارد من هذه التواريخ في أصلها مجمل فصّله المفسرون ثم اُدخلت التفاسير في الاصل بمرور القرون.

وهذا الأمر يذكرنا بما حدث في هذه الامة للسنة النبوية الشريفة حسب نقل العامة، فإنّ بعض الصحابة والخلفاء منعوا من كتابتها بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم، وبذلك جرت السيرة الى قرن تقريبا، وهذا المقدار من الزمان يكفي لنسيان النص واضطرابه، خصوصا بعد وفاة الجيل الاول من المسلمين.

وأما السنة المروية عن طريق أهل البيت عليهم السلام فإنّها منقولة عن صحف موجودة لديهم وهي المعروفة بالجفر الابيض والجفر الاحمر وغيرهما. وكان بعض مناوئيهم يعيب ذلك عليهم، ويعبّر عنهم عليهم السلام بأنّهم صحفيون، اي يستندون الى ما سُجّل في الصحف، وكأنّ الاستناد الى الحفظ أسلم من الخطأ!!!

روى الصدوق رحمه الله حديثا طويلا ينقل الراوي فيه قول ابي حنيفة (وما يعلم جعفر بن محمد؟ أنا أعلم منه، أنا لقيت الرجال وسمعت من أفواههم، وجعفر بن محمد صحفي أخذ العلم من الكتب!) يقول الراوي: (فأتيت أبا عبدالله عليه السلام فحكيت له الكلام فضحك ثم قال: أما في قوله إنّي رجل صحفي فقد صدق، قرأت صحف آبائي إبراهيم وموسى، فقلت: ومن له بمثل تلك الصحف؟..) [7]

الامر الثالث: أنّه ليس لدينا دليل قاطع على الفاصل الزمني بين نوح وآدم عليهما السلام، ولا على الفاصل بينهما وبين اول عهد سجل فيه التاريخ. وبالنتيجة لا نعلم عمر الانسان على هذا الكوكب. وكل ما يقال في هذا الباب يستند الى روايات ضعيفة والى التوراة ومن يستند اليها، حيث قيل إن الفاصل بينهما كان الف سنة وإنّ عمر الانسان من حين هبوط آدم عليه السلام حتى يومنا هذا يقارب سبعة آلاف سنة.

ولكن الظاهر أنّه حتى لو لم يصح هذا التحديد فإنّ الفاصل بين آدم ونوح ليس كثيرا جدّا بلحاظ حدود تكثّر النسل وتباعدهم، حيث لم يبق بعد الطوفان الا ذريته عليه السلام حسبما استفدناه من القرآن الكريم. فالنتيجة أنّ ما ذكر من التاريخ لا تبعد صحته ولو تقريبا.

وربما يستبعد ذلك نظرا الى ما اكتشفه البشر حاليّا من عظام او آثار أقدام لبشر عاشوا قبل مليون سنة او أكثر. ولكن هذه الآثار لا تدلّ على أنّها باقية من البشر فلعل هناك حيوانا في قديم الزمان كان منتصبا ويمشي كما يمشي الانسان والقرآن انما يدلّ على أنّ آدم عليه السلام أبو هذا البشر بكل خصائصه وأن نوحا عليه السلام ايضا هو الاب الثاني لهم.

وهناك ملاحظات ربما تدلّنا على صحة هذا التاريخ تقريبا فمن جهة لم نجد حتى الآن حضارة بشرية أقدم من هذا التاريخ، ومن جهة اخرى فإنّ تاريخ عيسى وموسى عليهما السلام معلوم لنا ونعلم ايضا أنّ الفاصل الزمني بين موسى وابراهيم عليهما السلام لم يكن كثيرا جدا وان لم نعتمد على ما ورد في التوراة. ونجد ايضا أنّ بعض الآثار الباقية الى زمان نزول القرآن يعود تاريخها الى عهد ابراهيم عليه السلام كمدينة قوم لوط حيث قال تعالى (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [8] ممّا يكشف أنّ العهد لم يكن بعيدا جدا وابراهيم عليه السلام ليس بعيدا جدا عن عهد نوح لقوله تعالى (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ)، [9] والضمير يعود الى نوح عليه السلام.

