مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفينَ (86) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حينٍ (88)

 

قل ما أسألكم عليه من أجر... اي على تبليغ الرسالة. وهذا آخر فصل في السورة يشير الى ما تكرّر التأكيد عليه في القرآن وعلى لسان الرسل اجمعين، وهو ان الرسالة ليست للوصول الى هدف ماديّ. وهذا هو المائز الحقيقي الواضح والصريح بين الرسالات الحقيقية والمدّعين الذين يتشبثون بالسحر ونحوه لإغفال العامّة، فانّهم يبتغون من وراء ذلك الوصول الى اهداف واغراض مادية، وهو واضح من تصرفاتهم، ولكن الرسل لا يطلبون هدفا ماديا، بل يضحّون باموالهم وانفسهم في سبيل الدعوة.

وما أنا من المتكلفين... امر الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم ان ينفي عن نفسه التكلّف كدليل اخر على صدقه في دعواه. والتكلّف هو انتحال الانسان صفة ليست له وهذا من طباع بعض الناس. فالمتكلّف اذا كان بين من يتظاهرون بقوة الجسم تراه ينتحل لنفسه البطولات الكاذبة، واذا كان بين المتدينين الصالحين تجده يتلبس لباسهم باشدّ ما يمكن ويتطرف في اقتراحاته الدينية ويبالغ في تقواه وتورّعه وهو كاذب منافق، واذا توسط اهل العلم والفضل تظاهر بثقافته الوسيعة وحبه للعلم والعلماء، وهكذا.

فالتكلّف طبيعة لبعض الناس اينما حلّوا وايّ بيئة نزلوا، والرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم كان بين ظهرانيهم اربعين سنة قبل ان يبعث للرسالة، وهم يجدونه انسانا صريحا واضحا لا يتصنّع ولا ينتحل ما ليس له، وهذا ايضا طبيعة واضحة من بعض الناس يعرفهم بها من يعاشرهم، ومثل هذا الانسان لا يتّهم في مجتمعه اذا ادّعى لنفسه امرا، خصوصا مثل هذا الامر العظيم وهو رسالة السماء.

إن هو الا ذكر للعالمين... اي إنّ ما جاء به الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم وهو القرآن الكريم ليس الا ذكرا للعالمين. والحصر اضافي اي انه ليس كما يزعمه المبطلون سحرا او شعرا او اساطير بل هو ذكر للعالمين، ولا يخصّ قوما دون قوم، ولا زمانا دون زمان، ولا مكانا دون مكان، بل هو يجري مجرى الشمس والقمر.

وهكذا يحدّد الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم رسالته بعد اثبات كونه على حق، وهو انّها ليست الا لتذكير الناس بفطرتهم التي فطرهم اللّه عليها، فانا لم آتكم بامر غريب عليكم، ولا أدعوكم الى أمر تمجّه الانفس وتعافه الاذواق، بل هو امر يدعوكم اليه الطبع والعقل السليمان، وهو ترك عبادة ما تخلقونه بايديكم، وتصنعونه من الاصنام والشخصيات، وعدم الخضوع لشيء الا للخالق الواحد القهار.

وهذا امر يتقبله كل العالمين بفطرتهم، وانما يغفلون عنه ويتباعدون منه نتيجة الدعايات الكاذبة والاماني المختلقة التي يبثّها اصحاب الاهواء والمصالح المادية الذين يريدون بذلك السلطة على الناس وسلبهم اموالهم، وما جئت به يذكّركم بما تملي عليكم الفطرة السليمة.

ولتعلمنّ نبأه بعد حين...وفي نهاية المطاف تهديد مؤكّد بلام القسم ونون التأكيد للمكابرين الذين يلفّقون الاعذار لتجاهل هذه الفطرة السليمة تماديا في الغيّ وركضا وراء الاهواء والشهوات بأنّكم ستجدون ما اُنبئكم به من حقائق مذهلة ومخيفة على ارض الواقع يوم لا ينفعكم الندم ولا يفيدكم الايمان. وذلك ليس بعيدا بل هو بعد حين. والحين القطعة من الزمان، فالمراد اما حين الموت حيث تظهر الحقائق واضحة عارية او يوم القيامة. والحمد للّه رب العالمين.</