مكتب سماحة السيد مرتضى المهري

وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)

 

وما أرسلنا في قرية من نذير الا قال مترفوها انا بما ارسلتم به كافرون...  يعود الى بيان حال المستكبرين في الدنيا، ويفنّد بعض اوهامهم، ويقدّم على ذلك ذكر ما يسلّي الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى لا يهتم بشأن المستكبرين والمترفين وعدم ايمانهم، وهوأن هذا دأبهم في مواجهة جميع الرسالات.

والتعبير يوحي بالشمول التام لا يشذ عن المجتمعات شيء في ذلك حيث أتى بالنفي والاستثناء المفيد للحصر بصراحة (ما ارسلنا في قرية من نذير الا..) والقرية بمعنى المجتمع، وعبر عن الرسول بالنذير لان الوظيفة الاساسية للرسل هي الانذار بعالم غائب عن العيون والافكار لا تصل اليه الابحاث البشرية مهما تعمقت وتوسعت. وعبّر عن المستكبرين بالمترفين لان الترف هو السبب الاساس في الاستكبار (ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى).

والمترف: اسم مفعول من الاتراف، وهو المبالغة في الانعام، فاذا قدّم الاهل لولدهم كل ما يشتهيه من طعام ونحوه يقال أترفه اهله. والمراد هنا الذي اترفه اللّه بقرينة قوله تعالى (الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا...) المؤمنون: 33.

وهذا الانعام من اللّه تعالى عذاب ونقمة قال تعالى: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) التوبة: 55، وهو عذاب من عدّة جهات:

منها بعد المترفين عن اللّه تعالى فيعيشون معيشة ضنكا ولا يرون للحياة هدفا.

ومنها أنهم يعذّبون في ضميرهم ووجدانهم، حيث يجدون حولهم الفقراء والمساكين يموتون جوعا ومرضا، وهم يملكون اضعاف ما يحتاج اليه الفقراء، ولكنهم لا يتمتعون بالسخاء فلا يساعدونهم. ومهما حاول الانسان ان لا يهتم بصوت ضميره فانه يبقى يؤنبه وهو يتعذب بذلك ولو في بعض الوقت. 

ومنها طغيانهم واستكبارهم الذي يؤدي في النهاية الى هلاكهم حتى في هذه الحياة لأن المجتمع الذي يفرط في التنعم يكسل ويترهل.

ومنها: أنه يوجب الاغترار بالنفس فيتوهم المستغني بأن له على الله كرامة، وهكذا يتم استدراجه وهلاكه من حيث لا يشعر قال تعالى (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) القلم: 44-45. وسيأتي بعض الكلام في هذا الوجه.

ومنها أنه يمنع من الايمان بالرسالات لان المستكبر يرى في الرسالات الدعوة الى التواضع والمساواة والتضحية والجهاد والزكاة والانفاق في سبيل اللّه ونحو ذلك، وكل هذا لا يلائم طبعه الطاغي. ولذلك نجد أن أكثر المؤمنين بالانبياء هم من الفقراء والعبيد.

قال تعالى حكاية عن قوم نوح: (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) الشعراء: 111، فالمقياس عند هؤلاء أن يكونوا في صفّ الطغاة المترفين، والسبب في عدم ايمانهم بنوح عليه السلام ان الفقراء هم الذين اتبعوه فحسب.

وقال تعالى حكاية عن قوم فرعون: (فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ) المؤمنون: 47.

والحاصل ان الاتراف ليس نعمة كما يتوهم. وقد روي عن امير المؤمنين عليه السلام: (من وُسّع عليه دنياه ولم يعلم انه مُكر به فهو مخدوع عن عقله).

ثم ان الآية لا تنقل عن المترفين ارتيابا في صدق المرسلين وانما تركّز على عدم ايمانهم بما ارسلوا به تأكيدا على كفرهم برسالة السماء بقول مطلق.

وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين... وهكذا يتفاخرون بكثرة الاموال والاولاد، ويتظاهرون بانهم واثقون من ان اللّه تعالى لا يعذبهم.

وهذا يمكن ان يكون بمعنى نفي العذاب في الدنيا كما حكى عنهم في كثير من الآيات ومنها ما مر من قولهم (متى هذا الوعد ان كنتم صادقين) والمراد نفي تحقق ما يتوعدهم به الانبياء من عذاب الاستئصال.

ويمكن ان يكون بمعنى نفي العذاب في الآخرة. وهذا اظهر.

وليس ذلك بمعنى نفي الآخرة وان كانوا ينكرونها، بل بمعنى انه على فرض وجود حياة اخرى يحاسب اللّه فيه عباده فانه لا يحاسبنا ولا يعاقبنا، بدليل انه خصّنا بكثرة الاموال والاولاد وليس ذلك الا لكرامة منا عليه، او انه يحترمنا لكثرة اموالنا واولادنا كما يحترمنا الناس.