الأمر الرابع: أنّ الوثنيّة ــ كما يظهر من هذه السورة ــ ابتدعها البشر منذ فجر التاريخ اي من عهد نوح عليه السلام او قبله، ولكنّ التوحيد وعبادة الله تعالى هو الدين الاول، خلافا لما يعتقده بعض الباحثين في هذا العصر عن تاريخ الانسان وتطوراته، من أن التوحيد فكر متأخّر ومتطوّر. ولعلّ السبب في ابتداع الوثنية في ذلك الزمان أنّهم نسوا او تناسوا ما جاءهم به آدم عليه السلام من فكرة التوحيد ومعرفة الله تعالى لبعد العهد وتشكّلت فيهم أفكار خاطئة حول هذه المفاهيم ولعلّ منها استبعاد أن يؤثر في جوانب الكون المختلفة موجود واحد فالانسان الساذج يقيس الله تعالى بنفسه ويرفض أنه لا يشغله شأن عن شأن فيبحث في كل جانب من جوانب الكون عن عامل غيبي خاص مؤثر فيه ويخترع عوامل موهومة ثم يصنع لها تماثيل يفترض أنها تمثّل تلك المؤثرات ويعبدها خوفا وطمعا.

ويبدو من تعبير الآيات أنّهم كانوا يتبعون في ذلك شخصا او اشخاصا يفرضون أفكارهم عليهم، وأنّ لهؤلاء اموالا واولادا كما قال تعالى (واتبعوا من لم يزده ماله وولده الا خسارا) فالامر يعود في النهاية الى السياسة والمكر السيء.

وهكذا البشر يعود الى الجاهلية كلما بعد عهد الرسالات، ويتوغّل فيها تدريجا حتى يبعد عن أصل التوحيد كل البعد، ويزيد تبعا لذلك فساده وظلمه، الى أن يبعث الله تعالى نذيرا يحاول هداية البشرية وارجاعها الى فطرتها وهي التوحيد.

إنّا أرسلنا نوحا الى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم... الإرسال في الحقيقة بعث أحد او شيء للتحرك نحو جهة مقصودة. ولكنها هنا بمعنى إعطاء الرسالة لنوح عليه السلام، وجعله رسولا من الله تعالى، وتحميله مسؤولية هداية قومه فإنّه عليه السلام كان حين الارسال بين قومه كما هو الحال في كثير من المرسلين ان لم تكن الحالة الغالبة ومنهم رسولنا صلى اللّه عليه وآله وسلّم فإنه بعث الى قومه وهو فيهم.

و(أن) تفسيرية بمعنى أنّها تفسر الرسالة التي اُشير اليها بقوله (أرسلنا) ومعنى ذلك أنّ رسالته الأولى هي الانذار من عذاب أليم، والآية تدلّ على أنّهم كانوا يستحقّون العذاب حين إرساله عليه السلام. والظاهر أنّ المراد به عذاب الدنيا الذي كان وشيكا أن ينزل بهم. وهذا واضح من قوله تعالى (من قبل أن يأتيهم عذاب أليم).

ولم يقل أن أنذرهم مع أنه أخصر لما في هذا الخطاب اي (أنذر قومك) من ايجاد الداعي الشخصي مضافا الى الداعي الالهي في نفس الرسول، بلحاظ أن الامر يتعلق بقومه فينبغي أن يهمّه أمرهم، ويسعده ما يسعدهم، وأن يشعر بالمسؤولية تجاههم حتى لو لم يبعث رسولا اليهم.

ولم يرد في القرآن ذكر لفساد خاص منتشر فيهم يقتضي نزول العذاب كما كان في قوم لوط وشعيب الا الشرك وهو أمر مشترك في جميع الأقوام السابقة التي عارضت الأنبياء. نعم وُصف قوم نوح عليه السلام بالفسق في قوله تعالى (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) [10] وبالظلم والطغيان في قوله (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى). [11] فيحتمل أن يكون المراد بالفسق والظلم والطغيان شركهم الذي ابتدعوه بعد نسيانهم ما ورثوه من سيرة آدم عليه السلام، ويحتمل أن يكون الظلم الاجتماعي ايضا منتشرا فيهم فإنّ ذلك أمر طبيعي بعد توسّع المجتمع وتشكّل الطبقات المختلفة اقتصاديا واجتماعيا.

