كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (16)
كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الاوتاد... يذكر مجموعة من الاحزاب والعصابات القديمة وما لقوا من عذاب الاستئصال نتيجة لتكذيبهم الرسل. وهؤلاء اقوام سمع بهم قريش وعرب الجزيرة وان كان ذلك خلال الاساطير. والقرآن الكريم يصحح الاخطاء ويذكر الخبر الصحيح ليكون عبرة لهم ودرسا.
ونوح عليه السلام أول الرسل أصحاب الشرائع، وقومه بالطبع أقدم الاقوام، ويأتي بعدهم عاد قوم هود عليه السلام، وهم من الاقوام القديمة الذين سكنوا الجزيرة العربية، ولذلك ورد فيهم قوله تعالى (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ..) الاعراف: 69، ويأتي بعدهم ثمود قوم صالح عليه السلام قال تعالى (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ..) الاعراف: 74، والغالب في ذكر الاقوام أن تذكر عاد وثمود بالترتيب. ولعل ذكر فرعون قبل ثمود لرعاية القوافي.
وقوله (ذو الاوتاد) ورد وصفا لفرعون هنا وفي سورة الفجر، ويمكن ان يراد بها الاهرام تشبيها لها بالوتد، وهو اقرب مما قيل من انه كان يعذب بالاوتاد فيسمّرها في اجسام الناس. والمراد بفرعون هنا قومه بحذف المضاف لان الصفة المذكورة صفة شخص فرعون.
وثمود وقوم لوط وأصحاب الايكة اولئك الاحزاب... الأيكة: الشجر الملتف. واصحاب الايكة قوم شعيب عليه السلام لقوله تعالى (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلينَ * إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ) الشعراء: 176ــ 177.
ثم وصفهم بانهم هم الاحزاب اي هم الجماعات المجتمعة على معاداة الرسل وتكذيبهم. والغرض تشبيه حال المشركين باولئك الاحزاب فهم قد لقوا مصيرهم المحتوم وهو العذاب الالهي استأصلهم عن بكرة ابيهم، وهؤلاء ايضا ينتظرون ذلك. وهذه الجملة تدل على أن مشركي مكة من نفس المجموعة لانه قال قبل آيتين أنهم جند من الاحزاب، ثم حدّد في هذه الآية المراد بالاحزاب.
ان كل الا كـذب الرسل فحق عقاب... الكسرة في آخر كلمة (عقاب) تدلّ على الياء المحذوفة تخفيفا. و(حقّ) بمعنى ثبت، اي ثبت عليهم عقابي بذلك. والحصر يفيد انهم لم يكن لهم ذنب يستحقون به العذاب الالهي الا انهم كذبوا الرسل، في اشارة الى أنّ اللّه تعالى لا يعذب الاقوام باعمالهم الا بعد ارسال الرسول واتمام الحجة، وأنّ تكذيب الرسل هو السبب التام في نزول العذاب فلا يغرّنّكم التاخير.
وما ينظر هؤلاء الا صيحة واحدة... ينظر بمعنى ينتظر، وعطف الجملة بالواو يدل على نوع من التبعية والتفريع، فاولئك استحقوا العذاب بتكذيبهم وهؤلاء ينتظرونه. وانما عبر بالانتظار مع انهم لا ينتظرون بل يكذّبون ويستهزؤون به تنبيها على انه محقق لا محالة فكأنّهم في حال الانتظار.
وربما يكون ذلك على حقيقته لانهم لم يكذّبوا عن علم، بل ربما كانوا يعلمون بصحة دعوى الرسالة، ولا يمنعهم من الايمان الا الحسد والكبر فلا يبعد أنّهم كانوا يتوقّعون دائما نزول العذاب عليهم.
والظاهر أنّه تهديد للقوم بعذاب الاستئصال وان لم يعذبهم اللّه الا بايدي المؤمنين. والآيات تدل على الاستحقاق لا على الفعلية فلا ينافي ذلك عدم نزول عذاب الاستئصال عليهم.
وقال اكثر المفسرين: إنّ المراد بالصيحة النفخة الاولى لان العذاب مرفوع عن هذه الامة. ويردّه قوله تعالى (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) فصلت: 13،فالصحيح ان التهديد حسب الاستحقاق ولا ينافي ذلك عدم الوقوع لمصلحة اخرى.
هذا مع ان احتمال وقوع العذاب في المستقبل قائم والآيات لم تحدد زمان وقوعه. ولا ينافيه قوله تعالى (وَمَا كَانَ اللّه لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) الانفال: 33، كما توهم فانه لا يدل الا على نفي العذاب حال حضوره صلى اللّه عليه وآله وسلم بين ظهرانيهم ولا يشمل حتى بعد الهجرة فكيف بما بعد ذلك.
ما لها من فواق... يقال ان الفواق هو الفاصل الزمني بين حلبتي الناقة فهو اشارة الى أنها اذا جاءت لا تمهل.
وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب... القطّ: ما قطع من الشيء، يقال قطّه اي قطعه عرضا، ويقابله القدّ، وهو القطع طولا، ويستعار به للنصيب والحظ، كما يستعار ايضا للصحيفة. وهذا الكلام من المشركين جار مجرى الاستهزاء بما اوعدوا من العذاب في الآخرة، او بما يسلّم اليهم من صحيفة الاعمال يوم القيامة.