وهذا اظهر بقرينة قوله تعالى (وما اموالكم ولا اولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى). بل ان بعضهم ينكر الرب ولكنه يعتقد بهذا الوهم افتراضا اي لو كان هناك رب فانه يحترمنا ويكرمنا لكثرة الاموال والاولاد.

وقد ورد ذكر هذا الوهم في عدة مواضع من القرآن، منها قوله تعالى: (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا) الكهف: 36 وقوله تعالى (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى) فصلت: 50.

والى هذا المعنى اشارت السيدة زينب سلام اللّه عليها في خطابها ليزيد لعنه اللّه: (اظننت يا يزيد حين اخذت علينا اقطار الارض وضيّقت علينا آفاق السماء... أنّ بنا من اللّه هوانا، وعليك منه كرامة وامتنانا، وأنّ ذلك لعظم خطرك، وجلالة قدرك، فشمخت بانفك، ونظرت في عطفك... فمهلا مهلا، لا تطش جهلا، أنسيت قول اللّه عز وجل: أحسب الذين كفروا أنما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين).

وهذا الوهم يسري في المجتمع ايضا وقد سمعنا بعض جهال العامة يصرّحون بذلك ويتوهمون ان اصحاب الملك والمال لهم عند اللّه كرامة، بل اني سمعت بعض المتلبسين بلباس اهل العلم يقولون ذلك. وهذا امر غريب. واللّه تعالى يردّ هذا التوهم بالآية التالية:

قل ان ربي يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر... البسط بمعنى التوسعة. والتقدير: التضييق. ومردّ هذا الجواب ان توسعة الرزق وتضييقه لا يدلان على ميزة لصاحبه وانما يتبع ذلك مشيئة اللّه سبحانه، ومشيئته تتبع المصالح الكونية العامة فاللّه تعالى وان كان يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولكنه حكيم لا يشاء الا ما تقتضيه الحكمة.

ولكن اكثر الناس لا يعلمون... في المراد بعدم علمهم احتمالان:

الاول: أنهم يظنون أنّهم بعلمهم ودهائهم اكتسبوا ما اكتسبوا، كما قال قارون: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي... ويرد عليه في القرآن: أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا؟! القصص: 78، فلولا ان اللّه تعالى اراد له ذلك لم يكن بمقدوره ان يجمع هذا الثراء العظيم. وكم من داهية قبله وبعده حاول ان يبلغ ما بلغ فلم يستطع.

الثاني: أنّهم لا يعلمون ان البسط والضيق ليس اكراما واهانة قال تعالى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا..) الفجر: 15 ــ 17، فلا البسط للاكرام، ولا التضييق للاهانة، بل كله للابتلاء والامتحان.

والابتلاء بالتضييق اسهل، والنجاح فيه ايسر، فلا يحتاج الا الى صبر وعدم انزعاج، وعدم اعتداء على الاخرين، بخلاف الابتلاء بالتوسعة فان الانسان مسؤول عما انعم اللّه به عليه، وفي كل نعمة حقوق، وفي كل غلة وربح زكاة، ولكن الانسان لكونه ظلوما جهولا كما مر في آخر السورة السابقة يتلهف شوقا الى السعة والثراء اكثر واكثر.

وما اموالكم ولا اولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى... وهذا رد على توهم المستكبرين أن الله تعالى يحترمهم لأن لهم أموالا واولادا كما مر بيانه. والزلفى اي القربى، فهو مفعول مطلق.

ولو كان للمال والاولاد شأن عند اللّه لأوسع على أنبيائه فيهما، ولكان الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم أبعد خلق اللّه منه مع انه اقرب الخلق اليه تعالى. بل الاموال والاولاد فتنة ووسيلة للامتحان والاختبار، فالانسان بذلك يتحمل مسؤولية اكبر، وكلما اتسعت الرقعة كبرت المسؤولية، واشتد البلاء والامتحان، وقلّ الناجحون. قال تعالى: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللّه عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) التغابن: 15.

الا من آمن وعمل صالحا فاولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا... يمكن ان يكون الاستثناء منقطعا، فالمعنى ان المناط في القرب لدى اللّه الايمان والعمل الصالح لا الاموال والاولاد.

ويمكن ان يكون متصلا بمعنى ان الأموال والأولاد لا تقرّب أحدا الى الله تعالى الا المؤمن الذي يعمل في امواله واولاده ما هو صالح للتقرب الى الله تعالى، فان الانسان اذا كان مؤمنا بربه ومعتقدا بان هذه الاموال والاولاد انما هي منه نعمة وابتلاء، وعمل بما يمليه عليه الواجب الشرعي تجاهها، من تربية الاولاد تربية صالحة وانفاق المال في سبيل الله تعالى فان له جزاء الضعف بما عمل.