ويستفاد من التعبير بالقوم مع اضافته الى نوح عليه السلام في قوله تعالى (قومه..قومك.. ياقومِ..) أنه كان هناك في ذلك العصر من البشر أقوام اُخر، والا لقال انا ارسلنا نوحا الى الناس أن أنذرهم، ولكان يقول في خطابه ايها الناس. وقد مرّ أنّ هذا هو مقتضى تكثر النسل في ما بين آدم ونوح عليهما السلام من الزمان وأنّ ذلك يقتضي ايضا تفرّق البشر وان لم يتجاوزوا الى مناطق بعيدة وذلك لتأسيس مرافق الحياة ولضرورة الرعي والزراعة فلا يمكن تجمع هذا الجمع الكثير في موضع واحد خصوصا في ذلك الزمان حيث كان البشر يعيش حياة بدائية.  

قال يا قوم إني لكم نذير مبين... هكذا كان الرسل يبدأون كلامهم (يا قوم) والكسرة بدل عن الياء اي يا قومي وبذلك يُظهر لهم حبه وإشفاقه عليهم، ويحرّك فيهم ايضا أواصر الرحم والقرابة لعلّهم بذلك يسمعون نصحه ويثقون بانذاره.

و(مبين) من الابانة بمعنى الايضاح او الوضوح، اي إني اُنذركم واُبيّن لكم ما تجهلونه من حقائق الغيب، وآتيكم بالحجج والبراهين القاطعة. او إنّي نذير صريح في كلامي لا اُخفي عنكم شيئا ولا أتّقي أحدا. وتقديم الجار والمجرور (لكم) للتنبيه على أنّ هذا الانذار خاصّ بكم. وهذا يدلّ على أنّ المراد بالعذاب عذاب الدنيا.

أن اعبدوا الله واتّقوه وأطيعون... (أن) مفسرة تبين حقيقة الانذار المبهم. وليس في ما أمر به إنذار وانما ينذرهم من مغبّة مخالفة هذه الأوامر. وقد أجملها في ثلاث: عبادة الله تعالى والتقوى واطاعة الرسول.

والأمر بعبادة الله يتضمن النهي عن عبادة الأصنام، باعتبار أنّ الانسان لا يميل بذاته الى العبادة، وانما يعبد ما يعبد خوفا وطمعا، وعلى أساس اعتقاد الربوبية والتأثير في الكون، فهو يعبد من يخاف سطوته وعقابه، ويرجو رحمته وثوابه، ودور الرسالات إرشاد الانسان الى المؤثر الواقعي الذي يجب أن يخاف ويرجى، فيجب أن يعبد وحده. والأمر بالتقوى لا يدلّ على وجود أحكام شرعية بينهم يجب عليهم العمل بها، بل يكفي في لزوم التقوى ما يحكم به العقل كقبح الظلم.

والنون في قوله (وأطيعون) مكسورة لتدل على الياء المحذوفة اي وأطيعوني. وقد تكرر ذلك في جميع وصايا الرسل عليهم السلام، وذلك لأنّ إطاعة الرسول أصل مهم في شريعة السماء والله تعالى لا يقبل من الانسان أن يتوجّه اليه ويعبده ويتّقيه من غير طريق الرسل، كما يحاول الترويج له بعض المدّعين للايمان. وليس المراد من الاطاعة العمل بأحكام الله تعالى كما يظهر من بعض التفاسير فإنّ ذلك داخل في تقوى الله تعالى، بل المراد إطاعة الرسول في كل ما يأمر به وينهى بنحو عام او خاص، فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وله الولاية عليهم، وقد قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ..) النساء: 64.  

