مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

سورة قريش مكية ايضا كما هو واضح ومرتبطة مضمونا بسورة الفيل ففيها ايضا ذكر لما انعم الله به على اهل مكة من سفرهم آمنين الى اليمن والشام.

وهناك قول بان السورتين واحدة وستاتي الاشارة الى احتمال ارتباطهما لفظا والصحيح عندنا انهما سورتان ولكن يجوز قراءتهما معا في ركعة واحدة كما مر وجهه في تفسير سورة الضحى. 

لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ...

اللام للتعليل وهو متعلق بقوله (فليعبدوا) اي فليعبدوا الله بسبب ايلافه اياهم لرحلة الشتاء والصيف. والايلاف إفعال من أَلِف الشيء اذا استانس به واعتاده. وفاعل الايلاف هو الله تعالى حيث جعلهم يألفون رحلة الشتاء والصيف بمعنى انه هداهم لها وهيّأ لهم وسائلها التي اهمها الامان فكانوا لا يتعرضون لاغارة قطاع الطريق لما لهم من كرامة عند العرب حيث كانوا سدنة البيت الحرام وزادتهم مجدا وكرامة واقعة الفيل.

ولذلك كانت بين السورتين صلة بل قيل ان قوله (لايلاف) متعلق بالسورة السابقة اي ان الله تعالى ارسل على الجيش الطير وجعلهم كعصف ماكول لايلاف قريش.

وهو غير صحيح قطعا فما حدث في قصة الفيل اكبر واعظم من ان يكون السبب فيه ايلاف قريش.

وقريش قيل هم بنو النضر بن كنانة وقيل بنو فهر بن مالك بن النضر ولا جدوى في الاختلاف.

وقوله (إيلافهم) بدل عن ايلاف قريش والرحلة مفعول الايلاف اي آلفهم الله رحلة الشتاء والصيف.

والرحلة المضي في السفر كما في المعجم وكانت رحلتهم الى اليمن شتاءا والى الشام صيفا وغرضهم التجارة ولم يكن لهم مصدر رزق غيره فلم تكن ارضهم ارض زراعة او رعي.    

فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ...

اي حيث منّ الله تعالى عليهم بهذا الايلاف والايناس فليعبدوه. ولم يذكر الاسم الكريم بل ذكره بعنوان رب البيت الذي يفتخرون به ويعتزون وهو مصدر كرامتهم عند الناس ورزقهم ايضا ليذكرهم بما من الله تعالى عليهم بسبب هذا البيت ثم هم يكفرون به وبربوبيته ويتركون عبادته ويتخذون اصناما لا تضر ولا تنفع يعبدونها بل يعادون ربهم كما قال تعالى (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ).[1]

ثم وصفه تعالى بانه هو الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف فحق عليهم ان يشكروه ويعبدوه. و(من) تفيد البدلية اي اطعمهم وأعطاهم الطعام بدلا من الجوع والامن بدلا من الخوف.

وذلك بدعاء ابراهيم عليه السلام كما قال تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ..).[2] وقال تعالى في أمنهم (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ)[3] فما أقل حياءهم واكثر غباءهم؟؟!!

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله الكريم واله الميامين

 


[1] الزمر: 45

[2] البقرة: 126

[3] العنكبوت: 67