وفي كون الجزاء ضعفا احتمالان:

الاول: أن عمله يتضاعف فيتضاعف جزاؤه وذلك لأنه اذا أحسن بماله وأنفق في سبيل الله كثرت الادعية بحقه بل كان شريكا في كل ما يترتب على عمله من عمل حسن، واذا ربّى ولده تربية صالحة فهو شريك في كل ما يعمله من عمل صالح وبذلك يتضاعف جزاؤه.

الثاني: أن جزاءه ضعف عمله حتى لو لم يتضاعف العمل، وليس الضعف بمعنى التثنية بل الزيادة، قال الخليل رحمه الله: (أضعفت الشي‏ء إضعافا، وضاعفته مضاعفة، وضعّفته تضعيفا، وهو إذا زاد على أصله فجعله مثلين أو أكثر) وقد قال تعالى (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا..) الانعام: 160.

ومعنى كونه ضعفا أنه ضعف ما يتصور من الجزاء، فان الجزاء هناك لا يقاس بما نجده هنا من نعم، بل المثلية ايضا ليست كما نتصور، فقوله تعالى (عشر امثالها) لبيان أنه لا يقاس بعمله، وليس بمعنى أنه اذا تصدق بدرهم أعطاه الله تعالى عشر دراهم.

والاحتمال الثاني هو الاقرب كما لا يخفى.

و هم في الغرفات آمنون... آمنون من كل ما يعكر صفو الحياة من خوف او مرض او عدوان او عذاب، او اي شيء يتصور مما يخاف منه، وهم يعيشون في الغرفات اي الحجرات العليا، مشرفون على غيرهم ومترفعون عن كل دناءة واحتقار. وكونهم في الغرفات اُشير به في غير هذا الموضع ايضا قال تعالى: (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) الفرقان: 75.

والذين يسعون في آياتنا معاجزين... يقابل هؤلاء، المستكبرون الذين يسعون في آيات اللّه. والسعي: الركض والمشي السريع. والمراد به هنا بذل غاية الجهد. والمعاجزة بمعنى محاولة التعجيز، فالمعنى أنهم يبذلون غاية جهدهم لتعجيز اللّه تعالى في آياته.

والتعجيز قد يكون بمعنى مقاومة ما يجدونه من آيات الله تعالى بعدم الانصياع لما تقتضيه من الايمان، فكأنهم يسابقون اللّه تعالى، ويسابقون سطوته وعذابه، قال تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ) الانفال: 59 وقال تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) العنكبوت : 4.

وقد يكون بمعنى اظهار الاستخفاف بالايات بالرغم من تيقنهم بانها آيات الحكمة والعظمة الالهية كما قال تعالى (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) النمل: 14.

اولئك في العذاب محضرون... الحضور معناه واضح لا يكاد يفسر بأوضح منه. والاحضار بمعنى الحضور قسرا. وهو يفيد معنى الملازمة للعذاب وعدم الخلاص منه، كقوله تعالى (واحضرت الانفس الشحّ..) النساء: 128، ومعناه أنّ الشحّ طبيعة ملازمة للانسان. وفاعل الاحضار في الموضعين هو الله تعالى.

قل ان ربّي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له... يعود الى التاكيد على ان الرزق من اللّه تعالى يبسط لمن يشاء ويقدر له. وزاد في التعبير هنا كلمة العباد مضافة الى الله تعالى ليتبين انه من شؤون الربوبية، وليس في التقدير والضيق عداء لاحد، ولا في البسط والسعة حب واكرام. ولكنّ الجملة هنا مقدمة للترغيب في الانفاق بخلافها في المورد السابق حيث كانت للردّ على توهم المستكبرين.

وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين... المراد بالانفاق الذي يخلفه اللّه هو الانفاق في سبيله. والاخلاف ان يعطيه اللّه من المال ما يسدّ مسدّه. والظاهر ان الاخلاف في الآخرة وان كان الغالب في الدنيا ايضا أنّ اللّه تعالى يبارك في المال المزكى، الا ان البركة الحقيقية ليست في التكاثر كما يظن، بل البركة في ان يصرف المال في مورده الصحيح ويكسب الانسان به رضا ربه.

ولعل قوله تعالى (خير الرازقين) بمعنى انه لا يتصور رازق خيرا منه فهو خير رازق مع أنه لا رازق غيره تعالى.

ويظهر من عبارات المفسرين وغيرهم انه خير بالقياس الى سائر الرازقين كالسلطان لرعيته، والسيد لعبده، والرجل لعائلته.

وهو بعيد فان القياس بين رازقيته تعالى ورازقية غيره لا معنى له، فليس في الكون من يمكن ان يكون رازقا غيره تعالى. والوسائط في الرزق ليسوا رازقين. وهذا نظير قوله تعالى احسن الخالقين، وليس في الكون خالق غيره الا بضرب من التجوز. وعلى كل حال فما ذكرناه اولى.