يغفر لكم من ذنوبكم... جواب للامر اي ان تفعلوا ذلك يغفر لكم... وقد وقع الكلام في أنّ (من) اذا كانت تبعيضية كما هو الظاهر فالمعنى أنه تعالى يغفر بعض ذنوبكم، فما هو ذلك البعض؟ ولماذا لا يغفر كل الذنوب، مع أنّ الاسلام يجبّ ما قبله؟

قيل: إنها زائدة واختلف النحاة في صحة الزيادة في الاثبات. والظاهر أن القائلين بها ألجأتهم أمثال هذه الموارد الى هذا القول، فان الزائدة إنّما تفيد التأكيد في النفي والنهي والاستفهام، وهي في الواقع تبعيضية ايضا ولكنه بوجه خاص، وليس تبعيضا واضحا، فاذا قلت (ما من أحد) كان معناه الصريح (ما أحد) ولذلك يقال انها زائدة، ولكن الواقع أنّك تريد ان تؤكّد معنى النفي بأنه لم يكن هناك حتى جزء من أحد. وكذلك في النهي والاستفهام.

وقيل: إنها تبعيضية، والمراد أنّه تعالى يغفر ذنوبكم السابقة اي ما كان قبل الايمان. قال في الميزان (وأما الذنوب التي لم تقترف بعد مما سيستقبل فلا معنى لمغفرتها قبل تحققها..) ثم قال (ويؤيد ذلك ظاهر قوله تعالى (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)[12] وقوله (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)[13] وقوله (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ).[14]  

وأضاف (وأما قوله تعالى يخاطب المؤمنين من هذه الأمة "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‏ تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ.."[15] فهو وإن كان ظاهرا في مغفرة جميع الذنوب لكن رتبت المغفرة فيه على استمرار الإيمان والعمل الصالح..).

وهكذا ورد في كثير من التفاسير أنّ المراد الذنوب السابقة. وقيل: المراد بها ما يتعلق بحقوق الله تعالى ولا يغفر ما يتعلق بحقوق الناس. وقيل: إنّ التبعيض خاص بالامم السابقة وأن الاسلام انما يجبّ ما قبله في هذه الامة!! واستدل على ذلك بقوله تعالى (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ..).[16]

وهناك أقوال اُخر لا نتعرّض لها لضعفها وشذوذها.

اقول: أما قوله تعالى في سورة الانفال (قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) حيث استدل به العلامة وغيره على أنّ المراد غفران الذنوب السابقة على الايمان فأجنبيّ عن محلّ الكلام أساسا، اذ ليس المراد من الانتهاء الايمان، بل ترك القتال والاعتداء، لقوله بعد ذلك (وان يعودوا فقد مضت سنّة الاولين) فالمراد بالغفران في هذه الآية التسامح معهم في الحياة الدنيا ومن قبل الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم.

وأمّا اختصاص التبعيض بالامم السالفة والتعميم بهذه الامة فمن الافراط في حبّ الذات وما يتعلق بها، فإنّ هذه الاحكام ليست من الشريعة لتختلف فيها الامم، وانما هي من سنن الله تعالى التي لا تبديل فيها ولا تحويل.

وأمّا غفران الذنوب السابقة على الايمان فمن الواضح أنّه غير مقصود، ومن الغريب حمل أكثر المفسرين الآية على ذلك، لأنه لا يحتاج الى تقييد فلو قال بصراحة (آمنوا يغفر لكم جميع ذنوبكم) لم يتوهم أحد أنّ معناه غفران الذنوب الآتية. فإن صحّ التبعيض لزم الحمل على بعض آخر.

والظاهر أنّ التبعيض لا بدّ منه، وأنّ الموارد التي لم يذكر فيها (من) لا يراد بها الا البعض ايضا، ولكن الله تعالى يبهم هذه الامور، ولا يصرّح بما يغفر وما لا يغفر، ليبقى الانسان غير واثق من عمله ومن سوابقه. ومن البعيد جدّا أن يراد بغفران الذنوب بمجرد التوبة غفران جميعها حتى ما يتعلق بحقوق الناس، وحتى قتل النفس المحترمة.

ومن البعيد ايضا أن يكون الاسلام يجبّ ما قبله مطلقا حتى في مقاييس يوم القيامة، خصوصا اذا اريد بالاسلام مجرّد التلفظ بالشهادتين، حيث تترتّب عليه أحكام الاسلام، فالمراد بالجبّ ترتيب الاحكام الظاهرية، وعدم القصاص، وعدم مطالبة الدية، وعدم وجوب قضاء الفرائض، ونحو ذلك. وأمّا القبول عند الله تعالى وغفران الذنوب بأجمعها فلعله يتبع درجة ايمانه وصدقه. وكم من منافق أظهر الاسلام بعد أن كاد المكائد العظيمة، وتسبّب في قتل العشرات او المئات من خيرة المؤمنين، وبالغ في إيذاء الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم والمؤمنين، وبذل قصارى جهده في الصدّ عن سبيل الله تعالى، ثم نطق بالشهادتين خوفا من القتل، وبقلب مليء بالاحقاد الجاهلية، فمن يصدّق أنّ الله تعالى يغفر له كل ما صنع، فإنّه ان لم يكن منافقا مثله، فهو على الاقل جاهل بحقائق السنن الالهية والعدل الالهي.  

والحاصل أن (من) للتبعيض قطعا، ولا موجب للبحث عن أنه أيّ بعض من الذنوب، فإنّ الله تعالى أراد الابهام ليبقى الانسان بين الخوف والرجاء، ولا يتوهم أنّه كلما أخّر إيمانه وتوبته فانه يحظى بأكبر قدر ممكن من اللذة والتمتع بالحياة الدنيا، ثم يتطهر عن كل ما مضى بالاسلام والتوبة!!!

ليس كذلك.. وكل ما يفعله الانسان من صغيرة وكبيرة يؤثر في مستقبله في الآخرة، بل يؤثّر في حياته الدنيا ايضا، وفي كماله النفسي. ولولا ذلك لم يكن فرق بين المعصوم ومن تاب الى الله تعالى ثم مات قبل أن يعصي. وقد قال تعالى (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) النساء: 17- 18.

والذي يدلّ بوضوح على ما ذكرنا أنّ هناك موارد في الكتاب العزيز صرّح فيها بغفران الذنوب وتكفير السيّئات من دون ذكر التبعيض، مع أنّ الشرط فيها كالشرط المذكور هنا إن لم يكن أقلّ.

منها قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا). [17] ويلاحظ أنّ الشرط المذكور في سورة نوح عبادة الله تعالى والتقوى وإطاعة الرسول وهو أكبر من التقوى والقول السديد مع أنّ الجزاء في هذا المورد اضيف اليه إصلاح الاعمال ايضا.

ومنها قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ..)[18] فالشرط هنا الايمان والتقوى وترتّب عليه الغفران المطلق وتكفير السيّئات عموما وجعل الفرقان وهو أمر مهم جدا.

ومنها قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ)[19] الى غير ذلك من الآيات وهي كثيرة.

وربما يتوهم المنافاة بين ما ذكرنا وقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ..)[20] وقوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).[21]

والجواب أنّ هذا المضمون يؤيّد ما ذكرناه فإنّ الغفران في هذه الموارد لم يقيّد بشيء، بل مقتضى الآية الاولى أنّه تعالى يغفر ما عدا الشرك لمن يشاء من دون توبة. وذلك بدليل استثناء الشرك فإنّه ايضا يغفر مع التوبة، فلا بدّ من حمل الغفران على حالة عدم التوبة ليختصّ بغير الشرك. ومن الواضح أنّ الغرض ليس هو الوعد بغفران جميع الذنوب من كلّ مذنب ومجرم، حتى مع عدم التوبة، اذ لا يبقى حينئذ وجه لتشريع الأحكام، ولا لإرسال الرسل، وإنزال الكتب، ولا للوعيد بالعذاب.

فالغرض من هذه الآيات هو إيجاد الرجاء في النفوس، والنهي عن اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى، فإنّ القنوط من أعظم الكبائر، بل لعلّه أعظمها على الاطلاق بعد الشرك، لأنّه ينشأ من سوء الظنّ بالله، والتشكيك في أوضح صفاته المتعالية وهي الرحمة، وقد سبقت رحمته غضبه، والكون كله مبني على الرحمة، والله تعالى وصف نفسه بالرحمة مرتين بصيغة المبالغة في البسملة، وهي أول آية في القرآن الكريم وأعظم آية كما في الروايات.

والحاصل أنّه ليس معنى هذه الآيات أنّه تعالى يغفر بالفعل كل ذنب لكل أحد من دون قيد وشرط فهذا مستحيل، وانما الغرض أنّه تعالى يمكن أن يغفر لأيّ أحد أيّ ذنب عمله بالتوبة، بل من دون توبة ايضا اذا شاء. وهو لا يشاء الا حسب ما تقتضيه الحكمة، ووفقا للسنّـة الالهية، ولا يعلم أحد من يستحقّ هذا الغفران، فيبقى الانسان بين الخوف والرجاء.    

ويؤخّركم الى أجل مسمّى... عطف على (يغفر لكم) فالمعنى أنّكم اذا آمنتم، وعبدتم الله تعالى، واتّقيتم، وأطعتم الرسول، يغفر ذنوبكم، ويجركم من عذاب الاستئصال الذي يبيدكم جميعا، بل يؤخّر كل نسمة الى أجله المكتوب الذي يأتيه حسب قوانين الطبيعة والسنة الالهية، إمّا بمرض أو بحادث، أو بانتهاء الأمد الطبيعي لحياته.

وبما ذكرناه تبيّن أنّ المسمّى هو المقدّر، وهو مأخوذ من السمة اي العلامة فالمسمّى اي المعلَّم وحيث إنه يستدعي التعيين كنّي به عن المعين. والاجل المسمّى يختلف حسب الاشخاص والاسباب التي تؤدّي الى موت كل أحد، وليس المراد به خصوص الأجل الطبيعي الذي يموت الانسان فيه حتى لو لم يتعرض لحادث ولم يصبه مرض. بل إنّ كل تقدير شأنه شأن هذا الوعد المذكور في هذه الآية، فإن رأيت أحدا يعرّض نفسه للخطر بأي سبب كعدم الحيطة في السياقة، او في مجال الاعمال الخطيرة، او في الحرب، فقل له كما في هذه الآية (إحذر وتجنّب هذا التهوّر يؤخرك الله تعالى الى أجل مسمّى) اي أجل آخر يحدّده عامل آخر، قد تكون مؤثرا فيه بسوء تصرفك ايضا وقد لا تكون.

إنّ أجل الله اذا جاء لا يؤخّر لو كنتم تعلمون... الظاهر أنّ هذه الجملة تعليل لمفهوم الشرط المستفاد مما سبق، وهو تعليق التأخير الى الأجل المسمى على العبادة والتقوى والطاعة، فمفهومه أنّكم إن لم تفعلوا ذلك عجّل الله آجالكم بنزول عذاب الاستئصال على الجميع. والسبب أنّ ذلك أجل وموعد حدّده الله تعالى لنزول العذاب اذا استمر الكفر والعناد، قال تعالى (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ).[22]

والدليل على أنّ هذا هو المراد بهذه الآية قوله تعالى (لو كنتم تعلمون) فإنّ التقدير: لو كنتم تعلمون أنّ لنزول العذاب موعدا لن يتجاوزه، ولا يفيد بعد ذلك الايمان والتوبة لكنتم تؤمنون وتتقون وتطيعون.

ويمكن أن يكون المراد بهذه الجملة بيان قانون عامّ في القضاء الالهي يشمل الاجل وغيره فيكون التعليل من جهة تطبيق القانون على تحديد موعد الاجل. وذلك لأنّ أجل الله تعبير عن قضائه المحتوم، ولا شكّ في أن قضاءه المحتوم لا يؤخّر ولا يبدّل.

وأمّا ما يقال من أنّه تعليل لعدم التأخير عن الأجل المسمّى المذكور في الجملة السابقة فلا يناسب قوله (لو كنتم تعلمون) كما مرّ بيانه.

 


[1]  الشورى: 13

[2] فاطر: 24

[3] مريم: 56

[4] الشعراء: 105

[5] الصافات: 77

[6] الاسراء: 15

[7]  علل الشرايع ج1 ص89

[8] الصافات: 137-138

[9] الصافات: 83

[10]  الذاريات: 46

[11]  النجم: 52

[12] الاحقاف: 31

[13] ابراهيم: 10

[14] الانفال: 38

[15] الصف: 10-12

[16] ابراهيم: 10

[17] الاحزاب: 70-71

[18] الانفال: 29

[19] المائدة: 65

[20] النساء: 48 و116

[21] الزمر: 53

[22] الاعراف: 34